نحن في جمعية المسرحيين، وبكل الاعتزاز، اخترنا هذا اليوم، وإذا كان لكل يوم عظيم تاجه، فليس أعظم من تاج الفخار بأن يكون اليوم الإماراتي يوماً لا أنبل ولا أجمل، يوماً مكتمل المعاني، هو الثاني من يوليو. في مثل هذا اليوم، ولد صاحب الفضل والرؤية والرعاية واليد الطولى في تمكين ونهضة المسرح بدولة الإمارات، اليد الحانية والداعمة للمسرح عربياً ودولياً، في ذلك اليوم رزق الله المسرح بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ذلك الذي ما أخلف وعده للمسرح يوماً، يوم ميلاد سموه، الذي سطّر النصوص، وأرّخَ، ورسم استراتيجيات العمل المسرحي، سلطان الذي كان الرائد في زمن، والمنقذ في زمن آخر، والباعث في جانب، والراعي في جانب آخر، سلطان الذي كان يرى اليوم بعين الغد، والذي عرف أن أهم استثمار هو في الإنسان، وأهم استثمار في الإنسان هو الثقافة والمسرح.
هي الأيام تجري في أعنتها، ولكل خيل إذا ما شئت عنانها، وأيامنا مسرح تزهو على الأيام بسلطانها.
اليوم ليس ككل يوم، فلا الأيام تتشابه، ولا الأيام تتكرر، فلكل منها سمته وروحه، واليوم هو يومنا الإماراتي للمسرح، يوم للاحتفاء بالإبداع والامتنان للمنجز، هو كل ذلك العمق، وكل ذلك النبل، وكل ذلك الاستعداد والنضال والفداء من أجل أن يكون المسرح في إماراتنا منارة، ومن أجل أن يكون إعلان جدارة بالانتماء للوطن وللعروبة وللإنسانية.
يوم للتفكير والتطوير، يوم يختتم عاماً من العمل، ليفتتح عاماً من الأمل والاستشراف، فيه نرصد، نفكر، نحلل، نؤوّل، ونضع للحلم مسارات التحقيق، نتساءل ونقترح الإجابات، محطة لا راحة فيها، فالمحاربون راحتهم على صهوات خيلهم.
إطلاق يوم إماراتي للمسرح لم يأتِ من باب التفاخر، أو التباهي والاحتفال الذي يخلو من مضامين البناء الثقافي والمعرفي، إنه تدشين لمنعطف جديد نحو العُلا، فالمسرح كائن حي اجتماعي تفاعلي قيمته من قيمة العاملين فيه، قيمته من قيمة قِيَمِهِم، من ثراء معرفتهم، ومن مديات إبداعهم وابتكارهم.
وإنني لأرى في هذا اليوم تلويحة اعتراف وعرفان لأرواح الروّاد الذين آمنوا بالمسرح، وزرعوا في سهول الإمارات بذوره وسقوها بصافي المعارف والمهارات، إنه أنشودة الوفاء لذلك الطالب الذي كتب وأخرج عام 1958 مسرحية في مدرسته أغضبت من لا يعجبه أن يكون لأبنائنا رأيهم الحر، فأرعد وأزبد وأراد أن يرهب المسرح الذي لجأ إلى قلب ذلك الفتى واحتمى في صدره وسكن في عقله وفؤاده، فردّه إلى مكانه الطبيعي رعاية وإبداعاً وتمكيناً، إنها أنشودة الوفاء لسلطان القلوب والثقافة سيدي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي قال «خاف المسرح يومها فالتجأ إلى صدري»، وصار مثل طائر يفرد جناحيه فوق صغاره، ويعلمهم فنون الطيران وفنون الحب وفنون الإبداع.
وهنا لا بد من توجيه تحية خاصة وعالية لروح شخصية لعبت دوراً كبيراً في تمتين أركان المسيرة الثقافية عامة، والمسرحية خاصة، الشيخ أحمد بن محمد القاسمي، الذي قاد تنفيذ المشروع الثقافي، وشرّع النوافذ أمام المسرح الإماراتي للانطلاق عربياً.
وتلويحة الاعتراف والعرفان لواثق السامرائي المهندس العراقي الرائد في تقديم عروض المسرح، ولعبدالرحمن الصالح الذي كتب للمسرح والسينما في الخليج إبداعات مهمة، والتاريخ الفني يحفظ له بمداد من ذهب رائعته السينمائية «بس يا بحر». تلويحة اعتراف لصقر المسرح الخليجي، الفنان الكويتي صقر الرشود، وللمسرحي البحريني خليفة العريفي، وللمسرحي العراقي إبراهيم جلال، وللمسرحي الكويتي فؤاد الشطي، ولصانع المناخ الثقافي والإبداعي وواضع برامجه محمد عبدالله آل علي، وللمسرحي العراقي جواد الأسدي، وللأستاذ عبدالإله عبدالقادر، وللمعلم المسرحي العراقي قاسم محمد، وللمعلم المسرحي التونسي المنصف السويسي، وللرائد العربي المصري زكي طليمات، وللروح المسرحية السوداني يحيى الحاج، وللمعلم صانع الفارقة الثقافية المسرحي السوداني دكتور يوسف عايدابي، والقائمة تطول وتطول.
نقول لهم: لو لم يكن غرسكم، لما كان حصادنا، فها هم أبناؤكم حملة الراية من مسرحيي الإمارات يحلّقون في الفضاءات المسرحية المحلي، والعربي والدولي، ويحصدون أرفع الجوائز والتكريمات على كل المستويات.
هذا اليوم حصيلة الأيام والأحلام، هو نحن وما نريد، الحاضر القادم من ماضٍ نقدره، ومستقبل نُحضِرُه، فليكن يوماً يليق برفعة الإنسان وعمق العنوان وعز المكان وبهاء سلطان.