أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح في فرنسا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح في فرنسا. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 10 يوليو 2022

افتتاح فعاليات الدورة 76 من مهرجان أفينيون المسرحي جنوب فرنسا

مجلة الفنون المسرحية 
افتتاح فعاليات الدورة 76 من مهرجان أفينيون المسرحي جنوب فرنسا

عبد الجبار خمران

تتم افتتاح فعاليات الدورة 76 من مهرجان أفينيون المسرحي جنوب فرنسا -- الخميس 7 يوليوز 2022 بمسرحية (الراهب الأسود) إخراج المخرج الروسي كريل سيريبرينوف Kirill Serebrennikov -- 
المسرحية مأخوذة عن الرواية القصيرة الفلسفية الأخيرة لانطوان تشيكوف، بنفس العنوان "الراهب الأسود"صدرت عام 1894.
وقد حضر 2000 شخص عرض افتتاح فعاليات مهرجان أفنيون.



الأحد، 12 يونيو 2022

سارة برنار سيدة المسرح الفرنسي

مجلة الفنون المسرحية
سارة برنار سيدة المسرح الفرنسي

باسم توفيق - الوطن 


نحن نتحسر على ما مضى من تاريخ.. هذه حقيقة قد تكون مطلقة وتراجيدية في بعض الأحيان وهذا بالتحديد ما يواجهه كتاب السير الذاتية الآن حيث لا يحظى معظمهم بحيوات عظيمة وعبقرية للمعاصرين وأصحاب التاريخ القريب ومن ثم لا يستطيع أحدهم أن يفرد كتابا كاملا عن شخصية من شخصيات عصرنا الحديث الفنية أو السياسية إلا إذا حوى هذا الكتاب الكثير من الخطل والافتراء ومن ثم علينا أن نعترف أن البحث والتنقيب في تضاعيف الشخصيات القديمة والتي لم يسلط عليها الضوء هي الأكثر نفعا لكتاب السير الذاتية بحيث يكون استحضار هذه الشخصيات من بطن التاريخ ودهاليزه المظلمة أكثر إمتاعا للقارئ والكاتب معا من سرد أحداث عادية في حياة شخصية معاصرة لم تبلغ من المجد معشار ما بلغته شخصية من شخصيات العصر الماضي.
ولذا علينا أن نحسد كتاب السير القدامى أمثال بوردو وزفاييج ودانالي والذين كانت في معيتهم وبالقرب منهم شخصيات عظيمة وعبقرية أرخوا لها فوجدوا مادة خصبة يجللها الفخار والتعظيم من كل الجوانب على الرغم من وضاعة أصول بعض هؤلاء العظماء إلا أنهم بلغوا شأوا بعيدا من المجد والتأثير في العالم أجمع وهذا هو شأن شخصيتنا اليوم التي أطلق عليها مرارا وتكرارا ألقاب لعل أعظم ملكات الأرض لم يحظين بها فحصلت على لقب سيدة المسرح الفرنسي ثم سيدة فرنسا الأولى ثم أميرة أوروبا غير المتوجة ثم سيدة القارات الخمس والكثير من الألقاب والمسميات التي استحقتها عن جدارة.. هذه هي سيدة زمانها ولؤلؤة فرنسا وأوروبا في وقتها الممثلة المسرحية سارة برنار التي حلت ذكرى وفاتها الرابع والتسعون هذا الأسبوع وبينما قدمت مسارح مثل الكوميدي فرانسيز والأوديون في باريس وهي أكثر مسارح تألقت عليها سارة برنار بينما قدمت احتفالات متواضعة أو قل رمزية إلا أن مسرح رابطة ليبرينسبير قدم عملا مسرحيا حرا يحسد عليه قدم فيه جزءا لا بأس به من حياة سارة برنار بل وقدم بعض الأسرار عن حياتها إلا أن العرض ركز بشكل كبير على طفولتها وصباها كما ركز على علاقتها بقطبي الأدب الفرنسي فكتور هوجو والكسندر دوماس، وقبل أن نتحدث عن هذا اللغز وهذه القامة العالية التي تدعى سارة برنار علينا أن نتساءل لماذا لم يخصص كل من الأوديون والكوميدي فرانسيس المسرحين اللذين حفرت سارة برنار اسمها على خشبتيهما بحروف من ذهب؟ الحقيقة أن اضطراب النشاط المسرحي في باريس وفي فرنسا كلها يكاد يكون كبيرا بل حتى أننا نرى أن المسرح الباريسي مثله مثل معظم مسارح العالم يعاني تراجعا واضطرابا كبيرا فالبرنامج فقير مقارنة بأربعين أو خمسين سنة مضت والعروض التجريبية والحداثية والحركية تعج بها قوائم هذه المسارح الكبرى وهذا بالتحديد يؤثر على مساحة المسرح الحقيقي في النشاط المسرحي هذا المسرح الحقيقي التي تشكل الرواية والأقصوصة المسرحية ذات الحبكة أهم أركانه، ومهما تذرع كتاب العروض الحداثية بأنهم يسيرون وفق نص غير مرئي أو غير منطوق وأنهم يسيرون في سيناريو معد سلفا إلا أن الشكل المعروف للنص المسرحي وطريقة معالجته على المسرح يظل هو الطعم الحقيقي والمقبول لما يعرف بفن المسرح.. وربما مسارح الجيب التي أعيد فتحها مرة أخرى في باريس تعيد النشاط المسرحي الباريسي مرة أخرى لطريقه الصحيح ومجده القديم.
كما قلنا إن عرض سارة برنار الذي قدمه مسرح رابطة ليبرنسبير يركز أكثر ما يركز على طفولتها وصباها ويعرض للأحداث الكبيرة التي أدت بها لأن تكون هذه القامة المسرحية العظيمة والعرض كتبه وشارك فيه شانتال فيرير وسيمون أوشيتزي، لكن الحقيقة أن عرض سيرة سارة برنار لا يمكن معالجتها في عرض مسرحي لتنوعها وتعدد الأحداث والوقفات فيها ومن ثم يجب إسقاط الوحدات الثلاث المسرحية الحدث والمكان والزمان ولا يمكن معالجتها في فيلم سينمائي إلا إذا كتب السيناريو بعناية واختزال شديد ولنا وقفة في حياة سارة برنار ربما تأتي بجديد ليعرفه القارئ عن هذه المعجزة التي انحنى لها الأباطرة والملوك وتسابق على خطب ودها الأمراء والنبلاء والوجهاء في أوروبا كلها.
يروي عبقري المسرح المصري الفنان نجيب الريحاني أنه كان يسير بصحبة عزيز عيد في شارع عماد الدين ليلا فوجد حشدا غفيرا من الناس يتصارعون مندفعين كطوفان جارف نحو باب مسرح البارداي القديم ويحاول من هم في المقدمة أن يحملوا مقعد سيده قعيدة مبتورة الساق ولما سأل الريحاني أحد المتدافعين قال له الشاب ألا تعرف سيدة المسرح في العالم كله سارة برنار؟ ومن ثم تسابق معهم الريحاني لحمل مقعد سارة برنار التي لم تفقد مجدها مطلقا بفقد ساقها ولم تفقد حظوتها لدى جماهير المسرح في العالم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعلى القارئ الكريم أن يتخيل أنه في عصر لا توجد فيه وسائل إعلام حديثة لا تليفزيون ولا إنترنت وحتى الإذاعة كانت وليدا جديدا كيف لسارة برنار أن تصل لهذه الحظوه في القاهرة؟ وقبلها كانت في إسبانيا وحينما همت بالنزول من القطار كان في انتظارها أكثر من خمسة آلاف من الإسبان وتدافع الجمع لحمل مقعدها بل وأكثر من ذلك أنه من لم يستطع أن يشارك في حملها خلع معطفه وألقى به ليسير عليه الرجال الحاملون لمقعدها حتى تصل للعربة التي تقلها لمكان إقامتها... وهذا المشهد كان يتكرر في كل المدن التي زارتها من موسكو لإسطنبول ومن انجلترا لنيويورك.
كانت سارة برنار التي ولدت في عام 1844 والتي توصف بأنها سيدة المسرح في العالم ابنة غير شرعية لأم هولندية وأب فرنسي والذي اختلفت الروايات حول كنية هذا الأب فالبعض قال إنه محامٍ ريفي مغمور كان قد تعرف على أمها أثناء دراسته في باريس والبعض يقول إنه بحار وهكذا حتى أن العديد من علية القوم نسبوا سارة برنار لهم لكثرة حبهم لها فيما بعد لكنها ولدت كما قلنا لأم تحيا حياة المرح واللهو وحيث كانت خليلة لعلية القوم في فرنسا ومن ثم لم ترد أن تكون طفلتها في معيتها فعهدت بها لخادمة تربيها في بيتها نظير مقابل من المال لكن الطفلة لما بلغت سن الرابعة لم ترد أن تحيا مع الخادمة فألقت بنفسها من النافذة وأصيبت إصابة أقعدتها في بيت أمها لعامين ثم أرسلتها والدتها للدير حتى بلغت الرابعة عشرة وكانت راهبات الدير قد قررن طردها لميولها الدنيوية حتى قيل إنها كانت تواعد الشباب على سطح الدير ليلا، أحب عشيق أمها الدوق دي مورني أن يبعدها عن البيت فأرسلها لمعهد التمثيل والذي لم يكن يقبل بها لولا وساطة دي مورني وهذا قد هيأ لها بعد أن تخرجت أن تعمل في الكوميدي فرانسيز الذي كان يعتبر منارة المسرح آنذاك لكنها لم تكن تحب التمثيل وطردت من الكوميدي فرانسيز لأنها كانت نفورة شرسة فسلكت مسلك أمها في بادئ الأمر لكنها عادت بقوة للمسرح وتألقت فيه بعد أن تركت عشيقها الذي قرر الزواج وكان من أعرق الأسر البلجيكية وهو الأمير هنري دي لين والد ابنها الوحيد موريس والذي رفضت أسرته الزواج فأبدعت سارة برنار في المسرح لتنسى حبها للأمير هنري دي لين.
وقفت سارة برنار أمام الإمبراطور نابليون الثالث وبدون أن تعرف كرهه لفكتور هوجو الذي كان معترضا على حكمه ولهذا السبب نفي لانجلترا 17 عاما وقفت فأنشدت قصيدة لهوجو فأستاء نابليون الثالث وخرج هو وضيوفه تاركا لها الكوميدي فرانسيز خاليا وكان هذا الحدث أول ما ربطها بقطب الأدب الفرنسي فكتور هوجو وحدث بعد ذلك أنها كانت تقدم مسرحية لألكسندر دوماس على خشبة الأوديون وكان الجمهور يهتف بعد سقوط نابليون الثالث بحياة هوجو ولا يريد أن يسمع على المسارح غير هوجو ومن ثم انقلب الهتاف ضد دوماس الذي كان صديقا لهوجو لكن سارة برنار حسمت الموقف بمعجزة حيث خرجت للجمهور وخاطبتهم قائلة إنكم تريدون العدل وتحبون هوجو لكن ما ذنب دوماس في نفي هوجو؟ فصفق الجمهور وهدأت القاعة وفتح الستار مرة أخرى ليشاهد الجمهور مسرحية دوماس.. وكان دوماس سعيدا جدا فلقد أنقذته سارة برنار فلما فرغت من دورها خاطبها قائلا يا ابنتي إن كل ما أكتب ملكك أنت وسوف أكتب لك رواية لك أنت. وهذا يؤكد مما لا يدع مجالا للشك أن غادة الكاميليا التي أبدعت فيها سارة برنار كان قد كتبها دوماس خصيصا لها من وحي علاقتها بالأمير هنري دي لين ورفض أسرة دي لين زواجهما.
كانت سارة برنار ذات سطوة وتأثير يقترب لفعل السحر على قلوب الأمراء والأباطرة فهذا قيصر روسيا الكسندر الثالث يدعوها لقصره الشتوي وبعد أن قدمت عرضها نزلت لتنحني له فيبادرها قائلا: لا تنحني أرجوك أنا الذي عليه أن ينحني وبالفعل ينحني لها الكسندر في واقعة سجلها التاريخ، الأكثر من ذلك أنه أثناء الصراع بين فرنسا وانجلترا أتت سارة برنار لانجلترا ومنع الرقيب معظم مسرحياتها حتى أنهم رفضوا وساطة الوزير الفرنسي فكتبت سارة برنار خطابا للملكة ماري ملكة انجلترا تقول لها فيه إن مسرحياتها باريسية لكنها غير منافية للأخلاق وسوف أحمل لك جميلا إذا توسطت لي فترسل ماري فورا أمرا للورد كرومر الرقيب آن ذاك والذي عين معتمدا ساميا في مصر بعد ذلك فيرفع الحظر فورا عن مسرحيات سارة برنار، بل أن الأرشيدوق فريدريك ارشيدوق النمسا لما أتت سارة برنار لفيينا وضع قصره تحت تصرفها ولما سئل عن ذلك قال: لا أحب أن أرى ملكة تنزل في فندق، الكل اعتبرها ملكة والكل اعتبرها أميرته الخاصة حتى فكتور هوجو ذلك الرجل العجوز حينما كان يشاهد مسرحية من مسرحياته بعد عودته لباريس تؤديها سارة برنار بكى وأرسل لها اليوم التالي خطابا قال فيه: أبكيتني يا ابنتي حين بكيت وحركت مشاعري أنا العجوز لقد أعدت هوجو للحياة فوق خشبة المسرح. وأرسل لها مع الخطاب سلسلة ذهبية تحمل ماسة على شكل دمعة وقيل إن سارة برنار احتفظت بها حتى ماتت وكانت تقربها لصدرها أثناء أدائها على خشبة المسرح.
كانت سارة برنار تحب أداء أدوار الموت وكانت 80 % من أدوارها تنتهي بالموت ومن ثم صنعت لنفسها تابوتا من خشب الورد وكانت تضعه بجانب سريرها بل أنها أحيانا كانت تنام فيه وهو ذاته التي دفنت فيه حيث سار جثمانها في دورات ثلاث يجوب باريس بين جموع الشعب الذين احتشدوا لتوديع سارة برنار وكانوا كلما عبر جثمانها انحنوا تقديرا لها وعيونهم تذرف دمعا غزيرا حتى مدفنها في مقبرة بير لاشيز الباريسية.
أدت سارة برنار أدوارا طبعت باسمها في التاريخ المسرحي مثل غادة الكاميليا وكليوباترا وثيودورا وهاملت.. والحقيقة أن سارة برنار تسابق فناني عصرها على رسمها بل وكانت السبب في شهرة بعضهم مثل ألفونسو موكا الذي كان يرسم لها افيشات أعمالها المسرحية ومنهم جوفاني بولديني ولي باج ولويس أبيما وغيرهم كثيرون تفننوا في رسم هذا اللغز العبقري الذي يسمى سارة برنار.
توفيت سارة برنار عام 1923 وكانت في سنواتها الأخيرة تمثل بساق واحدة بعد أن بُترت بسبب المرض وتزوجت مرة واحدة من شاب يوناني وسيم كان مدمنا للمورفين والذي قضى عليه في ريعان شبابه.

الجمعة، 28 يناير 2022

أندروماك يوريبيديس بين اقتباس راسين ومعركة موليير المجنونة

مجلة الفنون المسرحية

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2021

وجدي معوض يواجه الحرب ليستعيد أمه مسرحيا عرض باريسي تشارك فيه عايدة صبرا مجسدة معنى الأمومة المغتربة

مجلة الفنون المسرحية

وجدي معوض يواجه الحرب ليستعيد أمه مسرحيا عرض باريسي تشارك فيه عايدة صبرا مجسدة معنى الأمومة المغتربة

كاتيا الطويل 

يقدم المخرج والكاتب المسرحي اللبناني - الكندي، المقيم في فرنسا، وجدي معوض، عمله المسرحي الجديد، بعنوان "أم"، وهو عمل مسرحي يعرض على خشبة المسرح الوطني الفرنسي في كولين، والذي عُيّن معوض مديره منذ عام 2016. وتأتي مسرحية "أم" التي ستعرض حتى نهاية العام الحالي (نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021)، بمثابة جزء جديد من أجزاء خماسية معوض حول الأسرة، والتي يروي فيها قصة عائلته وهجرته من لبنان، وتوجهه إلى فرنسا أولاً، ثم كندا، ففرنسا من جديد. ومعوض الذي يعرف عنه تأثره بالميثولوجيا الإغريقية وتشبّعه منها، يتجه اليوم نحو السيرة الذاتية مركزاً على الذاكرة والهوية والعلاقة بالماضي وبالأم وبالوطن. ويختار معوض الممثلة اللبنانية الرائعة عايدة صبرا لتجسد دور الأم بكل حرفية وإتقان، وإلى جانبها أوديت معلوف بدور الشقيقة وتيو عقيقي بدور وجدي معوض في عمر السنوات العشر والصحافية البلجيكية كريستين أوكرينت بدور مذيعة الأخبار. فيقدم هؤلاء جميعهم أداء جميلاً وواقعياً وصادقاً يتمكن من إقناع الجمهور بقسوة الموقف وحساسية الهجرة والتوتر والقلق الناجمين عنها.

وفي عمل ذاتي يستعيد فيه معوض سنواته الخمس الأولى في المهجر الباريسي، نراه ينقل لجمهوره في ساعتين وعشر دقائق تفاصيل حياته في عمر السنوات العشر مع أمه وشقيقته وإقامتهم في الدائرة 15 من باريس، إنما من دون والده "عبدو"، الذي بقي في بيروت حرصاً منه على بيت العائلة والمستودع والأعمال إبان الحرب اللبنانية. ولا يبالغ من يجد في هذه المسرحية عملاً ذا رائحة ومذاق ولغة لبنانية. فوجدي معوض الذي ما فتئ يراوغ جمهوره ويفاجئه وينصب له الأفخاخ، ارتأى في عمله هذا أن يختار اللغة اللبنانية البيضاء لغة العرض وليس الفرنسية كعادته في ذلك، كما اختار أن تكون الأم (عايدة صبرا) منغمسة طيلة العرض في الطبخ، بين تبوّلة وكبّة وورق عنب وغيرها، تهز روائح المطبخ اللبناني كيان الجمهور، وتكاد تجعله يتذوق طعم البيت اللبناني وطعم الحياة اللبنانية من يدي الأم، وكأن تحضير الطعام وظيفة الأم الأولى، ملتصق بهذه الأم اللبنانية، حتى وهي متوترة ومنهارة في بلاد المهجر: بلاد المنفى واللجوء والهرب من الموت والوحشية.

المسرحية ذاكرة

يظهر وجدي معوض المخرج الخمسيني طيلة العرض، فهو يدخل خشبة المسرح ويغادرها بهدوء ولا مبالاة وكأنه يذكر الجمهور أن هذه المسرحية هي ذاكرته، وأنه هو الذي يتذكر، وهو الذي يروي، وهو الذي يقرر كيف سيتطور الأمر بأسره. حتى إنه لا يتوانى في تغيير أماكن الأشياء على المسرح، أشياء قليلة ككنبة وطاولة طعام وتلفاز وهاتف... ديكور داخلي لبيت بسيط يتحكم به وجدي معوض المخرج، ويغيره بين المشهد، والآخر ليؤكد للجمهور أنه حر في تذكر ما يشاء كيفما يشاء.

من مسرحية أم لوجدي معوض.jpg
أوديت معلوف في المسرحية (مسرح لا كولين، توينغ- في غوين)
يختار وجدي معوض الخمسيني في رمزية متوهجة، أن يعيد أيضاً إحياء أمه جاكلين ليكمل حديثه معها، حديث لم يكن ليجريه معها، وهي بعد على قيد الحياة، لأنها أم لبنانية، أم غاضبة متوترة قلقة هستيرية، أم تحمل همها، وتتحمله، وتحتويه. وفي مشهد مُوازٍ بالغ العمق والحزن والرمزية، يستعيد وجدي معوض ذكرى أمه في أيامها الأخيرة عندما تطلب منه أن يفرك قدميها، فهي لم تعد تشعر بهما. فيأتي وجدي معوض الخمسيني، ووجدي معوض الطفل، ليدلكا معاً قدمي الأم. يدلك الاثنان معاً هاتين القدمين اللتين هربتا، وهاجرتا، ونُفيتا، وحملتا الحقائب والهموم والأحزان. لم يختر معوض أن يأتي ألم الأم من قدميها بشكل اعتباطي، أراد الألم آتياً من القدمين وكأنه آتٍ من الرحيل نفسه.

الحرب هذه الآلة الطاحنة

جسّدت "أم" وجدي معوض حسرة كل لبناني اضطر إلى مغادرة وطنه جرّاء الحرب، جسدت التوتر والقلق والهلع لدى كل مغترب بقي معلقاً بوطنه على الرغم من أنه هرب منه، جسدت الخسارة والمعاناة والحزن في قلب كل أم حملت همّ أبنائها وزوجها ووطنها على كتفيها، جسدت الخسارات الكثيرة والعميقة التي لا يتحدث عنها أحد في نشرات الأخبار، جسدت الإعلام الغربي الذي اتّشح باللامبالاة والهدوء إزاء الوحشية الواقعة. وسائل التواصل الموظفة في هذا العمل تعمل جميعها لنقل معلومات من بيروت ولتقديم أخبار الحرب والقذائف فيها، من التلفزيون إلى الهاتف فالراديو، توقع دائم للأسوأ وانهيارات صغيرة تعزز مشاعر القلق والتوتر والمعاناة.

المسرحي وجدي معوض يفضح مخاطر الشهرة الفنية

وجدي معوض يمسرح انفجار المرفأ نصا وصوتا عبر أون لاين
نجح معوض مرة جديدة في التعرض لموضوع الحرب بقسوتها ووحشيتها وقدرتها الهائلة على احتكار العواطف والأفكار، وكأنها كآلة طاحنة تهرس على حد سواء من يواجهها ومن يهرب من أمام وجهها، فلبنانيو الداخل ولبنانيو الخارج خاسرون جميعهم على حد سواء. خاسرون أينما كانوا ومهما هربوا. يتحدث الإعلام عن أعداد القتلى وعن اجتماعات رجال السياسة وتجار الأسلحة، يتحدثون بالأرقام والنسب ثم يغيرون الموضوع ليتحدثوا في شأن آخر، إنما المهاجرون، أولئك الذين يتنقلون من مكان إلى آخر بحثاً عن الأمان، أولئك الذين اهترأت أعصابهم وهم ينتقلون من الهاتف إلى الراديو فالتلفزيون بحثاً عن أي خبر وأية معلومة، فمن يذكرهم؟ وهل من خلاص لهم؟

في حديث أجريناه مع عايدة صبرا تحدثت الممثلة الكبيرة عن التحضيرات وعن العلاقة التي كان لا بد من أن تخلقها مع شخص الأم لتتمكن من أداء دورها، فقالت: "بدأت التحضيرات لهذا العمل في الصيف، منذ شهر سبتمبر (أيلول) تحديداً. لم يكن هناك نص في الأساس، فقد تطورت المشاهد مع التقدم في العمل، واكتمل النص بالتدرج. هذه هي طريقة وجدي معوض في الكتابة والعمل، فلا شيء ثابت، ولا نص متحجر. يملك معوض حالة من التمرد على نصه، فهو يحفر في النص وفي الممثل ليخرج الأفضل من الاثنين. أقمنا مع معوض نوعاً من المختبر التمثيلي لمدة ثلاثة أسابيع، أعطانا فيه معلومات كثيرة عن والدته وعن عائلته، حتى إنني تكلمت مع شقيقته وقابلتها في مونتريال لأقترب أكثر من شخص الأم. قدم لنا معوض معلومات عن حياته مع عائلته وشبعنا نوعاً ما بالتفاصيل التي ساعدتنا لنقدم هذا العرض".

أم وجدي

وتكمل صبرا متحدثة عن دور الأم قائلة: "أم وجدي تشبهني، وتشبه كل أم لبنانية. ربما ليس بهذا التوتر المبالغ به الذي أقدمه، إنما ليس الضغط والقلق بغريبين عن أي أم لبنانية. أنا شخصياً أعشق الشخصيات الصعبة التي تخلق تحديات وتحمل طبقات نفسية مركبة، وهنا انتقلت الأم من لبنان: مرادف الوطن والانتماء والهوية والاستقرار والحياة العائلية إلى بلاد الهجرة، فسكنتها حالة رعب وتوتر وقلق وتوجس. تزعزعت دواخل الأم نتيجة لحالة اللاثبات واللاانتماء، وباتت امرأة منهكة الأعصاب على شفير الانهيار في كل لحظة. ومع بقاء الزوج في لبنان نتيجة لظروف قاهرة، تولدت في الأم حالة معاناة نفسية وتوتر دامت طيلة سنوات هجرتها، فقد جاءت إلى مدينة لا تشبهها لا بالتقاليد ولا بالمعتقدات ولا باللغة ولا بالتحرر ولا بالأفكار... إلخ، ثم وجدت أن أولادها راحوا يتشربون هذه الثقافة الجديدة، وراحوا يبتعدون عن ثقافتهم الأم على الرغم من أنها حاولت محاربة ذلك بقدر ما استطاعت".

-------------------------------------
المصدر :independentarabia

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

زيارة سريعة لمسرحية " جزير الذهب "لأريان منوشكين / محمد سيف - باريس

مجلة الفنون المسرحية 

الاثنين، 28 يونيو 2021

قبعة العدل عند كامو / علاوة وهبي

مجلة الفنون المسرحية 

قبعة العدل عند كامو

البير كامو(1913\1960)كاتب فيلسوف روائي وكاتب مسرحي ولد في قريةالذرعان (مندوفي)بولاية الطارف حاليا .جاء ابوه من فرنسا مع الكولون الفرنسي الذي استولي علي اراضي الفلاحين الجزائريين غصبا وظلما .توفي ابوه بعد سنة واحدة من ميلاده   وفي السنة الاولي من قيام الحرب العالمية الاولي .عاش حياة يتم ولكنها لا تساوي يتم ابناء الجزائر وعاش حياة فقر ولكنها حياة بدخ مقارنة بحياة الفقر لاطفال الجزائر .ميلده في الجزائر جعل الكثير ممن كتبوا عنه ينسبونه للجزائر قائلين بانه كاتب جزائري كما يفعلون مع ماسياس المغني اليهودي .وهذا جهل منهم بالحقائق. كاموا ليس جزائريا ومولده في الجزائر لا يمنحه صفة الجزائري فهو عاش طيلة حياته حاملا لجنسية فرنسا   ولم يذكر يوما انه جزائري  وقد اختار عن قناعة كنا ذكر في روايته الغريب اختار الام .وحضنها والام رمز للوطن الام اي فرنسا  وفي اغلب اعماله كان ذاك اختياره .
كتب كامو عدد قلبلا من الاعمال المسرحية منها كالبجولا وحالة طوارئ والحصار وسوء تفاهم والعادلون. هذه الاخيرة جاءت رد فعل منه علي مسرحية جان بول سارتر الايذي القذرة واذا كانت مسرحية سارتر اختارت مجري احداثها في بلد من الخيال نحته سارتر من كلمة ليبيرتي الفرنسية ليصبح البيريا  التي يعتقد اغلب الدارسين انها هانغاريا فان كامو اختار ان تكون مدينةاحداث مسرحيته واقعية وهي روسيا في بداية البناء  البولشيفية فيها .يتحدث سارتر في مسرحيته عن التخطيط لاغتيال خائن طاغية اختار ان تكون بلاده الي جانب المانميا وايطاليا  الفاشيتين . والمجموعة التي تخطط لهذه العملية مجموعة من المناضلين في الحزب الشيوعي ويختار كامو كحدث لمسرحيته تخطيط مجموعة من المناضلينةفي الحزب البلشفي الروسي اغتيال الطاغية الدوق الكبير.
يعمد كامو الي القول بان هذه المجموعة هي العادلون لانهم يحاربون الظلم واغتيالهم للدوق هو العدل واذا كان سارتر يصف من يخططون لاغتيال حاكم البيريا بالارهابيين فان كامو يصفهم بالعادلين  .وفي غمرة ذلك ينسي كامو ان ابناء الجزائر الذين يخططون لاغتيال الكولون الفرنسي وطغاة الجيش الفرنسي هم كذلك عادلون لانهم يبحثون عن تخليص وطنهم من الاحتلال والطغاة الفرنسيين الذين سلبوهم اراضيه .بل لا يتردد في وصف ابناء الجزائر بالارهاب ولم يكن له موقفومن اغتيالات الجيش الفرنسي لازيد من45الف مواطن جزائري بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وعشية الاحتفالات بانتصار الحلفاء علي المانيا النازية . فمجد ما حدث في روسيا وادان مظاهرات الجزائريين  ووصفهم بالارهاب ورأي فيما فعلته فرنسا بهم عدلا .وهكذا  يصبح هنا  تلطاغية عادلا وتلعادل ارهابي عكس مسرحيته تماما لماذا لانه لا يعتقد بان من حق الجزائري الثورة ضد من اغتصب ارضه ولا اعتبر نفسه جزائريا.
اعتمد كامواةفي مسرحيته هذه التي قدمت لاول مرة علي ركح  المسرح من طرف مسرح  هيبورت سنة1949وبطولة عشيقته ماريا كزاريس وهي في خمسة فصول.
 قلت اعتمد فيها بشكل خاص علي كتاب بوريس  ستافانكوف(ذكريات ارهابي).عبثية كامو تعبث حتي بالوقائع التاريخية .لذلك ما هو عدل عنده في دول اخري لا يعد عدلا بالنسبة له في الجزائر التي ثارت من اجل استعادة سيادتها واستقلالها .وهو هنا وفيا لموقف ابيه الذي جاء رفقة الكولون واستولي علي اراضي ليست ملكا له بل هي ملك لفلاح جزائري واستولي عليها وبني فوقها مسكنه.كامو لا يعتبر موقف هذا الفلاح وثورته ضد اب كامو عدلا بل يعده ارهابا ويعد موقف ابيه هو العدل تلك هي قبعة العدل في المفهوم  الكاموي  .
مسرحية العادلون له تنصف البلشفي الروسي وتعارض الثائر الجزائري .  لان الروسي بعيد عن فرنسي في الجزائري الذي تحتل فرنسا ارضه لو يقف كامو الي جانبه يعني انه يقف ضد بلده فرنسا وهو لا يريد معاضة سياسة  بلده علي  النقيض من مواطنه سارتر الذي اعتبر ما تقوم به فرنسا في تلجزائر من اغتيالات وانتهاكات لحقوق الانسان عار عليها .فكامو هنا كانت تهمه مصلحة بلده ولا تهمه حقوق الانسان او عدالة قضية انسان الجزائر في محاربة الاحتلال الفرنسي..لماذا لانه اختار كما سبقت الاشارة ومنذ غريبه الوقوف الي جانب امه مهما كانت عدالة القضية التي تكون امه طرفا فيها.
ورغم ذلك لا يمكننا سوي القول بان مسرحية العادلون لكامو مسرحية مأساوية   محكمة الكتابة جميلة اللغة.

الثلاثاء، 9 مارس 2021

"المهمّة".. مسرحية تتساءل عن موقع الإنسان في التاريخ

مجلة الفنون المسرحية

الخميس، 11 فبراير 2021

المسرح الفرنسي في القرن العشرين... مواجهات صادمة مع الوجود الإنساني

مجلة الفنون المسرحية


المسرح الفرنسي في القرن العشرين... مواجهات صادمة مع الوجود الإنساني

رضاب نهار

ثار المسرح الفرنسي على النمط الواقعي الكلاسيكي الذي سار عليه المسرح العالمي طيلة قرون

يقول الأديب الفرنسي يوجين يونسكو (1909 ـ 1994): "إن رغبة المؤلف في مسايرة عصره دليلٌ على أنه تخلّف عنه".

تلخّص عبارة يونسكو منهج مسرحيي القرن العشرين الفرنسيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تغيرات مخيفة طالت كافة نواحي الحياة لدى الإنسان الحديث. وما كان منهم إلا أن أنصتوا بصدق إلى قواهم العقلية والروحانية، فأبدعوا أشكالاً مسرحية جديدة، لم تساير العصر، إنما قرأته بوعيٍ ثقافي وفكري وقدّمت نقدها الموضوعي لتحولاته ضمن منظومة متكاملة من العناصر الفنية غير التقليدية على الإطلاق.

ويعتبر مسرح القرن العشرين في فرنسا، منذ بدايته وحتى نهايته، مختبراً للتجارب الجديدة التي التفتت بحقّ نحو المعاناة الإنسانية بعيداً عن التراجيديات الكلاسيكية والقواعد الصارمة المحددة للمؤلفين. وفي حين نجد أن هناك ثمة اختلافات واضحة بين مناهج هذا المسرح، نؤكّد أنها جميعها ناقشت مفاهيم الذات، الهوية، التشظّي الإنساني الحاصل بغض النظر عن الأسلوب والطريقة.

وإذا ما تتبعنا أصول التيار الفكري الجارف الذي غزا المسرح الفرنسي والحياة الثقافية والفنية الفرنسية طيلة القرن الماضي، نصل إلى الثورة الفرنسية التي عزّزت حرية التعبير وحرّضت على الإبداع، إذ أطلقت العنان للفكر بالتمرّد على الكثير من القواعد والأطر الكلاسيكية المقيّدة لحياة الإنسان في ذلك الوقت. ولقد أدى التطور الاجتماعي والسياسي الناتج عن الثورة إلى إعادة النظر في النظريات الفلسفية المعنية بالوجود الإنساني والتي تمظهرت في عدد من التيارات الدينية والفلسفية منها المذهب الأرواحي الذي ثار على الرؤية الكونية الخرافية بقيادة الفرنسي آلان كارديك (1804 ـ 1869).

صيغ وقوالب جديدة تناسب المحتوى الجديد

لكن، وبالعودة إلى المسرح، فإن الجهد الثوري في الكتابة المسرحية الفرنسية قد بدأ عندما وجد الكاتب المسرحي نفسه أمام تحديات زعزعت أسس ومفاهيم القيم بالنسبة إليه. وصار مطالباً بخلق صيغ وقوالب جديدة تناسب المحتوى المتغير للأفكار التي أصبح عليها شكل العالم الجديد. وعلى الرغم من أن هذه التجارب الطليعية انتشرت في كل أوروبا، وفي مناطق أخرى من العالم، إلا أن البصمة الخاصة كانت للأيدي الفرنسية التي بدأت بالتغيير وبتكسير القوالب الجامدة وبخرق القواعد الأرسطية متجسّدةً في عدة تيارات فنية وفكرية ما زال تأثير روّادها من المسرحيين الفرنسيين حاضراً على مسرح اليوم في جميع أنحاء العالم، من بينهم صموئيل بيكيت، يوجين يونسكو، جان جينيه، جان بول سارتر، أنطونان آرتو وجان كوكتو الذي تلا في العام 1962 الرسالة الأولى لليوم العالمي للمسرح.

وكان من الملاحظ أن تلك التجارب التي ظهرت مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، قد تميّزت بالفكر العدمي، كالدادائية ومن بعدها السريالية التي أسسها الشاعر الفرنسي أندريه بريتون (1896 ـ 1966) كمذهب يستند على اللاوعي الإنساني أو على العقل الباطن. وهو ما جعل المسرحيات السريالية شبيهة بالأحلام التي يفقد فيها العقل الواعي سيطرته على الأحداث.

ولا نستطيع أن نذكر المسرح السريالي دون أن نذكر المسرحي الفرنسي ألفريد جاري (1873 ـ 1907) الذي فتح الباب أمام السريالية في مسرحيته الشهيرة "أوبو ملكاً" المكتوبة وفق المعايير الكلاسيكية المسرحية المعهودة، والحاملة في مضامينها ثورة ضد عبدة السلطة ومجانينها ومنهجاً فكرياً جديداً بين السطور. وبهذا قدّمت تهكّماً قوياً لراهن ذلك الزمن الراسخ تحت الأنظمة البرجوازية المتعفنة، معتمدةً على إبراز الأحلام والغرائز الإنسانية المكبوتة.

مواجهة أخرى للواقع نجدها في "مسرح القسوة" الذي أوجده الكاتب والمخرج الفرنسي أنطونان آرتو (1896 ـ 1948) ساعياً من خلاله إلى صدام مباشر وشديد مع الجمهور. وهنا لا نتحدث عن نصوص بقدر ما نتحدث عن عروض بصرية تلجأ إلى عناصر وأغراض وأفعال تُمارس على خشبة المسرح، وتسيطر عليها ثيمة العنف من أجل الوصول إلى ما أطلق عليه آرتو اسم "التطهير النفسي" عند المتلقي.

وآرتو الذي قضى أواخر حياته في المصحات العقلية، تأثّر بالسريالية بعد أن وجد الواقع المعيش بحاجة إلى تغيير في الأسلوب المسرحي. فلجأ إلى تطوير عناصر المسرح لتعبّر عن واقعٍ استثنائي خارجٍ عن المألوف، لا يعكس الحياة اليومية العادية لكنه مستوحى من معنى الحياة بحد ذاتها.

الجهد الثوري في الكتابة المسرحية الفرنسية بدأ عندما وجد الكاتب المسرحي نفسه أمام تحديات زعزعت أسس ومفاهيم القيم بالنسبة إليه

لماذا تمّ التخلّي عن الواقعية في المسرح؟

ثار المسرح الفرنسي على النمط الواقعي الكلاسيكي الذي سار عليه المسرح العالمي طيلة قرون. ولم يعد للوحدات الثلاث سطوتها على نتاجات المسرحيين الجدد. تغيّر مفهوم الشخصيات المسرحية وتبدّلت حواراتها بما يعكس التشظّي الكبير الذي بدأ إنسان القرن العشرين بتلمّسه في شتى نواحي الحياة وأصبحنا أمام تيار جديد يسمّى بـ "العبث" صاغه الناقد مارتن إسلين من مقالة كتبها الفرنسي ألبير كامو عام 1942 حول عبثية الموقف الإنساني.

جاء "العبث" نتيجة حتمية لما عاشه المجتمع الفرنسي والعالمي بعد خوض أفظع وأشنع المصائب التي تسبّبت بها الحرب العالمية الأولى ومن بعدها الحرب العالمية الثانية، حيث لم يعد هناك قدرة للتعبير بواقعية عن واقع مجنون يفتقر إلى أدنى معايير الإنسانية. وأصبح "الخرس" سيّد الموقف وأبلغ تعبير عن الخوف، الضياع، وغيرها من المشاعر السلبية التي جعلت الإنسان يتقوقع على نفسه وسط عزلة فردية منعته من التواصل السليم مع ذاته ومع الآخرين حوله.

ازدادت هذه العزلة مع الثورات الصناعية التي عملت على تعزيز الطبقات والفروقات الاجتماعية، فضلاً عن كونها حوّلت الجوهر الحقيقي للحياة الإنسانية إلى ماديات وبالتالي فقد الإنسان هويته وكينونته متحولاً إلى مجرد شيء لا يسيطر على مجرى الأمور. فبعد أن كان هو المحور الرئيسي للأحداث أصبح مفعولاً به لا أكثر ولا أقل.

ويؤكّد محمد عبد المنعم في كتابه "المسرح السياسي" أنه "حينما قامت الحرب العالمية الثانية، تركت آثارها المدمّرة في النفس البشرية، إذ تعتبر امتداداً للحرب العالمية الأولى فيما خلّفته بويلاتها من خراب وفوضى، فتراكمت الآثار السلبية للحربين العالميتين، وحدثت أزمة في الضمير العالمي تمثّلت في موجة من الغضب شملت الأنساق الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة. خاصةً وقد أنهت أمريكا الحرب بإطلاق القنبلة الذرية، فصارت الحياة الإنسانية كلها مهدّدة بخطر الإبادة الشامل، فضلاً عن استخدام السلاح النووي في عملية ابتزاز دولي متبادل بين الأطراف، فخيّم على العالم في ظل الحرب الباردة رعب نووي كامن، مما أصاب إنسان هذا القرن بالحيرة وتناقض الأفكار والعواطف، والتأرجح بين واقعه الجديد ومعطيات عالمه الداخلي، الأمر الذي شعر معه بالضياع وفقدان الثقة واليقين في كل شيء، فتمخّضت عن ذلك مذاهب فكرية وفلسفية عديدة، كانت لها انعكاسات واضحة في الأدب المسرحي كالوجودية مثلاً".. وأشهر روّادها الفرنسي جان بول سارتر (1905 ـ 1980) الذي وجّه نقده لأخلاقيات المجتمع مؤكّداً على الأدب الملتزم الموجّه نحو قضايا الحرية والتبعية وغيرها من المواضيع السياسية والفلسفية.

إذاً  وكما يرى عبد المنعم أنه وفي غمرة هذه الحيرة التي سيطرت على العالم بأسره، تصاعد شعور الإنسان في ذلك القرن بعبثية الكون والوجود، وعدم جدوى الحياة أو النشاط الإنساني، فالعدم يهدده ويتربّص له..

الشخوص المسرحية في مسرح "العبث" واقعية، بشرية من لحمٍ ودم لكنها تعيش وسط محيط غير معقول، يصعب تصديقه. تتصرف بعبثية وسريالية، لكل كلمة تنطق بها تأويلات فلسفية وجودية يمكن إسقاطها على ذلك الواقع المزدحم بعلاقات غير منطقية ولا يمكن حلّها. وغالباً نراها تعيش في دوامات لا منتهية،  وتواجه مواقف وأحداثاً غامضة ولا يمكن حلها، ومن الصعب التوصّل إلى تحليلات منطقية حولها، ما يعني أن العبث هو الثيمة والمنهج والأسلوب. فمن هو "غودو" في مسرحية "في انتظار غودو" للإيرلندي الفرنسي صموئيل بيكيت (1906 ـ 1989) ؟ هل هو شخص من لحمٍ ودم؟ أم مجرد رمزٍ له معنى وجودي أكبر من حرفية الكلمة؟ بالطبع نعم..

تمادت ثورة مسرحيي العبث على الواقع السائد بأفكاره التي لم يعودوا يؤمنون بها حتى طالت اللغة نفسها. فنصوص تيارات مسرح  العبث واللامعقول تعكس في عباراتها فقدان التواصل والتفاهم بين البشر، وتحيل إلى سخرية سوداء تحاكي التشاؤم الشديد في حقيقة الأمر. بالإضافة إلى أنها وصلت حد الفصام بدءاً منعناوين المسرحيات نفسها.. فلا وجود لمغنية صلعاء أبداً في مسرحية "المغنية الصلعاء" التي كتبها يوجين يونسكو  لتعبّر عن اغتراب وفصام الإنسان في الواقع.


التغييرات التي طالت الكتابة المسرحية، امتدت آثارها إلى خشبة المسرح حتى احتضنت كل العملية الإخراجية التي استحوذت مع ستينيات القرن الماضي على اهتمام أكبر تنحّت أمامه أهمية النص كأدب مقروء. لكن هذا لا يعني أن الأدب المسرحي اضمحلّ نهائياً وتراجع حتى مات المؤلف. فثمة نصوص كثيرة ما زالت تقرأ الواقع برؤية معاصرة، وتعكس في صفحاتها المفاهيم الحداثية الجديدة التي فرضتها العولمة وثورة الاتصالات والتكنولوجيا في فرنسا وكل العالم، وهي موجودة بقوة وبكثرة على الساحة الأدبية في فرنسا. لكن وتحديداً، فيما يخصّ القارئ العربي، فالمشكلة تكمن في ندرة الترجمة التي تحوّل النصوص الفرنسية الحديثة إلى اللغة العربية.

وقد التفتت الدكتورة ماري الياس الحاصلة على دكتوراة المسرح من فرنسا، إلى هذه الأزمة في كتابها "أنتولوجيا المسرح الفرنسي الحديث" الذي ترجمت في جزئيه مجموعة من النصوص المسرحية كتب معظمها في الثلث الأخير من القرن العشرين، مبينةً أن بعض ما تمّ ترجمته في الكتاب هو نماذج لما يمكن أن نسمّيه الكتابة الجديدة في القرن العشرين.

والياس الحاملة للسعفة الأكاديمية فرنسا عن مهماتها الثقافية، كانت قد أشارت في مقدمتها أنه من الصعب تأطير هذه النصوص في تيار، حيث أن الكتابة اليوم بشكل عام تحمل سمةً أساسية: هي التحرر من أية قواعد أو أعراف مهما كانت، ومنها قواعد العرض الأولي التي تفترض وجود الشخصيات المكتملة والحوار إلخ...

وأكّدت أن الكتابة المسرحية الفرنسية الغزيرة في هذه المرحلة لا تحمل صفات النسبية وعدم الاكتراث التي توسم بها كتابة ما بعد الحداثة. فهذه النصوص، وخلافاً للمرحلة السابقة لها، ويقصد هنا مرحلة مسرح العبث أو حتى مسرحيات بيكيت المتأخرة، لا تنفي وجود المعنى خاصة على مستوى التفصيل ولا تتجاهل متلقيها، على العكس تماماً إنها تطرح إشكالية التلقي على كافة المستويات. وهي من ناحية أخرى لا تدّعي أنها تملك منظوراً متكاملاً للعالم. بمعنى أن النص لا يختزل العالم أو المجتمع ولا يطمح لذلك.

إذاً فإن نصوص المسرح الفرنسي في نهايات القرن العشرين غير محكومة بمدرسة فنية كما حصل مع التجارب الطليعية في بداياته وفي منتصفه. إنها موجودة كنتيجة لرؤى شخصية، تعرض قصصاً وحكايات من الواقع المعيش فعلاً، وتتمحور حول مفهوم "الأنا" دون الإنقاص من أهمية إلقاء نظرة تفحصية لكامل المحيط من حولها، خاصةً وأن هذه "الأنا" تعيش ضياعاً كبيراً في عزلتها الفردانية المتناقضة مع مجتمع مزدحم.

وبدورها تحدّثت الكاتبة والباحثة ماري كلود هبرت في كتابها "المسرح" عن أن الحد الفاصل بين المسرح والرواية يكاد يختفي حالياً في الكتابة المسرحية الفرنسية. فالكتابة الدرامية المعاصرة تقترب من السرد الخالص، حيث يميل الحوار في بعض الأحيان إلى التلاشي. ونجد أنفسنا أمام مونولوجات كثيرة ما زالت تقترب من العبثية.

إلى أين؟

يستحضر المسرح الفرنسي في الوقت الراهن موضوعات وأفكار مختلفة من كل زمان ومكان. لكنّ كتابه غالباً يفضّلون التعبير من خلاله عن الأزمات النفسية للفرد التي تعكس أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية تخصّ العالم كله.

وعلى الرغم من عدم قدرتنا للتنبؤ بمصير النصّ المسرحي، من ناحية الشكل والمضمون، نستطيع التأكيد على استمراريته بوصف أدباً حياً وفناً لا يتلاشى أبداً..

قالت الممثلة الفرنسية إيزابيل هيوبرت في كلمة يوم المسرح العالمي للعام 2017: "المسرح لديه حياة مزدهرة يتحدى بها الوقت والفضاء، أغلب المنمنمات المسرحية المعاصرة يتم تغذيتها من خلال إنجازات القرون الماضية، جل الكلاسيكيات السابقة في المسرح تصبح حديثة وتبث فيها الحياة من جديد بمجرد إعادة عرضها مرة أخرى، المسرح يبعث من جديد من خلال رماده، يظل المسرح مُحيا من خلال إعادة تدوير أشكاله القديمة وتشكيلها من جديد".
-------------------------------------
المصدر :independent

الاعداد للنصوص المسرحية ايمانويل روبلس ومسرحية ثمن الحرية / جوزيف الفارس

مجلة الفنون المسرحية


الاعداد للنصوص المسرحية ايمانويل روبلس
ومسرحية ثمن الحرية / جوزيف الفارس

يعتمد بعض كتاب النصوص المسرحية في بعض الاحيان الى الاعداد المسرحي في نصوص معدة اما عن بعض القصص او الروايات او في بعض الاحيان عن بعض المسرحيات العالمية وكما سناتي على شرح هذا مع كاتبنا العالمي ايمانوئيل بروبلسن او بروبلس كما يحلو للبعض تسميته  .
في بادىء ذي بدء علينا التعرف على مقومات القصة او الرواية ومن ثم نعرج في شرحنا على معرفة اهم مقومات وعناصر الدراما المسرحية , غايتنا من ذالك معرفة العوامل المشتركة  مابينهما والتعرف على اسلوب كل منهما في كيفية توصيل فكرة المؤلف للمتلقي , فالقصة والرواية والدراما المسرحية تتضمن كل منهم على الفكرة الرئيسية يعتمدها المؤلف لبناء الهيكل الادبي ومع اختلاف كل منهم في اسلوب توصيل الفكرة , فالقصة او الرواية قد تحتوي كل منهما على المشاهد المقروءة مالم تعد اعدادا مسرحيا  لا يمكننا مشاهدتها على المسرح , وبالرغم من انهما تحتويان في مشاهدهما ( القصة والرواية ) المقروءة وبالرغم من ان  هذه المشاهد لا تخلو من الصراع  ضمن سياق البناء الدرامي والذي يتلمسه القارىء من خلال الاطلاع  على هذه النصوص ( القصة او الرواية ) البناء الذي ينمو من خلال شخوص القصة او الرواية ليستطيع من خلالها تجسيد فكرته وتوصيلها الى القارىء الكريم وعن طريق القراءة لجعله يعيش في اجواء خيال يخلقه القارىء لنفسه  , وقد تختلف هذه الصور الفكرية والخيالية مابين قارىء واخر وبموجب نضج خيال ووسع مدارك كل منهما في التخيل , وقد يقيم احدهما مايقرأه تقييما ايجابيا او سلبيا , وانما لكل قارىء له عالمه الخاص في التحليل والتشخيص وهذا يتبع ثقافته وتجاربه الحياتية , اضافة الى انه سيتوصل الى استنتاجات تاثيرات القصة او الرواية عليه .
هناك قصص وروايات عالمية ذات خصوصية في الحياة الاجتماعية , من حيث العادات والتقاليد والثقافة الفكرية والدينية قد يعجب بها البعض من كتاب الدراما مما يدفعه هذا الاعجاب على ترجمتها الى اللغات المحلية واعدادها اعدادا مسرحيا , انما السؤال الذي يطرح نفسه وهو : هل ان هذا الاعداد يتفق بفكرته ومضمون اعداده مع المجتمع الذي ستعرض عليه هذه المسرحية ؟؟ الزمان والمكان هل يتفقان مع الزمان الذي نعيشه من حيث الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية والدينية ؟ اضافة الى هذا يجب مراعات فكرة المؤلف للرواية والمحافظة عليها كأمانة ادبية لا يمكن للمعد ان يتصرف بها وكما يحلو له من حيث تغيير جوهر المضمون للرواية الاصلية .
وعليه فان مقومات وعناصر القصة او الرواية قد تختلفان عما موجود في الدراما المسرحية , ولهذا يجب على المعد مراعات هذا من اجل خدمة رواية المؤلف الاصلي واعدادها اعدادا مسرحيا ليحافظ على امانته الادبية في الاعداد , ففي الرواية تتضمن  جهد الكاتب في صياغة فكرته وتجربته الحياتية وابداعات خياله في كيفية نسج احداث قصته او روايته لتتجسد  بين سطورها من الافكار الحياتية والتي عاشها مؤلفها في مجتمع يختلف بثقافته الفكرية والعقائدية عن مجتمع المعد , اضافة الى ان هذه الرواية قد تؤثر تاثيرا سلبيا او ايجابيا على المعد لاختلاف ظرفيهما الحياتية والفكرية , هذه الاختلافات قد تسوق المعد الى ان يخرج عن نطاق التاليف في الاعداد للقصة الاصلية محاولا اثارة النقد والتقييم وبموجب مايراه مناسبا  ,  وقد  يختلفان في الطرح وهذا قد لا يتفق مع  اهداف كل منهما ( المؤلف والمعد ) لتوصيلها الى المتلقي , ففي مثل هذه الحالة تسمى اقتباسا وليس اعدادا , والسبب لوجود بعض الاختلافات التي ادخلها المعد على النص المعد عن القصة او الرواية وبما تخدم رؤية المعد والذي قد  يراه مناسبا ومتفقا مع ظروف مجتمعه الذي عاش معاناته وتعايش مع ظروفه الاقتصادية والسياسية والثقافية والتي  تختلف عن ظروف كاتب القصة او الرواية لاختلاف ظروف مجتمعيهما , ولهذا سيكون هناك اختلاف مابين النص الاصلي والنص المعد وهذا الاختلاف حاصل تحصيل تجربة كل منهما المؤلف والمعد وكما ذكرنا انفا  .
سيحاول المعد ترجمة افعاله وردودها , وتجسيد ارائه في النقد والمعالجة وباسلوب فيه من الاثارة والتشويق لجعل المتلقي يعيش الظرف الذي يعيشه في الحياة الواقعية عند متابعته العرض للنص المعد , اضافة الى هذا فاذا اراد المعد ان يحاكي الاحداث التاريخية لقصة ما , فيمكنه هذا ويسقط احداث مايدور بالقصة على المرحلة التي يعيشها المعد , وهذه العصرنة لفائدة المتلقي , حيث ان غاية المعد هو  اسقاطات الماضي على الظروف المعاصرة , فمثل هذا النمط في الاعداد يعتبر اقتباسا اذا طرأ تغيرات جوهرية من قبل المعد على النص المعد .
قد تختلف الرواية في الكتابة عن شقيقتها الدراما في التاليف , وقد تكون هذه الاختلافات هي الاساسية في خصوصية كتابة كل منهما الرواية والدراما , ولهذا فعلى اي معد في حالة اعداد اية رواية مراعات الفكرة الاساسية للرواية , اضافة الى الظرف الزمني والتي حدثت فيها احداث الرواية , وتكيفها مع الفترة الزمنية المعاصرة للنص الدرامي حين اعدادها مسرحيا وتجسيدها من على خشبة المسرح .
وعليه فعند اعداد اي نص قصصي او روائي اعدادا مسرحيا , فالواجب على المعد ان يحافظ على هيكلية تسلسل احداث الرواية والمحافظة على الفكرة الاساسية , وقد يجد المعد صعوبة في تحجيم المشاهد والضغط عليها في الاعداد المسرحي ,  فهنا تبرز عبقرية المعد في كيفية صياغة تحجيم المشاهد وتسلسل احداثها باسلوب فيه يحافظ على الحبكة وعلى تنامي الصراع وفق مشاهد يجسد من خلالها انسيابية الاحداث بشكل فيه جودة من الحوار والذي سيعوض عن هذه المعالجة الادبية للمشاهد المضغوطة من النص الاصلي وخلق هيكلية جديدة في الاعداد منسجما مع تسلسل المشاهد واحداثها والمحافظة على تسلسل تنامي الاحداث والصراع من خلال خلق الاثارة والتشويق لجعل المتلقي يتابع احداث العرض المسرحي للنص المعد بوضعه الجديد مجسدا ابداعاته بخيال استحضر من خلاله ثقافته المسرحية وخبرته التي ساعدته على الاعداد وجعل المتلقي يتابع العرض المسرحي  وبشكل متواصل .
يقول انطوان تشيخوف الاديب الروسي في هذا الصدد : ( لا تقل لي ان القمر مضىء , بل ارني بريق ضوئه على زجاج مهشم ) . 
فهناك فروض تفرضها الرواية على المعد لا يمكنه ان يتلاعب بمجريات احداثها , ولا بحقائق هذه الاحداث ولا ان يتجاوز زمانها لانها حقائق واقعية وثابتة , لانها تعتمد في سردها على ثوابت وحقائق تاريخية موثقة بالزمان والمكان , الا ان هناك مقومات وعناصر مشتركة مابين كتابة القصة والاعداد المسرحي لهذه القصة منها : الفكرة والشخصيات والحوار وكيفية صياغة الحبكة بشكل يتفق مع تصاعد الاحداث ونموها , فكما ان في النص المسرحي عرضا استهلاليا لشخوص العرض المسرحي ومن ثم طرح الفكرة وعن طريق هذه الشخوص والتي ستظهر خلفياتها مابين شخوص سلبية وايجابية , ومن ثم تصاعد الاحداث ومرورا بالعقدة , ومن ثم تسلسل المشاهد باتجاه الذروة لنصل الى الحل او النهاية كانت ماساوية او سعيدة , فكذا الحال هو مع القصة والرواية كونها تعتمد على الفكرة وعلى الحبكة والتي من خلالها يتم سرد احداث القصة وعلى الشخصيات وعلى الحوار اضافة الى هذا  ان الروائي يجب ان يلم  بمعرفته للغة العربية ليتمكن من سرد احداث قصته او روايته باسلوب شيق ومثير لجلب القارىء ويجعله متواصلا مع سطور سرد القصة , وان تكون لديه الفكرة الاساسية من حيث المبدأ ليتمكن من حياكة نسج هيكلية القصة بحوار فيه من جمالية الابداع والتعبير اللغوي عن المضمون بشاعرية وبموسيقية الالفاظ .
واذا علمنا بان القصة تعتمد على عرض الفكرة وعلى شخوصها وعلى الحبكة وعلى السرد والحوار وعلى المكان والزمان ولهذا لا يمكن للمعد تجاهل هذه المقومات في الاعداد المسرحي , واذا اراد ان يسمح لنفسه التصرف بالقصة من خلال الاعداد اي يصب افكاره وخبرته وتجربته الحياتية وعصرنة ماسيعده عن القصة او الرواية , فهنا تسمى هذه العملية اقتباس عن القصة الفلانية , حيث في الاقتباس بامكان المعد ان ياخذ هيكلية القصة او الرواية ويعمل على عرض الاشخاص والاحداث وانما لزاما عليه ان يبقى معني في تضمين الشخصيات من افكاره وارائه وعلى ضوء مجريات الاحداث الحقيقية للقصة ان كانت تاريخية او معاصرة .
والعديد من هذه النماذج من النصوص المسرحية اعدت عن نصوص تاريخية وعصرنتها واسقاطات الاحداث على المرحلة التي يعيشها المعد مع بعض التغيير والتصرف بمضامين احداثها والغاية منها عصرنتها واسقاطات التاريخ على المرحلة الراهنة , حيث كانت تجربة  الاستاذ عادل كاظم  في تموز يقرع الناقوس , وكذلك في مسرحية الطوفان , ومسرحية الحصار ومسرحية هاملت عربيا ومسرحية الصبي الخشبي , هذه جميعها كانت اقتباس عن الحكاية الاصلية وباعداد معاصر يختلف في تضمين شخصيات الدراما  بافكار تختلف عن مضمون افكار القصة الاصلية وقريبة من تضمين معانات وافكار المرحلة التي يعيشها المعد , فهنا يصبح الاعداد اقتباسا عن القصة الفلانية ويحق للمعد ان يكون مؤلفا لكونه قد اضاف افكارا جديدة تختلف عن افكار كاتب القصة او الرواية .
هناك تشابه بين مقومات وعناصر الدراما المسرحية والتي تعتمد اولا  على الفكرة وكما اسلفنا انفا وعلى العرض الاستهلالي والشخصيات والحوار والصراع والزمان والمكان , والعقدة والذروة والحل , انما تختلف في عملية السرد القصصي والذي يعتمد على قوة وخصوبة القاص في السرد خلافا عما يكتبه كاتب الدراما من حوارات يراعي فيها الفعل ورد الفعل وموسيقية الكلمة في نسيج جمل جميلة فيها من شاعرية وبلاغة  الكلام وفصاحة اللسان ,
اضافة ان الاعداد المسرحي للقصة هو معرفة المعد عن عالم المسرح وامكانياته التقنية , وعن خصوصية النص المسرحي من حيث رسم معالم الشخصيات وتحريكها وفق معالم الديكور المسرحي مرسومة في خياله ليساعده على المضي في الكتابة لخلق شخصيات تتحرك وفق افعالها وردود افعالها الانعكاسية ليتمخض عنها صراع متنامي يخلق من خلاله االمعد الاثارة والتشويق , ويسمح للمعد ان يدون بعض ملاحظاته بين قاب قوسين قد تفيد الممثل او المخرج عند التنفيذ .
في القصة او الرواية تعتمد بتوصيل الفكرة الاصلية وتجسيد مضمونها على السرد الوصفي , وعلى مايملكه الكاتب من ملكة التعبير الادبي في السرد القصصي , بينما في الدراما يعتمد المعد في تجسيد مضمون افكار المؤلف على الشخصيات في الحوار الذي تعبر من خلاله الشخصية المسرحية عن افكارها وارائها وكل منها وبموجب رسم معالمها وتحليل ابعادها الثقافية والاجتماعية والنفسية .
وفي حالات عديدة يحاول المعد عصرنة اية قصة او رواية باعداد يتم اسقاط الحياة المعاصرة في الاعداد المسرحي , محاولا من هذا الاستفادة من الفكرة الرئيسية باعداد جديد يبني المعد وجهة نظره وارائه وبموجب تجربته الحياتية والثقافية وخبرته الذاتية , ونجاح هذا يعتمد على قدرة وثقافة المعد في الاعداد والاقتباس , وغالبا ماكانت محاولات بعض المخرجين في اعداد اعمال شكسبير وعصرنتها ولا سيما في مسرحية يوليوس قيصر حينما حاول المعد اعداده  للنص الشكسبيري  وعصرنته بالازياء الحديثة مع الحفاظ على مجريات احداث العرض المسرحي .
هناك معدون لاعمال مسرحية يتخذون من التاريخ شكلا صوريا فقط دون مراعات الاحداث التي دارت ضمن تلك الحقبة الزمنية  بالرغم من وجود  توثيقها التاريخي , فمثل هؤلاء المعدون اما انهم ليس لديهم علما ما لاهمية التاريخ في تجسيد وعرض احداثه , ولا يمكنهم تبرير اسباب حدوث مثل هذه التغييرات والتي كانت السبب في خلق احداثا تاريخية كان هدفها التغيير لمجريات الحياة الظرفية الى حالات افضل لتلك المجتمعات لتعتمد كتجربة يمكن تجسيدها في المرحلة الراهنة التي يعيشها المعد من الحياة الثقافية والسياسية والدينية والاقتصادية والتي كانت احد اسباب ذالك التغيير في المرحلة السابقة من عصر حياة المعد , فنحن نعلم ان لكل سبب مبرراته في تغيير واقع الحياة اما للافضل او للادنى , ولهذا وجب على المعد ان يطرح المصداقية في تناوله للاحداث وبصورة فيها من حقائق الوقائع التاريخية واجواء تلك المرحلة ليجسد الاسباب الحقيقية خلف تغيير تلك الاحداث لتكون ايضا حالة من التوثيق تنقل للمتلقي الصورة الواقعية لتلك الاحداث والتي تشمل الثقافة والسياسة والدين والاعراف والتقاليد الاجتماعية والتي يكون لها دورا اساسيا في تحريك تلك الاجواء .
في الاعمال المعدة عن القصص والروايات وجب على المعد ان لا يزيف الحقائق , وان يحافظ على نقل الاحداث لمرحلة من مراحل التاريخ مع طرح الشخوص التي لعبت دورا في تحريك الاحداث ونقل صورها واسبابها الحقيقية كي تتجسد مصداقية التوثيق بحقائقها وبعيدا عن التزييف والانحيازية لصالح المعد والتي تتفق مع ميوله واتجاهاته وكما حدث في العديد من المسلسلات تالتلفزيونية والافلام السينمائية في نقل صور واحداث شخصيا ت تاريخية سياسية مشوهين ومسيسين تلك الاحقاب الزمنية بحيث تجاوزوا على نقل حقيقتها واهداف شخوصها بشكل مغالط لحقيقة واقعيتهم , اي استندوا على اجتهادات غير حقيقية او علمية شوهت من  معالم شخصيات  في بعض المسلسلات التلفزيونية لصالح الانظمة الحاكمة ولا سيما من تجسيد الحالة السايكولوجية والطبائع الشخصية والتي تسلكها في حياتها اليومية والواقعية , وبهذا هم اجحفوا بحق تلك الشخصيات بتجسيد معالمها الغير الحقيقية , وذالك من اعتمادهم على اجتهاداتهم الخاصة ومن دون اللجوء للاستفسار والتقصي من بعض المصادر التوثيقية او من خلال المعارف من الاقرباء والذين عاصروهم ويعلمون علم اليقين عن حياة تلك الشخوص من اللذين مازالوا احياء ليستعين بهم في تصوير معالم تلك الشخوص وبصورة فيها من مصداقية رسم معالم الشخصية الواقعية بعيدة عن حالات الاجتهادات الذاتية والغير الدقيقة  وكما حصل في مسلسل اخر ملوك العراق ( فيصل الثاني ) .
هناك احتمالات في الاعداد او في الاقتباس يسمح للمعد او للمقتبس ان يعبر عن وجهة نظره وان يصب جم افكاره معبرا في هذا عن ثقافته ومن خلال اقتباس القصة ومن دون الاعلان عن الاسماء الحقيقية لشخصيات القصة بقدر مايستعيض باسماء مستعارة في طرح المضمون الجديد للقصة الحقيقية والمقتبسة وكما هو الحال مع فيلم ثمن الحرية من تاليف ايمانوئيل روبلس والتي عملت عليه السينما المصرية على اخراج فيلم بنفس الاسم والذي كان من اخراج المخرج نور الدمرداش ومن تاليف لطفي الخولي والمعالجة الدرامية للكاتب الكبير نجيب محفوظ والسيناريو والحوار ل طلبة رضوان , حيث جسدوا احداث هذا العمل الكبير كل من عبدالله غيث في شخصية محمد وصلاح منصور في دور الجنرال حسن ومحمود مرسي وصبري عبد العزيز وكريمة مختار --- واخرون .
قصة هذا الفيلم عن فدائي مصري ينفذ عملية فدائية ضد الاحتلال الانكليزي ويتمكن هذا الفدائي من الفرار من سلطة الاحتلال ويكتشف الحاكم العسكري الانكليزي تعاون ضابط جيش مصري مع الفدائي فيحقق معه لمعرفة مكان اختباء الفدائي ويرفض الظابط الاجابة فيقبض الحاكم العسكري على مجموعة مواطنين مصريين ويهدد بقتلهم على التوالي فيما اذا لم يدلي الظابط عن مكان الفدائي وبعدها يترك الضابط مع المقبوظ عليهم ليقنعوه بالاعتراف , ثم يتم قتل البعض ثم يطالبه الباقون بالصمود واخيرا يقدم المساعد المصري للحاكم العسكري الانكليزي على قتل الحاكم العسكري .
بينما في المسرحية الاصلية والتي هي بعنوان ثمن الحرية تتكلم عن دفاع شعب اسبانيا ضد الجيش الفرنسي والذي كان تحت قيادة نابليون بونابرت والذين حاربوا الاحتلال وقاوموا اشكال التعذيب القسري الذي عاشه احرار شعب اسبانيا للاحتلال الفرنسي .
فلقد جاء الاعداد والاقتباس في الفيلم المصري لخدمة الاحداث الواقعية والتاريخية للحالة المماثلة لحالة الشعب الاسباني وانما مع التكييف لوقائع الاحداث المتشابهة في مصر وتجسيد معاناة احرار شعبه  والمتشابهة لمعاناة الشعب الاسباني , وفي مثل هذه الحالات او الاعمال الفنية تعتبر اقتباسا لا اعدادا وذالك لما فيها من خصوصية التجربة والمعاناة للشعب المصري تختلف في العادات والتقاليد والافكار السياسية التي يؤمن بها الشعب الاسباني , فمن الشروط الاساسية ان يحافظ المعد على الحقائق التاريخية وبعيدا عن الاجتهادات الشخصية , واما في الاقتباس فله حرية التصرف وعلى ضوء مايخدم اقتباسه لخدمة المجتمع الذي يعيشه ويجسد معاناته .

الخميس، 24 ديسمبر 2020

جان باتيست بوكلان ( مولير ) / جوزيف الفارس

مجلة الفنون المسرحية


             جان باتيست بوكلان  ( مولير ) / جوزيف الفارس

قد تتمخظ  بعض المواهب الادبية والفنية عند الانسان ومنذ صغره  تحدد ميوله , فهذه الميول هي بحقيقتها رغبة داخلية مليئة بالاحاسيس والمشاعر ,  تاخذ  شكلها واطارها الخارجي من رؤية الفنان والاديب ليعبر عن جمالية هذه الموهبة والرغبة الذاتية بعد ان يكتسب من الثقافة والتجربة الذاتية  لتطوير هذه الموهبة , هو لا يحدد الشكل ولا الاسلوب , انما هذه الرغبة في التعبيرعما يحسه ويشعر به تاتي من خلال ما يوحى له من الاساليب التي يراها متفقة مع جمالية التعبير لهذه الميول ان كانت ادبية او فنية , ولهذا يلجأ مثل هذا الانسان الى الاطلاع على العديد من الادبيات وعلى سير معظم الادباء من الذين سبقوه في الخبرة والتجربة اما ليتاثر بهم او ليكتسب من ثقافتهم وخبرتهم ماتؤهله للابداع والابتكار والتعبير عن وجهات نظره من تاثيرات الواقع الذي يعيشه ويعاني منه , كأن يكون عن طريق قصيدة شعرية , او عن طريق قصة قصيرة يجسد احداثها ووقائعها من البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها , او من وحي خياله ليرسم معالم نصا مسرحيا او رواية طويلة فيها من الشخوص والاجواء التي يرسمها الكاتب من وحي خيال يتسم باطار شكل فني يحتوي على مضمون فكري وجوهري من الافكار التي تخدم الانسان من خلال انتقاده للواقع الذي يعيشه باسلوب جاد او كوميدي او اي اسلوب يراه مناسبا  , ولهذا لا يستحسن لاي اديب ان يكتب المضمون  ويحدد الشكل باسلوب ميكانيكي بقدر ما يرضخ لخياله في رسم معالم ذالك المضمون  والشكل وفق قناعته في التعبير عما يعانيه من ارهاصات فكرية تجعله ينتقد الاوضاع البالية في اي مجتمع يراه لا يناسب العقل والضمير , ولا يتماشى مع القيم الانسانية لمناصرة الانسان لتحقيق رغبته في الحياة الواقعية الكريمة , او تاتي انفعالاته ومعاناته من خلال واقع طبقة ارستقراطية وبرجوازية وانتقاده لواقع حياتهم المترفة والمتعالية على واقع الفقير او من المجتمع الذي لا يستطيع ان يحقق سعادته في وسط حياة هذه الطبقة البيروقراطية والبعيدة كل البعد عن قيم وجوهر الانسانية .
ولهذا قد يكون التعبير والانتقاد اما عن طريق قصيدة شعرية او قصة قصيرة او رواية او نص مسرحي كاسلوب لتجسيد هذه المعاناة وتوجيه اانتقاداته ومن ثم يعرض البدائل والتي يعتقدها انها الاساس لخلق حياة سعيدة ترفض الفوارق الطبقية وتعترف بحقوق الانسان والتي يجب انتزاعها وبقوة ارادته لتحقيق مايبتغيه من حقوق مشروعة لحياته الخاصة .
فهكذا كانت سيرة الادباء والشعراء والفنانين , يتاثرون بسيرة من سبقهم في هذا المضمار ويؤثرون ايضا باللاحق بهم من الكتاب المتاثرين بمسيرتهم الادبية او الفنية .
لقد ولد موليير في باريس 15 كانون الثاني عام  1622في احضان عائلة كانت تعتاش على رزق الوالد ومن خلال صنعته وحرفيته في تغليف الكراسي والقنفات , وتصميم البعض منها بتصاميم اعجبت حاشية القصر والملك نفسه مما اصبح ومن خلال هذه الحرفة قريبا من القصر ونفوذه والمصمم الخاص للاثاث والاطقم من الكراسي والقنفات لديوان القصر , لقد كان الوالد فنانا في صناعة هذه القنفات مما ساعدت هذه الحرفة على توسيع علاقاته مع القصر وحاشيته ولا سيما الملك نفسه حيث اصبح الممول الوحيد للاثاث في القصر الملكي .


هذا الشاب الذي رافق والده في مهنته لم يكن يهتم بها حرصا منه على ان لا تكون له مهنة لحياته الاقتصادية , ولا سيما وان والده وكما اسلفنا انفا كان المسؤول عن تجهيز الاثاث للقصر الملكي  , ان العمل الوقتي  مع والده في القصر الملكي قد منحته اجواءا ايجابية لخلق علاقة قوية وحميمية  بعد ان عمل مساعدا لوالده داخل القصر , والذي اصبح فيما بعد من الاثرياء وتاجرا ثريا يتهافتون عليه كونه نجار القصر الملكي , لقد كسب مولير صداقة الملك لويس الرابع عشر حيث رافقه في معظم رحلاته بصفة مساعدا له , وموظبا لفراشه والاعتناء به وخدمته من تقديم الفطور والغداء . الا ان موليير لم تستسغ له هذه المهنة فانقطع عن العمل داخل القصر ليعمل في المسرح والذي احبه حد العشق  , وهذا الحب هو الذي دفعه ان يكون مسرحيا وان يتزوج من فتاة صغيرة امتهنت التمثيل , هذه الفنانة واسمها مادلين بيجارت والتي انتزعت اعجاب مولير وابهرته بجمالها مما جعلته ان يرتبط بها وحتى وفاتها في سنة 1672 , لذا فهو ضحى بالكثير  وعانى من ظلم المجتمع وجوره لنظرتهم الدونية الى جميع الفنانين ونظرتهم بمستوى مادون الاحترام , فلهذه الاسباب فقد استعار اسما له هو اسم  موليير بدلا من اسمه الحقيقي ( جان باتيست بوكلان ) ليتجنب العديد من المشاكل والاحراج والتي لم تكن تروق لاسرته يومذاك .
لقد درس مولييراضافة الى اتقانه اللغة اللاتينية القانون بعد ان انهى دراسته الثانوية ,  حيث افلح في الثقافة القانونية وتخرج بتفوق بعد ان اكتسب ثقافة عن معظم قوانين فرنسا بدرجة عالية , ولهذا سمح له بممارسة مهنة المحامات ومن خلال الدفاع عن موكليه في المحاكم الفرنسية .
لقد كان موليير ذكيا بحيث ابهر اساتذته واثار انتباههم وزملائه  في الدراسة , وتخرج من الجامعة واكتسب من ثقافة القانون  والتي ساعدته  الاطلاع على مشاكل الناس الاجتماعية اضافة الى تناقضاتها , فالهمته بافكار صاغها بنصوص مسرحية عرضت من على مسارح فرنسا مما اذهلت النقاد واستقطبت الجماهير لاعماله .
لقد استطاع موليير من خلال شهرة والده ان يتقرب من بعض المشاهير من الفنانين لكونه قد اعجب بالمسرح ومنذ صغره , ولهذا كان يتابع انشطة بعض الفنانين الوافدين الى فرنسا من اقطار اوربية لتقديم عروضهم المسرحية مما دأب على متابعة هذه الانشطة الفنية ولا سيما عندما حضر الممثل الايطالي الشهير تيبيرو فيورلي الى فرنسا وعرض شخصية المهرج مما اعجبت موليير الى حد العشق لدرجة زاده اقترابا منه واصبح من اعز اصداقائه في باريس عام 1640 .
لقد اكتسب موليير ثقافة موسعة في العلوم الكلاسيكية في كلية كليرمونت اليسوعية , ولقد اندهش لما وجده من هذه الثقافة المتنوعة في الادب والفن والدين , فقد تلقى فيها مبادىء العلوم الاساسية والفلسفة , فتعرف  في هذه الكلية على حياة العديد من المفكرين من الذين لديهم افكارا متحررة , افكارا ذات مضامين تدافع من خلالها عن قيم الانسان الحقيقية وعن حريته , ولهذا اعجب بالكاتب المسرحي الشهير سبرانو دي برجراك .
لقد ورث مولير عن والدته ثروة ومن خلال بيع ماورثه استطاع ان يصبح مشرفا على مسرح من مسارح  فرنسا , الا ان الحظ لم يسعفه ويقف بجانبه  ليساعده على تحقيق اماله واحلامه فتراكمت الديون عليه مما جعله ان يستعين ببعض الاقرباء من اجل سد القروض والديون وينقذ نفسه من السجن .
لقد اشتهر موليير بعد عدة عروض مسرحية , وشاع اسمه بحيث وصلت شهرته المسرحية الى الملك فاحتظنه وساعده بالمال الكثير مما انقذه من الضياع والتشتت ومحافظا على سمعته وشهرته المسرحية .
لقد اهتم مولير بالمراة وكسر قيودها لتاخذ مكانتها بين المجتمع , مما جعله ان يفكر بالدفاع عنها ومن خلال مسرحية ( مدرسة النساء ) هذه المسرحية والتي حققت نجاحا باهرا بحيث استخدم ثقافته القانونية في الدفاع عن المراة , والمنادات بحريتها وكسر الحواجز والخطوط الحمراء عن تحركاتها واستقلالها من اجل ان تاخذ حريتها وتنال كرامتها بشكل سواسيا مع بقية افراد المجتمع ومن دون تفريق , لقد انتقد الاساليب البالية وحاربها بكل جرأة وشجاعة متحديا من خلال دفاعه الاعراف والقوانين والتي تحيط بحرية المراة واخذ مكانتها بين المجتمع ,
لقد انتهر موليير المجتمع الفرنسي وموقفه من المراة وعالج هذا الانتهار باشكال كوميدية وساخرة وهذا ما تجلى في مسرحية ( مدرسة النساء ) واثار انتقادا موضوعيا بالمواقف المجحفة للمراة والتي كان  يمارسها المجتمع الفرنسي ضدها , مما نال هذا الانتقاد رضا المسؤولين من الاوساط الملكية ولا سيما الحاشية الملكية والوزراء والمستشارين , حيث نالت معالجة هذا النص الملك نفسه مما حدا به الى تكريمه ودعمه الدعم المادي والمعنوي 
لقد تاثر موليير بالفنانين الايطاليين حينما كانوا يتوافدون على فرنسا , ولهذا اقتبس منهم اساليب النقد والسخرية وبشكل كوميدي مما ادى هذا الاسلوب الفريد من نوعه الى شهرته والتهافت على مشاهدة عروضه المسرحية , لقد كان يتابع اعضاء فرقته ويوجه الممثلين بملاحظات تساعدهم على الاداء  في مسيرة حرفيتهم , لقد اهتم بحرفية الممثل وموجها اياهم بملاحظاته على  ان يكون ادائهم بعيدا عن التشنج والتوتر , مشجعا اياهم على التمثيل التلقائي مع الحركة التلقائية وبعيدا عن المبالغة في الاداء – كان يهتم بصقل موهبة الممثل للبعد الطبيعي والاهتمام به , كان ينتقي مفردات حواره من صلب واقع المجتمع الفرنسي , مع تحرير المخزون من الصور عند الممثلين لتجسيدها بشكل كاريكاتيري مع اهتمامه بالازياء للشخصيات الواقعية مما ابهر هذا الاسلوب الجماهير من المشاهدين وزاد تهافتهم على مشاهدة عروضه المسرحية .
ان ادارته للفرقة المسرحية جائت عن تجربة واعية مثمرة وتشجيعه لاعضاء الفرقة من المتميزين اعطت ثمارا نتجت عنها ابداعات قل نظيرها مقارنة مع بقية الفرق المسرحية في فرنسا ولهذا كان لهذا الدعم الاساس في نجاح الفرقة بعروضها المسرحية .
هذا الكاتب الكوميدي والساخر لم يكن يتوقع ان يشاهد نجاحه المسرحي والذي تسلق سلالم نجومية الكتابة , ولهذا اصبح نجمه مشهورا في الكوميد والسخرية , لقد ساعده التحول الاقتصادي لحياته المادية على دعم الفرقة وتمويلها ومكافئة العاملين معه , مما جعلهم ينبوعا من العطاء الكوميدي صانعا من خلالهم نجوما كوميديين ومشهورين بنجوميتهم , ولهذا اتمنى  من فنانينا ان ياخذوا العبرة من هذه المدرسة الكوميدية , وان يبتعدوا عن المبالغة والاستجداء من الجمهور لينالوا دعمهم المعنوي من خلال التصفيق المجامل للعروض التي يحضرونها ويشاهدونها  ,
لقد برزت نجوم كوميدية عراقية جيدة تمتلك من الاستلقائية  والاسترخاء في ادائهم , وحرصا على عدم قتل الاجتهاد الذاتي لهؤلاء النجوم سامتنع عن ذكر اسمائهم , الا انني ومن خلال مشاهداتي لبعض الاسبوتات التمثيلية والتي تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي ينتابني الفرح واستبشر خيرا بهذه النجوم الكوميدية املا منهم الاستمرار على هذا النهج والتطوير الذاتي لادائهم في حرفية التمثيل .
لقد كان للمرحوم الراحل الفنان الرائد سليم البصري لمسات من مدرسة موليير والذي يتسم بالعفوية والتلقائية ولا سيما في مسلسله ( تحت موس الحلاق ) , وكذالك الفنان المرحوم رضا الشاطىء وفي مسلسلاته التلفزيونية ( العرضحالجي ) وكذا الحال مع الفنان الرائد الكوميدي دريد لحام في ادائه وجميع عروضه ولا سيما في مقالب ( غوار الطوشي ) تسخة من مدرسة موليير , وكذالك النجم الراحل نجيب الريحاني هو نموذج من نماذج شخصيات موليير الساخرة , حيث انه تاثر بالادب الفرنسي ومن خلال بحوثه وزيارته المتكررة الى فرنسا حيث اتسمت شخصيته بمثل هذه المدرسة الكوميدية والساخرة وبعيدة عن التشنج , فمثل هذؤلاء النجوم العراقيين والعرب ممن حرصوا على اتخاذ مدرسة خاصة بهم والتي جائت عن خلاصة بحوثهم واجتهاداتهم جعلت منهم نجوما كوميديين وبلا منازع ابهرت الجمهور والصحافة والنقاد .
ولهذا فان سلالم نجومية مولير جائت نتيجة اجتهاداته في الكتابة وتاثراته بالمسرح الايطالي والدعم الذي ناله من الملك لويس الرابع عشر في دعمه وتشجيعه على مواصلة حياته المسرحية كان لها الاثر في تطوره وشهرته بين الاوساط الفنية والادبية , مما جعله يتنقل ومع فرقته بين مدن فرنسا وعرض مسرحياته على الجمهور المشاهد والذين كانوا يتهافتون على شباك التذاكر لحجز اماكنهم في قاعة العرض المسرحي .
لقد كانت نتاجات مولير المسرحية ما يقارب الخمسة عشر مسرحية منها :
البخيل 
طبيبا رغما عنه 
طرطوف 
مريض الوهم --- الخ .
لقد عرض موليير نصوصه المسرحية والتي اخذت اشكالا واساليبا جديدة في فن الكوميد , مجسدا من خلالها افكاره وارائه باسلوب هزلي وفكاهي معتمدا باعماله ونصوصه الكوميدية على كوميدية الموقف ومنتقدا بعض المتدينين من الذين يتخذون من الدين ستارا يختفون خلفها من اجل تحقيق مصالحهم الشخصية , لقد انتهت حياة هذا الكاتب الساخر والكوميدي بعد ايام من عرض مسرحيته الاخيرة وترك بوفاته ارثا كوميديا ومدرسة ساخرة باسلوب كوميدي من العادات والتقاليد , وتشريح الطبقات المتعالية بقلمه المشرط , منتقدا اسلوبهم في الحياة وتعاملهم مع الطبقات الفقيرة والتي كان مناصرا لها .
 

الاثنين، 16 نوفمبر 2020

"مسرح الشمس".. طريق إلى المستقبل العراقي محمد سيف يرصد محطات أريان منوشكين ومساراتها.

مجلة الفنون المسرحية

الأحد، 25 أكتوبر 2020

البير كامو والمسرح العبثي وتناقضاته الفلسفية / جوزيف الفارس

مجلة الفنون المسرحية
 
 البير كامو  والمسرح العبثي  وتناقضاته الفلسفية / جوزيف الفارس 

في عصرنا الحالي وفي ضمن مرحلتنا الراهنة والتي يعيشها شعبنا والتي فيها زعزعت وجود الفرد وزعزعت كيانه ووجوده في الكون , وعلى ضوء الاحداث الماساوية والتي ضاق بها ذرعا ودمرت بنيته التحتية , مما اظطر للبحث عن الخلاص , وتطهير ذاته من هذه الماسي التي يعيشها , فلا يجد تنفيسا يعالج من خلالها الحالات النفسية التي عمت على حياته وحياة المجتمع باكمله , والحالة هذه نطبقها على الشعب العراقي والعربي معا اثر حالات انعدام الامن والاستقرار للفرد والذي لم يجد ملاذا للخلاص من هذا العذاب والمعاناة  الذي هو فيه ومثل هذه الحالات مرت بها شعوب العالم بعد الحرب العالمية الثانية , حيث اسفرت هذه الحروب والكوارث الاجتماعية والاقتصادية نتائج اكدت على انعدام القيم الانسانية وزعزعت كيان الانسان من القوى والتي بدات تهدد امنه ووجوده , وكما حصل في ماساة هيروشيما وبقية الحروب العالمية والتي افنت البشرية برمتها , وعلى اثر هذه الاحداث ظهر فلاسفة ومفكرين اخذوا يبحثون في كينونة الانسان وعن المعنى الحقيقي لوجوده , الا انهم لم يتوصلوا الى نتيجة تجدي في تفسير معنى لحياة الانسان ضمن  هذه القيم البشرية ولا تاثيراتها لكينونته , عندها تاكد للانسان بانه يبحث طوال حياته عن معنى لاسباب وجوده في الحياة ولكنه لم يستقر على نتيجة الا في حالة واحدة هي الموت واللا مناص منه , لقد كان الانسان في بداية ايمانه  بالدين وبالقوة اللاهوتية ( الميتافيزيقيا ) ومازال يسعى الى مبررات لوجوده في هذه الحياة , الا ان ظهور مفكرين ماديين حاولوا دحظ نظرية الايمان بالدين وبالقوة الميتافيزقيا كونها مبعث للخلاص النهائي للبشرية من هذا العالم المادي , الا ان الماديين كانوا يحاولون الاثبات  بالادلة والبراهين بان الانسان هو جزء لكيان يحتل فراغا من الكون , وكيانه هذا مادام يحتل هذا الجزء من الفراغ فاذن هو موجود ,الا ان حياته لا معنى لها  ان كانت نهايتها  الفناء .
لقد حاول الانسان ومن بعد الحرب العالمية الثانية ان يجد قيمة لحياته , لوجوده , فلم يصل الى نتيجة تقنعه بقدر ماكانت استنتاجاته واستنتاجات بحوثه , على ان الانسان هو كائن حي يشغل حيز من الفراغ بقدر حجمه , اذن فاليحلو له ان يفعل مايريد ومن دون قيود تحد التزاماته  بالعادات والتقاليد الاجتماعية والتي ورثها عن الاباء والاجداد والتي قد تقيد حريته وتحدد تفاعلاته مع الافكار المادية اليسارية ومع الافكار والمؤمنة بالعالم الميتافيزيقي , وانما وجد بان عليه ان يلهو وان يعيش وبموجب رغبته من اجل الاستمتاع بالحياة وكما يحلو له من اجل التنفيس عن ذاته بعد ان علم بان وجوده في الكون لا معنى له , فالحروب العالمية ولاسيما الحرب العالمية الثانية والتي زرعت الخوف عند الانسان وارهبته وجعلته في حالة من الكابة والمعاناة , هذه الحالة ادت الى ظهور كتاب وادباء مارسوا الكتابة لتجسيد كتاباتهم بافكارهم وفلسفتهم ونظرتهم للانسان ولحياته ومسيرته في الحياة , فتوصلوا  الى نتائج سلبية لحيات الانسان  التي يعيشها ,  حيث ولد  وعاش في وسط تقاليد وعادات بالية جاهزة في المجتمع , الا ان وجهة نظر بعض الفلاسفة لم يعترفوا بهذه العادات والتقاليد بعد ان قادتهم كينونتهم في هذه الحياة الى العدم , ولهذا عمد المسرح العبثي الى خروج الانسان من الدائرة التقليدية ودعاه الى الابتذال لكافة العادات والتقاليد غايته تجسيد افكار فلاسفته وكتاب نصوصه , داعيا الى حرية الفرد في الحياة , وخروجه عن مفاهيم العادات والتقاليد والتي تقيد حريته , ولهذا وجد بعد الحرب العالمية الثانية فلاسفة العبث بنظرية مفادها : ( عدم وجود لمعنى كينونة وحياة الانسان مادام يعيش في ظل عادات وتقاليد تحدد من حريته ) , ولهذا كان لا بد من الخروج عن العادات والتقاليد البالية والتي طرحها المسرح التقليدي , لكونها فقدت عملية الاقناع , وبهذا يكون المسرح العبثي باطروحات نصوصه قد تمرد على نصوص المسرح التقليدي والذي يعيش تحت واقع تحكمه العادات والتقاليد , وبدأ يطرح الافكار والتي قد لا تتضمن العقلانية في الطرح وكما هو موجود في المسارح الواقعية , وكذالك المسرح العبثي يتميز ببعده عن الصراع لكونه يتفق مع بقية شخوصه بالمفاهيم والفلسفة المطروحة ومن خلال دايلوجات ليست محكمة في الاقناع والايمان بما يطرح .
ولهذا فان المسرح العبثي لا توجد في لغته معاني ثابته وحقيقية ومنطقية وعقلانية بقدر ماهي لغة مبطنة وتتضمن لغات ومفردات كلمات متشابهة باللفظ ومختلفة بالمعنى , وغايتها السخرية من بعض العادات والتقاليد  .
ان فن الدراما في العبث يتضمن اللاوجودية والتي لا تعترف بالمنطق , ومؤكدة على الاشياء المستحيلة والغير المقبولة منطقيا , فتفسير الحرية في المسرح العبثي عدم الاعتماد على المنطق , لان تفسير الحرية في هذا المسرح لا يعتمد على تقييد الحركة , وكل مايطرح ومن خلال مفهوم المسرح العبثي هو مفهوم لا معقول كمثال على ذالك ( في مشهد لزوجة تحب زوجها  فتضعه  على جمرة من النار اي من خلال شواية اللحم , وتحاول شويه وموته من اجل انقاذه من الامه واوجاعه والتي هي السبب في معاناته وتعذيبه ) فعند  العقل والمنطق هذا غير مقبول , او في الاونة الاخيرة ظهر في الطب ابرة الرحمة والتي تقضي على الانسان وتحقن المريض بها وبموجب موافقة ذوي المريض لانقاذه من العذاب والذي لا مناص منه , وهذه ايضا لا معقول وضد العقلانية والمنطق لان مجتمعنا مازال يعيش ضمن العادات والتقاليد والتي لا تقبل بهذا المنطق .
اذن ان ايمان مسرح اللامعقول  مرفوض من لغة المعقول , لان المعقول هو عبارة عن لغة سطحية تتعامل مع الاشياء بشكل سطحي , فهذا المسرح يخلق علاقاته للفرد مع الايمان بالحرية اللامحدودة , اي الحرية المسمومة والتي تجعل الشخص يتعامل بسطحية مع الاشياء , ولهذا فان المسرح العبثي يحاول القاء الضوء على ان الحياة لا معنى لها ان لم تمارسها بحريتك وبرغبتك الشخصية وبعيدة عن التاثيرات الاجتماعية كالعادات والتقاليد والتي تفرض على الانسان فرضا , اضافة الى تسليط الضوء على واقع الانسان بانه يجب ان يعي على الواقع الحقيقي لوجوده في الحياة , ولهذا ففي المسرح العبثي توجد دراما متمردة على الحياة , ايمانا منه بان الحياة العبثية هي انطلاقة لممارسة الحرية والتي لا تعتمد على القيود والتقاليد الاجتماعية بقدر ما هي حرية تعتمد على اللامنطق وعلى اللاوعي , لان ما ينبعث من ردود افعال الذات هي حرية تعتمد على التنفيس والتطهير لذات الانسان والذي يؤمن بان حياته لا جدوى من استمرار نمطيتها وعلى ضوء ما تؤمن به بعض المجتمعات من تحديد حرية الفرد بالعقل والمنطق وممارسة العادات والتقاليد والتي ظهرت من زمن قديم و توارثها  المجتمع ابا عن جد ليجد نفسه في داخل محيط من القيود تحدد نمط حياته والتواقة الى ممارسة الحرية ومن خلال تفكيره والذي يبتعد الى ابعد الحدود عن العقل والمنطق  .
ان العبث يؤمن بلغة الخيال والتخيل والاحساس الذاتي للفرد , ولا يؤمن بلغة تحدد حريته وتجعله يعيش باوهام الواقع التقليدي والذي يجبر الانسان على ان يعيشه وهو غير مؤمن به , لانه يؤمن بان مثل هذا الايمان يقوده الى اللاجدوى .
ان الانسان العبثي يعيش في واقع وهمي وغير منطقي عندما يفكر  وكانه مازال يعيش في رحم امه , وانما عقله وادراكه  الحسي والداخلي يجعله يحلق في تفكيره الى اللامحدود وحتى النهاية والتي قد لا تكون منطقية او مقنعة للمجتمع ضمن واقع يعيش تحت تاثيرات العادات والتقاليد والمتوارثة من المراحل والازمنة الماضية والتي لا تتفق مع التطور الحضاري للانسان . 
كانت لالبير كامو فلسفة خاصة لحياة الانسان في الوجود , فهو يؤكد وفي عدة نصوص بان الانسان يولد وله حرية الاختيار في كيفية ممارسة حياته اليومية , فهو حر في اختيار مايناسبه من مباهج الحياة , ولهذا فهو يحصد سعادته وبموجب ماتنتج عن حصاد اعماله في الحياة , ولقد عبر عن هذه الفلسفة في عدة نصوص ايضا اختارها لتجسيد فلسفته في الحياة , وكان دائم التسائل مع نفسه , هل ان الحياة تستحق منا التضحية من اجل ان نعيشها وكما يرغب الاخرين ؟ او هل من الصح ان نعيش الحياة وبموجب العادات والتقاليد والتي ورثناها عن اسلافنا ؟ , وهل من الواجب ان نعيش الحياة وعلى ضوء العادات والتقاليد والتي ورثناها عن المراحل الماضية من الزمن والتي لا تشبه الحالات الظرفية من حيث الظرف السياسي والاقتصادي والنفسي والثقافي والديني  للظرف الحالي ؟ وهل ان الحياة تستحق ان نحياها وكما هي ؟ ام من الضروري ان نكيف ظروفنا اليومية والحياتية وكما هي من وجهة نظرنا ؟ اذن لنستمتع بها ونعيش سعادتنا وكما نحسها حتى وان كانت مخالفة للعادات والتقاليد الكلاسيكية والسائدة في المجتمع .
لقد بدأ هذا الفيلسوف حياته مجهريا يفحص كل مايجول من العلاقات الانسانية في المجتمع , لقد بدأ عالما نفسانيا يتفحص الحالات النفسية والتي تتمخض منها ردود افعال الذات للانسان ويحللها ويتسائل مع نفسه , هل من الضروري ان نعيش الحياة وللوقت الذي تحدده لنا الاقدار الخارجة عن قوانا وارادتنا ام لنتحكم بنهاية حياتنا متى ما علمنا بان النهاية المحتومة هي الموت لنختار الوقت المحدد لانهائها ؟
ان البير كامو اعلن التمرد على هذه العادات والتقاليد البالية , واعطى للانسان حرية الاختيار وبما تستحق حياته وعلى ضوء ضروفه الحياتية والتي يعيشها وكما يحلو له .
العبث عند البير كامو هو الصراع والتساؤل عن الكون والذي لا يتعامل مع العقل والمنطق , ولهذا كان البير كامو يتمرد  على الكلاسيكية الموجودة في الحياة , فهو في محاولته هذه كسر القيود وخرج عن نطاق دائرة العلاقة المرسومة من غيره لحياة الفرد ,  استطاع ان يتوصل الى العلاقة بين التمرد والحرية والرغبة , فلقد تمرد على واقع المجتمع ورفضه رفضا قاطعا , وبهذا استطاع ان يعيش حريته وكما قادته رغبته الى تحقيق هذه الحرية , ومن خلال نظرته لذات الانسان وعلاقته بالكون , انا موجود اذن لامارس حريتي وكما يحلو لي وكما ارغبها , لا كما يرغبها الاخرون بفرض  قوانينهم وانظمتهم الاجتماعية عليا , لاعيش حياتا مفروضة عليا وليست باختياري , وعليه فان كنت احس بالحياة والرغبة في تكملة مشواري فيها فانا موجود , وان لم اتحسس طعم الحياة ولم اشعر بها فاذن انا لست موجود , وعليه فان الشعور والاحساس الداخلي للانسان هو الذي يحدد رغبته في كيفية اختياره للحياة , لا كما يحلو للاخرين ان نحياها وكما يرغبون , فكل شيىء مسموح في حياتنا , لان هذا الشعار يحمل من الالم والماساة في ذاتنا اكثر مما يحمل السعادة والفرح , لانه وبموجب رغبة الانسان ومحبته لممارسة حريته , يعتقد بانه ليس هناك نظام او قانون يحاول ان يفرض على الانسان ومن دون رغبته , فان ارادة الانسان في الحياة يجب ان لا تكون بموجب المنطق والعقل , وانما يجب على الانسان ان يحقق رغبته الذاتية وتجسيد احاسيسه وشعوره وبما يحس ويرغب , ليكون سعيدا بتحقيق مايسعده ويلبي رغباته الذاتية , ولهذا يجب على الانسان ان يحدد بنفسه نهايته وبالكيفية التي يرغبها , لان هناك من الاعمال والتي تسفر عن نتائج تحقيق رغباته الذاتية منها مايخدم البشر , ومنها ما يسيىء اليهم , وعليه فان الاهداف التي توصل لها الانسان العبثي هو ان يعيش حاضره بروح متفائلة ومتفتحة البصيرة في كل لحظة من لحظات حياته .
لقد الرتبط اسم البير كامو بالعبث , الا انه وفي عدة مناسبات ولقاءات اكد انه ليس منتميا الى العبث واللامعقول ,   انما هو لم يكن يبالي بما كان يحيطه من العادات والتقاليد , والتي قام بكسر طوقها وخرج عن ممارسة قيودها , فلم يكن يبالي بما كانت تسفر عنها من نتائج ان كانت محمودة او بالعكس , ولقد اخذ بهذه النظرية كدراسة لتدريس هذا المذهب الادبي والذي ظهر في منتصف القرن التاسع عشر , نظرية وفلسفة ومدرسة خاصة به .
ولد هذا الفيلسوف  البير كامو في الجزائر عام 1913 فقير الحال , يتيم الاب  بسبب وفاته في الحرب العالمية الاولى , حيث عاش مع والدته الاسبانية في منزل بسيط في حي من احياء الشعبية والفقيرة في الجزائر , لقد حصل على البكالوريوس , وعمل باعمال ادارية وتجارية لمتابعة دراساته الفلسفية , انما في نهاية حياته اصابه مرض السل والذي منعه من حصوله على شهادة الاستاذية في الفلسفة  .
لقد احب البير كامو المسرح , بحيث اسس فرقة مسرحية ومن خلال نصوص كتبها تجسدت افكاره الفلسفية وجسدها في عدة نصوصه المسرحية والتي اقتبسها من نصوص قديمة وجسد من خلالها جميع افكاره الفلسفية والتي خدمت اهدافه , سيما وان ظروف احداث تلك المسرحيات تختلف عن مراحل الحياة التي عاشها , انما قد تفيد الافراد في المجتمع الذي يعيش مرحلته الظرفية , وبالفعل قد اعجبت كتاباته  العديد من المهتمين بالادب المسرحي . 
وهكذا انتهت حياة هذا الفيلسوف وهو مؤمنا بان الحياة التي يحياها الانسان , لا جدوى منها لكونها لا تحقق حريته ورغبته  واختياراته في الحياة .  
وتبقى كلمة اخيرة بحق هذا الكاتب الفرنسي الجزائري , وكعادة معظم كتاب وادباء العالم , حينما يستعرضون حياتهم وتاثراتهم الفكرية , يحاولون التنصل من هذه التاثيرات وكما ان البير كاموا صرح ولعدة مرات متنصلا عن الفكر الوجودي والعبثي , وانه كان متاثرا بالحزب الشيوعي اليساري , وهناك خلافات حصلت بينه وبين الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر مما ادت الى افتراقهما لاختلافهما بالفكر والفلسفة  .
انما بقيت افكار البير كامو مخفية مع نفسه حينما توفي وفارق الحياة , حيث تذكر بعض المصادر انه توفي نتيجة اصابته بمرض السل , ومصادر اخرى تذكر ان سبب وفاة كامو بحادث سير سيارة ومع السائق والذي كان يرافقه في السفر .
الا ان الحالتين هي النهاية الحتمية  لحياته والذي لم تكن ياختيارات كامو , لقد فارق الحياة بعد ان خلف ارثا ثقافيا من النصوص الادبية منها : الطاعون , الموت السعيد , المنفى والمملكة , اسطورة سيسيفوس , الغريب , العادلون , الرجل الاول --- الخ .

                                                                        

الجمعة، 16 أكتوبر 2020

جول فيرن .بين الرواية والمسرح / علاوة وهبي

مجلة الفنون المسرحية


جول فيرن .بين الرواية والمسرح / علاوة وهبي

جول فيرن كاتب فرنسي  روائي وشاعر ومسرحي  اشتهر اكثر بكتابة الرواية  واغلب رواياته من الخيال العلمي الي حد عده بعض النقاد الاب الروحي لهذا النوع من الكتابات  الروائية .
ولد جول فيرن بمدينة نانت  الفرنسية سنة1828 وتوفي سنة1905 .كتب فيرن العديد من الروايات  .نذكر منها عشرون فرسخ  تحت الارض. وحول العالم في ثمانين يوما. ورحلة الي مركز الارض. والجزيرة الغامضة. .ومن الارض الي القمر. الا انه ومثل بقية كتاب عصره لم يكتف بكتابة الرواية العلمية فقط بل جرب الكتابة في انواع اخري  وله فيها انتاجات عديدة مثل تلشعر والمسرح .ويبدو ان الكتاب الفرنسيين في  القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين  الذي يعد ااعصر   الذي عرف ازدهارا كبيرا في الجمال   الادبي وعرف ظهور ايماء كببرة   كانت تتنافس فيما بينها في  الكتابة في مختلف الانواع من رواية الي الشعر  فالمسرح  الذي عرف هو الاخر ازدهار كبيرا .وربما هو  الامر  الذي دفع بكتاب هذا العصر الي التناافس فيما بينهم والكتابة في مختلف المجالات  لاثبات قدرتهم   مما جعل النقاد يصفون هذا العصر الفرنسي بعصر الانوار وتسمية  العاصمة الفرنسية بعاصمة الانوار  ومدينة الفنون والجنون علي حسب قول  الدكتور لويس عوض.
وجول فيرن كان يريد هو الاخر اثبات قدرته في الكتابة للمسرح علي غرار البقية .فكتب  العديد من النصوص المسرحية .و التي هي في اغلبها مسرحة لنصوصه  الروائية وكان يقوم بذلك اما بمفرده او بالاشتراك مع كتاب اخرين .
ومن اهم اعماله المسرحية الماخوذة من روايات له سبق نشرها نذكر.
1.الاسكندر1847
2.عبد الله فودفيل1849
3.قصر كالينونيا 1852
4.احد عشر يوما من  الحصار1856 كوميديا في ثلاثة فصول
5.رحلة  المستحيل1882
6.ميشال ستروغوف1880
وهي اشهر اعماله المسرحية علي الاطلاق . وماخوذة من رايته بنفس   العنوان والتي صدرت من قبل سنة1876 وقد قام فيرن نفسه بمسرحتها  بالاشتراك مع ادولف دينيري وقال  عنها الناقد الروسي   دافيدوف.(لم يكتب  جول فيرن افضل من هذه وفي الواقع فانها تعتبر احدي اكثر  الحكايات اثارة علي الاطلاق)
هذه الرواية والمسرحية المعدة عنها لا تعد من اعماله في مجال الخيال العلمي ولكنها تستخدم الظوار  العلمية كجزء من الحبكة وتتحدث عن ثورة التتار في سبيريا الروسية ضد القيصر بقيادة  الامير فيوفار .ولكن ثورته يتم القضاء عليها ووضع حد لحياته  بفضل شجاعة ميشال ستروغوف الجندي الذي يرسله القصير وقيادة الحيش  الروسي الي حاكم سيبيريا  حاملا رسالة  بخصوص  الامدادات  ولكنه يقع اسيرا في يد الخائن اوغاريف  وتسمل عيناه  ليطلق سراحه بعد ذلك .الا انه لم يفقد بصره بمعجزة ويتمكن من ايصال رسالة القيصر  الي تلامير فيوفار وكشف اوغاريف الذي تنكر وادعي امام فيوفار انه ستروغوف وكان يهدف الي الي قتل الامير وفتح ابواب المدينة امام الزحف التتاري والانتقام من السكان   .
عرضت المسرحية لاول مرة علي ركح مسرح  شاتوليه سنة1880 وقد وجدت استقبالا حسنا من لدن   النقاد والجمهور  .
هذه  الرواية  المسرحية تم انتاجها كذلك في مسلسل تليفزيوني اشتركت في انتاجه اربعة دول هي بلجيكا.المجر.سويسرا.المانيا انتجها كلود ديزبني  ومدة كل حلقة هي 90دقيقة واخرجهاجان بيير ديكورت وتم عرضها في موسم1975\ 1976\ ولقي المسلسل كذلك نجاحاكبيرا وخلف اصداء جيدة وعده  البعض من افضل انتاجات  التلفزة لذلك الموسم.
جول فيرن كاتب الخيال العلمي كان اذن مثل اقرانه من كتاب عصر  الانوار في فرنسا  مقتحما لمختلف مجالات الكتابة الادبية   بحيثوان اغلب كتاب هذا العصر في فرنسا لم يترددوا في الكتابة للمسرح  ولو بمسرحة اعمال سرردية لهم سبق لها النشر .كل ذلك  دفع بالحركة  في فرنسا الي  الافضل  وجعل من  العاصمة الفرنسية باريس عاصمة مسرح عالميا ودفع بالكثير من الكتاب من مختلف  الدول الاروبية بالحج اليها.وكان جول فيرن واحد من اقطاب عصر الانوار هذا في فرنسا بما كتبه في الرواية والشعر والمسرح الذي زاوج لين الخيال  العلمي  والواقع .او باستخدام  الظوار العلمية كجزء من الحبكة المسرحية  مما يميز مسرحيات  فيرن عن مسرحيات الاخرين.ويمنحه ريادة في الخيال العلمي.
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption