أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 22 أكتوبر 2021

ليبيا مائة عام من المسرح " 1908_ 2008 " أو هكذا تكلم المسرحيون / نوري عبدالدائم أبوعيسى

مجلة الفنون المسرحية



الجزء الأول

الإهداء 

إلى ..
 أبي و أمي 
غفر الله لهما وشملهما برعايته ولطفه، وأسكنهما فسيح جناته ..
إلى ...
أسرتي الصغيرة جداً ..
إلى ولدي " محمد "
 دام قرة العين ..
ودامت له الأوقات الطيبة .

المعد 

مقدمة

ترجع فكرة تجميع وتصنيف ما كتب من قراءات نقدية مسرحية للكاتب الصحفي الصديق " أحمد الفيتوري " عندما أشار باختيار بعض المقالات النقدية وإعادة قراءتها وتجميعها في كتاب منذ أكثر من عشر سنوات ..
استيقظت هذه الفكرة وكبرت أثناء اشرافي على المشهد الفني بصحيفة " أويا " التي رأس تحريرها  الكاتب الصحفي " محمود البوسيفي " وفتح ملف " مئوية المسرح الليبي .. 1908-2008 م " اعتماداً على مجهودات الكاتب والباحث المسرحي " البوصيري عبدالله " والراحل " المهدي بوقرين " فيما بعد.. ً حيث تمت دعوة كل المهتمين بالشان المسرحي " كتّاب ، مخرجين ، ممثلين، ... " للمساهمة في إثراء هذا الملف إضافة إلى تبني الزملاء بالصحيفة عديد الحوارات والتحقيقات والمتابعات ، وإعادة نشر  ما تيسر من مساهمات مسرحية في عديد الصحف والمجلات ..أثناء تبويب " الكتاب "تعاملت مع ما أتيح لي من مواد مسرحية في ذات الوقت  حاولت تغطية مالم يتاح نشره في ذلك الوقت من بعض الإصدارت وترحيل بعض المواد إلى " الجزء الثاني " من الكتاب الذي سأحاول فيه تغطية عديد الجوانب المهمة والملحة  التي لم أتمكن من إيفائها حقها في هذا الإصدار  .. 
ولأن المكتبة الليبية  تفتقر الى دراسات تعنى بالشأن المسرحي الليبي ورصده  ، فما توفر منها لم تف حق مسيرة مائة عام من  المسرح ، رغم  مساهمات  العديد من الكتّاب والنقاد والمسرحيين أمثال " المرحوم بشير عريبي ، المرحوم سليمان كشلاف  ،  البوصيري عبدالله ، أحمد بللو ، أحمد عزيز  ، عبدالحميد المجراب ،الراحل محمد الزوي ،  الراحل المهدي بوقرين ، سعيد المزوغي ، منصور بوشناف ، عبدالله هويدي ،ناصر الدعيسي ،  علي يوسف رشدان ، د. عبدالله مليطان  ..... وأخرون " إلا أن العديد من هذه المساهمات ما تزال الى الأن متناثرة في العديد من الصحف والمجلات الليبية ولم تجمع الى الأن لتأخذ طريقها نحو النشر . 
ربما خروج هذا الإصدار" ليبيا ... مائة عام من المسرح أو هكذا تكلم المسرحيون "  يساهم في تغطية جزئية صغيرة من مساحة كبيرة ..

نوري عبدالدائم أبوعيسى 
جنزور / قامارا  
16/ 11 / 2009 م 

الباب الأول ...
تأريخ ... بدايات .... ريادة

" هذا الباب يعني بالشان التأريخي يشمل هذا الحوارات والدراسات  وتراجم بعض الشخصيات " 
المعد 


ماذا لو ..
بقلم / كامل عراب 

ماذا لو تنادى ممثلو المسرح الأقدمون من الجنسين الذين هجروه لسبب أو لآخر فاختاروا نصاً ملائماً يجسدونه على خشبة المسرح فيما يشبه المهرجان الوطني ألا يكون ذلك لافتاً وممثلاً لظاهرة لعدة أيام  تحرك هذا الركود المسرحي وتبعث حرارة لدى جمهور المسرح وتجدد ذكريات هؤلاء الممثلين وتبعث فيهم روح الشغف بالمسرح من جديد أعتقد أن ذلك ممكن ولا بأس من أن يحتفل هذه الأيام سرد لذكريات ومواقف ومفارقات مرت بالممثلين القدماء عندما كانوا يملأون الخشبة  بحضورهم ألا يبعث ذلك روحاً من التواصل بين الأجيال وينشط ذاكرة هذا الجمهور الذي اعتاد أن يراهم وهم في طفرة الشباب وعنفوان العطاء والحماس هذه فكرة أضعها  بين يدي المهتمين لعلها تجد صدى ولعلها أيضاً تكون  إشارة تفتح نافذة على جزء من تاريخ المسرح هذا التاريخ الذي يحفل به الآن الملف الفني في صحيفة أويا الغراء في الاحتفال بمئوية المسرح أتصور أن ذلك ممكن.
 

أول الغيث ..وطن
بقلم / البوصيري عبد الله
كان لإعلان الدستور ( المشروطية ) أعظم وقع في نفوس الشعوب العربية والإسلامية الواقعة تحت السيطرة العثمانية ، واستقبلته استقبالا بهيجا يليق بعشقها إلى الحريات ، وميلها الغريزي إلى التعبير عن حاجاتها الإنسانية العظيمة كحرية الاعتقاد والتفكير والاضطلاع والتصريح بما يحس به تجاه الدولة والحاكم ، فكانت سانحة مقدسة تفجرت فيها الانفعالات العاطفية بقوة مدهشة ، فجلجل الخطباء بأكثر الخطب حماسة ، وشدا الشعراء بأعظم القصائد، كان بحق مهرجانا جمع بين أجمل الكلم واسمى الصور، وأنبل العواطف حتى قالت إحدى الصحف : إن الخطب والقصائد التي قيلت في هذه المناسبة ( لو جمعت لملأت مجلدات كثيرة) . ولا عجب في ذلك ، فإنه يعد أعظم حدث على مستوى الحياة الديمقراطية في تاريخ الدولة العثمانية ومستعمراتها.
وفي سنة إعلان دستور الحريات هذه تعرف مجتمعنا على المسرح بمفهومه العلمي الدقيق ، وفي إحدى تلك الصحف نعثر على أول إشارة لهذا المسرح.
* أول الغيث... وطن :
كانت الحرية في الواقع ، هي الغيمة المباركة التي جاءتنا بهذا الغيث ، وكان أول الغيث مسرحية بعنوان ( وطن ) .
فلا غرابة إذن في أن يكون العرض المسرحي الأول في مستوى الأحداث السياسية ؛ لذا كان في مظهره الخارجي أقرب إلى الاحتفال الرسمي منه إلى العرض المسرحي المعتاد ، فاكتظت القاعة بالشخصيات السياسية ، والدبلوماسية ، وقناصل الدولة ، وضباط الجيش .. كان كل شيء يوحي بأن مهرجانا على مستوى عال في صفته الرسمية يوشك أن يبدأ.
وتنقل لنا صحيفة ( الترقي) في عددها الصادر بتاريخ 15 من شهر رمضان لسنة 1326 هـ الموافق 11 أكتوبر سنة 1908م. مظاهر هذا الاحتفال ، وبنفس اللغة التقريرية الصحفية التي تنقل بها الاحتفالات الرسمية مما يدل على سيطرة الروح الرسمية على مشاعر الجمهور ، فتقول الصحيفة : 
( ... فما وافت الساعة الثالثة حتى غصت قاعة التمثيل بالحضار من بينهم قناصل الدول وكبار المأمورين وكثير من العائلات من أعيان النزلاء. )
ثم تستطرد الصحيفة قائلة :
( وعندما رفع الستار تقدم  "اليوزباشي خيري أفندي " وتلا خطبة تاريخية حماسية ) تنقل لنا الصحيفة أهم فقراتها التي ( أثبت فيها  الخطيب ما للعثمانيين من الفخر .. وما تقلبت فيه من الأدوار وأبان بالخصوص الدور الاستبدادي الأخير وكيف تضافر شبان العثمانيين على قطع تلك السلسلة الاستبدادية واستعادة دم الحياة في جسم الدولة العلية بإعادة الدستور وإعلان الحرية .إلخ(1) 
ولم يكن هذا المظهر الرسمي ( برولوج) للحفل المسرحي وإنما كان حدثا مسيطرا وطاغيا على مشروع العرض المسرحي في حد ذاته حتى تميز العرض المسرحي ببرود إذا ما قورن بالأحداث الجانبية ، لما لها من صفة رسمية واضحة ، وخاصة في الفقرة الأخيرة التي أعقبت نهاية عرض المسرحية ، إذ ارتفع الستار عن مؤسسي الحرية ( مدحت باشا ) وشريكه مؤلف الرواية ( كمال بك ) محمولين على الأعناق وقد قرأ منأوبة تأبين المذكورين من طرف الأديب الكاتب ( حلمى بك ) كما ساهم الممثلون في قراءة التأبين منأوبة أيضا.(2).
ويبدو أن المشهد كان بالغ التأثير إلى حد تخيل فيه محرر المقال ( ان أرواح المرحومين ترفرف على ) الحاضرين . وبعد ذلك جاء دور القصائد والأشعار حيث ( قرأت قصيدة مصورة للحالة الاستبدادية وبينت ) كيف أزيلت من نظم " حلمى بك"  المومي وهكذا تواصل الحفل  إلى ما بعد السادسة ليلا وانفض الجميع والكل يلهج بالثناء على حضرات الممثلين).
والواقع أن هذا المشهد الاحتفإلي المواكب للعرض المسرحي ليس جديدا على المسرح العربي ، سواء في مظهره أو في مضمونه ؛ فمن ناحية المظهر كانت النظرة دائما تتجه صوب فكرة ان عرض المسرحية مناسبة لا مندوحة من استهلالها بمهرجان خطابي يعبر فيه المتكلمون عما يجيش في صدورهم تجاه مؤسس العرض ، وأحيانا يعبر فيه مؤسس العرض خطابيا عما يجيش في صدره تجاه جمهوره ، أو تجاه بعض الشرائح المنتقاة ، هكذا شاهدنا ( النقاش ) و( القباني) وصنوع ، كلهم استهلوا حفلاتهم الجنينية الأولى بالخطاب قبل التشخيص .
أما من ناحية المعني، والشكل أيضا ، فقد تشابه هذا الحدث مع ما فعله (سلامة حجازي) عند وفاة ( مصطفي كامل ) في 8 من شهر فبراير سنة 1908م. فعندما  ( اكتظ المسرح بالجمهور ورفعت الستارة عن منظر مجلل بالسواد ، وفي صدره  صورة الزعيم الراحل وقف سلامة وأنشد القصيدة بصوته الرخيم )(3) فهل هذا التشابه كان محض المصادفة وحدها ، أم أنه دليل اطلاع ومتابعة لما يحدث في الأراضي العربية المجأورة ؟ 
* العرض الثاني :
إن هذا العرض الذي تم في مساء يوم الاثنين الموافق 10 من شهر رمضان سنة 1326هـ ، إنما هو العرض الثاني لمسرحية ( وطن) فمتى .. وكيف تم عرض هذه المسرحية لأول مرة ..؟
إن المصادر التي بين أيدينا لا تقدم لنا الإجابة ، ولم نعثر في صفحاتها عما يمكن أن يجعلنا نثبت به تاريخ العرض الأول لهذه المسرحية ، ولكن يبدو أن العرض الأول كان عرضا خاصا ، وعلى سبيل التجريب أو ما يسمى في لغة المسرح ( بالتجارب النهائية) (LA REPETATION JENRALE) أو أنها عرضت  في حدود ضيقة في مثل هذه الحالات ، وإلا ما هي الدوافع التي أعطت للعرض الثاني هذه الصفة الرسمية التي أشرنا إليها في سياق الحديث ؟.
وعلى أية حال توجد أخبار على الصحف المحلية تشير إلى تقديم عدة عروض لنفس المسرحية ، ففي صحيفة ( طرابلس الغرب) الصادرة بتاريخ 13 ذى القعدة لسنة 1326 هـ نقرأ خبرا يفيد تقديم هذه المسرحية على شرف قائد الطراد الدانمركي القائم مقام شولتز . الذي زار طرابلس . خلال شهر تشرين الثاني 1908م. حيث أدبت لشرفه مأدبة حافلة ليلة الثلاثاء في دائرة القوماندان مثلت  لجنابه رواية وطن (4).
إن هذا العرض جاء بعد شهرين كاملين (5) من تقديم العرض الثاني الذي اشرنا إليه . مما يدل على أن مسرحية ( وطن) كانت ماثلة دوما في أذهان ممثليها . وأن الفرقة كانت أبدا على أهبة الاستعداد لتقديم مسرحيتها هذه في أي مكان ، وفي كل المناسبات .
* ملخص المسرحية :
تلخص لنا صحيفة ( الترقي)  التي نقلت لنا وقائع الحفل المسرحي هذه المسرحية بقولها : إن هذه الرواية تمثل حب الوطن تمثيلا صحيحا . وتشخص ما للعثمانيين من الحماسة والمزايا والأخلاق الحسنة ، كما أنها تدل أن لا حياة ، ولا لذة إلا بسلامة الوطن والدفاع عنه (6).
إن هذه السطور القليلة لا تشبع نهمنا إلى المعرفة ، خاصة أنها تركز اهتمامها على المضمون وحده دون التلميح إلى البناء الدرامي ، أو الإشارة إلى الأحداث التي بنى عليها الفعل المسرحي ، كأن كاتب المقال يرغب في إحالتنا عنوة إلى النص الأصلى للمسرحية المعنية ، وليس أمامنا إلا أن نستجيب لما أراد لنعوض ما ضنّ به علينا ، ونعطي للقارئ فكرة شاملة عن أول مسرحية يقدمها مسرحنا الليبي.
( إسلام بك ) ضابط تركي شاب ، ينتمي إلى أسرة برجوازية صغيرة ، ولكنه يحمل أفكارا مستنيرة تقدس الوطن ، وتعشق الحرية ، يتعرف (إسلام بك ) على فتاة تركية جميلة المحيا ، نبيلة المشاعر ، وتنتمي إلى نفس الطبقة الاجتماعية ، تلتقى  أفكار إسلام بك مع أفكار فتاته ( زكية خانم) فتعمق وحدة الانتماء والأفكار قصة حبهما ، ويهيم أحدهما بالآخر . فجأة تعلن ( روسيا ) الحرب على بلادهما ، وتجتاح جيوش (القيصر) الأراضي التركية ، وتحتل إمارات ( الدانوب ) وتحاصر مدينة ( سلسترا)(7) وهنا يقع  إسلام بك في حيرة ، ويرتبك عقله ، ويصير عاجزا عن العمل والتفكير ، هل يستجيب إلى قلبه الذي يهيم عشقا وحبا بفتاته الجميلة ( زكية)؟.
إن للوطن عشاقا كثيرين أما ( زكية) الجميلة فلها عشيق واحد .. إنه هو ..( إسلام بك) 
وتتصاعد الأحداث على الجبهة ، وتتحصل ( تركيا) على حلفاء يساعدونها على اجتياز محنتها و( إسلام بك) الذي يدعي الوطنية ، ويتشدق بالحرية مازال سجين تردده ، وأفكاره ، الغامضة . وفي لحظة صدق يقف( إسلام بك ) أمام ذاته وجها لوجه فتتبين له الحقيقة السامية على ان الوطن هو العشيق الحقيقي الذي يختزل كل أنواع العشق ، وهنا يقرر أن يذهب إلى موقع المعركة ، ويقف مخاطبا في جنوده الذين يكنون له حبا عميقا ، وينظرون إليه نظرة تقدير وإجلال على ما عرف عنه من وطنية ، فيقول.
إن الذي يحبني لا يفارقني.
وهكذا يتبعه العديد من الضباط والجنود الأتراك. وتصل صرخته إلى أذن عشيقته ( زكية ) فيزداد حبها له ، وتعلو معنوياتها بعلو مواقفه . 
وفي موقع المعركة يلاحظ ( إسلام بك ) جنوده الأتراك وزملاءه الضباط وهم يدافعون في بسالة وشجاعة عن قلعة ( سلسترا) ويواجهون الجيوش القيصرية بتصميم أسطورى على النصر غير ان أكثر هؤلاء الجنود حماسة كان شابا جميل الصورة ، حلو السمات ، كان يتبع ( إسلام بك ) في كل مواقعه ، ويخوض بحماسة كل المعارك التي قادها . وفي إحدى المعارك يصاب ( إسلام بك ) بجراح خطيرة يظل على إثرها فاقد الوعي، طريح الفراش .
وتنتصر (تركيا) وحلفاؤها ، وتعود الجيوش القيصرية تجر أذيال الخيبة والهزيمة ، غير أن ( إسلام بك ) لم يشهد هذا المشهد المثير للعواطف الوطنية ، فلقد طال مرضه ، مما استدعى بقاءه خارج الجبهة ، وشيئا فشيئا يتماثل للشفاء ، وعندما التفت حوله وجد ذلك الشاب الجميل بجانب فراشه ، يقوم على خدمته ، ويخفف من آلامه .. وبعد حوار قصير ومركز يدور بين الطرفين تتبين الحقيقة الجميلة لـ ( إسلام بك) ألا وهي أن الجندي الوسيم الباسل ما هو في حقيقة الأمر سوى عشيقته ( زكية خانم) التي كانت متنكرة في ثياب الجند .. لقد تبعته لأنها تحبه ، وتنتهي المسرحية بزواج الطرفين.

* مؤلف المسرحية :
هذه هي مسرحية ( وطن  .. أو سلسترا التي ألفها ، كما تقول الصحيفة (كمال بك) الشهير ولكن من هو ( كمال بك الشهير ) هذا الذي حمل الممثلون صورته على الأعناق ؟
إنه الأديب والمسرحي التركي والشاعر الغنائي الكبير ( محمد نامق كمال ) الشهير ب ( نامق كمال ) ولد سنة 1840 م. وهي الفترة القلقة في حياة الإمبراطورية العثمانية ، وشاء القدر ان تلعب هذه الشخصية دورا بارزا في الحياة الأدبية والسياسية أيضا. إذ ساعدت قصائده الغنائية على انتشار الفكرة الوطنية ، ولم يكتف بذلك بل تزعم الانقلاب واعتبر تعينه ( باشكاتبا) من أهم الشروط التي طرحها مدحت باشا  على ( السلطان عبد الحميد ) الذي نكث بعهده فيما بعد.
ويعتبر نامق كمال من أبرز رجالات الأدب التركي خلال القرن التاسع عشر، وعلى يديه توطدت دعائم المدرسة الأدبية الحديثة التي أسسها أستاذه الأديب ( شناسي) الذي يعد زعيم المدرسة الأدبية الحديثة في ( تركيا) .. وترى دائرة المعارف الإسلامية أن نامق كمال .. ( كان فنانا عظيما ، ومجاهدا جلدا وكاتبا مكثرا ووطنيا كبيرا ). وتقول دائرة المعارف الإسلامية إن الفن عنده (كان وسيلة لإحداث نهضة أدبية في البلاد ، فأمد الثورة الثقافية والسياسية في تركيا بذخر من مقالاته السياسية ومسرحياته ، وقصصه وأشعاره الوطنية ومصنفاته التاريخية ومباحثه النقدية ، بل ورسائله الخاصة ، ومن ثم كان له أعمق الأثر في هذا السبيل.(8)
ثم أسس نامق كمال جريدة ( وطن) وهذا في حد ذاته يعد حدثا سياسيا خطيرا ، إذ نادت هذه الصحيفة بالدستور وبحق المواطن في الحكم وبالمحافظة على سنن الدين الإسلامي مما أغضب السلطات ، فأصدرت (فرمانها ) بنفيه إلى فرنسا وفي سنة 1888 م. مات الشاعر التركي العظيم في سجن ( ماغوسة) .
وتنظر القوى الوطنية التركية إلى نامق كمال على أنه المؤسس الحقيقي لحركة الحريات ، وأنه الأب الشرعي للدستور الذي صدر سنة 1908 م. ومن ناحية ثانية فلقد عنى ( نامق كمال )   بالمسرح عناية فائقة ، شأنه في ذلك شأن أستاذه ( شناسي ) فألف العديد من المسرحيات الوطنية منها : ( كلنهام ) وعاكف بك و( زواللي جوجوق) بالإضافة إلى مسرحيته الشهيرة ( وطن ) أو سلسترا.(9)
* ولكن .. من هو المخرج؟
فإذا كان ( نامق كمال )  هو مؤلف أول مسرحية تقدم على خشبة المسرح الليبي ، فمن هو المخرج الذي استطاع ان يجسد هذه المسرحية ، ويحوّل أحداثها إلى فعل وحركة فوق خشبة المسرح ؟.
إن صعوبة الإجابة لا تأتي من كوننا لم نعثر بعد على إشارة صريحة تحدد اسم المخرج ، ولكنها تأتي أصلا من عدم وضوح مفهوم الإخراج ، ومهمة المخرج في مسرحنا العربي عموما خلال بدايات هذا القرن ، وإن كلمة (الإخراج) لم تكن قد دخلت القاموس المسرحي العربي بعد . وكان يشار إليه بمدرب الممثلين ، وهي مهمة كان يقوم بها المؤلف، أو مدير الفرقة ، وأحيانا يقوم بها الممثل الأول كما كان يفعل ( القباني ) و ( النقاش ) و(القرداحي) بل وسلامة حجازي الذي اعتاد على اختيار النصوص وتوزيع الأدوار والاحتفاظ لنفسه بالدور الرئيس فيها . وكان مدرب التمثيل مضطرا في كثير من الأحيان للقيام بمهمة التلقين لتساعده في إعطاء الإشارات التي توجه الممثل وتملي عليه بعض الأفعال كأن ينتقل من موقع إلى آخر ، أو تطلب منه رفع الصوت ، وغير ذلك من الإشارات التي يأتي بها الملقن من داخل وكر أو كوشة التلقين ، أو من خلف الستارة أحيانا. ولم يظهر الإخراج المسرحي في مسرحنا العربي بمعناه العلمي الدقيق إلا مع ظهور الفنان المبدع ( عزيز عيد ) الذي وسع من اختصاصات مدرب التمثيل إلى ان أصبح مؤلفا للعرض المسرحي .
لذا فإننا نعتقد أن مؤسس الفرقة والقائم بأعمالها هو نفسه مخرج مسرحية ( وطن ..) .. وفي هذا المجال تشير الصحف إلى شخص محمد قدري المحامي.
في صحيفة ( الترقي ) الصادرة بتاريخ 30 من شهر شعبان سنة 1326هـ. نعثر على خبر يفيد أن ( حضرة الفاضل الغيور )  محمد قدري أفندي المحامي ) قد أوقف تجارب على مسرحية من تأليفه لأنها ( تستدعي زمنا لاستكمال معداتها ) وعليه فقد رأت الهيئة القائمة بهذا العمل المفيد أن لا تضيع الزمن في الانتظار فاختارت أن تمثل رواية ( وطن) تأليف ( كمال بك) الشهير وقررت الشروع في ذلك وأجرت الترتيبات الأولية لتنفيذ عزمها في العشر الأوائل من شهر رمضان المعظم  (10) 
وفي عدد آخر من صحيفة ( الترقي) تشكر الجريدة شباب الفرقة المسرحية على توزيع واردات الرواية على الفقراء والمحتاجين ، بل إنها تخص بالشكر ( أهم العوامل فيها ) محمد قدري المحامي (11) .
أما صحيفة طرابلس الغرب فإنها تستعير اسم جريدته الناطقة باللغة التركية عند الإشارة إلى الفرقة التي قدمت مسرحية ( وطن ..) وهذا كله يضع أمامنا أدلة كافية على بروز دور ( محمد قدري المحامي) وعلى مكانته داخل هذه الفرقة وهي مكانة تؤهله لأن يتولى مهمة الإخراج ، أو تدريب الممثلين حسب مصطلح ذلك الزمان.

* * *

و ( محمد قدري ) المحامي من عائلة جزائرية الأصل ، هاجرت إلى ( ليبيا) فرارا من الاستعمار الفرنسي ، واستوطنت مدينة طرابلس ، وفيها ولد محمد قدرى المحامي ، وتلقى تعلميه الأول في المدارس الراشيدية ثم سافر إلى ( اسطانبول ) لدراسة الحقوق هناك ، وفي تركيا التقى محمد قدري بالثقافة التركية عن قرب ، وقد كانت هذه الثقافة تجنى آنذاك ثمار الفكر التي غرستها التيارات الأدبية الحديثة والداعية إلى التقدم والتحرر يتزعمها الكاتب والأديب ( شناسي). وزميلاه ( ضياء باشا ) و ( نامق كمال ) ولابد ان محمد قدرى قد شاهد الحركة المسرحية التي بدأت تفرض وجودها على الحياة التركية من جراء اتصال المثقفين الأتراك بالأدب الأوروبي ، وبداية حركة الترجمة عن اللغات الأوروبية ، بل إننا نميل إلى الظن ان محمد قدرى قد شاهد مسرحية ( وطن ) تعرض على احد المسارح التركية حيث كان لهذه المسرحية شهرة واسعة لما تحتويه من بعض الصفات الرومانسية مقرونة ببعض الأفكار الطليعية والتحررية التي كانت تستهوي الشباب التركى .
ومن ناحية ثانية نلاحظ تقاربا كبيرا في حياة ( نامق كمال) وحياة محمد قدرى ، وربما كان دخول محمد قدرى إلى مجال المسارح والصحافة واهتمامه بالسياسة دليلا واضحا ، لا يقبل النقض ، على مدى تأثر محمد قدرى بشخصية نامق كمال ، ومدى سيطرة هذه الشخصية الفذة على نفسيته وثقافته ، بل وعلى مواقف محمد قدرى عموما. اننى أراه تأثيرا حادا يوصله بشخصية أستاذه الروحي، فتتوحد المواقف والأفعال بتوحيد الأفكار والآراء وإذا كان الأديب ( نامق كمال ) قد أسس جريدته ( وطن) ليدافع من خلالها عن الحريات العامة ، فان محمد قدرى قد حذا حذو أستاذه فأسس هو الآخر بعد عودته من استانبول جريدة ناطقة باللغة التركية ، اسماها( تعميم حريت)(12) دافع فيها عن القضايا الدينية والوطنية ، ونوه من خلالها مرارا على النوايا الخطيرة والخبيثة التي تكنها الحكومة الايطالية تجاه البلاد الليبية وكما كان لـ ( نامق كمال ) دور سياسي وتحريضى ، فان لـ (محمد قدرى ) مواقفه السياسية التي أكدها بانتسابه إلى حزب (الاتحاد والترقي ) الذي كانت له فروع وإدارات نشطة في كل من ( طرابلس) و (بنغازي ) بل ان محمد قدرى ارتقى بمواقفه السياسية خطوة أكثر ايجابية نوهت إليها الصحف المعاصرة له ، وباركت خطواته النبيلة في قيامه بحملات التبرع للفقراء والمحرومين .
ويأبى التلميذ إلا ان يكون كأستاذه فيلجأ للمسرح فيؤسس فرقة مسرحية ويخرج لها ، بل ويكتب مسرحية عن ( محاكمة المستبدين ) وعندما كثرت مشاغله واهتماماته هجر الصحافة ، وترك الكتابة الصحفية ليعطى كل اهتمامه للجيل الجديد حيث عين مديرا لمكتب الفنون والصنائع ، وربما اختار هذا المنصب لأنه لا يحتاج منه ان يبذل نشاطا ذهنيا مركزا ، كما هو الحال في العمل الصحفي ،ولكنه لم يستطع أن يتخلى عن حبه للمسرح ، فاستمر في كتابة الأعمال المسرحية ، مواصلا تجاربه مع طلاب مكتب الفنون والصنايع وذِلك - استنادا إلى ما قراناه  في الصحف من إعلانات عن تقديم وعروض مسرحية داخل مكتب الفنون والصنائع في عهد إدارة محمد قدرى المحامى.
وتبلغ درجة التماثل بين الرجلين أدق صورها في النهاية التي أل إليها كل منهما ، فكما نفي ( نامق كمال ) إلى فرنسا ، لمواقفه السياسية والثقافية ، فان محمد قدرى قد فضل المنفي الاختياري بهروبه خارج البلاد عندما داهمته القوات الايطالية ، فاختار الغربة ولكن في وطن أستاذه الروحى العظيم ( نامق كمال).

المصادر والمراجع
 1- حب الوطن : الترقي – العدد الصادر بتاريخ 15/رمضان /1326هـ
 2- نفس المصدر السابق.
 3- الدكتور فؤاد رشيد. تاريخ المسرح العربي سلسلة كتب للجميع العدد 49 فبراير 1960 م. الصفحة 31.
 4- طرابلس الغرب العدد 1265 – السينة 38 الصادر بتاريخ 13 – ذي القعدة 1326 هـ الموافق 24 تشرين الثاني سنة 1324 مالية .
5-  كانت صحيفة طرابلس الغرب – تصدر مرتين في الأسبوع ، يوم الاثنين والخميس . ولم تكن الصحيفة تشير إلى يوم الصدور بل تكتفي بالإشارة إلى التاريخ فقط . ونتوقع أن صدور العدد المشار إليه يوافق يوم الخميس لأنه ضم أخبار يوم الثلاثاء . وهذا يعني أن تاريخ العرض الثالث لمسرحية وطن – يصادف يوم الثلاثاء الموافق 11 ذي القعدة لسنة 1326 هجرية .
 6- مقالة حب الوطن صحيفة الترقي .. مصدر سابق.
 7- انظر في هذا الخصوص كتاب تاريخ الدولة العلية العثمانية تأليف الأستاذ  محمد فريد بك  المحامي – مصدر سابق - .
 8-  دائرة المعارف الإسلامية – سلسلة كتاب الشعب – المجلد – مادة الأتراك – صفحة 163: 167 دار الشعب – القاهرة .
وانظر أيضا – جوجي زيدان في كتابه ، تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر – الجزء الثاني مادة محمد نامق كمال بك – صفحة 115- منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت ، بلا – ت
 9- نجم  ، محمد يوسف: المسرحية في الأدب العربي الحديث – دار الثقافة بيروت – لبنان . الطبعة الثالثة 1980 ص . 64.
10-  مقالة ( التشخيص ) جريدة ( الترقي) الصادرة بتاريخ 30 / شعبان / 1326 هـ الموافق 13 – أيلول – 1908 صفحة 3.
 11- مقالة ( استفدنا ) جريدة ( الترقي ) العدد 37 الصادر بتاريخ 7-صفر – 1327 هـ صفحة 3 العمود الأيسر.
 12- صحيفة ( تعميم حريت ) تأسست سنة 1908 وكانت ناطقة باللغة التركية . لمزيد من التفاصيل حول هذه الصحيفة انظر كتاب الاستاذ . على مصطفي المصراتي . صحافة ليبيا في نصف قرن.


المسرح الليبي .. مسرح النضال والمتعة الفكرية والبصرية
بقلم /  المهدي أبو قرين

 
 في عيد المسرح يحق لنا أن نحتفل ونزهو بما أنجزه الفكر الليبي من أعمال فنية  كبيرة  في مجال المسرح من أجل الوطن والمواطنين فلقد مثل المسرح في ليبيا دوره الحقيقي المنوط به بكل جدارة وتقدير كأستاذ ومعلم للشعوب  وإن بدأ المسرح في ليبيا متأخراً نسبياً عن لبنان وسوريا ومصر إلا أنه ظهر في ليبيا عملاقاً في جميع مشاربه بالحرية والنضال من أجل الانعتاق من العبودية أياً كان نوعها منادياً بالحرية والمبادئ الإنسانية والتشبث بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة الشريفة ومحاربة الظلم والضلالة والفساد أينما كان شهدت على ذلك المراحل التي مر بها المسرح منذ نشأته عام ١٩٠٨ م  وحتى الأن  فلقد بدأ المسرح الليبي بمسرحية (شهيد الحرية) عام ١٩٠٨ م التي ألفها وأخرجها للمسرح بعناصر وطنية المرحوم محمد قدري المحامي وهي بداية واثقة ومبشرة ببزوغ فجر ومولد جديد في البلاد اسمه (فن المسرح) فكشف عن وجهه المشرق الوضاء ومن حيث النص فإن (شهيد الحرية) اسم له معناه ودلالاته في نفوس الليبيين فالحرية لديهم أغلى من كل غال وأثمن من كل ثمين لأنهم جربوا الظلم والقهر والاستبعاد من حكم الأتراك لهم.
وبعد الأتراك جاء الطليان مدججين بالسلاح وطوقوا البلاد من حدودها الشمالية على طول الساحل الليبي ودكت بوارجه مدن الساحل كان ذلك عام ١٩١١ م ومات من مات وبقيت الذكريات حيث احتلت إيطاليا كل من طبرق شرقاً إلى أبي كماش غرباً  وانتقلت المقاومة الشعبية إلى الدواخل أما الذين بقوا في المدن الساحلية فقد كان لهم طريق آخر في المقاومة وذلك  بالكلمة الطيبة وتحريض الأهالي على عدم التعامل مع المستعمر ومد يد العون للمجاهدين الأبطال فكان الشعر بنوعيه والمسرح هما الأداة من خلالهما كان التعليم وكان توعية الناس بدورهم في هذه الفترة العصيبة.
ظهرت أول مسرحية في عهد الاستعمار الإيطالي عام ١٩٢٦ م في مدينتي طبرق وبنغازي ففي طبرق كانت مسرحية (خليفة الصياد) التي ألفها وأخرجها المرحوم محمد عبدالهادي أما في مدينة بنغازي فكانت فرقة (الشاطئ) التي أسسها المرحوم رجب البكوش وقدمت مسرحية  (رعاة الغنم) . 
كان الإقبال على المسرح كبيراً فنشطت  حركة التأليف والإخراج وبالمقابل العروض المسرحية إلا أن المستعمر الإيطالي كان لهذه الحركة الجديدة في البلاد بالمرصاد فكان يؤول كل كلمة تلقى على خشبة المسرح ويصدح الجمهور بالتهليل والتكبير لها فيقوم بقفل المسرح ومقر الفرقة وحبس أفرادها وفي عام ١٩٣١ م رجع الفنان المرحوم محمد عبدالهادي إلى مسقط رأسه درنة وأسس فرقة مسرحية فيها قدمت من تأليفه وإخراجه مسرحية (خليفة الصياد) ومسرحية (هارون الرشيد).
كانت الفرقتان (هواة التمثيل) و(الشاطئ) تلاحقهما السلطة الإيطالية في كل عرض ولذلك كانتا بين ظهور واختفاء حتى عام ١٩٣٦ م حيث عزم محمد عبدالهادي على القيام برحلة فنية إلى مدن الساحل الغربي فوصل بفرقته مدينة طرابلس وقدم فيها عروضاً مسرحية نالت رضا الجميع مما دفع بالشباب في مدينة طرابلس بالاحتذاء حذو فرقة هواة التمثيل فكونوا فرقة اسموها فرقة (خريجي مكتب الفنون والصنائع) وكان من أبرز عناصرها الدكتور مصطفى العجيلي ومحمد حمدي وأسندت رئاسة الفرقة للشاعر أحمد قنابة وقدمت الفرقة عدة عروض مسرحية منها مسرحية (عبدالرحمن الناصر).
ابتدع الفنانون المسرحيون فكرة للهروب من مصادرة العمل قبل عرضه وهي أن تسمى المسرحية باسم اجتماعي أو عاطفي ومثال ذلك مسرحية (عبدالرحمن الناصر) التي قدمت تحت عنوان (غرام الملوك) كغطاء يحميها من مصادرة النص من قبل السلطات الإيطالية ذلك لأن النصوص التي كانت تقدم وقتها هي نصوص قومية ووطنية حتى وإن كانت على صورة اجتماعية وكان الجمهور واعياً ومدركاً لهذا النهج فكان النظارة أثناء العرض لا يستعمون إلى الحوار وحسب بل كانوا يتابعون حركة الممثل فالكلمة والحوار مكملان للقصد الذي يضعه الكاتب أو المخرج ولما لم يستطع المستمعر السيطرة على الفرق الوطنية حاول مكراً وخداعاً أن ينشئ فرقاً مسرحية تابعة للسلطة لتنشر مفاهيمه أو على الأقل تبعد الجماهير عن المفاهيم  الوطنية والقومية فكون فرقة (المكابي) بطرابلس بعناصر يهودية وفي بنغازي فرقة (الغال) وفي الوقت الذي فشلت فيه فرقة (المكابي) حيث قدمت مسرحية واحدة نجحت فرقة (الغال) في خداع من انشؤوها حيث كان المشرف على هذه الفرقة هو الفنان إبراهيم سالم بن عامر الذي كان يستقطب بعض الشعراء لإلقاء  بعض الأشعار الوطنية تلهب الحماس في نهاية العرض.
توقفت الحركة المسرحية في جميع ربوع ليبيا  إبان الحرب العالمية الثانية ولم يظهر أي نشاط مسرحي حتى ١٩٤٣ م  حيث بدأ هواة التمثيل يتنادون لتكوين الفرق المسرحية فأعاد الفنان محمد عبدالهادي نشاطه وكذلك الفنان رجب البكوش وآخرون أما فرقة (الفنون والصنائع) فبعضهم انضم إلى نادي العمال والبعض الآخر كون فرقاً أخر.
لقد شهدت فترة الأربعينيات حركة مسرحية نشطة من الفرق المحلية ومن الفرق الزائرة فقد زارت طرابلس فرقة (هواة التمثيل) وعرضت مسرحياتها بطرابلس والزاوية وأشادت بعض الصحف بما قدمت الفرقة من أعمال وخاصة المؤلف والمخرج الفنان محمد عبدالهادي.
وفي العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين أقول بأن هذه الفترة هي المؤسس الحقيقي للحركة المسرحية في ليبيا لأنها صقلت بالمكابدة والإصرار على العمل رغم أنف السلطة الحاكمة التي كانت تنكل  بالفرق المسرحية التي تشتم في أعمالها رائحة التحريض على الثورة أو حتى الإشارة إلى سوء الإدارة أو الأداء الوظيفي للدولة ورؤساء المصالح أو حتى للإشارة إلى سوء إحدى الدول الاستعمارية والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
كان المسرح في هذين العقدين وطنياً وقومياً ألهبت مشاعره حرب فلسطين والاعتداء الثلاثي على مصر وحرب الجزائر وسير الحكم في ركاب الاستعمار هذه الأحداث مع أحداث المجتمع الليبي الذي كان يرزح تحت خط الفقر بينما نشأت طبقة ثرية مرفهة وضعف التعليم وكثر الفساد من رشوة ومحسوبية وخمور ومجون كل ذلك أعطى العاملين في المسرح من كاتب ومخرج وممثل أن يبدع ويتألق فلاقى المسرح التشجيع الشعبي وامتلأت المسارح ليالي العروض بالمشاهدين لينهلوا من فيض الإبداع ما يدفعهم للتطلع إلى يوم ينعمون فيه بالحرية يوم تنهار فيه الطبقية والبرجوازية والسلطة الحاكمة فكان المسرح  في عقدي الخمسينيات والستينيات هو الأستاذ والمعد والموحد لقوى الشعب بل هو الرابطة الوحيدة التي جمعت الشعب الليبي على كلمة واحدة هي الحرية والمساواة فكان الشعب في الموعد حين انبلج فجر الفاتح من سبتمبر حيث خرج عن بكرة أبيه يؤيد ويناصر الثورة والثوار لم يتوقف المسرحيون عند هذا بل خرجوا يباركون الثورة ليس بالهتاف فقط بل بالعمل الجاد حيث عرضت الفرق المسرحية مسرحيات بالمناسبة تتفق وعظمة الحدث وجلال الموقف فاستقبلها الشعب بالتهليل والتكبير.
وبدأت الثورة مسيرتها وأنشأت دائرة خاصة بالمسرح تكاثفت جهودها مع جهود المسرحيين فاستجلبت هذه الدائرة خبراء متخصصين في المسرح وكونت منهم فريق عمل لمتابعة الحركة المسرحية في جميع أنحاء ليبيا لغرض الرفع من مستوى الأداء بأسس علمية ثم كان للمهرجان المسرحي الوطني الأول في شهر الفاتح (سبتمبر) عام ١٩٧١ م وكان حافلاً بكل الإبداعات من جميع أنحاء ليبيا وقد كان مهرجان المسرح الأول دافعاً قوياً لبذل الجهود والاجتهاد فتألق كتاب ومخرجون وممثلون وفنانو مناظر وملابس وتنكر وعندما جاء موعد المهرجان الثاني للمسرح جاء ومعه التألق والإبداع البشري برسوخ قدم المسرح في هذا البلد المعطاء فأرسي المسرح الليبي في العقد السابع من القرن الماضي دعائمه الحقيقية حيث ملك جميع العاملين به أدواته وأنشأت الهيئة العامة للمسرح في منتصف السبعينيات تقريباً إنجازاً عظيماً لصالح المسرح وإن شابت بعض الإجراءات الشوائب.
بعد حل الهيئة العامة للمسرح وضم المسرح إلى الإدارة العامة للثقافة خفت جذوة المسرح إلا قليلاً وتأخر عقد المهرجان المسرحي الوطني فالمهرجان العاشر كان في عام ٢٠٠٧ م في مدينة بنغازي ورغم وجود بعض العروض المتميزة في هذه الدورة (العاشرة) إلا أن بعض الفرق كانت في حاجة إلى دعم أدبي وفني ومادي أيضاً.
            









المسرح الليبي في مئة عام ......
" كانت النوادي الأدبية والرياضية والفرق المسرحية التابعة لها والصحافة أيضاً هي المنابر التي ساهمت في توعية الجماهير  " 

بقلم  / المهدي ابوقرين 

باستيلاء الإنجليز على السلطة في ليبيا في أربعينيات القرن الماضي كثرت في البلاد مجالس اللهو العامة والخاصة التي تقدم فيها الخمور المستوردة والمصنعة محلياً من العنب ومن أشجار النخيل المسمى " باللاقبي " حيث يقطع رأس النخلة بتجريدها من جل جريدها ويحفر في قمة رأس النخلة حوض .. تخرج عصارة حلوة المذاق في الحوض تتجمع هذه العصارة وتجمع في عبار وهو وعاء يشبه القلة في الشكل .. إلا أنه أكبر منها بأربعة وخمسة أمثالها  ، يعلق العبار من الصباح حتى المساء فإذا شرب في نفس الليلة أو في الصباح الباكر كان حلوا وطيب النكهة والمذاق، أما إذا شرب ظهراً أو ما بعده كان حامضاً وصار مسكراً ، إذ أن هذا السائل سريع التخمر بالحرارة  .. وقد تخصص اليهود والمالطيون في بيع هذا النوع من الخمور ويتهافت عليه كثير من الشباب وذوو الدخل المحدود لرخص ثمنه مقارنة بالخمور الأخرى ولذلك كان المالطيون واليهود يغشونه بالماء والخمائر ، والذين يتعاطون مثل هذه المسكرات بعد الكأس الثانية والثالثة لايفرقون بين السليم منه من المغشوش  . 
كان المستعمر القديم منه والحديث يشجع على فتح الخمارات فانتشرت في جميع أركان البلاد  . حتى التجمعات السكنية الصغيرة النائية أقيمت فيها الخمارات كما أنشأ المستعمرون نوادي ليلية لتعاطي القمار والفسق والفجور وشجعوا على إنشائّا فبادرت بعض النفوس الضعيفة من الليبيين على إدارتها وامتلاكها  ، وبالمقابل ضيق المستعمر على الشباب الليبي العفيف الشريف الحر باستفزازهم وتلفيق التهمة لهم ليصدوهم عما هم سائرون عليه من نصح وإرشاد في النوادي الأدبية الفنية التي كونوها في البلاد  . 
كانت النوادي الأدبية والرياضية والفرق المسرحية التابعة لها والصحافة أيضاً هي المنابر التي يتحرك الشعب من خلالها لتوعية الجماهير وصد المظاهر الشريرة التي بثها المستعمر وأعوانه في البلاد  . فقدمت هذه النوادي العديد من اللقاءات الأدبية والفنية للرفع من معنويات الجماهير ولتهديهم سواء السبيل وكان نادي الاتحاد واحداً من هذه التجمعات الشبابية التي قدمت القضية الوطنية والقومية . 
فها هي فرقة نادي الاتحاد المسرحية تقدم من تأليف الأستاذ الشيخ محمود عمر المسلاتي مسرحية ( مضار القمار ) وكانت من إخراج عمر الباروني وهي مسرحية اجتماعية أخلاقية تظهر مساوئ القمار ومضاره على الفرد والأسرة والمجتمع .. فالقمار سلوك محرم شرعاً لأنه يهدف إلى تدمير اقتصاد الأسرة والمجتمع ويغلب طبقة على أخرى وبالقمار تحدث الفتن وتحاك الدسائس والمكائد ، وتدمر الأنفس ، وبالتالي تقضي على مقومات المجتمع دينياً واجتماعياً واقتصادياً . ولما كانت ( مضار القمار ) كذلك فقد برهن نادي الاتحاد وفرقته عملاً لا قولاً على حدها في مضمار الرفع من معنويات الشعب وشد أزره في المحن والشدائد .. فقد خصص دخل المسرحية لصالح منكوبي وادي المجينين  . كما فعل نادي العمال وفرقته المسرحية  . كان عرض مسرحية (مضار القمار) بتاريخ 6- 2 - 1945  . 
وكما أعلم ويعلم الجميع أن شباب النوادي والفرق المسرحية ليس لها دخل غير دخل الشباك وهو غير كاف لاستمرار العمل الفني . فالعاملون في النوادي والمجال الفني بالذات يقومون بأعمال غير ما يقدمونه للجماهير ولذلك نجد الأعمال الفنية خاصة لاتقدم بانتظام وعلى فترات متباعدة . فبعد أكثر من سنة قدمت فرقة نادي الاتحاد للمسرح في 28 . 6   . 1946  مسرحيتها ( خليفة الصياد وهارون الرشيد ) والجدير ذكره أن هذا العنوان قد قدم تحته الفنان محمد عبدالهادي أيضاً مسرحية نالت شهرة واسعة من شرق ليبيا وحتى غربها وهي مسرحية اجتماعية أخلاقية فكاهية  . ولم يذكر أحد عن هوية مسرحية نادي الاتحاد التي جاءت متأخرة عن مسرحية محمد عبدالهادي  . 
وقد نقد الأستاذ الهادي عرفة مسرحية نادي الاتحاد ( خليفة الصياد وهارون الرشيد ) على صفحات جريدة طرابلس الغرب وشكر نادي الاتحاد وفرقته المسرحية على الجهود المبذولة في هذا المجال مشجعاً إياهم على تناول مثل هذه الموضوعات .
كما أثنى الناقد على الجمهور المشجع للمسرح .. هذا التشجيع من النقاد والجمهود أوقد شعلة الحماس في نفوس أعضاء الفرقة فتقدمت بخطوات ثابتة إلى الأمام باختيارها نصوصاً من المسرح العالمي  . 

 
















المسرح الليبي في مائة عام ..
" بشير عريبي ونادي العمال " 
بقلم/  المهدي أبو قرين ..

 
أثناء تحضير نادي العمال مسرحية (غرام وانتقام )عام 1944م للعرض من قراءة للنص واختيار الممثلين تم تجهيز الملابس والمناظر والمهمات الأخرى تقابل الفنان الأستاذ بشير عريبي مع شاب وسيم تعلو وجهه حمرة الخجل كلما أراد التحدث يقول الأستاذ بشير عريبي في مذكراته عن (الفن والمسرح في ليبيا ص166(  .
"أخذ الشاب يحدثني ورأسه مطرق إلى الأرض قال: أنا من مواليد مصراته عمري 20 سنة، كنت أدرس بالقاهرة، وعندما كنت عائداً عن طريق البر إلى مصراته ألقى البوليس الحربي البريطاني القبض عليّ في بنغازي بتهمة التجسس لصالح الجيش الألماني وجيئ بي إلى طرابلس، وأدخلت سجن باب بن غشير، بعد تحقيقات دامت مدة طويلة أفرج عني. ليس لي أهل بطرابلس ولا أعرف أحداً، ولقد علمت بأن أغلب نزلاء فندق الحصائري من تجار مصراته وهم يخزنون في حجراته الحصران، فجئت لهذا الفندق لعلي أجد من بين التجار من أعرفه فيقرضني بعض النقود لأسافر إلى مصراته.. وسكت.
يصف الأستاذ بشير عريبي حال صاحبه المصراتي بأن مظهره الخارجي يرثى له مما دفعه إلى أن يعطيه معطفه ليستر به ملابسه الممزقة ثم أخذه إلى النادي ليستريح ولم يصرح الأستاذ عريبي في مذكراته باسم صاحبه هذا؟!
ويردف بشير عريبي: في النادي تعرف المصراتي على.. حسن (حسن يوسف) وحمدي (محمد حمدي) والدكتور (د. مصطفى العجيلي) وقنابة (الشاعر أحمد قنابة) وبقية أعضاء النادي... وطلب (بشير عريبي) من الأصدقاء مساعدته.. فانهالت عليه التبرعات وأصبح من يومها يتردد على النادي وأصبح صديقاً لهم وكسب بلباقته ثقة الجميع واتضح أنه يحسن الغناء وخاصة الجديد منه، وقد كلف المصراتي بأن يقوم بدور القائد في تمثيلية (غرام وانتقام ) ..
وهكذا دخل المصراتي المسرح من أوسع أبوابه"
يقصد الأستاذ المرحوم بشير عريبي بأن بعض الممثلين يتدرجون في مجال التمثيل المسرحي بخطوات وئيدة أدوار صامتة ثم أدوار ثانوية ثم أدوار دون البطولة ثم بعدها أدوار البطولة في المسرحية ولكن المصراتي تخطى هذه الأدوار وقفز إلى أن يكون البطل بامتياز في أول عمل مسرحي يشارك فيه.
لم تكن أعمال فرقة نادي العمال وهي سهرات فيها المسرح والغناء والأناشيد.. لم تكن حكراً على جمهورها الذي ألفها وألفته داخل مقر النادي ولا حتى على جمهورها من أهل الوطن فقد تعدته إلى أبعد من ذلك فها هي تقدم فنها الرفيع إلى قوة الدفاع السودانية التي استقدمت من السودان من قبل الإنجليز إلى مدينة طرابلس.
فبمناسبة عيد الفطر المبارك خصصت فرقة نادي العمال إحدى حفلاتها بالمناسبة للبعثة السودانية فقدمت الفرقة مسرحية (ناكر الجميل) وهي مسرحية اجتماعية أخلاقية ومسرحية فكاهية بعنوان (الدكتور) على مسرح المعرض.
عندما كانت فرقة تمثيل نادي العمال تعمل تحت اسم فرقة مكتب الفنون والصنائع قدمت عرضاً فنياً (مسرح وموسيقى وطرب) لنزلاء مستشفى طرابلس المركزي.
كان ضمن حضور هذا العرض شاب يعمل في صيدلية المستشفى اسمه مصطفى الأمير.
اشترك مصطفى الأمير في فرقة نادي العمال والتي كانت في الأصل (فرقة مكتب الفنون) وكان العمل الجديد لفرقة نادي العمال مسرحية (العودة إلى المدرسة) وهي من تأليف وإخراج الدكتور مصطفى العجيلي وهي مسرحية أدبية تربوية تدعو الناشئة إلى الدرس والتحصيل لأن العلم يحيي كل شعب ميت.
فأضافت فرقة النادي بعملها الجديد هذا رصيداً إلى رصيدها المسرحي وفناناً إلى الفنانين السابقين هذا الفنان هو مصطفى محمد الأمير.
جاء في كتاب الأستاذ بشير عريبي (الفن والمسرح في ليبيا) ص173
اشترك في هذه التمثيلية يعني (مسرحية العودة إلى المدرسة) إلى جانب الممثلين القدامى ممثل جديد يهوى التمثيل من كل قلبه عشق التمثيل منذ أن رأى فرقة مدرسة الفنون تقدم المسرحيات الترفيهية على مرضى مستشفى طرابلس المركزي أيام كان يعمل بصيدلية المستشفى اسمه مصطفى محمد الأمير.
شاب عصامي شق طريقه فيما بعد بجهوده وأسهم في تأسيس الفرقة القومية، بعد مسرحية (العودة إلى المدرسة) قدمت فرقة نادي العمال مسرحية اجتماعية أخلاقية من ثلاثة فصول هي مسرحية (خيانة الأصحاب) تأليف الفنان حسن يوسف وإخراج الدكتور مصطفى العجيلي.
لم ينس أعضاء فرقة نادي العمال كيف نشأوا ثم كيف صاروا ولا من أين أتوا فهم تلاميذ مكتب الفنون والصنائع الإسلامية.. لذلك قرروا أن يقدموا لأطفال هذا المكتب حفلاً شيقاً، فاستقبلوهم بمسرح النادي وعرضوا لهم مسرحية (خيانة الأصحاب) ولما كان جمهور هذا العرض من الأطفال فقد غيّر الفنان محمد حمدي في أدائه للدور الذي يقوم به بحيث يتلاءم ورؤيتهم وفهمهم. فاستعاض عن الجمل الطويلة بالحركة والإشارة فضحك الأطفال واستطاع الفنان محمد حمدي بأسلوبه أن يوصل مفهوم المسرحية لأطفال صغار .
 


بواكير النقد المسرحي في ليبيا ...
 " مولود قابلته الصحافة " 
بقلم / البوصيرى عبد الله " 1 "  

المسرح والصحافة فى ليبيا شقيقان جميلان شقيان تمخض عنهما العهد العثماني الثاني بعدما برأ من عقمه وشفى من سقمه ، ولد الأول تلو الثانية وعاشا معا ومات .. بل قتلا معا ، عاشا وترعرعا، واشتد عودهما بجرعة قوية من ترياق الحرية وقتلا برصاص من رصاصات الغدر الامبريالي، وليس هذا من قبيل تنميق الحديث ولا من باب تزويق الكلام وإنما هو واقع موثق وماض مكتوب على جبين ثقافة هذا الوطن.
ولد المسرح الليبي ، كما اسلفنا ، سنة 1908م. والصحافة كذلك (1) كتوأمين بصدور قانون الحريات ( المشروطية )  ولكنهما ما عتما ان قتلا تحت انقاض مباني الطموحات التى دمرتها البوارج الايطالية عند بداية رحلة الموت سنة 1911م. التى قررت روما ان تعيد بها أمجادها الغابرة . وبين لحظة الميلاد، وارتعاشة الموت زمن قصير ، قد لا يمكّن الوليد من تعلم كيفية المسير ، ناهيك عن تعلم لغة الحضارة .
حدثان ، كما يقول الأستاذ المصراتي ، الأول فيه فرح وبهجة ورنة ، والأخر فيه زلزلة ورجة وبين هذين العهدين كانت نقلة هامة وتطور سريع نحو الرقي والنهوض.(2)
ان ما نرمي إليه من وراء هذا الاستهلاك المثير للشجون هو تبيان المؤثرات السياسية والمعطيات الحرفية لتجربة الصحافة الليبية والمسرح معا خلال العهد العثماني الثاني ، ومن ثم اثر هذه العوامل والمؤثرات على علاقة بعضها ببعض أملا فى الوصول الى تقويم هذه العلاقة تقويما يتسم بقليل من الموضوعية . ان لم ندرك الكمال مع علمنا ان الكمال خاصية ربانية وليست إنسية .
عندما ظهرت أولى تجارب المسرح الليبي فى أكتوبر 1908 م. كانت تصدر فى طرابلس ، آنذاك .خمس صحف هى : السلنامة ، طرابلس الغرب ، الترقي ، الفنون ، ابو قشة ، ولكننا لم نجد صدى هذه التجربة الفنية المحلية غير المسبوقة إلا فى صحيفتين اثنتين ونعنى بهما جريدة ( الترقي)   التى أحسنت الاستقبال ، وتابعت جمعية التشخيص متابعة دقيقة بواسطة الخبر والإعلان والنقد والمقالة . وجريدة (طرابلس الغرب) التى خصت هذه الجمعية بأحد أعدادها فأوردت فيه خبرين يكتنفهما الكثير من الغموض، احدهما بعنوان ( مقاطعة ) والأخر بعنوان ( خبر ) .. 
ثم تواصلت الحركة المسرحية فى البلاد واشتد أوار الإبداع فيها خلال الثلاث السنوات اللاحقة فتوزعت فاعليتها على ثلاثة محاور: تمثل المحور الاول فى الفرق الأجنبية ، وتمثل المحور الثاني فى الفرق العربية الزائرة ، وتمثل المحور الثالث فى جمعية التشخيص الليبية . ورغم ذلك فلم نر متابعة الصحافة الوطنية لهذه الحركة المسرحية الوليدة إلا من ست صحف هى : طرابلس الغرب ، الترقي ، المرصاد ، الرقيب ، ابو قشة ، واستنادا الى بشير عريبي يمكننا إضافة جريدة ( تعميم حريت) من أصل عشرة صحف عربية كانت تصدر خلال هذه الفترة يقدر ما حصلنا عليه فى هذه الصحف بسبعة عشر نصا ، اى بواقع ستة نصوص تقريبا فى السنة الواحدة ، تختلف هذه النصوص الصحفية من حيث الطول والقصر ، وتتباين من حيث جنسها الأدبي بين خبر ومقالة او نقد موزعة على النحو التالي:
أ – الترقي : تسع نصوص : 
1- التشخيص .
2- حب الوطن.
3- فن التشخيص .
4- استفدنا.
5- جوقة التمثيل الادبى 
6- جوق التمثيل.
7- لمنفعة مكتب الفنون.
8- هل التمثيل مهان.؟
9- خبر ( نقلا عن كتاب : تاريخ المسرح فى الجماهيرية (
ب- طرابلس الغرب : ثلاث نصوص
10- المقاطعة .
11- الخبر.
12- رسالة التشكر.
ج- المرصاد : نص واحد
13- الى ذوى الغيرة والمروءة.
د- الرقيب : نصان
14 – جوق التشخيص .
15- الجوق المصرى .
هـ ابو قشة : نص واحد
16- التمثيل ( نقلا عن كتاب : ابي قشة ( 
و- تعميم حريت : نص واحد
17- خبر ( نقلا عن كتاب : الفن والمسرح فى ليبيا(.
اما جنس هذه النصوص الصحفية ، وحظ كل جريدة منها فنقترح تبيانه فى هذا 
:

الجدول:


الجريدة


خبر

اعلان


مقالة


نقد


المجموع


طرابلس الغرب



3

-


-


-


3


الترقي


3


3


2


1


9


الرقيب


-


1


-


1


2


المرصاد


-


1


-


-


1


ابو قشة


-


-


1


-


1


تعميم حريت


1


-


-


-


1


المجموع


7


5


3


2


17




ان هذا الرصد الببليوغرافي لا يوضح لنا حميمية العلاقة بين المسرح والصحافة كالتي نلمسها فى الصحف العربية الأخرى مثل جريدة (الأهرام) القاهرية ، او (التقدم) التونسية او حتى الصحف الليبية فى الأربعينيات بل انه يكشف عن تقصيرها وسلبيتها تجاه نظيرها وشقيقها فى الطموح برقي البلاد ، وتنوير العباد ، فهذا الكم المبتسر لا يعكس حقيقة النشاط المسرحي على ارض الواقع خاصة فى السنة الأخيرة التى سبقت الاحتلال الايطالي حيث شهدت طرابلس زخما من العروض .. بل شهدت صراعا فنيا، ولا مبالغة ، وتنافسا فى لغة الإبداع المسرحي بين جوقين عربيين هما جوق (الياس فرح ) وجوق ( محمد ابو العلا) المنشق عنه . كما شهدت البلاد فرقا عربية أخرى ، مثل الجوق المصري ، وجوق إبراهيم حجازى،وجوق التمثيل الأدبي حملت معها أفضل المسرحيات المستعارة . أصلا. من برامج كبريات الاجواق العربية .
إذا كان هذا هو موقف الصحافة من المسرح على الصعيد الكمي ، فما هو موقفها ، إذن على الصعيد الفكرى ؟ ما هى نظرة الصحافة الليبية الى المسرح فى ما نشرته من إعلانات وأخبار ومقالات ؟. ثم هل قالت صحافة ذلك العهد ، من خلال هذا الكم المبتسر شيئا ذا بال؟. ربما ان الكم فى مجال الفكر ليس فى كل الحالات . نقيصة .. ومن يدرى فقد يبرز الكثير من القليل، ورب عي جاء بما لم يأت به مفوه.
ان هذه الأسئلة تهيئ لنا الدخول فى روح النصوص على نحو يقظ غير متحمسين ولا مبتسرين . غير متحمسين لها بحيث نعطيها أكثر من حقها ، وغير مبتسرين لجهدها فنجحد فضلها . لكن قبل ذلك كله نود ان ننوه بملاحظة هامة نشير فيها الى عدم التزام هذه النصوص بحدود جنسها الأدبي ، او الصحفى وهذا أول انطباع نخرج به من قراءة هذه النصوص. فالخبر - هنا - لا يلتزم بحدوده كخبر بل نراه يتوسع . ويتمطى حتى يصير مقالة كما هو الحال فى مقالة ( التمثيل)  المنشورة فى جريدة ( ابو قشة ) والنقد .. أحيانا هو عبارة عن إعلان . مجرد إعلان اقتضت صياغته الدخول فى تفاصيل العرض فصار نقدا .. او شيئا شبيها بذلك ، كما هو الحال فى الإعلان المنشور بجريدة ( الرقيب) الذى يحمل عنوان ( جوق التشخيص ) وغير ذلك مما سنراه فى السطور اللاحقة .
أولا : الإعلانات
من طبيعة الإعلان ان يهتم بأكبر قدر ممكن من التفاصيل بشرط ان يتضمن جملة من المعلومات الأساسية التى تتمثل . بالنسبة للمسرح فى ذكر مكان العرض المسرحي ، واسم الجوق الذى سيقوم بتشخيصها . وليس للإعلان الصحفى صيغة ثابتة يمكن اعتبارها أنموذجا مثاليا ينبغى الاقتداء به ، وإنما المسألة تركت للجهد الخاص ، ولقد كان لهذا الجهد الخاص إبداعات وافانين لا تخلو من طرافة ولعل الإعلان المسرحي فى الوطن العربي يعد أكثرها طرافة اذ انفرد عن غيره من صيغ الإعلانات المعروفة فى العالم بسمة خاصة فرضتها عليه مظاهر العزوف عن المسرح. وهى سمة يمكن تسميتها بـ ( ملح الإعلان) تجعل للإعلان طعما مستحبا، وتضفي عليه نكهة مميزة ، وذلك بان تكيل الجريدة لنجم الجوق او للجوق نفسه سيلا من ألفاظ المديح تعدد فيها مناقبه وكفاءاته بغية حث الجمهور على الحضور لتلك الرواية المعلن عنها او لترغيب الناس فى تعاطي الفن المسرحي بصفة عامة . وأنت لا تعرف متى  يضاف هذا ( الملح) .أحيانا نجده فى استهلال الإعلان ، وأحيانا يختتم به الإعلان ، كهذا الإعلان الذى نشر بجريدة المؤيد فى 17/ أكتوبر / 1906. يحمل عنوان الشيخ سلامة حجازى . فى الإسكندرية جاء فيه ( إجابة لطلب محبي فن التشخيص بالإسكندرية سيمثل جوق حضرة المشخص الفريد رواية مغاور الجن مساء يوم الأحد 21/ أكتوبر بتياترو زيزينا) فبعد ان أشار الإعلان الى العناصر الأربعة الأساسية للإعلان نراه يضيف شيئا من الأسلوب المستملح : ( وهى الرواية البديعة التى أتقن تمثيلها هذا الجوق الذى حاز رضاء الجمهور سيما حضرة مديرها النشيط الذى سيمثل أهم دور فى هذه الرواية الكثيرة الألحان الجميلة المناظر )(3) 
أما فى النموذج التالي الذى نشرته جريدة (الأهرام) فى شهر يونيه / 1884م. فنرى ( ملح الإعلان ) يسبق المادة الإعلانية ، ويهيأ لها عبارات ترفع من شأن المعلن عنه يقول الإعلان ( قدم الى تغرنا من القطر السوري جوق من الممثلين للروايات العربية يدير أعماله حضرة الفاضل الشيخ ابو خليل القباني الدمشقي الكاتب المشهور، والشاعر ، وقد التزم للعمل فى قهوة دانوب ، المعروفة بقهوة سليمان بك الرحمي ، وفى جوار شادر البطيخ القديم والجوق مؤلف من مهرة المتفننين فى ضروب التمثيل وأساليبه وبينهم زهرة من المنشدين والمطربين تروق أسماعهم الأذان ، وتنشرح الصدور ، فنحث أبناء الجنس العربي ان يتقدموا الى عضد المشروع بما تعودوا من الغيرة) .
وبعد هذا التملح المستطاب يأتى الإعلان بزبدة القول ، او بما تسميه الصحافة (بصلب الخبر) الذى يلتزم دائما بذكر العناصر الأساسية الأربعة للإعلان ، وها هو يقول : ( التمثيل سيبدأ به هذه الليلة ، غرة رمضان المبارك عند الساعة الثانية بعد الغروب اى بعد الإفطار بساعتين ) (4) وسيتتالى فى كل ليلة حتى نهاية الشهر ، وأول رواية تشخص ( انس الجليس) وهى رواية بديعة مسرة . وأوراق الدخول تباع فى باب المحل بأثمانها المعينة ، وهى 5 فرنكات للدرجة الأولى ، و2 بالدرجة الثانية و1 للدرجة الثالثة وهى قيمة زهيدة فى جنب الفوائد المكتسبة .(5 )
فى النموذجين السابقين نلاحظ ثلاثة عناصر هامة ارتفع عليها صرح الإعلان هي : الاستفاء ، والتوثيق والحرارة . اما الاستفاء فتجلى فى كون الإعلان مستوف للشروط من حيث إشارته الى العناصر الأساسية الأربعة، وأما التوثيق فتلاحظه خاصة فى النموذج الثاني الذى ارتقي الى مستوى الوثيقة لما عرضه من معلومات طبوغرافية ، وأسعار الدخولية ، علاوة على تسجيله مقدم القباني الى القاهرة ، أما العنصر الثالث فتعبر عنه تلك الحرارة فى الحث على تعاطي المسرح والترغيب فى متابعة عروضه ، وانه لمن دواعي الأسف ان نقول : ان هذه العناصر الثلاثة مفقودة بالكامل فى الصيغ الإعلانية التى تقابلنا فى الصحف الليبية الصادرة فى العهد العثماني الثاني وأفضل وسيلة للتليل على هذا الرأى هو ان اعرض أمام القارئ الكريم نماذج من تلك الإعلانات المنشورة فى صحفنا الليبية .. واليك هى :
النموذج الأول : 
ويحمل عنوان ( الجوق المصرى) نشر بجريدة الرقيب .العدد الصادر فى 12/ربيع الأول /1329هـ الموافق لسنة 1911م. جاء فيه (سيمثل ليلة الجمعة القابلة رواية صلاح الدين الأيوبي ، وهى رواية بديعة تاريخية من أحسن ما انشىء فى هذا الفن، ويعلم منها من هو صلاح الدين وكيف كان .. فنحث العموم على حضورها ).
النموذج الثاني : 
إعلان فى سطرين ورد فى جريدة الترقي فى عددها الصادر بتاريخ 11/جمادى الآخر /1329هـ ( = 8/يونيه /1911م) بعنوان ( جوق التمثيل الأدبي) تياترو امبراج حسان تقول فيه : سيمثل هذه الليلة رواية اوتيللو وهى رواية أدبية ذات خمسة فصول فنحث أرباب الذوق والغرام على حضورها )
النموذج الثالث :
ورد ايضا فى جريدة الترقي العدد الصادر فى 17/رجب (= 13/ يوليو/ 1911م) بعنوان ( جوق التمثيل ) تقول فيه : سيمثل فى هذه الليلية فى تياتورا امبراخ رواية ( شهيد الحرية ) وهى رواية ادبية غرامية ذات فصول مدهشة فنحث ارباب الذوق والغرام على حضورها .
النموذج الرابع : 
وهو إعلان طويل . نسبيا نشرته جريدة ( المرصاد) فى عددها الصادر بتاريخ 18/جمادى الثاني/1329هـ ( = سنة 1911م) تحت عنوان ( الى ذوى الغيرة والمروءة ) تقول فيه :
(يعلن محمد ابو العلا افندى وإخوانه أنهم انفصلوا عن جوق مرى لأسباب ستعلم للعموم ، ولقد عزموا ان يقدموا مساء اليوم الساعة الثانية عربي بتمثيل رواية (صلاح الدين الأيوبي) التى تتجلى فيها الشهامة العربية والمروءة الإسلامية بكامل معانيها وحضرته يدعو الأدباء لحضور تمثيل الرواية المذكورة ثم يحكمون بعد ذلك ما لهم وعليهم ، ويؤكد لحضراتهم أنهم يرون ما يشرح صدورهم ويسر خواطرهم).
وإذا ما أردنا ان نخضع هذه النماذج الأربعة للدراسة فان أول ما يثير انتباهنا هى تلك القواسم المشتركة بين بعضها البعض . وتتمثل فى الجوانب التالية:
ألف: الاختزال الشديد الى حدّ تغييب او تناسي المعلومات الأساسية فى صيغة الإعلان كما نلاحظ فى النموذج الأول والرابع حيث أهملا كلاهما اسم مكان العرض . وبذلك فقد الإعلان ركنا أساسيا فيه.
باء : ان دوافع الحث على المشاهدة تنصب غالبا . على الجوانب الأدبية . وليس الفنية اى ان مصدر الإثارة يكمن فى مضمون المسرحية وليس فى شكلها الفني . كما نتبين من قول النموذج الرابع وهو يعلن عن تمثيل رواية صلاح الدين بقوله (تتجلى فيها الشهامة العربية والمروءة الإسلامية بكامل معانيها ) وهو قول كرره النموذج الأول حيث قال ( وهى رواية بديعة تاريخية من أحسن ما انشىء فى هذا الفن .. ويعلم منها من هو صلاح الدين وكيف كان ؟).
ان هذه النغمة التى تقابلنا فى إعلانات الصحافة الليبية كأنها تهدف الى تغليب الجانب التربوي فى المسرح على الجانب الترويحي فيه وهذا على غير ما درجت عليه العادة فى الصحف المشرقية حيث نلاحظ ان التركيز على الجانب الفني يحتل الصدارة فى الإعلان .. كهذا الإعلان ( الجوق مؤلف من مهرة المنشدين والمطربين تروق لسماعهم الأذان وتنشرح الصدور..)(6).
جيم : أما السمة التى تتفق فيها كل هذه الإعلانات فهى سمة ( البرودة) .. وثقل الدم . حيث اتسمت جميعها بجفاف وغلاظة ، ان كل شيء فى هذه الإعلانات يدل على ذلك ابتداء من صياغتها التى تعوزها الإثارة ، أو ما أسميناه بـ ( ملح الإعلان) وانتهاء بالزوايا المخصصة لها ، مما يمدنا بانطباع على قلة حماس هذه الصحف للمسرح وفنونه.




بواكير النقد المسرحي في ليبيا 
الخبر المسرحي " بين الصمت والإهمال " 
بقلم / البوصيرى عبد الله  " 2   " 

اذا اردنا ان نتحدث عن الخبر حديثا يتسم بالمنهجية فلابد ان نعََّرفه ، ونستطلع بعض خواصه مهتدين - في ذلك - برأي احد المتخصصين مثل الدكتور محمد حسن عبد العزيز الأستاذ بكلية دار العلوم الذى وضع كتابا فى ( لغة الصحافة المعاصرة) وهو كتاب ، وان كان صغير الحجم بسيط الأسلوب ، إلا انه غني بالمعارف ، دقيق فى ألفاظه وقد عرف الخبر بقوله:
انه وصف او تقرير غير متحيز للحقائق الهامة حول واقعة جديدة تهم القراء. وللخبر خمس خواص يرتبها الدكتور عبد العزيز على النحو التالي:
إيثار الجمل القصيرة على الطويلة .
إيثار الفقرات القصيرة على الفقرات الطويلة .
الحرص على استعمال الألفاظ المألوفة للقارئ.
اصطناع الألفاظ والتراكيب التى يألفها القراء .
لا يجوز للخبر الصحفي ان يستعان فيه بالأشعار والحكم والأمثال(7)
لا تعنينا هذه الخواص كثيرا فى الواقع لأنها تبحث فى مبنى الخبر .. وخاصيته الفنية ، بينما نحن معنيين بمعنى الخبر ، لكن لا بأس من الإشارة الى التزام الصحافة الليبية بهذه الخواص الخمس فيما أوردته من أخبار على ان هذا الالتزام قد اعتراه الخلل والتصدع من جراء استغنائه عن الركائز الثلاث التى ينهض عليها تعريف الخبر الا وهى ، حسب تسلسلها المنطقى : الحرص على ذكر وقائع جديدة ، دقة الوصف ، عدم التحيز. وعلى ضوء هذه الركائز سينهض – أيضا- تقويمنا لهذه النصوص الإخبارية.
يقينا ان نشأة جمعية التشخيص بإدارة المواطن الليبي محمد قدرى المحامي كانت احدى اهم الوقائع الثقافية التى برزت على سطح مجتمعنا فى تلك الفترة التاريخية الحرجة ، باعتبارها إيذانا بتدشين المسرح الليبى . وكانت هذه  الواقعة مؤهلة بان تزود الصحافة بسبق صحفى مثير ، وتغذيها بنوع جديد من المعارف وتشيع فيها روحا ثقافية تنويرية نحسب ان المجتمع كان فى مسيس الحاجة لها خاصة ان هذه الواقعة المسرحية انطلقت أصلا لتعبر عن أحاسيس فياضة تجاه مسألة الحرية وخلاص الوطن .
وهذه الواقعة الكبرى انشطرت الى جملة من الوقائع الأخرى ؛ فإقدام محمد قدرى المحامي على تأليف مسرحية فى موضوع ( محاكمة المستبدين ) (8) هى – بلا شك – واقعة ثقافية جديرة بان تصير خبرا صحفيا مثيرا إذ تعتبر اول نص مسرحي ليبي ، وزيارة ( جوق الياس فرح) هى أيضا واقعة، وانفصال جوق( محمد ابو العلاء) عنه واستعانته ببعض العناصر الوطنية هو واقعة ، وزيارة جوق ( ابراهيم حجازي) واقعة . وهذه الوقائع المسرحية المتعددة انشطرت بدورها الى جزئيات صغيرة تمثلت فى سلسلة المسرحيات التى قدمتها على ارض بلادنا.
ان كل هذه الأعمال المسرحية هى فى الحقيقة وقائع جديدة تهم جمهور القراء لا ريب ولكن صحافة المرحلة نكفت عن رسالتها تجاه هذا الوليد الجديد ، لم تبهرها محاولته ولم تستهوها بدايته حتى أنها تجاهلت العرض الأول لمسرحية ( وطن) الذى لم نعثر له على اثر فيما اطلعنا عليه من صحف المرحلة .
وإذا كانت الصحافة تتنفس برئة الوقائع الجديدة فلا نظن ان الصحف كان عليها ان تنتظر مجيء رسل هذه الوقائع الى مكاتبها حتى يزودوها بما لم تزود به من الأخبار ، لكن هذه الظن يبدو انه كان ماثلا فى ذهن صحفنا الليبية التى اتسمت بالتقوقع والمكتبية ، وفقدان الديناميكية . فلم تجر خلف الخبر المسرحي ، ولم تلاحقه الملاحقة الجادة التى تجعل منه حدثا واضحا فى ثقافة المرحلة . وهكذا كانت متابعاتها محدودة وغير شاملة مما أدى الى غياب أخبار ووقائع مسرحية عامة ، مثل عرض مسرحية حمدان ، واوتيللو، ،وعايدة ،وشهيد الحرية . ولولا ورود ذكر هذه المسرحيات فى بعض المقالات او فى الإعلانات المدفوعة الأجر لانقطع خبرها ولأصبحت نسيا منسيا .
وكدليل على ان صحفنا لم تسع لاستثمار الوقائع المسرحية كمادة خبرية صحفية نذكرهنا بموقفها تجاه الاجواق العربية الزائرة ، التى اعتبرت زياراتها بالنسبة لجميع البلدان العربية التى استهدفتها تلك الزيارات ، وقائع فنية كبيرة بل مهرجانات عظيمة امتزج فيها الفن بالأدب وعانق عندها الشعر الموسيقى والطرب الجميل فيما نهضت صحافة هاتيك البلدان بتغطية أخبار تلك الوقائع المسرحية ، قالت كل شىء عنها فأجادت وبلغت فأوعت فكان موقفها على النقيض تماما من موقف صحافتنا التى لم تحسن استقبال تلك الاجواق الزائرة لربوع بلادنا حين ضنت عليها بالحفاوة التى حظى بها نظراؤها فى البلدان العربية الأخرى ، غير مراعية لتقاليد الضيافة التى عرف بها المجتمع الليبي عبر التاريخ ، وغير مقدرة - أيضا - لما فى هذه الزيارات من فوائد صحفية جمة . ثم ثنت هذه الصحف فاستهانت بإبداعات تلك الاجواق بواسطة مؤامرة الصمت .. والصمت اشد أعداء الفنان لو كانوا يعلمون .
وإذا ما خرجت الصحافة عن صمتها ، واكتسبت بعض الديناميكية باتخاذها قرار التجوال والزيارات الميدانية بغية اصطياد حفنة من الأخبار الفنية كي تنوع بها مواد صفحاتها ، فماذا ترونها قائلة .؟
هنا علينا ان نستند الى الركيزة الثانية من الركائز التى ينهض عليها تعريف الخبر . ونعني بها دقة الوصف التى نراها حقيقة ماثلة أمامنا فى نص واحد إلا وهو نص (حب الوطن) وهو نص نصنفه - فى الواقع - كنص نقدى بيد ان الخاصية المائية لهذه النصوص سمحت لها ان تسيل على بعضها البعض كأمواه الجوابي المهملة حتى انشطر هذا النص شطرين فجاء أوله خبر وأخره نقد.
أما بقية الأخبار فتعوزها الدقة ، وتفتقد الى الوصف المفيد. والمحيط بأطراف الموضوع المخبر عنه ؛ فالخبر الذى يحمل عنوان ( التشخيص ) مثلا نراه يحتوى على ثلاثة أخبار دفعة واحد كل منها حري به ان ينهض كخبر مستقل بذاته على نحو ما نرى .
الخبر الأول : يفيد استعداد محمد قدري المحامي فى إحضار ما يلزم لتشخيص الرواية التى ألفها فى موضوع ( محاكمة المستبدين ) .
والخبر الثاني : يفيد إعادة مسرحية ( وطن) التى سيخصص قسم من أيراها لإعانة الحريق بدار السعادة وقسم لصالح مشروع نشر المعارف بواسطة جمعية الاتحاد والترقي .
أما الخبر الثالث : فيفيد قبول الآنسة ( استريز داليا بالقيام بالدور النسائي فى مسرحية ( وطن) دون مقابل .
ان هذا الكم الهائل من الأخبار يعطي انطباعا على مدى حذق المخبر الصحفي وشطارته فى اصطياد كل هذه المعلومات الهامة . على ان صياغتها فى خبر واحد .. فى نفس واحدة لا ارى فيها شيئا من مواصفات الدقة ، بل أراها إجهاضا لهذه الأخبار الثلاثة . وكان لجريدة (الترقي ) ان تدرك هذه الدقة لو فصلت هذه الأخبار عن بعضها البعض . وتوسعت فى الإبانة وأمدتنا بالمزيد من الوضوح عن مسرحية قدرى المحامي الجديدة كان تذكر لنا عدد فصولها وشخوصها وشيئا عن مجريات أحداثها.
وكان يمكن ان تفعل عين الأمر بالنسبة للخبر الذى يتصل بالآنسة الكريمة التى قبلت القيام بتشخيص الدور دون مقابل وذلك بواسطة وضع ترجمة مقتضبة يتعرف القراء من خلالها عن حقيقة هذه السيدة ، ان فعلت جريدة (الترقي) هذا لأسدت إلينا خدمة جليلة ، ولأمدتنا بوثيقة عظيمة القيمة بالنسبة لبحثنا.
والكتمان مظهر من مظاهر انعدام الدقة التى تقابلنا فى صحف المرحلة .. وأقول الكتمان . ولا أقول الصمت ذلك لان الصمت نتيجة لعدم المعرفة او عدم الرغبة فى المعرفة بينما الكتمان هو ان تصمت وأنت مزود بالمعرفة ، هذه نقيصة كبيرة بالنسبة لمهنة الصحافة وقعت صحافتنا الليبية فى شراكها من حيث تدرى او لا تدرى ، ففى النص الذى يحمل عنوان ( الى ذوى الغيرة والمروءة) وهو نص ينوس بين الخبر والإعلان فيه إشارة صريحة الى ان جريدة المرصاد علمت بأسباب انفصال جوق محمد ابو العلاء عن (جوق الياس فرح) وتأسفت كثيرا لذلك ورغم هذا فقد ابت ان تزودنا بالتفاصيل . بل تمادت فى كتمانها بحجبها اسماء الاعضاء الذين انضموا الى جوق محمد ابو العلاء.
وجريدة ( طرابلس الغرب )  تلقت اخبارا تفيد تأسيس جمعية الضباط للتمثيل (9) ولكنها تكتمت عن ذكر التفاصيل وهكذا كان موقف جريدة (الترقي ) تجاه ( جوق الياس فرح).
ويصل انعدام الدقة  فى كيفية نقل الخبر الى حد تشويش المعلومة . وفقدان صلاحيتها كوثيقة تاريخية وهو ما نلاحظه فى فحوى الخبرين اللذين نشرتهما جريدة ( طرابلس الغرب) (10) حيث نقرأ خبرا يفيد ان ( تعميم حرية ) هو عنوان لرواية قامت جمعية التشخيص بعرضها ووزع صافي دخلها على عمال الميناء .. ثم نقرأ خبرا آخر ، وعلى نفس الصفحة ، يفيد ان (تعميم حرية) اسم لجمعية تشخيص وليس عنوانا لرواية .. فاين تكمن الحقيقة .. يا ترى .؟ 
ومما يلاحظ ايضا ان اخبار المسرح الواردة فى الصحف الليبية جاءت لتخدم اغراضا مذهبية او افكارا اجتماعية تشيعها هذه الصحف او تروج لها دون اعتبار للاغراض الفنية والثقافية التى ينهض بها العرض المسرحي ، فجريدة ( الترقي) كانت تدين بالولاء لجمعية الاتحاد والترقي التى يعتبر الشيخ محمد البوصيرى – صاحب الجريدة – احد اعضائها المبرزين وهى جمعية ذات نزعة اصلاحية وغايات اجتماعية ، وقد استهلت برنامجها – ميدانيا – بجمع التبرعات الى المحتاجين ، وفتح مدارس لمحو الامية، والمناداة بعمل الخير والاحسان ، وغير ذلك من الاعمال التى كانت تراها وسيلة من وسائل الاصلاح والرقي . وبذلك حرصت على نقل المسرح ليس باعتباره منهلا من مناهل الادب والفن وانما باعتباره وسيلة تخدم الاهداف الاجتماعية التى كانت تنادي بها الجمعية التى تدين لها بالولاء ، بينما كانت جريدة ( طرابلس الغرب) وهى جريدة رسمية وتشيّع سياسة الدولة وتروج لها تنظر الى المسرح على انه مجرد اداة لدعم موقف حكومتها السياسي .
اعلم ان فى هذا الرأى شيئا من المغامرة الفكرية ولكي نتبرأ منها ينبغي علينا الظهور من هذا التجريد والتعمميم لنقف امام المثال الحي والبرهان الصحيح ، وهذان امران تفصح عنهما الاخبار التالية .
لقد اوردت صحيفة الترقي ثلاثة اخبار عن المسرح اتصلت جميعها بأهداف اجتماعية ففى خبرها الذى يحمل عنوان ( التشخيص) ركزت الجريدة فى صياغة خبرها على تخصيص جزء من ايراد المسرحية ( لاعانة الحريق بدار السعادة ) والجزء الاخر ( لمشروع نشر المعارف بواسطة ) جمعية الاتحاد والترقي . بتوزيع ايراد المسرحية ( على الفقراء والمحتاجين من الذين احاط بهم الزمان) وفى خبرها الثالث اشارت الى ان عرض مسرحية صلاح الدين سيكون ( لمنفعة مكتب الفنون) .
وليست جريدة ( طرابلس الغرب) بأقل جرأة من جريدة الترقي فى التعبير عن موقفها السياسي فى اسلوب صياغة اخبارها حيث اوردت هى الأخرى ثلاثة اخبار اتصلت بأهدافها السياسية :
ففى خبرها الذى يحمل عنوان ( المقاطعة ) تأتى على ذكر العرض المسرحي باعتباره انعكاسا للحدث السياسي الا وهو احتجاج عمال الميناء على الدولة النمساوية لنقضها للعهود ، فانبرت جمعية التشخيص وقدمت عرضا مسرحيا خصص ايراده لصالح اؤلئك العمال تعويضا لهم عن الخسائر الناتجة عن موقفهم الاحتجاجي . والخبر نفسه نقلته جريدة ( تعميم حريت )( 11). وفى خبرها الذى يحمل عنوان ( الخبر) تأتى جريدة (طرابلس الغرب ) على ذكر المسرح ضمن حدث سياسي اخر ، الا وهو ( زيارة القائمقام شولتز الى القلعة ) حيث ( أدبت لشرفه مأدبة حافلة ومثلت لجنابة رواية وطن).
اما خبرها الثالث فهو الذى نقرأه فى رسالة التشكر التى بعث بها الضباط الاتراك الى الوالي رجب باشا معلنين فيها انهم اسسوا ( جمعية تمثيل ) بمناسبة ترقيتهم بمناسبة الاحتفال بعيد العرش السلطاني . هكذا نرى الكيفية التى تم بها ربط الاخبار المسرحية بالمواقف المذهبية والسياسية .
والواقع ، ليس ثمة ما يشين ارتباط المسرح بالاهداف الاجتماعية او الغايات السياسية ، بل ان ذلك مدعاة للفخر والاعتزاز لما يعكسه هذا الاتباط من إلتحام الواقعة المسرحية بالواقائع الأخرى التى تجرى على أرضية المجتمع . اما ان يكون ذلك شرطا من شروط العناية بفاعليات المسرح فذاك هو الخلل الذى نعتبره ضربا من ضروب التحيز والمزاجية المذهبية فى انتقاء الخبر وصياغته ، الامر الذى لا تجيزه الاعراف الصحفية .
































بواكير النقد المسرحي في ليبيا " 3" 
 النقد: بين الانطباعية والتطبيقية 
بقلم / البوصيرى عبد الله   

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تصنيف هذه النصوص الخجولة على أنها نصوص نقدية فيه الكثير من التجاوز لحدود المصطلح ، وينطوي على مخالفة منهجية واضحة ، وإنما هى – فى حقيقة أمرها – مجرد انطباعات ذاتية ، ووجهات نظر شخصية لا تستند إلى أية خلفية ثقافية تتصل بمفهوم النقد ووظيفته الجمالية . وأول دلائل غياب المنهجية فيها هو ورودها ضمن نصوص إعلانية وإخبارية قصد متابعة الحدث المسرحي .
ويطالعنا هذا النمط من النقد المسرحى – إذا جاز لنا القول – فى نصين اثنين . أحدهما نشر بجريدة (الترقي) تحت عنوان ( حب الوطن) والثاني نشر بجريدة (الرقيب ) بعنوان ( جوق التشخيص ) وكلاهما غفلا عن التوقيع .
كان نص الترقي يهدف أصلا إلى وصف الحفل المسرحي الذى شهدته مدينة طرابلس  وبذلك فهو أقرب إلى الغاية النقدية من نظيره المنشور فى جريدة (الرقيب) وإن اتسم الأخير بروح نقدية أشمل ، وعبر عن خلفية ثقافية أوسع رغم أنه لم يكن يهدف إلى النقد وانما كان يهدف إلى إيراد خبر.
كما تقابلنا بعض الشذرات النقدية الأخرى مبثوث هنا وهناك . وهذه فى الغالب تقتصر أحكامها على مضمون الرواية دون غيره . ونعثر على هذه الشذرات فى الإعلانات الصحفية التى تقتضى صياغتها إظهار عبارات الاستسحان والإعجاب تجاه الرواية المعلن عنها فذلك شرط أساسي من شروط لعبة الإعلان ، وبذلك لا ينبغى علينا أن ننظر إلى ما جاء فى هذه الشذرات الاعلانية على أنها أحكام تستند إلى صدق الرأي ، وإنما هى عبارات تلقى جزافا لإرضاء الجهة المسؤولة عن البضاعة، مادة الإعلان.
والنقد المسرحي الذى يقابلنا على صفحات صحفنا الليبية هو نقد ينتمي – افتراضا – إلى ما يسمى بالنقد التطبيقي ، وهو نقد ينطلق من خصائص النص الركحي ، لا من خصائص النص الأدبي فقط . وبذلك فهو معني بلغة العرض المسرحي بكل ما فيها من شمول وتنوع بهدف تحليل مفردات هذه اللغة من إضاءة ، وموسيقى تصويرية ، ومناظر مسرحية ، ومكملات ، وأزياء مما يؤدى إلى فهم علاقة هذه المفردات بمضمون المسرحية ، وهو فهم يقودنا – فيما بعد – إلى اكتشاف كيفية الترجمة الإبداعية التى قام بها مخرج المسرحية .
إنها لمهمة شاقة .. لا ريب .. ولم تكن صحافتنا الليبية ولا العربية بصفة عامة مؤهلة موضوعيا للنهوض بهذه الوظيفة العظيمة للنقد التى تستوجب تجلية كل الأسرار الإبداعية الكامنة فى أعماق ما يعرض أمام أنظارها من أعمال درامية . لذا اقتصرت مهمة النقد المسرحي – الصحفي على مفردين اثنين من مفردات لغة العرض المسرحي ونعني بهما : نص الرواية والتمثيل . فكيف عالجت الصحافة هذين المفردين ؟.
أ- نقد الروايات :
كان طلائع النقد التطبيقي فى الوطن العربي مولعين كثيرا بتلخيص الروايات التى يشاهدونها على خشبات المسرح ، فيتوسعون فى ذلك ، ويستطردون حتى يطغى التلخيصُ على رأي الناقد . ولا يأخذنك الظن ياصاح فتظن أن هذا التلخيص إنما كان يهدف إلى تحليل النص الأدبي ، أو أنه يسعى إلى كشف المستور فيما بين السطور ، أو تعرية ما اندس بين ثنايا النص . وإنما هو عبارة عن سرد تفصيلي لمجريات الأحداث قصد به إعلام جمهور القراء بموضوع الرواية ومدهم بفكرة عنها. فكانت سانحة ارتأى فيها الناقد مجالا للتعبير عن مواهبه البلاغية واللغوية . فكثر فيها الكلم وغاب الرأي.
لكن .. مهما قيل عن هذا الأسلوب النقدى فإن له بعض الفضل علينا بما زودنا به من وثائق حفظت لنا الكثير من الأعمال الدرامية من الضياع ، فأمست مرجعا يعود إليه الدارسون والباحثون كلما دعت الحاجة . وهذا ما عجزت عنه صحافتنا إذ لم نجد على صفحاتها شيئا يفيدنا فى تكوين فكرة عن تلك النصوص التى قدر لها أن تعرض أمام أنظار أسلافنا حيث نهجت صحافتنا نهجا مغايرا لما كان شائعا فى كثير من الصحف الشرقية . فجاء تلخيصا للروايات مختصرا إلى حد الابتسار . فجريدة (الترقي ) التى أمدتنا بأطول وأقدم نص نقدي حمل عنوان ( حب الوطن) لخصت لنا موضوع المسرحية فى سطر واحد قالت فيه ( وهذه الرواية تمثل حبَ الوطن ِ ، والدفاع عنه( 
إن هذا التلخيص ، المفرط فى القصر والتقليص ، العاري من أية دلالة يجعلنا ننظر إلى التلخيص الذى أمدتنا به جريدة ( الرقيب ) على أنه جهد خارق ، مع أنه  - فى حقيقته – لا يتعدى خمسة سطور عدا . بيد أن فى جهد الرقيب ثمة ما يحتاج إلى الثناء إذ نراها تكشف عن بعض الإلمام بموضوع مسرحية ( استير) التى تعرضت لها بالنقد . حيث حددت لنا مصدر المسرحية ، وأشارت إلى الفترة التاريخية التى شهدت جريان حوادثها .. بل إن الجريدة سعت إلى التعريف ببعض شخوصها الدرامية . فانظر إلى قولها هذا الذى اختزل كل هذه المعاني:-
( وهى < اى المسرحية > تاريخية مذكورة فى التوراة عن الملكة استير ، وما جرى من أمرها (.
ثم تحاول الجريدة تحليل شخصية هامان ، وهو أحد الشخوص الدرامية بقولها:-
هو أحد الوزراء البارعين فى الدهاء) وتضيف ( كان الوزير الأول لملك من ملوك الفرس الذين حكموا مصر قبل 2350 سنة(
أرى أن محرر الرقيب كاد يزرع بذرة النقد فى بيدرنا الثقافى باقترابه من وظيفة النقد التثقيفية والتحليلية . لكن محاولته – للأسف – كانت أشبه ببيضة الديك.
وعلى غير منوال الرقيب سارت بقية الصحف الأخرى فيما أوردته من شذرات إخبارية أو إعلانية قدمت من خلالها تلخيصات مختصرة لبعض الروايات من بينها رواية (صلاح الدين) التى نقرأ تلخيصا لها فى جريدة ( المرصاد) جاء فيه :
) رواية صلاح الدين التى تتجلى فيها الشهامة العربية ، والمروءة الإسلامية بكامل معانيها( 
وهو نفس المعني الذى كررته جريدة ( أبو قشة) عندما حاولت تلخيص مسرحية (حمدان) فقالت : ( رواية حمدان وهى تمثل شهامة العرب فى أبهى مناظر) .
واحيانا تتجاوز الجريدة التلخيص المباشر ، وتلجأ إلى إصدار أحكامها على هذه الروايات ، كما نلاحظ فى النص الذى يحمل عنوان ( جوق التشخيص) الذى سبق أن أشرنا إليه حيث تقول جريدة ( الرقيب) (رواية أدبية أخذت بمجامع القلوب) ثم تضيف (والرواية مشتملة على كثير من الأشعار والأناشيد مما ترتاح إليه النفوس).ويبدو أن مسرحية صلاح الدين قد نالت الإعجاب والاستحسان ، وأخذت بألباب المتفرجين مما حدا ببعض الصحف إلى إصدار أحكام إيجابية بشأنها .. بل إن جريدة ( الرقيب) تراها من أحسن ما ألف فى مجال المسرح ، وذلك من خلال إعلانها عن الجوق المصرى فتقول:
وهى رواية بديعة .. تاريخية من أحسن ما أنشئ فى هذا الفن 
ب- نقد التمثيل :
أما نقد الممثلين فقد انقسم هو الآخر إلى قسمين ، بعضه اختص بالأفراد ، فأثنى عليهم ثناء خاصا دون تحديد الأوجه التى استوجبت الثناء والإطراء ، وبعضه اختص بالجماعة فكان الثناء شاملا دون تمييز أحد عن أحد ، وفى كلا القسمين كان النقد خالياَ من الاسترشاد ، ومفتقدا إلى الرأى الذى يثقف الجمهور ، ويبصره بمواطن الإجادة أو الإخفاق .
وجملة الممثلين الذين تناولهم النقد ليس كثيرا ، على أية حال ، إنهم لا يتعدون أصابع اليد الواحدة ، وهؤلاء الممثلون هم :
اليوزباشى خيرى الذى لعب دور اسلام بك فى مسرحية ( وطن( 
استريز خانم التى لعبت دور زكية خانم فى مسرحية ( وطن)
الست عليا  التى لعبت دور الملكة استير فى المسرحية التى تحمل اسمها .
جبران ناعوم الذى لعب دور الوزير هامان فى مسرحية ( استير) 
عبد الرحمن راشد الذى لعب دور الملك فى المسرحية نفسها.
لنبحث الآن عن مبررات وأسباب هذا التميز الذى حظي به هؤلاء الممثلون حتى شرفتهم صحافتنا بذكر أسمائهم ، وبنقشها على ذاكرة تاريخ مسرحنا.
تقول جريدة ( الترقي) فى معرض نقدها لمسرحية ( وطن)
( وكان بطلها والقائم بأهم أدوارها هو اليوزباشى خيرى افندى ، فقد أظهر بأعماله وتمثيلاته ما تكنه نفسه من الشجاعة والإتقان)
ثم تضيف الجريدة معلومة مهمة حول شخصية المنقود ، ولكنها معلومة لا تتصل بمناحي الإبداع فيه فتقول:
( ومن عجيب الصدف أن المومي اليه من اهالى سليسترا التى يمثل الدفاع عنها فى التشخيص فلا غرابة إن كانت الحماسة قد استولت على عموم حواسه .. فإن حب الوطن من الإيمان)
ومما يلاحظ هنا أن جريدة ( الترقي) قد حددت سبب الإتقان ، ومبعث الإبداع الفنى ، وحددت كذلك وسيلته . فأما سببه فيكمن – فى رأيها – فى وحدة الانتماء والهوية بين الممثل وبين الشخصية الدرامية التى يشخصها . اما وسيلته فهى الحماسة والشجاعة وهذا رأي ، فى عمومه ، فاسد وسقيم فمن ناحية السبب فإننا لا نرى أية صلة للانتماء العرقي او الجنسي او الديني باللعبة الإبداعية ، ودرجة التجويد أو الإخفاق فيها ، وإنما هى مسألة منوطة بالموهبة والاستعداد والصقل الفنى والثقافي، وحجتنا هنا تقوم على تلك النجاحات التى حققها ممثلون كثر فى أدوار لا تربطهم بها أية صلةٍ مادية أو روحية . ويمكننا أن نسوق نجاح الفنان ستانسلافسكى الروسي ونجاح السيد لورانس اوليفي الانجليزى فى تشخيصهما لدور عطيل المغربي كمثال عظيم على ذلك .
أما من ناحية الوسيلة فإننا نستبعد أن تكون الشجاعة والحماسة وسيلتان من وسائل الاتقان فى فن التمثيل ذلك لأن التمثيل ليس خطابة ولا حماسة تستولى على الحواس وإنما هو عرض هادئ ومحايد لوجهة نظر تلتزم حرفية معينة تمكنه من التوصيل والإقناع بهدف إشاعة المتعة الحسية والروحية عند المتلقي .
ومثلما رأت ( الترقي)  فى توحد الانتماء بين الممثل وبين الشخصية الدرامية التى يمثلها سببا من أسباب الإتقان الفنى فإنها – فيما يبدو – قد رأت أيضا فى توحد المهنة بين اليوزباشى خيرى واسلام بك هو وسيلة ذاك الإتقان . وبهذا يكون الناقد قد ألبس اليوزباشى خيرى حلة المقاتل ، وأسبغ عليه مقومات المحارب . ولكنه – فى الوقت نفسه – قد جرده من مقومات الممثل الفنان. 
والاسم الثاني الذى ذكرته جريدة ( الترقي ) هو اسم الممثلة ( استريز خانم) ولابد لهذه الممثلة أن تسترعي الانظار وتشد الانتباه ، ليس لأنها أول ممثلة تظهر على خشبة المسرح الليبي فحسب . بل لأنها تقوم بدور مركب وجميل ، أجاد المؤلف نامق كمال فى رسمه ، وتحديد أبعاده النفسية ، فهى عاشقة متيمة ، وهى مناضلة فى آن واحد فحبها – اذن – حبان ، حب للوطن وحب لإسلام بك رفيقها فى النضال والدفاع عن الأرض والعرض . ومن ناحية ثانية ، هى امرأة تذوب رقة وعشقا ولكنها ترتدي ملابس الرجال ، وتحاكي سلوكهم كى تخفي شخصيتها ، وتخفي أيضا عشقها . كان على جريدة ( الترقى ) ان تكتشف هذه التركيبة الدرامية فى شخصية زكية خانم التى نهضت بتمثيلها الممثلة ( استريز خانم) وعندما تعسر عليها الأمر عبرت عن إعجابها بجملة فعلية مجانية اعتاد النقاد على توزيعها على جميع الممثلين كلما عجزوا عن سبر أغوار إبداعاتهم لذا اكتفت ( الترقي) بالقول :
( وظهرت الممثلة "إستريز" خانم فقامت بتمثيل دورها بغاية الإتقان) أما اوجه هذا الإتقان وأسبابه فقد استرخي ، حتى نام فى بطن الناقد ، كما نام قيصر فى بطن أمه. اذا كانت جريدة ( الترقي) قد جاملت ( استريز خانم) بجملة إطراء مجانية فإن جريدة (الرقيب) قد اجتهدت كي تلقي حزمة من الضوء على موهبة الشخصية النسائية التى تناولتها بالنقد ، ونعنى بها الممثلة ( عليا) التى شخصت دور الملكة استير . حيث أشادت بقدراتها قائلة :
( وقد قامت الست عليا بدور الملكة استير ، ورغما عن حداثة سنها وابتدائها فى هذا الفن الجليل فإنها مثلت رقة الملكة وعواطفها الخصوصية نحو شعبها) لم تستعمل الرقيب فى هذا الصدد كلمات مثل : أجادت ، أتقنت – أوفت ، وإإإإنما استعملت كلمة ( مثلت ) وهى كلمة تتسم بالدقة فى هذا الموضوع ، إذ أنها توحى بالاعتراف للممثلة بالإتقان ولكن بقدر نسبي فالناقد يراها قد حققت قدرا من التوصيل والإقناع من خلال ما أبدت من رقة ، ومن مشاعر وطنية جعلته يثني عليها ثناء اتسم بشىء من الموضوعية النسبية مردها أمران:
الأول هو صغر سن الممثلة بالنسبة إلى سن الشخصية الدرامية وهذه فعلا مسؤولية محفوفة بالمخاطر لا يتعداها بسلام إلا الفنان الحاذق.
والسبب الثاني هو حداثة التجربة الفنية لهذه الممثلة الشابة التى أسندت إليها مهمة القيام بدور البطولة فى مسرحية تاريخية . ملأى بالأغاني والأناشيد والأشعار . وهذه - لعمرى – لمسوولية فنية لا تقل خطورة عن سابقتها . وهاتان ملاحظتان ذكيتان بالنسبة لجريدة ( الرقيب) التى لمست مواطن الخطورة التى تحيط بهذه الممثلة الشابة .
ومن طرائف هذا النقد ، ودلائل عدم منهجيته هو إتيانه على لسان العموم .. وكأن الناقد قد تجشم عناء الاستفتاء لأخذ رأى الجمهور فى خصائص ومقومات العرض المسرحي ، وهذه ظاهرة شائعة حاليا، ولكنها كانت بعيدة عن تصورات صحافة ذلك الزمان وإنما كانت مجرد صيغة اعتادت أقلام النقاد أن تجريها على الورق . ومما عثرنا عليه من هذا . قول جريدة الرقيب:-
وقد أعجب العموم من إتقان الملك عبد الرحمن راشد ، ووزيره هامان (جبران ناعوم)  دوريهما .
أما بقية الممثلين ممن سقطت أسماؤهم – سهوا أو عمدا – من ذاكرة النقاد ، وهم كثر فى الواقع ، فقد كانت الصحف تعبر عن إعجابها بهم بصفة جماعية . وتمنحهم قدرا متساويا من الإعجاب والثناء ، وهو ما يمكن تسميته بـ ( المديح بالجملة) ومن نماذجه ما جاء فى جريدة أبو قشة :-
وقد قدم للمركز زمرة من الممثلين والممثلات الشاطرات ، وقد ابتدؤوا وقاموا بتمثيل عدة روايات عظيمة مثل صلاح الدين وغيرها وأتقنوها غاية الإتقان.
وتقابلنا صيغة التعميم المتصلة بالجميع على قدر متساو بوضوح أشد فى النص النقدي لجريدة ( الترقي) حيث نرى نظرة المساواة فى درجة الإتقان بين الممثلين فنقول:
( واستمر الممثلون فى تطبيق الرواية فأوفوها حقها من الإتقان )أو قولها الذى اختتمت به نصها السالف الذكر.
وانفض الجميع والكل يلهج بالثناء على حضرات الممثلين . وهى خاتمة قد راقت لجريدة ( الرقيب) فيما يبدو ، ففضلت أن تستعيرها كخاتمة لنصها النقدي حيث قالت ( إننا نثني على جميع الممثلين والممثلات ، ونتمنى لهم الرواج من العموم)
إن هذا النمط من الآراء لا يعدو كونه ضربا من العبث النقدي . اذ ليس فى الإبداع مساواة . ليس ثمة جهد يعادل جهدا ، فالممثلون يختلفون ظهورا وحضورا ، ويتفاوتون فى درجة المعاناة ، وتتباين أساليبهم فى توكيد ذواتهم على خشبة المسرح بتباين الشخوص الدرامية ذاتها ، وبذلك ليس مهمة النقد أن يساوي بين الأطراف وإنما مهمته ورسالته أن يعدل فيما بينها وذلك بأن يعطى لكل ذى حق حقه الذى يستحق.
المراجع والهوامش
1. الواقع أن الصحافة فى ليبيا تأسست قبل هذا التاريخ بكثير ولكنني اتحدث هنا وفى ذهني التجربة الصحفية الشعبية المتمثلة فى صدور جريدة ( الترقي)  وحتى هذه التجربة هى أسبق من هذا التاريخ غير أنها كانت تجربة قصيرة ما لبثت أن ماتت فى مهدها ، وبنشور جريدة الترقي وولادة شقيقاتها الأخريات تحققت القفزة الفعلية للصحافة الليبية . وكان ذلك بفضل صدور قانون الحريات سنة 1908م.
2. المصراتي ، على مصطفى : صحافة ليبيا فى نصف قرن . نشر دار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان – الطبعة الثانية : الحرث - اكتوبر 2000م. ص 125. 
3. عيد ، السيد حسن : تطور النقد المسرحي فى مصر . نشر المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر . الدار المصرية للتأليف والترجمة – لا.ط – لا- ت- ص. 93.
4. والشرح من لدن محرر الخبر 
5.المصدر السابق – ص : 93
6. نفس المصدر – نفس الصفحة .
7. عبد العزيز . محمد حسن : لغة الصحافة المعاصرة السلسلة الثقافية . نشر المركز العربي للثقافة والعلوم .لا.ط- لا.ت.
8. جريدة الترقي ، العدد الصادر فى 30 شعبان 1326 هـ الموافق 13 / ايلول 1324 مالية( 26 سبتمبر 1908 م.) 
9. جريدة طرابلس الغرب : العدد الصادر فى تاريخ /13 / شعبان/1323 هـ الموافق 13/اكتوبر /1905م.
10. جريدة طرابلس الغرب . العدد الصادر فى تاريخ 13/ ذى القعدة /1326هـ الموافق 24/ نوفمبر 1324مالية( 7 ديسمبر 1908 م.)  
11. جريدة تعميم حريت : العدد الصادر فى 1/ شعبان/1326نقلا عن كتاب الفن والمسرح فى ليبيا ص222. 








رحلة التأليف المسرحي في ليبيا
بقلم / خليفة حسين مصطفى

من الواضح أن آفاق المسرح غير محدودة سواء في الإطار الزمني، أو في تجاوب المسرح مع الواقع والتجربة الإنسانية إجمالاً، أو في رؤيته وتحليله لحقائق التاريخ في مسيرته النبيلة التي تشكل حجر الزاوية في البناء الاجتماعي الذي لا يمكن أن ينهض ويتحقق إلا بتمثله لروح العدالة والقيم الإنسانية، فتكون أحلام الإنسان في صنع غد أفضل مجسدة لحقه في أن ينهض ويتحرر في كل أشكال وصور الهيمنة والتسلط المعنوي والمادي. سواء أكانت متضمنة لذلك الموروث الضخم من الأفكار والعادات والتقاليد الاجتماعية التي هي في شكل ممارسة آنية متخلفة وانتهازية تحد من قدرة الانسان على التنفس مادام هناك هواء غير نقي وتحدد من قدرته على الرؤية وتحديد طريقة ما دام معصوب العينين وفي كل الأحوال فإن المسرح لا يدعي لنفسه الوصاية على المجتمع ، ولكنه بطبيعته لابد أن يتصدى لهموم الواقع كيفما كانت وتناولها في احتفاليات درامية أو ساخرة ، ولكن ليس على أنها قدر من صنع قوى غيبية أو على أنها أشياء للذكرى يمكن تحويلها إلى مادة للتسلية وقتل الوقت فنجد المتفرج يغرق في الضحك وهو لا يدري أنه يضحك على نفسه ويجتر خيبة أمله ، فقد كان المسرح ، ومنذ أن ظهر إلى الوجود وعرف طريقه إلى الناس، مثقلاً بأعباء الصراع الأبدي بين قوى الخير وقوى الشر، وحتى عندما كان في أول نشأته فقد تحدد دوره في أنه ذلك الفن الشعبي  الذي يحمل ويبشر برسالة  الحلم والأمل ، وليكافح مع الناس ضد الظلم والقهر والعبث والفساد الاجتماعي والسياسي.
لقد وعي المسرحيون في ليبيا هذا الدور وكان إحساسهم به يتنامى باطراد ويعود ذلك على نحو ما إلى أنه كان الصوت الوحيد المسموع لدى الجماهير ، وكان قوياً   ومفهوماً في وقت كانت فيه أشكال التعبير الفنية الأخرى غائبة أو شبه معدومة، بالنظر إلى أن الأمية كانت هي قدر الشعب الليبي في مراحل تاريخه المتعاقبة بدءا من العهد العثماني الذي حفل طوال قرون بالخرافات والتقاليد المتزمتة والاستبداد والجهل، ولاحقاً عندما جاء الاستعمار الإيطالي الذي شن على الشعب الليبي حرب إبادة جماعية تواصلت على ما يقرب من عشرين عاماً بازاء المقاومة العنيفة الرافضة للخضوع والاحتلال الأجنبي، وحتى عندما استقرت الأوضاع وعمّ الهدوء عقب انهيار المقاومة في الجبل الأخضر بإعدام البطل الشهيد عمر المختار ، فقد انصب اهتمام الطليان على إعادة تعمير البلاد لصالح أحكام سيطرتهم وصبغ البلاد بصبغة أوروبية ، ولذلك فقد فتحت المدارس التي كانت غايتها نشر وتعميم الثقافة المسيحية وفرض المنظمة للقضاء على اللغة العربية والثقافة الإسلامية. وحتى هذا الصوت الوحيد ، أي صوت المسرح فقد عمد الطليان إلى تحجيمه ومحاربته بكل الوسائل ، وليس أدل على ذلك من أن فرقة مدرسة الفنون والصنائع التي كان يديرها الشاعر أحمد قنابة تقدمت إلى السلطات الإيطالية لمنحها ترخيصاً باسم الفرقة الوطنية للتمثيل ولكن هذا الطلب رفض، وهو ما يعني أن سياسة القبضة الحديدية كانت موجهة إلى المسرح لإسكاته ومنعه من الاتصال بالناس. ومع ذلك فقد ظل المسرح الليبي بالرغم مما كان يعانيه من الرقابة والاضطهاد في العهد الإيطالي ممثلاً لروح المقاومة غير المسلحة في مواجهة الهيمنة الاستعمارية الفاسية وسياستها العنصرية وطابعها الصليبي. وبخروج الطليان من البلاد في أعقاب هزيمتهم المدوية في الحرب العالمية الثانية وسقوط الفاسية ، ثم مجيء الإدارة البريطانية ظل المسرح الليبي يراوح مكانه، ولكنه ما لبث أن اتخذ منحنى آخر في مواجهة التركة الاستعمارية الثقيلة من الفقر والأمية. وفي مواجهة الحكام الجدد الذين حلوا محل الجنرالات الانجليز في إدارة البلاد عام 1951م. جاؤوا من وراء الستار بأقنعتهم وأنانيتهم لخدمة مصالحهم الشخصية كتروس في عجلة الاستعمار وخدمة له، وهم الذين كانوا من موظفيه وأتباعه ، وهكذا تبلور الوضع الحديد في صورته النهائية معبراً عن أحلام النخبة الحاكمة في الإثراء والرفاهية على حساب الأغلبية المسحوقة. لقد أخذ المسرح في هذه المرحلة في رفع صوته محتجا ورافضا لما يجري وحافظ في نفس الوقت على موقفه المتقدم في صفوف المعارضة للنظام الملكي في ظل الاوضاع المتردية على جميع المستويات كان لابد من ايقاظ روح الشعب ومحاسبتها وتوعية الناس بحقوقها المشروعة في الحياة الكريمة وفضح الفساد من الإثراء غير المشروع إلى الوساطة والمحسوبية والانتخابات المزورة واضطهاد القوى الوطنية المنادية بالحرية والعدالة كانت مرحلة قلق وترقب وما كان قول الحقيقة بالشيء السهل أو الممكن ولذا فقد لجأ فنانو المسرح إلى التحايل والرمز لتمرير افكارهم والقفز على قيود الرقابة التي فرضت على المسرح وكل الأجناس الأدبية الأخرى فكان أن عرضت بعض الأعمال المسرحية التي يمكن أن نتعرف على مضامينها الاجتماعية والسياسية من خلال عناوينها من مثل مسرحيات شيخ المنافقين/ العسل المر/ الحمير والبردعة/ دوختونا/ صوت العمال/ النفوس الظالمة/ أولاد الفقراء/ السماسرة/ اللي أظنه موسى يطلع فرعون/ لو تزرق الشمس. وغيرها من النصوص التي تكشف عن الزيف والقبضة البوليسية. وما كانت أجهزة الأمن لتغفل عن ذلك ففي سنة 1954م كما أغلقت فرقة العهد الجديد ولم يعد فتحها إلا في عام 1956م كما أغلقت أبواب الفرقة الشعبية بعد أن قدمت مسرحية واحدة هي مسرحية "نضال الأحرار" والمفارقة العجيبة أن هذه المسرحية تعرض لكفاح الشعب الجزائري للخلاص من الاستعمار الفرنسي. واذا كانت تلك العروض والمسرحيات قد انشغلت بالهم السياسي والاجتماعي وقضايا الفقر والأمية وفساد الضمير فان كتابها يحاولون الرقي بفن المسرح والنهوض ليكون في مستوى رسالته العظيمة من الناحية الفنية فقد كانت تلك المسرحيات في مجملها تنتمي إلى نموذج المسرح الشعبي الذي يفتقر إلى شكل فني محدد كما لم يكن من السهل تمييز بعضها عن البعض الآخر فإذا عدنا إلى الاطلاع على عدد من تلك النصوص التي طبعت في كتب فسوف نجد انها متشابهة إلى حد كبير سواء في بنائها الدرامي أو في شخصياتها الفنية وكذلك حوارها المكتوب بمفردات عامية وبصياغات تبتعد عن الحوار الدرامي لتقترب من حديث الشارع فهي تبتعد عن الحوار المسرحي الناضج الذي يبقى في الذاكرة. ويسهم أو يجب أن يسهم في تصعيد الحدث الدرامي ورسم أبعاد الشخصية الاجتماعية والنفسية وحتى خلفيتها الثقافية لقد كانت كلها ذات سمات واحدة أو مشتركة ومباشرة في معالجتها للقضايا المطروحة كما لم يحاول أحد الاستفادة من تقنيات المسرح الحديث عن القيم الفنية والجمالية في مسرح الخمسينيات والستينيات برغم تعدد الفرق والنصوص المؤلفة في جزء منها والمقتبسة من التراث أو من المسرح العالمي في جزئها الآخر ولذا فهي تظل تمثل البعد التاريخي للمسرح الليبي لاغير..
المسرح الجديد
وبقيام الثورة في اليوم الأول من شهر الفاتح 1969م أخذت قواعد المجتمع القديم في التخلخل والانهيار وكان السؤال هو من أين نبدأ؟
ولم يكن هذا السؤال مطروحا على العاملين بالمسرح من مؤلفين وممثلين ومخرجين وحدهم بطبيعة الحال لكن المسرح يظل هو الأكثر قدرة على إعادة صياغة تلك الأسئلة وطرحها وتقديم إجابة لها وهو كذلك فن جماعي لابد له من فنانين وفنيين حتى يحقق وجوده على أرض الواقع لقد شهدت السنوات الخمس الأولى لقيام الثورة نهضة مسرحية بشكل ما تمثلت في ظهور أربع عشرة فرقة مسرحية جديدة أعطت لفن المسرح الأمل في الازدهار والانتشار ثم أنشئت في العام 1974م الهيئة العامة للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية التي كان من ضمن اختصاصها النهوض بالحركة المسرحية ورسالتها الاجتماعية والثقافية ودعمها معنويا ولكن للأسف فان هذه الهيئة لم تهتم بدورها المرجو كما لم تستمر طويلا وفيما بعد غاب المسرح عن الخشبة ليزدهر في النصوص الدرامية التي طبعت في كتب فعندما تأسست الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان تعاملت مع الكتاب المسرحي على قدم المساواة مع بقية اصداراتها الثقافية في مجالات القصة القصيرة والشعر وأدب الأطفال والدراسات الأدبية والعلمية.
كنا نقف على أبواب مسرح جديد من خلال الجيل الثاني من كتاب المسرح اضافة إلى الكتاب الرواد أو القدامى من الذين لايزال المسرح يجري في عروقهم فلم يتوقفوا عن الكتابة له والانصار في بوثقته وقد تمثل هذا الجيل في البوصيري عبدالله عبدالكريم الدناع ومنصور أبوشناف علاوة مساهمة بعض كتاب القصة في التأليف للمسرح ومن هؤلاء أحمد ابراهيم الفقيه الذي صدرت له مسرحية "الغزالات" ونصوص أخرى متفرقة وكتب محمد عبدالجليل قنيدي مسرحية "الأقنعة" كما صدرت الأعمال المسرحية الكاملة للأستاذ مصطفى الأمير في ثلاثة مجلدات وصدر للشاعر عبدالحميد بطاو مسرحية شعرية بعنوان "الجسر" وعبدالكريم الدناع ايضا أعماله الكاملة كما ألف الشاعر مفتاح العماري بالاشترك مع مجاهد البوسيفي مسرحية "السور" . وأما الأستاذ الراحل عبدلله القويري الذي يتنمي إلى جيل الرواد فقد وزع جهوده الأدبية بين القصة القصيرة والمسرح ولكن مسرحه بالرغم من تعدد نصوصه ظل يدور في اطار ذهني جامد كان يطرح الأسئلة الكبيرة حول الوجود والعدم ومصير الإنسان والغنى والفقر والحرية بأبعادها التاريخية والعدالة وبالرغم من أهمية هذه الأسئلة واتساعاها إلا أن اجابة القويري عليها لم تكن مقنعة ولا وافية في سياقها المسرحي فكريا وفنيا فظلت أسئلته معلقة في الهواء .
 ذلك لأن القراءة الأولى في أعمال القويري المسرحية التي طبعت في كتب توضح أنه لم يكن هاجسه جمالية النص ولامعماره الفني فهو لم يوجه أي قدر من اهتماماته إلى الشكل الفني كما أنه لم يكن يفكر بمدى صلاحيتها أو ملاءمتها للتمثيل على الركح فقد كان الحوار هو كل مادته المسرحية أما ما تبقى من عناصر التأليف الدرامي الناجح والمتماسكة فنيا فيبدو أنها لا تعنيه في شيء من قريب أو بعيد..
  ضمن سلسلتها الشهرية التي تعني بتقديم نماذج من الابداع الليبي الحديث والمعاصر أصدرت  مجلة "المؤتمر" خلال هذا العام مسرحية "الخن" تتكون من أربع لوحات اطلق عليها المؤلف اسم "ليالي" باعتبار ان الأحداث الدرامية تقع خلال الفترة الليلية حيث اعتاد ان يلتقي اشخاص المسرحية في بقايا بيت عتيق وينهض بهذه الليالي الثلاث أربع شخصيات استعارها المؤلف من التراث الحكائي الشعبي ألا وهي شخصيته "زعيط / معيط/ نقاذ الحيط/ الحاجة القديرية" إلا أن الشخصيات منا ذات سحنة عبثية تدير حوارها بلهجة عامية استوعبت مفردات الشارع الليبي الأمر الذي اعتبره الأستاذ الهادي حقيق الذي كتب مقدمة مختصرة ومركزة لهذه المسرحية زيادة في تعميق وتأصيل واظهار الميلاد  والبطاقة الشخصية وجواز السفر في آن واحد للمفردات والتعابير الشبابية التي كانت تتسرب للهجتنا بخجل شديد من السبعينيات وحتى الآن مشيرا إلى "أن هذه المفردات والتعبيرات قد نضجت وتعمقت وصارت لها دلالتها النفسية والعاطفية والفكرية.."
أما الأستاذ عبدالكريم الدناع وهو أحد الذين اسهموا في الكتابة للمسرح وتفرقوا له فقد وجه عنايته لكتابة النص المسرحي الذي يستمد أصوله من التراث كما لو أن الحاضر هو امتداد الماضي في ممارسته وأهوائه وأنه صورة منسوخة عنه وكأن الكاتب باستلهامه واستنطاقه لرموز شخصيات معينة في التراث العربي انما يوحي لنا لاشيء قد تغير فمازال الوضع فيما يتعلق بالقضايا القومية وحرية الفكر والاستبداد السياسي والعلاقة بين المثقف والسلطة إلى غير ذلك من القضايا التي تمرس بها مسرحيا لقد تميز مسرح الدناع بالجدية وكان يمكنه أن يطور أدواته المسرحية ويمضي في تجربته المسرحية إلى نهايتها ولكنه بدلا من ذلك نجده يتوقف عن الكتابة للمسرح إلا في فترات متباعدة وكأنه يعود إليه بدافع الحنين الذي ما يلبث أن يتبدد..
وفي يقني ان الكاتب المسرحي الوحيد في ليبيا الذي أخلص للمسرح وكأنه المحراب الذي قرر ان يتعبد فيه وحتى النفس الأخير هو البوصيري عبدالله فلم يتطرق اليأس إلى نفسه بالرغم من كل الاحباطات التي يمكن ان يواجهها المرء وهو يدلف من بوابة المسرح فالمرء لا يمكن أن يتخيل أن مدينة في اتساع مدينة طرابلس وكثافتها السكانية لا يوجد بها إلا مسرح واحد ومع ذلك يأتي من يتغنى بالمسرح وبرسالته الثقافية والاجتماعية ومع ذلك فإننا نجد أن البوصيري عبدالله يواصل نسج أحلامه متجاوزا أزمة الكاتب الذي يكد ويتحرق للوصول بمسرحه إلى الناس فلا يواجه إلا بالنكران والجحود ويعاني من اهدار حقوقه المادية والمعنوية ومع ذلك فهو يستمر وهل قناعات البوصيري الشخصية برسالة المسرح هو ما يدفعه إلى مقاومة كل عوامل الاحباط والانكسار..
لقد نجح هذا الكاتب الموهوب في ان يؤسس لمسرحه بعمل دؤوب لم يعطله عنه شيء وسجله المسرحي الحافل بالنصوص الابداعية يشهد بغزارة انتاجه وإذا كانت الغزارة لاتعد مقياسا أو مؤثرا على الابداع والتألق فان البوصيري عبدالله لم يكن يكتب ليضيف رقما جديدا في سلسلة كتبه المسرحية وانما كان هاجسه على الدوام تطوير مسرحه والارتقاء به فجاءت رؤيته تحمل دائما طابع الجدة والمغامرة وانطلاقه الخيال إلى ابعد حدوده وفي هذا السياق نجده يقترب من المسرح التجريبي كما في مسرحيته الجميلة " تفاحة العم قريرة" فالبطل الحقيقي في هذه المسرحية تفاحة وهي في نفس الوقت عقدة النص اللعبة التي تغري وحالة والاشتهاء التي تستبد بمجوع الناس عند رؤية التفاحة ثم ذلك العرض التاريخي لدور التفاحة منذ القدم وعلاقتها بآدم وحواء بالعلم وتطوراته ثم العودة إلى تفاحة العم قريرة التي هي محور النص كل ذلك يأتي في اطار المفارقات الصغيرة التي تصب في مواقف ضاحكة فلم يكن العم قريرة يدري انه سوف يدخل في حقيبته جلبها معه من الخارج ولم يكن يدري انه سوف يثير من حوله كل هذه الضجة وكأنه أحضر معه مفتاح الجنة..
وبالرغم من أهمية هذه المسرحية كتجربة جديدة في المسرح الليبي والعربي فهي مازالت في حاجة الناقد المسرحي الذي يدرس ابعادها الفكرية والجمالية بموضوعية ووعي..
وفي اعتقادي ان مسرح البوصيري عبدالله في مجمله يحتاج إلى وقفة طويلة وإلى دراسة متأنية لابراز خصائصه ومعانيه الفكرية والفنية..










المسرح في ليبيا 
بقلم / د. علي الراعي 

 يعتبر الكاتب الليبي عبد الحميد المجراب الشاعرين أحمد قنابة وإبراهيم الأسطى عمر، في مقدمة الرعيل الأول من رجالات المسرح البارزين في ليبيا. 

الأول كان يعمل مذيعا إبان الاحتلال الإيطالي للبلاد، وأسهم في العديد من المسرحيات التي كانت تقدمها في ليبيا فرقة إيطالية عرفت باسم "الدبولاكورو" أي ما بعد العمل، وكانت هذه الفرقة تتألف من مجموعة من الهواة، يمارسون نشاطهم الفني بعد الفراغ من أعمالهم الرسمية، وكانت أغلبيتهم من الأجانب بينهم عدد قليل جداً من أبناء البلاد، وقد ظلت هذه الفرقة تعمل من 1925 حتى 1936، وشارك الشاعر أحمد قنابة في التمثيل مع الفرقة طيلة هذه الأعوام، ومن ثم أحب المسرح وتبين له بوضوح مدى ما يمكن أن يقدمه للناس من خدمات، على سبيل إيقاظ الحس الوطني، وتجنيده لمقاومة ما كان من الاستعمار الإيطالي يسدر فيه من محاولات نشطة لطمس الشخصية الوطنية الليبية 

وجاءت الزيارات المتعددة التي قامت بها الفرق العربية من مصر وتونس لتدعم الحس المسرحي عند قنابة وغيره من فناني المسرح وكان بين الفرق المسرحية التي زارت البلاد فرقة جورج أبيض وفرقة منيرة المهدية، وفرقة يوسف وهبي، وقد لاقت هذه الفرق جميعاً التشجيع والإقبال الكبيرين من لدن المواطنين، مما شجع قنابة وزملاءه من مدرسي مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية على المضي على درب المسرح، وبخاصة بعد أن زارت إحدى الفرق الليبية، وهي فرقة درنة المعروفة أيضا باسم "فرقة هواة التمثيل" مدينة طرابلس وقدمت فيها مسرحية "خليفة الصياد". 

( أحمد قنابة ) 

تشجع أحمد قنابة بهذه الزيارة وقوى بها عوده، فأسس الفرقة الوطنية الطرابلسية عام 1936، وقدمت الفرقة مسرحيته الأولى "وديعة الحاج فيروز"، وأعقبتها بمسرحية "حلم المأمون" من تأليف وإخراج أحمد قنابة، وقد كان يساعد قنابة في عمله نخبة من المثقفين والفنانين بينهم الهادي المشيرقي، ومحمد حمدي، والدكتور مصطفي العجيلي، وفؤاد الكعبازي، وكان هذا الأخير يتولي مهمة إعداد الديكورات ورسم اللوحات الدعائية، وقد قدمت الفرقة أعمالها على مسرح البوليتياما، الذي حلت محله سينما النصر وقد كانت هذه الفرقة وغيرها، ما بين محلية وزائرية، تعمل في وجه مقاومة شرسة من سلطات الاستعمار الإيطالي، التي أحست بخطر المسرح وقدرته على إيقاظ العواطف، فكانت تعمد إلى محاربة فرقة مدرسة الفنون والصنائع، وتهدد مناصريها والقائمين عليها، ووصل الأمر بهذه السلطات الاستعمارية إلى حد منع تمثيل مسرحية "صلاح الدين" لما تحويه من تمجيد للعرب والعروبة. 


ويصف أحمد قنابة الدوافع التي دعته إلى إنشاء فرقته فيقول: إن الحافز المباشر له كان قدوم فرقة هواة التمثيل، وعلى رأسها محمد عبد الهادي إلى طرابلس وتقديمها مسرحة "هارون الرشيد" التي مثل فيها محمد عبد الهادي ودور خليفة الصياد، في الحفلات الثلاث التي قدمتها الفرقة. 


شرع قنابة من فوره في تأليف فرقته، فانتخب من بين طلبة مدرسة الفنون والصنائع من آنس فيهم ميلا لفنون التمثيل، ورغم اضطهاد السلطات الاستعمارية لهذه الفرقة ولفن التمثيل عامة، فقد نجحت الفرقة في تقديم مسرحيات اجتماعية تعني بتصوير ونقد العادات والتقاليد المختلفة التي كانت تعرقل سير المجتمع، وتساعد على بقاء المستعمر في البلاد. 


كما قدمت الفرقة النوع الآخر من المسرحيات الذي يألفه بلد ينمو فيه الفن المسرحي، فيتطلع إلى استخدامه لدعم الروح القومية في البلاد، عن طريق تقديم مسرحيات تستعرض أمجاد الماضي، وتنظر في بطولات الأجداد، وتعرض أعمالهم في مجالات الأدب والسياسة والفكر والدين والعقيدة. 

كان هذا في طرابلس، أما في درنة فقد بدأت فرقة هواة التمثيل عملها هناك في عام 1928، وكان في درنة إذ ذاك ممثل كوميدي محبوب هو: محمد عبد الهادي الذي برع في تمثيل الأدوار الكوميدية، وإلقاء المونولوجات الفكاهية. 

( إبراهيم الأسطي ) 

وقد اصطدمت الفرقة بمعوقات كثيرة كان على رأسها سلطات الاستعمار الإيطالي، بالإضافة إلى الصعوبات الأخرى التي تلقاها فرق الهواة في كل بلد لم يعرف فن المسرح الجدي إلا أخيرا، فقد عجز جمهور المتفرجين عن دعم الفرقة دعما كافيا لقلة خبرته وندرة زيارته للمسارح هذا بالإضافة إلى انعدام العنصر النسائي بين الفنانين الليبيين، وعدم وجود قاعة عرض يقدمون فيها أعمالهم، وهنا يأتي الدور الريادي الذي لعبه الشاعر إبراهيم الأسطي عمر الذي كان أحد مؤسسي فرقة هواة التمثيل. 


لقد بسط إبراهيم الأسطي عمر على الفرقة الناشئة حمايته الثقافية والمالية أيضا، ولما لجأ محمد عبد الهادي إلى استئجار بيت تؤدي فيه الفرقة تمارينها، بعد أن رفضت سلطات الاستعمار منح الفرقة رخصة عمل ساند الرائد المسرحي إبراهيم الأسطي عمر جهود الفرقة فقدم مشورته الفنية والثقافية وأسهم إسهاما فعالا في تمثيل بعض الأدوار وإخراج عدد من المسرحيات واختيار النصوص وتعديلها بحيث تتماشي مع البيئة الليبية وحين كان يعوز الفرقة المال، كان هذا الرائد الشجاع يدفع من راتبه الضئيل للإسهام في نفقات شراء المعدات والمهام المسرحية اللازمة. 

وكان إلى جوار ذلك يشترك في الجهود المبذولة لتقديم الحفلات والإعلان عنها، إلى جوار الإسهام الفعلي في التمثيل كما مر بنا، وفي هذا الميدان الأخير، أثبت الأستاذ إبراهيم الأسطي عمر حبه الغامر لفن المسرح، وذلك حين اغتر أحد الممثلين بنفسه، إبان تقديم مسرحية أحمد شوقي: "أميرة الأندلس" فهدد بالانسحاب من المسرحية ما لم يجب إلى مطالب كان قد تقدم بها. 


وقد تصرف الأستاذ إبراهيم عمر إذ ذاك تصرف الفنان القادر والحازم معا، فسحب الدور من الممثل المغرور، وقام هو بأدائه إلى جانب دور آخر كان يقوم به في المسرحية ذاتها، وبذا تكفل الرائد المسرحي بتمثيل دوره الأصلي في المسرحية وهو دور ابن حيون، واستظهر دور الممثل المنسحب وهو دور ابن شاليب اليهودي وأتم دراسته وحفظه في غضون ليلة واحدة كانت تسبق العرض. 


كما قام الأستاذ إبراهيم عمر بدور إسحاق النديم في مسرحية: "هارون الرشيد" التي عرفت في ليبيا باسم: "خليفة الصياد" علاوة على إسهامه في إخراج المسرحية وإعداد ديكوراتها وملابسها إلى جانب الفنان عمر الطرابلسي المشرف الفني العام. 

(مسرح جهادي ) 

بعد هذه الإطلالة السريعة على خلفيات النشاط المسرحي في ليبيا نتقدم لدراسة ما قدمه كتاب المسرح في ذلك البلد المجاهد، وهو نتاج كبير إلى حد يدعو إلى الدهشة والإعجاب معا. 


في عام 1965 كتب عبد الله القويري أحد أدباء ليبيا البارزين في ميدان القصة والمقالة الأدبية مسرحية "الجانب الوضئ" والمسرحية تتناول جماعة من الشباب الوطني مشغول بالهم الوطني العام الذي تواجهه البلاد: هم التحرر من السيطرة الخانقة التي تكتم الأنفاس ولا تترك مجالا للحركة نحو التقدم، ولا تحقق حرية التعبير، وبخاصة للأجيال الصاعدة. 

بين هذه الجماعة شاب حالم مشغول بالأوراق والقصص والمثل العليا ولكنه لشدة نقائه ينضم إلى هدف الجماعة الثورية ليؤدي نصيبه في تحرير المجتمع، وحين تبدأ المسرحية نجد أن هذا الشاب، واسمه صديق، مشتبكا في نقاش حاد تعلو نبرته حينا إلى حد العراك وتنخفض حتى لتكاد تكون توسلا أو رجاء، من جانب صديق لصديقه الذي يبادله الكلام وهو سعيد وأما موضوع الحديث فهو عضو من أعضاء الجماعة اسمه عزيز، تحوم حوله شكوك يحس بها صديق ولا يستطيع مهما حاول أن يهدئ منها أو ينساها. 


أما سعيد فهو لا يصدق شكوك صديق في عزيز هذا، الذي هو عضو رئيسي في الجماعة ويري أن صديقه يبالغ كثيرا في ارتيابه ويتمسك بهذا الرأي، حتى بعد أن يفد على الاثنين عضو ثالث في الجماعة اسمه يزيد فيؤيد شكوك صديق في عزيز، وينهي إلى الاثنين المتناقشين أن أحد أعضاء الجماعة واسمه عديل، قد ألقى عليه القبض، وأن هذا الأمر قد حدث بعد أن كان عديل قد كتب مجموعة مقالات كان ينوي إرسالها إلى مجلة الأحرار، وأحب كما هي عادته أن يعرض أفكاره أولا على أحد زملائه قبل نشرها، وقد قرأ بعضاً من هذه المقالات على عزيز الذي استمع وهز رأسه وقال: عظيم ثم ندم عديل من بعد على ما فعل لأنه هو الآخر. 


كانت تساوره الشكوك في عزيز وقام بتمزيق المقالات، وإخفاء أثرها ولكن هذا التحوط لم يمنع مكتب التحقيقات الرئيسي من تفتيش مكتب عديل ومن ثم اقتيد الكاتب إلى السجن، وهو إجراء لم يسبق له مثيل يدل على أن المسؤولين قد أخذوا يفطنون إلى أن شيئا جديدا قد جد على البلاد. 


ونعلم من اتصال النقاش بين الزملاء الثلاثة أن عزيزا كان له موقف آخر غير موقف الجماعة، بل إنه كان ضد كثير من مواقف الجماعة ولكنه مع ذلك قد وافق على المنشور الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن تصرفات عزيز، يرى أن عمل الجماعة حتى الآن قد كان في الهواء وأن أخطاء الجماعة هي التي تقف حجر عثرة في طريقها، وليس الديمقراطية الزائفة التي يمارسها الحكام. 


وأثناء النقاش يلمح صديق إلى أن موقف سعيد من عزيز ومن الجماعة ربما كان راجعا إلى ظروف خاصة هو واقع تحت تأثيرها، مثل ظروف والده، الذي يبدو أن هناك شيئا يشينه، ولا تفصح عنه المسرحية وأن هذا قد يكون سببا في تردد سعيد وهنا تعلو نبرة النقاش فتبلغ حد الاقتتال بين صديق وسعيد، وبالفعل يتماسكان ثم يهل عليهم عزيز وتنسدل الستارة على الفصل الأول.  ( مسرحية "الجانب الوضيء" ) 


في الفصل الثاني من مسرحية "الجانب الوضيء" نقاش حاد آخر، يدور هذه المرة بين صديق وأمه، الأم تتهم ابنها بأنه غارق لأذنيه في الوهم وأنه فاشل يتعزي عن فشله بالكتابة، وهو يكتب عن الحياة، وغيره يعيش الحياة، إنه لا يصلح لأن يكون خلفا لأبيه قط، فالأب عقد عمل، كافح وضحى ورعى الأسرة بكل ما في طاقته، بينما هو يترك كسب العيش لأمه، تغزل في سبيل لقمة العيش، ثم تدفع بغزلها إلى ابنتها مليكة أخت صديق لتبيع الغزل كل هذا، ورجل البيت مشغول بهمومه وأفكاره وشكوكه وتساؤلاته وتفلسفه.  












" القويري " يتحدث عن العقربي " ....
"  لم يهدأ (محمد العقربي ) كان دائماً يبحث عن الأرض التي تقبل بذرة الفن "

بقلم / عبدالله القويري

سمعت عنه ولم أكن من قبل رأيته قالوا بأنه يخرج مسرحية (أهل الكهف) لإحدى الفرق واصطحبت أحد الأصحاب معي ليدلني على مكان الفرقة وهناك جلست مع الشباب الذين يمثلون المسرحية أنتظره ولم يمض كثير من الوقت حتى أتى قدموني له ولكنه لم يجلس يحادثني إذ سريعاً ما قال:
الفصل الثالث مرة أخرى.
وبدأ  الممثلون الناشئون في أدائهم وكان يصلح لهم أخطاءهم دون ملل ويعودون فيخطئون ويعود ليصلح الخطأ وكثيراً  ما قام ليؤدي ذلك المقطع منفعلاً .. يشدهك  بأنك تحسبه في أول الأمر لا يستطيع الحركة ولكن ما أن تهتز الحبال الصوتية حتى تحس به حركة مشتعلة لا يستطيعها شاب الحركة المسرحية لم تكن في يوم من الأيام حركة ظاهرية ولكنها حركة داخلية تهزك وأنت تحسبها مجرد كلمات ولكن ما أن تراها تخرج من فم فنان حتى تدرك  أن الكلمات تحولت إلى شيء عميق رجعت إلى أصلها الذي يتمثل في بلورتها الأخيرة بلورتها التي استقطبت تاريخاً إنسانياً طويلاً تركز في الكلمة فكان على الفنان أن يعيدها من جديد يعيدها حركة تشعر معها بذلك التاريخ الطويل.
وجلست أشاهد وأسمع لم أقل كلمة فقد أخذتني تلك اللحظة الباهرة  التي تمسك بكل إنسان تهزه وتحدث الضجة في أعماقه ولا تتركه إلا هنيهات بسيطة يسترد فيها أنفاسه لتعود بعدها تهزه من جديد وتترك في أعماقه ما يتساءل بعده كثيراً ولكن التمكن لا يترك التساؤل ليتحول إلى كلمات جوفاء أو مغالطات التمكن يجعل من التساؤل إمكانية أخرى تفجر إمتاع الفن وإعجازه الدائم وتود لحظتها أن تقوم لتقف على المسرح فتقول كلمات أو لتتحرك ولكن لا تستطيع فتجلس مكانك تهتز كابتاً تلك الإمكانية إلا أنك تسعد عندما ترى غيرك يؤديها فيغنيك عما تريد أن تفعله تسعد بالراحة بعد ساعة من التواجد الفني والإبداع والفنان يكشف نفسه في كل ومضة يكتشفها ويكتشف عالماً غير مرئي ويستطيع أن يقدم ذلك في إيماءات وإيحاءات بعد معاناة طويلة قد تبدو لك مجرد لحظة وهي في واقعها تاريخ طويل من التجربة ومن دقائق ما تحويه التجربة.
قد يبدو لك أنه مجرد هزة من يد أو تحريك أصبع أو تغير في ملامح الوجه قد يبدو لك هذا وكأنه أتى عفوياً في لحظة بسيطة ليس وراءها من شيء ولكن الواقع أن مثل هذه الحركات البسيطة تحمل وراءها ثقافة طويلة وتجربة عريضة ومراساً دائماً.
إن التمثيل تقديم ما هو غير عادي كأنه العادي وهو في نفس الوقت لا بد أن يدهشك بالمعتاد .. هو فن الاقتدار على أن تضع المعقد في قالب بسيط وفي نفس الوقت تعطينا أحساساً بعمقه وبعدم بساطته ولقد جلست أشاهد الفنان (م،ع) وهو يعاني كيف يصب في نفوس ناشئة ما لديه من خبرات وما عنده من إمكانات وما يحويه وجدانه من الاحساس بأهمية اللحظة الفنية وما في ذهنه من ثقافات متنوعة تهتم بالحديث والكلاسيكي ويدرك دلالة الكلمة القديمة في الوقت الذي يتصور فيه حركتها كان يجاهد من أجل أن ينقلهم إلى هذا المستوى دون ملل ولم أتململ طوال جلوسي أشاهد فصلاً واحداً يخضع للإعادة وللتصويب الدائم بل كانت فرصة فريدة أحسست فيها بأهمية أن يعيش فنان لحظة الإبداع دون أن يصدر عنه ما يدل على التعب.
عجبت داخل نفسي وأنا أشاهده كيف يستطيع انسان وصل إلى هذه السن أن يتحرك حركة نشطة تحسبها حركة شباب في العشرين كيف يستطيع إنسان أن يتحمل انفعالات الموقف مرات ومرات دون أن يقلق وأن يحس بالخمود؟
كيف يستطيع رجل فنان كبير له تجربته الطويلة أن يتحمل أخطاء شبان وتكرار خطئهم المرة بعد المرة دون أن يغضب أو يضيق ذرعاً بمثل ذلك ولكم سألت نفسي كثيراً محاولاً الوصول إلى مفتاح ذلك فلم أجد غير الفن وغير الصدق الفني.
كان (م،ع) إذا ما وقف أو تكلم يعيش لحظة الصدق الفني التي تجعله قادراً على حركة ربما عجز شاب عن إتيانها وكان لا يمل من التصويب لأنه يدرك أن التعب الذي يبذله وراء ذلك لايداني لحظة بارعة يأتيها وقد اقتدر على تلك اللحظة إنها سعادة غامرة يعيشها أستاذ عندما يروي أنه استطاع إيصال تلك الشرارة إلى نفس.
هي شرارة تجعل من هذا الشيخ شاباً تجعله وقد تمكن من إبداع فني يهز النفس ويرج الأعماق ثم يصعد ذلك إلى آفاق لا يستطيع أن يصعد إليها أحد ما لم تضر به تلك الشرارة.
وانتظرت ما يزيد على ساعة ونصف أنظر إليه يعيش بين شباب يعلمهم الفن ويحاول أن يغرس ذلك السر المقدس في نفوسهم ثم جاء الرجل ليجلس أمامي وليبدأ الحديث كأنه يعرفني منذ زمن طويل وتحدثنا عن الفن والمسرح وكأنه له رأي وافقته عليه وأمضيت نصف ساعة في حديث معه ثم ودعته وانصرفت.
وبمرور الأيام تعددت لقاءاتنا وعرفت نفس الفنان الحقيقي الذي لا يعرف مواقف وسطا وكنت أشاركه مواقفه كما كان يشاركني مواقفي كان لا يفرق بين إنسان وإنسان في موقف إذ يسيطر عليه الرأي وكان يتصرف بعيداً عن منطلقات الخوف كان يرى أن الفن لا يعرف مجاملة ولا يعرف النواحي الشخصية الفن عنده فوق كل طرق المجاملات.
الفن عنده أصول ودراسة وثقافة وموهبة ولقد أعجبت كثيراً بأنه يفرق بين شيئين تعارف شخصي فهذا يدفعه إلى رقة في الحاشية وإلى سلوك مهذب مجامل  وتعارف أو معرفة فنية وهذه تدفعه إلى التمسك بالفن وأصوله دون أن يقيم وزناً لأي شيء آخر.
لم يكن الفن عنده مجاملة في حين أن من يصل إلى سنه يميل كثيراً إلى الهدوء وإلى عدم إثارة المعارك أما هو فقد كان يميل إلى المعارك طالما كان وراءها دفاع عن الفن وأصوله وعن شيء جوهري لا يجب أن يمس.
وقد يعجب شخص من فنان أن يكون ذلك سلوكه ولكن العجب أن يكون هناك فنان أصيل ولا يكون هذا سلوكه ذلك أن الفنان هو معلم .. هو معلم وأستاذ اتخذ سبيله إلى النفوس بواسطة أدوات ما أصعبها على من لم يوطن نفسه عليها فهي تطلب منه دائماً أن يكون في حالة تواجد فني وفي نفس الوقت يكون في حالة التأهب لمعركة يتخذ لها أسبابها وهي ليست معركة تثور في وقت ثم تخفت إنها معركة مستمرة لا تهدأ أبداً وكم كان لكثير من الشباب عندنا تمردهم عليه  وكم كان له تشبته بالأصول والأسس والقيم الفنية ربما رأى بعض شبابنا أن الفن أمر سهل كبقية ما يرونه في حياتهم  أما هو فقد كان الفن عنده أمراً صعباً يتطلب مراساً طويلاً وتمكناً كان على كبر سنه لا يهدأ ويناقش وكانوا على صغر سنهم يريدون الحياة هادئة وأن لا داعي للنقاش كان يريد أن يزرع في نفوسهم تلك البذرة الخالدة وكانوا لا يريدون أكثر من أن يعرفوا إشارات وتلويحات من الأيدي وتهريجات في الصوت ليقولوا عن أنفسهم بأنهم ممثلون لم يهدأ (م،ع) كان دائماً يبحث عن الأرض التي تقبل بذرة الفن وكم كان الكثيرون عندنا جاحدين لإمكاناته.
كان يقول الكلمة في حدة الفنان الذي يريد أن يقدم ويعمل فما كان أسرعهم إلى عدم فهمها وتأويلها وإخراج ردود الفعل السريعة تجاهها.
وكثيراً ما التقيت بشباب وقلت لهم:
قبل أن يكون عندكم استعداد للفن يجب أن يكون عندكم استعداد للتلمذة ولن تصبح أستاذاً يوماً ما لم تكن تلميذاً عاش بروح التلميذ فترة طويلة ، قد يصل التلميذ إلى التمرد على أستاذه ولكن لا يتمرد حتى يحس بأن عنده ما يقدمه وأن سنه وتجربته وثقافته قد أوصلته إلى مرحلة كبيرة من النضج إذ يصبح وفي إمكانه أن يقدم شيئاً.
لقد كان عندنا سوء فهم لكل إنسان يريد أن يفيد وسريعاً ما نطلق أحكامنا ونسعى في حركات عفوية عشوائية نحطم ولا ندري أننا نحطم أنفسنا لقد عاش (م،ع) في ليبيا ما يقرب من ثلاث سنوات أقول لكم الحق إننا لم نستفد منه كثيراً رغم إلحاح على أن يفيد ويعطي من صحته وجهده وأعصابه ووقته وثقافته ما يعجز عنه عدد من الرجال كنا سريعاً ما نرفض الأستاذية وندعي أننا ملكنا كل شيء وليس عند غيرنا أحسن مما عندنا فتكون النتيجة أن ليس عندنا شيء وأن من أراد أن يفيدنا قد رجع وبنفسه غصة وفي قلبه حزن.
قالت نفسي:
والآن أراك تتذكر تلك القصة المنسية .
قلت:
ألا نقرأها معاً من جديد وبعدها لنقرأ مرة أخرى قصة كتبتها منذ زمن.
قالت:
وما هي غايتك من ذلك؟ أم أنك ستترك المعنى في بطنك!!
قلت:
هذا ما فعله شعراؤناالأقدمون أما الفن الحديث فهو بقدر ما يقترب من البطن بقدر ما يبتعد عنها على كل حال دعينا من ذلك الآن فله حديث طويل يأتي في حينه ولنقرأ (الوطن الجديد) ثم بعد ذلك (لحظة لم يقتلها أحد).
قالت:
ألا تذكر تاريخ كل منهما؟
قلت:
معك حق فلذلك دلالته ولا شك كتبت الأولى في أواخر سنة ١٩٥٦ أما الثانية فقد كتبتها في أواخر سنة ١٩٧١.























  نشأة المسرح العربي الليبي
بقلم / عبدالحميد المالطي ...
سيكون من الضروري جداً، حين الشروع في الكتابة عن نشأة المسرح العربي الليبي، والرجوع إلى الخلف زمنياً نحو نصف قرن، أي إلى سنة ١٩٢٦م، إذ بدأت في فجر تلك السنة، بوادر أول حركة مسرحية في البروز، حيا حبتها بشكل ظاهر ، غيبة كثير من القواعد والأسس المسرحية المتعارف عليها، وذلك بفعل وجود المستعمر الغاشم، الذي كان يقف في وجه أية فرصة للتعلم أمام أبناء الوطن، وخاصة في مجال الفن بصفة عامة، والمسرح على وجه التخصيص، لعلمه ـ أي المستعمر ـ بمدى خطورة تطور الفن على وجوده، وما يمكن أن يهدده مستقبلاً، إذا ما نما هذا الفن وتطور، فالمسرح كان دائماً، وسيبقى وجه المجتمع، وجبين الوطن، يعكس آراءه، ويترجم مطالبه، ويدافع عن حقوقه ويبصره بواجباته، ويعبر عن قضاياه.
ووسط ذلك الهجوم العاصف، الذي كان يقف وراءه المستعمر بكل ثقله، مخططاً ومدبراً ومنفذاً، كانت الجهود المتواضعة الفاعلة، تبذل بلا كلل، لخلق حركة مسرحية قادرة على التطور ، بوسعها أن تقدم عطاء فنياً يؤمن القائمون عليه إيماناً راسخاً بقدسية رسالتهم. وما يجب أن تعمد به من جهود لا حدود لها. ولقد كانت مبادئ جليلة عظيمة، تتمثل في الحب والصدق والاخلاص، هي الزاد الرئيس، لبداية تلك الحركة المسرحية الناشئة. وبدأت من هذه النقطة بالذات أول خطوات المسيرة.
ـ هجوم ضار يشنه المستعمر متمثلاً في قفل كل الأبواب، وخنق كل المحاولات، وترصد المواطنين الذين التهبوا حماساً من أجل إعلاء شأن القضية الفنية ، وتحويلها إلى عامل فاعل في كل المجتمع .
ـ ومقاومة حقيقية، سلاحها الوحيد والفعال، ذلك الحب المتفجر، والاخلاص العميق، والرؤية الواضحة، والصدق المتناهي، من أجل أن  تتحقق الفكرة الكبرى، في قيام حركة فنية مسرحية قادرة على ترجمة وقائع الأحداث، والقضايا، والمشكلات، والرؤى والتصورات ، والحلول . وكل ما يخص القضية الوطنية بالدرجة الأولى.
ـ صراع غير متكافئ ماديا
لكن الغلبة تبقى في النهاية دائماً للشعوب. هي وحدها التي تعيش،  وتحول كل ما يقف في طريقها إلى مجرد انقاض، وتفتك بكل المحاولات غير الشريفة، وغير العادلة، وتحيلها حطاماً على جوانب الطرقات، وتنتصر.. لأنها دائماً هي مصدر الحق، ومدافع عن الظلم، وناصر للعدالة.
وتلك المرحلة المهمة التي بدأت منذ نصف قرن، تحتاج بالتأكيد إلى الوقوف عندها، ونقاش ظروفها وتسليط الأضواء على أولئك الأفذاذ الذين حملوا لواءها. والحق أن الفنان : (إبراهيم مفتاح العريبي) من المسرحيين الذين اجتهدوا من أجل تحقيق ثقافة مسرحية جيدة، ويعتبر من قبل الكثيرين الذين انخرطوا في هذا المجال، مرجعاً جامعاً، في وسعه أن يعطي الكثير حين تأتي المناسبة للحديث عن المسرح العربي الليبي.
تحدث الأخ العريبي عن مسرحنا قائلاً:ـ
في سنة ١٩٢٦م، أنشأ المرحوم (محمد عبدالهادي) مع زملاء له، فرقة مسرحية في (طبرق) التي تبعد نحو (٦٠٠) كلم إلى الشرق من مدينة بنغازي ، وذلك بعد أن عاد من بيروت في سنة ١٩٣١مسيحي، ثم انتقل الفنان (عبدالهادي) إلى مدينة درنة ، حيث أنشأ فرقة مسرحية مع زملائه: (رجب البكوش ـ وابراهيم بن عمر ـ وأنور الطرابلسي ـ وأحمد النويصري)، بدأت الأنشطة المسرحية تظهر في مدن طرابلس وبنغازي ومصراتة.
بعدها تكونت فرقة (مدرسة الفنون والصنائع) التي أسسها المرحوم  (أحمد قنابة)، وكانت على رأس الفرق المسرحية التي تصدت لمحاولات الاستعمار  الجاهلية، وقد صاحبت تلك الحركة المسرحية النشطة، حركة أدبية مكثفة، انطلقت من المنتديات والجمعيات كجمعية (عمر المختار، ونادي النهضة، ونادي العمال) .
في سنة ١٩٥١مسيحي، هدأت العاصفة السياسية قليلاً، وبدأت حركة انتعاشية في جسم الحركة المسرحية، وشرعت  المسارح المتخصصة في تقديم أعمالها وكانت في مقدمة تلك الفرق المسرحية فرقة (هواة التمثيل بدرنة) التي تأسست في سنة ١٩٣١م، و(الفرقة الوطنية بطرابلس) والتي تأسست في سنة ١٩٣٦م و(المسرح الشعبي في بنغازي) الذي تأسس سنة ١٩٣٦م، ثم توالت بعد ذلك الفرق المسرحية في التكون، والبروز، فكانت الفرقة القومية عام ١٩٥٢م في طرابلس وفرقة الأمل بطرابلس أيضا عام ١٩٥٧م وفرقة شباب مصراتة التي تكونت عام ١٩٦٠م بنادي الاتحاد بمصراتة، ثم فرقة الجيل الصاعد بطرابلس عام ١٩٦١، ثم فرقة الشباب للتمثيل في بنغازي عام ١٩٦٢م ثم فرقة المسرح الجديد سنة ١٩٦٥م والتي أطلق عليها فيما بعد اسم المسرح الليبي  ثم فرقة المسرح العام في بنغازي عام ١٩٦٨م ففرقة الفن المسرحي بطبرق عام ١٩٧٠م وفرقة المسرح الحر في طرابلس ، وفرقة ، وفرقة المرج للتمثيل وفرقة الخليج باجدابيا جميعها تأسست عام ١٩٧٠م ثم فرقة سبها المسرحية عام ١٩٧١ وفرقة مسرح الأنوار بطرابلس عام ١٩٧٢م ثم تكونت بالزاوية فرقة أهلية جديدة باسم فرقة الزاوية المسرحية عام ١٩٧٣م.
النشاط المسرحي وانتشاره:
يعتمد تزايد النشاط المسرحي أساساً على مدى توافر امكانات هذا النشاط وإذا ما أردنا أن نحصر ما يمكن أن يكون من (المسببات أو شروط قيام المسرح) يتعين علينا ذكر مايلي : 
الممثلون:
وهم العنصر الذي يعتبر من أهم العناصر على الإطلاق فلا مسرح بلا ممثلين والحق أن جملة الممثلين تغلب عليهم محبة المسرح ولذا فهم من الهواة لا يدفعهم سوى استعدادهم وعشقهم لهذا الفن العظيم .
المخرجون:
وأغلب المخرجين المسرحيين في (ج.ع.ل) من الهواة أيضاً وممن صقلتهم التجارب المسرحية العديدة ومارسوها عن تفاهم وإدراك واستوعبوا كل أبعاد المسرح من خلال دراساتهم الخاصة وإطلاعهم الشخصي فمنهم من أخرج أعمالاً من المسرح العالمي ومنهم من تخطى في أسلوبه  الحائط الرابع ومنهم من أجاد أسلوب التجريد في طريقة تمثيل العمل المسرحي .
الفنيون:
وهذا الجهاز يشرف عليه في (المسارح الوطنية) متخصصون أما في الفرق الأهلية فيتكون في الواقع من الهواة الذين هم من بين أعضاء الفرق والأجهزة الفنية وذلك لا يخفى على أحد وتحتاج إلى من يكون متخصص متخصصاً أكاديمياً يمنحه فرصة العمل بشكل أفضل وأكثر علمياً .
المؤلفون:
كانت بلادنا تفتقر إلى حركة مستمرة ودائبة في التأليف المسرحي وقد ألجأ هذا الفقر العديد من الفرق المسرحية إلى تنفيذ الكثير من المؤلفات المسرحية العالمية والمسرحية العربية.
أما المؤلفات المحلية فكانت شبه محدودة ثم تطورت في الفترة الأخيرة بشكل تدريجي فأصبح لدينا أكثر من كاتب مسرحي وجميعهم يتعاونون مع المسارح الوطنية والأهلية .
الجمهور:
والحق أن تكوين القاعدة الجماهيرية من عشاق المسرح يظل رهناً وبشكل مستمر باستمرارية العروض وبما تقدمه المسارح من عروض جيدة وعندما تتاح الفرصة بنجاح عملية الاتصال المسرحي بجميع عناصره سنجد أنفسنا أمام قاعدة جماهيرية عريضة ذات وعي مسرحي جيد .
العنصر النسائي:
لا يزال المسرح العربي الليبي يعاني نقصاً واضحاً في العنصر النسائي الذي يمتلك الكفاءة وذلك بالرغم من رصد المكافآت المالية المشجعة التي تمنح بشكل مجز.
المسارح:
يوجد في (ج.ع.ل) العديد من المسارح منها مسرح (صبري عياد) ومسرح (التحرير)، ومسرح (الحمراء) في طرابلس.
ـ المسرح (الشعبي) و (دار عرض بنغازي) في بنغازي.
ـ مسرح (مصراتة) في مصراتة.
ـ مسرح (سبها) في سبها.
ـ مسرح (غريان) في غريان.
المهرجانات:
في ديسمبر عام ١٩٧٢م، أقيم أول مهرجان مسرحي وفي ديسمبر من عام ١٩٧٣م أقيم المهرجان المسرحي الثاني ثم أقيم في بنغازي في أكتوبر عام ١٩٧٥م مهرجان تحت اسم "مسرح المعركة".
بعد المهرجان المسرحي الثاني الذي أقيم في ديسمبر عام ١٩٧٣م تكونت هيئة فنية جديدة باسم "الهيئة العامة للمسرح والفنون الشعبية والموسيقى".
متفرقات:
ـ يوجد في (ج.ع.ل) معهد للتمثيل بطرابلس وهو معهد "جمل الدين الميلادي" تخرج منه عدد من الشباب المسرحي.
ـ سافر الكثير من المهتمين بالمسرح في دورات تدريبية ودراسية إلى الخارج في مجالات المسرح المختلفة.
ـ في مجال الاحتراف بدأت فرقة (حمدي) في طرابلس مزاولة نشاطها وهناك فكرة لتكوين فرقة أخرى في بنغازي.
"محمد عبدالهادي" الرجل الذي بدأ المسيرة
ـ هو محمد محمد عبدالهادي مؤسس المسرح في (ج.ع.ل).
ـ ولد في مدينة درنة سنة ١٨٩٨ وفي سنة ١٩١٨م أرغمته ايطاليا على العمل معها كعامل أفران ثم عاد إلى وطنه عام ١٩٢٠م.
ـ سنة ١٩٢٢م زار لبنان ويبدو أنه تشرب هواية المسرح هناك، فبدأ يعيش كالعاشق للمسرح وانصرف لاهثاً وراء لعبة المسرح حتى جذبته الهواية إلى الاسكندرية.
ـ في بداية عام ١٩٢٦م عاد إلى طبرق يبحث عن لقمة العيش ففتح مخبزاً وفي أواخر نفس السنة قدم أول عمل مسرحي له (آه لو كنت ملكاً) مثله معه "مفتاح بوغرارة" و "حمدي طاطاناكي".
ـ ذهب إلى درنة واستقر بها في سنة ١٩٢٧م وبدأ مع مجموعة من الأصدقاء في سنة ١٩٣٠م في تكوين أول فرقة مسرحية قدمت أول أعمالها سنة ١٩٣١م وهي مسرحية (خليفة الصياد) وعام ١٩٣٤م قدمت مسرحية (نكبة البرامكة) وتوالت بعد ذلك العروض المسرحية لهذه الفرقة.
ـ في سنة ١٩٤٨م اشتد عليه المرض ولم يعد قادراً على الوقوف على الخشبة، وفي سنة ١٩٥٢م وافته المنية بمدينة درنة حيث دفن هناك.
الفنان "رجب البكوش" والمشوار الطويل
ـ يعتبر الفنان "رجب البكوش" من الذين عاصروا الحركة المسرحية في (ج.ع.ل).
ـ فكر جدياً في تكوين فرقة مسرحية، وقدم باكورة أعماله المسرحية "الشيخ إبراهيم" وكان ممن حضروا العرض السفاح "غرسياني".
ـ بعد ذلك كون فرقة مسرحية اسماها "فرقة التمثيل" استمرت عامين ثم انتهت فذهب وزاول نشاطه برابطة الشباب وهي مؤسسة شبابية وانتهت هذه الرابطة لظروف خارجة عن إرادة الشباب.
ـ كون فرقة أسماها "فرقة هواة التمثيل" استمرت سنوات ثم انقسمت إلى قسمين هما:
المسرح الشعبي وفرقة الشباب.
ـ كان يقوم بتأليف وإخراج الكثير من المسرحيات منها "كوخ الشحادين" و"ذكرى الاستعمار" و"المدينة في أشواك".
ـ آخر نشاط له كان في فرقة "أصدقاء المدينة" التي انتهت أيضاً حيث قدم بعض المسرحيات الفوديميك، والتي كان قدمها في السابق.
ـ يستحق هذا الفنان والذين عملوا مثله في صمت وبعيداً عن الأضواء  كل التقدير في عيد المعلم.
"عبدالفتاح الوسيع" خبرة وكفاءة
الفنان العربي الليبي عبدالفتاح الوسيع من الفنانين المسرحيين الذين يشهد لهم بالخبرة والكفاءة في مجال المسرح فهو مخرج قدير وممثل مارس الهواية منذ سنوات وثقافته المسرحية تؤهله لأن يكون في مقدمة المتحدثين عن المسرح العربي الليبي وخاصة في الفترة الأخيرة.
وحديث عبدالفتاح الوسيع يبقى حديثاً شيقاً وممتعاً ومتشبعاً أيضاً فهو يتحدث بنظرة مستقبل المسرح في بلادنا ، ولانستغرب أن كان إلى حديثه مشوباً بصور تشاؤمية لكن صور الأمل والتفاؤل تبقى أكثر بروزاً.
يقول الفنان الوسيع:
ربما اختلف المسرح العربي الليبي عن غيره من المسارح "لاسيما المسرح العربي".. في أنه لم يحظ بتأثير الدارسين في الخارج لهذا الفن الوافد تطويراً وتهذيباً، ووضعاً لأسس علمية راسخة، وتقاليد مسرحية معروفة (جورج أبيض، يوسف وهبي في مصر ـ مارون نقاش في لبنان) ذلك أن العهود الاستعمارية التي رنت على البلاد "الأتراك، الإيطاليون، الانجليز" لم تعطه الفرصة الكافية للتعلم والدراسة والبحث في كل المجالات فما بالك بمجال الفن الذي كان يعتبره "الاستعمار" خطراً على وجوده بل انه وصل به الامر - كما روى ذلك المعاصرون -  انه كان يحجب الاعمال المسرحية ويطارد المسرحيين . 
لقد ظهرت محاولات خلال ( الثلاثينيات ) وما بعدها في مجال المسرح ولكنها لا ترتقى إلى المستوى العلمي المنشود ويمكن وصفها بأنها مجرد اجتهادات مشكورة من أناس اتصفوا - كم يروى عنهم - بخصائص معينة منها : 
1- ذيوع أسمائهم في المدن طرابلس بنغازي درنة من أنهم محدثون لبقون ذوو بديهة حاضرة وحسن فنى مرهف .. 
2- شعورهم الوطني المتأجج الذي كان دائما يشدهم ويحثهم للتصدى للاستعمار مشاركين الشعب نقمته عليه فغلب علي تلك الاعمال التي قدمت في هذه الفترة التصاقها وتأكيدها بابراز الشخصية العربية المتميزة والمآثر التاريخية الاسلامية وتعميق ضرورة التمسك باللغة العربية ( شجرة الدر - في درنة ) . 
ومع مطلع الخمسينيات ومع انتعاش الحركة الثقافية في البلاد ظهرت مجموعات من الشباب تبشر وتدعو لايجاد مسرح يعنى بمشاكل الشعب وتاريخه وتطرح آراءها وكانت تحاول أن تبعد قدر الامكان عن ( الارتجال ) الذي كان سائدا إلى حد كبير وبدأت تلك المجموعات في شكل منتديات ثقافية أو فرق مسرحية تعمل بجد وتضحية منقطعتي النظير كما ظهرت محاولات في مجال الكتابة للمسرح أما بشكل جماعي أو بشكل فردي وكانت عمليات الاخراج أيضا أما أن تتم بشكل جماعي " وهو الغالب " أو بشكل فردي وكانت الاعمال في مجموعها تقترب من نوع " العرض الشامل " إن صح التعبير حيث يقدم مع المسرحية في نفس الليلة بعض الاغاني و" المونولوجات " ...الخ ومع بداية الاحتكاك بمصر وبعض البلاد العربية الاخرى التي قطعت شوطا في مجال المسرح بدأت تظهر الاعمال المسرحية العربية وتخرج في المدن باجتهادات وابداعات عفوية .. 
ولتعطش الشباب للمعرفة الحقة بهذا الفن كانت هناك محاولات لاستجلاب بعض الخبرات العربية "وإن لم يحسن اختيارها " للقيام بالتوجيه والارشاد وإن كان لتلك الخبرات فضل فهو أنها زادت من تماسك الشباب والتفافهم حول بعضهم ذلك أنه لم تكن "  تلك الخبرات " في المستوى المطلوب من حيث الرسوخ والخبرة والثقافة . 
ومع أواخر الستينيات بدأت الدولة في الالتفات قليلا نحو المسرح وشؤونه فقدمت المساعدات البسيطة ورخصت لعدد من الفرق وأنشأت بعض الادارات المتخصصة ثم أنشأت فرقا حكومية في كل من طرابلس ومصراته وبنغازي ودرنه وأخيراً اجدابيا وأقيم أول مهرجان وطني مسرحي عام1972 م ثم ظهرت بوادر الاهتمام والرغبة الصادقة بين العاملين في المسرح وظهرت مسرحيات جيدة الاخراج والتمثيل بعدها كان انشاء هيئة المسرح التي علقت عليها اوطار كبار ولكنها لا تزال تعاني من كثير من النواقص وقلة الامكانات أنني أرى أنه إذا أريد للمسرح أن يقف على قدميه ويحقق الغاية من وجوده فلابد من أن ينظر إليه نظرة جادة نظرة تحمله للاندفاع بقوة نحو الافضل دائما ولا يمكن للمسرح أن يحقق شيئاً " بالمسكنات " التي نعالجه بها الآن بل الواجب أن يكون العلاج جذريا بانشاء المعاهد المتخصصة على غرار معهد جمال الدين في كل أنحاء الجمهورية (فروع) بارسال البعثات للخارج بحفز الكتاب ودفعهم للانتاج والعطاء بانشاء دور العرض الجيدة بتوفير الامكانات الفنية بخلق جو التنافس الشريف بين الفرق " حكومية وأهلية " وأنني لأتمنى أن تبرز لحيز الوجود فكرة على مستوى الجمهورية منتخبة من عناصر ممتازة من كافة الفرق تعسكر في مكان ما وتجري تجاربها ثم تقدم عروضها داخل وخارج الجمهورية وهي التي يجب أن تمثلنا حينئذ في المهرجانات العربية والدولية . 
ان الحديث طويل حول المسرح ومتشعب وأرجو أن تتاح لي فرصة أخرى للكتابة بشيء من التركيز والتمحيص في مختلف الشؤون . 
 
 















 الفنان بشير عريبي ..
إعداد / مختار الأسود 
الفنان (بشير عريبي)  احد   المبدعين الذين أعطوا لفن المسرح الكثير كما  ساهم  في مسيرته بعطاءات هامة كممثل بارع شد انتباه المشاهدين بأدائه  وتعبيره وصدقه وإحساسه.
(بشير عريبي) من طلبة مدرسة (الفنون والصنائع الإسلامية) درس على يد الشيخ (علي سيالة) و(علي البكباك) وواصل تعليمه حتى تخرج من المدرسة الإسلامية العليا عمل مترجماً قانونياً للغة  الإيطالية بالمحاكم ثم موضفاً (بالارشيف) المحفوظات ببلدية طرابلس وظل بهذا المجال  حتى أصبح مديراً له.
كان مهتماً بفن المسرح وتاريخه وساعده قسم محفوظات (ارشيف) البلدية على ذلك كان مديراً للفرقة الوطنية للتمثيل في تأسيسها  الثاني في الأربعينيات وفي تأسيسها الثالث عام ١٩٥٦ مسيحي.
اشتهر بتمثيله لدور المرأة في غياب العنصر النسائي وقد أدى دور المرأة في العديد من المسرحيات وكان مجيداً ومقنعاً في أدائه لدور المرأة.
في عام ١٩٤٥ مسيحي مثل دور الأم في مسرحية (القادسية) التي أخرجها الدكتور (مصطفى العجيلي) ومثل فيها إلى جانبه (مختار الأسود) و(إبراهيم الفلاح) و(الصادق أبوهدره) و(علي القريتلي).
في عام ١٩٥٦ مسيحي مثل (بشير عريبي)  دور المرأة في مسرحية (طيش الشباب) تأليف وإخراج (محمد حمدي) وقد شارك بالتمثيل في هذه المسرحية (إبراهيم المقهور) و(محمد عزيز) و(حسن يوسف الشربيني) وقد عرضت هذه المسرحية بدار عرض الغزالة كما عرضت في مدينة الزاوية وقد كتب عن هذه المسرحية الأديب (علي مصطفى المصراتي) في جريدة (طرابلس الغرب) يقول : "نحجت المسرحية فنياً ولم تنجح مادياً".
في عام ١٩٦٠ مسيحي شارك الفنان (بشير عريبي) في تمثيل مسرحية (طريق الشيطان) تأليف وإخراج  (محمد حمدي) ولكن هذه المرة ليس في دور امرأة بل في دور تاجر.
وفي هذه المسرحية ظهرت الفنانة المسرحية المعروفة (حميدة الخوجة) لأول مرة على خشبة المسرح بعد ذلك مثل في مسرحية (ثمن الحرية) التي كتبها الأستاذ (عبدالمنعم دياب) وهي مسرحية تحكي كفاح الشعب الجزائري وقد عرضت في مسرحي (الغزالة) و(الحمراء) سابقاً (الخضراء) الآن في ١٦-٣-١٩٦١ مسيحي.
وبعد ذلك مثل في مسرحية (يا ندايمي) دور قاضي محكمة شرعية وهي المسرحية التي ألفها وأخرجها الفنان (مختار الأسود).
ثم مسرحية (خليها في سرّك) والفنان (بشير عريبي) كان يمتاز بالطيبة  ومساندة زملائه الفنانين وكان كريماً دقيقاً في مواعيده يداوم على حضور العروض المسرحية مشجعاً للفنانين. 
ساند الشعب العربي الليبي الثورة الجزائرية مساندة  كبيرة وبذل كل ما في وسعه من أجل انتصار هذه الثورة ومن أجل أن تشرق شمس الحرية على سماء الجزائر وقد طالت هذه المساندة مختلف المجالات وكان الفن أحد هذه المجالات حفلات فنية كثيرة وكثيرة عروض مسرحية عديدة لجمع التبرعات لصالح الثورة الجزائرية.
ألف كتاب (الفن والمسرح في ليبيا) نشرته له (الدار العربية للكتاب)  ويعد هذا الكتاب وثيقة هامة من وثائق المسرح الليبي.
توفى الفنان (بشير عريبي) الذي ولد عام ١٩٢٢ مسيحي يوم الاثنين ٢٧-٤-١٩٩٢ مسيحي.
 




 

مصطفى الأمير وإبراهيم بن عامر
يحكيان قصة المسرح قصة المسرح في ج. ع. ل
حوار / محمد بالحاج 
من خلال اللقائين اللذين أجرتهما المجلة مع المخرج والكاتب المسرحي العربي الليبي "مصطفى الأمير" والممثل المخضرم "إبراهيم بن عامر" تمكنا إلى حد كبير من أن نرصد حركة المسرح العربي الليبي وتطوراته التي بدأت منذ أربعين عاماً تقريباً، الأمر الذي يتضح منه أن الحركة المسرحية في ج.ع.ل لم تكن معزولة عن الحركات المسرحية في العالم بشكل عام، وفي الوطن العربي بشكل خاص، والأمل كبير في أن تنشط الحركة المسرحية وأن تؤتى ثمارها في ظل ثورة الفاتح من سبتمبر التي أعطت للفن والفنانين الدعم والإمكانات التي تمكنها من أن تلعب دورها التثقيفي على المستوى المحلي والقومي.
* المسرح في ج. ع. ل
يقول مصطفى الأمير: 
يمكن تقسيم المسيرة المسرحية في ج. ع. ل إلى ثلاث مراحل: 
الأولى: مع احتلال الإيطاليين الفاشست لأرضنا.
والثانية: مع بداية ظهور الفرق المسرحية الأهلية.
والثالثة: مع قيام ثورة الفاتح من سبتمبر وصولاً إلى تاريخ إنشاء أول نقابة للفنانين في ج. ع. ل.
* "المرحلة الأولى":
لقد كانت فرقة طلائع خريجي الفنون والصنائع هي النواة الأولى في طرابلس، غير أنه كثيراً ما نما إلى علمي أن مجموعات من الشباب المثقف كانت تجتمع من حين إلى آخر، وبعد أن يقع اختيارهم على أحد النصوص كانوا يقومون بتقديمه، وكثيراً ما يلاقون المصادرة من سلطات الاستعمار الإيطالي لما كانوا يقدمونه من مسرحيات وطنية مثل (صلاح الدين الأيوبي) و(معركة اليرموك) الأمر الذي أدى إلى عدم مواصلتهم العمل في هذا المجال وبالتالي كان من الصعب التعرف على الأسماء المنضمة لتلك المجموعات المثقفة خاصة وأنها لم تكن فرقا مسرحية بالمعنى المعروف.. سبب آخر في عدم ذيوع أسماء هؤلاء كرواد للمسرح الليبي أنهم لم يستعملوا أسماءهم الحقيقية حيث كان من المستهجن اجتماعياً أن يشتهر أحد بالتمثيل أو الغناء في ذلك الوقت.
* فرقة الفنون والصنائع:
لهذا فإن فرقة الفنون والصنائع تعتبر النواة الحقيقية لقيام المسرح الليبي وقد قدمت الفرقة عدداً لا بأس به من الروايات والاسكتشات وقد أسهم في هذه العروض فنان مصري كبير حضر من القاهرة وكان برفقته فتاتان.. وقد ظلت الفرقة تقدم عروضها المسرحية منذ عام 1936 حتى عام 1939م حيث بدأت الحرب العالمية الثانية:
* فرقة نادي العمال:
ظهرت الفرقة إلى الوجود حوالي عام 1940م وقد ركزت اهتمامها على "الكوميديا" والعروض الفنية إذ كان لديها فرقة موسيقية ثابتة وهي فرقة "إذاعة ماركوني" في ذلك الوقت، والجدير بالذكر أن معظم أعضاء الفرقة الموسيقية كانوا من خريجي مكتب الفنون والصنائع، وقد استمر نشاط فرقة نادي العمال حتى عام 1947م حيث حدث انشقاق داخل مجلس إدارة النادي مما دعا إلى حله، وبما أني كنت أحد أعضائه فقد غادرته إلى نادي الشباب وذلك بعد أن قدمت على خشبة مسرحه _أي مسرح العمال_العديد من الفكاهة الهادفة التي كانت بداية لحياتي في عالم الفن والمسرح.
* فرقة نادي الشباب:
كان النادي يقع بباب البحر وكان نادياً رياضياً صرفا إلا أنه أثناء فترة التحاقي به تقرر دمجه في نادي النهضة وتكون منهما "نادي الاتحاد" الذي ضم خيرة الشباب.. ومنذ تاريخ تكوينه وتكوين فرقة مسرحية خاصة به، شاهد جمهور طرابلس عروضاً عديدة لا أعتقد أن من شاهدها بإمكانه أن ينسى الجهد الذي بذل من أجل الوصول بها إلى المستوى الرفيع من الأداء والاخراج في ذلك العهد، لقد كان مدير الفرقة عمر الباروني ومن أعضائها فؤاد الكعبازي وكمال سعيد ونجاتي السراج وأبناء الشكشوكي..
* ومن أهم المسرحيات التي قدمتها الفرقة:
ليبيا سنة 2000 - طارق بن زياد - وقد شاهد المسرحية الاخيرة ما يزيد على 3500 متفرج واشتراك في تمثيل المسرحية 80 ممثلًا.
* فرقة نادي النهضة:
وقد كانت بدايتها مع فرقة نادي العمال تقريباً وقد ركزت اهتمامها على المسرحيات التاريخية مثل مسرحية (روح الجهاد في الإسلام) إلا أنها بالرغم من ذلك قد حافظت على العادة التي كانت متبعة في ذلك العهد، وهي تقديم فصل فكاهي عقب نهاية كل عرض، وقد كان (خليفة ماعونة) و(ظافر حورية) بطلي هذا الفاصل.
* المرحلة الثانية:
بدأت هذه المرحلة بظهور الفرقة الاهلية ولعل أهمها الفرقة القومية التي تأسست عام 1951 وانضم إلى هذه الفرقة عند تأسيسها أكثر الشباب قدرة في هذا المجال ومن أولى الاعمال التي قدمتها كانت مسرحيات (الدنيا ساعة بساعة - نكران واعتراف - الوارث) وكلها من تأليف وإخراج سعيد السراج وقد كان مقر الفرقة آنذاك بسوق الترك وكانت الفرقة تصنع المناظر من أكياس الاسمنت ويمكننا القول إن مؤسسي الفرقة القومية هم:
- البهلول الدهماني.
- شعبان القبلاوي.
- إدريس الشغيوي.
- سعيد السراج.
- نوري المغربي.
- عبد السلام العجيلي.
ومع أول انتخابات حدثت بالفرقة انتخبت (أي مصطفى الامير) مديراً لها ولا أزال أحمل تبعة هذا المنصب في الفرقة منذ ذلك التاريخ حتى الآن.
وفي هذه الفترة ظهر الكثير من الفرق واختفى الكثير منها أيضاً.. ومن الفرق التي ظهرت في عالم المسرح في تلك الفترة:
- فرقة الجيل الصاعد.
- فرقة الأمل.
- الفرقة الوطنية.
- فرقة النهضة المسرحية.
- فرقة الأنوار.
- فرقة المسرح الليبي.
أما أسباب اختفاء بعض الفرق أو الكثير منها فهو يرجع إلى:
الاول: الإمكانات المادية.
الثاني : العروض الهزيلة التي كانت تقدمها بعض هذه الفرق على عكس ما تعوده الجمهور من فرقة نادي الاتحاد.
ويتحدث (مصطفى الامير) عن تجربته في الفرقة القومية فيقول:
(بدأت تجربتي مع الفرقة منذ خمسة وعشرين عاماً وقد مرت الفرقة بالعديد من الازمات ولكنها لم تيأس.. ولم تفشل، والدليل على ذلك استمرار وجودها حتى هذه اللحظة وقد ناضلت الفرقة حتى تم لها بناء قاعة للمسرح (يوجد مكانها الآن جناح ج.ع.ل في أرض المعرض) ولا يمكن تصور العناء الذي لاقيناه في جمع التبرعات ومراجعة الدوائر الحكومية من أجل الحصول على مقر لقد نقل من مجرد دكان إلى مسرح حقيقي وقد قدمت الفرقة منذ قيامها ما يزيد على 36 مسرحية منها 8 مسرحيات عالمية والبقية من تأليفي وإحياناً من تأليف شرف الدين.
المرحلة الثالثة:
وتبدأ هذه المرحلة بقيام ثورة الفاتح من سبتمبر وأهم السمات المميزة لهذه الفترة:
* تكوين الهيئة العامة للمسرح.
* إنشاء نقابة الفنانين.
وقد قامت الهيئة بتجربة دمج الفرق الذي تفاءلنا به في البداية اعتقاداً  منا بأن لدى الهيئة العامة للمسرح فكرة رائعة لا ندركها من وراء القرار ولكن تجربة دمج الفرق قد فشلت فقد ولدت هيئة المسرح وتقوقعت على نفسها داخل الملفات والاوراق والمكاتب وقد كان من الممكن للهيئة أن تلعب دوراً أساسه دراسة واقعية لحقيقة الحركة المسرحية في بلادنا هذا بالاضافة إلى أنها ركزت جل اهتمامها على الفنون الشعبية مما جعل حذف كلمة المسرح من اسمها شيئاً طبيعياً وما لم يوجد مخطط شامل للعمل المسرحي فسيظل الفشل ملازماً لأي نشاط كما أنني أدعو إلى  إنشاء معهد عالٍ للتمثيل يعامل خريجوه على قدم المساواة مع خريجي المعاهد العليا والكليات.
* القرارات لا تصنع مسرحاً:
 لقد كانت تجربة دمج الفرق تجربة فاشلة اتخذ فيها قرار غير مدروس من هيئة المسرح وقد أعطاها القرار الحق في الاستيلاء على مقار الفرق وأثاثاتها وتغيير أسمائها بل ونقل أعضائها دون أن يكون من وراء ذلك خطة لتنظيم الحركة المسرحية أو متابعتها والاهتمام بها.. وقد أدى ذلك إلى انسحاب الكثير من القدرات الفنية، وباختصار فإن القرارات لا تصنع مسرحاً والدليل على ذلك أنه تم حل الفرق المندمجة بعد سنتين من فشل التجربة.
* فرقة المسرح الوطني:
فرقة متفرغة تصرف لها مرتبات من الدولة وللاسف فإن عملها يكاد يكون موسمياً يبدأ في الخريف وينتهي مع بداية الصيف حيث يجب أن يقام مهرجان سواء أكان على مستوى الجمهورية أو الوطن العربي.
 إن المسرح الوطني مسؤول عن عدم وجود مسرح يعمل باستمرار.. طوال أيام العام.. حتى لو اضطره إلى تقديم عروضه للمقاعد.. ومع ذلك.. فإن الأعمال التي قدمها منذ انشائه -على قلتها- كان معظمها رائعاً وناجحاً.
* نقابة المعلمين:
وهي من العلامات المميزة لفترة الثورة، فقد تكونت في نهاية عام 1976م، وقد انتخبت فيها نقيباً للمخرجين المسرحيين، ولا أملك إلا أن أقول أن هذا الحدث قد انتظره الفنان الليبي طوال عمره، وتقع على هذه النقابة مسؤولية الخروج بالحركة الفنية من حالة الركود التي تعانيها، وعلى كل فنان عضو بها أن يبذل كل جهوده في هذا الشأن.
إن تكوين نقابة الفنانين مفخرة من مفاخر ثورة الفاتح العظيمة التي أرادت للفن أن يأخذ مكانه الطبيعي في مجتمعنا.
وفي حديثنا مع "إبراهيم بن عامر" تتضح أبعاد وتطورات الحركة المسرحية في "بنغازي"، فقد عاشت الحركة المسرحية في بنغازي حياة نشطة منذ عام 1939م حتى يومنا هذا والتاريخ للحركة المسرحية في ج.ع.ل لا ينفصل بأي حال عن الحركة المسرحية التي اتسعت رقعتها في "بنغازي".
بدأت أول فرقة مسرحية في بنغازي عام 1936م وكان مؤسسها رجب البكوش، وقد كانت بداية حياتي المسرحية مع هذه الفرقة أنا و"حسن فليفلة" الذي عمل مدرباً بالفرقة ومخرجاً لها.. والغريب أننا في ذلك الوقت لم نكن نملك مسرحاً وكنا نقدم العروض على شاطئ البحر ولهذا اتخذت الفرقة اسم (فرقة الشاطئ). وعندما حضرت المهرجان المسرحي في دمشق دار حول مسرحية قدمتها إحدى الفرق اللبنانية بدون خشبة مسرح وبدون مناظر وهم يسمون هذا النوع من المسارح (المسرح التجريدي) وقد قلت في هذا المهرجان بأننا قد سبقناكم حيث قدمنا هذه التجربة في بنغازي عام 1936. وليس غريباً أن قمنا بهذه التجربة بطريقة عفوية مما يؤكد صدق الإحساس الفني لدى الليبيين. فقد شهدت ليبيا ازدهاراً مسرحياً يرجع إلى عصور قديمة تعلن عنها آثار الفينيقيين والرومان والإغريق وهم خير شاهد على ذلك.
وبالإضافة إلى نقص الإمكانات المادية التي كانت الفرقة تعانيها، فقد كنا نتحايل لتفادي الاصطدام بسلطة الاستعمار الإيطالي الذي كان يحارب اللغة العربية إذ كان يحارب أي نشاط فني، بل كان يحارب اللغة العربية إذ لم يكن بالإمكان أن تزيد حصة اللغة العربية في المدارس عن ساعة واحدة في الأسبوع.
وقد كان أول مسرحية اشترك في تقديمها مسرحية (راعي الغنم) وتتلخص في أن الذئب يظل دوماً في انتظار أن ينام الراعي لكي يفترس أغنامه، وقد كنا نرمز به إلى الاستعمار الإيطالي الذي اكتشف بالفعل ما يمكن أن تثيره هذه المسرحية من انفعالات لدى الجمهور فسارع إلى مطاردة الفرقة ومنعها من عرض المسرحية.
* الاستعمار الإيطالي والمسرح:
إن أول شيء أقدم الاستعمار الإيطالي على إنشائه هو الملاهي، وقد أنشأ بعض دور العرض ولكن ليس لغير الإيطاليين ولم يكن لليبي الحق في ارتياد هذه الدور، وقد أسهم هذا في بعث الحماس فينا، فاغتنمت الفرصة وكونت فرقة مسرحية من بعض العناصر الشابة وعملت بها مديراً ومخرجاً ومؤلفاً، وبهذا أصبح عدد الفرق اثنين، وقد سمح الإيطاليون لنا بالعمل، وقد اكتشفنا أنهم يقصدون أن تتصارع الفرقتان ويدب الخلاف بينهما الأمر الذي يعطيهم الحق في حلهما حينما تسنح الفرصة بذلك، ولكننا خدعناهم، فقد كنا في الظاهر منفصلين، ولكننا في الحقيقة كنا متفاهمين فيما بيننا تماماً.
ومن المسرحيات التي قدمت مسرحية (اللحظات الأخيرة من حياة سكير) وهي من تأليفي وكنت استهدف بها محاربة تعاطي الخمور التي كان الاستعمار الإيطالي يعمد إلى نشرها.
وكانت (قاتل أخيه) هي المسرحية الثانية التي تعمل على مناهضة أفكار الاستعمار وأهدافه في بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
وكنا إلى جانب ذلك نقدم أشعار "رفيق المهدوي" الوطنية بعد أن نقوم بتلحينها وتقديمها على خشبة المسرح مع نهاية كل عرض، ولم يدرك الاستعمار ما كانت تحويه تلك الأشعار من حماس ومشاعر وطنية.
* مسرحية في درنة:
وفي هذه الأثناء، قامت أول فرقة مسرحية في درنة، وقد أسسها "محمد عبد الهادي" وعمل معه "أنور الطرابلسي" ولكن النشاط المسرحي بها ظل ضعيفاً ربما لأن الشعر قد بدأ يحتل مركزاً رئيساً، بدأ في المبارزات الشعرية العديدة التي كان فرسانها:

- أحمد رفيق المهدوي.
- إبراهيم الأسطى عمر.
- محمد عبد القادر الحصادي.
- أحمد الشارف.
أما الدعاية للمسرح فقد كانت فريدة في نوعها فقد كان يقوم بها (الفرجاني بن حريس) الذي لعب دوراً مهماً في الحركة المسرحية في بنغازي فقد كان يذهب إلى ميدان الحدادة وإلى سور المدينة ومداخلها منادياً ومعلناً عن العرض المسرحي، لقد كان الفرجاني أحدث وسيلة للإعلان عن المسرح في ذلك الوقت.
* المسرح المرتجل بداية المسرح في ليبيا:
يقول "إبراهيم بن عامر" في معرض الحديث عن بدايات المسرح الليبي أنه بدأ يقدم عروضه ارتجالياً دون نص مكتوب ودون حفظ للحوار، ثم تطور بعد ذلك إلي حفظ الحوار إلي أن وصل إلي مرحلة التأليف المسرحي بمعناه الحديث وقد وصلنا اليوم إلى نوع من المسرح أسميناه (مسرح المعركة) وهو يقدم عروضه في ميادين المعسكرات بدون خشبة مسرح وبدون مناظر.
العروض المسرحية التي قدمت في بنغازي من عام 1936م- حتى 1950م:
1- الوفاء العربي.
2- قاتل أخيه.
3-فرج الزواق.
4- راعي الغنم.
5- اللحظات الأخيرة من حياة سكير.
6- الملاكم الشفوي.
7- الملح على الطاولة.
8- الحب والحيلة.
9- طرح الزرده.
10- البخيل.
11- الأعمى والمقعد.
12- سيدي الرفيق.
13- هارون الرشيد.
14- الأمين والمأمون.
15- أميرة الأندلس.
محمد بالحاج 
ج. ع. ل

















 المسرحي   شعبان القبلاوي.." خير المسارح ما كان مدرسة للناس " 
 بقلم / محمد بنور 

-إذا كان المسرح العربي أنجب العديد من عمالقته،.فلابد أن نذكر أن أحدهم هو الفنان الليبي القدير شعبان القبلاوي الذي يعتبر أحد هؤلاء العمالقة،بعد أن انطلق مسرحياً سنة 1946م من خلال النشاط المدرسي في أول مدرسة ثانوية تم افتتاحها بمدينة طرابلس،بعد فترة الحرب العالمية الثانية حينما شارك في مسرحية"الأمين والمأمون"تأليف وإخراج محمد بن مسعود وكذلك مسرحية "حذق الطبيب"بعدها واصل القبلاوي رحلته مع المسرح فالتحق بعدد من الفرق الأهلية،كانت البداية مع فرقة نادي الاتحاد الرياضي الثقافي الاجتماعي،وفرقة الإخاء المسرحي وأخيراً اختار الفرقة القومية للتمثيل كمحطة نهائية في تنقله بين الفرق واستقر بها إلى وقتنا هذا رغم ابتعاده عن المسرح في السنوات الأخيرة..

"المسرح القومي"الوطني حالياً"وأول مشاركة خارجية 
-عين الفنان شعبان القبلاوي بفرقة المسرح القومي"الوطني حالياً"بحكم وظيفته بقطاع الإعلام في تلك الفترة،بعد أن قام بتأسيسها مع نخبة من المسرحيين الليبيين كما تم اختياره ضمن اللجنة الفنية التي تم تشكيلها في ذلك الوقت من أجل تأسيس فرقة المسرح القومي وفي مختلف المدن الليبية،كان أول من حقق مشاركة مسرحية ليبية ناجحة بالمهرجانات المسرحية العربية فكانت البداية من خلال مهرجان قرطاج للفنون المسرحية فقدم ضمن فعالياته العرض المسرحي "حسناء قورينا"هو العرض الذي أبهر عشاق المغرب العربي لما تميز به العرض من إبداع مسرحي ليبي..وكانت قد قدمته فرقة المسرح الوطني بطرابلس..

"أبرز الأعمال المسرحية"
-عرفه جمهور المسرح من خلال أبرز أعماله المسرحية المتمثلة في "جناب المفتش،مايصح إلا الصحيح،الزير سالم،شكسبير في ليبيا،حسان وهذه الأخيرة هي المحطة التي توقف بعدها عن الوقوف على خشبة المسرح والتي قدمتها فرقة المسرح الوطني بطرابلس سنة 2000م.
وقد حفلت رحلته الفنية بالعديد من الأعمال المسرحية التي كان قد بدأها في العام 1946،ولتاريخه الفني الحافل بالأعمال الفنية وقدرته الإبداعية في تقمص الشخصيات اختاره الكثير من المخرجين العرب والليبيين وساهم معهم في تقديم وظهور عدد من الأعمال الفنية المختلفة والمتنوعة..

"خير المسارح"
-وعن المسرح دائماً يقول بأنه أنواع وخير المسارح ماكان مدرسة للناس،لقد اكتسب من خلال تجاربه في الأعمال الفنية العربية خبرة كبيرة،عرف من خلالها الكثير والكثير في مجال الفنون والإبداع.

"ابتعاد وعودة وابتعاد.."
-ابتعد عن المسرح لفترة رأى أن تكون فيها وقفة تأمل ومحاسبة إذ هي ضرورية من وقت لآخر،وبعد رحلة طويلة من التألق رجع لبيته الثاني "المسرح"عشقه الأول والأخير بعد أن تم تكليفه مديراً عاماً لفرقة المسرح الوطني بطرابلس مع بداية العام 2001،ولفترة قصيرة لم تكن كافية لتقديم الجديد،ابتعد من جديد وبإرادته لأنه يرى أن الفنان لايكون فوق كرسي الإدارة بل على خشبة المسرح،ليقدم الفن الإبداعي ماهو جديد ومفيد،ورغم ابتعاده عن المسرح إلا أنه يحن إليه كثيراً من خلال وجوده المستمر في العروض المسرحية والمهرجانات الموسمية كلما حانت الفرصة لذلك..
















 



الحركة المسرحية الليبية 
إصرار شغوف ومثابر 
بقلم /  محمد سليمان الزيات 

إن المتتبع للحركة المسرحية الليبية،سواء عن طريق المشاهدة أو قراءة ماكتب وما يكتب عنها،سوف يخرج بنتيجتين.
أولاهما:إن إصرارا شغوفا ظل ملازماً للعناصر الفنية التي اهتمت بهذا الفن العظيم،على مساحة زمنية امتدت لقرن من الزمان.شهدت خلاله الحركة،موجات بين مد وجزر،واسمة تلك الحركة بالمثابرة والإصرار اللذين يبعثان في نفوسنا كل احترام وتقدير.
ثانيهما:تلك العوامل المعيقة التي وقفت دائماً في وجه كل المحاولات دون استثناء.وفي اعتقادي أن أي تقييم لهذه الحركة الفنية لابد وأن يأخذ في الاعتبار مجموعة الظروف المتعددة التي واجهت الحركة المسرحية الليبية منذ النشأة وحتى الآن.
سواء في ذلك تلك الظروف السياسية المتمثلة في واقع الاحتلال،الذي داهم المجتمع الليبي،والحركة المسرحية الوليدة التي لم يتعد عمرها حينذاك الثلاث سنوات.
هذا الواقع أو هذا الظرف الاستثنائي الذي أملى على الحركة المسرحية الوليدة ضرورة الكفاح.ومن خلال هذه الضرورة كان على الحركة أن تخوض صراعاً ضد المحتل.الأمر الذي شكل ظرفاً جدليا بين الفن والفنانين من ناحية وسلطة الاحتلال من ناحية أخرى.وهو ماوضع الحركة المسرحية وهي في طور نموها على أرضية اجتماعية وسياسية ساخنة.
وشتان مابين مناخ كفاحي ساخن وأرضية باردة في تأثير الأولى على حركة الإبداع وسيكلوجيته في الوقت ذاته.إذ لايخفى دور الحماسة الوطنية على الإبداع الفني والدور الذي يمكن أن يلعبه في رفع الوعي بالمسألة الوطنية وجعلها متأججة ومطروحة بإلحاح على الضمير الوطني.
وكان الظرف الاجتماعى الفارض للعزلة خاصة في النصف الأول من القرن العشرين هو ما ألقى بالصعوبات ضمن عوامل أخرى.أمام تطور تلك الفرق المسرحية التي كانت قد انبثقت من الجغرافيا المترامية للبلاد.
وما أن انتصف القرن العشرون حتى بدأت العزلة في الانكسار متمثلة في الاتصال والحضور لفنانين وأساتذة مصريين وكذلك الدورات التدريبية بعد ذلك التي حظى بها بعض الفنانين المهتمين بالإخرج والتمثيل المسرحي المبعوثين إلى الخارج وإلى القاهرة خاصة الذين توجهوا إلى المسرح القومي بالقاهرة والزيارات المتعددة لفنانين وأساتذة مسرحيين مخلصين للحركة المسرحية العربية.
كل ذلك كان من شأنه أن يعمل على دفع الحركة المسرحية الليبية من ممثلين ومؤلفين ومخرجين وإداريين إلى الدخول في مرحلة العلمية،التي هي ضرورية بقدر ما للحماسة والشغف بفن المسرح من أهمية.
حيث الحاجة إلى الاطلاع على المدارس المتنوعة في الأداء المسرحي وكذلك الوقوف على التخصصات المختلفة من إعداد الخشبة والسينوغرافيا والتفريق بين مهمة المخرج ومدير الغرفة ومصمم الملابس وفني التنكر "المكياج"والصوت وفني الإضاءة..إلخ وكل منها علم لايستقيم العمل دونه فضلاً عن كتابة النص المسرحي المدعوم بمعرفة كل هذه العلوم.
إلا أن عوامل التعويق ظلت مرافقة للحركة المسرحية الليبية وعالقة بها ولكى نكون منصفين فإن بعضها أخذ في التراجع في السنوات الأخيرة وإذا اعتبرنا أن المسرح يقوم برصد الواقع الاجتماعي السياسي والثقافي في بعض الأحيان فإنه لزام عليه أن يعكس عنصري المجتمع الرجل والمرأة ضمن تقديمه للعلاقات الاجتماعية وجدل طبقاته أو فئاته وشرائحه الاجتماعية.
وفي هذه النقطة نستطيع أن نقول إن عدة مستويات قد لعبت دوراً في توجيه كتاب المسرح لموضوعات يمكن تسميتها بالثيمات العرفية سطر أو العمل على نص  لكاتب عربي.
ويمكن إرجاع هذا التوجه في الكتابة المسرحية إلى مستوى التطور الاجتماعي حيث عدم بروز طبقات اجتماعية محددة الملامح بسبب طبيعة نمط الإنتاج الريفي وشبه الزراعي والنظام القبلي بقيمه وتقاليده وأعرافه الذي يجد صعوبة في تقبل مثل هذا النوع من الفن،خاصة في مسألة مشاركة المرأة.
وقد سجلت شهادات بعض الفرق هذه الصعوبة.
ولكن علينا أيضاً أن نعترف أن خشبة المسرح بدأت تشهد منذ منتصف القرن العشرين وبالتدريج حضوراً مشرفاً لفنانات تركن بصمة على الحركة المسرحية الليبية بل نستطيع أن نقول إنهن في ظرف اجتماعى صعب مثل هذا قد حملن مهمة شق الطريق وتغيير القيم المعيقة،ببطولة وتحد منقطع النظير.الأمر الذي أثر في النظرة الاجتماعية للفنانات وإن لم تكن خالصة بعد،شأنها في ذلك شأن كل المجتمعات الشرقية في النظر بسلبية إليهن بل إلى كل المستغلين بالفن في بعض المجتمعات العربية الأخرى.
وتعتبر مسألة الرعاية والتمويل من أهم النقاط التي أعاقت استمرارية الفرق المسرحية التي كانت تنبت ثم تموت وتدخل في إغماءة بسبب عدم الالتفات إلى أهمية الدور الحضاري للمسرح وعدم تقدير دوره في إيصال الجماهير للوعي اللازم بمصالحها.
وفي ظل كل هذه المعوقات التي أدت إلى الحضور المتقطع للمسرح فقد المسرح جمهوره الذي لايمكن له أن يحيا دونه.
إلا أننا وعلى الرغم من هذا التقطع في الحضور والارتباط المناسباتي ومن خلال مشاهداتنا للعروض التي تعرض في المهرجانات نجد إقبالاً بدأ يتزايد على العروض حتى وإن كان بعض الحضور يوجدون لأسباب أخرى غير مانرتضيه للمسرح وقدسيته إلا أن حركة مسرحية مستمرة وقائمة بشكل مؤسساتي تستطيع أن تحسم مسألة الجمهور بالإيجاب وتخلق فيه تقاليد قائمة على احترام قيمة هذا الفن الرفيع.
وتساهم في خلق أجواء محبة للفن كما ستتيح للفنانين والفنيين والمخرجين إمكانية الممارسة التي عليها يكون الرهان في بروز مبدعين على كل المستويات يمكن حينها أن نصدر الأحكام عليهم.إنما الآن لانستطيع إلا أن نؤدي واجبنا بمواكبة نقدية ليست مهمتها إصدار الأحكام وإنما تنصب مهمتها في تحليل الأعمال وتبيان مواضع الضعف إن وجدت وهي بالضرورة قائمة وتحتاج إلى من يقرأها بل إلى من يقرأوها أي أننا في حاجة إلى نقد علمي وموضوعي يواكب هذا الشغف الجميل المحب لتحمل أعباء ومعاناة الفن المسرحي.




















 

 الممثلة المسرحية في مئوية المسرح الليبي " 1908  – 2008م" ·       
 سعاد الحداد نموذجا
بقلم / فاطمة غندور 

يتردد في المشهد الثقافي الليبي وتحديدا المسرحي أن عام 1908م شهد أولى البوادر المسرحية الليبية ، والوثيقة المؤرخة لهذا الحدث مقالة بصحيفة ( الترقي) ففي عددها 15 رمضان 1326هـ الموافق 28سبتمبر1908م ،تتضمن إشارة لعرض مسرحي ( حب الوطن) نص كتبه محمد نامق كمال ، وقدمته فرقة الفنان محمد قدري المحامي- بطرابلس - بتاريخ 10 رمضان – 23 سبتمبر1908م ،بل إن أحد عروضها قُدم ليعود ريعه لعمال ميناء طرابلس الذين أضربوا رفضا لإنزال بضائع نمساوية معلنين موقفهم من ضم الامبراطورية النمساوية لمقاطعتي البوسنة والهرسك المُسلمتين ، وبعودة الى دراسات وبحوث الاستاذ البوصيري عبدالله (**)بكونه من انشغل بوثائق الاشارات المبكرة لمسرحنا الحديث يرى أن شاهد الصحيفة ( حب الوطن ) يُثبت أن ( المسرح بمفهومه العلمي الدقيق لم يعرف عندنا إلا في سنة 1908م… مسرحية حب الوطن هي أول مسرحية موثقة في تاريخ المسرح الليبي ) ويؤكد ذلك أيضا بمُراجعته لصحيفة ( أبي قشة 1908م – 1911م لصاحبها الهاشمي المكي ) ففيها ما يشير الى محاذاة عروض مسرحية أخرى لفرق وجمعيات ومؤسسات إجتماعية مختلفة مع العقد الأول من القرن العشرين ، وما من وثيقة تجزم بان ظهور الممثلة الليبية صاحب مئوية الممثل لظروف ليست بخافية عن أحد !.  
 في ظل انعدام التوثيق المؤرخ لمسيرة مشاركة الفنانة الليبية في مجال المسرح ـ إلاماندر ـ يظل التداول الشفوي هو المانع للمعلومات الراصدة والتي تأتي من بعض ممن عاصروا أواخر الحقبة الخمسينية تلك المرحلة التي يتم اعتمادها زمنيا لتاريخ بداية المشاركة النسائية بالمسرح الليبي حيث انبرت سيدتان من مدينة درنة :هما حليمة الجملي وسالمة العجيلي بالمشاركة بدورين مسرحيين :جميلة بوحيرد ، وعزة ! ، ولعل للبدايات المبكرة لظهور المسرح بمدينتي طبرق ودرنة بمساهمات محمد عبد الهادي وأحمد الشارف وإبراهيم الأسطى عمر الحافز والمشجع لمغامرتهن المتجاوزة لأوضاع عصية ونابذة ـ إن صح التعبير ـ في ذلك المحيط الاجتماعي بالدرجة الأولى والسياسي والاقتصادي أيضاً..
فإذا كان الممثلون الرجال قد عانوا من ردود أفعال المستعمر أنذاك فما بالك بإمرأة تحاذيهم في تبنيها لقضايا مهمة ومحركة لقيم المجتمع وما يقع تحت طائلتها ،وفي مبدأها وجودها المسرحي 
وكانت تجربة المرأة في طرابلس وإن كانت بعيدة عن المشاركة المباشرة بالفرق المسرحية ضمن مؤسسات المجتمع المدني ممثلة بجمعية النهضة 1957م والتي انضمت إليها ما يقارب المائة عضوة فاعلة في مختلف المجالات التعليمية والصحية والخدمية والفنية ، حيث تشير الرائدة رئيسة الجمعية صالحة ظافر المدني،  والسيدة المعلمة مريومة الطيف أن الأستاذ المرحوم سعيد السراج كتب نصوصا مسرحية ذات الفصل الواحد لعرضها في المناسبات الوطنية والقومية وذكرتا مسرحية بعنوان ( جميلة بو حيرد ) والتي تم عرضها في سينما الهمبرا قبل الإعلان عن جمع التبرعات لمساعدة الشعب الجزائري في محنته والطريف أن مريومة أدت دور الجندي الفرنسي الذي يقوم بتعذيب المناضلة الجزائرية في زمن كان الممثل يؤدي دور المرأة في كثير من العروض المسرحية والإذاعية كذلك .          
وفي استعراض مسيرة الفنانة الممثلة ما ارتبط بجهود فنانين رواد ساهموا في حضورها على ركحه ، ومنهم كاتب الأغنية والدراما والمهتم بالتراث الشعبي الحاج محمد حقيق الذي تعهد عددا من الفنانات بتدريبهن على اسكتشات تمثيلية غنائية تؤدى كفواصل بين المشاهد والفصول المسرحية وقد أكد لي الفنان كامل الفزاني في مقابلتي له بالفرقة الوطنية تبني ( حقيق) لهن رغم بساطة مستواهن التعليمي وما استلزم ذلك من معالجة لحالات القصورالفني لديهن .
أما الفنان مختار الأسود فيؤكد أنه من أدخل الرائدة الفنانة حميدة الخوجة وأقنع أسرتها وهي من جمعت بين الغناء والتمثيل و الحاصلة على وسام الريادة النسائية التمثيلية من ثورة الفاتح.
 وفي منتصف ستينيات القرن المنصرم جاءت مشاركة الرائدة في الإخراج المرئي الفنانة الممثلة المسرحية سعاد الحداد إبان عودة اسرتها من دمشق ، والتي برزت كنموذج للفنانة المثابرة ومن عملت على تطوير قدرتها واستثمار فرصة وجودها في وسط منحها الاحترام والتقدير والتجربة الحرفية وهي من يلقبها زملاؤها رواد المسرح في طرابلس ، ممن عاصروا مسيرتها بــ(سيدة المسرح الليبي) فلأربعة عقود والممثلة والمذيعة والمخرجة سعاد الحداد تنحت تاريخها الفني دون قطيعة أو كلل ودون ضجيج أيضاً!!،  بدأت ممثلة بالإذاعة المسموعة الليبية عام 1966 م وقدمت أول عمل مسرحي مع الفرقة الوطنية بطرابلس (أهل الكهف ) في ذات السنة وكانت إحدى المؤسسات للمسرح الوطني .
شاركت في عدة مهرجانات منها :-
-مهرجان المغرب العربي بتونس 1968 ،1974 ،1977.
-المهرجان الثقافي الأفريقي الأول بالجزائر عام 1969.
-مهرجان دمشق للفنون المسرحية عام 1971، 1977.
-الاسبوع الثقافي الليبي بالكويت بمسرحية (الصوت والصدى للمرحوم الاديب عبدالله القويري) .

لم تخل سنة في بواكير اشتغالها من التواصل بالعمل المسرحي ومن مسرحياتها ما بين 1968 إلى 1977 شجرة النصر، راشمون، تشرق الشمس ، حكاية شاركان في زاره ، شكسبير في ليبيا، الأقنعة ، الصوت والصدى ، وطني عكا، الزير سالم، الأم ، حمل الجماعة ريش ، ،السندباد.
-عملت بالإخراج بعد دورة الإخراج المرئي 1968 بالإذاعة الليبية حيث اشتغلت مخرجة لنشرات الأخبار والبرامج.
شاركت في فيلم تاقرفت كممثلة وكذلك ضمن الطاقم الفني كمساعدة مخرج ثم انتقلت إلى الإذاعة المسموعة كمخرجة دراما بدأت مشوارها بإذاعة صوت الوطن العربي الكبير عام 1980م  وأسهمت في استقطاب العناصر الجديدة من مذيعين وممثلين - وكنت إحداهن- واستمرت مشاركتها الدائمة في المسرح الوطني ، تحصلت على وسام الفاتح للريادة في عيد الوفاء العيد العشرين كأول مخرجة ليبية في مجال الإخراج المرئي كرمت من قبل اللجنة الشعبية للإعلام بطرابلس في مهرجان أيام طرابلس المسرحية ومن اللجنة الشعبية بالجبل الأخضر بمهرجان المسرح التجريبي ، كما شغلت منصب مدير إدارة التمثيل والإخراج بالإذاعة لخبرتها في المجال الإذاعي تم تعيينها كمتعاونة بعد بدء مرحلة تقاعدها مؤخراً وفي مبادرة مبكرة لتولي امرأة لرئاسة مهرجان مسرحي محلي (وإن تأخرت) تم اختيارها لترأس مهرجان طرابلس المسرحي في دورته الرابعة (1-13-7-2007م) وننشر هنا كلمتها بمناسبة المئوية المسرحية ، وأيضاً لاختيارها كامرأة فنانة وهبت عمرها عاشقة لفن المسرح والتي ألقتها بمسرح الكشاف ليلة الافتتاح لنقرأ من خلالها روح العطاء والتفاني والعصامية ما ميزها كنموذج لفنانة ليبية قدمت فنها بسخاء للوطن. .

المسرح بيتي ومدرستي

حضرات الضيوف الكرام وأنا أقف هذا المساء الجميل أمامكم يتملكني شعور غريب بأن خطواتي المرتبكة التي جئتكم بها ليست خطواتي وأن وقفتي المرتعشة هذه ليست بوقفتي الحقيقية والطبيعية لقد كان المسرح خلال سنوات رحلة مدرستي وبيتي وأساتذتي وزميلاتي وصديقاتي وأصدقائي . كنت أحاول أن أسهم معهم جميعاً في حفر خصوصوية مسرح ليبي بقدر ما نستفيد من المسرح العربي والعالمي بقدر ما يكون مسرحاً ليبياً خالصاً يقتحم الواقع الليبي ليواجه قضاياه المعقدة ، وليكون الأستاذ الحقيقي الذي يدفع نحو تقدم حقيقي في جميع مجالات الحياة .
قد نكون نجحنا وقد يكون نجاحاً منقوصاً .. لكن الذي نعتز به أننا رسمنا بجهدنا وعرقنا ودموعنا وحبنا للمسرح نقطة تستطيع أن تنطلق منها أجيال بعدنا . 
وهذا ما تم تماماً ..فها هي أجيال جديدة ترفع راية المسرح باعتبار أستاذ الشعوب .. أجيال مازالت تنحت في الجبل لكن خطواتها تثير المتابعة والتآمل والاكتشاف والدفع إلى الأمام ..بل أقول إنها تحتاج أيضاً إلى جيل من النقاد يسهم في تصحيح مسار هذه الأجيال الجديدة.
ولقد كان تكريماً لي أن تم اختياري رئيساً لهذه الدورة من أيام طرابلس المسرحية ، اختيار أعادني إلى أيام البداية الأولى ، وأشعرني أنني مازلت أربط حياتي بهذا الفن الإنساني العظيم . 

على هذا الأساس قبلت الاختيار لأعود إلي المسرح من خلال أيامه الجديدة .. أعايش وأشير وأومئ.. وأعطي جزءاِ من تجربتي الطويلة .
وأشهد أن هذه الأجيال الجديدة تحمل المسرح في قلبها وعقلها ، وهذا ما يطمئننا إلى الوصول يوماً إلى تحقيق حلم المسرح الليبي الذي نعتز به في الداخل والخارج .
ولعلني بمناسبة هذا المهرجان المسرحي أطالب باهتمام أكبر بالمسرح الذي لا يتنفس هذه الأيام إلا من خلال المهرجانات السنوية والأيام المسرحية الدورية …إن المسرح يجب أن يكون موجوداً في حياتنا باستمرار ، فالاستمرارية هي التي تخلق الكوادر المسرحية ، وفوق ذلك هي التي توجد للمسرح رواده ،عشاقه وتلاميذه . إنني أشكر هذه المناسبة الطيبة التي أعادتني إلى رحاب المسرح.
 وأشكر الأجيال الجديدة التي بدأت تكشف عن قدراتها وطموحاتها.
وأشكر ثقافة وإعلام شعبية طرابلس على الاستمرار في تقديم أيام طرابلس المسرحية ... وأشكر الحضور الذين سيكونون الدفع لأجيالنا المسرحية لتقوم بمهمتها الإنسانية المتقدمة .









 














الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي ..
بقلم /أحمد الغماري 

يقف المرء عاجزا مكتوف الأيدي أمام موضوع لا تتوفر له مصادر و لا مراجع يستند عليها لدراسته, خاصة عندما يتعلق الأمر بالفنون البصرية ,و ما يخص منها الملصق بالذات , وعلى الأخص الملصق المسرحي , الذي يعتبر أقل انتشارا بين الناس من الملصق السينمائي , و كما هو معروف بأن الجانب الإعلاني والدعائي من مهامه إبلاغ الجمهور عن مواعيد وأماكن العرض المسرحي 
والدعاية له  .إلا أن  الملصق يبقى من أهم هذه الوسائل  الدعائية والإعلانية , 
و النافدة الأولى التي يطل منها المشاهد على أحداث و شخصيات العمل  المسرحي ويكون عامل جدب  أو تنفير , ما حدا بالفرق المسرحية و المسارح أن تتخذه بعين الاعتبار و تفرش له المساحة الكبرى على جدرانها و تؤكل أمر تنفيذه لأفضل المصممين والفنانين المختصين في هذا المجال , الذين استخدموا أفضل التقنيات 
وأحدثها من اجل إظهاره بالمظهر الجذاب لعين المشاهد, فظهر الملصق الورقي الذي يوزع على جدران الشوارع و الملصق الجداري الذي يرسم على القماش أو الخشب والمعروف في بعض الأماكن باسم( الأفيش) وينصب على أوجهات دور العرض بألوانه الزاهية و بمساحات كبيرة , إلى جانب الوسائل الأخرى التي استغلت لغرض الدعاية والإعلان فكان النداء و العزف الموسيقي الارتجالي في الشوارع و الميادين كإحدى هذه الوسائل التي اعتمد عليها كما ظهرت طرق أخرى تمثلت في (مواقف طريفة للإعلان )التي لا تخلو من روح الدعابة و الترفيه في تجسيدها ,
    
و في نظرة إلى الخلف لكي نبحث عن الإشكال التي اتخذتها الدعاية و الإعلان للعروض المسرحية في بلادنا , و طبعا حسب ما توفر من نماذج للملصقات و ما سمعته من بعض الفنانين والأخوة المهتمين بالحركة المسرحية عن هذا الأمر , نجد أن الدعاية قد اتخذت ثلاث أشكال رئيسية واستخدمت في أوقات و ظروف مختلفة و بإمكانيات فرضتها معطيات كل زمن مرت به , إلا أنني ارغب في بادئ الأمر أن أسلط  الضوء على احدى هذه الوسائل التي وصفتها سابقا – بالمواقف الطريفة للإعلان –  والتي تعبر عن سعي بعض المسرحين لجذب المشاهد البسيط لعروضهم المسرحية , خاصة لو علمنا بان الوعي الفني لدى المواطن في تلك الفترة _  النصف الأول من  القرن العشرين _ لم يتبلور بعد كما هو الحال اليوم  ما دعاهم للالتجاء لهذه الحيل الطريفة’ التي اعتمدوا فيها خلق  (مواقف تمثلية) حيه للمواطن في الشارع لإعلامه بالعرض المسرحي و دعوته إليه , و عرف على الفنان "مختار الأسود"قيامه بهذه المواقف الذي  يذكرها فيقول:
 ... بأنني مارست هذه الحيل بنفسي في إحدى المرات عندما ارتديت فيها ملابس شرطي المرور وبدأت بإيقاف السيارات المارة , و كان السائقون يعتقدون بأنني شرطي أريد أن اخالفهم لارتكابهم مخالفة مرورية ألا أنني أقابلهم بابتسامه و أقول لهم (لا تنزعج فأنت مدعوا إلى المسرحية التي ستعرض اليوم أو غدا ...في المكان الفلاني) وأقدم لهم مخالفة هي في الحقيقة دعوة للحضور مسرحيتنا التي سنقدمها ...ومن المواقف المشابهة التي قام بها الفنان"مختار الأسود"و أصدقائه ذات مرة عندما شيعوا جنازة افتراضية في أزقة المدينة القديمة و ساروا بها على اعتبار أنها جنازة لأحد المتوفين من سكان المدينة  الأمر الذي جعل المواطنين يسيرون وراء الجنازة حتى وصلوا أمام باب مسرح (البوليتياما) الموجود حاليا بسوق الترك و الذي يسمى اليوم- بدار عرض النصر- عندئذ وقف قائلا لهم بان لا توجد جنازة بل هو يدعوهم للمسرحية التي ستعرضها (فرقة خرجي مكتب الفنون 
والصنايع)  إلا أن الفنان "مختار الأسود" لم يتوقف عند هذه الحيل و المواقف الطريفة  بل نوع في أشكالها و طرقها - فطبع ذات مرة الإعلانات على الأكياس الورقية التي يباع فيها الخبز و الفاكهة بحيث تصل إلى كل بيت عندما  يقوم أب الأسرة بشراء حاجات أسرته من السوق. إلا أن هذه الوسيلة الطريفة قد رافقتها وسيلة أخرى يمكن أن نطلق عليها اليوم  (بالدعاية الصوتية) والتي عرفها الليبيين (بالتبريح) أي النداء في الأزقة و الميادين من اجل إعلام الناس عن حدث ما .
وذكر الفنان " مختار الأسود" بان الفرق المسرحية كانت تؤكل أمر إعلاناتها لأحد (البراحة) و كان هناك شخصا  يدعى " النطاح "يقوم بهذه المهمة لبعض المسرحيات بحيث يجوب الشوارع مناديا بعبارات سلسة  تعودت عليها أذان الناس بهذه الكلمات( ألتوب ألتوب ألتوب ... تسمعوا ألا الخير أن شاء الله و الحاضر يعلم الغايب ... أبناء الفرقة الفلانية عندهم تمثيلية في مساء اليوم في السينما الفلانية ... و يلعبوا فيها فلان وفلان و فلان ... راهي تفوتكم تعالوا كأنكم  بتضحكوا) مستعينا بآلة إيقاعية  (كالبندير او الدنقة) أو أي آلة أخرى محدث بها تنغيما بين العبارات و الإيقاعات , و يضيف الفنان"محمد بن محمود"في هذا  الإطار بان بعض الفرق المسرحية كانت تكلف أفراداً من أعضائها أو أشخاصا من خارجها أحيانا للإعلان وذلك بان يصطحبوا عربة وآلات موسيقية و يجوبون بها الشوارع بالعزف و الغناء ملفتين  قدر الإمكان انتباه المارة إليهم لإعلامهم عن موعد و مكان العرض, و يذكر الفنان "محمد بن محمود"- بان هذه العملية لم تكن مقتصرة على المعلنين بل أن الممثلين أنفسهم أحيانا ينزلون إلى الشارع قبل العرض بملابسهم التنكرية ليجلبوا انتباه المارة ويضيف الأستاذ "سعيد المزوغي"إلى هذا بان المساجد باعتبارها مكانا لتجمع و خاصة في صلاة الجمعة, حيث جرت العادة أن يتخذها الناس كأحد وسائل الإعلان عن حدث أو أمر ما (فيقوم احد المعلنين بعد صلاة الجمعة و يطلب من المصلين الانتباه إليه و بعدها يبلغهم عن وجود مسرحية في المكان والموعد الفلاني ,ويحدث هذا عدة عندما تكون المسرحية  ذات طابع إسلامي أو قومي )  إلا أن المعايش للفترة الأولى أو حتى الفترة التالية للحركة المسرحية يعرف جيدا بان الدخل و الدعم المادي للفرق المسرحية لم يكن ليسمح لها  بالصرف على الجانب الدعائي و الإعلاني بالشكل المطلوب , بل إن الفنان"محمد بن محمود" ذكر بان عروضهم المسرحية التي كانوا يقدمونها في مناطق خارج طرابلس كالخمس أو الزاوية مثلا, كانت تقبل فيها غلال أو الثمار الموسمية مقابل ثمن تذكرة الدخول مراعين في ذلك الظروف المادية لبعض المواطنين في تلك المنطقة, وهذا يعطي مؤشرا واضحا على الحالة المادية التي تمر بها  الفرق المسرحية ما جعلتها  تهمل الجانب الدعائي في برنامجها ,وسبب ذلك تأخر ظهور الملصق المطبوع على جدران الشوارع وحتى إن ظهر فيظهر بشكل محتشم وبسيط  ,وعوض عنه بالملصق اليدوي - إن صحت ألتسمية- الذي كان يرسم من قبل احد الرسامين في أحسن الأحوال أو يقوم مهندس الديكور في الفرقة برسمه أن رأى في نفسه الكفاءة للقيام بذلك و كان يوضع في أماكن محدودة بالمدينة ,إلا أن الملصق الورقي في اعتقادي يبقى الوسيلة الأكثر ملائمة وفاعلية للإعلان نظرا لسهولة توزيعه في أي مكان وإمكانية استخدامه في أكثر من فرصة تالية, و لهذا سألقي نظرة فيها شيء من التفحص على تاريخ صدوره و أشكاله التي اتخذها ,وهنا يأتي ألسؤال ليطرح نفسه متى كان ظهور أول ملصق و كيف كان تصميم الملصق في كل فترة من الفترات التي مر بها ؟؟ و لكي أجيب عن هذه الأسئلة توجب علي أتوجه إلى أهل الدرية و المهتمين بالشأن المسرحي لنسمع منهم الإجابة عن هذه الأسئلة. فكانت البداية مع الأستاذ "البصيري عبدالله " الذي يذكر- بان صدور أول ملصق حائطي  كان في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي-ويؤكد على ذلك  الفنان "بشير المبروك" باعتبار - أن الفرقة الوطنية الطرابلسية  للتمثيل و الموسيقى قد عرضت مسرحيات في تلك الإثناء بملصقاتها  - لكن الفنان " مختار الأسود" ينفي و يقول - بان صدوره في منتصف الخمسينيات- و يرى المخرج "عبد الله الزروق"- بان الملصق بمفهومه الحقيقي لم يلقى اهتماما في بادي الأمر و بدأ الاهتمام به فقط  في أواخر الستينيات و بداية السبعينيات- و يقول الفنان "محمد بن محمود" - الملصق كان موجودا من فترة طويلة فكان يكتب و يرسم باليد و يوزع في الشوارع والأسواق- و على أي حال فان البحث و الفرز عن تاريخ صدور أول ملصق في بلادنا لهو أمر يحتاج إلى المزيد من التفحص و التروي من اجل إجابة تكون أكثر  دقة و موضوعية..
ولننتقل الآن إلى النقطة التالية وهي شكل وتصميم الملصق الذي طرا عليه  عبر الزمن العديد من التطورات,و لمعرفة هذا التطورات توجب علي الاطلاع على ما أمكنني الاطلاع عليه من ملصقات نجت من التلف و الضياع و أخرى هي حديثة العهد وتعتبر نماذج لا باس بها  تعكس الفترة التي ظهرت فيها ,و كذلك ملصقات أكثر حداثه تحمل روح هذا العصر بما فيها من تقنيات الكمبيوتر والإخراج الحديث الذي بدأ يميز هذه الملصقات عن سابقاتها , و لكن أولا  لنرجع لنلتمس طريقنا إلى  أقدم الملصقات التي يمكن أن ننطلق منها لرسم ملامح الملصق و الكيفية التي كان عليها , ففي الملصق الذي رافق العرض المسرحي الذي قدمته الفرقة الوطنية للتمثيل و الموسيقى سنة 1946 م لراويات اجتماعية و إسكتشات هزلية من بطوله - الكوميدي -"محمد حمدي "  و رافقه في العرض الموسيقي المطرب " محمد الفرجاني",  حيث ظهرت فيه صور شخصية لممثلين و عازفين وفي أسفل الصور كتبت أسمائهم و ظهر في أعلى الملصق اسم الفرقة بخط عريض و في الاسطر التي تلتها  نشاهد التقديم و التعريف بالعمل المسرحي و على جانبي هذا التقديم تظهر أسماء العناصر البارزة في العمل المسرحي,إلا أن الغريب في الأمر ظهر بعد تلك الفترة من الزمن ملصق مسرحية (أهل الكهف) الذي طبع في سنة 1966م خلا تماما من أي صورة فوتوغرافية أو رسم يدوي وظهرت أسماء الممثلين و المؤلف و المخرج في توزيعا هندسي من الوسط و على الجانبين, و في  أعلى الملصق كالعادة كتب اسم الفرقة و في صدره عنوان المسرحية و ظهرت في الأسفل أسماء الطاقم الفني وأسعار التذاكر للصفوف الأولى و التي تلتها و مواعيد ومكان العرض .. و استمر الحال على ما هو عليه في تصميم الملصق إلى منتصف السبعينيات دون أن يطرأ أي تغير, و خلت هذه الملصقات من أي لمسة فنية في تصميمه بحيث ظهرت كأنها إعلانات وظيفية  أكثر منها ملصقات دعائية مما يدل على إن الذين قاموا على تنفيذها هم أشخاص ليسوا مختصين في هذا  المجال, ولكن الملصق قد بدأ يأخذ طابعا مختلفا في تصميمه  فظهرت ملصقات اعتمدت في تصميمها على الرسوم و الخطوط الدعائية, كما استمر ظهور الصور الشخصية للممثلين ألا أنها اكتفت بصور الإبطال و بعض الشخصيات الرئيسية , وما ميز هذه الملصقات عما سبقها من ملصقات الأربعينيات و الخمسينيات و الستينيات بأنها طبعت بالألوان و صورت برسومات أحيانا كانت كاريكاتيرية تعبر عن فكرة المسرحية في إجمالها ولكن الفترة من النصف الأخير من الثمانينات و إلى نهاية التسعينيات  قد جاءت بملصقات حملت على صفحاتها صور فوتوغرافية تصور مشهدا من أحداث العمل المسرحي ,واستعمل الخط الدعائي بشكل جيد بحيث يضفي لمسة جمالية على الملصق,وأخيرا اتخذ الملصق منعطفا آخر في بداية الألفية الثالثة بسبب دخول الكمبيوتر مجالات الحياة و انتشار برامج التصميم و الدعاية ( اﻠﭭرفيك ديزاين) و بروز شباب يحسنون استعمال هذه التقنيات , فظهرت ملصقات تحمل على صفحاتها مشاهد أو أفكار تعبر عن العمل المسرحي و بتصميم بدا إخراجها يعكس روح العصر في شكله و تميزت ببساطة الشكل و اختفاء الصورة الشخصية الجامدة للممثل التي استبدلت بصورة حركية يعبر فيها الممثل عن الدور الذي يلعبه في العمل المسرحي اضف إلى هذا التأثيرات التي أتاحتها  تقنية الكمبيوتر , هذه العناصر قد أعطت الملصق ثوبا جديد يمكن أن يقال عنه بأنه يجدب عين المشاهد و يستثير فضوله لمشاهدة العمل وهذا التطور في التصميم يواكب أيضا التطور الذي حدث في العمل المسرحي في كل جوانبه, و من يشاهد منا الملصق الذي قدمتة فرقة الأنوار لعملها (انتحار رائد الفضاء ) و الذي صور رواد الفضاء خارج الغلاف الجوي و تظهر الأرض خلفهم و هم يسبحون بجوار مركبتهم الفضائية , وأقول من يشاهد هذا الملصق سينجذب إليه و سيستهويه مشاهدة هذا العمل لان الصورة تستثير مخيلتنا , و هذا هو الدور الذي يجب أن يقوم به الملصق الجيد لصالح العمل المسرحي و هو دور مهم جدا لان الكثير من الإعمال المسرحية الجيدة نجد أن ملصقاتها لا ترتقي إلى مستواها الفني مما يؤثر بشكل مباشر و غير مباشر على العمل المسرحي ..... و الملصق و وسائل الدعاية الأخرى هي في الحقيقة العنصر الثالث في العمل المسرحي بعد الممثل و الطاقم الفني إن صح التعبير .                                                           

المئـــويــة للمسرح الليبــي عيـديــة
بقلم / شرف الدين سعيد العلواني

باقات من الورود نمت وترعرعت ففاحت روائحها الذكية بفضل تربتها البكر والعرق الذي سقاها من جبين رواده ومحبيه وعشاقه ومن غيره مسرح بلادي الجماهيرية يقدم لهم في مئويته هذه الهدية في عيده وعيدهم.
 في عام ( 1908 ) قدمت فرقة محمد قدري مسرحية بعنوان الحرية من مدينة طرابلس الغرب هذه المدينة وبحكم مركزها الجغرافي والتجاري والاستراتيجي كانت جامعة للأدب والأدباء والعلم والعلماء والفن ومبديعيه وإذا ما حسبنا الحسبة سنجدها مئة عام وهنا جاء ذكر المئوية إلا أننا لو تعمقنا ورجعنا إلى مصادر أخرى عديدة لوجدنا أن العمر أكبر من ذلك وهذا لا يضر المئوية ولكن يزيدها فخرا وقوة وتأكيد وجود فعلي لثمارها ها نحن نجنيها الآن بهذا الكم الهائل من الفرق المسرحية وأعمالها التي صارت مثل الماء والهواء للجماهير سواء في مدينة بنغازي النشطة أو طرابلس أو درنه  أو طبرق مروراً بالبيضاء والمرج أو المدن الواقعة بين طرابلس وبنغازي كالخمس ومصراته وسرت واجدابيا ونتجه جنوباً من الجفرة بواحاتها الخمس الجميلة وعروسها هون ووصيفة العروس زلة إلى سبها كعاصمة للمدن المحيطة بها والتي ساعدتها الإذاعات المحلية في إزاح الستار عن هذه الإبداعات ..
تذكر بعض الأبحاث أن الفن المسرحي الليبي يعود إلى العام ( 1878 ) ويؤكد هذا الأستاذ المهدي بوقرين في كتابة المعنون تاريخ المسرح في الجماهيرية وقال الفقيد الأستاذ "علي صدقي عبدالقادر" إن المسرح بدأ فعلياً في عام ( 1880 ) وعلى كل فإن هذه التواريخ التي ذكرتها أن أكدت مئوية المسرح الليبي  حيث تتالت بعد ذلك تواريخ التأسيس والبدء الفعلي للحركة المسرحية في ليبيا.
ها هو المرحوم محمد عبدالهادي يؤسس فرقة مسرحية بمدينة الزهور والفن درنة عام ( 1930 ) يقدم أول عمل مسرحي ( هارون الرشيد ) لتتوالى وتستمر عروضها بعد ذلك ويأتي عام ( 1936 ) لتتأسس أول فرقة مسرحية بمدينة بنغازي على يد رجب البكوش رحمه الله وكذلك إبراهيم بن عامر ويلحق بركبهم إبراهيم مفتاح العريبي ورجب العقوري والمرحوم فرج سعد الطيرة والمرحوم عبدالله المسماري وغيرهم الا وهي فرقة المسرح الشعبي التي توالت أعمالها ولا زالت إلى اليوم ومنها تأسست عدة فرق أخرى منها المسرح الوطني على يد إبراهيم العريبي والمسرح الحديث على يد محمد بن حريز وعلى أبو  جناح والمسرح العربي على يد عبدالحميد المالطي والمسرح العام على يد عبدالهادي الكوافي وعلي بحيري والمسرح الأخضر على يد رافع الحبتي وهاشم الفيتوري ومسرح هواة الفن الجماهيري على يد مجموعة من شباب بنينة والمسرح الجوال على يد سليمان الدينالي . 
لقد كان المرحوم رجب البكوش ولتأثرة بمسرح فرقة هواة التمثيل بدرنة رائداً للمسرح ببنغازي حيث كان يكتب ويخرج ويمثل وكان يمتاز بخفة الدم وروح الفكاهة وله تأثير بالغ في محيطه وقدم العديد من الأعمال تحت أسماء مختلفة كفرقة الشاطئ بمسرحية ( الوفاء العربي ) وفرقة رابطة الشباب وفرقة هواة التمثيل وجميعها انبثقت من فرقة المسرح الشعبي.
كان للمسرح الليبي بعد مئة سنة ثابتة وهي من ( 1908 ) إلي عام ( 2002 ) دور حقيقي وأساسي في محاربة الظلم والفساد والغزو الصليبى البربري على بلادنا وفضح لكل من تسول له نفسه أن يمس ترابها وكان للمسرح الليبي دور ترشيدي تعليمى توجيهي ترفيهي  نقدي بارز ترك آثاره على الأجيال التي تلاحقت وكان رواده على رأسهم الشيخ عبدالله جمال الدين الميلادي ومحمد قدري ومحمد مصطفى شرف الدين الذي أسس فرقة غنائية مسرحية تحت اسم رابطة الشباب السعداوي عام ( 1929 ) وكتب واخرج لها العديد من الأعمال ومصطفى الأمير ورجب البكوش ومحمد عبدالهادي وأنور الطرابلسي و إبراهيم بن عامر و أحمد قنابة والدكتور مصطفى العجيلي ورجب العقوري ومختار الأسود وقد كان للمسرحي والشاعر أحمد قنابة دور كبير في المسرح الطرابلسي بعد أن أسس فرقة من طلبة الفنون والصنائع وقدم من خلالها العديد من الأعمال المسرحية أصبحت امتدادا له ولا ننسى أيضاً محمد حمدي أبوبكر وإبراهيم الأسطى عمر وغيرهم كثيرون الذين بذلوا الجهد والعرق ضحوا بالغالي والرخيص وتحملوا ويلات العذاب والحساب من المستعمرين وغيرهم من عملاء حكومات العهد البائد إلى أن انبلج نور فجر الحرية بثورة الفاتح من سبتمبر فاعترفت وكرمت الرواد و شجعت اللاحقين وأقامت المعاهد والكليات والمسارح وشجعت الفن حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم وإذا ما ثبتنا عام ( 1908 ) كبداية للمئوية المسرحية في ليبيا فإننا ولابد أن نعترف ونعرف ونؤكد أن تاريخ المسرح في ليبيا يرجع إلى ما قبل ذلك بقرون والمسارح الأثرية الإغريقية والرومانية بشحات والبيضاء وطلميثة وسوسة ولبده وصبرا ته هي دليل على وجود المسرح آنذاك أي إلى القرن الرابع قبل الميلاد وعلى المستوى العربي إذا ما اعتبرنا أن البداية كانت بالشام حيث مسرح مارون النقاش عام ( 1847 ) وشقيقه نقولا ثم بيروت ثم مصر عندما أسس سلامة حجازي عام ( 1905 ) فجورج أبيض عام ( 1912 ) هنا نجد أن التواريخ متقاربة بيننا وبينهم بل قد نكون سباقين إذا أكدنا أن أول تاريخ للمسرح الليبي هو ( 1878 ) كما جاء في كتاب الأستاذ المهدي بوقرين تاريخ المسرح في الجماهيرية ..
ونؤكد هنا أن الظروف المتلاحقة التي ابتدأت بالحكم العثماني والغزو الإيطالي والحكم الملكي كانت سبباً في تعثر الحركة المسرحية رغم الكم الهائل من المحاولات الجادة بعزيمة الرواد الأوائل وإصرارهم ولولاها لكان العطاء أكثر لمعاناً وقوة ونفوذاً على مستوى الوطن العربي رغم هذا ولله الحمد فإن المئة عام الماضية أرست قواعد صلبة ومتينة للمسرح الليبي وهذا باعتراف كبار الأساتذة من الوطن العربي سواء بحضورهم مهرجانات المسرح بليبيا أو بتواجدهم في مشاهدة مشاركات المسرح الليبي في تونس والمغرب وسوريا والقاهرة وحتى ايطاليا نفسها إن الحديث عن المسرح الليبي شيق وطويل وبحاجة إلى وقت أطول وورق أكثر حتى يتم تأليف كتب عنه ولا بد لنا في هذه المشاركة احتفالاً بالعيد المئة للمسرح الليبي أن نؤكد تقديرنا واعتزازنا بالرواد الذين إذا غابت أجسادهم وبقيت أرواحهم وذكراهم حية بيننا بصمة على جدار الزمن والذين لا زالوا أحياء أطال الله عمرهم وعسانا نستفيد منهم في تسجيل ذكرياتهم وما سمعوه ممن سبق وما عاشوه واقعاً ملموساً أيضاً التلاميذ النجباء والمستجدون الذين قد صاروا هم  قادة دفة المسرح الليبي ونطمح منهم إلى المزيد من البذل والجهد والعطاء أما الدولة فلها أن تزيد من المعاهد المتوسطة والعليا ومن البعثات لمن سبقونا للأستزادة وكذلك إقامة دور العرض المسرحي في كل شبر من بلادنا كون المسرح أستاذاً له أن يعلمنا ويرشدنا ويوجهنا نحو الأصلح .
هنيناً لنا جميعاً بعيدنا العيد المئة لمشوار المسرح في بلادنا ومن عيد إلى عيد نجاح وبناء وتشييد ودائماً تجديد في تجديد .

 




























من يحتفل بمئوية المسرح الليبي ؟!!
أحمد الغماري - هدى الغيطاني - سوزان الغيطاني

 واقع مأزوم ومهزوم، ومتضررون يصرخون ولايجدون إلا آذاناً صماء ومسرحاً تزلزلت خشبته وتصدعت.. إنه وصف بسيط للحال الذي وجدنا عليه مسرحنا الذي يحتفل هذا العام بعيده المئة رغم أن الناظر لواقع المسرح الليبي لا يصدق أن عمره مئة عام خاصة إذا كان قد حضر الاحتفالية المتواضعة جداً والتي أقيمت  في هذه المناسبة والمؤسف أنها كانت بالمجهود الذاتي من فرقة غفران للأعمال الفنية والمسرحية بإخراج الفنان صالح أبو السنون يوم الخميس الماضي أما المؤسسات الرسمية فربما لا تعلم أن هذا العام هو المئة للمسرح الليبي بل قد لاتعلم أن ليبيا بها مسرح أصلاً،  هذا ليس تهكماً على مسوولينا بقدر ماهو محاولة لتحريك سكونهم المميت الذي لمسناه بأنفسنا عندما أجرينا لقاءات مع المثقفين والفنانين والممثلين في مسرحنا الوطني فأثناء دخولنا للمسرح ومشاهدة الاحتفالية وجدنا لفيفاً من الممثلين والفنيين والمثقفين يتجاذبون أطراف الحديث قبل الدخول للمسرح كان من بينهم الفنان يحيي عبدالسلام والفنان عبدالله الشاوش الذي لم يعطنا فرصة لنسأله بل اندفع هو وسألنا من يحتفل بمئوية المسرح ؟! ..وارتسمت على وجهه علامات الامتعاض والرفض لواقع المسرح الليبي الذي وصفه بأنه لم يقدم شيئاً للفنان مقارنة بالمسارح العربية... وأضاف أن وضع المسرح الليبي بهذا الشكل يجعل الناس تقول إن لا ثقافة أو مسرح لدينا، وتدخل الفنان الكبير يحيي عبدالسلام قائلاً:-
لقد قدمنا مسرحاً حقيقياً في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات واعتمدنا في ذلك على الموهبة لكن هذا الجيل الجديد لم يقدم شيئاً بالتالي فالمسرح الجديد هو عبارة عن سراب وأوهام مقارنة بالمسرح الذي قمنا نحن بتأسيسه في الماضي رغم اعتمادانا على مجهودات فردية لأن الدولة لم تقدم شيئاً للمسرح فقط تقوم كل بضعة أعوام بتنظيم تظاهرة مسرحية وفي مستوى ضعيف ... مثلا في مدينة طرابلس كيف يقدم ثلاثة عروض في يوم واحد رغم عدم توفر مسرح جيد ويطلق عليه اسم مهرجان مسرحي وكل ذلك للحصول على مال.. إن مايقدم من أعمال مسرحية تحمل هذا النمط جعل المسرح يهتز وهنا قاطعه الفنان عبدالله الشاوش وعلامات الأسف ترتسم على ملامح وجهه قائلاً: - نحن دولة لا تحترم المسرح ولا تحترم الفنان الليبي حتى في الحقوق المادية في العمل المشترك، فلماذا لا تنشر أجور الفنانين الليبيين في الصحف كما هو في الدول الأخرى؟.... وبعد لحظات أضاف أن الفن الحقيقي هو موهبة وثقافة وليس مؤهلاً علمياً كما أن الظهور على المرئية لمرة أو مرتين لايعني النجومية بل الرصيد المسرحي هو الذي يصنعها.
وفي سؤالنا عن ظاهرة المنتج المنفذ ومدى تأييدهم لها أجاب الفنان يحيي عبدالسلام قائلاً :- إن هذه الظاهرة التي خرجت في السنوات الأخيرة فكرة سيئة جداً فيجب أن تكون الجهة المنتجة شركة أو إذاعة ونعامل مادياً وفقاً للائحة لأن هذا سيضمن حصولنا على حقوقنا كاملة فمثلاً الممثلين الذين كانوا يعتبرون فريقاً أو ثنائياً تفرقوا ليقوم كل منهم بعمل منفرد ويرصد للعمل 120 ألف دينار ويتعاون مع 5 أو 6 آخرين ويعطيهم مبلغاً معيناً ولايعرف أين يذهب باقي المبلغ لذا أقول إن فكرة المنتج المنفذ والمخرج والبطل والكاتب خطأ لأن المنتج هو تاجر وما خالف ذلك فهو ( كلام فارغ ) .
وبعد رصدنا لهذه الآراء التي استشعرنا من خلالها مرارة وما يعانيه الفنانون توجهنا إلى قاعة المسرح وفي طريقنا إليها التقينا الفنان عيسى عبدالحفيظ فاستوقفناه ليفيدنا برأيه في فكرة إقامة مهرجانات في المدن فقال:إن إقامة مهرجان وطني للمسرح في منطقة معينة تعتمد على أن هناك مهرجانات قارة يجب أن تقام في ذات المنطقة التي أقيمت بها أول مرة وفي نفس الوقت هناك مهرجانات متنقلة ولكن مسرح الليالي طرابلس يجب أن يكون في طرابلس خاصة وأنها استضافته لثماني سنوات وبذلك نكون حققنا مهرجاناً معروفاً في ليبيا كمهرجان قرطاج في تونس والقاهرة في مصر ولتنشيط الحركة المسرحية في باقي مدن الجماهيرية يمكن عمل فروع لهذه المهرجانات كما في مصر وتونس.
"أويا" ما تقييمك لمراسم الاحتفال بمرور مائة عام على المسرح الليبي الحديث؟
* إن هذا الاحتفال لم ينل اهتماماً كافياً خاصة وأننا لم نحتفل باليوم العالمي للمسرح الذي يفترض أن نحتفل به كل عام ويمكن أن تتولى ذلك أمانة الثقافة على اعتبار أنها الراعي الرسمي للمسرح أو الهيئة العامة للمسرح التي كانت تحتفل به ولكنها غير موجودة الآن.
"أويا" هل يمكن الاعتماد على المسرح التجاري لتنشيط الحركة المسرحية؟
* إن تطبيق فكرة المسرح التجاري كمنشط للثقافة هو في الواقع استغلال وليس ثقافة لأن المواطن لم يصل بعد لدرجة الاهتمام المطلوبة بالمسرح وهذه مسؤولية أمانة الثقافة والمناشط المدرسية والهيئات الاجتماعية.
وفور انتهاء حديثنا هذا مر بجانبنا حسن السعداوي الممثل الذي يعتبر دماً جديداً ننتظر أن يضخ في عروق المسرح الليبيي الحديث فيساهم في إعادة النبض لقلبه فاستوقفناه لنرصد رأيه حول هذا الاحتفال وقبل أن نكمل سؤالنا أجاب وعلامات الرفض ترتسم على محياه نحن لانجد من يحتفل حقيقة بمرور مائة عام على المسرح الليبي فلا يوجد دعم من اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام أو اللجنة الشعبية للثقافة والإعلام طرابلس وهذا العمل أهلي يعتمد على دعم فردي ولم تقدم الدولة أي دعم أو مساعدة إلا في أرض المسرح الذي تسلمه لأي كان.
وحامت لحظات صمت قليلة ليقطعها مندفعاً ويجب أن يكون مثل هذا العمل الأهلي تنبيهاً للمسؤولين كي يتبنوا هذه الفكرة ويحتفلوا كل عام باليوم الوطني للمسرح الليبي.
"أويا" بما تفسر عدم مبادرة المسؤولين حتى الآن لاتخاذ خطوة إيجابية للنهوض بالحركة المسرحية؟
أجاب في صوت عالٍ يمتزج فيه الاستياء والسأم لأن المسؤلين الموجودين في الثقافة لا علاقة لهم بالثقافة وهؤلاء الذين تقلدوا هذه المناصب لا يوجد  منهم من ألف كتاباً أو كتب شعراً أو حتى يعرف قيمة عمل يقدم له بل ربما نجد منهم من لم يشاهد مسرحية طوال حياته ؟؟
أويا :/ كحل لكل هذا التخبط هل تؤيد فكرة المسرح التجاري ؟
طالما أن الدولة لا ترغب في تقديم شيئاً للمسرح فيمكن اعتبار أنها فكرة جيدة ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن تطبيق هذه الفكرة في بنغازي كان لها وضع خاص لأن مناخ المدينة ساهم في نجاح العمل المسرحي نظراً للزيارات المتبادلة والمستمرة بين فناني مصر وبنغازي إضافة لروح النكتة والفكاهة التي يتمتع بها أهل المنطقة ولاننسى الدعم الذي يقدم لمسرح بنغازي بينما هو غائب عن مسرح طرابلس .
ولاستكمال رصد الآراء اعتلينا خشبة المسرح وتجولنا بين الفنانين خلف الكواليس فالتقينا الفنان صلاح سنون مخرج وممثل الذي قال في عجالة: نحن نتساءل لماذا لم تحتفل اللجنة الشعبية العامة للثقافة بمئوية المسرح الليبي الحديث واحتفلت به فرقة أهلية مع العلم أننا نعد له من شهر الربيع - مارس،
ثم أعطينا لاقط الصوت للفنان  - علي دعدوش- الذي كان يقف بالقرب منه بعد أن ارتدى ملابس الدور الذي سيمثله بالمسرحية ووضع المكياج اللازم لإتقان الدور وقال في أناة إن المسرح الليبي يعاني من رفع أيدي المسؤولين عنه رغم أن الخطاب الرسمي يفرض دعم أي جهة مسؤولة  تملك وعياً بضرورة وأهمية المسرح والفن ولا أعلم سبب ذلك فهل هو نفاق داخلي أم هناك خللاً أم يوجد دعم ولكن لم يصل ؟!!
أويا / بما تفسر غياب الحركة المسرحية في ليبيا ؟
إن غياب المسرح خاصة في مدينة طرابلس عاصمة ليبيا وعاصمة الثقافة الإسلامية سابقاً يعني أن الحياة الثقافية فيها ميتة خاصة وأن المسرح سيدالفن بكل معاييره لذا أقول أن هناك هوة بين الإعلام كخطاب والإعلام كثقافة .
أويا / هل يمكن أن يكون المسرح التجاري بديلاً ؟
 لا، لأن المسرح التجاري هو أيضاً بحاجة لرأسمال ليكون محركاً ، ورأس المال لن يُجازف لعدم توفر مسارح وفنانين وكتاب ولكن بشكل عام لايمكن الحكم على فكرة المسرح التجاري إلا إذا تم خوضها.
وعندما نزلنا من على خشبة المسرح وجدنا مصطفى المصراتي الذي يمتد عمره المسرحي لأكثر من 40 سنة فسألناه عن رأيه في هوية المسرح الليبي بل إن كان للمسرح الليبي هوية فأجابنا في ضيق إننا لا نملك هوية ثابتة لمسرحنا في إطار التخبط بين المدارس المختلفة وساعد على ذلك عدم عرض مسرحيات إلا في المناسبات الوطنية أو الدينية ولا تتوج بالاستمرارية لذا لانجد عائلات تدفع ثمن تذاكر لتدخل للمسرح كما في دول شقيقة.
أويا / ما تقييمك لهذا الاحتفال الذي يقام بمناسبة مئوية المسرح الليبي ؟
المئوية تستحق الكثير من الاهتمام والدعم وكان يفترض بالجهات المسؤولة أن تتبنى هذه الاحتفالية على اعتبار أن أمانة الثقافة والإعلام هي الباب الواسع لاحتضان المسرح والمسرحيين والفرق المسرحية ، وأعتقد أن عدم الاهتمام بالمسرح يعود لتعدد اهتمامنا نحن المسرحيين خاصة وأن ظروف الفنان لها دور كبير في هذا، ففي السابق كنا نعيب على أساتذتنا في شكواهم من قلة الدعم وها نحن نشكو من ذات الموضوع لذا لا يمكن أن نعفي الدولة من التقصير ، فمثلاً تقام خلال الفترة القادمة الدورة الحادية عشرة للفنون المسرحية في مدينة درنة تقريباً ولم يصُرف لنا حتى الآن أي مبالغ مالية لذا أقول لامسرح بدون دعم.
وبعد برهة صمت قال صحيح أن المسرح أستاذ الشعوب ولكن يجب أن يتم تشجيعه مادياً ومعنوياً .
أويا / بحكم خبرتكم الطويلة في مجال المسرح هل لديكم تصور لتطوير الحركة المسرحية وتشجيعها ؟
أولاً يجب الاستفادة من التجارب السابقة فمثلاً قمنا في الماضي بعمل مسرحيات مقتبسة من المناهج المدرسية واستفاد الجميع منها حيث ظهرت المواهب واستفاد الطلاب ، كما يجب أن يكون المسرح هو المسرح الواقعي الذي ينقل الحياة الاجتماعية، أما مسرحيات شكسبير فهي تخص طبقة معينة فقط .
أويا / وماذا عن دعم القطاع الخاص للمسرح ؟
هذا الدعم موجود ولكن في المناسبات الوطنية في حين إنه في مصر أصبح تجارة إلا أن هناك وعياً بقيمة الفن المسرحي رغم أن أغلب العارضين كانوا طلاباً في أخر عمل شاهدته بالإسكندرية ومع ذلك كانت الصالة ممتلئة بالجمهور المتلهف لمشاهدة العرض .
وفور انتهاء العرض المسرحي ووسط الزحام والضجيج اغتنمنا فرصة اختطاف لقاء سريع مع - علي الخمسي - الذي سألناه إن كان هذا الاحتفال يليق بمئوية المسرح الليبي الحديث فقال في تعجب أين هو الاحتفال !!؟ ثم تدارك الحديث قائلاً هذه الاحتفالية متواضعة جداً ولم تتبناها أمانة الثقافة والأعلام أو الفرق المحلية أو المسرح الوطني لذا لا أستطيع أن أسمى هذا العمل احتفالاً والسبب في ذلك هو غياب التخطيط أو غياب الاهتمام ، فلا يمكن أن يُطلق على فرقة صغيرة أهلية بسيطة عمرها قصير أنها وقعت بأسمها احتفالية بمئوية المسرح الليبي الحديث وأنا في هذا لا أشك في تاريخ المسرح الليبي وإمكانياته وقدرات ممثلينا ومخرجينا ومؤلفينا ولكن هذا الاحتفال غير رسمي فهناك مكتب متخصص في أمانة الإعلام كان يجب أن يشرف أو ينظم الاحتفالية ، ثم رفع صوته قائلاً بحماس أنا أدعو إلى إحياء مئوية المسرح الليبي خلال هذا العام وأخيراً أؤكد على أن الإمكانيات البشرية والمادية موجودة وكذلك مقومات العمل المسرحي فقط ينقصنا التخطيط .
وبعد لحظات وقع بصرنا على الهادي البكوش وبشير مبروك الذي كان يعبر عن استيائه من غياب المسرحيين عن هذا العمل وأرجع ذلك لعدم وجود إدارة وغياب التنسيق وضعف الإنتاج لذلك أرى أن الحركة المسرحية الآن في غيبوبة فهناك مسرح ولكنه غائب والمسرحيون متوفرون ولكن لا أحد يتبناهم فهناك مجموعة كبيرة من الخريجين وذوي المواهب ولكن أين هم في الفرق المسرحية ، وتدخل بشير المبروك قائلاً: إن مسرحنا بحاجة لتوجيه فالمسرح مدرسة ونحن لانستطيع أن نرفض نوعاً معيناً من المسرح ولكن المشكلة في بداية هيكلة الفرق من جديد خاصة وأن الفرق تحتاج لدعم مادي كبير ، وأكمل يشير المبروك أن عمل ممثلي المسرح في المرئية أثر بشكل كبير على العمل المسرحي وبالتالي يصبح وقته منشغلاً بتدريبات المرئية خاصة وأنه سيحصل على مقابل مادي أما هنا فقد لايحصل على شيء كما هو الحال معنا في بعض الأحيان .
وأضاف في اندفاع إنني لاأؤيد دخول القطاع الخاص للمسرح فهذا غير صحيح لأنه فشل في مصر وأصبح لايقدم مضموناً إلا إذا كان هناك تفاعل ، فاعترضه مخالفاً للرأي الهادي البكوش إن العمل سيباع ولكننا لانملك أرضية ليبنى عليها القطاع الخاص لأنه يسعى للربح  أولاً ولكن الاستمرارية ترتقي بالعمل.
وكان ختام لقاءاتنا مع أحمد القطعاني منتج هذا العمل الذي مثل الاحتفال بمئوية المسرح الليبي والذي لم تتذكره جميع هيئات الدولة وقال في حديثه القصير إلينا : إن هذه الاحتفالية يقصد بها توجيه رسالتين الأولى تنبيه الجهات المسؤولة علّها تفيق وتعتني قليلا بهذا الابن العليل وهو المسرح ، والرسالة الثانية هي إجابة على بعض التساؤلات التي قد تثار لدى الناس ومن خلال المسرح يجاب عنها وفي هذا رفع لقدر المسرح وتشجيع له ، كما أن هذا الاحتفال جماهيري أقيم بمناسبة مرور مئة عام على المسرح الليبي الحديث وهو ليس احتفال الدولة لأنها غائبة عن هذا الأمر ، وهذا العرض من تمويل فرد وبعيد كل البعد عن الدولة .
هذا ليس إلا غيضاً من فيض وقطرة من كأس ما جعلنا حريصين على رصد آراء عدد كبير من المختصين والمتضررين كي لايمر هذا التجاهل لمئوية المسرح الليبي الحديث مرور الكرام ، ونؤكد لقرائنا أن هذا التحقيق ليس إلا جزءاً من سلسلة تحقيقات ستتواصل حتى بداية العام الجديد .













الإدارة المسرحية في المسرح الليبي
بقلم / عبدالله مفتاح هويدي 

تعرف الإدارة المسرحية على أنها جهاز مهم من أجهزة المسرح التي تمثل الجانب التقني والفني في عملية الإنتاج المسرحي.. وهي الجهة التي تتولى تسيير وتنظيم الأجهزة التقنية والفنية والتنسيق بين الأطقم البشرية العاملة بهذه الأجهزة الذي نشترك في تجسيد العمل المسرحي وبعث الحياة فيه وتقديمه كعرض مسرحي متكامل..
وكانت الإدارة المسرحية في السابق مهمة من مهمات المخرج الذي يكون في أغلب الأحيان مديراً للفرقة المسرحية والمؤلف والمخرج والممثل الأول بها ويتخذ من أعضاء الفرق كفريق مساعد له بالنسبة للخدمات الإنتاجية إلى جانب مشاركتهم في العرض المسرحي كممثلين..
غير أن التغير والتطور الذي طرأ على ممارسة الفن المسرحي وحرفيته من ناحية تقنية وفنية وإتساع مجالات الخدمات الإنتاجية والفصل بين المهمات الإدارية والفنية وظهور وظائف جديدة لها اختصاصاتها من حيث هيكلية المؤسسات المسرحية والفصل بين هذه الوظائف ووضعت القوانين واللوائح لذلك وبناء على ذلك برزت الإدارة المسرحية التي تختص بإدارة الحيز الذي عليه التمثيل أي الخشبة أو المنصة..
وأسندت مهمة الإدارة المسرحية قياديا إلى شخص تكون لديه خبرة ودراية بشؤون المسرح عامة والجانب التقني والفني والحرفي خاصة.. ويأتي مركز هذا الشخص بعد المخرج في التسلسل التقني والفني وهو يعد بمثابة المخرج المنفذ المعروف في الخيالة والمرئية..
والحديث حول وجود الإدارة المسرحية في المسرح الليبي عبر تاريخه الذي يزيد عن قرن ونيف من الصعوبة بمكان إذ أن الوثائق والمصادر التاريخية من مكتوبة ورواية شفهية لم تتعرض لذكر ذلك لا من قريب ولا من بعيد..
فلا وجود لذكر الإدارة المسرحية لا في الكتيبات ولا في الملصقات والإعلانات كما أن ما دون في الصحف والمجلات من مقالات حول الفن المسرحي في بلادنا وحتى الكتب التي ألفت أو أعدت في مجال تاريخ الحركة المسرحية لم تتطرق إلى ذلك..
بالإضافة إلى الفرق المسرحية العربية والأجنبية والشرق والغرب في أوائل القرن العشرين خلت إعلاناتها هي الأخرى وملصقاتها من مصطلح الإدارة المسرحية إلا نادراً أو تحت مسميات عديدة أغلبها من المفردات الأجنبية التي انتقلت إلى ثقافتنا الفنية العربية عندما تعرف الوطن العربي على الفن المسرحي الأوروبي الغربي في منتصف القرن التاسع عشر وما زالت هذه المصطلحات مستعملة حتى اليوم خاصة في الجزئية التقنية والفنية والحرفية في الفن المسرحي رغم أنه تم تقريب الكثير منها..
ولا شك أن الزيارات المتعددة للبلاد من طرف الفرق العربية والأجنبية اعتمد عليها كثيراً في مرحلة النشأة والتأسيس من حيث محاكاتها وتقليدها والتأثر بها في تقديم العروض المسرحية وكانت مهمات واختصاصات الإدارة المسرحية تسند إلى أعضاء الفرق الذين يقومون بذلك جماعياً تحت إشراف وإرشاد وتوجيه المخرج إلى كونهم ممثلين كما ذكرنا سابقاً..
هذا بالإضافة إلى أن تقنية وفنية الكتابة المسرحية ومعرفة أصولها وقواعدها غير معروفة والسبب يرجع إلى أن الانتماء إلى هذا المجال وممارسته يعتمد على الموهبة والهواية وليس على الدراسة والممارسة المبنية على أسس علمية وموضوعية إذ أنه لا توجد كليات جامعية أو معاهد عليا متخصصة في تدريس الدراما وفنونها عامة والمسرح خاصة..
والاحتكاك بالفرق الزائرة كان قليلاً بحيث لم يتمكن العاملون في مجال المسرح من الاطلاع على الفن المسرحي وخصائصه الفنية مما جعل العملية تعتمد على الاجتهاد حيناً وعلى التقليد والمحاكاة حيناً آخر..
أما فيما يتعلق بكتابة المسرحيات فكانت تكتب باليد ويقوم كل ممثل بنسخ دوره فقط ولم يكن هناك تسجيل للحركة أو وضع رموز خاصة بالإضاءة والموسيقا التصويرية والمؤثرات الصوتية بالإضافة إلى وضعية نواقل الصوت التي تربك من حركة الممثلين فوق الخشبة.
وانتقال النمط الأوروبي للفضاء المسرحي من حيث البناء والمعمار الخضم في نقل المعمار المسرحي الإيطالي المعلق الذي ينقسم إلى خشبة أو منصة خاصة بحيز التمثيل وإلى قاعة للمشاهدين إضافة إلى الشرفات في المسارح ذات الطوابق المتعددة..
وسواء ظهرت فرق مسرحية مارست هذا النشاط واختفى بعضها أو تلك المجموعات من الفنانين الذين كانوا يعملون داخل الأندية الرياضية التي تجمع بين النشاط الرياضي والثقافي والاجتماعي أو الجمعيات الموجودة في ذلك الوقت..
ووجود الإدارة المسرحية أو عدم وجودها يتعلق بالمرحلة الممتدة من سنة 1975م إلى سنة 1950م..
وما أن حل النصف الثاني من القرن العشرين حتى برزت إلى الوجود فرق مسرحية ودب النشاط من جديد في الفرق التي كانت قائمة.. وأوقفت نشاطها أبان الحرب العالمية الثانية 1939-1945م..
مثل فرقة هواة التمثيل التي أسسها المرحوم محمد عبدالهادي بدرنة سنة 1931م والفرقة الوطنية للتمثيل والموسيقا التي تأسست سنة 1936م بطرابلس وفرقة الشباب التي أسسها المرحوم رجب البكوش وزملاؤه في بنغازي وغيرها من الفرق وانتشر النشاط المسرحي بالمدارس وأصبح العمل المسرحي يقدم في عرض خاص وليس كفقرة في حفل منوعات فني في كثير من الأحيان..
ونظراً لجملة الأسباب التي ذكرت مقدما فإن الإدارة المسرحية ما زالت متداخلة مع غيرها من الخدمات الإنتاجية وقد ظهر مصطلح المدير الفني كعضو في الهيئات الإدارية للفرق إلا أنه لم تحدد اختصاصاته.. وظل كمشرف عام على جميع الخدمات الإنتاجية التي يساهم فيها الجميع..
ولم تعرف الكتابة التقنية والفنية للفن المسرحي ونتيجة لذلك ما زالت الإدارة المسرحية غير معترف بها وليست مدرجة ضمن المناهج الدراسية بالكليات الجامعية والمعاهد العليا المتخصصة والتي بها أقسام لتدريس الدراما بأنواعها والفرق المسرحية هي الأخرى لا تستطيع إعادة عروضها لعدم وجود نسخة تضم مخططات العرض المسرحي تقنياً وفنياً وأدبياً حتى يعطى من درس في الخارج أو ذهب في بعثة تدريبية في مجال الفن المسرحي وعاد لم يعر اهتماما بالإدارة المسرحية ويتولى كل شيء بنفسه مما جعل العملية الإنتاجية للعرض المسرحي أحادية الجانب من طرف المخرج دون غيره..
ولا يفوتني هنا الإشارة إلى أن دائرة الشؤون المسرحية التابعة للإدارة العامة للفنون والآداب قد جلبت من جمهورية مصر العربية مجموعة من رجالات المسرح المتخصصين في الإدارة المسرحية بغية إقامة دورات تأهيلية في شؤون المسرح سنة 1972م وهؤلاء الأساتذة هم:
- عاصم بدوي
- محمد محمود
- سليمان عبدالهادي
- نبيل الشاذلي
وأقيمت في تلك السنة دورات تأهيلية في المسرح وشؤونه بكل من درنة وبنغازي ومصراته وطرابلس.. هذا بالإضافة إلى أن اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام أقامت دورتين في كل من طرابلس وبنغازي بمناسبة انعقاد الدورتين التاسعة والعاشرة للمهرجان الوطني للفنون المسرحية 2006-2007مسيحي.. وكان لي شرف المساهمة البسيطة المتواضعة للمشاركة في هاتين الدورتين مع الزملاء الدكتور صبري محمد والأخ عبدالعزيز الزني بإلقاء محاضرات فيما يتعلق بالإدارة المسرحية إلا أن نتائج ذلك لم تلمس ولم يكن لها تأثير يذكر في عروض المهرجان خلال الدورتين..
وقد انصب اهتمامي بالإدارة المسرحية منذ ستينيات القرن الماضي..
عندما كنت عضواً بفرقة الأمل للتمثيل المسرحي 1957-1973مسيحي وذلك بالاطلاع على الكتب المتخصصة بالناحية التقنية والفنية والحرفية خاصة تلك التي تتحدث وتتناول الإخراج فهي تحوي بين طياتها معلومات وافرة حول هذا المجال أي -الإدارة المسرحية- مع الممارسة من خلال المسرحيات التي قدمتها الفرقة طيلة تواجدها..
ووقع علي الاختيار ضمن مجموعة من الزملاء للإيفاد إلى جمهورية مصر العربية في بعثة تدريبية في مجال الإدارة المسرحية وإدارة شؤون الفرق صحبة الزملاء عبدالله التركي وعبدالحفيظ ابوسبولة..وتتلمذنا على الأستاذ عاصم بدوي مدير الإدارة المسرحية بالمسرح القومي بالقاهرة بالإضافة إلى حضوري كمستمع بالسنة الأخيرة بمعهد التذوق العالي للفنون المسرحية بالقاهرة..
وحاضرنا في الأدب والنقد المسرحي المرحوم د.رشاد رشدي بالإضافة إلى حضوري بالمحاضرات الخاصة بالموسيقا التصويرية.. مما جعلني ألم إلماماً غير بسيط بالموسيقا العالمية والعربية ومعرفة آلاتها ودرجات أصواتها وإيقاعاتها ونغماتها.. وكذلك الصوت البشري وأنواعه ودرجاته وكانت المحاضرة لهذه المادة الدكتور رتيبه الحفني كما حظينا بالمشاركة في الأعمال المسرحية التي قدمها المسرح القومي بالقاهرة بجمهورية مصر العربية خلال الموسم المسرحي لسنة 1973مسيحي..
وقد أفادتني هذه الدورة رغم قصرها والتي لا تتعدى مدتها ستة أشهر كثيراً في دراسة أدب وفن المسرح من حيث النقد والتحليل والقراءة والدراسة والبحث والذي ما زلت أمارسها وأتابعها حتى الآن..
وأخيراً أرجو أن أكون وفقت في إعطاء صورة للإدارة المسرحية بالمسرح الليبي حسب معلوماتي البسيطة وثقافتي المتواضعة وخبرتي التي تساوي نصف قرن من الزمن..
ولا يسعني أن أقول في ختام هذه الصورة القلمية للإدارة المسرحية بالمسرح الليبي للجيل الحاضر والأجيال القادمة "المسرح عرق ودموع ودم وليس طريقاً للشهرة أو لكسب المال".. والله من وراء القصد.






















علاقة جميلة كهذه..
."  تخاريف قديمة عن مسرح حقيقي وعشاق حقيقيين " 
بقلم / عبدالله الزروق

إن النسيج الدرامي الذي يختاره المخرج هو الفيصل وهو الأساس وعليه توضع جميع الأحداثيات وهو الذي يحدد درجة الوعي والمعرفة من خلال معركة أولية يحدد فيها المخرج نقاط التماس والاختراق لذلك النسيج عبر محاولات التطويع والذوبان أو التوازي فكثيراً ما يقف النسيج الدرامي صلباً عنيداً غير قابل للاختراق أو التطويع أو التفاهم عندها يكون الإخراج موازياً يحارب ويناضل من أجل قيمة يريد أن يحقن بها ذلك النسيج حتى يحدث التلاقح وفق قراءتين متوازيتين.. ولم أعرف زمن الستينيات فارساً حقيقياً يحاول فك طلاسم تلك الأنسجة إلا الفنان الراحل الأمين ناصف.. الذي كان عاشقا حقيقيا تفتحت مداركه منذ زمن الخمسينيات على المسرح العالمي.. هرباً من القوالب التقليدية وفراراً من الغرفة الإيطالية.. وفي عام ١٩٦٩ مسيحي، قدم على مسرح الغزالة مسرحية رائعة من المسرح الياباني وهي "راشومون" هذه المسرحية التي هزت الأمين ناصف هي نفس المسرحية التي حولها المخرج الياباني الشهير "أكيرا كيرومساوا" إلى شريط سينمائي هز العالم وحصد أغلب الجوائز بما فيها الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي، وهي ومضات إنسانية لحياة الساموراى ذلك المقاتل الفذ والولوج لأعماقه.. وعرضت هذه المسرحية في عام ١٩٦٩ مسيحي، أيضاً في مهرجان الجزائر للمسرح وأثنى عليها النقاد والفنانون واعتبروها طفرة حقيقية للمسرح الليبي.. وكانت هذه المسرحية من تمثيل سعاد الحداد.. محمد شرف الدين عبد الحفيظ أبو سبولة، أحمد الغزيوي، علي القبلاوي، سالم الشريف.
كانت فرقة المسرح الليبي تعرض في ذلك الوقت مسرحية "زهرة المدائن" من إخراج عاشق آخر من عشاق المسرح له مذاق آخر وتجربة أكثر عمراً المرحوم الأزهر أبو بكر حميد.. الذي أخرج هذه المسرحية وأعدها عن "أفول القمر" "لجون شتاينبك" وكنت ممثلاً  فيها وكانت من بطولة عياد الزليطني وعبد الله الشاوش والأزهر حميد.. ومفتاح شبشاب وعلي الرقيعي ومحمد الغرياني وغيرهم من الزملاء.. فاجتمعت هاتان المسرحيتان في عام ١٩٦٩ مسيحي، كما أقامت فرقة المسرح الليبي حفلاً بمناسبة النجاح الباهر لمسرحية "راشومون" وكان هذا أول لقاء حقيقي لي مع الأمين ناصف.. عرفت فيه أنه يرغب في إخراج مسرحية "سجناء الطونا" لجان بول سارتر.. واستمرت لقاءاتنا بعد أن بدأ في التدريبات على مسرحية "زهرة من دم" للكاتب سهيل إدريس.. وكان الراحل الأ زهر حميد متحمساً للاستفادة من انفتاح الراحل الأمين ناصف.. وقد كنت أحد الممثلين في هذه المسرحية رفقة عبد الله الشاوش وعياد الزليطني وعثمان إسماعيل وغيرهم.. ولكن هذه المسرحية لم تكتمل إذ توقفت التدريبات بقيام ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة.. ووسط فرحة الشباب وحماسهم استطاعت الفرقة أن تقدم مسرحية "وتحطمت الأصنام" في تاسع أيام الثورة ووسط حظر التجول وهي من تأليف وإخراج الأزهر أبو بكر حميد.. وأنا عندما أتكلم عن هذه المسرحيات لا أنفي جهود الفرق المسرحية الأخرى وهي فرق رائدة.. فقد كانت خشبة مسرح الخضراء "الحمراء" سابقا وأود في هذه السانحة أن أؤكد أن تسمية مسرح " الهمبرا" المقصود بها قصر الحمراء وليس اللون الأحمر.. كانت هذه الخشبة تحتضن الفرقة القومية في مسرحية "حلم الجيعانين" تأليف وإخراج الراحل مصطفى الأمير.. وذلك الدور الرائع لفنان الشعب محمد شرف الدين والفنان القدير مختار الأسود.. والعزيز البوصيري عبد الله الذي كنا نسميه شكري سرحان ليبيا.. وذلك التطور التقني الذي ظهر في هذه المسرحية عبر سينوجرافيا فريدة في مشهد القبور حيث استجلب المخرج مصطفى الأمير أزياء عليها هياكل عظيمة من إيطاليا.. وعند إضاءتها بالأشعة فوق البنفسجية لم تظهر إلا الهياكل التي يلبسها الممثلون وكانت تطوراً نوعيا لابد من الإشارة إليه.. وكنت ملقنا في هذه المسرحية وممثلا في مسرحية "زهرة المدائن" وأدت الراحلة فتحية القمودي وهي من الممثلات الجيدات دوراً متميزاً.. وما دمنا تكلمنا عن السينوغرافيا لابد لي أن أذكر ذلك الديكور الرائع للفنان علي عثمان وهو منظر الغابة.. فقد قسم المسرح بخلفية من "الشيفون" لكي يضمن ضبابية الغابة وكذلك مكياج سالم الشريف ومحمود زميط.. وكانت الفرقة الوطنية قد أنهت مسرحيتها "حسناء قورينا" تأليف د. علي فهمي خشيم.. وإخراج الأستاذ خالد مصطفى خشيم التي عرضت في مهرجان المنستير للمسرح عام ١٩٦٨ مسيحي.. وكذلك الحضور الرائع للمسرح الشعبي ببنغازي في "بيت الله الحرام" على مسرح الغزالة.. من إخراج عمر الحريري وفيها الرائعون فرج الربع ومنصور فنوش الذي لن أنسى مسرحيته الرائعة "البخيل" ومحمد بن حريز وغيرهم من الأعزاء.
أعود مرة أخيرة إلى الأمين ناصف الذي لم نستطع أن نستثمره والذي لم يطرق بابه أحد تلك الطرقات التي تعيد إليه الحنين وتفتح أبواب قلبه.
عندما بدأت في الإخراج عام ١٩٧٢ مسيحي، كان اختياري لمسرحية "الحضيض" للكاتب الروسي الكبير مكسيم جوركي صعباً ففي زمن سطوة الأعمال الواقعية لن نستطيع النفاذ بسهولة.. ولن ترضي مهما فعلت أذواقهم.. ولن نستطيع أن نتكلم عن المذاهب المسرحية ولا تحطيم الحائط الرابع.. الذي كان مقدساً.. ومتينا، أشبه بسور الصين أو سور برلين أو حائط المبكى.
وفي يوم الافتتاح على مسرح الكشاف كان الراحل الأمين ناصف أول الحاضرين وأول المهنين.. كان ذلك عام ١٩٧٣ مسيحي، نفس السنة التي عرض فيها مسرحيته "الزير سالم" للكاتب العربي ألفريد فرج الذي قال عند مشاهدة المسرحية وفي كتبه فيما بعد بأن القراءة الليبية كانت أقرب القراءات.. كان عملا متكاملا برز فيه الفنان لطفي بن موسى ولطفية إبراهيم وعمران المدنيني وحميدة الخوجة.. وغيرهم من الزملاء وقدم الأمين ناصف في هذا العمل مسرحية من أهم المسرحيات الليبية.. وعندما تقدمت لإخراج مسرحية "سور الصين" للكاتب المسرحي "ماكس فريش" بالمسرح الوطني وبدأت تدريباتها.. وبعد ذلك أوقفت ولا أعلم إلى حد الآن لماذا أوقفت؟، كان الأمين ناصف هو المساند الحقيقي.. بل إنه أخذ مقدمة مسرحية "الزير سالم" من مقدمة مسرحية "ماكس فريش" سور الصين وأشار إليها في كتيب الدعاية.. وباشر بعد ذلك في إخراج مسرحية "السندباد" للمسرح الوطني.. ولكن خلافاً حدث حول الموسيقا التصويرية بعد نهاية الحركة والديكورات أوقفت بسببه المسرحية، وكانت آخر علاقة له بالمسرح.. استدعي في آخر سنوات عمره مرة عضواً في لجنة التحكيم، وكانت محاولة أخيرة قبل وفاته بقليل لإخراج مسرحية بالمسرح الوطني.
هذه تخاريف قديمة عن مسرح حقيقي وعشاق حقيقيين.. ملأوا خشبات المسارح بتجاربهم المخرج القدير محمد القمودي ومسرحيته "كاليغولا" لألبيركامو.. و"الضفادع " لاريسطوفان .. ومحمد العلاقي.. والطاهر القبائلي في مسرحية "وطني عكا".. التي مازلنا نتذكر صوت الممثل العملاق شعبان القبلاوي وهو يصيح وطني عكا.. عكا يا وطني.. وعلي أبو جناح وعبد الفتاح الوسيع وعلي ناصر وعلي الجهاني.. ومحمد إدريس.. وأتى بعدهم جيل جديد أصبح الآن يمتلك مقدرات المسرح بدخول الدراسة والتحصيل.. واضعين على عاتقه آمالنا وأحلامنا في قيام مسرح حقيقي.. حقيقي.. حقيقي.
 



















عبدالله القويري .. الصمت الصاخب
بقلم /   جمال التركي
ترى لماذا خاض عبدالله القويري فعل الكتابة المسرحية؟ واستجابة لأي نداء ؟ ثم لماذا توقف عن كتابة النص المسرحي ولم يستمر بحيث تتموضع تواريخ نصوصة ضمن فترة وجيزة تقع بين 1963-1965 هذا إذا استثنينا مسرحية عمر المختار التي كتبها في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، ولم تتضمنها المجموعة الكاملة لمسرحياته، ربما لضغطها الفني قد تبدو هذه الأسئلة ساذجة واعتباطية بعض الشيء إلا أنها تظل الأكثر حضوراً بالقدر الذي تستحيل فيه الإجابة عنها ، ولأن أية مقاربة نقدية تعني أساساً بالنص المحايد وتعتبر ما عدى ذلك هو اختصاص لفروع أخرى فمناقشة الوضع النفسي للكاتب يخص علم النفس بشكل رئيس وتحليل التفاعلات الاجتماعية، والاقتصادية، والتاريخية المصاحبة لعملية الكتابة تقع ضمن مدرات علوم الاجتماع، والاقتصاد، والتاريخ إلا أنني أعتقد أن فعل الكتابة لدى القويري هو بشكل كبير محاولة للحوار مع الآخر الآخر الذي يخصه والذي يخاصمه ويحبه ذلك الآخر، الذي يفترض بنا استحضاره نحو محيط الكتابة ومقياسه المساحات الدالة بينه وبين ذات الفاعل والنص. ولعل ذلك يحيلنا إلى تفصلين ومقاربة فنتكئ أولاً على أن الكتابة المسرحية عند القويري - في مقابل الاجناس الأدبية الأخرى - هي وحدها في اعتقاده الأكثر قدرة على النفاذ نحو الآخر، وهي الفضاء الممكن للحوار لكونها الجنس الأدبي الوحيد الذي يتم استقباله بشكل جماعي خلال العرض، ويعود التمفصل الثاني إلى محاولة ردم الهوة المفاهميه والمرجعية والقيمية بين الذات وبين البنية الثقافية والاجتماعية السائدة للمجتمع آنذاك فهو وفي معظم أعماله يحاول أن يكشف نفسه للآخر وأن يستدرجه نحو بقعة الضوء الإنساني.
وتأتي مقاربة فترة الكتابة تاريخياً في كونها من أكثر سنوات القلق في التاريخ الوطني الحديث ، فمع بداية التسعينيات ظهرت الطفرة النفطية ، وما رافقها من تغييرات درامتيكية لبنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحدوث هذه التغيرات دفعة واحدة وبشكل مفاجئ وانتقال المجتمع من نمط اقتصادي بدائي إلى نمط اقتصادي ربحي مصحوباً باحتياج لشركات تجسد أقصى ما توصلت إليه الرأسمالية ، ويبدو هنا المشهد درامياً بالكامل حيث تتجاور ثقافتان على طرفي نقيض في مكان واحد وفي لحظة واحدة وفي دورة اقتصادية واحدة ، ربما هذا ما كان " القويري "  يحاول أن يرصده، فتأتي مسرحياته محملة بالأسئلة الميتافيزيقية موشاة بالقلق واللاجدوى والرفض المجهض والتمرد المخنوق ، تثيرها شخصيات أشكالية على حد تعبير لوكاش تحظى في مشروعها مع معرفتها المسبقة بفشله ، حيث الانتظار بلا جدوى ، ومعالجة الخيبة بالصمت ، وليبدو الفقد نسيجا تحيكه الشخصيات بشكل متوتر يزيح كل تطهير ممكن نحو توتر دائم وقلق ، فيظهر اللاتواصل مهيمنا على مجمل النصوص ، هناك شخصيات تريد أن تتذكر وشخصيات تريد أن تنسى وشخصيات تريد أن تنيب عنها الأخرين للتذكر أنها محاولة لترويض الذاكرة المثقلة باسمال الذهول والمحبوسة في الطلال التى يتلاشى فيها كل شىء وينتصر الموت إنه يكتب بمعنى أنه يرى الآخر بين الكلمات ، يرصد الأحداث الواضحة في حياة شخصياته ثم يفرغها بهدوء من معطاها اليومي ، ويعيدها كتراجيديا تحفر في ذاكرة المسكوت عنه ، تراقب التآكل الإنساني أمام اللهاث المحموم للحفاظ على الذات.
إن الإبقي بالنسبة للكاتب هو ذلك التساؤل عن معنى الأشياء وذلك الرصد الحثيث للخيبة الإنسانية ، فما يلح لديه هو ذلك الشعور بأن هناك خطرا ما، قدراً ما يسوق البشر إلى مصير لم يختاروه وليسوا مسؤولين عنه ، ولكنه يقودهم إلى حتفهم ، فالشخصيات لم تعد هي السيد ، أصبحت موضعاً للتدقيق ولإعادة التعرف إنها تحيك حكايتها الصغيرة بشكل  عصابي يزيح كل تطهير ممكن حسب المفهوم الأرسطي نحو توتر دائم يفتقد التواصل ، ليصير الحوار مجرد تشكيل للعلاقات بين الذات وموضوعاتها الحقيقة والهوامية ، فتنزاح هذه الذات عن مركز النص وتتحرك متوزعة بين الشخصيات ، وهي لا تفتأ في تقويض مقولات الخطاب المتطابق مع مقتضياته الاجتماعية ، لتدفع  به نحو مناطق الصمت ، بحيث يعجز هناك عن اصدار أحكامه وفرض إجراءاته التي لا تتعدى ثنائيات الخير / والشر أنه يفهم الكتابة على أنها نداء ،  يحثه على السير منفرداً ومعاكساً ويثنيه عن كل رغبة في الاستقرار يقول سعدالله ونوس إن المسرح هو الرجوع إلى الحوار ، حوار متعدد ، مركز وشامل ، حوار بين الأفراد ، وحوار بين الجماعات وقد توقف عبدالله القويري عن فعل المسرح ربما لأنه شعر أن هذا الحوار هو مجرد منولوج في منودراما الممثل الواحد .





















مصطفى الأمير وفرج قناو
الاتجاه الواحد  والتفريع المستقل 
بقلم : أحمد بشير عزيز 
التدفق المسرحي لدى الكاتب الليبي مصطفى الأمير له مايبرره ، وتواصل عطاؤه المستمر لم يأت من فراغ أو تمطيط لتولدات محدودة  مصطفى الأمير افراز للمدينة القديمة بمعطياتها المتماوجة وبموروثها ومتناقضاتها  اعتمر  داخله بكل هذه المكونات فكان شعبياً يعبر عن هذه البيئة  بتطلعاتها ومآسيها وكان لاستشرافه لكل هذه الموحيات تأثير كبير على خطه الدرامي  وأسلوبه  المسرحي وحضوره  المتواصل ومواكبته للطفرات الاجتماعية المتباينة.
إن الذي  يقرأ مسرح مصطفى الأمير  يستشف مباشرة الاشعاعات الشعبية المنبعثة من المدينة القديمة التي تفاعل فيها ومعها ليمتلئ وجدانه من خلال حساسية التلقى ولصالح العطاء المفيد  إن مسرحيات مصطفى الأمير الأولى وهي خلاصة مستفادة من كثير من التجارب المسرحية  العربية التقليدية التي قوامها  تسطيح الشخصية دون الدخول إلى أغوارها والاهتمام فقط بشد الانتباه ويفوت فرصة الالتفات إلى كنه الشخصية لكن خطه المسرحي تحول فيما بعد عن هذا التوجه وانطلق يسعى لتحقيق التماثل التام لابعاد الشخصية المسرحية.
خلال الخمسينيات والستينيات من هذا القرن حرص مصطفى على ملامسة الواقع الليبي وممارسة التعصير بمقياس ذلك  الزمن من خلاله ابداعه المسرحي فكانت له انتاجات عديدة  نجح لأكثرها  في أن يصل إلى وجدان المواطن وتنبيهه إلى أشياء كثيرة بل تحريضه في بعض الأحيان علىالتمرد على السائد الراهن  وقتها ولنا في مسرحيات "كل شيء يتصلح، اللي تظنه موسى ،حلم  الجيعانين، ما يصح إلّا الصحيح ،بين يوم وليلة ، ما يقعد في الوادي ،عكوز موسى ..وغيرها خير مثال لذلك.
إن مصطفى الأمير يعد بحق أحدى العلامات المتميزة في تاريخنا المسرحي وقلم حساس رصد للظواهر  الاجتماعية وقناص  ماهر  للمشكلات الاجتماعية .وبقدر ما استأثر مصطفى بهذه الأهمية  بقدر ما نجد كاتبا آخر هو فرج قناو ولج عالم المسرح في بلادنا مع أواخر الستينيات لكنه لم يكن في انطلاقه حالة طارئة على عالم الابداع ولا هو بكاتب احترف  رص  الكلمات ولظمها  في شكل حوار فارغ الدلالة أو الايحاء .
إن لفرج  قناو رائحة خاصة  تتناهى من خلال مسرحياته ذات النسيج الاجتماعي  الذي يحتفظ بين ثناياه بالعديد من القيم التي  تفرض نفسها على كل التجاوزات ثم تتلاشى  أمام منطقة التناول في لهجة رفيعة معبرة موصلة لهجة  كما يقوى عبدالله الزروق الذي أخرج أغلب  مسرحيات  فرج قناو " لا تعرف استدراج المشاهد إلى الضحك  القسرى" وإنما تركز على اختيار المفردة  ذات الدلالة  والمعنى العميق الذي ينفذ إلى وجدان المتلقي بمثل ما ينفذ إلى عقله . إن فرج قناو كاتب يجري المسرح في دمه كان عاشقا للمسرح وكان يجد نفسه دائما في مسرح الأسرة راصداً للعلاقات الأسرية بإيجابياتها وسلبياتها داخل مجهره المسرحي.. يعيش معها وتتفاعل معه يرقبها ويتابع تفجرها..
لقد قدم فرج قناو وعلى مدى مسيرته التي تجاوزت الربع قرن عدداً من الأعمال المسرحية التي استدعت الانتباه وكشفت عن كاتب قادر يحذق صنعته.. فمسرحيات "حوش العيلة" و"هجالة ومية عريس" و"متزوج سبعة" و"البنت اللي قالت لا" و"اخطى راسي وقص" و"بشرى" و"اللي اديره تلقاه" وغيرها تدل على أن قناو استطاع أن يرسخ نفسه ككاتب مسرحي يجيد اختيار موضوعاته ويحسن صياغتها درامياً هذان الكاتبان مصطفى الأمير وفرج قناو اهتما اهتماماً ملحوظاً بالمسرحية الاجتماعية وأعطيا لهذا النوع من المسرحيات خلاصة ابداعهما وعصارة أفكارهما بكون أنهما من أكثر كتابنا التصاقا بدراما الأسرة ومع ذلك كان لكل منهما طريقته في التناول وأسلوبه في طرح قضاياه وقدرته على إدارة حواره.
ولكن أين يلتقيان؟ وأين يختلفان؟
بتصوري أن هناك نقاط التقاء عديدة تجمع الكاتبين:
فكلاهما داخل إطار المسرحية الاجتماعية اتخذ من الأسرة مجالًا لابداعه فأغلب مسرحيات مصطفى الأمير إن لم يكن جميعها مكرسة لمحيط واحد هو محيط الأسرة حيث نسج خيوط موضوعاته من العلاقات التي تربط أفراد الأسرة سلباً وإيجاباً.
نفس مافعله فرج قناو إذ أنه عادة ما كان يحيط مداره الدرامي بفيض من الصراعات العائلية وتضارب النوازع والاهواء فيها.
 وكلاهما  اعتمد على شخصيات محورية وردت في عدد من أعماله المسرحية شخصية "الطيب" "شلنده" "الحاج" عند مصطفى الأمير.. وشخصية "أبو غديلة" و"هرودة" و"تبرة" و"المرداس" عند فرج قناو.
ويكاد يكون منطق هذه الشخصيات واحداً فهي إما شخصيات خيرة تعمل على كشف المستور من العلاقات غير السوية وتواجه أركان الظلم والفساد والاستغلال والجشع وإما شخصيات تشعل فتيل الشر وتغلب أطماعها ونزعاتها الانتهازية والموصولية دون اكتراث بالقيم والأخلاق والمصلحة العامة.
إن أبرز ما في مسرح مصطفى الأمير حوار شخصياته الذي يتناهى إلينا في صفاء عفوي وفي تلقائية وانسياب لانكاد نتمثله حقيقة بتأثيره وعذوبته وتدفقه وتفجره إلا من خلال خشبة المسرح.
ولقد  جاراه فرج قناو في إدارة الحوار في تلقائية وتدفق عجيبين من خلال الاعتماد على مخزون لغوي زاخر فمصطفى الأمير تأسس على إرث تراثي هائل زخرت به المدينة القديمة التي عاش فيها فتشبع بلهجتها ونهل من عاداتها وتقاليدها واستوعب كثيراً من حكم وأمثال وأقوال أهلها وقد انعكس هذا في كتاباته المسرحية إذ لانجد مسرحية من مسرحياته تخلو من هذه الحكم أو الأمثال والأقوال بل امتد هذا إلى عناوين مسرحياته "مايقعد في الوادي إلاّ حجره" "حوت ياكل حوت" "اللي تظنه موسى يطلع فرعون" "حلم الجيعانين" من "حلم الجيعان عيش" وغيرها.
بينما نجد فرج قناو القادم إلى المدينة من منطقة الساحل "الريفية" يدعم موروثه الريفي بمد هائل من تراث المدينة نهل جزءا كبيراً منه من منجم الفنان الراحل محمد حقيق الذي ارتبط معه لفترة طويلة بعلاقة صداقة وتبنى – إن صح التعبير – فأثر ذلك بشكل كبير في ابداعه سواء كان المسرحي أو الإذاعي وبذلك جاء حواره معمقاً زاخراً بالأقوال والتعابير الشعبية التي تجمع المدينة بالريف.
كلاهما أيضاً اعتمد على ممثل واحد تتمحور حوله أحداث المسرحية ويكون بالتالي الشخصية اللافتة والممسكة بخيوط  المسرحية فبقدر ما كان مصطفى الأمير يسند أداء هذه الشخصية إلى الفنان محمد شرف الدين بقدر ما كان فرج قناو يسند أداء شخصيته الرئيسة إلى الفنان فتحي كحلول. فقد ظهر شرف الدين بطلاً لأغلب مسرحيات مصطفى الأمير بينما كان فتحي كحلول بطلاً لأغلب مسرحيات فرج قناو.
كذلك دراما الأسرة التي رفع لواءها في مسرحنا الفنان مصطفى الأمير وتواصل معها الكاتب فرج قناو لم يقتصر عطاؤها على الأسرة الليبية فقط بل تجاوزت ذلك لتشمل الأسرة العربية ككل وبمعنى آخر أن الكاتبين تعدا بإبداعهما التعبير عن القطر كأسرة إلى التعبير عن الوطن العربي الكبير وقضاياه كأسرة أكبر.
 لقد كتب مصطفى الأمير مسرحية "عكوز موسى" ومسرحية "عروس بلا دار" عن القضية الفلسطينية فعكوز موسى هو الكيان الصهيوني الذي جثم على فلسطين العربية و"عكوز موسى" هو نبات غير محمود باعتباره وفق التعابير الشعبية "يشرب المية ويضيق على الزرع" وعروس بلا دار واضح أنها فلسطين التي سلبت وشرد أهلها لقد حافظ مصطفى الأمير في كتابته لمثل هذه المسرحيات على خطه الدرامى في تفجر قضاياه من خلال الأسرة فجاءت بذات النسيج الذي حاك منه مسرحياته التي تناولت قضايا الأسرة في مجتمعنا.
وفرج قناو هو الآخر كتب أعمالاً مسرحية في ذات الإطار – إطار دراما الأسرة – خرج بها إلى الدائرة الأسرية الكبيرة.. دائرة الأمة العربية فكتب فيما كتب مسرحية "حوش العيلة" ومسرحية "هجالة ومية عريس" فحوش العيلة واضح أنه الوطن العربي الكبير حيث دعا من خلالها إلى حتمية الوحدة وضرورتها كما كانت "الهجالة" في مسرحية "هجالة ومية عريس" هي فلسطين.
وإذا كانت هذه نقاط التقاء بين الكاتبين مصطفى الأمير وفرج قناو وهما المنتميان لمدرسة واحدة والمنتجان في فرع واحد من فروعها فإنه دون شك هناك نقاط ابتعاد ميزت كل واحد عن الآخر واعطت لكل واحد بصمته الخاصة به ولعل هذا ما أثرى أبداعهما ولونه.
- وأول وجود للاختلاف أن بداية مصطفى الحقيقية في رحلته مع المسرح كانت في مطلع الخمسينيات وكان خلال تلك الفترة وقبلها قد شاهد العديد من الفرق المسرحية العربية والأجنبية التي جاءت إلى ليبيا لتقديم عروضها المسرحية فأبهره ذلك وأثر فيه وقد ظهر هذا واضحا في النصوص المسرحية التي كتبها حيث حفل عدد منها بالمنولوجيات النمطية وهو ماكان سائداً خلال الفترة التي كان يتكون فيها مصطفى الأمير ككاتب مسرحي بينما غابت هذه المنولوجات في مسرحيات فرج قناو لكون ان فرج قد ولج عالم الصحافة من خلال إلتحاقه كمصحح بجريدة (الشعب) التي كان يصدرها الاستاذ علي مصطفى المصراتي ثم تحول الى كاتب صحفي نشر مقالاته بصحيفة الشعب وعدد من الصحف والمجلات المحلية وهذا ما جعله في كتابته للمسرح يبتعد عن الاسترسال والاطناب وصياغة المنولوجات المطولة باعتبار ان ذلك يتعارض مع طبيعة العمل الصحفي فلا نجد مسرحية من مسرحياته حفلت بأي شكل من أشكال الإطالة بل كان دائماً حوار شخصياته في أقصر الجمل وأدق المعاني.
وكان لاجادة مصطفى الأمير للغة الإيطالية أهميتها الكبيرة في اطلاعه على المسرح الإيطالي وقراءة الكثير من المسرحيات الكلاسيكية وخاصة مسرحيات "جولدوني" فاستفاد من هذا المسرح في صياغة بنائه المسرحي وتطور حرفيته المسرحية بينما اعتمد فرج قناو على اطلاعه العربي والعالمي المترجم إلى العربية وقراءاته الواسعة لنصوص نعمان عاشور وسعد الدين وهبة وهو ما أفاده كثيراً في تطور أسلوب الكتابة النصية لديه ودعم فهمه لبناء الشخصية المسرحية وصياغتها الفنية وإدارة الجو المسرحي.
وبقدر ماركز مصطفى الأمير جل كتاباته حول المشكلات الاجتماعية وما أحاطها من أجواء مدنته القديمة (طرابلس) بقدر ما جاءت شخصياته المسرحية مدنية تغيب عنها الشخصية الريفية والبدوية.
وهذا التخصيص تعداه فرج قناو باعتباره وافد على المدينة من الريف فاستطاع ان يقدم في مسرحياته شخصيات تنتمي ليس فقط لمجتمع المدينة ولكنها الى جانب ذلك جاء بشخصيات ريفية بدوية اندمجت في النسيج العام للقضايا التي طرحها في مسرحياته وكان لها دورها في تفعيل موضوعات هذه المسرحيات وإظهار الاتصال بين المدينة والريف وما يمكن أن يتفجر عبر هذا الاتصال  من مشكلات عائلية نتيجة معطيات عديدة وكيف يمكن إذابة هذه المشكلات من خلال المعالجة الدرامية والترجمة الفنية لهذه الموضوعات.
وفي كل الأحوال يبقى مصطفى الأمير وفرج قناو اسمين لهما أهميتهما الكبيرة على خريطة مسرحنا، ولهما دورهما الكبير في إثراء حركتنا المسرحية وأسهامهما الواضح في تكوين أجيال من المسرحيين الذين يمارسون حضورهم المسرحي من كتابٍ أو ممثلين أو مخرجين وذلك ما سجله تاريخنا المسرحي الحديث.













أحمد البيزنطي....*.                    
                         " ريادة "                            
حوار / نوري عبدالدايم 
 

   في مستهل النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي كان الحزب الفاشستي الإيطالي يلقي بضلاله على تفاصيل الحياة اليومية في ليبيا وفي ذات الوقت كانت مدينة طرابلس تخلو من أية فرقة مسرحية ، عدا فرق ونوادي تخص الجاليات المقيمة في طرابلس ، إضافة للنوادي الايطالية التي تحوي ضمن نشاطها نشاطاً مسرحياً. وقتها  كانت مجموعة من المثقفين الليبيين الوطنيين " محمود نديم بن موسى ، مصطفى قدري معروف ، الشاعر احمد قنابة ، وراعي الفن الهادي المشيرقي " يحلمون  بإنشاء فرقة مسرحية ليبية لملاحقة الركب الحضاري الذي يفرضه العصر ، تبنى هذا الحلم " مصطفى حميدة العجيلي " _ بإشراف الشاعر أحمد قنابة _ الذي رأى تكوين فرقة تضم خريجي مدرسة الفنون والصنايع ، تاركاً باب الأنتساب مفتوحاً أمام الأعضاء من خارج المدرسة وبهذا تم تشكيل أول نواة لفرقة محلية تحمل الصبغة الليبية بمدينة طرابلس (1936 م )  أتفق على تسميتها فرقة " مكتب الفنون والصنائع للتمثيل والموسيقى _ طرابلس الغرب " مقرها مدرسة الفنون والصنائع . 
  قبل التوجه لمنزل الحاج " احمد عبدالله البيزنطي " هاتفت الاستاذ " محمد شرف الدين " لمرافقتي صحبة الفنان " أحمد السيفاو " - لإذابة الحاجز الزمني بيني وبين الحاج أحمد - الذي أبدى إستعداداً فورياً للذهاب " لتاجورا " محل إقامة ضيفنا ، وفي مكان غير بعيد عن ضريح " سيدي الأندلسي " أستقبلنا وحيده " عادل " لمرافقتنا لصالة جلوس معدة بترتيب ليبي لا يخلو من أناقة حيث يجلس " البيزنطي " الذي أستقبلنا بحفاوة تليق بأصالة هذه الأسرة التي تضرب جدورها في ليببيا منذ قرون .
* :- هل نحكي عن البدايات ؟  
البيزنطي : - .... أنا لم أكن ضمن خريجي مكتب الفنون والصنايع كنت من المؤسسين الذين أنتسبو إليها من خارج  المدرسة  صحبة  "علي الفلاح ،  وبشير عريبي ، وعلي القروش " فكنت ممثلاً في الفرقة وضمن أفراد التخت الشرقي الذي كان بقيادة الفنان " عثمان نجيم " كعازف " طبلة " . كما تعلمون فالفرقة كان برنامجها يضم عملاً مسرحياً إضافة لأمسية موسيقية أو مشاهد يتخللها " مونولوج ضاحك " . لم نمكث كثيراً في هذا المقر _ صالة الملاكمة بالمدرسة _ فسرعان ما أخطرنا بوجوب البحث عن مقر جديد بناء على رغبة مدير المدرسة  في ذلك الوقت ، فتم البحث على مقر الذي يتمثل في حجرة صغيرة بأحدى الفنادق بشارع درغوت باشا.  
* :- مازلت تذكر أول عمل للفرقة ؟
البيزنطي :- كانت بعنوان " وديعة الحاج فيروز الخرساني " ** التي عرضت بمسرح " البوليتياما " النصر حاليا ،وتوالت الأعمال " عبدالرحمن الناصر " " حلم المأمون " ... وقتها فرض علينا الاستعمار تغيير الأسم الى  " الليتوريو الإسلامية للتمثيل والغنا " ." أسوشيا زيوني موسلمانا ليتوريو " فتم التحايل من قبل الدكتور " مصطفى العجيلي " بأن أعتمد الأحرف الأولى من الجملة لتصبح فيما بعد فرقة  " ا.م.ل " .
* :-  عملت كثيراً مع الفنان  " محمد حمدي " ماهي أهم ملامحه على المسرح ؟
البيزنطي :- حمدي من القدرات الاستثنائية ولديه حضور أخاذ فبمجرد خروجه  على المسرح يفتح شهية الضحك عند المشاهدين ... لقد رافقته كثيراً وعملنا الكثير من الأعمال ...  كم كان يتمنى أن تظهر صورته في الصحافة حتى أنه بروحه الخفيفة يقول : هل لابد أن أموت لتظهر صورتي في الجرايد ؟ ... لقب    " ببربري   طرابلس " لتشابهه مع الفنان علي الكسار " بربري مصر " فقد كان متأثراً بذلك الفنان مع إضفاء الروح الليبية على أدائه   . قدمنا من خلالها – أي الأمل - العديد من الأعمال " عصمان البحري " بطولة حمدي وهي رواية مقتبسة من أعمال علي الكسار و" المريض " و " الصديق المنافق ". كان وقتها مختار الأسود صغيراً يعد لنا الشاي و " يعول علينا " وكانت ضمن فرقة الأناشيد  .
* :- ...........
البيزنطي :- ... استمرت فرقة " الأمل "  الى غاية دخول " الأنجليز " لمدينة طرابلس أثناء الحرب العالمية الثانية التي دمرت العديد من المباني طالت منزل العائلة بشارع الفنيدقة بالمدينة القديمة ، ومقر الفرقة . فبعد رفع منع التجول الذي فرضه الأنجليز أستأنفنا نشاطنا في مقر جديد بمنزل النحايسي بحومة البلدية وبأسم جديد " جمعية النهضة الطرابلسية للتمثيل والموسيقى " . بعدها أنتقلنا الى فندق " فكتوريو " الذي يملكه " محمد قنابة " خلف المصرف المركزي حالياً . و تم الانضمام الى " نادي العمال " الذي يضم ضمن أعضائه " أحمد راغب الحصايري " ورئيسه فيما بعد .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    قدمنا مسرحية " ناكر الجميل " وهي رواية تاريخية جسد أدوارها " عثمان نجيم " دور الملك ، وانا دور الأمير ، و " علي القروش "  وزير ، والعديد من الجنود لا أذكر تفاصيلها الأن ،  . كانت المناظر من تصميم الأستاذ فؤاد الكعبازي والمهدي الشريف بعدها تلتها  " غرام وانتقام ، العودة الى المدرسة ، وخيانة الاصحاب "  كلها من تاليف   " حسن يوسف " وأخراج مصطفى العجيلي "... بعد " نادي العمال " وبنفس الأشخاص تقريباً وبنفس النهج  أنشيئت " الفرقة الوطنية للتمثيل ".
*:- كيف كان يسير العمل في ذلك الوقت ؟
البيزنطي / شرف الدين :- كان العمل جماعياً ولكن غالباً مايتم عن طريق مدير الفرقة والقدر الأكبر عن طريق مصطفى العجيلي ..... الى أن أستعنا بالأستاذ " عبدالحميد البدوي " سنة ( 1938 م ) وهو زميلاً ل" يوسف وهبي "  وقتها أهداء لنا  الشيخ " عبدالرزاق البشتي " مسرحية  " مساوي المال " من أخراج عبدالحميد البدوي . جهزنا العمل وقد أشرف على الأدارة الفنية " فؤاد الكعبازي " كما صمم شعار " نادي العمال " .. منع هذا العمل من قبل  الأدارة الأنجليزية يوم العرض الذي كان مقرراً في  " مسرح الهمبراء / الحمراء " الخضراء حالياً بعدما بيعت كل التذاكر فما كان منا الأ كتابة تعليق على ملصق " منعت لأسباب قهرية " ... لم نرضخ لهذا فقدمنا عمل جيد باسم " الأبرياء " من بطولة " عبدالهادي المزداوي " . وهي من تأليف الحاج " الطاهر الشريف " مساعد القايمقام " الطاهر باكير " . 
* :- أين كان عرضها ؟
البيزنطي :- أتفقنا مع  " اولاد سارينس " - وهي أسرة مالطية طرابلسية  كانت تمتلك مسارح " البوليتياما ، والهمبراء ، والميراماري " -على عرضها  في " الهمبراء "   كان من عادتنا في تقديم عروضنا _ كما يعرف الحاج محمد _ نستهل الأمسية بأمسية غنائية قبل البدء أو في الفواصل بين مشهد ومشهد أثناء تغيير المناظر وفي نهاية العرض .. في هذا العمل تم إختيار شاب بهي الطلعة ذو صوت جميل  يدعى " لبيد حيدر الخضار ".. تم الأتفاق معه على أغنية " محمد عبدالوهاب " " يللي بدعتو الفنون " فأشترط ووجود فرقة اوركسترالية " فتبرع " أحمد عاشور بالنوتة " وأستعنا بأربعين عازف بينهم طليان  .. كان تصميم المناظر لفؤاد الكعبازي " وقد أستعنا " ب" بوكا دي فوكو " في منظر الطيور ، الذي عمل فيما بعد بمدينة السينما بإيطاليا . قدمنا مع " عبدالحميد البدوي "  مسرحية " حفظ الوداد ، وغرام الملوك ، ويسقط الحب ". 
شرف الدين :- كان تغيير المناظر يتطلب فترة زمنية تغطى هذه المساحة بأغنية أو عزف منفرد فكان عازف الكمان " أحمد عاشور " " حاجة من وراء العقل " يجيد تغطية هذه المساحة .
البيزنطي:- كان قبله - " محضرتاش ياحاج محمد "- أبن الرايس الدهماني ، الذي كلف  له ابوه " بروفسور" لتعليمه ، وقد عزف في  أول أفتتاح للإذاعة الليبية بمعرض طرابلس " .
*:- من كان يجسد الأدوار النسائية ؟
البيزنطي :- لم نضع الشخصية النسائية في أعتبارنا منذ الشروع في تأليف العمل  وإن حدث يجسدها " بشير العريبي " وقد قمت أنا أيضاً بتجسيد أدوار نسائية... فعندما أتى الأستاذ عبدالحميد البدوي ، أنظمت للفرقة ممثلثان مصريتان " فتحية محمد ، وفتحية مصطفى " .  
* :- بوجود الجاليات التي تقطن مدينة طرابلس في ذلك الوقت هل ثمة نوادي أو فرق مسرحية ؟
البيزنطي / شرف الدين :- هناك العديد من الجاليات في ذلك الوقت الايطاليين ، اليهود ، القبارصة ، والمالطيين ، والأرمن ، واليونانيين . . فالايطاليون لديهم فرقة  " دي بولا فورو " . واليهود يملكون " نادي المكابي " الذي يعد فرعاً من النادي الرئيسي ببريطانيا ، قدم مسرحية " يوسف الصديق " في دار عرض " الميرا ماري " بالعربية الفصحى سنة " 1945 م .
 انتقل الحديث الى ذكريات عن سكان المدينة القديمة ويهود طرابلس والمالطية والفنانيين الطليان وعن مشاركتهم مع فرقة  يوسف وهبي وزيارة فرقة " بديعة مصابني " وحضور " أمينة رزق ". وتاريخ كرة القدم الليبية وذكرياتهم مع " حمدي "  و" مصطفى الأمير"  و" خليفة ماعونة " والموسيقاء و" بشير فحيمة " و" علي مصطفى المصراتي " و"عبدالرزاق بن نعسان "  .... الى أن سلك  الحديث مسارب أخرى . وقتها قدم إلينا سجل  للزوار ليخط شرف الدين كلمة بالمناسبة مع تقديم شكرنا للحفاوة .. دعاء لي بترك التدخين وهو يتهياء لتوديعنا  . .
*الفنان " أحمد عبدالله  البيزنطي " مواليد طرابلس " 1916 م " شارك في العديد من الأعمال المسرحية منها :-
 1- مسرحية " وديعة الحاج فيروز الخراساني "
2- مسرحية " عبدالرحمن الناصر "
3- مسرحية " حلم المأمون "
4- مسرحية " يسقط الحب " 
5- مسرحية  " غرام الملوك" مشاركة مصرية ليبية 
6- مسرحية " حفظ الوداد " مع فصل فكاهي بعنوان " المدام ايزابيلا " .
7- مسرحية " عصمان في الجيش " .
8- مسرحية " شنقور وشنقران " .
9- مسرحية " براعة ممثل ".
10- مسرحية " طايش وطرشون " .
11- مسرحية " إعتناء الأباء بالأبناء " .
12- مسرحية " مغالاة المهور". 
13- مسرحية " كيف تدور الدواير "
14 – مسرحية " العاقبة "
15- مسرحية " الأبرياء "
17-مسرحية " الدكتور فاوست "
19- مسرحية " المفتش " 
20-مسرحية " أماه "
21-مسرحية " تحت الرماد "
22- مسرحية " النمام " 
 
** عرضت بمسرح " البوليتياما " دار عرض النصر فيما بعد  بتاريخ ( 17-6 – 1937 م ) فقد أستغرق إعدادها للمسرح سبعة شهور ، وهي مسرحية وطنية تحكي على عدالة المسلمين . جسد دور الملك المطرب" محمد نجيم " بعدإنتهاء العرض قدم الفنان الساخر " محمد حمدي " فاصل فكاهي بعنوان البخيل " بمساعدة " إحمد البيزنطي ، مصطفى الفلاح ، خيري فرحات ، أنور شحاتة ، " قبل بداية العرض ألقيت كلمة حماسية  ألقاها أحد الرواد  .
المصادر :- 
1-" الفن والمسرح في ليبيا " تأليف : بشير محمد عريبي / منشورات الدار الغربية للكتاب ( ليبيا –تونس ) 1981 م .
" كتيب " عن سيرة الفنان أصدرته أمانة * الشعبي الأساسي المسيرة الكبرى بمناسبة تكريمه بتاريخ "2-12-2004 م" . كما أستعنت بإبنه " عادل البيزنطي "  في معرفة بعض التفاصيل .
- كرم الفنان " أحمد عبدالله البيزنطي " من قبل أمانة الثقافة ، واللجنة الشعبية ااثقافة والأعلام بشعبية طرابلس ، ومن سفارة فلسطين  .   
































أنور الطرابلسي..  شيخ المسرح الذي رحل
بقلم /  ناصر الدعيسي

مثل قنديل انطفأ في ليلة باردة هكذا تحدث أقرب أصدقائه يوم رحيله النهائي وكان يقول (طالما فيها زيت لا تنطفئ) كان هذا الرجل ابتسامة دائمة بهجة حينما يحكي للآخرين رحلة طويلة معاناة رحلة المسرح الذي عاش في أعماقه سنوات طويلة عن الحياة التي عاشها في مواجهة الآخرين من أجل المسرح، عن المنفي أيام المستعمر، عن رحلات الغربة كان يعرف أن النهاية أسرع من أقدامه في ميدان الصحابة ذلك الميدان الذي قضى فيه آخر أيامه وحمل منه على أكتاف أبناء المسرح والفن في درنة.
لقد عرف أن قلبه بدأ ينبض ببطء وأنها أيام فقط هذا الفارس الذي امتطى جواد المسرح والفن والشعر منذ عام ١٩٣٠ ولم يتوقف لحظة واحدة عن العطاء لحركة المسرح ثلاثة أجيال عاصرها وأعطى لها وكان في آخر أيامه يعمل في مسرحيتين معاً رغم هذه السنوات الطويلة، جيله كله توقف لظروفه لكنه هو بقى مخلصاً لكل أجيال المسرح كان المسرح حياته دمه كان الزمن عنده جامداً لم يعرف يوماً غير الفن طريقاً عاصر المسرح قضية ولم يعاصره رحلة صيف لم يعش من أجله كي يراهن على مستقبل مادي أو معنوي  لم يعرف سوى الخشبة والنص ورفاق العمل تسعة وخمسون عاماً في المسرح كان أنور الطرابلسي وجهاً ناصعاً في رحلة البداية وشيخاً يخدمه الجميع في نهاية نفس الرحلة كان موتاً وقف له الجميع إجلالاً وتقديراً.
ورغم هذا لم  يحظ كالآخرين إعلامياً ولم يخرج على شاشات المرئية ولو للتعريف بريادته للمسرح رغم المزايدة على المسرح  والجميع يعرف أنه بعد 
رحيل محمد عبدالهادي في الخمسينيات عن الحياة أصبح أنور الطرابلسي مسؤولاً تاريخيّاً عن هذه الحقبة الطويلة أمام أبناء وطنه والجميع يعرف أنه عاش للمسرح وقدم له دون رغبات في شيء كان يقول المسرح يخرج منه صاحبه دون شيء  سوى تاريخه وعطائه وحبه للناس وخرج أنور الطرابلسي هكذا تاريخ وعطاء وحب الناس.
حينما تبدأ الكتابة عن هذا الفنان تعود بك الذاكرة سريعاً  لمرحلة صعبة من تاريخ بلادنا ألا وهي مرحلة الاستعمار الفاشي لبلادنا تلك المرحلة التي دفع فيها شعبنا الدم وقدم الضحايا وكان نصيبه من تلك المرحلة النفي والقتل والتشريد وكانت الثلاثينيات قمة تلك المواجهة مع هذا المستعمر الغاشم وكانت ضربات عمر المختار ١٩٣٠ م القوية لإيطاليا وفي معركة الفايدية يقول غرسياني (لا أنسى أبداً ضربات عمر المختار الموجعة لنا لقد حرق قلب مدرعات لواء شحات) في هذه الفترة برز هذا الفنان العائد من المنفى والتحم مع أبناء وطنه أصحاب الاهتمام بحركة المسرح  والكتابة كما أن الكتابة عن هذا الفنان الراحل لا تعرف البداية ماذا تكتب عن مسرحي عاش بدايات المسرح في ليبيا وعاصر ثلاثة أجيال متتالية لهذا المسرح أم عن شاعر يحفظ عن ظهر قلب أشعار  العرب أم عن ... راوٍ للحكاية وتاريخ المسرح إن أنور الطرابلسي الذي كتب الله له أن يعيش بيننا أكثر من ثلاثة أرباع القرن الحاضر كان وبلا أدنى شك فرصة نادرة لكل المهتمين بحركة المسرح الليبي فقد كان يمتلك المعلومات الكاملة عن تاريخ ورحلة هذا المسرح لقد كان يقول : (لا يزايد أحد في المسرح وأنا على قيد الحياة وحينما أتحدث عن المسرح فأنني أقول الحقيقة التي أواجه بها الله وضميري أمام أبناء وطني إن المسرحيين في بلادنا كلهم أحبائي لكنني أكره غياب الحقيقة أو تزويرها).
 وكان آخر لقاء لأنور الطرابلسي مع مجلة (كل العرب) الصادرة ف باريس وتحدث لها عن المسرح في ليبيا والوطن العربي.
ولد فناننا الراحل في ١٩١١ العام الذي دخلت فيه إيطاليا إلى ليبيا ووالده دخل الدور العسكري مقاتلاً مع عمر المختار وعندما ضاقت إيطاليا الفاشية سكان البلاد بقتلها للشيوخ النساء والأطفال وبعد أن أصبحت الحياة صعبة قررت أسرته الهجرة إلى لبنان أثناء وجوده في بيروت في عام ١٩٢٦ م كان يتردد على مكتبة في منطقة الرملة البيضاء الآن وكرر زيارته مع والدته لهذه المكتبة والتي بدورها اشترت له مجموعة من الكتب كانت تخص المسرح ودراسات في فن المسرح وبعض دواوين الشعر في تلك الفترة كان المرحوم محمد عبدالهادي يقوم بمحاولة مسرحية بمدينة طبرق وهي مسرحية (خليفة) لكنه لم يستطع القيام بهذا العمل المسرحي وحينما عاد أنور الطرابلسي للبلاد في بداية الثلاثينيات كان محمد عبدالهادي في درنة يعيد الكرة على مسرحية "خليفة الصياد" وكان حائراً في دور نسائي "قوت القلوب" عرضه على أنور الطرابلسي فقبل الدور ورغم صعوبة المحاولة التي لم يرض عنها المجتمع في تلك الفترة إلا أن حبه للمسرح جعله يتجاوز هذا المفهوم ويأخذ الدور ويبدع فيه وبعد عرض هذا العمل تم اعتقال معظم العاملين فيه وكتب الحاكم العسكري يقول لغرسياني :(إننا سوف نربي أفعى تلدغنا يوماً ما لكن بعد عام طلب غرسياني ترجمة هذه المسرحية وإعادة عرضها وحينما أعيد عرضها في ١٩٣٤و أخذ أنور الطرابلسي دورين في هذه المسرحية دور (قوت القلوب) ودور هارون الرشيد والشاعر ابراهيم الأسطى عمر دور إسحاق النديم وقد تأثر كثيراً بدور هارون الرشيد وظل حافظاً لدوره هذا حتى آخر لحظة في حياته كان يردده دائماً مع أصدقائه وقد تأثر الناس بدوره حتى أن مدرساً سأل طالباً في الفصل من هو هارون الرشيد فقال له :أنور الطرابلسي وسافر مع (عبدالهادي) إلى بنغازي وطرابلس والزاوية حيث عرضت مسرحيات خليفة الصياد العباسة أخت الرشيد ـ لا أتزوج ولو شنقوني ـ أه لو كنت ملكاً ثم أعاد إخراج مسرحية (خليفة الصياد) وأخرج سهاد لمحمود تيمور وبعدها قام بإخراج وتمثيل مسرحيات أميرة الاندلس ، تاجر بغداد ، الجيل الجديد.
في عام ١٩٥٧ وبعد ثورة عبدالناصر بدأ الوعي القومي ينتشر بقوة ولهذا بدأ يبحث عن أدوار تناسب هذه المرحلة فقام بدور في مسرحية عمر المختار وقد شاهد هذه المسرحية أحد قادة الجهاد الذين قاتلوا مع عمر المختار فوق الجياد وفي عام ١٩٥٩م كتب أحد شباب درنة وهو الأستاذ عبدالباسط  الدلال مسرحية (جميلة بوحريد) وقام فناننا الراحل بدور المحامي في هذه المسرحية التي شاهدتها حينما كنت طفلاً في السابعة ولازالت تعيش في ذاكرتي أشياء كثيرة من هذه المسرحة التي ولأول مرة في ليبيا تقف فتاتان ليبيتان على المسرح وهما فوزية العجيلي وحليمة الثلثي.
في نهاية الستينيات ظهرت فرقة الفنون الشعبية بدرنة وكان أنور الطرابلسي في ذلك الوقت مسؤولاً عن هيئة تضم كل الفنون في المدينة وبهذا كان على علاقة قوية ببداية فرقة الفنون الشعبية بدرنة حيث شاركها في رحلاتها الداخلية والخارجية منذ عام ١٩٦٨م وكانت آخر رحلاتها مهرجان (كاتانيا) الذي تألق فيه الطرابلسي حينما كان يترجم بالإيطالية أشعارنا الشعبية وما تمثله هذه الرقصات الشعبية وقد كان لمشاركته في الوفد الليبي الأثر الكبير في نجاح ما قدمته فرقة درنة أمام الجماهير الإيطالية التي شاهدت وسمعت فنوننا بلغتها التي قدمها الطرابلسي.
اشترك في شريط (الشظية) مع مجموعة من الفنانين العرب الليبيين وكانت أول مرة يدخل فيها عملاً سينمائياً وفي عام ١٩٨٨م قام بدور الموسيقي في رائعة (وليام سارويان) (قلبي في بلاد الأحزان) وقد أعجب بدوره هذا وأندمج فيه لكن هذا العمل رغم أنه اكتمل لكن الظروف حالت دون عرضه وحرمت الجماهير من رؤية أنور الطرابلسي في آخر حياته كما عرض عليها العمل في مسرحية (الزفاف يتم الآن) وهو نص محلي للشاعر عبدالحميد بطاو وهذه المسرحية هي آخر عمل اشترك فيه وقبل رحيله كان يأمل رؤية مهرجان المسرح المزمع عقده في طرابلس لكن أنور الطرابلسي يرحل للعالم الآخر لكنه رحل بعد أن أعطى للمسرح الليبي سنوات لم نعرف حتى كتابة هذه الحروف فناناً قدم في حجم هذه السنوات الطويلة ويخرج هذا الفنان من المسرح إلى الأبد فإننا نخسر أحد الرجال الذين شاركوا بفاعلية في بناء المسرح الليبي.
        
















تمسون في مسرح .. وتصبحون على وطن
فرج قناو في ذكراه التاسعة 
بقلم / فتحي كحلول

في ذكرى وفاة المرحوم المبدع المسرحي فرج عبد السلام قناو 17-7-1999 
"من غير ما يسلم على السمار ..
 خلالهم تذكار .. 
مسرح وأغاني وسلة أشعار ..
 خلالهم براد شاهي وموقد نار..
  لملم أوراقه وقلم ارصاص " ورحل مع الأفجار.. 
 يا وحشة السمار.. 
يا خالتي لا تشعلي الكانون .. 
ويا خاطري المحزون ..
 عدى فرج ومن غير ما يودع حد ..
.. وبالساكت كان رحيله .. 
وهكي الحكاية يا حضار " 
إن أي كاتب مسرحي لابد وأن يستوحي مادته المسرحية ومضمونها الدرامي من ظروف المجتمع الذي يعيش داخله ويتأثر بأحواله وملابساته في أثناء قيامه بعملية التشكيل الفني ومن هنا تبرز أهمية الفن عموماً والمسرح خصوصاً بالنسبة للمجتمع المعاصر فهو البؤرة التي تتركز فيها تجارب الحياة التي يعيشها المجتمع وعلى ذلك لايمكن الفصل بين الفن والحياة لأنه يعتبر فصل الروح عن الجسد وتصبح الروح شيئاً مجرداً لانستطيع إدراكه أو استيعابه ويتحول الجسد إلى جثه هامدة لاحراك فيها ..كان لابد من هذا المدخل لنطرق أبواب الإبداع المسرحي عند المرحوم الأستاذ «فرج عبد السلام قناو» لأنه مسرح يلقى أضواء كثيرة على أبعاد هذا المجتمع بل ويبلغ اهتمامه به في بعض الأحيان إلى أن يخلق الشخصيات المسرحية بهدف إبراز بعض الملامح الاجتماعية المعينه ورسم هذه الشخصيات وجوانبها المختلفة مع وجود الشخصيات الدرامية الحية ليزداد الحدث توتراً في أعماله ابتداء من مسرحية ( اللي اتديره تلقاه ) وهي العمل الوحيد الذي قام بإخراجه .. ومسرحية ( متزوج سبعة ) ( والبنت اللي قالت لا ) ( واخطى راسي وقص) من إخراج الفنان عبد الله الزروق .. ومسرحية ( حوش العيلة ) ومسرحية ( هجالة ومائة عريس ) ومسرحية ( بشرى) من إخراج الفنان محمد القمودي ومسرحية ( حدث ذات مرة ) قدمت عبر النشاط المدرسي .. ومخطوط المسرحية ( وزارة بعنقود عنب ) ولم يتم تقديمها .. فنجد اهتمام المؤلف ينصب أساساً على حركة تغيير المجتمع والناس نحو تغيراً آتٍ في نظرة مستقبلية وواقعية للحاضر فهو مسرح اجتماعي يتناول الواقع كنقطة بداية لكي يوضح التناقضات ويتخذ منها عناصر اتهام للمجتمع وعناصر دعوة إلى الثورة وعناصر يقوم عليها المجتمع الإنساني الجديد بعد قيام الثورة العظيمة فهو مسرح يخدم الحركة الثورية ومعنى هذه الخدمة أن يقدم المسرح للجماهير عروضا مسرحية تحررهم علمياً وثقافياً ويؤكد على أن الفنان يجب أن يعيش أحداث عصره ولا يعرف معنى لوجود المبدع إلا أن يكون له دور في المجتمع .. تقول إحدى الشخصيات في مسرحية متزوج سبعة وهو يلعب في دور المؤلف الذي قام بتمثيله الفنان الكبير عيسى عبدالحفيظ والذي شارك في تمثيل كل مسرحيات المبدع المرحوم فرج قناو .
حوار المسرحية :
لازم تعرفي أن المؤلف يضع عصارة أفكاره في مؤلفاته.. وهذا شيء يتطلب منه استغلال كل اللي استفاده من خبرته في الحياة وارتباطه وعلاقته بالناس ومعاملاته معاهم .. لأن المؤلف عمره ما ينتج من وراء المكتب.
فالمسرح عن الكاتب المرحوم هو الفضاء الذي تحدث فيه المواجهة الحية وهو الذي يسعى إلى تأثير إيجابي محدد في الجماهير بهدف اكتسابها في صفوف معركة طويلة نحو حياة أفضل تسودها العدالة الاجتماعية والحرية للوصول إلى مسرح تحريضي يقف بجانب الإنسان يناقش كل القضايا ويدعو للتفكير في كل ما يحدث.
لقد كان لي الشرف بأنني قمت بتمثيل كل المسرحيات التي كتبها المرحوم وكنت بطلاً يحمل اسم ( بوعديله) وتحصلت في مسرحية ( اخطى راسي وقص ) في المهرجان المسرحي الوطني الثاني على جائزة التمثيل الأولى وقامت صداقة أخوية قوية مع الكاتب فرج قناو وقمت أيضاً بالتمثيل له في المرئية سلسلة المنوعات الرمضانية مع المبدع الكبير سعد الجازوي والفنانة الكبيرة المعتزلة لطفية إبراهيم .
إن الصراع الدرامي في مسرح قناو يقوم على أساس الصراع الاجتماعي الذي تفرضه ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهذا الصراع الاجتماعي يلعب دور الخط الأساسي أو العمود الفقري الذي يربط كل جزئيات المسرحية وخلاياها المتعددة وصراع الأفكار القديمة والجديدة التي جاءت بها الثورة الثقافية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ولذلك وضعت كل الأفكار والشخصيات والأغاني في خدمة هذا التغيير والتنوير الثوري المنشود .. وإن الصراع المسرحي ينبع من الاحتكاك بين المثال والواقع بين الجديد الذي يحاول إيجاد ما يجب أن يكون وبين التقليدي القديم الذي يقتنع بما هو كائن ولذلك نجد ونحس أن كل شخصية تدافع عن وجودها وكيانها بقدر ما تمثل اتجاهاً اجتماعياً معيناً مما يشدنا إليها أكثر وكذلك كانت هذه الشخصيات تحمل أسماء مقصودة ومرموزة بقصد دفاعها عن مكانتها وكيانها الذاتي ووجودها الشخصي ولم تتحول إلى أبواق زائفة وعلى سبيل المثال شخصية هرودة في مسرحية حوش العيلة التي قام بتمثيل الدور فيها الصديق الفنان الكبير عبدالمجيد الميساوي والذي شارك في كل المسرحيات التي كتبها الاستاذ فرج قناو فالشخصية في المسرحية لا مكان لها في البيت ويفرض من قبل المجموعة أن تسمع صوته وأغانيه بل يقومون بتقطيع أوتار آلة العود التي تتعامل معها الشخصية ويقولون له بأنه مشكوك في انتمائه للعائلة .. كذلك شخصية تبرة وشخصية أمل وشخصية صبرة التي قامت بأدائها الفنانة الكبيرة خدوجة صبري وشخصية الحاجة مناني في حوش العيلة وشخصية الهجالة في مسرحية تحمل نفس الاسم (هجالة ومائة عريس) أي أرض عربية ومائة مليون عربي يتمنى ولا يفعل شيئا من أجل الأرض المحتلة .. هكذا تركها المؤلف تحمل أفكارها حرة بدون زيف لأنها إذا توقفت مهمتها عند حدود التعبير عن آراء المؤلف فسنفقد ارتباطنا الوجداني بها وتجاوبنا معها لأن اهتمامنا سيتركز في مناقشة الكاتب وليس حتميات الدراما ..
لقد كان لمسرح قناو حضور في باطنه كل الارهاصات الجديدة التي توحي برياح التغيير التي ستهب على المجتمع وهي رياح الثورة الثقافية فتجدد من حيويته وشبابه وتطرد الهواء الفاسد والأفكار الهشة ودفع حركة المجتمع نحو التطور حركة جبرية حتمية لا يمكن أن توقفها العقبات لأن التغيير سنة الحياة ولا يمكن لشيء أن يبقى على حاله ذلك من خلال التكتيف والبلورة والاختبار وإيجاد علاقات جديدة وإلقاء ضوء جديد بما يتيح للمشاهد رؤية من زاوية جديدة توسع من نظرته إلى الحياة .
* الحياة في نظري كفاح وأنا طول عمري مكافح « لانكل ولانمل » أجبرتني الحياة في صغري على ترك التعليم .. فكانت قسوة الأيام أحسن معلم .. وفعلا حاديت الأيام بقسوتها ومرارتها .. فكانت أول معلم يظهر نقاط ضعفه لتلميذه ويعلمه كيف يتغلب عليه ... فهمت من الحياة الألم البسمة ولذة الآهات .. وأخيرا عرفت وفهمت أن أقوى سند للإنسان في الحياة هو فهمه للحياة نفسها .. ولقيت نفسي زي الفن تربطه وتقومه قواعد في انطلاق وتجديد ويحطمه الروتين ويقتله الروتين .
* هذا ديالوج قمت بتمثيله في مسرحية متزوج سبعة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وهو يكشف عن ملامح وظروف تشكيل هذا المؤلف المجدد والمتعدد في المجالات الابداعية فقد كان من أصحاب المواهب المتعددة والمشتتة التي تسكن المسرح بكل عشق وحب وثورية لقد كان هناك تناغم الحوار مع جزئيات الشكل العام مما يمنح المسرحية دفعة درامية وراء الأخرى في تكنيك الحوار بالخلفية الاجتماعية والسياسية والفلسفية إذ يقوم على اختيار كل ما يخدم النص لأنه كان يؤمن بأن ضمان العمل الفني هو تحوله إلى أصل يحمل في داخله كل مقومات الحياة الذاتية الخاصة به وهكذا يستلهم أعماله من مضمون الحياة ويتفاعل هذا المضمون الاجتماعي مع الشكل الفني .
لقد تعددت الأصول الدرامية التي تشكلت منها المسرحية القناوية في البنية الدرامية فقد تأثر بمسرح توفيق الحكيم وفي خلق حوار جديد في المسرح الليبي بصياغة شعبية شاعرية عالية وتأثر بالواقعية النقدية ومسارب من التراث العربي والليبي وبرمزية ميترلنك وبمنهج برخت التعليمي الذي قدمه في معظم مسرحياته وعلى سبيل المثال شخصية شعيب في مسرحية هجالة ومائة عريس وادخال الحكاية الشعبية في صلب الخط الدرامي المسرحي وكذلك في كل الأغاني التي قمت بأدائها وتلحينها في مسرحياته وكذلك تأثر بمسرح برانديلو والمسرح داخل المسرح في مسرحية « البنت اللي قالت لا » عندما أدخل أوبريت غنائي في اللوحة الثانية يقدم وسط المسرحية بشكل غنائي وتعبيري داخل فرقة مسرحية تجري تدريبات .. ولقد تأثر بالرمزية ولعبت دورا كبيرا في مسرحه .. فما هو حوش العيلة ؟ وماهي المجاري المسدودة والمتفجرة في مسرحية متزوج سبعة ؟ ومن هي الهجالة ؟ ومن هم العرسان المئة ؟ ومن هي بشرى ؟ ومن هو هرود ؟ ومن هو القنفود ؟ ومن هو شعيب ؟ ومن هو المحمل الذي يحمله عبدالسلام على كتفه طيلة المسرحية ويريد من يساعده على إنزاله ؟ ومن هو حمامي السمسار في حوش العيلة ؟ ومن هي تبرة التي كان يبحث عنها قناو ونفسه في حياته وصدرها في مسرحياته ؟ ومن هي أمل التي قامت على إنقاض شخصية تبرة ؟ تلك رموز ابداعية تحتل مساحة فنية في ابداعه المسرحي المتشكل بالرمزية الفنية .
لقد كان يهتم بالأغاني المسرحية وهو أول من ساهم في إيجاد هذا النوع الدرامي في المسرح الليبي وكنت أؤدي هذه الأغاني بشكل حي على المسرح .
إن العنصر الغنائي مهم عند قناو لأنه كان يعتمد على معالجة الدراما بالأغنية وتدخل ضمن البناء الدرامي كلغة يعتمد عليها في التوصيل فنجد الموال الشعبي والأغنية الشعبية والتراثية والأغنية الساخرة وأغاني الأمثال الشعبية والعربية في كل ما كتبه للمسرح لقد كانت علاقته علاقة تفاعل وكان التراث هو المادة الثرية التي يشكل منها رؤيته الابداعية في المسرح والشعر والأغاني فقد كان يؤكد ثراء الثرات ليخلق منه معاني من وهج ومعرفة ودلالات جديدة ومعاصرة تعود إلى الواقع ولا تنفصل عنه لأنه يدخل الثرات داخل بنائه الدرامي ذلك عن طريق المثل الشعبي والحكاية الشعبية والأغنية والتسمية الشعبية أي أنه كان يتعامل مع الثرات بأنماطه المختلفة ..
حوشك يا عمي عبدالله .. حرام تكريه لبوبرطله 
الحوش يبي دوره .. اهتموا بيه وعلوا سوره 
وما تخلوا درجة مكسورة .. بلاها ما نقدر نتعلا 
حوشك يا عمي عبدالله 
قولي قولي يا كروسة  .. قولي وأحكي على فات يا كروسة 
لازم من ثورة اجتماعية تخلصنا من كلمة أس
ولاتكون سلبي ولا اتكالي ولا تقول أخطى راسي وقص
قريتنا تكون تراب واحد غالي مصيون
وبسمة ما تفارق العيون 
أحفاد وجدود .. انكونوا زي شوك القنفوذ 
إن كان نبوا قريتنا تعود .. الحب يسود .. أروابينا نزرعها ورود 
لقد حاول أن يعطي للأغنية مساحة كبيرة وانطباعات جديدة داخل الدارما المسرحية في جو شاعري ملئ بالانفعال والحرارة والدفء وكان ينتقي الألفاظ التي تحمل معانيه ويزاوج بين العامية الشعبية والفصحى الشاعرية لإضافة أبعاد جديدة تحمل دلالات مختلفة فقد كان يرفض اللغة الخاصة وكذلك اللغة العامية المتحجرة إلا إذا فرضت الشخصية أسلوب ونوعية اللغة لأنه كان يؤمن بأن لغة الحياة اليومية تحتاج إلى استكشاف جديد لمخزون اللغة لقد كان يلتقط اللغة والأشخاص من الأحداث الحياتية وهذه أجاده في الاختيار والاستلهام فقد كان يكتب لجميع الشخصيات بلغة مسرحية حية باعتباره رجل يعيش بين جنبات المسرح وينام بمقر فرقة المسرح الليبي فقد كان مسرحه مسرح جموع وليس مسرح الفرد أو البطل الأوحد فقد كانت كل الشخصيات تقوم بدورها في الصراع الدرامي وتنمية الحركة وتفجير الأحداث وكان من الممكن أن نطلق عليها نموذج الشخصية اللغير ثابتة بنمطيتها ولكننا نتصارع من أجل الأخرين ومن أجل حياة أفضل للجميع ولهذا يمتاز هذا المسرح بالبطولة الجماعية لأن البطولة قد انعقدت عنده للمجتمع المتغير والمتحول بعيدا عن المألوف والسائد المتحجر ولكنه لا يترك مسرحياته تنتهي عند هذا الحد بل يترك ايحاء بإرهاصات التغيير الاجتماعي الذي يعول عليه بعد قيام الثورة المباركة وكسب المعركة والرهان لصالح الطوفان الشعبي الذي تسانده حركة المجتمع بحكم الثورة والتطور يعني انتهاء حياة فقدت كل مقومات وجودها وتباشير حياة جديدة بدأت في الأفق لأن الشعوب لا تموت وإنما الذي يموت هو الأنظمة الحاكمة التي تفشل في مسايرة حركة المجتمع نحو التقدم والتطور فكشف عن عيوب المجتمع الذي يدعوا إلى السلبية والاستسلام والتقاعس وتقبل ما تأتي به الأيام والدعوة إلى تغيير الواقع والقضاء على المظاهر الاجتماعية الفاسدة .. لم ينعزل عن المجتمع وحاول أن يوظف المعرفة والفن والتراث والموسيقا والثقافة في القضاء على الظلم والفقر والقهر لتحقيق الحرية والعدالة لذلك نجد ألوانا من الصراع في مسرحية واحدة وهذا الصراع موزعا في خطوط فرعية للصراع بمعنى التخفيف من العقدة الرئيسية والعودة إليها وربطها بالخيوط الفرعية لخلق عناصر الدهشة والتشويق والإثارة والمفاجأة فقد كان يوقظ الأمل في نفوس المشاهدين رغم أن الأمل كان بعيدا عنه عاش وحيدا راهبا في حب المسرح والثقافة وساخراً من هذه الدنيا الراحلة ..
يقول في إحدى أغاني مسرحية البنت اللي قالت لا والتي قدمتها بصوتي رحلنا على جناح .. ما خلى بينا مطراح ... ومونتنا كانت تفاح .. قطفناه وصرنا المحصول .. رحلنا على جناح المجهول 
* لقد أنقذ مسرحياته من المباشرة الفجة والتسطيح من خلال النسيج المسرحي الذي قدمه وقدم فيه المجتمع على هيئة كائن حي متغير قادر على الانتصار ومن هنا تبرز أهمية المسرح بالنسبة لكل المجتمعات فلابد أن نسلم باستحالة الفصل بين الفن والمجتمع .. رغم رؤيته الذاتية الحزينة للكون والحياة فهو كاتب متفائل في أعماقه ويسكن في قلبه طفل يخربش على أوراقه المخططة بالتربيع بقلم الرصاص يرسم شخصياته الذين كانوا يحاولون التغلب على الشر والفرقة والتخلف والدعوة إلى مجتمع الإنسان الجديد الذي جاءت الثورة من أجله فهل نجح هؤلاء الشخوص في تحقيق آمالهم .. أرجوا ذلك .
رحمة الله على فقيدنا المبدع الصديق فرج عبدالسلام قناو وأسكنه الله فسيح جناته .. هل هناك من باحث .. ناقد .. قارئ مخرج ومعد جديد يحاول خلق اضاءات جديدة حول هذا المسرح الليبي الذي يستحق الكثير.
ومازالت الدعوة مفتوحة
 
 

علاقة جميلة كهذه 
رحيل الجياد البرية 
بقلم عبد الله الزروق

مثلما تموت الجياد البرية وحيدة وكريمة وتسقط بلا معين بعد أن كانت تزرع البهجة وتفتح عوالم الدهشة سقط الراحل فرج قناو وحيداً وكأنه نسياً منسياً سقط فرج قناو بعد أن قدم للمسرح الليبي جواهر الكلم وعذب البيان مناضل اسطوري عاش بيننا اعواماً زرع في قلوبنا بيادر الحب وغاص في كيان المجتمع فقدم آهاته وآماله وأحلامه شاهداً على عصر قدم مفرداته بأمانه وعشق بعيداً عن الفترينات والواجهات وتجارة الكلام .
عرفته في عام 1968 مسيحي بعد أن قدمه لنا الصحفي والفنان عثمان إسماعيل في فرقة المسرح الليبي والتي كان مكانها في ذلك الوقت بالظهرة شارع سيدي بن الأمام انسل هذا الرجل إلى داخلنا بهدوء وبدون ضجيج كنا في ذلك الوقت نجرى التدريبات على مسرحية "السماسرة" للراحل الأزهر أبو بكر حميد ورحب به الأعضاء عبد الله الشاوش ـ عياد الزليطني ـ عثمان اسماعيل ـ سعيد المزوغي ـ محمد الغرياني ـ الدوكالي بشير ـ عيسى عبد الحفيظ، رمضان القاضي وغيرهم وفي أيام أصبح صديق الجميع كان يشتغل في ذلك الوقت في صحيفة "الشعب" والتي  كان يدرها ويرأس تحريرها الأستاذ الكبيرعلي مصطفي المصراتي وعاش معنا فرج قناو في أجواء التدريبات إلى درجة أنه في عرض المسرحية الأخير في مسرح "الارنيا جاردينو" "الحديقة الصيفي " والذي يقع في شارع حسونة باشابين شارع أول سبتمبر ـ وشارع المقريف ـ ومكانه الآن (محطة سيارات) في العرض الأخير غاب أحد الممثلين فأسند دور الضابط للراحل قناو وهو أول وآخر دوره مثله وفي نفس السنة تأسس (اتحاد الهواة العرب السينمائي) وكان مكان هذا الاتحاد غرفة في فرقة المسرح الليبي..ومن أعضائه مصطفى المصراتي .. والشاوش وسعيد المزوغي..وسعد الجازوي .. وعيسى عبد الحفيظ ومحمد الغرياني .. ويوسف النعمي وكان فرج قناو أيضاًً أحد أعضائه .. وقد قدم قصة قصيرة في ذلك الوقت لانتاجها سينمائياً .. تحت اسم ( عودي يا صغيرتي أمينة ) كما قدم الراحل الأزهر حميد للاتحاد قصته( الزهرة الأخيرة) ..وأصبحت الفرقة محظوظة في ذلك الوقت فهي تضم ثلاثة صحفيين عثمان اسماعيل وسعيد المزوغي وفرج قناو.
وفي عام 1971 مسيحي ترك الراحل الأزهر حميد فرقة المسرح الليبي .. وقد كان هو المخرج الأوحد والمؤلف الأوحد فترك فراغاً كبيراً .. عندها تقدمت للإخراج مسرحية (الحضيض) للكاتب الروسي مكسيم جوركي وساعدني الجميع البوصيري عبدالله وفرج قناو وشاركني فيها ممثلين منهم عبدالله الشاوش ـ عبد الوهاب الزنكولي ـ سالم جمعة المرحومين رمضان القاضي ـ وعلي العلواني ورسام الكاريكاتير محمد الشريف والفنان عبد السلام القرقارشي والفنانة المصرية زينب عبد العزيز .. والفنانة خدوجة صبري وكان عمرها في ذلك الوقت إحدى عشر سنة . وتمت المجازفة بنجاح غير متوقع أنقذ الفرقة من الاساءة التي واجهتها في المهرجان الأول للفنون المسرحية بعد عرضها لمسرحية ( دولاب الملابس وحجرة المكياج ) للراحل الأزهر حميد والتي تحصلت على الترتيب الأخير بعد ذلك بدأت مرحلة فرج قناو .. فبدأ تجاربه في الكتابة المسرحية.
 بإعداد مسرحية "هال أشي " لاتتزوج مؤلفة والتي حولها إلى مسرحية "متزوج سبعة " والتي كان أول عروضها في مدينة بنغازي في نهاية عام 1972مسيحي وبعد ذلك أعد عملاً آخر وهو مسرحية "اللي اتديرة تلقاه "وهي ماخوذة عن مسرحية "الراجل اللي ضحك عالملايكة "للكاتب المصري علي سالم وأخرج المسرحية أيضاً وهي مسرحية قصيرة مثلها الشاوش وخدوجة ورمضان القاضي وهي أول وآخر إخراج له .
بعدذلك توالت أعماله المسرحية الاجتماعية والتي شكلت في مجموعها اقتراباً حقيقياً من أديم المجتمع وإبراز مكارمه وخصائله وخصوصياته فاصبحت تجاربه الاجتماعية في البنت اللى قالت لا وأخطي رأسى وقص وحوش العيلة له خصائص تذكرنا بمسرح نعمان عاشور وسعد الدين وهبه ..و كذلك هجالة وميات عريس.
وقد كان لي شرف أن أخرج لهذا الكاتب الكبير مجموعة من أعماله منها متزوج سبعة ـ أخطى راسي وقص ـ البنت اللي قالت لا ـ بشرى ـ الطير اللي يغني ـ حدث ذات مرّة وهي سلسلة اعتز بها كثيراً ... ولم ينتج فرج قناو نصوصاً مسرحية فقط بل أبدع شخصيات أصبحت نماذج حقيقية للمواطن مثل بوعديلة،وهرودة ،والحاجة مناني، ونعنوشة وتبره .. وساهم أيضاً في انتاج ممثلين مثل فتحي كحلول، وخدوجة صبري، وعبد المجيد الميساوي،وحسن اكشيك ولطفية ابراهيم .. وقدم لهم أدواراً صنعت منهم فنانين حقيقيين وكان الراحل قناو شاعراً منفرداً بجمل في أعماقه حنيناً دائماً .. وبحث دائماً عن معانٍ تجذر الأصالة .. وكأنه كان يخاف من تلاشي الهوية .. فيقولها في بعض أعماله...
ومادابينا نسيروا منطلقة خطاوينا 
ومادابينا نغنوا مع الطير غناوينا 

ويقول أيضاً ..
حوشك ياعمي عبدالله
حرام يعطوه لبوبرطله..
ويقول أيضاًِ 
حرام ينعرض للبيع حوش العيلة
حب انكتب في القلب وآش يشيله 
ويقول عاشقاً 
لاتهمدي رمشك ولا تصديني 
فتمهيدتك تحت الهدب تلقيني
هذا هو جانب من جوانب الفنان الراحل فرج قناو والذي فقدت بموته شقيقاً وأليفاً وعزيزاً كاتباً مثقفاً بدأ حياته بقراءة المتون والمراجع عرف الأغاني للأصفهاني والعقد الفريد ونهم البلاغة والحيوان للجاحظ .. وتمتع بالمعلقات السبع..عاشقاً من عشاق المعرفة ...
وسراجاً حقيقياً..وعندما تخلى عنه الجميع .. ترك حياتهم واتجه إلى عالم الطفولة إلى معسكرات البراعم يلقنهم المعرفة ويطرح فيهم مشروع مسرح المستقبل..بقى وحيداً طوال حياته .. وآن لهذا الفارس أن يترجل ... وودعنا طيفاً حقيقياً لون حياتنا بالأزاهير .. ليلي بسيط .. وليبي بسيط فقط ..ولكنه بسيط جداً..

 





 
























الفنان  مصطفى احميدة العجيلي  
إعداد / مختار الأسود  
* ولد عام 1916 مصطفى احميدة العجيلي  بالمدينة القديمة بطرابلس بمنزل القنوني بزنقة قوس المفتى ، تعلم في بداية سنوات عمره الأولى وتتلمذ على بعض مشاهير العلماء، منهم الأستاذ علي أمين سيالة والشاعر أحمد قنابة. في عام 1925 التحق بمدرسة مكتب الفنون والصنائع وتعلم بها اللغة الإيطالية إلى جانب اللغة العربية، ورقمه بها (70)  تخرج عام 1932 وظل يتردد على مكتب الفنون والصنائع حتى تم تعيينه مدرساً بمدرسة تاورغاء، وبقى بها مدة ثلاثة أشهر، ثم انتقل إلى مدرسة بمدينة بنغازي وبقى بها مدرساً لمدة سنة عاد بعدها إلى مدينة طرابلس لمراعاة حالة والدته والاهتمام بها.تحصل على درجة الدكتوراه من إيطاليا مدينة نابولي في سنة 1937 م . عمل بالتدريس مدة تزيد عن 25 سنة.عمل مفتشاً للغة العربية في المدارس الإيطالية.
* علاقته بفن المسرح بدأت منذ مباشرة عمله بالتدريس حيث تولدت عنده رغبة وميلا لفن التمثيل المسرحي، إذ رأى في هذا الفن مدرسة متسعة لسرد التاريخ، كما رأى فيه مصحة لعلاج الأمراض الاجتماعية، وكما أنه وسيلة للترفيه الاجتماعي، فهو أيضاً وسيلة للنهوض الثقافي ومرآة للحضارة. وعلى هذا الأساس من الرغبة الصادقة والميل الهادف لفن المسرح، وباعتباره أحد خريجي مكتب الفنون والصنائع، فقد استطاع اقناع زملائه من خريجي المكتب وغيرهم من الأدباء والمثقفين للسعي في تكوين فرقة للتمثيل والموسيقى. وفي عام 1936 تحقق  هدفه حيث كان أول المؤسسين لأول فرقة بمدينة طرابلس وهي (فرقة خريجي مكتب الفنون والصنائع للتمثيل والموسيقى) وتولى إدارتها والإشراف على شؤونها الفنية.
وهو يعتبر بحق من رواد النهضة المسرحية في مجالاتها الفنية المتعددة كاتباً ومؤلفاً ومقتبساً لبعض النصوص العربية والغربية مخرجاً وممثلاً بارعاً.
- أعمال الدكتور مصطفى احميدة العجيلي في مجال المسرح متنوعة منها:
* مسرحية (وديعة الحاج فيروز الخراساني) وهي قصة عربية مشهورة أدبياً وتاريخياً، وهي من اقتباسه، وقام بتمثيل أحد أدوارها الرئيسة. وهذه هي أول عمل مسرحي قدمته فرقة خريجي مكتب الفنون والصنائع عام 1937.
* مسرحية (الرضا) قصة اجتماعية عصرية أخلاقية بناءة مطعمة بألوان من الشعر الداعي للقناعة والخير والمثابرة، وهي من إخراجه.
* مسرحية (مزين بغداد) هزلية، من إعداده.
* مسرحية (طاش وطوشون) أخلاقية اجتماعي باللهجة الطرابلسية، من إخراجه.
* مسرحية (غرام وانتقام) معربة من نوع المأساة، من إخراجه.
* مسرحية (براعة) مسرحية أدبية، من تأليفه ومن إخراجه.
* مسرحية (الولد العبيط) تربوية أخلاقية، من تأليفه ومن إخراجه.
* مسرحية (ناكر الجميل) أدبية أخلاقية، وتعتبر من روائع المسرح العربي الليبي، من تأليفه ومن إخراجه، وقام بدور رئيسي فيها ممثلاً بارعاً.
* مسرحية (الصديق المنافق) أدبية أخلاقية من تأليفه ومن إخراجه.
* مسرحية (العاقبة) أدبية اجتماعية من إخراجه، وهذه المسرحية تعتبر أول عمل مسرحي للنادي الأدبي بطرابلس.
* مسرحية (اعتناء الآباء بالأبناء) أخلاقية تربوية من إخراجه.
* مسرحية (خيانة الأصحاب) اجتماعية أخلاقية من إخراجه.
* مسرحية (مساوئ المال) من إخراجه.
- للدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي الفضل الكبير في تشجيع وخلق المواهب الفنية في مجال المسرح بعد الجيل الأول من الرواد، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1) الفنان مصطفى محمد الأمير، فقد اختاره الدكتور مصطفى احميدة العجيلي من بين شباب نادي العمال واسند إليه دور (الأب) في المسرحية التي ألفها وأخرجها وعنوانها (العودة إلى المدرسة) وشجعه على قبول الدور وساعده ودربه على القيام به، ومنذ ذلك اليوم الذي ظهر فيه على خشبة المسرح لأول مرة تحقق للفنان الصغير ما كان يحلم به، وأصبح من رواد جيله في مجال المسرح.
2) الفنان مختار رمضان الأسود شجعه الدكتور الفنان مصطفى العجيلي على دخول فن المسرح منذ صغره يوم أسند إليه دوراً يتناسب مع سنه آنذاك في مسرحية تاريخية شهيرة بعنوان (يوم القادسية) سنة 1945 بنادي العمال.
3) وفي أول حفلة لفرقة الأمل التي عرضت فيها مسرحية (الصديق المنافق) من تأليف وإخراج الدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي الذي شجع بعض الفتيان الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة على الظهور في نهاية العرض على المسرح ليسمعوا المشاهدين بعض الأناشيد في حفل الختام، منهم:
فائق بن سلطان، وكامل الحسنين، ومختار الأسود، ونوري القروش، ورمضان زميط، والهادي ذياب، ومحمد العروسي، وعيسى الصومالي.
وقد تكاثفت مجهودات الدكتور مصطفى احميدة العجيلي مع العديد من الشعراء والمثقفين والأدباء لإلقاء بعض الكلمات الأدبية والقصائد الشعرية قبل العروض المسرحية، وهذه أبيات من بعض تلك القصائد الشعرية التي كانت تعرف بالفن المسرحي وتلهب حماس المشاهدين ومنها هذه الأبيات:
بعنوان (من وحي التمثيل المسرحي) 
ابعثوا الفن فخارا وجلالا      وبهاء يملأ الدنيا جمالا
أيها الفتيان يا من أسسوا    مسرحا للفن قد شع هلالا
أنتم المأمول في نهضتنا       ولكم نرفع ماجد وطالا
بالفن ستبنوا مجدكم          وعليه تمسحوا الداء العضالا
فنراكم في قريب أمة          ردت التالد وازدادت كمالا
أليست هذه الأبيات الشعرية ترجمة صادقة لما كان يعتمل في صدور هؤلاء الشباب من مشاعر يوم أسسوا أول فرقة للتمثيل عام 1936 وعلى رأسها الدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي الذي كان يعتقد بأن المسرح يعتبر ركناً مهماً من أركان التقدم الثقافي والحضاري.
كان الدكتور الفنان مصطفى احميدة العجيلي مخلصاً لهواية فن المسرح تدفعه رغبة صادقة في تحقيق أهداف النهضة المسرحية في بلادنا العزيزة، فلا يرى أن هناك أي سبب يقف في سبيل تحقيق هذه الرغبة، فحين دبرت سلطات الاحتلال الإيطالي الفاشستي أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية خطة ماكرة تفشل بها نشاط أول فرقة للتمثيل بمدينة طرابلس، لما لاحظته من مردود ثقافي جماهيري للمواطنين المشاهدين المتمسكين بهويتهم وأصالتهم وتاريخهم بفضل مشاهدتهم للمسرحيات التي تقدمها الفرقة، خلقت تلك السلطات الفاشستية الإيطالية ذريعة تحبط بها مشاعرهم أولا وتحقق بها حل الفرقة وإنهاء نشاطها ثانيا.. وفرضت على إدارة الفرقة تغيير الاسم إلى اسم فاشستي جديد وفي حالة عدم القبول تحل الفرقة وتوقف جميع نشاطاتها في مجال المسرح والموسيقى.
وكان الرد بذكاء وحنكة وإصرار على البقاء في المسيرة الفنية أن الفرقة تقبل تغيير اسمها ومواصلة نشاطها، وذلك بعد أن حلل الدكتور الفنان مصطفى أحميدة العجيلي الاسم الإيطالي الجديد المفروض المختصر في مقاطع ثلاثة تبدأ بحروف ثلاثة هي باللغة الإيطالية (A.M.L) نقلها إلى حروف عربية فكانت (أ.م.ل) ... ولما جمعها في خاطرة كانت فرقة (الأمل) فاستبشر خيراً وتمت الموافقة على الاسم الجديد.. وهكذا خلق في أعماق نفوس زملائه بأننا قبلنا لأننا في فرقة (الأمل).. والخلاص من المستعمر الفاشستي المحتل.. 
واستمرت الفرقة تقدم عروضها المسرحية حتى قبل نهاية الحرب العالمية الثانية فعرضت مسرحية (عصمان البحري) كما عرضت مسرحية (الصديق المنافق) التي كانت من تأليف وإخراج الدكتور (مصطفى احميدة العجيلي) . 
وأول خطوة خطاها في عام 1944 نقل الفرقة إلى مكان جديد بشارع درغوت باشا واختار لها اسماً جديداً هو: (نادي العمال) وتولى شؤونه الإدارية والفنية واستمر النادي بنشاطاته الفنية الثقافية والاجتماعية والرياضية.
وفي حفلة الافتتاح عزفت الفرقة الموسيقية التابعة للنادي أغلب الأغاني التي كانت معروفة في تلك الأيام ليبية ومصرية.
وهذه الفرقة الموسيقية كانت تتكون من عازفين جميعهم من كهول خريجي مدرسة الفنون والصنائع يشرف على تمارينها أكبرهم سناً وأقدرهم عزفاً وهو الفنان رمضان الأسود وكان الدكتور مصطفى احميدة العجيلي هو الذي جمع شملهم عند تأسيس نادي العمال وهم:
رمضان الأسود، مختار الترهوني، مختار الباهي، الهاشمي الفيتوري، محمد الأرناؤوطي، حميدة ميلاد، المهدي الشريف وغيرهم.
وأول عمل للنادي هو إعادة تمثيل مسرحية (ناكر الجميل) من تأليف وإخراج الدكتور مصطفى احميدة العجيلي، اشترك في تمثيلها أغلب الوجوه القديمة لفرقة خريجي مكتب الفنون والصنائع الذين اكتسبوا شهرة واسعة منذ عام 1936.
وظل الدكتور مصطفى حميدة العجيلي يعطي لفن المسرح في إبداع ألوانه التخصصية من تأليف واقتباس وإخراج وتمثيل حتى نهاية نادي العمال عام 1946.
وفي منتصف هذا العام (1946) انتقل الدكتور مصطفى أحميدة العجيلي إلى مجال الصحافة فأصدر مجلة (المرآة) وصدر أول عدد منها بتاريخ 15- 7- 1946، وهي صحيفة أدبية فنية ورياضية وقد اهتمت بفن (الكاريكاتير) وكانت أول مجلة تقدم هذا الفن في ليبيا وكان الفنان والرسام والرياضي القدير فؤاد مصطفى الكعبازي هو الذي يقوم برسوم (الكاريكاتير) في هذه المجلة. ومن بين أعضاء أسرة تحريرها الأساتذة:
محمد خليل القماطي، مصطفى الكعبازي، عبد الرزاق البشتي، الهادي عرفة، الشاعر أحمد الشارف، الشاعر أحمد قنابة، الشاعر المحامي  علي صدقي عبد القادر، أحمد الحصائري.
ومن أحسن أبوابها: حسب رأى صاحبها الدكتور مصطفي أحميدة العجيلي هو باب (الهتشيات) ويعني الكلام الذي لا يعتد به ولا يعتمد عليه يتناول فيه محرر هذا الباب أخبار المجتمع.
كان فنانا بطبعه يطرب لاستماع الموسيقى وتعجبه الأغنية الليبية خاصة في ثوبها (الفزاني) من جنوب الوطن ويرى بأن هذا اللون هو الفن الصحيح والأصيل والموروث الصافي بغير تعكير.
ظل حتى آخر أيام حياته يحن للمسرح لأنه متصل بأعماق نفسه منذ عام 1936 وكان يعبر عن الحنين بأنه (حنين العاشق الولهان) إلى أن فارق الحياة رحمه الله رحمة واسعة.
ونأمل أن تكون الأسطر لمسيرته الفنية تذكرنا بما حقق من طموحات في مجال فن المسرح رائداً من رواده الأوائل، حتى فارقه بالعشق والحنين، ونرددها اليوم مع التقدير له والوفاء لما بذله من جهد وعطاء.
-  وفاته:
توفى المرحوم الدكتور مصطفى العجيلي يوم 26- 9- 2004 مسيحي اللهم أسكنه فسيح جناتك وألهم أسرته وتلاميذه وأصدقاءه الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون
 
















فؤاد الكعبازي 
سيرة القنديل أو ذاكرة الإبداع البكر
 حوار / نوري عبدالدايم 

   على مدى ستة أيام متقطعة حرص الأستاذ " فؤاد الكعبازي " كما حرصت على أن تترك الذاكرة تقودنا الى سرد حر مفتوح لأن الذاكرة كما يقول أشبه بالفقاقيع إذا أطلقت واحدة تيقظت الأخريات " فكانت تداعيات سرده أشبه ببناء روايات " ميلان كونديرا" في إنتقاله الزماني والمكاني والعودة اليهما . لم تفارقه ذكريات طفولته فنراها نقية صافية على غير ذكرياته في فترة الأربعينيات والخمسينيات التي يتعذّر عليه رصد تواريخها وأسماء أعلامها تاركاً لي مهمة التـأكد منها من المراجع أوشهود عصرها للأمانة . هنا أختص بنشر مادار بيننا من حوار حول المسرح وأعلامه الرواد .  
* :- عندما تأسس  " نادي العمال " سنة " 1944 م " برئاسة " احمد قنابة " وعضوية  د. مصطفى العجيلي " نائباً للرئيس " و " محمد محمد قنابة " أميناً للصندوق  . قمت بتصميم  شعار النادي ، بالإضافة الى نشاطك كرياضي ومصمم مناظر "1 " .
د . الكعبازي :-  كان أغلب رواد " نادي العمال "  من خريجي " مدرسة الفنون والصنائع "  وكان رواده " مصطفى العجيلي ، والهادي المشيرقي ، ومحمد قنابة ، واحمد قنابة ، ومحمد حمدي ، وأحمد البيزنطي ، عبدالمجيد النعاس ، والصديق حواص ، وسالم التلتي ،  وعمر حدود ، سالم كمال ، وأحمد الحصايري ، _ تحر على الأسماء فذاكرتي لاتستطيع استحضارهم كلهم _  والتحق أخيراً " مصطفى الأمير "   كان يضم موسيقيين و ملاكمين وأدباء وعمال ... كان مقرّنا في " حوش قنابة " بشارع " سيدي درغوت " وهو عبارة عن منزل عربي يحتوي على  استراحات . صممنا فيه حلبة للملاكمة ومصطبة للتمثيل في صالة  بمساحة ( 12×12 متر) قمت بهذا العمل صحبة " علي فتحي المحمودي " من مناظر ونجارة.... يضم هذا  المقر إستراحات صيفية وصالة للشتاء ، تركنا في خلفية الركح  مسافة 30 سم على الحائط لضرورات التنكر وتغيير الملابس " كواليس " و لم يترك مكاناً للملقن الذي يعد ضرورة من ضرورات فن التمثيل في ذلك الوقت ، فكان بدوره  يحفظ جميع الأدوار ويتنقل حسب حركة الممثل . كان أيضاً  " مصطفى العجيلي " و محمد حمدي" يمتلكون القدرة على الحفظ ....  روح التعاون هي المبداء الذي اعتمدناه  في هذا النادي  ...  كانت تجلب المقاعد من المقاهي  بعدما تقفل أبوابها . وتكفلت أنا بالستائر من بيت والدي وإرجاعها للبيت بعد العرض .  منهم من تكفل بمد الإنارة . الملابس كان يتكفل بها الممثلين . كان  " مصطفى العجيلي " يمتلك مقدرة نادرة  على جمع التبرعات من الأسواق بمساعدة " محمد الكريكشي " . إضافة لدوري في المناظر والتنكر كنت مدرباً للتربية البدنية " الملاكمة ، المصارعة ، كرة القدم" . كما قدمت  يوم الافتتاح عرضاً رياضياً "1" .... كنت قبلها منتسباً للنادي الأدبي والكشاف صحبة " مظفر رفعت " والد " حورية مظفر "  ، و" مماد الامير" ، والد "  مصطفى الأمير " . ولد " الكشاف " سنة 1934 م "  قبل ميلاد " النادي الأدبي "  كانت التدريبات _ أي الكشاف _ في " سيدي عمران " كما أسس " نادي العمال " تحت مظلة " النادي الادبي " الذي أفتتح  امام " مكتب الفنون و الصنايع " أمام " فندق البدري " . 
*:- أخبرتني بأن والدك لم يذهب للعروض المسرحية إلا مرة واحدة عندما ألتزم أمام فرقة هواة درنة سنة 1936 م . كما لا يرغب في إنضمامك لأي فرقة مسرحية . 
د. الكعبازي :- كان " مصطفى العجيلي " يتمتع بعلاقة طيبة مع والدي الذي دعاه لحضور أحدى العروض التي أمثل فيها دور " عريس " يموت والده دون علمي . لم يرض أبي هذا الموقف و تشأم منه  ولم يذكره سلباً أو إيجاباً . كانت ردة فعله الوحيدة إمتناعه عن الكتابة في مجلة " المرآة " التي يديرها " مصطفى العجيلي "  أنتقل هذا الإحساس إلي من والدي ولم أعد  التجربة بعد ذلك . 
*:- هذا أخر عرضاً لك كممثل ... كيف كانت البدايات ؟
د . الكعبازي :- اول عرض أذكره كان مع الممثل " محمد حمدي " في دور " طبيب "  كان باللهجة المصرية التي لم اكن أجيدها مثل " حمدي " و " حسن المصري " ، الأمر الذي جعل الجمهور يضحك من طريقة أدائي .  واضحكت " حمدي "  معي . كتبت الصحف " الممثل الذي أضحك " حمدي " .... تعلمت من حمدي فن التنكر والإخراج وطريقة صباغة الوجه  . .... بعدها انتقلت فرقة  " نادي العمال " الى مقر أخر "2" .  شاركت في تأسيس " الفرقة العربية للتمثيل " 3 " مع نخبة  من المثقفين أذكر منهم " محمد حبيب الله ، سالم كمال ، أحمد جميل ، عبدالسلام باش امام " مع الأستاذ " الطاهر الشريف " _ وهو شخصية وطنية _  أتفقنا مع " سالينوس "  صاحب " الهمبراء " الذي  خصص لنا صالة للتدريبات . كنت مسؤلاً فنياً في أغلب أعمال الفرقة وكان "  سالم كمال "  مديراً للإدارة المسرحية . كانت لغة الأعمال الفصحى البسيطة السلسة . قمت بإخراج مسرحية " أماه " من تأليف " الطاهر الشريف " تحكي سيرة ثلاث شخصيات " عمر الخيام ، ونظام الملك ، وحسن السفاح " وتربط بينهما " الأم " كنت أقوم برسم الشخصيات حسب تصوري وأقدمها للممثلين مع النسخة ، في أغلب أعمالي كنت أعتمد هذه الطريقة وأيضاً كنت أحاول أن أجرب الممثل في أغلب الأدوار . في أحد الأعمال أسندت دور " المحقق ل " لبيد الخضار "  وأسندت للبيزنطي  دور "  بحار "  مع كل تفاصيله بالوشم والأداء .. مع مخارج حروف الشخصية .  ففي هذا العمل  يمثل عاملاً وفي عمل أخر  مديراً .  ولتأثري بالسينما أدخلت الأداء الطبيعي للمسرح مستعيناً بناقل للصوت . مثلث في هذا العمل فتاة إيطالية مستوطنة ، كما قمنا بتنفيذ شلال تجري منه المياه بمساعدة الخلفية والإضاءة وتوزيع المياه من الحنفيات .... في أحد العروض قدمت الفرقة " لبيد لخضار " _ وهو شخصية محبة للفن ويتمتع بصوت جميل ويعشق أغاني " محمد عبدالوهاب "_ بالات عصرية اوركسترالية متكاملة  غنى فيها قصيدة " أنشودة الفن " " 4 " . 
* :- كيف كانت أشكال الدعاية في ذلك الوقت ؟ 
د. الكعبازي :- كان ينشر إعلانأ في صحيفة " طرابلس الغرب " مع ملصقات كبيرة تعلق أمام المسرح كان " محمد بطاطا " ينسخ منها عدة نسخ في مطبعة يملكها إيطالي . وأوراق صغيرة ملونة توزع يكتب عليها أسم العمل ومكانه وقيمة التذكرة . بقيت مع هذه الفرقة الى غاية ذهابي الى "  بريطانيا "  للدراسة . 

- المصادر :-

-"1"_ تصدرت الساحة حيث يقع مربع الملاكمة صورة كبيرة لشعار النادي قام بتصميمها ورسمها " فؤاد الكعبازي " .......... وانتهت الحفلة باستعراضات رياضبة سويدية قام بها المدرب الرياضي " فؤاد الكعبازي " والرياضي المسرحي " عمر جرمة " . المصدر /    بشير محمد عريبي " الفن والمسرح في ليبيا " منشورات " الدار العربية للكتاب " ليبيا- تونس 1981 م .
"2" _ سنة " 1945 م " انتقلت الفرقة الى " فندق النصر " أما " برج الساعة " بشارع سوق المشير كانت باكورة ‘إنتاجها " مساوي المال " تأليف " عبدالرزاق الطاهر البشتي " أخراج " د . مصطفى العجيلي " وأشرف على الإدارة الفنية " فؤاد الكعبازي " . المصدر السابق . 
" 3 " _ تأسست الفرقة العربية سنة " 1946 م " وكان بين روادها " الأديب الطاهر الشريف ، مظفر الامير وبشير عريبي "  أهم أعمالها المسرحية " الأبرياء ، أماه ، العاقبة ، تاجر الجواهر " من  تأليف الطاهر الشريف ، وفد ندبوا أستاذاً إيطالياً لتدريبهم على التمثيل وأستاذاً أخر للموسيقى .  المصدر السابق . 
"4 " _ عقب عرض مسرحية " الأبرياء " تأليف واخراج " الطاهر الشريف " قدم " لبيد الخضار " " أنشودة الفن " وهي أحدث أغنية ل " محمد عبدالوهاب " رافقته في الأداء الفرقة الموسيقية الشرقية بقيادة " عثمان نجيم " وعزفت الفرقة الموسيقية عدة قطع غربية بقيادة المايسترو " باربا لونقا " . المصدر السابق .
الأزهر أبوبكر حميد 
متعة الكوميديا وجرأة الطرح 
بقلم/أحمد بشير عزيز 
 
الأزهر أبوبكر حميد كاتب فقدناه وفقدنا معه مبدع أعطي للحركة المسرحية وللإذاعتين المرئية والمسموعة في بلادنا الكثير والكثير.غادرنا في أوج عطائه وفي قمة نضجه الإبداعي.الأزهر أبوبكر حميد خيال خصب وقلم رشيق يمتاز بمقدرة ملفتة على اقتناص الفكرة واستثمار اللحظة وإدارة الحوار الدرامي بطريقة فيها من التلقائية والإنسيابية والروح الشعبية الشيء الكثير. فهو بالفعل كاتب شعبي من الطراز الرفيع.الروح المرحة ساعدته كثيراً وشقاوة الصحفي أفادته كثيراً وسؤال المعرفة الذي لأزمة أعانه كثيراً،في كتاباته جرأة وفي مسرحياته جرأة وفي تمثيلياته أيضاً جرأة فهو لايكترث بالقيود الاجتماعية ولا يعير أهمية للمجاملة ولا يتردد في الجهر بقناعاته حتى وأن خالفها البعض. هذا التكوين وضعه في سجال دائم وفي مناكفة مستمرة وفي حالة عدم رضي من الكثيرين وفي حالة أعجاب الكثيرين أيضاً وحقيقة الأمر أن الأزهر هكذا هو لايتصنع ولا يدعي وما يقتنع به لايتردد في فعله.
الأزهر أبوبكر حميد كاتب غزير الإنتاج كتب أكثر من أربعين مسرحية وما يزيد عن المائة بين تمثلية ومسلسل ومسمع إذاعي إضافة إلى عدد من السهرات الدرامية والمسلسلات المرئية.
عناوينه مثيرة وملفتة وكثيراً ما تكون جذابة من عناوين مسرحياته وزارة في السوق السوداء-إبليس كان هنا-السماسرة-شكسبير في ليبيا-نقابة الخنافس-ملحن في سوق الثلاث-حريم عمي المتصلول-الحب بالدينار-تحظمت الأصنام.
حوارات الأزهر أبوبكر حميد ليس بها إطالة أو تمطيط وهو لايركز كثيراً على الديالوجات أو المنولوجات بل كثيراً ماكان يصنع نصه على أساس التراشق الحواري بين الشخصيات مما يعطيها مزيداً من الديناميكية والحيوية وهو عادة ما يدير بناءه الدرامي عبر مواجهات ساخنة في إطار كوميدي بهدف إظهار السلوكيات غير السوية وكشف الظواهر الاجتماعية السيئة..فالأزهر عندما يعري شخصياته فأنه يقوم بوظيفة مزدوجة فهو يضحكنا على تطرف الشخصيات من جهة ويجعلنا نسخر من هذا التطرف من جهة أخرى.الأزهر أبوبكر حميد بدون شك احد فرسان الكوميديا الاجتماعية في بلادنا واحد رواد المدرسة الواقعية.
في أعماله ظهور واضح لكوميديا الموقف التي تعتمد على المهارة في بناء المفارقة الدرامية  أكثر من اعتمادها على صياغة الحوار.وعادة مايثير بها قضايا اجتماعية شائكة تحتاج لجرأة الطرح وقدرة التناول.في مسرحياته لا وجود لشخصيات نمطية كما هو الحال في مسرح مصطفي الأمير وفرج قناو بل شخصياته المسرحية متجددة فهي معاندة مشاكسة متشبته متزمتة مهرجة متحررة مقهورة انتهازية نفعية مقتبسة من شرائح المجتمع المختلفة يستلها من تراكمات الواقع الاجتماعي يصوغها دراميا ويعتني بها إبداعياً وهو بذلك يركز في نصوصه على حركة عامة داخل المسرحية تستوعب شخصياته وتعطي لكل واحدة منها ما تحتاجه من فعل أو رد فعل وما تتطلبه من قوة أو ضعف وما يلزمها من انفعال أو تأثير. 
الأزهر أبوبكر حميد يتعامل مع الكوميديا من خلال مفهومها الواسع الذي هو ثورة على قيم قديمة وعلى مجتمع قديم وتفسير لرؤى عميقة في العلاقات الإنسانية.وهذا ما يجعل الكوميديا عنده فناً جاداً يرتكز على مفارقات ديالكنيكية جدلية تفضي إلى مضمون هادف وليس إلى مجرد التسلية أو التزجية.لقد سعي الأزهر وبمثابرة كبيرة إلى أن تكون له بصمته المتميزة في مجال كتابة النص الكوميدي وحرص في مسرحياته على أن ينفلت من دوائر الحياة الضيقة المسكونة بالحزن والفجيعة إلى دوائر أرحب كلها تفاؤل وأمل انطلاقاً من أن الحياة مدرسة كبيرة فيها كل الاحتمالات ولكن بالصدق والجرأة والعزيمة والصراحة والشفافية يمكن للحياة أن تكون جميلة رائعة.




























شرف الدين .. حكاية مشوار (1)
حوار / نوري عبدالدايم 
 
 يستوقفنا  مشوار الستين سنة الأخيرة في ذاكرة المسرح الليبي ،  علم من  أهم أعلامها وملامحها الحقيقية  المتمثلة في رحلة الأستاذ  " محمد شرف الدين"  الفنية كرائد  مؤسس مقترن برحلة رفيقه " مصطفى الأمير " .  ف"  شرف الدين " بحق يعتبر من المبدعين القلائل الذين لم يهجروا خشبة المسرح و" كواليسها "  طيلة مشواره الإبداعي وإن هجرته الخشبات كما حدث في السنوات الأخيرة فلم يفارقه كرسي المتفرج و " ورشة المسرح الوطني / طرابلس  " والدفاع  عن مقر" الفرقة القومية" في الدوائر الرسمية بعدما تم تخصيصها كمسكن . كما لم يتوقف نشاطه ككاتب مسرحي لأعمال لم تر النور   بعد. " شرف الدين " أو " عمي محمد "  كما تعودنا أن نناديه متعدد العطاء ، فهو  لم يكن  ممثلاً مسرحياً فحسب بل إلى  جانب هذا مارس الإخراج والتأليف المسرحي، وصمم المناظر للعديد  من الأعمال المسرحية ، وهو رسام معماري وجيولوجي إضافة الى ريادته كرسام ساخر.  
* :- عمي محمد... السيرة  طويلة ، ترى من أين نبدأ ؟
شرف الدين :- نبدأ بحادثة لم تغادر ذاكرتي . بعدما  " دخلت الكتّاب " في طفولتي المبكرة  نقلني أخي  مستمعاً إلى  المدرسة الليبية الإيطالية التي كانت تديرها إدارة إيطالية مع وجود مدرسين ليبيين أذكر منهم " حسن البوصيري ، رجب أفندي ، حسونة جفارة " .  تصادف وجودي في ذلك الوقت بزيارة " الدوتشي موسليني " الفاشي الى ليبيا ، الذي  أجبرنا على استقباله بعدما ألبسونا ملابس محلية وصفّونا بمحاذاة " الكورنيش " واضعين أعلاماً فاشية لنلوح بها عند مرور موكب " الدوتشي " ونحن نصرخ بأسمه مع حركة أقدامنا.  في هذه الأثناء سقط علم الطفل الذي يجاورني تحت أقدامي . استفز منظر العلم الفاشي  المداس  أحد المدرسين الطليان  وكان من ذوي " القمصان السود " وعلى إثرها سجنني في المدرسة ثلاثة أيام بعدما تم إستدعاء والدي ، وأقيمت محكمة مصغرة في المدرسة يقودها مدير المدرسة .  أفرج عني بعد ماتم توكيل محامي ايطالي مقيم   للدفاع عني .  كانت هذه آخر علاقتي بهذه المدرسة . أذكر هذه الحادثة  . لأنها تمثل غطرسة النظام الفاشي السائد في ذلك الوقت .
* :- باعتبارك فنانا متعدد الملكات، ممثلا ، مخرجا ، كاتبا مسرحيا ، رساما مع أي منها كانت بداياتك   ؟
شرف الدين : - بدايتي مع الرسم . عندما عدت إلى الكتّاب للمرة الثانية ، كان هناك تقليد في ذلك الوقت وهو  الاحتفاء بالطالب الذي  يختم جزء من القرآن الكريم  فمن ضمن هذا التقليد،  الرسم على لوح المحتفى به فكنت أنا الطالب الوحيد الذي يرسم هذه الزخارف ، وهي عبارة عن زخارف إسلامية أستقيها من المصاحف والسجاجيد وصور السير الشعبية كـ" عنترة ، وابي زيدالهلالي ، وسيف بن ذي يزن "   فكنت أصنع الألوان التي أرسم بها ، فاللون الأخضر أستخرجه من الأعشاب ،  والبني أستخرجه بغلْي الفول السوداني" الكاكاوية "  في الماء،  والأحمر أستخرجه من " الصبار الإيطالي " والفرشاة أصنعها من شعر الحيوان . فكانت مكافأتي مضاعفة عن بقية الطلبة التي كانت عبارة عن " حلوة شاكار، و فطيرة ، وشربات" .
*:- متى تطورت هذه المعرفة بالألوان وعلى يد من ؟
شرف الدين :- بدايتي عندما انضممت إلى " مدرسة الفنون والصنايع " بقسم الفخار في  الفترة النهارية  القسم الذي من خلاله تعرفت على مزج الألوان عن طريق الأستاذ الفنان " المهدي الشريف " كما  تعلمت الرسم على الصحون والبلاط والكؤوس .  أمضيت في هذه المدرسة سنتين إلى أن أغلقت جراء القنابل التي استهدفتها في الحرب العالمية الثانية ، في ذلك الوقت انتقلت مع الأسرة إلى مدينة  " جنزور "  إلى أن وضعت الحرب أوزارها  .
* :-   هذه آخر علاقة لك  بهذه المدرسة ؟
شرف الدين :-  نعم ... لم أعد إلى  " مدرسة الفنون والصنائع " . فعندما فتحت المدارس           سنة 1943 م  انتقلت إلى مدرسة  " الظهرة العربية "  .... في هذه الفترة والتي تليها  بدأت علاقتي بالسينما المصرية  والتجسيد . فكنت أنا و" مصطفى زقيرة ، عبداللطيف الشريف أخ محمود الشريف  المغني  "   نقلد ما نشاهده في دور العرض ، كما أقوم أنا برسم  الشخصيات السينمائية  على الجدران .   في ذلك الوقت شاهدت شريط " ليلة ممطرة " ليوسف وهبي الذي عرض في  قاعة عرض  " الميرامار " إضافة إلى الأشرطة التي تعرض للجيش الثامن لمونتجمري في تلك القاعة وقاعة  "  الحمراء "  .
*:- هل هذا أول شريط شاهدته أي " ليلة ممطرة " ؟
شرف الدين  : - لا .... أول شريط شاهدتة اسمه " نادرة " سنة 36 في " السينما الصيفي " التي تقابل إذاعة الجماهيرية الآن بشارع الشط .
*:-   منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت  علاقتك بالمشاهدة والتقليد والرسم على الجدران - إلى متى استمرت هذه المرحلة ؟ 
شرف الدين :- سنة 1945 م أثناء دراستي الثانوية قدمت أول دور لي في مسرحية " الأمين والمأمون " من تأليف وإخراج محمد بن مسعود .   في نهاية سنة  47 م   كنت  صحبة مجموعة  الأصدقاء الطلبة بمنزلنا الكائن ب" زاوية الدهماني "  نتقصى أخبار فلسطين  من المذياع  ، أذكر منهم  الشاعر " علي الرقيعي " والكاتب " كامل المقهور " و " محمد الزيات " ومحمد نقاء " و " محمود وإسماعيل الزمرلي "  ، وعندما أبديت رغبتي في الذهاب إلى الجهاد،  تكفل  هؤلاء الأصدقاء بتكاليف الرحلة كل حسب إمكاناته . عندها استقللت شاحنة بضائع  دون علم أسرتي .  استغرقت  الرحلة  خمسة أيام إلى مدينة بنغازي التي كانت منتعشة اقتصادياً في ذلك الوقت ، قمت خلال هذه الرحلة بمهام مساعد سائق ، في بنغازي تكفلت " جمعية عمر المختار " بإيصالنا إلى مصر حيث تم تدريبنا  .
* :- " حاولت اختصار بعض تفاصيل الرحلة " .
شرف الدين :- في منطقة " هاك ستيب " حيث تم تدريبنا كنت أغتنم  فترات الراحة بالذهاب إلى القاهرة  لأتعرف  على أعمال "  نجيب الريحاني"  المسرحية  وأعمال"  يوسف وهبي"  من خلال فرقة رمسيس ، كما شاهدت العديد من الأعمال السينمائية أذكر منها " رصاصة في القلب ، جوهرة ، العزيمة " .
* :- كم المدة التي بقيتها في مصر ؟
شرف الدين :- ثلاثة أشهر مدة  الفترة التدريبية .  ومنها نقلنا برعاية وفد من الجامعة العربية إلى ميناء بيروت من " مرسى مطروح " لننقل إلى معسكر " قطنا " قرب دمشق ،  فتم اختياري رفقة متطوع " تونسي " ومتطوع " يمني " لدرايتنا بالسباحة  لننقل إلى بحيرة "  طبرية " من خلالها انطلقت  عملياتنا الفدائية  صحبة فدائيين فلسطينيين  . ظلت هكذا الحال مدة ستة أشهر الى غاية الانقلاب على  " حسني الزعيم " الذي انتهى بإعدامه . فخيرنا بين الجنسية السورية أوالعودة  فكنت ضمن الذين اختاروا العودة .
* :- في تلك الفترة المسرحي الليبي " صبري عياد" مقيم بالشام .
شرف الدين :- لم أتعرف عليه ...    خلال فترة راحتي التي تسمى ب" الماذونية " تبدأ من  يوم الخميس إلى الجمعة ليلاً  كنت   أذهب إلى دار عرض بجوار" سوق الحامدية "  لمشاهدة شريط روائي  تليه بعض المشاهد المسرحية حسب برنامج القاعة .
*  :- كم المدة التي بقيتها منذ مغادرتك ليبيا ؟
شرف الدين :- كانت المدة الكاملة سنتين .  ... ويستمر المشوار ..




















شرف الدين ...... حكاية مشوار (2) 
 حوار / نوري عبدالدايم 

  مسيرة مشواره الطويل توّجت  بنيله للعديد من الأوسمة والدروع داخل ليبيا وخارجها لتكون شاهداً على ثراء سيرته الزاخرة  بالأحداث والمواقف ، والحافلة  بالإبداع   . فقد " كرم في عيد العلم ، ومنح وسام الريادة ،  ووسام الجهاد ،  ودرع الريادة من الجامعة العربية ، كما كرم في مهرجان قرطاج الدولي من وزارة الثقافة التونسية" . .. ويستمر المشوار مع الفنان " محمد شرف الدين " لنوقظ من خلاله المهمل من صفحات ذاكرتنا الإبداعية .
*  :- " عمي محمد " توقفنا في بداية الخمسينيات عند عودتك الى ليبيا .    
شرف الدين :-  وقتها سنحت لي الفرصة لتأسيس فرقة مسرحية باستغلال مستودع كبير مهجور من مخلفات الطليان  في " زاوية الدهماني " بجانب " كوشة بوشاقور " الذي زودنا بالمياه . كنا  مجموعة من الأصدقاء أذكر منهم  الأخوة  " عبداللطيف ، محمود ، و صبري الشريف  ، محمد الزقوزي ،البسكيني ، وصالح الفزاني ، مصطفى زقيرة "  و " ومحمد نجاح " الذي تولى مهمة التذاكر فيما بعد . لم نتمكن من الموافقة على تسميتها  " رابطة شباب السعداوي " فغير الأسم ل " رابطة شباب المسرح " وأستقر أخيراً على " رابطة الشباب ".  
* :-  تقصد محمود الشريف المطرب ؟!
شرف الدين :- قبل أن يصبح مطرباً  .... أنجزت الخشبة من بقايا مخلفات الحرب من الخشب  ، والستارة من " الخيش " كما  حاولنا ترتيب المكان حسب الممكن من مجهوداتنا والمساهمات الأهلية .. بداية  قدمنا أعمالاً متواضعة وهي عبارة عن مشاهد تمثيلية تتخللها أغاني  فكانت باكورة أعمالنا  " خروف الضحية " معتمدين فيها على قدرة الممثل على الإرتجال فقد كانت أغلب    أعمالنا تسير على هذا النحو .. تمت الدعاية بمجهود ذاتي قام به "  محمد نجاح " المسؤول على التذاكر_ التي قيمتها (5 فرانكات ) _ والأعلان  بالمرور على محلات الحياكة والحوانيت و " الطبارن " حيث يتم تعليق الملصقات التي كنت أصممها .
* :- كم كان عدد الجمهور الذي يشاهد أعمالكم ؟
شرف الدين :- يصل الى ثلاثمائة متفرج . ... الى أن تطور هذا المشروع الى نادي إجتماعي وظل ريع أعمالنا الفنية يذهب لصالح الرياضة " كرة القدم "  تحديدا ً، الأمر الذي جعلنا نلغي إلتزامنا مع  هذه الرابطة . وثم الإجتماع مجدداً في غرفة الجلوس  بمنزلنا . هذه الأجتماعات أفرزت  مسرحية  " عاقبة مجرم " التي كتبتها مشاركة مع " محمد نجاح " .
*:-  هل هذه أول علاقة لكم بنص مكتوب  ؟
شرف الدين :- نعم ... هذه المحاولة الأولى لكتابة  نص على ورق ... وتمت التدريبات في منزلنا الى غاية تجهيز العمل  فتبنى تمويل العمل " أحمد بن يونس " الذي كان محباً للفن وحديث العهد بنصيبه في ميراث والده . فاتفقنا مع " سينما أوديون " _ الزهراء حالياً_ عن طريق " المشيرقي " الذي تربطه علاقة طيبة بصاحب القاعة وحدث الترتيب معه على عرض صباحي زهاء  " الساعة العاشرة " .  كان الحظور مطمئيناً ولكن غياب صاحب التذاكر شجع الجمهور الذي جمعناه ينطلق مع " الطرق الصوفية والزوايا " التي تجوب مدينة طرابلس في اليوم الأول للمولد النبوي الشريف ولم يتبق منهم سوى عشرة متفرجين وتم العرض لهؤلا العشرة .
* :- من الجيل الذي سبقكم في الحركة المسرحية وما هي الفرق التي كانت في ذلك الوقت  ؟
شرف الدين :- كانت الفرقة الوطنية التي تأسست سنة 1936 م التي كان من أهم رموزها " أحمد البيزنطي " و " خليفة ماعونة " وكان الفنان الكوميدي " محمد حمدي " . المهم  .. نعود للحكاية فبعد هذه النكسة أنحلت الفرقة وتفرقت المجموعة .
*:- ........
شرف الدين : - قدم لي " علي ندار " في بداية الواحد والخمسين عرض الانظمام الى فرقة " العهد الجديد" بعدما شاهد عرض مسرحية " عاقبة مجرم " . لأقوم بمهمات الديكور والملابس لمسرحية " فتح ليبيا ".
* :- في هذه الفترة كنت تميل الى الجانب التقني ؟  
شرف الدين :-  بالإضافة لهذا كنت ممثلاً في مسرحية " فتح ليبيا" . أريد الإشارة هنا بأني تعلمت المناظر على يد الأستاذ " فؤاد الكعبازي " في مسرحيتي " القاتل الأخير ، وطارق بن زياد " باللجنة الثقافية بنادي الإتحاد . .. مع هذه المسرحية _ فتح ليبيا_  تم انضمامي لهذه الفرقة التي كان ضمن أعضائها " عبدالسلام الجزيري " المعروف بسلام قدري و " بوحميرة " و "  علي المشرقي "    فقمت بتصميم المناظر التي كانت  عبارة على مقطع من " السرايا الحمراء " بخلفية نخيل  في المنظر الذي يوحي بمعسكر " عمرو بن العاص " الذي يقال بأنه عسكر في " سوق الجمعة " ب"العمروص "_ نسبة لهذا القائد كما يقال_ ، فأنتبه الدكتور التونسي " الكعاك " لهذه المغالطة _ حسب رأيه _ مشيرأ بأن النخيل دخل لليبيا بعد الفتح الإسلامي . كما صممت السيوف من حديد ربط البضايع  " حديد شيركو " عن طريق حداد " يهودي "  كان يمتلك ورشة حدادة .عرض هذا العمل في العديد من المناطق الليبية .
*:- هل كنت شاهداً على تأسيس الفرقة القومية ؟
شرف الدين :- نعم وقتها كنت عضواً فعّالاً في فرقة " العهد الجديد " .فكان تأسيسها بعد أن تم   " لقاء شاي " بين فرقتي " العهد الجديد " و  " رابطة المعلمين " بحضور كل من  " شعبان القبلاوي ، رامي وسعيد السراج ، عبدالسلام الحلبي ، وعلي أبوخريص ، البهلول الدهماني ،محمد الفيتوري ، الصادق المصراتي ، البهلول الدهماني ، نوري المغربي ، إدريس الشغيوي ، كاظم نديم ، الطاهر العربي  " و" محمد قنيدي " الذي أقترح تسمية " الفرقة  القومية " . 
* :- مصطفى الأمير ؟!
شرف الدين :- كان وقتها ب" نادي الإتحاد " يقدم برنامج مسموع في إذاعة النادي  " النهار بعويناته والليل بوديناته " ثم التحق بنا  سنة 1952م بعمل " الدنيا ساعة بساعة " المسرحية التي أتاحت لي فرصة أنطلاق بعدما تخلف " الطاهر العربي " بطل المسرحية عن التدريبات . وقتها  " سعيد السراج "  يعد عملاً أخر بعد مسرحية " الوارث "  . من هنا كانت  البداية مع الاستاذ مصطفى ، لأقدم  معه العديد من البرامج المسموعة منها " عيشة وسليمان " التي تذاع في شهر رمضان موعد الإفطار .وقدمنا "اللي تضنه موسى يطلع فرعون " وتم تحويلها الى مسلسل مسموع اسمه " مكايد الشيخ حمدان"  كانت المنافسة بيننا وبين الإذاعي " عبدو الطرابلسي" الذي كان يقدم أعمالاً تأسر جمهور المستمعين .ومنذ ذلك الزمن شكلت أنا و"الأمير" ثنائياً في الكتابة حيث تم خلق شخصية " شلندة " التي رافقتني في كثير من الأعمال . وهو عبارة عن فيلسوف شعبي ولسان حالهم ،حتى أن دوري في " حلم الجعانين "  قدمته بشخصية " شلندة " على صغر الدور ولكني أثريته عن طريق الأرتجال .
* :- حلم الجعانين قدمت مرتين على المسرح .
شرف الدين :- عندما قدمت بإخراج  " محمد القمودي " في المرة الثانية لم يدع لي مجالاً للإرتجال فلم تلاق إقبالاً كما لاقته في المرة الأولى .
* :- ألا تراه مصيباً بشان محافظته على اللإلتزم بالنص ؟
شرف الدين :- الحكاية ليست مسألة التزام بالنص .. انا بداية أتشرّب النص ، وأثناء العرض و بحكم علاقتي مع الجمهور أساهم بإضافة بعض الجمل التي تأتي عفوية في سياق العرض ، دونما الإخلال بفحوى النص ودونما إضاعة مفاتيح الجمل لزميلي الممثل المقابل . فالأرتجال مدروس وعن دراية بما يدور . 
*:- من الذي كان يقوم بالأدوار النسائية في تلك المرحلة ؟
شرف الدين :- كان الأستاذ " مصطفى الأمير " يقوم بهذه الأدوار وأيضاً " بشير عريبي " .
*:- الم يتم الإستعانة بأي عنصر نسائي  ؟
شرف الدين :- أستعنا بعاملات " دور الملاهي " في أدوار صغيرة .وقتها  أبرمت " القومية " عقداً مع ممثلة " تونسية " _أتت مع فرقة مصرية زائرة _ بقيمة " ثلاثين دينار " شهرياً ، وهو عرض مجزي في ذلك الوقت .
* :- أول ظهور حقيقي لممثلة ليبية ؟
شرف الدين :-  " حميدة الخوجة " أنضمت للوطنية وعمرها " إثنى عشرة " سنة . بينما انتسبت  " فاطمة عمر "   للفرقة القومية  في مسرحية " ولد شكون "  عن "  نجيب الريحاني " وتلييب " محمود الهتكي "  . وأيضاً عملت بالمسرح الوطني في مسرحية " حسناء قورينا " لخالد مصطفى  خشيم "  . وأيضاً انضمت  " سعاد الحداد " للفرقة الوطنية في مسرحية " أهل الكهف "  من إخراج " محمد العقربي" _ وليس " عمران المدنيني " كما يقال _ وعملت مع المسرح الوطني في مسرحية " راشمون " من إخراج " الأمين ناصف" .  
* :- قبل أنضمام " الأمين ناصف "  للمسرح  الوطني / طرابلس " .  تحت إطار اي فرقة كان يعمل ؟
شرف الدين : - كان ممثلاً  في القومية وقدم فيها العديد من الاعمال منها  " اللي تضنه موسى " و " المشروع " .
* :- ألم يعمل مخرجاً في الفرقة القومية ؟!
شرف الدين :- بدايته كمخرج كانت  مع" المسرح  الوطني"  بمسرحية " راشمون " . بعد دراسته الإخراج في بريطانيا . كان الأمين معلماً فهو مخرجاً مهتماً  بأدق التفاصيل ولديه القدرة على بث روح الحميمية لدى الفريق الفني ولا يتسامح في أخطاء  اللغة العربية ، فهو  يصر على وجود مراقب لغة لتسهيل المهمة لدى الممثل . فهو يعمل بعشق... والفن عشق وعمل . كما أخرج العديد من الأعمال  ل"إذاعة الملاحة " المرئية .
* :- هل نستطيع القول بأن دخول العنصر النسائي للحركة المسرحية من خلال " سعاد الحداد وفاطمة عمر وحميدة الخوجة " ؟
شرف الدين :-  ثمة ممثلاث مثلن في المسموعة ولكنهن لم يظهرن على خشبة المسرح وثمة من لم يواصلن المسيرة في المسرح  .. . لا نستطيع تجاوز الفنانة " لطفية إبراهيم "  التي ألتحقت بعدهن فقد ألتقيت  بها  في حوالي خمسة أعمال. " لطفية " متألقة وحاضرة   في الأعمال الشعبية ولديها المقدرة على إحتواء المتفرج .  كما تمتلك رأي و وجهة نظر فيما يقدم لها من أعمال . فهي ممثلة مريحة وملتزمة .... " اللهم يذكرها بالخير . " لطفية " ماتخليكش تستنى أبداً " .  
* :-  ما سر أقتران أسمك ب" مختار الأسود " ؟
شرف الدين :- تم إنضمام " مختار" للفرقة سنة 62 م وكان شحنة من الحيوية والنشاط وعنده القدرة  على حلول المشاكل الإدارية  الصعبة . إضافة لحضوره القوي على الخشبة وكان ملتزماً ولديه قدرة أستثنائية على الدعاية وعملنا في العديد من الأعمال .
* :- ما علاقتك بالصحافة ؟
شرف الدين :- تعاونت مع صحف ومجلات ليبية " شعلة الحرية ، الليبي ، مجلة الإذاعة " من خلال نشر رسوماتي الساخرة . كما صممت الرسومات الداخلية لديوان " الحنين الضاميء " لعلي الرقيعي ، و صممت غلاف كتاب ل" عبدالقادر أبوهروس " لا أذكر اسمه .
* :- هل ضمتك أعمالاً  صحبة " محمد حمدي " ؟
شرف الدين :- فقط شاهدته على المسرح .أشتهر ب " بربري ليبيا " لإستعارته نموذج  "علي الكسار"  " بربري مصر " كان  ممثلاً يمتلك  قدرة على الإرتجال . أستعان به "أحمد البيزنطي " في العديد من الأعمال ولأن أعماله_ أحمد البيزنطي _  تميل الى الجدية أستعان به لإضفاء روح الدعابة والمرح ،  فكان يترك على الخشبة وحده  عمداً ليستمتعوا بقدرته على  تغطية هذه المساحة الزمنية ، و يغطيها بإتقان شديد من خلال إرتجاله للعديد من المواقف .
*:- كلفت كمستشار لشوؤن المسرح من قبل أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة خلال إجتماعه بالمسرحيين . ماذا أنجزت من خلال هذه المهمة ؟
شرف الدين  :- هذا التكليف كان شفوياً ، و لم أخذه على  محمل الجد ، فهذه المهمة كانت أكبر من إمكانياتي . قد أستشار في تقنيات خشبة المسرح بحكم مهنتي القديمة كرسام معماري  ... لم أتمكن من مقابلته لإنشغاله  ، علماً بأني أحظى بإستقبال طيب من قبل الأخوة في الأمانة . أستشارني في تكريم الرموز فاخترت الفنان " أحمد البيزنطي " والأستاذ " مصطفى الامير " وهكذا كان . 
*:-  أصدر أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة قراراً يحمل الرقم "1 " يفيد بإنشاء " الفرقة الوطنية للمسرح "بإقترح من مدير الإدارة العامة للمسرح " د. حسن قرفال " الذي ضمّن قائمة تشمل العديد من المسرحيين ولم يرد أسمك والعديد من الرموز المسرحية الليبية .
شرف الدين :- هذا رداً على سؤالك ..... فأنا لم أستشار في هذا الأمر " والله شن بنقولك " د. حسن قرفال رجل أكاديمي يرى بأن تجربتي وتجربة العديد من المبدعين المسرحيين كانت عبارة هم " هتشيات فاضية ..... شوف ياولدي .... المية تكذب الغطاس " .



الباب الثاني

دراسات... بحوث.. متابعات ... قراءات


كيف ننعش مسرحنا ..؟
بقلم / البوصيري عبد الله 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مشاكل مسرحنا الليبي حيث عرضت أزمته مراراً في البرامج الإذاعية والتلفزية ، ونشرت آراء عديدة ، واجتهادات طيبة للخروج من تلك الأزمة على صفحات الصحف والمجلات ، كما عقدت الندوات والمحاضرات للنظر في ذات الموضوع ،ولكن الأزمة قائمة ... بل تزداد استفحالًا وتجذراً ، ورغم أني لم أكن بعيداً عن تلك الوقائع الثقافية التي ناقشت هذه الأزمة إلاّ إننى هنا أحاول أن أقدم ورقة مكتوبة أطرح فيها بعض الحلول والتدابير التي تراءت لي مناسبة لإنعاش تجربتنا المسرحية ،وهي تجربة سوف تدرك مئويتها الأولى في منتصف السنة القادمة ، إذ أن المسرح في ليبيا تأسس سنة 1908 م . على يدي الصحفي الفنان محمد قدري المحامي ، ولكن قبل أن أعرض ما أود عرضه أرى أنه من الأفضل الإشارة إلى ثلاث ملاحظات هامة ألا وهي :-
أولاً : لقد سبق لي أن تقدمت بهذه الورقة إلى اللجنة الشعبية للإعلام والثقافة بشعبية طرابلس ، ثم أجريت عليها شيئاً من التعديل بغية التعميم وإضفاء الشمولية وتقدمت بها إلى أمين اللجنة الشعبية للثقافة الدكتور المهدي امبيرش حينما كان يقوم برحلاته المكوكية بين المؤسسات الثقافية يستطلع الأفكار والآراء حول إمكانية النهوض بثقافتنا الوطنية ولكن أياً من الجهتين لم تعبأ بما ورد في هذه الورقة من آراء مما يدل على أن المسؤولين على الشأن الثقافي يأتون إلينا جاهزين ، وأنهم ليسوا في حاجة لآراء كائن من كان ... إنهم يأتون إلينا وفي بالهم تحرير الثقافة من كل ما يعتريها من أسباب النكوص ثم يكتشفون أنهم لا يقدرون حتى على تحرير أنفسهم من مرض النرجسية الفكرية ،ولذا فإن ما يجعلني أقبل على نشرها الآن ليس الأمل في أن يعبأ بها أحد من المسؤولين  على الشأن الثقافي وإنما ما يجعلني اقبل على نشرها هو وضع هؤلاء المسؤولين أمام مسؤولياتهم التاريخية هذا أولاً ... وثانياً هو الأمل في أن يأخذ الفنانون ما يتصل بهم من التدابير المعروضة مشفوعاً بأمل آخر يتمثل في استجابة البرجوازية الوطنية المستنيرة في المساهمة في حل ضائقتنا الثقافية بوجه عام ، وضائقتنا المسرحية على وجه الخصوص إلى أن يقيض الله للمسرح مسؤولاً يؤمن بضرورة نموه بقدر ما يؤمن بضرورة نمو أرصدته وحساباته المصرفية ، وفي ذلك شيء من العدل المستحب .
ثانياً : لا نريد هنا أن نضع حلولًا مستقبلية فنطالب – مثلاً – باستحداث القوافل المسرحية ، أو بالتركيز على التربية المسرحية في المناهج المدرسية ، أو بتنشيط برنامج الإيفاد إلى الخارج للتحصيل والاستزادة ..أو أن نطالب بإعادة النظر في المناهج المسرحية المعتمدة في الكليات والمعاهد الفنية ، تلك أحلام بعيدة المدى لا يسمح واقعنا المسرحي الراهن بأن نرنو إليها على نحو موضوعي وجاد .. وإنما ينصب طموحنا في هذه الورقة على التدابير الميسورة ...الممكنة ... أي أن نكون واقعيين ، فلا ننظر أبعد من أنوفنا كي يقتصر حلمنا في إنعاش مسرحنا على تنظيم واقعنا المسرحي الراهن ...مجرد التنظيم وليس أكثر ، فلعل ذلك يسمح لنا بالاستفادة مما هو موجود بين أيدينا ... وتحت أبصارنا . 
ثالثاً: ولربما قصرت هذه الورقة عن إدراك حرفية المقالة من حيث صياغتها الأدبية وذلك لعدم استخدامها للصيغ البلاغية من استعارة وكناية وتشبيه وترصيع خشية أن تغرق فكرتها الجوهرية في أساليب التحسين والتجويد ، أو أن يضيع فحواها من جراء الاستطراد والإطالة فالمثل الشعبي يقول ( طول الخيط أيضيع اليبرة ) لذا فهي ورقة انتهجت حرفية المذكرة الإدارية ..أي أنها مجرد خطة عمل تحدد هدفها على شكل نقاط ، وفقرات معنوية تنبيء بفكرتها على نحو سافر وصريح .
 وهي – في الوقت نفسه – قابلة للزيادة والحذف والنقصان والتعديل ، ونأمل أن تتلوها أوراق أخرى محملة بآراء أخرى ، على إننا نأمل بعد إجراء التعديلات اللازمة ، أن تصير بمثابة إتفاق بين الفرق المسرحية وبين المؤسسات المسؤولة عن المسرح ، وأن يلتزم كل منهما بما له وبما عليه .
أما بعد ...
إن المتأمل في مشاكل مسرحنا الليبي وخاصة داخل مدينة طرابلس ، سيكتشف أنها تنحصر في ثلاث نقاط هامة هي على التوالي :
مشكلة ناتجة عن غياب الدعم .
وهذه بدورها تنقسم إلى محورين : محور الدعم المالي ، ومحور الدعم المعنوي .
مشكلة ناتجة عن تركيبة الفرق المسرحية .
مشكلة غياب الجمهور .
حول مشكلة الدعم 
الدعم المالي :
وهنا نقترح ما يأتي:
استحداث صندوق تحت اسم ( صندوق دعم النشاط المسرحي ) ويفتح له حساب جار بأحد المصارف في إحدى المدن الليبية ، تؤول إليه مداخيل العروض المسرحية والتبرعات المالية التي يمكن أن يتحصل عليها المسرح من أصدقائه وعشاقه ، وبنسبة 1% من قيمة المشاريع والعطاءات التي تبرمها أمانة الثقافة مع الشركات والمؤسسات ، علاوة على نسبة 3% من قيمة الدعم المخصص للفرق المسرحية .
إن الفرق الأهلية المعتمدة داخل الجماهيرية الليبية لا يزيد عددها على أربعين فرقة مسرحية ،وهي من حيث الكم أقل من طموحنا إذ إننا نحلم بتأسيس فرقة مسرحية في كل مدينة ...بل وفي كل قرية من قرى بلادنا ، ولكن ذلك له خاصية ايجابية  من ناحية الدعم اللازم لتفعيل هذه الفرق وتنشيطها وتحفيزها وبذلك فإننا نقترح أن تخصص الأمانة العامة للإعلام والثقافة ميزانية سنوية لدعم النشاط المسرحي داخل الفرق الأهلية ، وقدرها أربعمائة ألف دينار موزعة على الفرق المذكورة بالتساوي ..أي بواقع عشرة آلاف دينار لكل فرقة مسرحية .
وهي – في الواقع- ميزانية غاية في التواضع والتبسيط ولكن من شأنها أن تنعش مسرحنا بجرعة خفيفة من إكسير الحياة . 
3. يشترط الحصول على هذا الدعم إتباع الخطوات التالية :
أ- أن تتم الموافقة على النص المسرحي المقدم من قبل الفرقة المسرحية الراغبة في الدعم المسرحي .
ب- أن تلتزم الفرقة المسرحية بتقديم عشرين عرضاً مسرحياً – على الأقل – خلال عام واحد ، وبصفة إلزامية وذلك حسب الزمان والمكان اللذين تحددهما الأمانة العامة للثقافة والإعلام .
ج- أن توافق الفرق المسرحية ، الراغبة في الدعم ، على المشاركة الفعالة في المناسبات الرسمية ( أعياد الفاتح / أعياد الإجلاء / أعياد سلطة الشعب ) وكذلك في في المناسبات الدينية (الأعياد المولد النبوى الشريف / شهر رمضان الكريم ) على أن تحتسب هذه المشاركات ضمن العروض الإلزامية المشار إليها آنفاً .
د. أن يصرف الدعم على العمل الفني ، وعلى الفنانين القائمين به ، مع الحرص على التركيز الشديد على الإعلان المبهر ، وذلك للفت أنظار الجمهور نحو النشاط المسرحي ، ومن ناحية آخرى لتوثيق النشاط المسرحي كي لا يهمل ويضيع هباء .
هـ. أن توافق الفرق المسرحية على خصم ما قيمته 3% لصالح صندوق دعم النشاط المسرحي .
4-للفرق المسرحية الحق في تحسين مداخليها بواسطة تنظيم عروض فنية داخل الكليات والمعاهد والمدارس أو داخل المؤسسات الصناعية ، على ألاّ تحتسب هذه العروض ضمن العروض الإلزامية إلا إذا كانت بإشراف الأمانة العامة للثقافة والإعلام وبترتيب منها .
5-أن تساعد الأمانة العامة للثقافة والإعلام الفرق المسرحية على تأسيس جمعيات وتشاركيات فنية بهدف النهوض بالحركة أولاً ، وبهدف زيادة دخل الفرقة وتحسين أحوال الفنان المعيشية ثانياً .
الدعم المعنوي .
أما على صعيد الدعم المعنوي فإننا نعرض المقترحات التالية :-
ضرورة الاهتمام بيوم المسرح العالمي ، والاحتفال بهذا اليوم بالشكل الذي يليق به فإن ذلك الاهتمام يعكس مدى احترام الفنان المسرحي ،ويزيد من الإحساس بقيمة دوره الحضاري والاجتماعي .
ضرورة العناية بيوم تأسيس كل فرقة من فرقنا المسرحية وتحويل هذا اليوم إلى عيد مسرحي تحتفل فيه الفرقة المعنية بالشكل الذي تراه مناسباً على أن تساهم في إحيائه الأمانة العامة والثقافة والإعلام والفرق المسرحية الأخرى بتقديم باقات الورود والهدايا ،وغيره من الأشياء المعبرة عن الدعم المعنوي إنه لأمر ممكن وبسيط ولكنه غائب عن بالنا بسبب جفاف عواطفنا .
التركيز الإعلامي على نشاط الفرق المسرحية وذلك بنشر أخبارها ، وإجراء مقابلات مع أعضائها ، وأعداد تحقيقات ميدانية داخل الفرق المسرحية .
إعداد برامج إذاعية ومرئية لتغطية أخبار الحركة المسرحية والفنية بصفة عامة وتحت إشراف وإنتاج أمانة الثقافة ومجلس الثقافة العام .
أن تسعى أمانة الثقافة والإعلام إلى إشاعة ظاهرة ( حفلات الشاي ) تكريماً لكل فرقة مسرحية تقدم عملاً جديداً وذلك لإشاعة الدفء والمحبة والانسجام داخل حركتنا المسرحية .
الإكثار من رسائل الشكر ، ومنح شهادات التقدير للمتفوقين والمتميزين داخل الحركة المسرحية .
حل المشاكل الشخصية للفنان ، وذلك بمساعدته على الحصول على قرض – مثلاً – أو سكن أو مركوب .. أو غير ذلك من حلول للمشاكل الحياتية التي تواجه الفنان .
إعداد المعارض التكريمية التي يتم فيها عرض إرشيف أحد الفنانين ، أو إرشيف إحدى الفرق ، وذلك ليطلع الناس على هذه التجربة الزاخرة من خلال الصور أو من خلال ما كُتب عنها في الصحف والمجلات .


أسئلة المسرح ..
بقلم / أحمد بللو 
في الفترة مابين 12\7\2006 و20\7\2006 جرت بمدينة طرابلس وقائع الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للمسرح، بعد انقطاع دام سبع سنوات كان لها أثرها البالغ وتأثيرها السلبي على نشاط حركتنا المسرحية وآفاق واستمراريتها وتطورها، في هذه الإطلالة محاولة للاقتراب من أجواء هذه الاحتفالات الفنية. والتعرف على بعض من مجرياتها وأحداثها وما تمثله في سياق حركة هذا المهرجان من جانب ، وما تشكله في سيرورة الحركة المسرحية الليبية بشكل عام من جانب آخر. 
بعض من وقائعها
*انطلقت هذه الدورة مساء الأربعاء 12\7\2004 مسيحي بمسرح الكشاف وسط احتفال فني حاشد ، بمشاركة (14) فرقة مسرحية مثلت مناطق عدة من بلادنا...
وبحضور عدد من الكتاب والأدباء والفنانين وبعض الأمناء المسؤولين ، إضافة إلى عدد من الفنانين العرب كضيوف على المهرجان ، وجمهور غفير من محبي المسرح. وقد بدأها رئيس اللجنة العليا للمهرجان  (د.حسن قرفال)  بكلمة ترحيب جاء في بعضها((أرحب بكم في رحاب هذا الفن العريق، الذى يعتبر  جنساً مهماً من أجناس الأدب والفن والثقافة عموماً .. ها هي أضواء مسارحنا ترحب بكم وتعلن عن بداية هذه التظاهرة المسرحية الكبرى)) (1) تلتها كلمة الفنان (أحمد النويري) أمين الرابطة العامة للفنانين قال في مستهلها )أحييكم  وأقدر جهدكم الكبير في سبيل إنجاز هذا المنشط الثقافي المهم).
(2) ثم بكلمة الأستاذ (نوري الحميدي) ، أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام ورد فيها : (إن الثقافة في هذا الوطن العظيم تعتمد فلسفة المؤتمرات الشعبية الأساسية منطلقاً ودليلاً لها ، وهى فلسفة تؤمن بدور الثقافة في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية والانتماء الأفريقي وفتح آفاق المستقبل أمامها ... إن ثورة الفاتح ثورة الإبداع   أخرجت المسرح من دائرة التهميش ...).
(3)أعطى بعدها الأمين شرف إعطاء الإذن بافتتاح الدورة للدكتور (علي فهمي خشيم) الذي ألقى كلمة قال فيها (هذا هو الفن في ليبيا .. يا إلهي ما أسعدني ، أشكرك لأنك أتحت لي فرصة من الحياة كي أرى هذه الوجوه الرائعة التي أود أن أعانقها فرداً فرداً ، ولكنها في قلبي هنا ،هذا القلب الذي جدد كما جددت الثقافة في ليبيا(4)   ليفتتح المهرجان بلوحات فنية للأزياء الشعبية والتراثية الليبية وبثلاث دقات للفنان الكبير(محمد شرف الدين) على خشبة مسرح الكشاف أعلن عن بدء عروض هذه الدورة...حيث قدمت فرقة المسرح الوطني بطرابلس عرض الافتتاح الذي كان بعنوان (خارج نطاق التسلية) من إعداد وإخراج : (فتحي كحلول) ، وهو بالمناسبة العرض الوحيد الذي يقع خارج نطاق التقييم.
 تواصلت  ومنذ اليوم التالي العروض ولمدة أسبوع بواقع عرضين في كل يوم : الأول بمسرح "الفتح" والثاني بمسرح "الكشاف" باستثناء يوم الجمعة الذي شهد عرضا واحدا ، ًوالعروض التي قدمت في هذه الدورة هي : الخميس :
1- ( الرياح والصاري) "فرقة الينابيع" إجدابيا / تأليف وإخراج مصطفى السعيطي.
 2- (قطارة الملح) "فرقة الجيل الصاعد" طرابلس / تأليف : القذافي الفاخري وإخراج هدى عبد اللطيف.
 3- الجمعة : (الحجالات) المسرح الوطني بنغازي / تأليف : منصور بوشناف وإخراج عبد الحميد الباح.
 4- السبت : (سكان الكهف) مسرح المرج / إعداد وإخراج : أحمد إبراهيم حسن.  
5- (اللحظة) الوطنية للتمثيل طرابلس / إعداد وإخراج عمر هندر.
6- الأحد : (فليسقط شكسبير) المسرح الشعبي  بنغازي / إعداد وإخراج : محمد الصادق. 
7- (رائحة البارود) الشباب الثائر مصراتة / إعداد وإخراج : أحمد إبراهيم حسن.
8- الاثنين : (اللعبة) المسرح الوطني سبها / تأليف : أبوبكر قاسم وإخراج عمر مسعود. 
9- (السؤال والحل) فرقة الهواة درنة / تأليف عبد العظيم شلوف وإخراج حسين عبد الهادي
10- الثلاثاء : (الهذيان) الوفاء للتمثيل / الجميل / تأليف :الزنقاح محمد عثمان وإخراج خليفة الأمين الكلابي.
11- (عذاب الذاكرة) الفن المسرحي طبرق / تأليف علي الجهاني وإخراج عز الدين المهدي. 
12- الأربعاء :  (الصاروخ) العربية للتمثيل مصراتة / وهو عرض مونودراما عن قصة للكاتب إبراهيم حميدان بنفس العنوان من إعداد "يوسف خشيم" وإخراج شقيقه خالد خشيم.
13- (اللعبة) فرقة البيت الفني للأعمال الدرامية / إعداد وإخراج عبد الله الزروق .
* كما شهدت هذه الدورة تواصل صدور جريدة (الركح) في إصدارها الثالث واستمرت على مدى ثمانية أعداد .. إقامة عدد من الندوات الصباحية حول العروض ، وندوات ومحاضرات حول المسرح والنص المسرحي ، والمسرح والعولمة ، وشارك فيها بالإضافة إلى المهتمين من الفنانين الليبيين عدد من الفنانين العرب أبرزهم "عبد الكريم برشيد" من المغرب و"عمر دوارة وعصام خليل" من مصر "و محمد صبري" من العراق  و "جمال عياد" من الأردن .. إضافة إلى أصبوحة قصصية. 
وفي ليلة الخميس 20\7\2006 بحضور أمين الثقافة والإعلام وعدد من الأمناء والمسؤولين أقيم الاحتفال الختامي ، اقتصر على أمسية شعرية شارك فيها عدد محدود من الشعراء والشاعرات .. ليعلن بعدها رئيس اللجنة العليا للمهرجان النتائج .. ووزعت الجوائز وشهادات التقدير التي أرضت البعض وأغضبت البعض الآخر .. وإن تم في الأخير التسليم بهذه النتائج التي رأى فيها الكثير من المتابعين أنها جاءت على قدر كبير من الموضوعية والإنصاف .. وليسدل الستار على هذه الدورة  ويظل السؤال الحائر: ترى هل ستكون هذه الدورة بداية جديدة تتلوها دورات أخرى متواترة ومنتظمة أم أنها ستقع في النسيان بعد حين ويحدث لها ما حدث مع دورات سابقة ؟  
بعض من واقعها   
* بداية يمكن القول إن أهمية هذه الدورة ليس من كونها جاءت بعد انقطاع طويل .. وبعد تأجيلات عدة .. وبعد أن وصل الإحباط مداه ولا في العروض التي قدمت .. واختلافاتنا حولها وحول محاميلها الفنية والفكرية .. ولا في تحسين ظروف الإقامة          
ولا في تحسين جريدة الركح ، ولا في الضيوف من الفنانين والندوات والمحاضرات والاهتمام الإعلامي (مع احترامي لكل ذلك ولكل أولئك) ولكنها في اعتقادي من طرحها بإلحاح سؤال الديمومة أو الاستمرارية ، سواء استمرارية المهرجان وانتظامه ، أو استمرارية الحركة المسرحية الليبية برمتها وارتباطها الوثيق  – حتى الآن على الأقل – بالمهرجان .
*فسؤال متى ستعقد الدورة العاشرة ؟ الذي جاء في الختام كما ظل مطروحاً طيلة أيام وليالي  المهرجان في مقهى وأروقة وغرف "فندق الواحات"  وحلقات ساحة مسرح الكشاف أو عبر جريدة الركح لا يشير بالحيرة فقط ، بل يشير إلى معضلة المسرح الليبي وسؤاله الأساسي .وليس من الصعب التدليل على أن شرط الاستمرارية قد ظل شرط حيوية حركتنا المسرحية ، وغيابه معناه التراجع أو الركود أو التلاشي . هذا لا يعني أنه الشرط الوحيد .. فثمة شروط أخرى لا تقل أهمية، ومن قلب التجربة، تخص سبل دعمه ومراقبته وسبل توسيع رقعته وآفاق تطلعه.
*إن البحث في الحصيلة الفنية لعروض هذه الدورة ومدى اجتهاداتها الفنية والأدائية والمساحات التي ارتادها أو القضايا التي تناولها.. سيشهد التراجع الكبير الذي حدث عندنا قياسا بما شهدته الدورة الثامنة التي جرت في خريف 1999مسيحي حيث اعتقد الكثير من المنخرطين في هذه الظاهرة والمتابعين لصيرورة المسرح الليبي وتحولاته في ختام تلك الدورة أن مسرحنا مقدم على مرحلة جديدة..وأنه قد بلغ من النضج  –على الأقل في عدد لا بأس به من المحاولات الجادة والمتطلعة لآفاق أبعد وارتياد فضاءات بكر للفن المسرحي بأدوات ووسائل تعبير حاذقة ، وإن سنوات قليلة فقط ما يفصله عن تحديد بعض ملامح هويته الفنية والجمالية الفكرية التي ظل يحاولها منذ ما يقرب من قرن ويكابد من أجلها ، فقد شهدت تلك الدورة ميلاد فنانين واستمرار آخرين (مؤلفين ومخرجين وممثلين ..عدد منهم لا يشارك في هذه الدورة) وظهور تجارب فنية مميزة .. والجدير بذكره هنا أن تلك الدورة قد جاءت بعد دورتين متلاحقتين ، وكانت الثامنة ثالثهما 95-97-99 لتحقق مهمتين اثنتين ، فعلى المستوى الأفقي وصل عدد الفرق المشاركة إلى 40 فرقة مسرحية ، منها من يشارك في المهرجان للمرة الأولى (شحات ، طبرق ، هون على سبيل المثال) وعلى المستوى الرأسي فإن العروض التي قدمت جهداً فنياً واضحاً واجتهاداً في إطار اللعبة المسرحية ويبشر بنجاحات قد يصل إلى 15 عرضاً.
· إن كنت لأجزم بأن ذلك كله كان بفضل هذا المهرجان وتواتر دوراته الثلاث  – إذا إن مهرجانات أخرى كان لها حضورها المساند وشكلت رافداً مهماً كمهرجان النهر الصناعي العظيم والتحدي من بنغازي والمسرح المدرسي والجامعي في طرابلس – إلا أنني أستطيع الجزم بأن مسرحنا - في معظمه - لا يزال أسيراً للحالة المهرجانية .. والمهرجان الوطني للمسرح تحديداً - وإن كنت لست بصدد البحث في الأسباب التي جعلته رهينا لهذه الحالة ، لأن ذلك يتطلب البحث المطول والجاد في عناصر وعوامل عدة منها (التاريخي والاجتماعي والنفسي والحضاري واللغوي والاقتصادي والديني وأسباب أخرى) فإن بإمكاني التأكيد على أن تاريخه وتجربته تقول إن علاقته بالجمهور ( الذي يعد أحد أسباب وجوده وتحوله في أماكن كثيرة من العالم ) مازالت عندنا ملتبسة.. غير ذات بال .. مما يستدعي البحث في الوسائط التي من شأنها أن تجعلها حقيقة واقعة..ولعل في تجارب غيرنا من الدول النامية أو المتقدمة أيضا محاولات وجهودا يمكن الاستهداء بها..كدعم المجتمع له سواء عبر مؤسساته التعليمية ،والثقافية .. واحتضان الثقافة له وتبنيه كعنصر أساس في تشكلها لما يمثله كشكل من أشكال الحوار الذي يعد آلية أساسية لكل ثقافة أو حضارة.
·إن تركيزي في المقارنة بين هذه الدورة وسابقاتها التي تفصلها عنها سبعة أعوام .. لا يعني ذلك أنه الانقطاع الوحيد المؤثر فثمة انقطاعات سابقة وصلت لتسعة أعوام كاملة، حدث ذلك بين الدورة الثانية 10\12\1973م والثالثة التي انعقدت 1\5\1982م.. وفي غيرها وإن بنسب أقل، الأمر الذي لم يمّكن المهرجان الذي بلغ عمره 35 عاماً منذ انطلاقته في 9\1971 م من عقد سوى تسع دورات، وهو عدد قليل ولاشك.. ولعله الأمر نفسه الذي لم يمكنَ المسرح عندنا من خلق وتيرة منتظمة وذاتية الحركة ، ولذا فإن المطلوب من انعقاد الدورة التاسعة ليس كسر جمود السبع الطوال ، ولكن استمرارية انعقادها وتسريعه إن أمكن ولو بعقد المهرجانات المحلية المساندة لتلافي ما يمكن تلافيه ، والنظر إلى حال المسرح عندنا ، إما في بناه التحتية ، وإما في وضع المشتغلين به وفيه وله .. وإعادة الاعتبار له كفن صعب وله مكانه ومكانته المهمة والضرورية لأية ثقافة وأي مجتمع.
·ومن ضمن الملاحظات على هذه الدورة غياب النص المسرحي بشكل عام (فكثير من العروض جاءت إعداداً لمخرجين ) والنص الليبي خصوصاً وأعني به النص الدرامي المكتوب للمسرح ، والذي يملك شروط تحققه الجميل والمؤثر في العرض ، كذلك غياب مخرجين وممثلين لهم حضورهم المميز .. أيضا لوحظ تراجع عدد الممثلات ( ويمكن تسمية فرق عديدة لأكثر من مدينة..) وإن سجلت هذه الدورة اسم ثاني مخرجة ليبية تشارك في المهرجان وهى " هدى عبد اللطيف" بعد زميلتها "زهرة مصباح " في الدورة الثامنة كأول مخرجة، ويمكن أيضا الإشارة  إلى ضعف مستوى الندوات التي صاحبت العروض،إذ لم تشهد حضوراً فاعلاً من المهتمين بهذا الفن و عزاها  البعض لعدم حضور المثقفين والمهتمين من الكتاب والأدباء والصحفيين الفنيين. 
·ولكن سيبقى لهذه الدورة حرص المسؤولين عن قيامها كمحاولة لكسر هذا الجمود.. وهذا الحضور الكبير للجمهور ولجريدة المهرجان التي حاولت أن تكون مختلفة عن سابقاتها  .. وللجنة التقييم التي كانت على شيء كبير من النزاهة والإنصاف ، ولما أثارته من أسئلة بخصوص هذه الدورة والمسرح الليبي بشكل عام وللمسؤولين عن المهرجان الذين وعدوا بأن الدورة العاشرة ستكون بعد عامين وذلك بمناسبة مئوية المسرح الليبي التي ستوافق العام 2008مسيحي .
 





  
























    حول (المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية
   هل هو تجريب أم تهريج ؟!
  بقلم / عبدالله القويري


لم يكتسب المسرح عندنا تاريخاً والتاريخ يأتي من الاستمرار والتأثير في الحياة والتأثر بها والمحاولات المسرحية عندنا قليلة جاءت من أفراد قدموا وضحوا على قدر جهودهم وظروفهم مازلنا نذكرهم ونقدر جهودهم التي بذلوها.
أما في النفوس فلم يبق شيء!!
لم تبق علامة لم تبق جملة حوارية لم تبق كلمة وامضة لم يبق نص نعود إليه ونقرأه ونتأمله ونردد بعض ما فيه ونستعيد شخصياته أو مواقفها على خشبة المسرح وإذا فعل شخص ذلك لا نهتم به ولا ندرك بأنه أعاد إلينا لحظة بهجة تتحدى الزمن ولا تفر من أمام أعيننا ولا تذهب بعيداً هناك في الأعماق كأنها حالة سكر طائش.
أعرف أن هناك أعمالاً قدمت ونالت نجاحاً باهراً وشاهدها الناس وتزاحموا على قاعة العرض في يوم من الأيام من أجلها.
ترى هل افتقد أكثرنا الضمير الجمعي وقبله أنكرنا الضمير الفني؟!
إنني أتساءل في محاولة مني لأن استعيد بالقلم ما عجزت عن استعادته بالعروض المسرحية!!
كيف لم أستطع استعادة لحظة بهجة واحدة؟!
لقد ضمر مفهوم المسرح عندنا ليصبح مجرد فرق جمعت في أماكن مختلفة من (الجماهيرية) وقاعات عرض منهارة مغلقة ونصوص في المحاولة وفقدنا الشخصية المرسومة بعناية والمؤداة بواسطة ممثل مقتدر يجود في أدائه على مر الأيام وافتقدنا قاعات عرض تزدهر بالعروض بين الحين والحين وجفت النصوص فلم تعد موجودة وعشش العنكبوت في خلفيات الخشبات خلف الستائر وفجأة سمعنا بالمهرجان الخامس وكان يمكن أن يمر هذا المهرجان مثلما مر غيره قبله فلا أشاهده ولكن دعيت لكي أكون ضمن (لجنة المفاضلة) فكان واجباً عليّ أن أشاهد جميع العروض وهذا مافعلته احتملت (جو) قاعة (الكشاف) طيلة عشرة أيام وفوجئت إذ رأيت فرقاً حقيقية تقوم بالأداء فأثبتوا أن لدينا من يؤدي بطريقة جيدة بل هناك من ارتفع إلى درجة الامتياز وأحسست أن وراء المجهود أمامي مخرجون مسرحيون يفهمون هذا الفن ويعتمدون على ثقافة مسرحية جيدة.
ولكن ما صدمني هو افتقاد النصوص المسرحية
كيف؟!
النصوص في الكتب.
إن ما رأيته كان مجرد حركات على الخشبة في أحيان يسيطر عليها إيقاع وفي أكثر الأحيان تضطرب بلا إيقاع فحزنت وأتممت العروض وأنا حزين.
صرخات وإلقاء مباشر وحركات هستيرية دخول وخروج بلا معنى ومؤثرات صوتية تصم الآذان وأضواء تطفأ ثم تضاء بلا سبب مفهوم وصعود على الخشبة ونزول عنها إلى القاعة بلا داع كلها أمور تحاول إن تقنعنا بأن ما يقدم هو مسرح ملتزم محرض وأكثر ما اعتمدوا عليه هو عبارات إنشائية صارخة تحاول أن تكون تحريضية لمؤلفين مغاربة.
وكأنما كان (المغرب قارة) مجهولة مسرحية فاكتشفها الإخوة الليبيون المخرجون  ووقعت فرقنا في فخ العبارات الطنانة والادعاء.
وقالوا لنا هذا مسرح تجريبي وكأنما التجريب هو صراخ وجماجم وقفز وهياكل عظمية ومقابر فوق الخشبة؟!
ونسوا أن المسرح التجريبي هو (فن) أولاً ولكنه اتخذ بعض التجاوزات من أجل إيصال أعماق وأبعاد إلى المشاهد، في التجريب هناك الفن والمعنى والأداء وهناك إيقاع وهناك لحظة البهجة العميقة وهناك إيماء.
ليس التجريب حالة من (الشيزوفرانيا الجماعية)!! ترى ما الذي دفع هذه الفرق التي يوجد بها مخرجون على درجة من الوعي والثقافة مثلما يوجد بها ممثلون إلى الالتجاء إلى هذه الشذرات الخطابية وسموها نصوصاً مسرحية وقاموا بتنفيذها على المسرح مستعملين الأضواء والأصوات والمناظر دون داع فني أقول ترى ما الذي دفع هذه الفرق إلى ذلك؟!
أهو روح التجريب؟!
إن التجريب كما قلنا هو فن.
أم هو الهروب من النصوص الجيدة والبحث عنها.
ولكن النصوص متوفرة في الكتب وعند المؤلفين.
أم هو ما يشيعونه من أن هذا هو المطلوب إذ المطلوب هو مسرح (دعاوى) يتناول القضية المركزية (فلسطين) مثلما يتناول واقع الوطن العربي والدعوة إلى الوحدة؟!
إن التوجيه في الفن يفقده أهم عناصره وهو الإقناع الداخلي هذا بالإضافة إلى أنني أعتقد أنه لا يوجد كاتب لا يتأثر من ذاته بالواقع ويعتنق القضايا الإنسانية ويكون اقتناعه داخلياً أعني ذاتياً ومن ثم ينعكس ذلك على إنتاجه بطريقة غير مباشرة بكلمة موحية أو إيماءة فنية دالة مما يعطي العمل قوة إقناع داخلي دون صياح وعبارات صارخة.
إن الفن إيماء وإيقاع داخلي يجذب النفوس وليس صياحاً وصراخاً وقفزاً.
تألمت عندما شاهدت النصوص جميعها أمامي على المسرح وحزنت على الجهد المهدر، جهد المخرج وجهد الممثلين وجهد الجمهور في المشاهدة.
كانت كلها نصوصاً هابطة بل أقول لم تكن هناك نصوص بل أكوام من الكلمات المسطحة وأستثني مما قدم نص مسرحية (جسر آرتا) فقد اعتمدت على نص مسرحي حقيقي فشاهدنا عرضاً جيداً واستخلصنا فكرة رائعة تقدس التضحية من أجل الغير دون صراخ وصياح.
العجيب أن هذا حدث عندنا دون حديث ودون تعليق وفي (القاهرة) في نفس الفترة تقريباً كان هناك مهرجان المسرح التجريبي ولكن حوله دار النقاش وكتبت الأبحاث والمقالات متى نتعود أن نأخذ الأمور في جدية في مجال الفن والثقافة.
                 




  الكاتب ممثلا مسرحيا
بقلم /  د. أحمد إبراهيم الفقيه 

       تربطني بالفن المسرحي تأليفا وتمثيلا واخراجا علاقة قديمة عندما كنت ناشطا في مطلع الستينات وربما الى مطلع السبعينيات في هذا المجال حيث قمت بتأليف واخراج وتمثيل عدد من المسرحيات وتوليت انشاء ادارة احدى الفرق المسرحية هي المسرح الجديد ثم تركتها لاصبح عضوا في المسرح القومي الذي انشأته الدولة في منتصف الستينيات وذهبت في تلك الاعوام الى بريطانيا لدراسة هذا الفن من جوانبه المختلفة وعدت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي لاسهم في تأسيس واتولى ادارة المعهد الوطني للتمثيل والموسيقى في ليبيا حيث قمت باخراج عدة مسرحيات من تاليفي كان من بينها الاوبريت الغنائي هند ومنصور ومسرحيات زائر المساء وصحيفة الصباح كما وقفت على خشبة المسرح مؤديا لمونولوج شعري باللغة الانجليزية لجمهور من الاجانب كان هذا المهرجان الذي توليت الاشراف عليه منذ اربعة وثلاثين عاما هو اخر عهدي بالممارسة الفعلية المسرحية حيت تفرغت للكتابة وسافرت في مهمات ديبلوماسية وثقافية واقتصر اتصالي بعالم المسرح على شيئين هما المشاهدة  والكتابة ، ولكنني عدت الاسبوع الماضي الى خشبة المسرح في بادرة لها سوابقها وهي ان اقوم ككاتب بتقديم جزء من سيرتي الذاتية على خشبة المسرح، في مهرجان عالمي للمسرح هو ثالث مهرجان عالمي بعد مهرجاني ادنبره اوفينيون ، وهو مهرجان سيبيو برومانيا ، وقد تلقيت دعوة للمشاركة في المهرجان  فلبيتها عائدا للتمثيل المسرحي بعد هذا الانقطاع الطويل وقد شجعني على ذلك ان عددا من الكتاب في العالم الغربي قاموا بذلك كان اخرهم الكاتب المسرحي البريطاني الشهير ديفيد هير الذي ظهر على خشبة مسرح رويال كورت يقدم مونولوجا مسرحيا عن انطباعاته التي استقاها من زيارة الى القدس تصور بشكل فني طبيعة ذلك الصراع الذي يحكم العلاقة بين قاطني تلك المدينة من عرب واسرائليين ، كذلك فان الكاتب المسرحي البريطاني الاشهر الذي فاز العام الماضي بجائزة نوبل للاداب هارولد بينتر لم يكن يتحرج من المشاركة في التمثيل في بعض مسرحياته بعد انقطاعات قد تدوم عدة سنوات اما اخر المشاركين في مثل هذه المغامرات الفنية التي تتصل بالتمثيل المسرحي  فهو القسيس  الافريقي الحائز على جايزة نوبل للسلام والكاتب في القضايا الافريقية ديزموند توتو حيت شارك في امريكا في مسرحية تدعو للتعايش السلمي بين الاعراق والاديان، واحتداء بهؤلاء الكتاب العظام قررت مواجهة التحدي وحباني الحظ باصدقاء ساعدوني بينهم صديق من رومانيا هو البروفسور سورين ستارتلات الذي يقوم بتدريس المسرح والسينما في الجامعات الامريكية وله تجارب في اخراج افلام لهوليوود والمخرجة الكاتبة السيدة فاسيليكي كابا ، للقيام بعمليات الاخراج والاشراف والانتاج الفني  تطوعا ومشاركة في هذه المسرحية التي تنتمي للمسرح الفردي بعنوان صورة جانبية لكاتب لم يكتب شيئا ، كما وجدت تشجيعا ايضا من شخصيات رومانية كبيرة من بينها السيد وزير خارجية رومانيا والسيد وزير الثقافة عندما  استشرتهما في موضوع هذه المشاركة بل ان هذا الموضوع ورد اثناء مقابلة لي مع الرئيس الروماني السيد بوبيسكو عندما ذكرت له بان سفارتي في بلاده  ممثلا لوطني  لا تقتصر على الجانب الدبلوماسي والسياسي وانما سفارة ثقافية حضارية تحرص على تحقيق التفاعل وتعميق الحوار بين الثقافة التي امثلها وبين ثقافة هذا البلد  وبناء الجسور بين بلاده وبلادي على اكثر من صعيد من بينها الصعيد الثقافي باعتبار ان رومانيا هي احدى اعرق الدول في اوروبا الشرقية اهتماما بالفنون والاداب  ولها تراث كبير في هذه المجالات ، اما عن تقديم المسرحية باللغة الانجليزية فذلك لان المهرجان يحبذ ان تكون اعماله بهذه اللغة التي  يتواصل بواسطتها  هذا المحفل الكبير بجوار اللغة الرومانية لغة البلاد ، ثم ان المسرحية هي بالتاكيد مسرحية عربية كتبتها بلغتي الاصلية  فهويتها الثقافية العربية محفوظة  لا يمسها انها قدمت بلغة اخرى كما تبقى مثلا هوية مسرحيات شكسبير تحمل هوية الثقافة الانجليزية التي انتجتها حتى وهو تترجم لاية لغة من لغات الارض.
     المهم انني وقفت لاكثر من ساعة اعرض علاقة الكاتب بالظروف التي حوله من بينها صراعه مع القوى الرقابية التي تحاول الحد من حريته وتسخيره لخدمة اغراضها ثم علاقته بابطال قصصه والشروط التي تحكم هذه العلاقة ومن بينها القواعد الحاكمة للاعمال الادبية وعالم القصة  واما يقتضيه من التزام بحقائقه التاريخية وظروفه الاجتماعية والاقتصادية  ثم موقفه من تلك الهوة التي تفصل الواقع عن المثال مقتبسا من بعض القضايا التي تعرضت لها اثناء تعاملي مع عالم الكلمة خلال اكثر من اربعة عقود امثلة ونماذج  ، وقد اذهلني الاستقبال البالغ الحماس والتشجيع الذي حظى به العرض رغم ان لغة المسرحية لغة ادبية  لان الذي يتحدث بها الكاتب نفسه مقتربا من لغته الابداعية ومقتبسا بعض تعابيرها ذات النفس الشعري وليست لغة الاستخدام اليومي التي تتكلم بها المسرحيات التي تتناول القضايا الاجتماعية ، كان المسرح مسرحا طليعيا صغيرا ممن لا تزيد مقاعده عن مائتي مقعد كانت كلها مليئة باعضاء المهرجان القادمين من مختلف دول العالم مع بعض المتابعين لاعمال المهرجان من قاطني المدينة وزوارها  واترك للكاتبة السيدة كاتالينا جورجي التي حضرت العرض وكتبت عنه في اكبر الصحف الرومانية الصادرة في  بوخارست وهي   صحيفة كوتي ديانول مقالا طويلا يفيض بالتقدير والاعجاب يوم الاثنين الماضي 6ــ6ــ2006وسانقل فقط وصفها لرد فعل الجمهور التي قالت عنه (( وقف الجمهور على قدميه مصفقا له ( أي للكاتب مقدم العرض ) اكثر من عشرة دقائق متواصلة ، وبعد العرض حضر اليه احد الفنانين الرومانيين واعترف بان هذا العرض المسرحي كان اهم عرض مسرحي شاهده في مهرجان هذا العام )) وقد اعادني هذا التصفيق الحماسي الحار الى ذكريات وقوفي لاستقبال مثل هذا التصفيق في اعوام قديمة كانت هي بالتأكيد اجمل واحلى المكافآت التي يتلقاها فنان العرض وتتجاوز اية مكافآة فنية ومعنوية يحصل عليها ، كما ان مثل هذا الاستقبال الذي يتلقاه فنان العرض مباشرة اثناء تقديم فنه  وهو التواصل الحي الخلاق بينه وبين جمهور العرض هو الذي يعطي لفن المسرح مذاقه الخاص الذي يميزه عن الفنون الاخرى التي مهما كانت جماهيرتها كاسحة طاغية لا تتوفر على مثل هذا التماس الانساني الجميل .



التجريب إبداع لا اندفاع
بقلم / أحمد بشير عزيز

من خلال متابعتي لأيام طرابلس  المسرحية في دورتها الثالثة  التي أقيمت على مسرح الكشاف خلال فترة المهرجان وذلك  بمشاركة ١٣ فرقة مسرحية هي الفرق العاملة في طرابلس لاحظت أن عدداً  من المخرجين اختاروا التجريب مجالاً لإبداعهم وقدموا فيه أعمالهم التي عرضت بالأيام ، ولكن هل كانت كل تلك الأعمال صالحة لأن تقدم في إطار التجريب ؟ وهل كل المخرجين الذين قدموها يملكون القدرة والاستعداد الذي يؤهلهم لولوج هذا الأتجاه الفني والإنتاج فيه ؟ وهل حققت تلك الاعمال الغاية المطلوبة ونجحت في إيصال مضامينها إلى الجمهور ؟
بتقديري إن عدداً من أولئك المخرجين أخطاءوا الطريق وحلقوا في فضاءات رمادية تشوش فيها كل شىء وضاع فيها الشكل والمضمون .
فالتجريب ليس معناه التغريب والغموض وليس هو دوامة حلزونية تنهي كل شىء في مسارها بحجة أنه أى التجريب هو تجاوز ومغامرة وجدل واشتباك وحتى إذا كان كذلك فهو لايعني الزلة والانكسار ولايعني الهلامية والتخريف والانفصام .
التجريب حالة إبداعية موضوعها الإنسان وبالتالي لابد أن يكون ملتصقاً بهموم المجتمع وقضاياه وليس هدماً للنص لكنه تكملة له وعلى هذا الأساس فالمجرب لابد أن يكون مدركاً لما يقدمه مستوعباً لمفرداته عالماً بما يريد أن يحققه .
تاريخ المسرح يقول ذلك .. والتجربة المسرحية الممتدة عبر قرون عديدة تؤكد ذلك ، فتسبس صاحب العربة في المسرح اليوناني القديم كان مجرباً عندما اوجد الممثل الأول الذي أعتلى العربة وقدم من خلالها عرضاً أوصل من خلالها مضموناً موجهاً للجمهور فارتبط به الجمهور بعد إحساسه بشىء جديد أطل عليه ، جدير بالقبول.
 «اسخليوس» ، عندما أضاف الممثل الثاني كان مجرباً وكان هادفاً إلى تحقيق صيغة جديدة تضيف شيئاً وتزيد من حلة التواصل مع الجمهور .
وهكذا  «اسخليوس»  عندما أضاف الممثل الثالث والأقنعة والأحذية والملابس .. كان مجرباً وكان حريصاً على تطوير تكتيك العرض المسرحي والاقتراب أكثر من الجمهور ومساعدته على استيعاب ما يقدم على خشبة المسرح بصورة أكثر سهولة ويسر .
تجارب عديدة قام بها المبدعون المسرحيون هدفوا إلى التطوير والترقية وتعميق مفهوم المسرح وترسيخ قيمته .
اسماء كثيرة وكثيرة «بريخت» مفهومه الجمالي «بسكاتور» و «ماير هولد» وتجاربهما في علاقة الممثل بالجمهور «افرينوف» وتجاربه حول أهمية الجانب البصري في المسرح «غروتوفسكي» وتجاربه في المسرح الفقير الذي ارتكز على الاقتصاد في المناظر والأصباغ والألوان انطوان آرتو الذي ربط نقل الواقع إلى المسرح بضرورة اعتماده على «البانتومايم» ولغة الإشارة وغيرهم الكثيرون ناهيك عن التجارب العربية على مستوى النص التي بدأت بالسامر «يوسف أدريس» ثم الحكواتي «توفيق الحكيم» ثم المرتجل «د . علي الراعي» ثم الاحتفالية «عبدالكريم برشيد» وعلى مستوى الإخراج عند روجيه عساف  ، الطبيب الصديق ، محمد إدريس كنماذج ، هكذا هو التجريب فتح الآفاق أمام الفنان لكي يبدع ويعمل دون قيود ولكن أيضا دون شطط أو تزجية أو مصانعة.
أعود فأقول إن هناك  خلطاً في تحليل مفهوم الجريب عن عدد من المخرجين الذين قدموا أعمالهم بأيام طرابلس المسرحية النصوص التي جربوا عليها هي نصوص تقليدية تتناول موضوعات اجتماعية لا تحتاج لإدخالها في دائرة التجريب باعتبار عدم قابليتهما من جهة وعدم قدرتها على الاحتفاظ بهويتها من جهة ثانية .
فليس كل نص يقبل أن يوضع على مشرحة التجريب ويشكل كاتباً يمكنه أن يكتب عملاً يحمل في داخله ما يفتح مسارب يمكن استثمارها في مجال التجريب ، فالتجريب لغة في الكتابة ولغة في الإخراج تحتاج لمن يحذا صنعتها ويرسم أبعادها دون الاخلال بمضمونها أو شكلها ، ومن هنا فإنه من غير المفيد في التجريب النقل من واقع إلى واقع مغاير ولا ألباس شكل على مضمون ليس من قياسه .
أنا أدرك إن المخرجين الشباب لهم طموحاتهم ولهم رؤاهم ولهم حرصهم على الانفلات من عمليات التأطير ولهم رغبتهم في الانطلاق في أجواء مفتوحة ولكن ليس معنى ذلك أن يحلقوا في المجهول دون إدراك لما يصنعون ودون هدف واضح المعالم ينتهي إلى نتيجة يستفيد منها المتلقي .
نحن نخشي أن يأخذهم الحلم أن هم فعلوا ذلك فتكون قضيتهم قاسية ، صحيح أن التجريب هو إبداعات فردية تسعى كل واحدة منها إلى خلق ذاتها لكن ذلك لابد أن يكون وفق دراسة وفهم ووعي وبصيرة ، صحيح أيضا أن العروض التجريبية هي عروض تركيبية تبرز فيها براعات المجرب وتترجم رؤاه الفكرية والجمالية ولكن لايجب أن يكون ذلك على أساس الاحتفاء بالشكل على حساب المضمون.
وأتصور أن هذا هو بيت القصيد في عدد من العروض التي قدمت بأيام طرابلس المسرحية والتي اختارت التجريب مجالات لها"الاحتفاء بالشكل على حساب المضمون" للأسف هذا لا يخدم مفهوم التجريب ، فالتجريب ليس شيئاً هلامياً فضفاضاً ، التجريب هو ابتكار واكتشاف داخل المألوف وتقديمه عبر أشكال وتكوينات ورؤى جمالية وفكرية وفلسفية غير مألوفة ، ولكنها تنطلق من طبيعة الموضوع «النص» وتترجم أبعاده وتنسجم معه .
أما أن نحشد على الركح أعداداً من البشر ممثلين أو مجاميع ونجعلها تصرخ وتموء وتقفز وتتمرغ وتتشابك وتصنع بأجسادها وحركاتها تكوينات لاتفسير ولا تعبير ولا معنى لها بل أنها متناقضة مع مضمون النص فذلك عين التهريج وضعف الفهم ومنتهى الاستخفاف بالمتلقى الذي جاء ليستمتع ويستفيد .
هناك فرق كبير بين الإبداع والتألق والابتكار وبين الانفلات وغياب التركيز والتهريج والتخريف.
أقول إن هذا البعض من المخرجين  يتمتعون بالموهبة لكن الموهبة وحدها لاتكفي ولديهم الاستعداد لكن الاستعجال ضار ولديهم الطموح لكن الرغبة في بلوغ الذروة في وقت أكثر من قياسي ومن اقصر الطرق ذلك معناه النهاية منذ البداية .
لذلك نأمل أن يتفهم هذا البعض ذلك وأن يتحرك بخطى ثابتة وبوعي مسؤول ورغبة صادقة في إنجاز عمل له مقولة تحمل معنى وله رؤية واضحة وهدف محدد لاضبابية فيه وهذا هو الطريق الصحيح لبلوغ دائرة الضوء الحقيقية دائرة الإبداع والتألق .

حول مهرجان فرقة الأمل ..
بقلم / سليمان سالم  كشلاف 

قدمت "فرقة الأمل"خلال الأسبوع الماضى ثلاث فقرات مسرحية "تراب النصر"تأليف وإخراج الأزهر أبوبكر احميد.اسكتش"عيادة المجانين"تأليف وإخراج عبدالكريم عبدالهادى ثم وصلة غنائية من المطربين أحمد سامي وسلام قدري،ويهمني هنا أن أقتصر في حديثي على المسرحية..فالمسرحية من ناحية التأليف تبدو لي ساذجة جداً في فكرتها حتى لكأنها تمثيلية من التمثيليات التي يقدمها طلبة المدارس في حفلاتهم،حكاية المسرحية أن الإيطاليين قتلوا أم ولد اسمه حسين وجرحوه..وعندما يكبر يصمم على الانتقام والدفاع عن وطنه،ثم يقع في يد الإيطاليين فيعذبونه ليخبرهم عن مكان السلاح. 
سذاجة..منتهى السذاجة،المؤلف لم يحاول أن يبحث عن فكرة جيدة يصوغها عملاً درامياً جيداً..إنه يلجأ إلى ما يلجأ إليه-كما سبق وقلت-طلبة المدارس،فهذه الفكرة تقدم من مدرستين أو ثلاث مدارس كل سنة. تختلف طريقة التقديم من مدرسة إلى أخرى..وفرقة الأمل بكل إمكاناتها وبكل المساعدات التي تحصلت عليها لم تستطع تقديم عمل جيد يمكن أن يحسب ضمن قائمة أعمالها الفنية.فالعيوب في المسرحية-إن أطلقنا عليها تجاوزا مسرحية-كثيرة،في المشهد الأول..الجنديان الإيطاليان يعلمان أن المكان الذي جلسا يشربان فيه الخمر فيه مجموعة من المجاهدين،ومع ذلك يشربان الخمر،ثم يطلقان النار على الطفل،ثم على أمه،كيف يجمع المؤلف هذين النقيضين؟..لا أدري..المشهد الثاني ليس فيه حسنة واحدة.فهو مجال خطابي واسع للمجاهدين كما قدمتهم المسرحية،لولا قليل من التمثيل من عثمان وعبدالكريم عبدالهادي لما كان للمشهد معنى.فالغرض من هذا المشهد أنه يريد أن يرينا الطفل حسين وقد أصبح رجلاً،تم تكليفه بالمهمة الخطيرة..وفي المشهد الثالث..لا أدري من أين استقى المؤلف معلوماته تلك التي تحكى عن الرجل الذي شرب من جردل الماء الذي سيشرب منه حصان الجندي الإيطالي لأن الجندي أمره بذلك،ثم مافعله معه حتى التقط "المسحة"وقتله. 
أي شكل مهين قدمته لنا هذه المسرحية للإنسان الليبي،يحتمل الإهانة والضرب..و..و..لأن جندياً إيطالياً هو الذي فعل معه ذلك،ولأنه خائف من مسدسه،هل هذه قصة كفاح أم نموذج زائف للإنسان الليبي؟ 
في نفس المشهد نرى استهانة القائد الأعلى للجنود الإيطاليين بعمله فإنه يترك مهمة تنفيذ الإعدام في عدد من الآلاف ليحضر حفلة خطبة ابنته،هل يتصور الإنسان هذا الاستهتار وهذه الاستهانة من رجل عسكري بمهام وظيفته التي عليها يتوقف انتصار بلاده أو هزيمتها. 
في نفس المشهد أيضاً يظهر لنا حسين أسيراً عند الإيطاليين يجري تعذيبه ليعترف لهم بمخبأ السلاح..كيف عرفوا أنه يهرب سلاحاً،يجوز أنهم قبضوا عليه ولديه بعض الأسلحة ولكن مسألة الاعتراف شيء آخر،وبالرغم من أن حسيناً يعرف نذالة الإيطاليين وعدم وفائهم بالوعد فكيف رضي أن يعترف لهم بمكان السلاح لقاء عدم تنفيذ حكم الإعدام في الأسرى الموجودين،ثم في النهاية لماذا حاول الهرب قبل أن يموت وعرض حياة أولئك الآلاف من الأسرى للموت،إذا فرضنا أن الضابط الإيطالي صادق في وعده بآلا ينفذ الحكم في الأسرى؟. 
وفي المشهد الرابع يقدم لنا المؤلف ليبياً ظهر في المشهد السابق على انه "جاسوس"للإيطاليين،قدمه لنا المؤلف على أنه أحد المجاهدين..أما كيف تمكن هذا المجاهد من خداع الإيطاليين وإيهامهم بأنه يعمل لحسابهم فذلك هو الذي لا أعلم عنه شيئاً.. 
والإخراج أحسن من التمثيل.. 
فالإخراج يتميز بأن هناك لقطتين جميلتين،المشهد الأول من بدايته حتى إطلاق النار على الطفل والأم..ثم قفلة النهاية للمسرحية. 
ومن مساوئ الإخراج إظهار الراوي للزجل،كان المفروض أن يكتفي بإظهار الصوت ليترك حرية للمشاهد لإطلاق خياله في تصور ما حدث وما سيحدث،خلاف أن الراوي كما قدم جلب الملل والرتابة للمتفرج،كما أن هناك في تسجيل الصوت في المشهد الرابع للراوي اختلافا في الإلقاء..ولا أدري كيف فات ذلك على مخرج المسرحية.. 
في المشاهد الأول والثالث والرابع كان الجنود الإيطاليون ينطقون العربية الفصحى كأحسن ما يكون..لا أدري كيف يمكن للإيطاليين النطق بتلك العربية والليبية السليمة إذا كان الإيطاليون الذين يعيشون بيننا حتى الآن لايعرف تسعة وتسعون في المئة منهم كلمة واحدة من العربية..
وفي المشهد الرابع قبل أن يقتل حسين والجاسوس الجندي والعريف المرافق له،كان الثلاثة،العريف والجندي والجاسوس يداً واحدة ثم اختفى العريف بالجندي خارج المسرح لماذا؟..لا أدري.طبعاً هي حجة لكي يعرف الجاسوس حسين بأنه مجاهد مثله ويعطيه مسدساً ثم يساعده على الهرب،إلى جانب ذلك لا أتصور كيف يمكن للضابط أن يرسل عريفاً وجندياً مع الأسير لكي يريهما مكان السلاح وهو يعلم أنه ربما يساعدهم بعض المجاهدين خصوصاً أن المنطقة الذاهبين إليها مليئة بالمجاهدين،كما قال الجندي..
والمنظر في المسرحية لم يكن يعطي أي إحساس بأي معنى ولعل الذي رسمه كان يسبح في خيالات أخرى،ثم كيف يستخدم منظرا واحدا في مشهدين دون أي تغيير مع أن هنالك فاصلاً زمنياً مقداره-15 أو 20سنة..
أما في التمثيل فقد لمع محمد محمود وعبدالله هويدي والطفل ناجي عتيقة.

 
مهرجان العيد  .. مهرجان الوطن المسرحي .. إبداع وتجديد
 المهرجان المسرحي الوطني واراء متناقضة بين التوطين والترحال ..
 شرف الدين العلواني ..
 
* استنزاف موازنات مخصصة للمسرح دون استفادة المسرح منها ..
* متى يفكر أولى الأمر في بلادنا حاجة المسرح الليبي لجهة مدعومة من المجتمع ترعاه وبإدارة افراد من أهل المسرح وليسوا دخلاء عليه ؟..
* ما الفائدة من تجوال المهرجان الوطني داخل أرجاء بلادنا وما هي سلبيات التقوقع في مدينة واحدة فقط؟..
* متى يتم الاعتراف بالفن صناعة لابد من مراعاتها ودعمها وبالذات بعد العيد المئة للمسرح الليبي وعطاءته طيلة هذا العمر ؟..
* لم لمْ يلتفت أي مسؤول عن الثقافة والفن للعيد المئة للمسرح الليبي والسماح بمروره مرور الكرام ؟!!
ملاحظات واستفسارات عديدة سنحاول تسليط الضوء عليها أولاً بأول..
ولنبدأ بالمهرجان المسرحي الوطني الحالى والذي يعقد في هذه الدورة بشعبية الجبل الأخضر إن الذين يتكابرون على مدن وقرى الدواخل ويفسرون رؤاهم الشخصية في شاكلة مقالات وآراء في تغطيات صحفية ويسلطون الضوء على سلبيات أجاد أحد المواطنين الرد عيها بأنه لسنا في "سويسرا " بل في مدينة صغيرة تابعة لشعبية تبعد عن العاصمة بحوالى 1250 كم ورغم المسارح الأثرية الموجودة بها إلا أنها مجردة من الفن والمسرح والمهرجانات كما هو الحال في بلدان مجاورة ليست احسن منا قدرة وإمكانات ولولا القرار الجرئ بإقامة هذا المهرجان بالبيضاء وشحات ما تنازل وتواضع فنانون وفنانات كبار من بلادى بزيارة هذه المناطق والتعرف على اهلها وهم جمهورهم الذي يتابع اعمالهم في المرئية كل عام وفي شهر تجمع العائلات حول جهاز المرئية وكأنهم فنانون من عالم آخر .. وكنت أتمني ألايصرح فنانون لهم بأن المهرجان ولد في طرابلس ولابد أن يبقى بها .. لماذا ؟ هل يستطيع هذا الجمهور الذي رأيتموه وعشتم معه أيام المهرجان بالإيجابيات والسلبيات قادر على التوجه إلى طرابلس ليشاهد مهرجانكم أيها الفنانون الكبار وإذا كان لابد من التوطين فلم لم يصرح بهذا فنانون ببنغازي..فبنغازي والتي في آخر عروض للمسرح بها وكالعادة أربع مسرحيات تعرض في وقت واحد ولمدة شهر رمضان المبارك وانتهت العروض ولازالت الجماهير تطالب بالاستمرار ولو أن هناك مسرحيات أخرى تنتظر لما توقفت العروض ومسرحها معروف جوائز المهرجانات أليس أجدر أن تسمى بنغازي مدينة المسرح الأولى في ليبيا ولها الحق في الاحتفاظ بالمهرجان كل عام وبها مثلما يقولون الفنادق والمسارح وكافة الخدمات ؟!!.
ومع هذا أقول لا ..ليس الحل في توطين المهرجان .. الحل في استمرارية تجواله في كل مدن وقرى وارياف بلادنا أوليس بها مسارح .. وبها فنادق ونحن كفنانين ..كمبدعين .. بكافة تخصصاتنا واعمارنا ومستوياتنا نتحرك من كافة ارجاء البلاد لنجتمع في كل دورة في كل رقعة من ربوع الجماهيرية نلتقي ..نتعارف ..نتعاون  ..نتعانق مع جماهيرنا ونتشارك ابداعاتنا ونخلط الزيت بالدقيق ونعجنه ونستخرج منه كل نقص وما لم تهتم به الدولة  ونكشف ونعرف كل مسؤول استغل دورات المهرجان بطلب الدعم والأموال ليذهب جُلها لجيبه وجيب معاونيه من المرتزقة على حساب المسرح وأهل المسرح .. هؤلاء الذين استغلوا مناصبهم وثقة الدولة بهم وسرقوا مخصصات الفن وأهل الفن وأعدوا وزوروا الفواتير بأرقام ضخمة على شيء قليل ولاشىء بالمرة في الغالب..إذا للتجوال فوائد لاتعد ولا تحصى ولايجب على المبدعين أن يشجعوا على انفراد مدينة دون أخرى بديمومة المهرجان وتوطينه لأن نكهته والفوائد المرجوة منه ستتبخر أما المهرجانات التي يمكن أن توطن هي المهرجانات التي تربط بمناطق مثل صبراته ، ولبدة ، وشحات ، والشلال .. مثلماً هو الحال بغات ، وغدامس ، وهون أما الاعتراف بالفن صناعة فيكفي مافات من عمر رسمياً جاوز المئة سنة لتقولها جماعة لابد من الاعتراف بالفن صناعة ولابد من عودة نقابة خاصة به ولابد من تحديد جهة تسمى هيئة أو أي اسم آخر وتدعم على أية من سيتولاها من إداريين من أهل الفن الذين يزكيهم أهل الفن وليس قراراً فوقا لمن ليس جديداً بأن يقود حركة الابداع ويكفى ماضاع من العمر هباء منثوراً وليتق الله الدخلاء على حركة الابداع ويبتعدوا عنها ويدعونها وشأنها فأهلها هم وحدهم الجديرون بدفعها للأمام ويكفى مثالاً أننا لم نرهم في عيدنا المئة بالمسرح الليبي ولم يلتفتوا الينا ولو بكلمة طيبة عن المسرح الليبي في عيده المئة المدون حالياً ما بين 1908 ـ 2008 في الوقت الذي نعرف أن عمره أكبر من هذا تاريخياً قبل الميلاد وبعده وبكل السلبيات والإيجابيات كوننا لسنا في "سويسرا" بل في مدن البيضاء وسوسة وشحات في ليبيا التي اهتممنا بالكثير على حساب المسرح اعتبرناه قليلاً لعيش فرحة عارمة بتواجدنا أسرة واحدة شيب وشباباً وفتيات صغاراً وكباراً سواسية ويجمعنا الحب كل الحب وهذا هو عيدنا الحقيقي في عيد مسرحنا بالمئوية التي صارت له عيدية حتى وإن سامحهم الله أستغله المتسلقون لجنى فوائد شخصية لهم على حسابه إلا أن مجرد تجمعنا بأكل أو بدونه وبإقامة حركة وبدونها وبحوافز وبدونها مجرد تجمعنا معاً في مكان واحد من كل مدن بلادنا عيد ما بعده عيد .. 

 





كاتب لم يكتب شيئا مواجهه للذات وللواقع القمعي
بقلم : نسيم مجلى ..

قدمت "فرقة المسرح الحديث" بالبيضاء عرضا جيدا من حيث النص والإخراج والتمثيل. ولا شك فى قيمة هذه المشاركة الليبية فى مهرجان القاهرة الدولى الرابع  للمسرح التجريبى. وأن تأتى هذه المشاركة الفنية فى هذا الوقت بالذات لهو أمر بالغ الدلالة، إذ يثبت أن الشعب الليبى قادر على اختراق المضروب حوله.
فهذه الأعمال المسرحية "المرتجلة" و "كاتب لم يكتب شيئا" تقول للعالم بلغة فنية حميمة، أن الشعب العربى الليبى الذى جاهد فى سبيل الخروج من عصور التخلف والقهر والاستعمار، بوسعه أن يساهم مع شعوب العالم الأخرى فى بناء عالم جديد يسوده العدل والسلام.
وسوف أقصر حديثى هنا على عرض مسرحية "كاتب لم يكتب شيئا" لأننى لم اتمكن من مشاهدة عرض "المرتجلة".
ومسرحية "كاتب لم يكتب شيئا" كانت مفاجأة طيبة غير متوقعة وقيمة هذا العرض الحقيقية مستمدة أساسا من النص المكتوب الذى وضعه الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه. وهو كاتب ليبى معروف، متمرس على فن كتابة الرواية والقصة والمسرحية. وله فى المجال حوالى عشرين كتابا.
والنص يمثل محاولة جزيئه للتعبير عن معاناة كاتب عربى مع الرقابة وعوامل الأخرى المتمثلة فى تراث الفكر الرجعى والممارسات القمعية. وقد توافق جهد المخرج وفنان الديكور والإضاءة فى تحقيق هذا الأثر الطيب الذى حققه العرض. كما كان لأداء الفنان، إبراهيم إدريس، لدور الكاتب وقع حسن، يؤكد أنه فنان موهوب يملك القدرة والتلقائية على تلوين انفعالاته وصوته وإبراز مشاعر المعاناة والفرح والسخرية بصورة مقنعة.
أما النص المسرحى فلابد من وقفة طويلة معه لنحلله ونفهمه. فهو نص ينبع من واقع يعيشه المبدعون جميعا فى العالم. وهذه سمة هامة لأن التجريب الحقيقى إنما هو مغامرة فنية لاكتشاف الواقع ومواجهته. ومن ثم فإن هذا العمل يدخل فى باب التجريب المشروع. بعكس الأعمال الغامضة والمبهمة أحيانا والتى تعتمد التجريد الكامل أو حركات الرقص والجمباز.. فهى فى رأيى لا تنتمى لمجال المسرح الذى قام تراثه الخالد عبر الحضارات كلها على أساس الكلمة.
من هنا كان احتفالى بهذا العمل الجديد الذى كتبه الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه. وهو يقع فى شكل المونودراما أو أقرب الأشكال إلى المونودراما التى يقدمها ممثل واحد، هو الذى يقوم بدور الكاتب هما. وهو كاتب يعانى من الإحباط الشديد فلا يقوى على الكتابة... فى ظل رقابة قمعية تحاصره من كل ناحية. وهو يحاول الهروب عن طريق الحلم أو اجترار الذكريات أو استدعاء بعض شخصيات قصصه. ويتجسد  كل هذا فى سلسلة من المشاهد المنفصلة فى عالم الفنتازيا الذى يجمع بين الحلم والكابوس، وبين الكاتب والرقيب من وقت إلى آخر.
وإيقاع العمل يحكمه عاملان أو حركتان أساسيتان متواليتان ومتناقضتان: حركة ايجابية تصدر عن الكاتب كمحاولة للهروب من القهر وتتمثل فى الحلم وتداعى الذكريات الجميلة أو استدعاء بعض أبطال قصصه. فهو هنا فاعل يمارس دور الخالق المبدع الذى يتحكم فى مصير الشخصيات. وحركة أخرى سلبية تتمثل فى حضور الرقيب الذى يفرض وجوده فى غرفة الكاتب فى اللحظات الحاسمة ليحبط كل مسعى للهروب أو الإبداع وبهذا يفسد كل اللحظات الجميلة التى تلوح فى هذا العالم المخيف. 
والمسرحية تبدأ بهذا الحلم الذى يتلقى فيه الكاتب مكالمة هاتفية من استكهولم تخبره بأنه فاز بجائزة نوبل للآداب، ويعلن موافقته على استلام الجائزة، وفى الحال تبدأ الهواجس تساوره، فيطلب من محدثيه أن يحموه من المنافسين الآخرين له وهو يوسف إدريس وادونيس اللذين سوف يعملان على قتله.. وربما قتل جميع أعضاء الأكاديمية الملكية بالسويد. ولا يكاد يسمع طرقات على باب غرفته حتى يحس أن القتلة قادمون فيقفز من النافذة. وتزداد الإضاءة سطوعا لتعلن عن تغير المشهد فدرى الكاتب مستلقيا على دراسة فى فنه القصصى. وأنه ما أن يبدأ فى مطالعيه حتى يداهمه النوم. ولا نعرف أنه قد أفاق من النوم ومن الحلم إلا حين يخرج ليعد لنفسه فنجانا من القهوة على السخان، ويبدأ فى الكلام من خارج المسرح، ليسخر من أوهامه وأحلامه بقوله:
انتهت كل المشاكل ولم تبق إلا أوهام جائزة نوبل، أعارك أشباح الظلام من أجلها (يعود ليمسك بالكتاب) أليس من واجب الكاتب أن يؤلف كتبا قبل أن يحلم بالفوز بهذه الجائزة؟ كيف يستقيم الأمر إذن وأنا لا أستطيع أن أكتب ولا أعرف كيف أكتب أو ماذا أكتب. ثم يستغرب كيف وجد الأدباء العرب وقتا لكتابة الأدب وهم يشتغلون معلمين وصيادلة ومهندسين زراعيين ومخبرين صحفيين.
ثم تتداعى الذكريات. فنعرف أنه لا يملك اختيارا فى اكتساب الموهبة الأدبية. فهذه الموهبة قد ولدت معه. فقد كان يسمع همس الطبيعة من حوله ومن فوقه. كان يسمع كلاما تقوله الريح ومواجع تقولها الجبال يسل. ولكن ماذا يعل والأدب لا يطعم خبزا؟
فكر فى أن يحذر حذو نجيب محفوظ الذى فاز بجائزة نوبل. ولم يتفرغ للأدب إلا بعد أن أحيل للمعاش. فاشتغل مثله فى وزارة الأوقاف.
لكنه لا يملك صبره ولا قوة احتماله، فشعر بالاغتراب، وترك الوظيفة.. وعاش متمسكا جائعا فى الشوارع دون أن يهتم بذلك، أو يخشى على ضياع  فرصته فى الزواج أو تركه للأهل والأصدقاء فقد نذر نفسه لرسالة الأسلاف العظام الذين غرسوا شجرة الحضارة وسقوها بإبداعهم أدبا وفنا وفكرا. أى أنه اختار رسالة الكتابة.
وشطح به الخيال، فرأى نفسه خالقا مبدعا قادرا على أن يسرق النار من جبال الاوليمب  ويدفئ بها قلوب البشر. وأن يأتى بما لم يستطعه الاوائل على حد قول المعرى. فيعقد المحاكمات للملائكة والآلهة والبشر ويحدد لهم مصائرهم. بل إنه يستطيع أن يحكم على زيوس، كبير الأرباب، وأن ينزله من عليائه، هذا هو التحدى الذى يواجه الأديب فى نظره.
لكنه يترك زيوس جالسا ويتنقل إلى مقدمة المسرح ليسرد بعض ذكرياته. ومنها نعرف أنه تعلم الكتابة مبكرا وهو طالب بالمدرسة الداخلية، تعلمها فى المراحيض. فقد كانوا يطفئون أضواء عنابر النوم فيهرب للمراحيض يقضى فيها جزءا كبيرا من الليل يقرأ ويكتب، ولعل هذا هو السبب الذى جعل العرب يطلقون على المرحاض "بيت الأدب".
ولما كان محرما عليهم سماع الأغنيات العاطفية، ولا يسمح لهم إلا بالأغانى الوطنية فقد كتب لنفسه نشيدا خاصا بمدرسته يقول فيه:   
          عليك منى السلام يا أرض أجدادى 
                ففيك طاب المقام وطاب إنشادى
وحين كان يسمعه الحارس الليلى يردده فى المرحاض يأتى ليطرده ويطفئ الأضواء ومن هنا بدأ الحصار والمطاردة.
فالاجهزة القمعية لا تطارد تاجرا أو نجارا أو طبيبا أو مهندسا.. أو تقتله بسبب مهنته.الكاتب  فقط تقتله لأنه كاتب.  وهى تبدأ بالمطاردة أولا ثم بالمحاكمة. "ماذا نقصد بالشفق الأحمر الذى جعلته عنوانا لقصتك؟ " لو قرءوا القصة لعرفوا ماذا يقصد. وإنما اكتفوا بتفسير العنوان على أنه دعوة لثورة دموية حمراء.       
ولماذا سمى نفسه قنديلا يبحث عن ظلام لضوئه؟ ألا يعنى هذا تأثره بالأفكار المستوردة وانحيازه لأعداء الوطن ورغبته فى إفساد عقول الشباب. ويعجز عن مقاومة والرد المقنع، فيطلب من الرقيب أن يقدم له لائحة بالمواضيع التى يسمح له بالكتابة فيها والمفردات التى يمكنه أن يستخدمها.  
ويأتى الرد:"إن كل ما تكتبونه ملغوم، مدسوس، مليء بالدسائس والفخاخ، وهنا يدرك الكاتب أن الاعتراض ليس على ما يكتب بل على مبدأ الكتابة أساسا، فيطلب الإذن له بالتوقف عن الكتابة، ويرفض الرقيب هذا الطلب لأن الصمت نوع من الاحتجاج والتمرد يعطى أعداء الأمة العربية فرصة لأن يقولوا أن أدباء الأمة وضميرها مضربون عن الكتابة. لم يبق أمامه إذن سوى أن يمشى فى الشارع هاتفا:
                            تعيش الرقابة تموت الكتابة 
ويتغير المشهد ويعود الكاتب إلى نفسه ليكشف أن المشكلة ليست فى الرقيب فقط."وإنما مشكلتى مع نفسى ومع تراث القمع الذى أحمله معى. إنه حقا يسكن دمى، ويقيم تحت جلدى، وينام هنا بين أطباق مخي".
إن الكاتب يضع أصابعه هنا على أصل المشكلة وبيت الداء. فالقمع ليس مسألة عارضة أو مستحدثة. بل تراث موروث من مئات السنين نرثه أبا عن جد. فهو قسمة مشتركة بين أبناء هذه الأمة حاكما ومحكوما، لا نستطيع منه فكاكا. وهو الذى يفسد أسلوب الحوار بيننا ويحيله شاكا للوقيعة والاصطياد بدلا من أن يكون وسيلة للتفاهم والوصول إلى الحقيقة..
وعلى هذا يبدأ الكاتب فى توبيخ نفسه لأنه انهار أمام الرقيب ولم يقاوم. فالكاتب الذى ينصب المحاكمات لآلهة الشرق والغرب يقف متخاذلا جبانا أمام الرقيب. فما أبشع التناقص. فكيف يكون موفقه أمام محكمة التاريخ؟
أخيرا لا يجد مفرا من تقريع الذات والهرب من الحصار إلا باستدعاء جميلة، بطلة رواية "حقول الرماد"
التى تفنن فى إبداعها وإضفاء أعظم صفات الجمال والبهاء عليها، ثم وقع حبها حتى إنه حرمها من الزواج من الشاب الذى كانت تحبه، لأنه يريدها لنفسه زوجة.
ولا تكاد تبدأ أغنية الاعراس البدوية فى زفة العروسين حتى تختفى جميلة. ويضاء النور فجأة فلا يجدها. فيطفئ قنديل الفرح ليخرج باحثا عنها. وفجأة يرى الرقيب أمامه.
ويعرف أنه مطلوب ألا يفعل شيئا حتى الزواج إلا باختبار الرقيب ويرفض أن يتدخل الرقيب فى حياته إلى هذا الحد ويعلن استقالته من الكتابة. وهنا تبدأ عمليات السجن والتعذيب والمحاكمة. ويعجز عن الدفاع عن نفسه.
إن الكاتب فرد أعزل لا يملك سوى قلمه. أما الرقيب مؤسسة قمعية مدججة بالأسلحة وآلات التعذيب. وعند هذا الحد يعلن انصياعه الكامل لأوامر الرقابة. فلا يتكلم فى السياسة ولا فى الدين ولا يشير إلى الجنس أو صراع الطبقات أو أى صراع آخر.
فتبدل الحال فتعين له سكرتيرة للكتابة على الآلة الكاتبة ويذهب هو إلى المرحاض ليملى كلماته من هناك "وهى عبارة عن غزل ومديح للرقابة وللرقيب.
        والأغنية تقول:
                     يا سيدى الرقيب نهارك سكر وليلك حليب
وهى محاولة جادة لكشف هذا الواقع المؤلم بكل قسوته.. وهى محاولة موفقة تضافرت لها كثير من عناصر النجاح. ولا ينقص هذا العرض إلا إبراز الفارق بين مشاهد الواقع الذى يحلل فيها هذا الكاتب ذاته وواقعة وبين لحظات الفنتازيا أو مشاهدها.. وقد لاحظت أن هذه النقطة غير محسوبة بوضوح كاف فى النص.
فلا تكاد تدرى إن كل ما يحاول العرض إثباته أن الكاتب يعيش فى عالم الكتب وهو عالم كله وهم فى وهم وهو ما تشير إليه النص أحيانا لكنه لا يلبث أن يخرجه من هذا العالم ليعمل القهوة مثلا أو الذهاب إلى المرحاض.. حيث كنا نتلقى كلمات إلى عالم الواقع وراؤه...
وهذه كلها مآخذ بسيطة لا تقلل من قيمة هذا العمل الممتع الجميل، الذى أحيا فينا الأمل فى مزيد من الأعمال الليبية الجديدة والناجحة. فقد قدم الكاتب محاولة جزيئه، وتغلب المخرج فرج أبو فاخرة على كثير من الصعوبات، واهتدى لحلول مرضية. فقد جعل من مكتب هذا المؤلف إطارا عاما للعروض وغلفه بهذه الستائر الشفافة، ليكشف من ورائها عن طريق فن السلويت والإضاءة عن الاشباح التى تحاصر المكان، وتقوم بعمليات التعذيب. كما وفق فى اختيار فريق الممثلين الذين ساهموا بتعاونهم فى نجاح هذا العمل. تحية لكل من ساهم فى تحقيق هذا النجاح .


تسلية خارج نطاق المسرح 
بقلم / حمد المسماري 

أداء بعض الممثلين وخصوصاً عيسى أبوالقاسم بدأ منفعلاً أكثر مما يحتم الانفعال نفسه
بعيداً عن أجواء حفل الافتتاح وما صاحبه من فوضى ورداءة صوت ورنين هواتف الحضور والحوارات الجانبية طوال الوقت واللهجة الآمرة بغلطة لبعض الأخوة المشرفين في وجوهنا ..بعيداً عن كل هذا دعونا نتحدث عن عرض  الافتتاح مسرحية فرقة المسرح الوطني بطرابلس خارج نطاق التسلية التي أعدها الفنان المخضرم فتحي كحلول وقام كذلك بإخراجها وشارك في العرض نخبة معروفة من نجوم المسرح الليبي المسرحية بدأت لنا غير واضحة الملامح والأفكار التي أرادها مخرجها مجرد تخيلات زمنية محاولا عكسها على الواقع في عملية  تشكيل وولادة  جديدة لكن نسي فتحي كحلول في غمرة حماسة ممثليه أن يحدد لنا طبيعية هذا الواقع فكان مجرد اسكتشات على رقعة شطرنج لشخصيات تراثية تارة ومحاصرتها تارة أخرى ملتقطة من مسلسلات تلفزيونية لا يمكن ربطها  بتسلسل منطقي لعملية سرد أو خلافه ورغم مشاركة نجوم كبار في العرض أمثال القبلاوي والشوش ومهيبة نجيب فلم نتمكن لا نحن ولا هم من مسك خيط يفضي بنا لربط خيوط العمل ، أداء بعض الممثلين وخصوصاً عيسى أبوالقاسم بدأ منفعلاً أكثر مما يحتم الانفعال نفسه.
باختصار وكرأي شخصي أرى أن عرض خارج نطاق التسلية كانا خارج نطاق أشياء كثيرة وليست التسلية فقط لعل في مقدماتها أبجديات العرض المسرحي كما نعرفه بمعلوماتنا المتواضعة.
هذا الكلام ليس تحاملاً على العرض وصناعة أصحاب التاريخ الفني الذي نحترمه جميعاً لكن من حقنا أن  نقول أن ما قدموه كان مجرد اسكتشات على  رقعة شطرنج لا أكثر .



  





أحمد إبراهيم  الفقيه  ودراما التمرد على الرتابة
بقلم / د. حسن عطية

     "تتميز هذه المسرحية بقدرتها على صياغة رؤية صريحة لموقف الكاتب من مجتمعه وميراثه الثقافي والسياسي ، كما تتجلى فيها ثقافته الغربية ، خاصة فيما يتعلق بالاداب والاساطير الاغريقية"
        تشكل اعمال الكاتب الليبي د. احمد ابراهيم الفقيه ثورة ضد الرتابة بكل اشكالها ، بداية من رتابة الحياة الزوجية اليومية المتكررة السلوك والممارسات ، ورتابة الحياة الوظيفية ، مملة الافعال ، مرورا برتابة العادات والتقاليد التي تخضع المنصاع لها للموت البطيء داخل شرنقة مجتمعية شارك هو في صنع خيوطها،  وصولا لرتابة الكتابة ذاتها في بنيات مسرحية متشابهة الصياغة منمطة الحركة والنهايات .
   لذا لا نجد في اعماله المسرحية صيغة واحدة ثابتة يعبر من خلالها عن افكاره ، بل هو دائم التنوع بين المسرحية القصيرة والطويلة ، بين المونودراما والمسرحية متعددة الشخصيات ، بين الدراما التقليدية والاوبريت والقصيد المسرحي ، بل انه لا يكتفي بهذا بل تتعدد نصوصه الدرامية بين اعمال ذات شخصيات واجواء عربية  - وهذا طبيعي لكونه كاتبا عربيا – واعمال ذات اجواء وشخصيات اوروبية ، انجليزية في الاساس، وهو ما يثير الجدل حول طبيعة هذه الاعمال ومبررات كتابتها ، فالعيش في انجلترا لسنوات طوال ، هل يبيح للكاتب العربي ان يكتب نصوصا على غرا ر اعمال هارولد بينتر ، ولويز بيج ، وغيرهما من ابناء المملكة المتحدة لتعرض على مسارح لندن العتيقة ، ام الجمهور الانجليزي بحاجة ، والغربي عامة ، بحاجة لكي يرى ، اذا واتته الفرصة لكي يرى ، على مسرحه اعمالا يعبر بها كاتبها العربي عن هموم مجتمعه العربي ، او على اقل تقدير عن همومه كعربي في بلاد الضباب ، وعلاقة التجاذب باعماقه بين ميراثه الخاص وميراث حاضر المجتمع الذي يعايشه ويقدم اعماله في فضاء مسرحه ؟
       تتراوح ايضا نصوص د. احمد الفقيه الدرامية من حيث اماكن سريان وقائع احداثها بين غرف المكاتب الخاصة والعامة ، غرف الاستقبال ، خاصة في النصوص الدائرة في انجلترا ، والحقول والخلاء الصحراوي في النصوص التي تدور احداثها في المنطقة العربية ، اتساقا في كل منها بطبيعة كل مجتمع وعاداته الخاصة ، كما انه ، أي المكان ، يرتبط بالضرورة بطبيعة الحدث الدرامي الجاري داخله ، والذي يتخلق بسببه ، فثمة علاقة وثيقة بين الحدث الدرامي ومكان حدوثه ، تجعل للموضوع و حدثه ، بناءه المكاني الخاص به.
مفتاح الشفرة
  من الممكن اعتبار نص ( صورة جانبية لكاتب لم يكتب شيئا) المكتوب في صيغة المنولوج الدرامي ، الحامل لرؤية شخصيته الوحيدة ، احادية الصوت ، في تناغم تام بين البنية والمحتوى ، من الممكن اعتباره مدخلا لعالم الكاتب ومفتاح فك شفراته ، فهو يكتب في هذا النص عن نفسه ، في الوقت الذي سعى جاهدا للانفلات  من ذاته لتعميم شخصياته وهمومه ، يذكر اسمه كبطل لهذا النص ، الذي يختلط فيه الحلم بالوهم ، لحساسة الموضوع المطروح وشفافية احالته الى الواقع المعيش ، يمنح     الكاتب الاصلي اسمه لشخصيته المبتدعه في مفارقة ساخرة ، فهو لا يجعل شخصيته المبتدعة في الظاهر بوقا له  Raisonneur او ممثلا شخصيا له يمجد خصاله ويمتدح افعاله ، بقدر ما يسخر في الظاهر منه ويخبيء في سخريته اللاذعة رأيه في هذا الجدل الذي دار في الوطن العربي عقب فوز" نجيب محفوظ"  بجائزة نوبل للاداب عام  1988وانفجار الحلم لدرجة الهوس بحصول عربي آخر على هذه الجائزة ، وتمتد سخريته من المهووسين على خط يبدأ من الشخصية المبتدعة ، والمسماة باسم مبدعها ، والتي لا تصل لقامة محفوظ ، لكونه وفق ما يذكر عنوان النص ذاته "كاتب لم يكتب شيئا " ، ويصل الخط في امتداده لشخصية شاعر يلقبه الكاتب المبتدع باسم " كعبورة " ويصفه بانه "رجل لا امان له"  و" اسمه في الصحافة العربية لا يذكر الا مقرونا بهذه الجائزة " التي  يصر على الحصول عليها باية طريقة ، وكاتبنا الاصلي لا يترك امر الابداع الساخر من تعلق بعض من المنتسبين الى مجاله بالجائزة الدولية ، فيقوم بجلد النقاد انفسهم بسوطه اللاذع ، فيسخر بلسان شخصيته المبتدعة من ناقد يكتب بحثا عن اعماله من منظور سيكلوجي ، كشف فيه كمون عقدة او مركب  اوديب في لاوعي كاتب تلك الاعمال ، مما يحرم كاتبنا المبتدع من رضاء والديه ، ويكشف في الوقت ذاته عن ان سخرية الكاتب الاصلي من شخصيته المبتدعة ، ليست الا سخرية ظاهرية وقناعا خارجيا يتماهى خلفه في شخصيته المبتدعة، فهي بعض منه ، تحمل رؤيته للعالم وتجسد وضعيته ككاتب عربي على ارضه ووسط ميراثه الثقافي ، وان عملية منح اسمه للشخصية المبتدعه ليست الا من قبيل درء هجوم زملاء المهنة الذين سيتهمونه بالتجاوز والسخرية  من مبدع مثله يرى ان له الحق قبل او مع او حتى بعد نجيب محفوظ ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فعملية منح الاسم الحقيقي للشخصية  المبتدعة ،  بل وصفات تاريخية وحياتية منها ، تساعد على تحقيق عملية نقد حادة للمجتع في صورة نقد ساخر للذات ، ويبدو العنوان الذي تحمله المسرحية ، كما سنرى حالا ، ليس اتهاما للكاتب بقصور موهبته عن الابداع ، بل اتهاما صريحا للمجتمع الذي حاصر هذا الكاتب وفرض عليه بعاداته وتقاليده ومنظوره الرقابي ،  العجز عن الابداع ، ومن ثم يبدو العنوان مضللا او ناقصا لكلمة ترادف العجز او عدم القدرة ، كأن نقول " صورة جانبية لكاتب لم يستطع ان يكتب شيئا " ومن ثم يتم توسيع مساحة الادانة لتشمل الكاتب المقموع والمجتمع القامع له .
          تدور وقائع الحدث الدرامي لهذا النص داخل بناء احادي الصوت ، يتمحور حول شخصية كاتب تمت مصادرة حريته في التواصل ـ عبر الكتابة ـ مع مجتمعه ، يتخيل عالما وهميا ويستدعي امامنا شخصيات ابتدعها او عرفها في الحياة،  ملونة برؤيته هو ، ومجسدة عبر مخيلته ، وتجري الوقائع داخل غرفة مكتبة هذا الكاتب الذي يعيش بمفرده بشقة متواضعة ، يعمل بالنهار، حينما كان يعمل موظفا بوزارة الاوقاف ، تيمنا بنجيب محفوظ ، ويطارده بالليل هاجس الحصول على جائزة نوبل مثله ، وينام على اريكته بتأثير البحث المستغلق الذي كتبه ناقد عن اعماله ، ويستيقظ على رنين جرس التليفون ، وحينما يرفع سماعته ينبهه الطرف الاخر بحصوله على الجائزة في دورةعام الاحداث ، يرتعب من هذا الخبر الذي قد يجلب عليه المتاعب ، لعدم فوز الشاعر كعبورة بها ، الذي يمثل به الكاتب الاصلي ، كل من ادعى ،على غير الحقيقة ، احقيته في الجائزة الدولية ، فضلا عن الاحالة الى شخصية شاعر حقيقي اثار ضجة وقتداك حول الجائزة ، ورعبا من الموقف المثير يلقى الكاتب بنفسه من النافذة، لنفاجأ بعد قليل انه ما زال نائما على اريكته ، وان ما سبق لم يكن اكثر من كونه حلما ، يستيقظ منه ليعيشنا في عالم وهمي لا يختلف كثيرا عن سابقه ، بل ويعترف انه يملك " خدما وهميين ، وشخصيات وهمية ، واتعامل مع عالم وهمي  لا وجود له الا فوق الورق " وهو وهم اجبرته الايام على صنعه ، غيرانه سرعان ما ينفض عنه وهم الخدم بالقيام بنفسه باعداد ما يحتاجه ، ووهم الجائزة بالتسائل عما اذا كانت قد انتهت كل المشاكل ولم تبق الا اوهام جائزة نوبل ، مؤكدا على ان على الكاتب ( العربي ) اساسا " ان يؤلف كتبا (ذات قيمة) قبل ان يحلم بالفوز بهذه الجائزة" لكن كيف له ان يكتب هذه الاعمال ذات القيمة في مجتمع مصادر لكل ابداع حقيقي ، وخالق الرعب في افئدة مبدعيه ، هنا يبدأ مسار البوح في التغير ، عبر نزع قناع  السخرية من الذات بهدف نقد المجتمع ، فقد تعلم كاتبنا في مدرسة داخلية ذات قواعد صارمة ، ونما وعيه في ظل نظام له عيونه المراقبة ، خاصة فيما يتعلق بالرأي ، ولا يسمح بالكتابة العلنية ، حينما يدخل مجال الابداع ، الا في مجال الاغاني الوطنية الحماسية ، فهرب بداية للكتابة السرية بعيدا عن العيون ، ثم رضخ للامر الواقع فابتعد عن معالجة الواقع وقضاياه ، ليتعلق بالاساطير الاغريقية ، يحاكم في سديمها آلهة الاولمب بدلا من محاسبة الهة وطنه ، فتصير الكتابة عن الاخر ، تعويضا ابداعيا عن عدم القدرة على الكتابة  عن بؤس الواقع ، ويضحى الابداع في النهاية بؤسا كالعدم ، والعدم بالتالي لا ياتي باية جائزة دولية ، وهو عدم لم يات نتيجة لغياب موهبة بقدر ما هو نتاج تربية مجتمعية تصادر فيها السلطة لمرتعبة كل ابداع لا يسير على قضبان عرباتها، وتقف في وجه كل مثقف يريد ان يتحدى واقعه بخلق واقع افضل ويوتوبيا اكثر تنويرا وعدالة ، يقهر بها " عالم العادة والروتين والبشر الملتصقين بالارض " ولذا يضعنا مونولوج المسرحية الطويل امام حادثة ذات دلالة ، يسردها امامنا الكاتب ليكشف عن دلالتها شديدة القسوة ، وذلك حينما حاسبه احد الرقباء على كتابته عنوانا مثيرا هو الشفق الاحمر لاحدى قصصه ، وكانت اول مرة يعرف فيها عواقب مغامرة الكتابة ، ويحاسب على عشقه لفن الكتابة كفن مغامرة لتحدي ظلمة العالم وطرح  افكار مغايرة لما هو سائد ومتسيد ، وهو لا يعارض الرقيب ، فقد تعلم مراوغته ، بل يطلب منه ان يمنحه لائحة بما هو مقبول ومرفوض ، او حتى يوافق على ان يلتزم الصمت ، والرقيب يرفض  لانه يعرف انه كاتب مراوغ ، فهو يقول عن نفسه انه مهادن للواقع ، ومع ذلك يعلن انه محروم من " رضاء النقاد والحكام والرقباء والمخبرين " واضعا الكل في سلة واحدة ، هي سلة سلطة الانظمة والقواعد المقننة  المناوئة لابداعه المتمرد عليها ، وما ان يغيب الرقيب المتخيل حتى يواجه الكاتب نفسه معلنا  ان مشكلته ليست مع رقيب قائم خارجه ، وانما مع ميراث القمع الذي يحمله بداخله ، وموافقته السابقة عليه جعلته يمارس اذلال ذاته ويؤسس الرقيب باعماقه ، ويقبل رتابة الحياة وافكارها لمتخثرة دون ثورة .
يلد  الحلم وهما يحاصره ، وتخلق الشخصية المبتدعة شخوصا تحاكمها ، فتهبط على  الكاتب احدى شخصيات اعماله الابداعية ، هي جميلة  بطلة عمله حقول الرماد ، امراة طاردتها قريتها التي " تأكلها املاح الصحراء ، وتملاها اكداس القبح ، وتجلدها رياح القبلي " لجمالها الفاتن ، واحبها فتى وسيم خططت للهروب معه ، غير ان الكاتب ، خالق هذه الشخصية ، ابى ان ينقذها ، وكشف خطة هروبها ، فكيف له الخلاص وهي بعض منه ، بعض متميز وكأنها جالاتيا التي صاغها بيجماليون ، كما كان يود ان تكون كل نساء العالم ، فوقع في غرامها ، وبدلا من ان يحررها من اسر مجتمعها ، منع عنها كل الرجال في القصة ، فتجلت له في واقعه المتخيل ، لذا قرر ان  يمتلكها بالزواج ، واقام لها بخياله عرسا بدويا ، لكنها تفر منه كواحدة من بنات افكاره، ويعاود الرقيب الظهور ، فيعلن كاتبنا رفضه له ، ويقدم مرافعة عن نفسه لهيئة محكمة وهمية ، ضد الرقيب ، ممثل " القوانين والاعراف والتقاليد والقيم التي عينه المجتمع حارسا عليها وفرض على الكاتب عدم الحديث في السياسة والدين والجنس وعدم التعرض  لقضايا الصراع المختلفة  وقبل هو هذا ، ورضي بان يكون تابعا للرقيب ، ولم يتمرد عليه في مجال الكتابة ، بل قرر ان يتمرد فقط  لحظة تدخله في حياته الشخصية ، ورفضه للزواج بالشخصية الوهمية التي ابتدعها ، لذا وقف يترافع امام المحكمة الوهمية ، لكن سرعان ما يقذف به خارج القاعة ، لينال عقابه على التمرد ، ويعود قابلا لشروط السلطة ، ان يكتب ممجدا لها ، سارقا اشعار غيره ، ومحورا اياها كي تتلاءم مع الشروط الموضوعة خارجه ، الا ان بعضا من شخصيات قصصه التي ابتدعها تهاجمه ، خجلة من الانتساب اليه ، ومتهمة ايه بانه جعلها في موضع السخرية من الشخصيات القصصية الاخرى ، وانه لم يتصد للرقيب ، لذا فهو يصرخ فيها انه كاتب احب وطنه ، ولكن قوى الظلام وقفت له بالمرصاد ، وانه سيكشف لهم عن اسماء الذين يديرون المؤسسة الظلامية ، مغتالة العقل ، وقاتلة الفكر والابداع ، ولكن ما ان يبدأ في  ذكر اول الاسماء حتى تعلو ضجة الموسيقى ، وتخف الاضاءة وتبدا الستارة في الانغلاق ، فيهرب من تلك القوى التي تمتلك المسرح الذي يقدم عليه شهادته ، الى الجمهور المشاهد ، طالبا منه عدم الخوف ، والوقوف معه ليكشف هذه المؤسسة الظلامية ، غير ان المتوقع من هذا الجمهور المتلقي ، وفق تربيته الجمالية والمجتمعية ، ان يتركه وحده في ظلمة المسرح ، عائدا لبيته ، مفكرا فيما آل اليه حال نموذج لكاتب مثقف ، قبل ما سن له ، فسقط بين براثنها .
  تتميز هذه المسرحية بقدرتها على صياغة رؤية صريحة لموقف الكاتب من مجتمعه وميراثه الثقافي والسياسي ، كما تتجلى فيها ثقافته الغربية ، خاصة فيما يتعلق بالاداب والاساطير الاغريقية ، بينما يحاول في مسرحيته التالية ( لعبة الرجل والمرأة) المكتوبة بالعامية المصرية ، ان يختبر مدى تأثير المصادر الثقافية الشعبية المصرية على موضوعه وعمق نظرته اليه "ومن ثم يجري وقائعها بغرفة مكتب بادارة السجل المدني باحد احياء القاهرة ، وفيما بين تسجيل المواليد والوفيات ، في الزمن الصعب ، تظهر شخصية متمردة اخرى على واقعها المتختر ونظام حياتها الرتيب ، انه " اشرف " المتزوج من " امينة " والذي يعمل معها بنفس مكتب تسجيل المواليد بالسجل المدني ، وكسرا لملل الحياة الممتد من البيت الى العمل ، يتفقان على(تخيل) ان كلا منهما مجرد زميل للآخر ، ولكل منهما حياته العائلية المختلفة ، بل ان اشرف يبيح لنفسه الحديث عن (الزوجة) باعتبارها هما لابد له من الخلاص منه بسبب رتابة الحياة معها ، وان يتزوج عقب طلاقه منها من زميلته بالعمل ، والتي هي في الحقيقة زوجته في الواقع ، لكنها لعبة الخيال لتجاوز روتين الواقع ، فهو يرفض الخضوع ل " هوس التقاليد القديمة وتقديس القوالب الجامدة باسم العقل والمنطق والحكمة" يفكر في ان يكون للناس ( يوم للجنون ) ويوما يتحرر فيه الانسان من كل قيد ، وهو كاتب قصص ـ ايضا ـ  غير مقبولة في مجتمعه ، يرى ان الكتابة هي " تعويض مرضي عن الحياة الحقيقية اللي بنعرفش نعيشها" وان الاحلام هي " تعبير عن الرغبات اللي بنكتمها ونقفل عليها جوانا " لذلك يفضل ان يحول حياته العملية لحلم كبير ، ولا يكتفي بالاتفاق مع زوجته للعب دور الزميلة المعشوقة في مقر العمل ، بل يتفق ايضا مع امرأة تأتيه كل يوم ليستخرج لها شهادة ميلاد لابن وهمي لم تلده ، كي تتيح له فرصة مغازلتها امام زميلته / زوجته ، غير ان موت زميلهما المختص بتسجيل الوفيات ، واسناد هذه المهمة اليهما ، يؤدي لتغيير نظرة الزوج " اشرف " للحياة واللعبة التي يلعبانها في المكتب ، فيقرر انهاء دور المرأة الباحثة عن شهادة ميلاد لابنها الوهمي ، ليجعلها تطلب له شهادة وفاة بسبب وفاته في الحرب ، كم يبدأ مع " امينة " لعبة عكسية ، يعرض فكرة ان تتزوج هي من آخر ، صاحب شركة استيراد فراخ ، ويتزوج هو مرة اخرى ، ارملة  شابة تترددعلى المكتب بعد ان ورثت عمارة من زوجها الكهل المتوفى ، بدلا ايضا من فكرة الطلاق القديمة بينهما ، لينتقلا لحياة اجتماعية ارقى واكثر ثراء مما هي عليه حياتهما الان ، فتجديد زواجهما الان لا يعني سوى تجديد نفس الاوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشان فيها، اما اللعبة الجديدة ، فهي تنقلهما لحياة افضل ، يعيش كل واحد منهما سنوات داخلها ، حتى يملا رتابتها فينفصل كل واحد منهما عن رفيقه ، ويعاودان الزواج في وضع اكثر استقرارا ، بعد ان يحصلا على غنيمة الشركة والعمارة ، ولكنهما فجأة يكتشفان انهما لم ينجبا بعد ـ  وغياب الاولاد لا يجعل لمغامرة الطلاق دلالة قوية ـ  فيقررا ممارسة الحب في المكتب ، ولكن تدخل عليهما مجموعة تريد استخراج شهادة ميلاد لولي من اولياء الله قد ولد وجاء ليصلح حال الدنيا بعد ان انتشر فيها الفساد، واخرى تريد شهادة وفاة لمهندس كباري قد مات بعد ان عمر المدن ، تتعارك المجموعتان، ويهرب اشرف وامينة عبر النافذة لبيتهما لانجاب الطفل ، بعيدا عن هذا العالم الذي ماتت فيه الحضارة الهندسية وبزغت فيه انوار الفكر الميتافيزيقي .
اجواء انجليزية
   بالتناظر مع هذا العالم المغلق على ذاته ، المحتضن للوهم في العالم العربي ، يجري د. احمد الفقيه ، وقائع مسرحياته الانجليزية البناء الدرامي ، صياغة وموضوعات وشخصيات ،  الانسانية الدلالة ، داخل حجرات الاستقبال المغلقة بدورهاعلى شخصيات تعيش ايضا العزلة والوهم ، تنتظر مصيرها الذي صنعته بايديها ، فالارملة " اليزابيث " التي تترأس مجلس ادارة شركة اسسها زوجها رجل الاقتصاد ، وتشرف على ملاجيء ايتام ، وتعيش مع ذلك بمفردها مع خادمتها الوحيدة " مارثا " في بيتها القريب من شاطيء البحر ، تتوقع كل مساء ، داخل غرفة الاستقبال منذ نحو العام ، الرجل الذي يطرق باب بيتها دون ان تفتح له ، غير انها قررت هذا المساء ان تحطم سياج الانتظار ، وان تفتح بابها له للاحتقال بيوم ميلاده الموافق لهذا اليوم االذي تدور فيه وقائع المسرحية ، فتأمر خادمتها بازالة التراب عن شجرة عيد الميلاد وانارة مصابيحها المبهجة ، كما تضع السيدة بنفسها زهورا جديدة بالمزهرية ، انتظارا لهذا الطارق اليومي على بابها ، كلما حلت الظلمة ، والذي تتابع معرفة المعلومات المتوقعة عنه بقراءة صفحة الحظ في جريدة المساء يوميا ، فهي تعرف انه مجرم تطارده سلطات الامن ويبحث عن مخبأ ، وحينما تستقبله بمفردها ، نعرف انها تعرفه جيدا ، انه الفتى دونالد الذي تلقته رضيعا بعد موت امه ، وارضعته من صدرها ، ثم القت به للحياة الصعبة حينما حل موعد فطامه ، فحوله الشارع لمجرم يقتل الابرياء ويصنع الايتام للطيبة الحنون ، فهو صنيعها المؤتمر باوامرها ، لذا فقد اتي هذه الليلة ليقتلها مثل الاخريات ، فاللعبة العبثية العابثة تأكل  لاعبيها ايضا.
  وفي مسرحيته التالية ( صحيفة الصباح) يقدم لنا عائلة  انجليزية اخرى ، تتكون من زوج وزوجة عجوزين ، يعيشان داخل عزلتهما الاجتماعية والنفسية بغرفة استقبال تقليدية ،  وفي اجواء باردة ، يحاولان ان ينتصرا عليها باشعال مدفأة الحائط  القديمة التي تعمل بالحطب ، ورغم ان الرجل يتمرد على تناول طعامه بشكل روتيني ، رغم ان هذا الطعام  كان وجبتهما اليومية المفضلة في بداية حياتهما الزوجية ، فانه يمارس روتينا آخر دون ملل، وهو قراءة صحيفة الصباح في الموعد نفسه وبالترتيب نفسه ، والذي نكتشف انه روتين التمسك بالماضي الذي ضاع في ظلمة النظر الضائع ، والحرص على تثبيت الفعل القديم في ذاكرة الحاضر بشكل عبثي ، فالرجل ضرير منذ خمسة عشر عاما ،  ومع ذلك فهو مصر على ان يقرأ الجريدة يوميا ، فلا تملك الزوجة غير استعادة النسخة التر قرأها، واعادة وضعها في نفس المكان المعتاد امام عتبة الباب ، ليلتقطها وهو يعيد قراءتها دونما انتباه لكونها النسخة نفسها ، حتى تخطيء الزوجة ذات يوم  وتخبره في لحظة عابثة انه كان يقرأ الجريدة بالمقلوب ، لانها اخطات عن غير عمد في وضعها بالشكل المعتاد في المكان التقليدي ، مما يثير غضب الزوج فيمزق نسخة الجريدة ، وتقوم الزوجة بالقاء القصاصات الممزقة في اتون المدفأة المشتعلة ، كدلالة على انتهاء الوهم ويرين الصمت دون معرفة لماهية البديل لهذا الوهم الذي استمر لخمسة عشر عاما .
  وهم آخر تعيشه الشخصية الرئيسية للنص الدرامي الذي يحمل اسم هارولد ، والذي يقدم لنا موقفا اشبه بالمواقف الكافكاوية الشهيرة ، حيث يدخل شاب مكتب مدير مؤسسة تشتغل بالغوص البحري بمدينة انجليزية ، يؤكد الشاب انه ايرلندي الاصل ، ويدعى " الن "  وهو مرسل من الوكالة العالمية للاعمال البحرية ، كي يعمل بالمؤسسة ، يخاطبه المدير مصرا على ان اسمه "هارولد " ويذكره بالمخاطر الكثيرة التي يتعرض لها العاملون في هذه الحرفة ، ويعد الموافقة على العمل ، يكتشف "الن " ان كل الاوراق والوثائق التي يحملها هو نفسه تحمل  اسم " هارولد " وليس " الن "  فيشعر بالاختناق وتنتهي 
المسرحية .
لحظات مسروقة
بعيدا عن الاماكن المغلقة ، سواء عربية ام غربية ، فان اكثر من عمل من اعمال د. احمد الفقيه ، تدور في الاراضي الصحراوية الخلوية ، وان لم تتخل عن دورانها في فلك العلاقات الانسانية ، وموات الحب في حضن رتابة التقاليد والعادات ، فنجد في نصه (غناء النجوم ) الحدث الدرامي ييتفجر داخل ارض خلاء ، بعيدا عن العمران ، حيث ينفلت اليها ذات مساء رجل وامرأة ، جاءا بالصدفة ، في مغامرة عاطفية ، هروبا من المدن الملوثة لحضن الطبيعة البكر ، وكل منهما متزوج من آخر ، حقيقة هذه المرة ، وليس بالتخيل كما في نص ( لعبة الرجل والمرأة ) واختارا الخلاء ك" دعوة للتحرر والانعتاق من كل الاعتبارات والشروط والقيود والتقاليد التي تراكمت عبر العصور حتى صارت اسوارا تحجب عن عقولنا وقلوبنا ونفوسنا الضوء والهواء " ومن ثم جاءا ليعيشا " لحظات مسروقة من عمر الزمن الروتيني " كسرا لملل الحياة الزوجية النمطية المقولبة .
  تقابل هو معها في منتدى ، وكان بحاجة لها ولحبها ، ويحثها على ترك زوجها ، للاقتران به ، وهي لا تكره زوجها ولا بيتها ولا عملها ، هي فقط تكره الروتين ، وخرجت لهذه المغامرة فقط لانعاش الروح والعودة اكثر قدرة على مغالبة ملل الحياة مع زوج تحبه ولا تريد ان تتركه ، تخدعه وتخونه مرة في الشهر فقط من اجل ان تستمر الحياة متجددة معه ، فهي تعرف ايضا ان لزوجها بدوره علاقات غرامية ، يغيب عن البيت من اجلها ، لذا فهي لا تعاني  " احاسيس الاثم " بسبب ما تفعله ، فهي صفقة سرية متبادلة ، بل ان مغامرتها العابرة هذه هي ايضا صفقة سرية متبادلة ، فالعشيق على علاقة بامراة اخرى ثرية يهفو لمالها كي " يطفو على سطح الدنيا" وهو لم يخرج معها لحبه لها ، وانما لمجرد نزوة او سعي وراء سراب الحب الوهمي . غير ان هذا الحب المتدفق في مقدمة الصورة ، بعيدا عن اية قيود اخلاقية ، يكشف في خلفية الصورة عن يد اقوى تتحكم في علاقات البشر على هذه الارض وداخل مجتمعاتها ، ففي الصباح التالي لليلة حب رقيقة ، يسمعان صوت رجل من بعيد ، يخبرهما انهما يقفان على حقل الغام مهجور من ازمنة الحرب ، مما يغير من دلالة الصورة العاطفية ، ويعيد المنفلتين لارض الواقع وانظمته الصارمة ، فليس امامهما غير الانتظار والموت المحدق بهما والفضيحة حينما تأتي الشرطة لانقاذهما ، لقد لعبا فوق الالغام دون ان يحدث شيء ، والان يخشيان الحركة حتى  لا تتفجر تلك الالغام ، والمعرفة تفجر احاسيس الخوف ، والارض التي تصورا انها سقطت من ذاكرة البشر ، اكتشفا ان  الموت مخبأ تحت سطحها ، وفي  لحظات الانتظار للخروج من هذا الجحيم ، يبدأ الشجار ، ثم الاعيب كشف الاخر ، حتى تداهمهما كتيبة من رجال الاعلام ، تستفزهما وتدفعهما للغناء متحركين خارج دائرة وجودهما ، مما يهدد المكان بالتفجر ، فيعلو الصراخ والغناء معا ، غناء النجوم .
  في مسرحيته الطويلة " الغزالات " يعاود الكاتب دفع شخصياته لعالم الخلاء الصحراوي ، بدلالاته المتعددة باعتباره ارض التيه وفضاء المعرفة وعالم التامل ، جنبا الى جنب ساحة الغزو الخارجي بحث عن النفط وتدنيسا للطبيعة البكر ، لذلك نجد نموذجي الرجل والمراة في نص (غناء النحوم) قد جاءا بطبيعة العلاقة بينهما الى هذه الصحراء ، ولكن بعد ان حملا جنسيات اجنبية ، هو الامريكي "فيكتور" في الخمسين من عمره ، باحث دولي في شئون النفط مل روتين حياته المتكرر ، وعانى لسنوات ثلاث من العجز الجنسي ، فدعاها لرحلة صيد بالصحراء الكبرى ، عله بالمرأة ومغامرة الصحراء يستعيد نشاطه الحسي ، وهي الانجليزية " هيلينا" ، سكرتيرة بجمعية اسكان بلندن ، ملت بدورها كتابة الرسائل نفسها يوميا ، وعافت الحياة في المدن الاسمنتية ، ولبت دعوة العاشق بحثا عن غزالة شاردة في عالم صحراوي لا محدود ، في الوقت الذي يصطحبان معهما دليلا وتابعا هو البدوي "جابر" كاره الصحراء ، رغم معرفته بها ، والمتعلق بحلم العيش في المدن النظيفة والمكيفة الهواء ، وان بدأ احتكاكه بهذين الاجنبيين ، يكشف له عن صحراوات اخرى افظع من صحرائه ، يعيش فيها صاحبيه ، صحراوات خالية من القيم الاجتماعية والاخلاقية .
     كما استيقظ الرجل والمراة في النص السابق ، وعقب ليلة حب مكتملة ، ووجدا انفسهما في تيه الصحراء والغامها المخبوءة ، يستيقظ  "فيكتور" و "هيلينا" هنا على بقعة اخرى من الصحراء ، وبعد ليلة حب غير مكتملة ، يبدأون في البحث عن الغزال الشارد القافز في الفلوات كاطياف لا يمسك بها غير الممتلك لليقين الكامل ، ويشرعان مع تابعهما في البحث عنه ، وعندما يلحظه "فيكتور" يجد في طلبه دون وعي ، حتى يدخل بالاخرين لعالم لامتناه من الرمال السوداء والافق المغلق عليهما ، ينفد وقود سيارتهم ، وشحن طعامهم ، وتمزقهم العاصفة الهوجاء ، وتلوح النهاية ، فيدرك معها البدوي انه ضيع طريقه حينما نحر جمله وصنع منه وليمة لقوافل سيارات الغرب الباحثة عن النفط ، ويتأكد للغربيين ان الدنيا كانت بالنسبة لهما اكذوبة وان الكل باطل وقبض الريح ، ولا يملك الثلاثة مفرا غير الحلم بالامل المفقود ، وتنتهي المسرحية وبصيص ضوء غائم مبهم معلق بالافق الغامض .
      على منوال قصة الحب المسفوحة على طاولة التقاليد والعادات الاجتماعية ، منذ قيس وليلى حتى حسن ونعيمة ، ينسج د. احمد الفقيه ، اوبريتا غنائيا باسم ( هندا ومنصور ) ينفلت عبره من اسر الحجرات المغلقة ، والصحراوات الخالية ، الى الوادي الاخضر ، بشفقه الارجواني ، واغنامه السارحة على صوت ناي الفقير "منصور"  العاشق للجميلة  "هند "  ابنة شيخ القبيلة ، وفي المقدمة يتجلى كورس صداح يحكي لنا الحكاية ويكشف لنا خباياها ، خاصة وان العاشق قد تمكن بمساعدة صديقه "سعدان"  من مقابلة معشوقته عند البئر والتعاهد معها على الزواج ، ولم يكتف بهذا اللقاء ، بل راح ــ كسميه قيس ــ يشبب بها ، وكنظيره " حسن " يتغني بجمالها ، بل وحكى للكل ما حدث بينه وبينها عند البئر ، فيتلقف خيال القرية الحكاية الصغيرة ، ليحولها لملحمة كبرى ، يتحول " منصور" معها الى ذئب اكل الحمل الوديع ، ويقتل شيخ القرية ابنته ، وتسوء حالة "منصور " ، ويلتاث عقله ، وتتجلى  له في الافق طيفا برداء ابيض تسحبه نحوها ، لتنتهي معه حياة كانت ، وتبدأ معه ، حكاية تحكى للصبايا عن الحب المغتال بيد تقاليد قرية ظالمة .
























من سرق مهرجان المسرح الليبي
بقلم / عبدالوهاب قرينقو 

( 1 )

المسرحيون الرحل

في 18 . 10 . 2008 كانت الحافلة المتوسطة ذات الـ 24 راكب تشق بنا شبه القارة الليبية .. فمن مدينة هون وسط ليبيا اتجهنا مائتا كم شمالاً ، ثم شرقاً عابرين أكثر من 1500 كم  ، للمشاركة في المهرجان الوطني الحادي عشر للفنون المسرحية ! ، والذي يقام للعام الثاني على التوالي في غير مكانه الطبيعي - مدينة طرابلس - وهي المكان الطبيعي لأسباب كثيرة ، الأول لأن طرابلس هي عاصمة البلاد ، والمنطق يقول أن أي مهرجان سمته الوطني يجب أن يقام في عاصمة البلاد لا أن يتنقل مرتحلاً بين المدن والجبال والقفار والمناطق الفقيرة للإعلام والنخب المثقفة والبنية الملائمة للإقامة ، والمناخات التي توفر الاحترام ! .. السبب الثاني طرابلس حسب وجهة نظري الشخصية هي المدينة الوحيدة في ليبيا التي تقترب من مواصفات المدينة عالمياً وعدة أسباب أخرى يمكن أن تكون مقنعة لأي إنسان عاقل ، ولعل أهم ما يلفت النظر أن جميع المسرحيين والإعلاميين والمهتمين بالشأن المسرحي الليبي من طبرق شرقا إلى غريان غرباً ومن سبها جنوباً إلى هون شمالاً يؤيدون وبشدة فكرة توطين المهرجان و إقامته بشكل أبدي في العاصمة طرابلس ، ولا يجد أحد مانعاً من أن تقام مهرجانات نوعية رافدة في مدن أخرى ، فلتحتضن البيضاء مهرجان المسرح التجريبي كما كانت تفعل ، ولتستقبل بنغازي مهرجان المسرح الكوميدي ، ولتتواصل أيام طرابلس المسرحية بصفة محلية ، ولتتبنى مثلا مصراته مهرجان المسرح الجامعي ، ولتنظم مدينة أخرى مهرجان المسرح الشعري مثلاً ، ولتعد مدينة هون إلى مهرجانها المحلي لمسرح الطفل .. فليكن لكل مدينة مهرجانها الأهلي للمسرح وكل حسب إمكاناته لتطوير أي مهرجان ، أما المهرجان الوطني فليبق في طرابلس .. عاصمتنا الليبية ، والى الأبد ! .

ما سبق طرحه هو رأيي الشخصي الذي كنت أقره مع نفسي وافتتح حوارات مع الأصدقاء من مثقفين ومسرحيين ولا أجد من يرفض هذا الرأي ، وبعد مهرجان هذا العام الذي احتضنته 4 مدن بالجبل الأخضر الجميل بطبيعته وآثاره الإغريقية !  -  سوسة ( إقامة ) ، الجارتان شحات و البيضاء ( عروض ) ودرنة الأبعد ( حفل اختتام غرائبي ) – لاحظت قبيل انطلاق المهرجان وأثناءه وبعد  ختامه أن ما كنت أراه رأيي الشخصي إنما هو رأي الجميع ، حتى قبل التئام مهرجان العام الماضي في بنغازي ، والسؤال الذي يلح الآن : مادامت هذه رغبة الجميع فلماذا الإصرار على أن يكون مسرحنا كإعرابي رحال يعبأ لهُ في الشاحنات ديكورات خمسة عشر فرقة مسرحية وفي الحافلات يتم حشو الممثلين والممثلات  والمؤلفين والمخرجين والمرافقات ، والصحفيين والطفيليين وأنصاف المثقفين والفنيين والموسقيين والمثقفات ، لعبور مفازات وسهول وإرهاق وطائرات وحجوزات وضيوف عرب ممثلين وممثلات مجاملين ومجاملات ومتطاولين ومستهزئات وقليلاً من المنصفين والمنصفات ومكرمين على لاشيء ومكرمات وبرستيج ونفاق ومياه صفراء بالمطاعم والحمامات ، وإقامة رديئة ، بل وبعض الفرق شبه نامت في الشارع فيما يسمى تجاوزاً في سوسة بالفيلات ! ، ماهذا ؟! هل القصد إحباط الحركة المسرحية في البلاد هل لجعل صدى عروضها كصخرة في واد لن يسمعها أحد – وهذا تقريباً ما حدث - هل ليلقى مهرجان المسرح مصيراً مماثلاً لشقيقه الأصغر مهرجان الأغنية الذي احتضنته طرابلس بشكل ناضج لعامين فنقلوه لبنغازي ثم إلى مدينة هون ثم لا مهرجان أغنية ولاهم يحزنون ؟!! . 

( 2 )

عن عروض الدورة 11

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلق صفة التدني على عروض الدورة 11 من مهرجان المسرح الوطني ، فقد جانب الصواب المدير التنفيذي للدورة عندما وسم جهود زملاءه المسرحيين بهذا اللفظ غير اللائق ، بل والمشين ، . . . ولو افترضنا جدلاً أن حسن قرفال كان أكثر لباقة ، واستبدل لفظ ( متدنية ) بعبارة دون المستوى ، فلازال الصواب مجانبه ، لأسباب عدة ، في مقدمتها لعنة الترحال التي حلت بالمهرجان مما يجعل التخبط والعشوائية والارتجالية من سمات هذه الدورة ، فالمعروف لدى من حضر أو تابع الأخبار أن عدد الفرق المتنافسة وصل إلى خمس عشرة فرقة مسرحية ، .. أما الذي لا يعرفه الكثيرون أن لجنة المشاهدة التي جالت عبر الأراضي الليبية لقبول أو رفض العروض المتقدمة للمنافسة والمشاركة بالمهرجان اختارت سبع مسرحيات فقط لا غير ! ، ( أظنُ ) أنها : 

1 –  امراءة واحدة ..  لفرقة الجيل الصاعد  - طرابلس   

2 – نزيف الحجر .. لفرقة المسرح الوطني - سبها 

3 – برج القهوة ..  لفرقة هون للمسرح  - هون 

4 – الإطار ..  لفرقة  التمثيل والمسرح المرج 

5 – يا مطر يا عمتي .. لفرقة المسرح الحديث البيضاء 

6 – جريدة أم بسيسي ..  لفرقة أصدقاء التمثيل اجدابيا 

7 – فانتازيا  .. لفرقة بيت شحات الثقافي شحات   

. . . ولأن المهرجان الرحَّالة سيصعد أو سيهبط إلى خصوبة الجبل الأخضر ، فإن الغلة لابد وأن تكون وفيرة ، ! ،  فــــ عيب .. ثمة ضيوف كبار من سوريا ومصر وتونس وايطاليا ، كيف نعرض لهم سبعة فرق مسرحية وحسب .. ماذا سيقولون عنا ؟ هل هذا مهرجان أم مجرد أسبوع مسرحي ، أيضاً لا ننس الترضيات والمجاملات لــــ مقص أو لصقة الجغرافية الجهوية فلابد من مشاركة المزيد من بنغازي وماذا لدى مصراته وان لم توجد فالخمس ولنصعد لنر مالدى غريان ولنختر فرقة أخرى من طرابلس . . .  وليكتمل العدد إلى 15 فرقة مسرحية !! ، فقد تم العفو عن 8 فرق مسرحية – دفعة واحدة - والسماح لها بالمشاركة ، فاعتمد الكم على حساب النوع .. وربما ثمة قصدية في الأمر ، وإلا كيف سيجد الممثل حسن قرفال - مدير هذه الدورة والسابقة و القادمة فيما يبدو – الفرصة و المبرر ليقف على منبر مسرح جديد جميل تحتفي درنه الفن بافتتاحه ، ويقول : عروض هذه الدورة متدنية ، . . 
. . . وماذا قدمت يا سيد قرفال للمسرح الليبي لتسخر من جهود مئات المسرحيين الكادحين بليبيا الخير ، الذين يعملون بعشر ما يتوفر لك من إمكانات ويقدمون مسرحاً أشاد به كبار ضيوفك من سوريا والأردن ومصر وايطاليا ! . 
كان بالإمكان جداً الاكتفاء بالفرق السبعة في المنافسة مضاف إليها الفرق القادمة من تونس وايطاليا والفرقتين الجامعيتين على هامش المنافسة ، فيتم تقديم عرض واحد يومياً ولكل عرض ندوة في نفس اليوم ، ولمدة عشرة أيام ، عوضاً عن الإرهاق مع ماراثون المدن الثلاثة يومياً . 
 
( 3 ) 

أين اختفى الإطار 

منذ حضوري لمهرجان المسرح في دورته الثامنة بطرابلس 1999 لاحظت الإشكالات المزمنة للجنة التحكيم ، . . . فلم أر لجنة تحكيم وفقت تماماً أو رضي عنها من حضر ، سواءً متنافسين أو حضور عام ، فدائماً ثمة مظلومين ، في 1999 لن ننسى كيف ظُلم عمل لست أنت جارا للمخرج الليبي داوود الحوتي ، عن قصة للكاتب التركي الكبير عزيز نيسين ، ومن المضحك المبكي أن لجنة التحكيم سنتئذٍ كانت على درجة من الحياء فلم تحرم العمل نهائياً فمنحته جائزة أحسن ملابس ! ، ولم نرى في العرض أية ملابس تذكر !! ، وفي ذات الدورة وقع الظلم الصارخ على الممثلة ( المثقفة ) فاطمة غندور بحرمانها من جائزة أحسن ممثلة بدورها المتفرد في مسرحية توقف للمخرج أحمد إبراهيم حسن والنص للكاتب المسرحي منصور أبوشناف ، . . . . في دورة هذا العام لم يختلف الأمر إلا أن لجنة التحكيم أكثر ( جرأة ) ، فالذي سيحرم من جائزة العمل المتكامل لن تتم مجاملته / ترضيته ، أو لنقل إنصافه بأية جائزة !! وهذا ما حدث مع المسرحية المتكاملة حسب رأي الأكثرية المثقفة وكبار الفنانين من الضيوف العرب ، وهي مسرحية الإطار لفرقة المرج من إعداد وإخراج الفنان المتميز عبد السيد آدم ، والعمل عن نص البكاء في غياب القمر للكاتب السوري وليد إخلاصي . . ناهيك عن الظلم الماحق الذي تعرض لهُ الممثل البارع إبراهيم إدريس ، عن دوره المدهش وأدائه الناضج في مسرحية يا مطر يا عمتي لفرقة المسرح الحديث / البيضاء . 

 ( 4 ) 

مهرجان بلا مسابقة

. . . على مدى الدورات الأخيرة أثبتت التجربة أن التحكيم المؤدي إلى جوائز لا يخدم مصلحة الحركة المسرحية في ليبيا ولا يخدم تطورها ولا نشرها ولا ترسيخها ولا تفعيلها ، بقدر ما يزرع مزيد الحساسيات والتباعد بين الفنانين وأعضاء اللجنة ، الذين غالباً هم زملاء وأصدقاء للمسرحيين ،  ويجعل من جمهور المسرح أقرب إلى جمهور كرة القدم ( الغوغائي ) ، وأنا أقترح أن يتواصل المهرجان بدون جوائز مُتبِعاً هذه الأسس : 

1 – تنتخب أو تُختار لجنة للتقييم لا للتحكيم ، وتتغير هذه اللجنة بعد كل – 4 – دورات . 

2 – العمل الأساسي لهذه اللجنة تقييم كل عمل مشارك بالمهرجان ووضع النقاط لكل عنصر من عناصر المسرحية ، وإبداء الملاحظات الفنية العلمية  . 

3 - في نهاية المهرجان ، تستلم كل فرقة نموذج تقييم شامل لعملها المسرحي . 

4 – أن يوضع في الاعتبار دعوة مثقفي ليبيا ونقادها وكتابها وصحفييها الثقافيين لحضور المهرجان في كل دورة وتحديداً للمساهمة في ندوات العروض والندوات العامة عن المسرح .

4 – تكون ندوات النقاش مكثفة وجدية لكل عمل 

6 - . . . ولأن اللجنة تقييمية ، لا ضير هنا من مشاركة أعضائها في نقاشات الورش .  

7 – توثق وتُفرغ كل ندوة عمل ، وتُرفق مع نموذج التقييم الشامل المُقدم للفرقة المُشاركة . 

 ختاماً .. الحديث عن المسرح الليبي ومهرجانه الوطني لا ينتهي ، لأن إشكالاته كثيرة والذين يتخذونه جسراً لغاياتهم الذاتية والأنانية كثيرون أيضاً ! . 

 

 




























  
هل  داوود الحوتي ، ظاهرة استثنائية في المسرح الليبي ؟
بقلم / د. محمد المفتي 

داوود مخرج  ذو خلفية حرفية ، اكتسبها إبان دراسته للمسرح في أوروبا ، وقد تلك المعرفة والخبرة ، إلى مزاجه الشخصي الذي عرفته متسما بقدر كبير من الصرامة والجدية الساخرة ، والحرص على ممارسة دوره كمخرج بنزاهة عالية .. بحثاً عن الكمال .
داوود أيضا ، بطبعه ، صادق ، والصدق قد يسبغ على صاحبه مسحة من الغضب والحدة ، لكن غضب داوود على خشبة المسرح يعبر عن نفسه بالنكتة ، النكتة المفاجئة والحادة .. التي لاتساوم أمام إغراءات الكسب المادي أو فرص الظهور ...!!

النكتة من جوف المعاناة
لانعرف متى بدأت مسرحية المستشفى في ذهن داوود ... لكنها نمت بالتأكيد من خلال معايشته للحياة داخل المستشفى حين رافق ابنه وعشرات آخرين من الأطفال ، من ضحايا مأساة الإيدز في بنغازي .... شهور متصلة من القلق والحيرة والتساؤل فالمرض يواجه صاحبه بشتى الأسئلة التي تبقي دون إجابة ، لماذا اختار القدر ابني ؟ لماذا يا إلهي ، يعاني أطفال أبرياء لم يرتكبوا إثماً يعاقبون عليه ؟ ومتى تنتهي معاناة الضحايا وآبائهم وأمهاتهم وأسرهم ، لكن مسرحية المستشفى لاتشير من قريب أو بعيد إلى تلك المأساة المتصلة والتي لم تنتهى بعد .

الكوميديا
المسرح في نهاية الأمر ، نوع من التنفيس كما عرفه آباء المسرح الإغريق .. بمعنى أنك  تشاهد مسرحية ، تراقب أحداثها ، وتعيش انفعالاتها من حزن وغضب أو ضحك ... فتتجاوز أو تتخلص بذلك من انفعالاتك الحقيقية إزاء حالات ومواقف مشابهة تتكرر يومياً في حياة الناس ... والواقع ، أي الحياة الحقيقية ، كما نعلم ، أكثر غرابة وأحيانا أبشع مما يمكن أن يرسمه ممثلون على خشبة مسرح .
يبدو أن داوود، في بنائه لمسرحية المستشفى تجاوز الجوانب المأساوية للمرض والمعاناة بشكل عام .. لكنه وجه عدسته الذهنية نحو أوجه القصور والفوضى التي تسود مستشفياتنا، وكشف عن هذه الجوانب بتركيزه  على السمات الضاحكة في علاقات البشر داخل نسيج المرض الذي يصل بينهم ، هم في الواقع بشر ضعفاء .. أسرى قدر مؤلم.. وشر البلية ما يضحك ..!!

بشرية البشر
الأنكى .. أن البشر حتى في ذروة المأساة .. أي مأساة ، في مستشفى ، أو مشردين  طرحى على الأرض إثر زلزال ، أو نزلاء في سجن ، أو إبان مجاعة أو حرب .. يبقون مشدودين إلى نزواتهم وأطماعهم البشرية .. يطلبون أكثر من غيرهم ، ويحتالون على نصيب الآخرين ... ويغازلون .. بل يسرقون وبشكل أكثر براءة يضحك البشر في وسط المأساة ..
هذه هي الإعادة التي ينتبه إليها داوود ، ويوظفها لبناء مسرحية المستشفى ، طبيب صغير السن ، قليل الخبرة ، متسلط ، مغرور والمريوح ممرض قديم ، دون علم حقيقي ، يتصدى لقرارات ليس أهلا لها، يفصح عن هوسه بالممرضة شهاوي كلما أتيحت له الفرصة ، لكن مواقف الرجلين ليست مصطنعة  بل هي وليدة ثقافة المجتمع وهنا أذكر مثلاً أن إحدى القصص الشائعة في الخمسينيات ، حين لم يكن هناك طبيب ليبي واحد ... أن جراحاً إيطالياً فتح بطن مريض ، ووجد أن المرض بسبب ضفدعة متشبتة بسطح الكبد ، فحار في إزالتها ، وهنا أشار مساعده الممرض الليبي بلذعها بالسيجارة ، وكلما رفعت رجلا وضع تحته قطنة .. وهكذا أنقذ الممرض حياة المريض ،  تلك القصة المغرقة في سذاجتها ، كانت متداولةبكل جدية بين الناس لماذا ؟ كانت استجابة مجتمع قليل النصيب من العلم ، يريد أن يعوض إحساسه بالدونية ، بقصة خزعبالية!! ويتصدى داوود لنفس العلاقة ، أي علاقتنا بالغريب ، ولكن ببراءة حين يخلق شخصية الطبيب الهندي سنجام الذي يتفوق على زملائه الليبيين حتى في الكشك والشعر الشعبي !
ولكن علاقتنا المرتبكة بالغريب ماتزال موجودة ، وإن في صيغ وتعبيرات أخرى فهناك المريض بلهجته البطنانية والمرسى مطروحية .. الذي ينتظر إجراء عملية جراحية ، وزوجته المصرية ، وزائرة الأعمي (ضاوي) الذي يذكرك بدهاء (أبوعباب) المغني الذي تألق في الستينيات عبر الإذاعة وأشرطة التسجيل .
حول هذه الشخصيات وتفاعلاتها رسم لنا داوود  أيضا شخصيات ليبية نمطية .. أبومعيرقة الشايب الليبي الغرباوي المتزمت السريع الغضب .. ومقابله شخصيات نمطية حديثة ، مثل أبو ذراع الجزار وأحد فتوات العالم السفلي بكل عضلاتخه وجهله ولغته المسطحة .. ثم الشاب حسونة الساقط من النظام التعليمي وهي نماذج أمست متزايدة في مجتمع الكثرة والتخلف والبطالة والمخدرات. لكن براعة داوو ، وربما نتيجة لصفاء سريرته ، قدم كل هذه الشخصيات دون تحقير وبقدر كبير من التسامح والرأفة .

الآداء
كثير من التمثيليات الكوميدية العربية ، والليبية ، تعتمد على نوعين  من أساليب الفكاهة .. أولها مجرد إلقاء نكتة ، أو سلسلة من النكت في موقف، والأسلوب الثاني ، استعمال شخصيات إما متخلفة ذهنياً أو معاقة وأشهرها اللثغ اللساني مثلا وهذه أساليب كوميدية بدائية ، وقد تطور المسرح الحديث لكي يولد النكتة من جوف موقف عادي بين بشر عاديين ، وهو ما نراه في كثير من التمثيليات والمسلسلات العالمية .. ورأيناه في مسلسلات غوّار ورفاقه ، ويستعمله أحيانا وببراعة عادل إمام لكن التراث الشائع لدينا مستمد من المسرح التجاري المصري الذي بدأه أبولمعة والخواجة بيجو في بدايات الخمسينيات ، ثم نشره مدبولي والمهندس بعد ظهور التلفزيون والحق أن مسرحيات داوود ، تعتمد على الأسلوب الأنضج القائم على توليد الضحك من المواقف الطبيعية ذلك أن الضحك على الآخرين والسخرية منهم .. سواء من مظهرهم أو غبائهم أو عاهاتهم ، ضرب من العدوانية، وبالمقابل فإن إبراز ما هو مضحك في سلوكياتنا وقراراتنا نوع من  «العلاج» !
بالطبع ليس المسرح نصا فقط، لكنه ممثلين بمواهبهم ومهاراتهم وأحاسيسهم الخاصة ومع ذلك فإن الممثل مهما كانت مواهبه وقدرته على تقمص الشخصيات لابد له من مخرج يصنع حركاته وآداءه وإيقاعه ضمن السياق العام للمسرحية ، وتلك، موهبة يمتلكها داوود الحوتي ،، والدليل على ذلك أن بعض زملائه الممثلين الموهوبين لم يحرزوا نفس النجاح حين ظهروا في تمثيليات من إخراج آخرين !!
وستبقى مسرحية المستشفى في إخراجها الأول علامة مضيئة في تاريخ المسرح الليبي بفضل الأداء المميز .. ألا يحق لي أن أقول المذهل والآسر .. لميلود العمروني  وفرج عبدالكريم وخالد الفاضلي وعبير الترهوني وسالم القزيري ومحمد ابعيو والبقية .

داوود في الميزان
لايعني كل هذا الإطراء أن داوود عبقري فريد ، فقد يكون لدينا آخرون بنفس مقدرة الرجل ولكن لم تتح لهم الفرصة بعد ... والأكيد أن أجيالا جديدة ستظهر في المستقبل ، وتتجاوز داوود وجيله وما قدموه ! فتلك سنة الحياة .
وحتى يظهر من نحلم بهم من مسرحيين أكثر إبداعاً . لماذا... لماذا تبقي مسرحيات محاصرة فغير «المستشفى» له مسرحية «خرّف يا شعيب» التي عُرضت وهي متداولة على اسطوانات كمبيوتر أو سي ديهات و «وطن الوزة» التي لم تجز بالمرة ، و «حوت الشعبية» مصورة لدى الإذاعة التي ترفض بثها!!
أم أن مجتمعنا غير قادر بعد على مواجهة بؤره المظلمة وأركانه العطنة  من فوضي  وقصور الخدمات الطبية ، توريد الأمصال والمحاليل الملوثة ، تجارة أدوية الجراحات الخلفية في أزقة العالم الثالث ، إلى الفساد الإداري ، والغش في مدارسنا ،، ومحابات الأستاذ الجامعي لابناء زملائه  ، والشهادات العليا المشتراة ؟
ولعل غالبية من استمتعوا «بالمستشفى» ، وبعض من تضايق من المسرحية شعروا بأن المستشفى كبئية إنما هو قطاع من المجتمع ككل ، اختاره داوود ، ليسلط عليه الضوء ويعري فوضاه ونقائصه .. ويضعنا في لحظة استمتاع ، أمام تقصيرنا وقصورنا نحن ! .. وليحذرنا من مغبة التمادي ، وما سيقود إليه هذا التحلل الأخلاقي والنفور من العلم وتطبيقاته وما يرتبط بهما من قيم .. أليست تلك من مسؤوليات الفنان الحق ؟!!

داوود الحوتي
ممثل - كاتب - مخرج
مواليد دريانة١٩٥٣ مسيحي
السيرة الذاتية
 بدأ العمل الفني صغيراً بالمسرح الشعبي والإذاعة سنة ١٩٦٥ بمدينة بنغازي .
 كان عضوا بالمسرح القومي سنة ١٩٦٩ ببنغازي .
 درس بالجامعة كلية الآداب قسم اجتماع لمدة عامين .
 أوفد للدراسة بالخارج لدراسة الإخراج المسرحي بالنمسا والمجر .
 تحصل عام ١٩٨٤ على دبلوم المعهد العالي للفنون المسرحية بالمجر (إخراج مسرحي).
موظف بالإعلام والثقافة بنغازي منذ عام ١٩٧٥ وتولى عدة مناصب قيادية منها رئيس قسم المسرح ومدير المسرح الوطني بنغازي عدة مرات .
 صُعِّد عضوا للجنة الشعبية للإعلام والثقافة بنغازي في عام ١٩٩٨ .
 تحصل على جائزة أفضل مخرج مسرحي عن مسرحية (المسافر ليل) في المهرجان الوطني السابع للفنون المسرحية في طرابلس عام ١٩٩٧.
 شارك في عدة مهرجانات مسرحية وطنية وعربية وتحصل على عدة جوائز .
 عمل بالمسرح لأكثر من ٤٠ عاماً  (ممثلاً - كاتباً - مخرجاً - ناقداً) .
 أشرف على عدة دورات مسرحية في الجماهيرية ودرَّس فيها.

أهم أعماله المسرحية :-
 طار الحمام (تأليف وإخراج) لعام ١٩٨٠.
 كان ياما كان (تأليف وإخراج) لعام ١٩٨٤.
 الفرافير (إخراج) لعام  تأليف يوسف إدريس.
  راس المملوك جابر (إخراج) لعام ١٩٨٧ تأليف سعدالله ونوس.
 حلم ليلة صيف (إخراج) لعام ١٩٨٩ تأليف وليم شكسبير.
 المرتجلة (إخراج) لعام ١٩٩١ تأليف يوجين يونسكو.
 الحارس (إخراج) لعام ١٩٩٣ تأليف هارولت بنتر.
 مسافر ليل (إخراج) لعام ١٩٩٧ تأليف صلاح عبدالصبور.
 لست أنت جاره (إخراج) لعام ١٩٩٩ تأليف عزيز نسين.
 المستشفي (تأليف وإخراج) لعام ٢٠٠٣ .
 خرف يا شعيب (تأليف وإخراج) لعام ٢٠٠٣.
 يوسف وياسمينة (إخراج) لعام ٢٠٠٣ تأليف الفريد فرج.
 الوزة (تأليف وإخراج) لعام ٢٠٠٥.
 العب يا حوت الشعبية (مسلسل) (تأليف وإخراج) لعام ٢٠٠٦.
 (مينو دراما) من العطس ما قتل (إخراج) عام ١٩٩١ تأليف أمين باكير.
 (مينودراما) امرادجع الكسلان (إخراج) عام ١٩٩٧ تأليف الفريد فرج.




وصفق الجمهور للمسرح الليبي!
 بقلم /  سعيد المزوغي

قدم شباب فرقة المسرح الليبي مسرحيتهم الجديدة " متزوج سبعة" لمؤلفها فرج قناو ومخرجها عبدالله الزروق وأعلنوا بذلك استمرارهم على درب " انتصار شعب وتحطمت الأصنام، وزهرة المدائن، وأغنية الموت..إلخ
وقد تألق في هذا العرض المسرحي مجموعة جديدة من المواهب التي أتيحت لها الفرصة لأول مرة!
ما تعالجه المسرحية يتضح من خلال سياق الحوار الذي يعتمد على المفارقات التي تحدث شيئاً من التناقض في وقت وما يشبه خيط التأزم في المشكلة المطروحة في آخر المسرحية تروى حياة مؤلف مع زوجته الغيورة حتى الجنون وما تتوهم صحته من أفعال تظن أن زوجها قد قصد أن يسجلها في مؤلفاته ويتدخل " أبو عديلة" الذي يتعامل مع الناس بما يختزنه في صدره من نكث وحكايات ومايجيش في أعماقه من مشاكل وآلام في آن واحد وقد نجح المؤلف في رسم الشخصية حتى أنه ألبسها ثوبا لايقل أهمية عن كل ماحاول بعض المؤلفين أن يصنعوه.
ويتدخل " سعيد سعدون سعيده" الذي رسم المؤلف شخصيته كي يكون المعبر الصادق عما يكتبه بعض نقادنا الفنيين غير أن نهاية المسرحية في حاجة لنقاش بعض الشيء أرجو أن أتناوله مرة أخرى.
وقد مثل هاتين الشخصيتين " فتحي كحلول" في دور " أبو عديله" و" محمد الحجاجي" في دور " سعيد سعدون سعيدة" وبرعا في التمثيل حتى أن المرء يقع  في مطب عندما يقول أنهما كانا ناجحين وكفى أو تقمصا  الدورين ببراعة وذكاء دون أن يعلم أنهما قد حرما من مثل هذين الدورين طويلاً وبرزت " خدوجة صبري"  في دورها كما برز جمال الحريري في 
" الذهبي" وأما الدوكالي بشير الدوكالي فيكفي أن أقول أن الجمهور قد أعطاه حقه منذ اعتلائه خشبة المسرح في الليلة الأولى ليمثل " الدرباسي" وقد يكون من الأفضل تقديم نقد شامل لهذه  المسرحية خصوصاً للقراء الذين لم  يشاهدوها ولكنني لست بصدد كتابة نقد لها ولا بصدد تعداد البارزين فيها غير أنني قصدت فقط أن أقدم انطباعات مشاهد حازت أعجابه مسرحية جديدة تعرض على مسرحنا الليبي الذي هو أحوج ما يكون إلى فيض من الحماس والنشاط والعمل خاصة أنه في موقف لابد أن يثبت من خلاله عمقه وأصالته وما يقدمه من خدمات وما يطرحه من أراء ومناقشات وقد تجلى ذلك - في رأيي- من خلال العرض الجديد " متزوج سبعة" الذي شاهدته أخيراً والذي أحيي القائمين به.




الغزالات ..
هيثم يحي الخواجة 

(إن الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه يريد أن يثبت فى مسرحيته مقولة هامة فى حياتنا وهى أن هذا التقدم العلمى الكبير الذى توصلت إليه أوروبا لا يمكن أن ينجح إذا خلا من القيم)

تمهيد
أصبح بديهيا الإيمان بتلاقح الثقافة العربية ، لأن وحدة الفكر العربى ضرورة هامة فى تحقيق الوحدة الشاملة . وهذا لا يتأتى إلا بالاطلاع على إنتاج الأدباء العرب وقراءته وتمثله ونقده . . . ولئن كنت سألقى الضوء فى هذه الدراسة على مسرحية " الغزالات " للكاتب الليبى الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه فذلك يعود لأمرين :
الأول : إن كاتب هذه المسرحية واحد من أهم كتَّاب الرواية والمسرح فى الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الشقيقة . 
والثاني : هو محاولة لتحقيق ما جاء فى مقدمة هذه الدراسة حول وحدة الفكر العربى . 
مقدمة المسرحية
يولى كتَّاب المسرح ونقاده أهمية كبيرة على مقدمة المسرحية (البرولوج PROLOGUE) ذلك لأن وظيفتها كبيرة فهى بمثابة لوحة تعريف واستعلام حول شخوص المسرحية ، وهى المدخل الأول لأحداث الدراما: وعلى الرغم من تنوع أشكالها واختلاف الكتاب فى طريقة كتابتها فإن أهميتها تأتى من اعتبارها الحدث التمهيدى الذى يدهش المشاهد ويشده نحو العمل المسرحى . وليس غريبا القول: إن كتَّاب المسرح اليونانى كانوا يولون المقدمة المسرحية أهمية خاصة (يوريبيدس) ، ويجب ألاَّ ننسى شيخ المسرح الإنكليزى شكسبير الذى ركز عليها معتمدا على المونولوج فى صياغتها من خلال ممثل رئيس (مثال ذلك ريتشارد الثالث وغيره) والسؤال كيف تكون مقدمة المسرحية ناجحة؟ وهل استطاع الفقيه أن يحقق صفات المقدمة الناجحة فى مسرحيته (الغزالات)؟ . إن توصيل الخيوط الهامة فى العرض المسرحى للجمهور يقع على عاتق المقدمة ، وعلى الأغلب تكون الخيوط كثيرة ومتشابكة ولذا فإن نجاح المقدمة يتحدد فى مسك النظارة رؤوس هذه الخيوط ـ من خلال المقدمة ـ دون إكراه أو ملل ، وضمن شحنة درامية معقولة لأن المقدمة ـ كما يقول لاوسون ـ هى حدث مسرحى قائم بذاته . وهنا تكمن براعة المؤلف فى اعتماد السرعة للدخول من بوابة العرض دون استئذان أو حواجز تجعل المشاهد يدير ظهره للعرض من الوهلة الأولى . . . لقد استطاع الفقيه أن يحقق صفات المقدمة الناجحة فى مسرحية (الغزالات) إذ نجده فى المشهد الأول يسعى جاهداً كى يثير انتباه القارئ ويدفعه إلى التفكير فى كثير من الأمور المجهولة التى تحتاج إلى حلول أو التى تحتاج إلى تفسير:
هيلينا : (من تحت الأغطية وهى تدفع الرجل عن نفسها) هل فقدت عقك ؟
فيكتور : نعم فقدته
هيلينا : إنه الصباح
فيكتور : وماذا يعني ؟
هيلينا : سوف يرانا الرجل
فيكتور: أنت أمام الجميع زوجتى . دعينى أحاول مرة أخرى ، إننى على ثقة من النتيجة هذه المرة . 
هيلينا :لا تكن أحمقا ، إن أمامنا ليالى كثيرة فى الصحراء
(تدفعه عن نفسها ضاحكة حتى ليكاد يسقط من فوق السرير ، يرتدى بسرعة بنطاله ، ويلتحف بأحد الأغطية اتقاء لبرد الصحراء ، تقفز هى رشيقة كالفراشة بملابس السفارى تذهب إلى وعاء الماء المثبت بالجزء الخلفى من السيارة . تضع الماء على وجهها وتبدأ بتمشيط شعرها ، وتنظر بانبهار إلى الأفق الذى يشتعل بنار الصبح ) . 
فالوقت فى المسرحية الصباح الباكر قبل شروق الشمس ، والمكان الصحراء . . سيارة تقف فى قلب الصحراء . هيلينا وفيكتور يتحدثان ضمن هذا المشهد . . كل ما تقدم يثير الاندهاش ويجعل المرء يبحث ، ويستفسر ، وينتظر جوابا لما يدور . 
مضمون المسرحية
فى الفصل الأول يدرك القارئ أن فيكتور يحب هيلينا ، ويعتبرها غزالة حبه المنتظر ، كما يدرك أنه وعد هيلينا باصطياد غزالات من الصحراء . وقد لبت هيلينا دعوته التى جرت أثناء لقائهما فى الحفل الذى أقيم على شرف فريق العمل المسؤول عن اكتشاف أحد حقول النفط وها هى مع فيكتور فى الصحراء تأتى من لندن راضية لتقضى بعض الوقت وتحقق حلمها فى اصطياد الغزالات . لقد اعتبرت هيلينا الصحراء المقابل لكل ما كرهته فى المدينة الكبيرة ، أما جابر فهو دليل فيكتور فى رحلته داخل الصحراء لأن فيكتور ، يعمل باحثا عن النفط فى الصحراء ، ويدرس باطنها ، ويكشف عن معدنها . . وسرعان ما يكتشف جابر أن هيلينا ليست زوجة فيكتور فيشعر بالضيق ، ولم لا ؟ ، وهو ابن الصحراء ، ومن الذين لا يعترفون بعلاقة مع المرأة خارج دائرة الزوج والزوجة فذلك ـ فى رأيه ـ عهر ودعارة . ويستغل الكاتب هذه الفكرة ليبرز المفارقة بين الحضارة والتصحر تفكيرًا وأسلوب معيشة ، ويحاول أن يبين ميزات ابن الصحراء ، وميزات ابن الحضر الذى تأثر بالحضارة الحديثة ومفاهيمها ، كما يحاول إبراز سلبيات المجتمعين فيطرح بعض القضايا الهامة كقضية تعدد الزوجات فى الريف ، قضية عدم ارتباط الابن بأسرته فى المدينة كما يبرز أثر الحضارة فى نشوء العلاقة المادية الواضحة بين الابن وأسرته :
هيلينا : هل حدث لك شخصيا أن طلقت لتتزوج مرة أخري
جابر : طبعا إحدى عشرة امرأة أغلب من عقدت عليهن . كن بكارى والله
هيلينا : إحدى عشرة ؟ ظننتك رجلا عاقلا . دعنى ألتقط لك صورة لعلى أفوز بجائزة من إحدى الصحف عندما أرسلها لهم باعتبارك الرجل الذى ضرب الرقم القياسى فى الزواج
جابر : يعتبروننى فى القرية الرجل الذى ضرب الرقم القياسى فى قلة عدد الزوجات ، يحدث ذلك لأنه لا حق لمن يبغى أن يتزوج أن يرى فتاته أو يتحدث إليها قبل الزواج فلا حل سوى أن يتزوجها كى يعرفها ثم يطلقها إن لم تعجبه لكى يتزوج امرأة أخرى حتى يعثر على من يرضاها وترضاه شريكة عمره وشريك عمرها
جابر : إذن فأنت تدركين أن إرضاء الوالدين هو أعظم ربح
هيلينا : لا أقصد هذا النوع من الربح ، أقصد ربحا آخر
جابر : رضاء الضمير
هيلينا : متى تفهم ؟ أقصد الواحد بالمائة
جابر : واحد بالمائة ماذا ؟
هيلينا : عمولة
جابر : عمولة لك أنت ؟
هيلينا : طبعا ؟
جابر : من أمك ؟
هيلينا : وما الضرر فى ذلك ؟ تحصلت منها على واحد بالمائة من ثمن البيت وحصلت أمى على القرض وهى سعيدة 
جابر : إن هذه أشياء تملأ قلبى هلعا . لا تفزعنى هذه الصحراء ولكن تفزعنى الصحراء الأخرى . 
ينتهى الفصل الأول بالرحيل باتجاه عمق الصحراء لاصطياد الغزالات . . وفى الفصل الثانى يدرك القارئ أنه مضت ستة أيام من بداية الرحلة ، ويبدو المشهد جزءا آخر من الصحراء فالنفط كاد ينتهى فى خزان السيارة ، وجميع الشخوص تغطى رؤوسهم وألبستهم ، ووجوههم الأتربة دليل العاصفة التى مروا بها . . أربعة أيام وهم يدورون فى حلقة مفرغة دون أن يستطيعوا صيد غزالة بالرغم من الجهد المبذول من قبل فيكتور ، والدم الذى نزف من جبينه . . القلق يسيطر على الجميع . . ، والطعام غدا قليلا ، والبحث عن نقطة يتزودون منها بالوقود والمؤونة يمضى بلا جدوى . . الهم لا يفارقهم فضلا عن المعاناة من شدة الحر ووحشة الصحراء ، والخوف من المصير شبه المحتوم . . وينتهى الفصل بنداء جماعى يمتلئ حرقة ولوعة . . . 
وفى الفصل الثالث يصبح المنظر جزءا آخر من الصحراء . فالأرض صخرية وعرة ، والوقت قبيل مغيب الشمس . . الإعياء بدا على الجميع ففيكتور بدأ يرى أحلاما مخيفة . وأهل الصحراء يطاردونه . أما هيلينا فقد وصلت إلى درجة عالية من الإرهاق الشديد . وجابر الشخصية الوحيدة التى ما زالت متماسكة ، ومحافظة على قواها . . لقد نفد كل شيء ، ولم تعد الصرخات فى الليل والنهار تجدى . . لقد تشققت الشفاه والألسنة ويبست الحلوق فتركوا السيارة باحثين عن الخلاص الذى أصبح سرابا . . لقد عارض جابر ترك السيارة لأنها تحميهم من الحر إلا أن إصرار فيكتور وهيلينا جعله يقبل بما يريدان . هذا فيكتور يفقد قواه ، وها هى هيلينا تعانى سكرات الموت . . هذا الموقف الصعب دفع فيكتور لأن يطلب من جابر السير وحده لعله يصل إلى مكان آهل يستطيع من خلاله إنقاذهما لكن جابر يرفض الفكرة رفضا قاطعا . 
التطور الدرامي
تقدر قيمة المسرحية بتطورها الدرامى الذى يظهر فى الأحداث . فالشخوص تمارس الفعل ، وتنقل أحداث المسرحية من تطور إلى آخر ، وإن انعدام التطور الدرامى أو ضعفه يفقد المسرحية رواءها ، وتصبح مجرد حكاية لا يمكن تجسيدها ولذا فالكاتب المسرحى الناجح يركز على العوامل المساعدة للدراما (التعقيد ـ الصراع ـ الذروة ـ التشابك . . ) ليحقق هدفه فى هذا التطور كما أن الكاتب المسرحى الناجح هو الذى يدرك ـ تماما ـ كيف يصوغ ، وكيف يشكل ، وكيف يربط لحظات الدراما من خلال الفعل ورد الفعل ، والسبب لرد السبب ليعلو الحدث ، وتتصاعد الدراما ولا ريب أن الاصطناع فى التطور الدرامى يسئ إلى الدراما ويجعلها باهتة مسطحة وغير مقنعة فهل نجح الفقيه فى تطوير الدراما فى مسرحيته ـ الغزالات ـ؟ إن أول ظاهرة تتسم بها هذه المسرحية تكثيف الأفكار إذ نلحظ ذلك منذ المشهد الأول وهذا فى ـ رأيى ـ ما أثر على التطور الدرامى فيها ، وقلل من الفعل المسرحى ورد الفعل فيها ، وجعلها أقرب إلى المسرحية الذهنية فى بعض المشاهد . إن قارئ المسرحية يشعر بالأفكار المتزاحمة التى اختزنتها ذاكرة الكاتب كما يشعر أن أدواته الفنية خانته لكبح جماح هذا السيل الجارف من المعلومات . . وحتى ننصف الكاتب نقول إن بعضها جاء موظفا بشكل جميل ورائع ولكن بعضها أيضا جاء معلقا متأرجحا وغير مقنع . . وعلى الرغم من نجاح المقدمة فى المسرحية ـ كما أسلفنا سابقا ـ نجد أن ما يلى المقدمة فى الفصل الأول جاء فاترا باردا ، ويكاد يخلو من الفعل المسرحى ، ولم يتصاعد الحدث الدرامى إلا فى الفصل الثانى ثم فى الفصل الثالث ولكن بمقدار أيضا . . إن فكرة المسرحية ، ورموزاتها غنية تشد القارئ ، والمشاهد على السواء ولا نستطيع نكران ذكاء المؤلف فى اقتناص الفكرة المناسبة ، وتوظيف الكثير من القضايا من أجل خدمة النص المسرحى . فمن رموزه ـ مثلا ـ (الجمل ـ إله النيل ـ إله عزريل ـ العصا ـ أجاممنون ـ الصحراء ـ الغزالات ـ النهر ـ الطيور الخضراء ـ الجدائل الذهبية ـ بقعة الضوء ـ . . . الخ . . . )
أما عن الأفكار فسأحاول الوقوف على أهمها :
إن الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه يريد أن يثبت فى مسرحيته مقولة هامة فى حياتنا وهى أن هذا التقدم العلمى الكبير الذى توصلت إليه أوروبا لا يمكن أن ينجح إذا خلا من القيم كما لا يمكن أن يحقق شيئا إذا تخلت البشرية عن إنسانيتها:
جابر : (معلقا على الدخان) إنك تفسد الهواء فى صحرائنا بعادم سيارتك . 
فيكتور : هيا وإلا تركتكما للصحراء وذهبت
جابر: قلبى لا يتمنى إلا هذا ، اتركنا واذهب
إن ابن الصحراء ـ أى الأرض العربية ـ هو أحق الناس بأرضه ، ولن ينجح تقدم أو تطور دون الاعتماد على صاحب الأرض ودون أن يكون صاحب الأرض فاعلا ومنفعلا فيها . . إن تقدما خاليا من الإنسانية ، وحضارة فارغة من القيم لا يمكن أن تنجح أو يكون لها شأنها وقيمتها فالإنسان العربى قادر أن يصير ابن الحضارة الحديثة ، وقادر أن يطور أرضه ، وأن يكشف مكنوناتها ، ومخزوناتها . . . وإذا كان يحمل بعض السلبيات فهى سلبيات فرضتها عادات وتقاليد بالية فى زمن ما . . وإذا كان العربى فى أول سلم الحضارة فإن عليه أن يغذ السير فى صعود درجات السلم بسرعة ليواكب حضارات الأمم ، كما عليه أن يتخلص من عاداته البالية ، وتقاليده المهترئة ليحقق هدفه فى التقدم والازدهار ـ وهو قادر على ذلك ـ إن فقدان فيكتور وهيلينا الأمل فى العيش فوق الصحراء دليل قاطع على أن أبناءها هم المطالبون بالارتباط بها ، واستنباط ثرواتها ، وحمايتها ، وما السعى لقتل الغزالات إلا إشارة واضحة على وحشية الإنسان الأوروبى ، وما لعنة الغزالات إلا رفضا لما يفعله الأوروبى فى أرضنا ، وما موت ابن جابر إلا رمز لغضب الصحراء على الإنسان العربى الذى تنكر لأرضه ، وحاول أن يبدّد مكوناتها . 
الشخصيات
تتألف المسرحية من ثلاثة أشخاص (فيكتور ـ جابر ـ هيلينا) بمعنى أن المؤلف حقق النظرية القائلة: إن من سمات المسرحية الناجحة قلة عدد الشخوص . . والسؤال الملح هنا هل استطاع الكاتب أن يتبع الأنموذج الدرامى المنطقى والصحيح فى شرح الشخصيات المسرحية؟ أى هل أظهر ملامحها الخاصة والعامة؟ ، وشرح بنيتها ، ودقق فى تصنيفها ، وجعلها تأخذ صفتها من حيث الفعل والطباع والسلوك؟ هل تدخل فى حركاتها وتفكيرها وتصرفاتها؟ أم تركها مستقلة تتصرف بموجب طبيعة الحياة ومنطقية الأحداث المتفجرة فى النص المسرحي؟
ولكى ننصف المؤلف نقول إن المؤلف وصل إلى حد معقول فى جعل الأشخاص رموزا ذات دلالات وسمات حققت هدفه فى إيصال أكبر قدر ممكن من الأفكار التى أراد طرحها والتركيز عليها فى المسرحية . . ففيكتور رجل يعمل فى البحث والتنقيب عن النفط فى الصحراء . لقد اندفع هذا الباحث نحو عمله وعلمه غير آبه بالمعانى الإنسانية لوجوده فوق أديم الأرض حتى حبه لهيلينا وظفه ضمن بوتقة عمله . . ولقد غره الجانب المخادع والبراق للحياة الحضارية فانغمس فى وجه الحضارة الزائف وهذا أدى إلى نهاية مأساوية ، وهذا أيضا جعل الصحراء تنتقم منه:
فيكتور : إن لدى أسبابا أفضل من ذلك بكثير لعل إحداها أننى مثل الحجر المتدحرج . لم أعرف لى يوما مكانا أستقر به ، وإنى لست كثير الشوق إلى امرأة فى بيتى ، لا هم لها إلا أن تسأل أين ؟ وكيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟ أما أكثر أسبابى أهمية فهو أننى لو كنت تزوجت لضاعت يا هيلينا فرصة أن ألقاك ، وأن آتى معك فى نزهتنا الصحراوية . . . 
وأما هيلينا فهى المرأة الأوروبية التى تطبعت بطباع البيئة الإنكليزية ولذلك فقد حملت صفات هذه البيئة فهى لا تهتم إلا بعملها ، وليس فى حياتها إلا سعادة نفسها وتحقيق الربح الأكبر . إنها ترتبط بمادية الحياة لا بقيمها ومعانيها الإنسانية . وإذا كنا نلحظ حوارا يعبر عن اخضرار قلبها ونداوته فإنه ينطلق من ذكريات ذاتية ، ومن دوافع غريزية لا تصب فى الفعل الحياتى وانعكاساته (ص126 ـ 127)
لقد ضاعت هذه المرأة فى غياهب الحضارة الحديثة وهذا ما دفعها إلى البحث عن أمل يغذى قلبها فاندفعت لتزور فيكتور الرجل الذى التقت به لقاء عاديا دون أن تكترث بموعد زواج أو بحياة أسرية سعيدة . . كل ما وعدها به اصطياد الغزالات من الصحراء . 
جابر: وهل وافق أبواك بسهولة على سفرك لزيارة أحد الغرباء ؟ يالهما من أبوين عجيبين!
هلينا : أبواي ؟ يوافقان ؟ لماذا ؟ ما دخلهما ؟ إنى أحبهما لكنى منذ ثلاثة أعوام لم أذهب لزيارتهما فهما يعيشان بعيدا عن لندن ما يقرب من ساعة بالقطار ، لكنى رأيت أمى مرة بالمحطة فقلت لها أهلا . . . 
هيلينا : لا أقصد هذا النوع من الربح ، أقصد ربحا آخر
جابر : رضاء الضمير
هيلينا : متى تفهم ؟ أقصد الواحد بالمائة
جابر :  واحد بالمائة ماذا ؟
هيلينا : عمولة
جابر : عمولة لك أنت ؟
هيلينا : طبعا ؟
جابر : من أمك ؟
هيلينا : وما الضرر من ذلك . . . 
أما عن شخصية جابر فتعتبر ـ فى رأيى ـ أدق الشخصيات فى هذه المسرحية . لقد أحاط المؤلف بهذه الشخصية سلوكا ، وتصرفا ، وفكرا ، مما جعلها تتطور ، وتتفاعل مع الأحداث بأسلوب عفوى جميل وعميق . . 
تمثل شخصية جابر الإنسان العربى الذى يحمل نقاء الصحراء ، وطهر الأرض . . إن جابر هو ذلك العربى الذى يحمل صفاء الإنسان ، والذى لم يتلوث بالوجه الزائف فيها . إنه رمز الأصالة العربية التى بقدر ما تتطلع إلى الحضارة بقدر ما تحافظ على قيمها النبيلة من صدق ، ووفاء ، وشهامة ورجولة . . إنه رمز الإنسان العربى الذى يعشق أرضه ، ويأمل بالحياة الكريمة والمستقبل الإنسانى السعيد :
جابر : لقد فكرت فى العار الذى سيلحق بأولادى . عندما يعلم أهل القرية أنى فى لحظات الشدة تركت رفاقا كنت دليل رحلتهم فى الصحراء ، وذهبت أحاول أن أنجو بنفسى (صمت) ها قد جاء الليل فلا تحرمنى من متعة أن أتكئ هنا ، أنظر للأنجم وأسبح اللّه حتى يغشى عينى النوم . 
إنه رمز العقيدة الصلبة التى تمرست على الصبر ، وتحمل الصعاب ، ليكن قلبك عامرًا بالإيمان فى حضرة هذه الصخور التى قد تطول عندها إقامتنا . لا أدرى إن كنا سنقوى على المشى بأكثر مما مشينا . . 
لقد كشف الكاتب صفات هذه الشخصية من خلال الفعل ورد الفعل ومن خلال المونولوج فعرفنا على جزئيات كثيرة ودقيقة فى حياتها دون تناقض أو تماثل مع الشخصيات الأخرى أو خيال يبعدها عن الواقع . . ومما يسجل للكاتب فى هذا المجال اهتمامه بعنصر التشويق فى رسم شخصياته وعلى الأخص جابر فهو لا يدعنا نفهم الشخصية مرة واحدة وإنما بالتدريج ـ وهذا هو الفن ـ إذ كلما توغلنا فى الحوار وتصاعدت الأحداث تعرفنا على الشخصيات أكثر ، واكتشفنا أشياء جديدة فيها . . لقد بدأ المؤلف ـ منذ الصفحات الأولى ـ برسم شخصية جابر وبقية الشخصيات . وظل يكشف ويعمق هذه الشخصيات حتى الصفحة الأخيرة من المسرحية: جابر : يختلف شكل الصحراء عندما يأتى الليل ، إنى أكرهها نهارا وأعشقها ليلا . كنت أجد نفسى وحيدا فى الصحراء فانتظر الليل لكى يأتى ، أوقد نارا فى حجم القصر ، أتدفأ وأبدد من حولى الوحشة ، ثم أعد الشاى وأتكئ لا أفعل شيئا سوى أن أشرب أكواب الشاى وأنظر للأنجم أحاول أن أحصيها . . 
الحوار
لا يختلف اثنان على أهمية عنصر الحوار فى العمل المسرحى إذ هو أداة التوصيل التى يستخدمها الكاتب ليوصل ما يريد إلى الجمهور من أفكار ومشاعر وأحاسيس وقضايا كثيرة أخرى . . ويمكن حصر أهم الأخطاء التى يقع بها كتَّاب المسرح فى صياغة الحوار بأمرين:
الأول: تحميل الشخصية حوارًا أكبر منها فتحدث الهوة بين المشاهدين وبين الأحداث والشخصيات بسبب انعدام الثقة ـ فى مثل هذه الحال ـ بين ما تقوله الشخصية فى حوارها ، وبين المعرفية المسبقة المتكونة قبلا حول الشخصية التى تمثل نمطا معينا فى واقع الحياة . 
الثاني: عدم معرفة الوقت المناسب لاستخدام الحوار البرقي(الموجز ـ القصير ـ المركز) والحوار الطويل
لقد استخدم الفقيه الحوار البرقى والطويل فى مسرحيته وما يؤخذ عليه أنه لم يتناسب ـ أحيانا ـ مع المواقف فى المسرحية ففى حين كان فيه الحدث يتوتر ويتصاعد نجد الكاتب يميل إلى الحوار الطويل الذى يسبب أحيانا فتور الحدث إذا لم يكن دقيقا ومثيرا ومشوقا:
هيلينا : (ترفع رأسها فترى فيكتور ، تتشبث به ، وتضع ذراعيها حول عنقه وكأنها عثرت عليه فجأة ) لا أريد أن أموت ، لا أريد أن أموت يا فيكتور ـ تبكى ـ
 فيكتور : ما كان ليحدث هذا كله لولا تلك اللحظات الخارجة عن كل النواميس الهاربة من الزمان والمكان ، تلك اللحظات العجيبة عندما كنت أندفع مبهورا ، مسلوب العقل والإرادة خلف تلك الغزالة ، وكأن قوى خفية مجهولة تحركنى ، أذكر الآن أننى رأيت وكأنها تقودنى إلى تلك الينابيع التى أتى منها الضوء ، إلى أرض جديدة غريبة كأنها جزر المرجان مسقوفة بسماء زاهية الألوان ، يضوع فيها المسك ، ويرتفع فيها الإنشاد الملائكى وتشهد عرسا كبيرا يتواصل أبد الدهر ، حيث تغتنى الروح ، ويجد القلب سلامه الدائم ، ويصير الإنسان شفافا كالماء . كنت أعرف أننى أراهن بعمرى للذهاب إلى تلك الأرض ، ولكن أنتما ما ذنبكما . . . . 
الحوار الموجز المركز يتناسب مع تصاعد الأحداث المتسارعة ، والحوار الطويل يتناسب مع المونولوج الداخلى ، وكل له مكانه ، وكل يتناسب مع الحدث والموقف والفكرة المرادة هذا ولا يجوز الخروج بالحوار قصيرا كان أو طويلا قيد أنملة عن الفكرة فى المسرحية التى يجب أن تتطور دائما وأن يوظف كل شيء من أجل التصاعد الدرامى . فالحوار فى بعض المشاهد ـ فى رأيى ـ يسئ لتطور الحدث ولا يضيف شيئا ذا بال سوى وصف خارج عن دائرة الحدث الأصلى وهذا ما جعله جافا فارغا لا وظيفة له . 
اللغة المسرحية لغة صعبة لأنها لغة النظارة بمختلف ثقافاتها ، وإدراكاتها ، ومعارفها ولا يمكن اعتبار اللغة الإنشائية لغة مسرحية لأنها تسيء إلى المسرحية وتضعف فنيتها ولا ننكر أن هذه اللغة سيطرت ـ فى بعض الحوار ـ سيطرة واضحة :
هيلينا : (ما زالت تكتب فى المفكرة) إنها رسالة واحدة أجلس لأدقها على الآلة الكاتبة يوما وراء الآخر ، منذ شروق الشمس ـ هذا طبعا إن شرقت ـ حتى مغيبها ، وإلى أن صارت أحرف تلك الرسالة كأنها حبال تمتد لتكتيفى ، أو قطرانا أسود يتجمع من حولى ويغرق جسمى حتى يصل إلى عنقى ، أصرخ فإذا بالساعة قد صارت واحدة ، أذهب لتناول شيء فى المقهى على عجل وأعود إلى تلك الآلة ، حتى إذا ما كاد قطران الملل يغطى وجهى يأتى موعد الانصراف فيتأجل موعد خنقى إلى اليوم التالى . 
ويلحظ عدم تطابق الحوار مع الشخصية وهذا يجب ألاَّ يقع به كاتب مسرحى على مستوى الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه ، وليعذرنى المؤلف إذ ذكرت بعض الأخطاء النحوية التى لا يمكن اعتبارها أخطاء مطبعية (إحدى حقول البحر) (واحد اثنين ثلاثة) (لوحدها) (يجده ملئ) (حتى تجدون) (ثلاث أعوام) (بإحدى أركان) (ثمة سريرين) (ثم يطهيها ويأكلها) (أيتها البحر الممتد) . . إلخ . . . . 
كلمة أخيرة
تبقى مسرحية الغزالات من المسرحيات الجادة والجديرة بالقراءة والعرض ، وهذا يجعلنى أؤكد ثانية على التواصل الثقافى العربى ليكتمل المشهد الثقافى ، وليتعرف الأدباء على نتاجات بعضهم والدرجة التى وصل إليها المبدعون . ومن خلال ذلك يترسخ التلاقح الثقافى المنشود ، وتتعمق الوحدة الفكرية ، ويزول الجهل بأدبائنا العرب . 
 
 






قراءة في مسرحية
النفايات والخبز
بقلم / عبدالله مفتاح هويدي 

الاستعداد لأي رحلة يرغب الإنسان في القيام بها تتوقف على أهمية الرحلة ولعل من أصعب الرحلات التي تتطلب الاستعداد على درجة من الأهمية هي الرحلة الفكرية التي يحاول أن يقوم بها الإنسان لإنتاج مفكر أو أديب أو فنان أو أي مبدع في مجال من مجالات الحياة والمعرفة  الإنسانية.
ويلتقي الإنسان في هذه الرحلة المبدع من خلال أفكاره وآرائه التي يطرحها بأي وسيلة يراها ناجعة ومناقشتها وتحليلها وتنقيحها وتنويعها وهذه الآراء والأفكار هي التي تمكن الإنسان من التعمق في نفس المبدع وسبر أغوارها والبحث عن مكامن سر الإبداع فيها وأسبابه ودوافعه ومنشأ هذه الدوافع.
وتزداد صعوبة هذه الرحلة عندما يستعمل المبدع الكلمة كأداة تعبيرية وخاصة إذا كانت هذه  الأداة الكلمة الدرامية التي تجمع دلالاتها وسياقاتها من اللفظ والمعنى من حيث الكتابة والنطق والحركة والمشاهدة بين ثابت ومتغير من حيث الزمان والمكان وتبقى الكلمة الدرامية نقاصة إذا لم تكن هناك وسائط تنقلها وتوصلها إلى أصحابها وأعني بهم (الجمهور) وتتركز هذه الوسائط من سمعية وبصرية على العناصر البشرية التالية المؤلف، المخرج، الممثل، المشاهد، وغيرهم من العاملين في الوسائط الدرامية، والجمهور يعد وجوده شرطاً سواء كان فرداً أو جماعة لميلاد الكلمة الدرامية.
  وإلا ستظل ناقصة مادامت على الورق.
والهدف من هذه الرحلة هو استشفاف ورسم صورة قلمية لإنتاج مبدع في مجال الكلمة الدرامية وخاصة ذلك الذي أصبح إنتاجه يحتل مكاناً في سيرة الحركة الدرامية أدبياً وفنياً وإطلاع القراء على إنتاجه وخاصة العاملين في حقل الإنتاج الدرامي ووسائطه السمعية والبصرية والمعنيين بالتوثيق والمتابعة سواء كانوا أفراداً أو جماعة.
ومن خلال هذه الرحلة الفكرية يتم لنا الكشف عن أهم معطيات الدراما ووسائطها السمعية والبصرية وخاصة من حيث إفراز الكوادر النسوية الفنية والأدبية والوقوف على الإثراء الثقافي الأدبي والفني الذي ساهم فيه المبدعون من خلال مؤلفاتهم وأعمالهم الدرامية السمعية والبصرية.
وعرفته خشبات المسارح والشاشات المرئية كبيرة وصغيرة في الداخل والخارج وذلك في محاولة منهم لزرع هذه البذرة في فضائنا الثقافي وإنباتها إنباتاً سليماً يعتمد على ما تجود به النبتة من عطاء خير وما أخصب بيئتنا المحلية.
ورحلتنا ستكون مع مبدع درامي شهدت خشبات المسارح في الداخل والخارج إنتاجه وعانقت لواقط  الصوت وعدسات آلات التصوير في الإذاعتين المرئية والمسموعة إبداعه الدرامي.
وقد سلك هذا المبدع طريقاً لم يسلكها غيره من المبدعين في مجال الدراما حيث إن أغلب أعماله المسرحية  قد مثلت وقدمت على خشبات المسارح قبل أن تطبع وتنشر، شعوراً منه بأن الكلمة الدرامية لابد أن يتذوقها الجمهور ويحس بها ويشعر ويتفاعل معها عندما يشاهدها فيه مجسدة على خشبات المسارح وهذا لاشك يعطي قيمة أكثر للكلمة الدرامية تفوق قيمتها وهي بين دفتي كتاب.
ولقد رأيت أن موضوع هذه القراءة هو آخر نص مسرحي له وهو النفايات والخبز الذي رأى النور في سنة ١٩٩٩ م.
لإحساسي بالنضوج الفكري الذي وصل إليه  الدكتور الأزهر أبوبكر حميد الذي انعكس في تأليف هذا النص خاصة وأنه اختار أن يكون منهجه في التأليف مدرسة للمسرح التسجيلي ونحاول من خلال هذه القراءة الوقوف على خبرات التأليف الدرامي ومدى التطور والتغير الذي طرأ عليه عند د.الأزهر أبوبكر حميد.
لقد ابتلى الله الأزهر أبوبكر حميد  ١٩٣٢ - ٢٠٠٤م لمواهب غده يوم أن خلقه ممثلاً ومخرجاً وكاتباً درامياً وصحفياً وفنياً وأدبياً وفناناً وناقداً وفناناً تشكيلياً وقد أراد أن  يبعث بأبواب جديدة.
فلم تنته سنوات قلائل من عمره الفني كممثل بالفرق القومية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي حتى جذبته الكلمة بأحاسيسها المتنوعة فكتب للمسرح والإذاعتين المسموعة والمرئية العديد من الأعمال الدرامية المتنوعة   من مسرحيات ومسلسلات وتمثيليات وسهرات تمثيلية إذاعية مسموعة استمر عطاؤه حتى وفاته المنية ().
وتميزت بعض أعماله بأنها ملهاة سوداء، نظراً لما تحتويه في بعض الأحيان من تشاؤم، وكما أشرنا في أسطر سابقة فإننا سنتناول آخر إنتاج مسرحي له ألا وهو (النفايات والخبز).
استهل د.الأزهر أبوبكر حميد مسرحية (النفايات والخبز) بمقدمة أوضح فيها أن المسرح العربي اليوم يتخلص في النقاط التالية:
بعد أن أكد في بداية مقدمته على أن طبيعة المسرح تربوية وإبداعية وأداة للتثقيف والتوعية ينتقل لإعطاء صورة للوضع الراهن للمسرح العربي اليوم تتلخص في الآتي:
١- الابتذال وما نتج عنه من سلبيات أدت إلى تدمير الذوق العام والحد من أهمية  الخطاب العربي المنهجي.
٢- إرباك المتلقي بحيث لم يعد قادراً على التمييز بين الغث والسمين  والانغماس كلياً في (مسرح الكباريه).
٣- إغفال المسرح العربي للقضايا المهمة والجوهرية.
٤- الضرب على أوتار العواطف وإغراء المتلقي بشتى المغريات.
٥- اتخاذ شباك التذاكر وما يذره من أرباح المقياس الفيصل لنجاح أو سقوط العمل المسرحي.
٦- التحول الذي طرأ على قطاع من رجال الفكر والإبداع والدفاع عن هذه الموجة وإدراجها تحت مسميات علمية ومنهجية لإيجاد السند العلمي لها.
ويضيف المؤلف في مقدمته فقرة تحت عنوان (أحداث المسرحية)  ص ١٢ المواضيع التي ستتناولها المسرحية هي:
١- هجرة العقول العربية إلى أوروبا.
٢- أحوال المغتربين في بلاد الغربة.
٣- النفايات وخطرها على الوطن العربي.
٤- الحكم الفردي التسلطي.
٥- المعاهدات والأحلاف مع الاستعمار.
وبالنظر إلى عنوان المسرحية الذي يتكون من كلمتين وهما (النفايات والخبز) نستطيع أن ندرك  بعد قراءتنا للنص أن المسرحية تتكون من جزئين مهمين.
وهذان الجزئان يمثلان مسرحيتين الأولى تناولت الموضوعين الأول والثاني وهما هجرة العقول العربية إلى أوروبا وأحوال المغتربين في بلاد الغربة بينما المسرحية الثانية وهي الجزء الثاني تناولت بقية المواضيع وهي:
١- النفايات وخطرها على الوطن العربي.
٢- الحكم الفردي التسلطي.
٣- المعاهدات والأحلاف مع الاستعمار.
غير أن  المسرحية بجزئيها اللذين يمثلان مسرحيتين في مسرحية واحدة حسبما يدل على ذلك العنوان ترتبطان جدلياً لأن المسرحية الأولى أو الجزء الأول يقودنا إلى الجزء الثاني بشكل عقلاني وتفاعلي كما أن كلا الجزئين يخدمان نفس الفكرة المحورية في النص بشكل تصاعدي وهذه الفكرة تتثمل في دور الإنسان وهو يواجه القهر والتسلط والاستغلال والاستيلاء والاستعمار والقمع وأسلحة الدمار الشامل على كل مستويات الحياة مستغلة في ذلك نهب ثروات الشعوب وامتصاص دمائها وممارسة القهر والتسلط بواسطة عملاء ربتهم ودجنتهم وتوصلت إلى نقاط الضعف فيهم  فضغطت عليهم واستسلموا لها وباعوا شعوبهم بمقابل مادي تافه لإنفاقه على ملذاتهم وإشباع رغباتهم الخاصة ضاربين بكل قيم الحياة الإنسانية عرض الحائط.
  وهذا النوع من المسرح الذي يعتمد على الإحصائيات والأرقام والاستطلاعات والأخبار اليومية  ومتابعة الأحداث والذي ينادي به منظروا الدراما في العالم ويرون أنه الأفضل من تجسيد المشاركة من طرف المتلقي في الأحداث ودمج قاعة المشاهدين بخشبة المسرح بحيث يتشكل فضاء مسرحي رحب حيث تتحق المشاركة الوجدانية الفعلية ويتم التفاعل مع الممثلين الذين هم من الجمهور وهذا لاشك يعطي المشروعية للعمل المسرحي إذ يتم فيه ربط أحداث وشخصيات المسرحية بالفضاء المسرحي كما أن هذا النوع من المسرح يكون مليئاً بالمواضيع الإخراجية الموضوعة من طرف المؤلف وعليه فإن المخرج لا يكلف نفسه عناء وضع مشهدية إخراجية ولا يتدخل في النص من حيث تكنيكه وإعادة تركيبه وفق رؤية إخراجية.
كما أن هذا المسرح باستخدامه الفضاء الموحد يلغي عملية الزمان والمكان ويصح في المطلق من حيث الثابت والمتغير بالنسبة لهذين العنصرين وشخصياته غير نمطية مركبة ومتغيرة وفق ما يقتضيه الحث والموقف المترجم بالكلمة والحركة.

 
























  السندباد"..( ماذا قلتم أنتم ؟)
بقلم / سليمان سالم كشلاف 
 
اختار "فتحى كحلول"المسرح الشامل شكلاً يقدم به مسرحية "سندباد"فاجتمع الأداء الدرامي والحركي مع الموسيقا والغناء ليعطى الصورة النهائية لعمل إتكأ على قاعدة من الأسطورة الشعبية موظفة لتقول كلمة سياسية تبرز التناقض بين واقع قائم وحلم مطلوب تحقيقه،واستعان في ذلك بالتمثيل الصامت والستارة الشفافة كما حوّل الكلمة المكتوبة في حوار القص والاسترجاع إلى مشاهد حركة وأداء تمثيلي يرافق الصيغة الكلامية ويجسدها.
فهل استطاع "فتحى كحلول"أن يظهر جو الرعب والطغيان والظلم الذي حاول النص المسرحي إبرازه بحيث تتركز أكثر فكرة "العدل والحرية"؟ 
إننا لانجد ذلك في جانب الإخراج إلا جزئياً،بل ظهر الأمر كأنه عادى ومقبول من خلال المجتمع الوثنى الراكع على أقدامه أمام القناع.
لقد نجح مصمم المناظر "محمد شعبان"في تجسيد هذا الجو بالتركيز على القناع كمحور للعمل المسرحي وتنفيذه له بشكل ساعد على خلق هذا الانطباع. 
كما زاد في تأكيد ذلك تصميم الأزياء الخاصة بكل من "غضبان"و "المالك"و "الوحش".
وكما فقد "فتحى كحلول"الاتجاه الصحيح لمركز العمل تبعه "علي ماهر" موسيقياً في خلق هذا الانطباع،الموسيقا والألحان جميلة ما في ذلك شك،لكن الكلمات التي هي أساساً جزء من العمل أصبحت عبارة عن مقاطع غنائية،انفصلت عن جسد المسرحية ولم توظف لتأكيد سياق العمل الرامي بإلحاح إلى إبراز مشاعر الخوف والظلم والاستعباد من خلال الإطار الموسيقي،عبرت الموسيقا عن نفوس حزينة وعن أحلام وأمان فطغت بها على الجانب الأشد سواداً في العرض المسرحي،كانت موسيقا رمادية اللون وكان الاحتياج إلى تعبير موسيقي أشد سواداً من ظلام الليل،وبذلك انعكست الحكاية وأصبح النص في خدمة الموسيقا،بل طوع النص لخدمة الموسيقا. 
كذلك لم يكن للإضاءة أي دور في بث هذا الاحساس لدى المشاهد لقد طغت ملامح الحزن الهادئ والعواطف الرومانسية على جو الرعب والفزع بدلاً من أن تخلق الإحساس بذلك التناقض الحاد بينهما بحيث يزداد المشاهد قناعة بأن حالة "الأمن والأمان"المفتقدة في العرض المسرحي نتاج طبيعي لعدم توفر "العدل والحرية"المطلوب إقناع المتلقي بهما واللذين لن يتوفرا دون خوض الصراع وبذل الدم ضد قوى الشر.
ومن الواضح أن تجربة "فتحي كحلول"في "باب الفتوح"مازالت مسيطرة عليه كما هي مسيطرة على بعض عناصر العرض المسرحي "الأداء الغنائي/أداء بعض الشخصيات وبعض الأداء الحركي"رغم اختلاف الجو العام والزمان والمكان ورغم اتكاء "محمود دياب"على هيكل تاريخي و "شوقي خميس"على هيكل أسطوري حكائى.
على أن ذلك لايلغي نجاح "فتحي كحلول"في استغلال كامل مساحة الخشبة في إدارة اللعبة المسرحية بتنسيق جميل لم يكن ينقصه إلا استغلال كامل قدرات الإضاءة المسرحية في النقل من لوحة إلى أخرى،بالاختفاء والظهور التدريجيين وفي محاولة تحويل الدراما المكتوبة والمؤداة لعكس جوَّانيات الشخصيات واستكمال جوانب العرض المسرحى،بمثل ما أفلح مصمم المناظر في تكوين لوحاته من خلال قطع المناظر التي وفرت للمخرج مساحات التحرك بحرية،أما تصميم الملابس "ربيعة بن بركة"الذي شكل جزءاً كبيراً من نجاح العرض المسرحي بالتمييز بين الشخصيات من خلال فهمها لها،فكانت أزياء النماذج الشريرة "غضبان-المالك-الوحش"تجسيداً لنفسياتها وسلوكها،كما وضعت الجند في شكل الإنسان الآلي الذي أُلغي تفكيره تماماً وبرمج على صيغ محددة وضعها النظام القمعي القائم ليحفظ بها سلطانه وسطوته في إرهاب الناس عن طريق إلحاق الضرر بهم وبممتلكاتهم،إلى جانب تصميماتها الجميلة لشخصيات "الأم"و"المغنية"و"القاضي". 
وبمثل ما اختلفت نسبة النجاح بين عناصر العرض المسرحي،تباين نجاح الممثلين في أدائهم "سعاد الحداد"مثلاً هي الأم المشفقة على ابنها،الخائفة من روح المغامرة التي استولت عليه طيلة حياته،فقلبها معلق طيلة غيبته في كل رحلة بين الأرض والسماء حتى يعود الغائب "سعاد الحداد"كانت الأم متجسدة بتواصل إحساسها مع إحساس الآخرين،يتسلل قلقها ووجدها ودفء قلبها فيتحرك أشجاناً ويثير في الآخرين وعوداً وأماني،إن تراكم تجارب "سعاد الحداد"الفنية منذ أن أدت دور "بريسكا"في مسرحية "أهل الكهف"قبل ربع قرن مضى خلق لديها حساسية فنية تستطيع بها أن تقف على خط واحد مع كثيرات من ممثلات الصف الأول على مستوى الوطن العربي. 
-"علي القبلاوي"لم يخرج في أدائه عن دوره في "باب الفتوح"ربما كان فهمه لدوره باعتباره الشخصية الرئيسة في العملين واحداً نتيجة تفسير المخرج لشخصيته بهذا الشكل،لذلك نلاحظ أن الإيقاع واحد وأسلوب الأداء واحد حتى في الأوقات التي كان المفروض أن تمتزج فيها روح "سندباد"المغامر فيما واجهه خلال رحلته بخيال وحكايات الراوي وهو يقص أخبار مغامرته الأخيرة،نجد نفس طريقة الإلقاء المندفعة المتعجلة بنفس الطبقة الصوتية بينما كان قادراً على تطعيم أدائه بمزيج من الخيال والحقيقة،بالتشويق والإبهار وشد انتباه المشاهدين.
-"محمد الطاهر"دور مختلف عن مجموع أدواره السابقة،أداه بإجادة لكن فهمه لم يكن كاملاً لشخصية "قائد الجند"لذلك ظهر التلوين في أدائه الصوتي وتعبيرات وجهه لأن طبيعة دوره تقتضي أن يكون دون مشاعر ولا أحاسيس،لكننا نشاهد انفعالاته واضحة على الوجه،نسمع تذبذب صوته بين الفعل ورد الفعل بما لايتمشى مع حدود شخصيته كآلة من آلات السلطة مبرمجة على سلوك معين،وطبيعي أن الآلة لا مشاعر ولا أحاسيس لها،إن إيقاع الأداء الصوتي وتعبيرات الانفعال الداخلي على ملامح الوجه تتعارض تماماً مع طبيعة الآلة.
-"عيسى عبدالحفيظ"يزداد نضجاً ووعياً في كل عمل مسرحي جديد،لذلك فقد اكتسى أداؤه بانسيابية جميلة كموج البحر،بدور أعطى إمكانية الإجادة والإبداع وبفهم واضح له. 
-"يوسف الكردي"يجيد أداء دور الإنسان الشقي والبائس،لكنني وجدت شاباً يروي أن عمره تسعون عاماً،لكن خطواته لم تكن تعطي الوهن ولا ثقل السنين وأداؤه الصوتي لم تتسرّب إليه روح الكهل،وظلّت نبراته نابضة بروح الشباب.
-"مهيبة نجيب"عامل الجذب لأقطاب نظام الشر،خرجت من محنة افتراس"الجبار حاكم الوديان"لها لتصبح بعد ذلك ميراثا لعصبة الشر.من خلال تجاربها كان من المفروض أن تكون لعوباً تستطيع أن تذيب الحجر،ومن هنا كان تفكيرها ينحصر في جر "سندباد"إلى الفراش،لم أحس أنها تجسد شخصية الغانية،كانت فقط مجرد امرأة حزينة ثم أصبحت امرأة عاشقة قد يكون هذا حدود الدور المرسوم لها وربما كان الواقع الاجتماعي هو الذي حدد وخلق برود الأداء.
-"زهرة مصباح"ظهرت ضعيفة الشخصية أداءً لم تستطع إيصال أحاسيس التمرد بكفاءة وبحجم دورها،إمكاناتها الصوتية تحتاج إلى تدريب حتى يمكن لها إعطاء نفسها مستقبلاً مقدرة أكثر على الأداء. 
-"صبرية الجرساني"وفقت في التمثيل لكن إمكانات صوتها حدت من حجم دورها.
-"علي البوزيدي"في أفضل حالاته أداءً. 
مبروك لـ"فرقة المسرح الوطني""طرابلس"وفي انتظار أن تقدم موسماً مسرحياً كاملاً.














إرث منصور ابوشناف 
بقلم /  أحمد ابراهيم حسن     
نص مسرحية " الإرث " فاخر بمحتواه لا بالشكل الذي ظهر به كمطبوعة ملحقة بمجلتنا المتعثرة " المسرح والخيالة " إذ ضم العدد العشرون وفي الوسط تماما المطبوعة بالحجم الصغير وبغلاف من الورق العادي وضع عليه صورة للوحة " ديلاكروا " الشهيرة " الحرية تقود الشعب " وعدد صفحات المطبوعة (31) صفحة دون أي تقديم سوى تلك العبارة التي اختارها الكاتب منصور أبوشناف من الالياذة - هوميروس :
( وقبل أن تتم فينوس سحرها كان الفتى البائس قد ألقى التفاحة في يديها الجميلتين بالرغم من الصيحات التي كانت تأتي من البحر : لا يا باريس - لا يا باريس - أعطها لمينرفا ..) وجر على نفسه غضب هيراو منيرفا .. وكتب التعاسة عليه وعلى قومه ) 
ومن هذا الاختباء وراء هذا التصدير وراء تلك اللوحة .. ووسط مجلة المسرح والخيالة كأنه الاندساس ، فمن هذا الاندساس أو الاختباء يبتدئ النص .. ولكن لنتعرف بإيجاز عن صاحب هذا المنجز ، : هو منصور أبوشناف من مواليد بني وليد 1954 ف ، كانت بدايته بالمسرح المدرسي مضراته عام 1965 ف ، يكتب للمسرح والمرئية والنقد الفني كتب بوشناف عشرين نصا مسرحياً أهمها :- توقف - جالو - حكايات ليبية - كاسكا - كلام نساوين - السعداء - الإرث - عروس بالمواصفات - الحجالات - خماسية الانسان والشيطان .. الخ ، بدأ الكاتب نشر مقالاته في الصحف والدوريات المحلية ، عام 1973 ، تحصل على برونزية مهرجان الجزيرة للأشرطة الوثائقية ، والفضية بمهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون .

ملخص المسرحية 
يخرج خالد من سجنه بعدما قضى فيه عشر سنوات ليجد زوجته وقد بنت له بيتا كبيرا ، اغتصب جده - أيام الاتراك - أرض جد خالد ، كما يجد زوجته التي لم يدخل عليها قد فقدت بكارتها فيناديه صوت جده الذي يسكنه ، يناديه للاقتصاص وغسل العار بالدم .. واخراج كل المدسوس والمتخفي في صندوقه الذي ورثه عنه ، يحثه على الثأر من قتلته .. وبعد صراع نفسي حاد يقتل خالد زوجته زينب التي خانته مع شاب كان يتردد عليها في غيابه وكذلك يقتل ابن عمها ( محمود ) ويضع صندوق جده العتيق الذي يحوي كل أوراق ملكية الأرض ، والأرض والقتال وكل أرثه من الخيانات والمؤامرات - فوق جثة زينب ثم يحرق البيت بكل محتوياته وهو يجلس ساهما إلى جانب حبيبته محترقا هو أيضا بنار ثأره .
عرض للنص 
خرج منصور بوشناف من المحك بتجربة غنية ... خرج شرها لعوالمه الأدبية والفنية .. وقد انعكست هذه التجربة على نصه هذا .. إذ نجده يصب من ذاته مهربا نفسه على لسان ( خالد ) بطل المسرحية ، عن موقفه من السجن ، الفن ، الحياة ، المؤامرة ، الخيانة ، الصحراء ، الأرث .، فهذه الالتقاطة إذاً والتي بنى عليها نصه تهيأت وتجمعت خلال أو بعد فترة السجن ، وأن الحبكة المسرحية ، وعمق الدلالات وتعددها في النص ( الصحراء ، العاصفة ، الشجرة ، الصندوق .. الخ ..) ، تؤكد اختمار الفكرة في ذهن مبدعنا ، هذا الاختماد أدى إلى صور شعرية بالمعنى المعبر عنه في جماليات مسرح العبث أو اللامعقول .
مكثفة ومبتكرة وأصيلة ... وانبثاقها عن هذا الشكل الرصين المتماسك .. هذا التنفيذ والتحقيق الذي يشير إلى تمكن الكاتب وقدرته على صياغة عمله وإمساكه بتلابيب موضوعة ويغوص هذا النص إلى عمق المشاعر الانسانية ، بيسر وببساطة ويسجل لحظات إنسانية غاية في الشفافية وغاية في الرعب والقسوة .. وتذكرك النهاية التراجيدية الفاجعة بالنهايات الشكسبيرية في مآسية العظيمة ( ماكبت ، هاملث ، لير ، عطيل ) فشخصية خالد بطل المسرحية تقع في تردد هاملت بين الفعل واللافعل ، القدرة وعدم القدرة ، وتظهر ملامح هاملت مرة أخرى واضحة في شخصية الرسام الشاب المصاب ( بعقدة أو ديب ) والتي يؤكد الكثير من الدارسين والمحللين لإبداع وليام شكسبير على ان هاملت كان شخصية مترددة تعاني من عقدة أو ديب وهي مفتاح الولوج لتحليل هذه الشخصية التي أبدعها شكسبير ... كما نجد في مشهد الخنجر ( حالة تلك الرغبة الشكسبيرية في القتل وإلى محركات وعواقب هذا الفعل اللانساني بمأساته العظيمة ( ماكبث ) فكما قتل " ماكبث " ابن عمه .. يقتل خالد ابن عم زوجته أيضا .
قسم الكاتب نصه إلى إربع لوحات متتالية . 
اللوحة الأولى 
تبدأ الأحداث بخروج خالد من السجن بعد ان قضى فيه عشر سنوات من القلق والانتظار .. لقد سيق إلى السجن قبل العرس بأيام ... زوجته زينب انتظرت كذلك عودة زوجها ليمنحها فخارا لأمومة ( بأي شئ أجمل من أن تكون المرأة أما ...؟ ) هما الآن يستعدان لبدء حياتهما جديد .. تشجعه على نسيان السجن الذي يصفه الزوج : بالجحيم وهوة العدم .
ان زينب من فرحتها بعودة زوجها صارت ترقص على أنغام قصيدة ( أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق ) .. يتساءل الزوج كيف استطاعت أن تكمل انجاز البيت وشراء الاثاث رغم مقاطعة الأهل لها ، لأنها أصرت على السكن وحدها ولاصرارها على تكوين بيتهما المستقبلي فتخبره أن ( محمود ) ابن عمها قد ساعدها في ذلك .. فيغضب ويستنكر ذلك لأنه لا يحبه كثيراً لعجرفته وتكبره .. وتطلب منه أن لا يفسد عليها هذه اللحظات الجميلة بالحديث عن البناء وعذاباته .. يشربان الشاى وهما يتأملان الصحراء التي يقول عنها الزوج : بانوراما بيتنا الجميل ، فأحيانا تكون جميلة وهادئة وأحيانا تكون مزعجة وأن بينه وبينها حربا عمرها أكثر من ألف عام .. هي رغم زوابعها رتيبة ومملة كيوم السجن ) ويتساءل كيف بإمكانه أن يحب وهذه الصحراء خلف ظهره .. فتقول له زينب " إن الحب لا يعرف أمكنة ...إنه ينمو في كل مكان وتحت كل الظروف .. )
ويضع الكاتب إشارة للكوتشيرتو الأربعين لموزارت كخلفية لهذه الصورة الشاعرية ، ينظر لزوجته بولّه على نغمات ( موزارت ) ويتكلم بأسى عن شجرته الوحيدة تقترب منه زينب وتحادثه بأمل قائلة : ( لن تظل وحيدة . سنغرس مصدات رياح لاحد لها .. لن تكون وحيدة .. هاقد عدت ، صار بإمكانك أن تأخذ ثأرك من الصحراء .. سنأخذه معا .. ) وتنتهي اللوحة بقصيدة .. أصبح الصبح ، من جديد .

اللوحة الثانية 
نفس المكان .. الصحراء تبدو في الخلفية مضاءة بقوة إنه القيظ الشديد .. و " خالد " في أشد حالات توتره وغيرته من " محمود " ابن عم زوجته محمود الذي استولى جده أيام الاتراك على أرض جد خالد . وحين يدخل محمود مهنئا بالإفراج عن خالد .. لا يحسن استقباله فيضطر محمود للانسحاب محرجا ويزداد توتر خالد حين لا يعثر على صندوق أبيه ورثه عن جده ..فتخبره زينب أن الصندوق عندها إذا استلمته من أمه بعد دخوله السجن ، وتوتفع وتيرة الخصام بينهما .. فتخبره خائفة أنه يغار من محمود لأنه لا يثق بها ولا يثق بنفسه ، بتعود به مسترجعة ذكريات الدراسة الجامعية وذكريات حبهما .. وتتهمه بأنه ألغى في داخلها مشروع .. مشروع السيدة الأنيقة الفنانة التي لاتطيق رياح القبلي لقد أهدته فيما مضى لوحة " ديلاكروا - الحرية المفقودة ...
ونلاحظ هنا توظيف المبدع للموسيقى والتشكيل الانساني العالمي والافادة منه في خدمة نصه ، وذلك لأن النص يتقاطع أو يتناص مع هذه الأعمال تأويليا .
لقد كان خالد مجنون بتلك اللوحة .. كان يعيش قصة حب مع تلك المرأة المتصدرة الجموع في اللوحة ، تلك التي تتفجر قوة دون أن تغيب أنوثتها .. وحين يصبح وحيداً يخرج له طيف جده ، الذي يذكرنا بطيف الملك المقتول في " هاملت " شكسبير ، أيضا إضافة لما سبق ذكره في مقدمة التحليل .. يصفه جده بأنه ملعون مطارد وأن لعناته ستظل تلاحقه ، يصعق خالد لسماع وصف جده له بأن مرضا مشينا بطش بعقله .. مرضا لا يتوقف عن الاساءة له وللعائلة وأن ليس بإمكانه أن يكون جداً لعقل فاسد أفسدته الكتب .
وحين يرد خالد بأنها " المعرفة " يقول الجد : أية معرفة تجعلك شحاذاً على أبواب ابن قاتلي ؟ أية معرفة تجعلك تتزوج هذه الفاسدة المارقة نفاية " محمود " ويحثه على طلاقها وعلى فتح الصندوق واخراج كل الحجج والوثائق التي تخص الأرض . إذ لابد من استرجاعها من مغتصبها .. يُذهل خالد لسماع ما قيل له عن زوجته .. فتعمى الغيرة عينية من جديد .. ويظل يهذى بالأرث والنار والعار .. وأن مايرثه الانسان يكون كيانه .. فيتهم زوجته بالخيانة .. ويفكر بصوت مسموع أنه آن له أن يفصل كل شئ وأن يصدر حكما بالاعدام على هذا الرأس .. هذا العقل المشين فمن يبذروهما يجنى أوهاما ..

اللوحة الثالثة :
نفس المكان .. الصحراء متوهجة .. زينب مهمومة .. يخرج خالد الخنجر من صندوق جده العتيق .. وهو في حالة نفسية يُوثى لها ينظر للخنجر وهو يهذى ( كما شكسبير في مونولوجة الشهير " أهذا الخنجر .. ؟ ) . ، ما أسعدني بشقى الرحى ؟ ويقصد زوجته التي يشك بها والتي لن تخلف له إلا العار إن صحت شكوكه وجده الذي يورثه الثأر .. ترتعب .. ويظهر ذلك عليها فإن عروسا بلابكارة " يبدو لها الخنجر مرعبا .. تطلب منه الهدوء للتفاهم ..( أتعرف معنى أن تكون المرأة وحيدة انها تصبح كيانا مهدداً .. تصبح فريسة لأوهامها وأوهام الآخرين ) تعترف له بأن رساما صغيراً كان يزورها .. وذات مرة بكى كطفل ، " طلقها أبي منذ سنوات .. تركته .. وتبعتها كانت أما حقيقة .. كانت تستحق كل شئ .. والآن تزوجت جرحتني " .. ( وكأنما هذا الشاب الذي يصغرها بست سنوات يعاني من عقدة أوديب لشدة ارتباطه بأمه ) ... ويظل يبكي فتضمه إليها بحنان وهي تنعته بولدها الحبيب وتقبل جبينه ( تحتاج أما لاتتركك وان طارت عصافيرها . تحتاج حبيبة .. ( تضمه بقوة ) .. واحتاجك هذه الليلة أكثر .. ) ويمثل مشهد زينب والشاب الرسام عودة للماضي ... تعود الاضاءة وخالد مازال على كرسيه مستشيطا ( خيانة .. أين شرعية عمل مشين كهذا) .. فترد عليه : إنه شرعية الإرث المرعب " إن طوفانه يغرق كل شئ . وتتساءل كيف يبرر قتل من خالف إرث القبيلة الذي لايزيد عمره عن ألفي عام ولا يبرر عمل إرث عمره ملايين السنين ؟؟ لا يغسله إلا الدم .. إن البغى مهما تعطرت يظل يفوح منها العفن ) ، تطلب منه زينب ألا يصفها بهكذا أوصاف .. وأن بإمكانهما الافتراق بسلام .. وأن هذا البيت بنته له وأنها انتظرت عودته عشر سنوات .. ولكنه يستنكر صارخا أنه ليس بيته وإنما هو وكر للخطيءة وأنه ليس بإمكانه أن يغفر لها خطيءتها .. تخرج زينب غاضبة .. ويبقى وصندوقه وحيداً .. هذا الصندوق الصغير الذي يتسع لكل هذه المساحات من الأرض والقتال من الخيانات والمؤامرات .. يتساءل ويتساءل أنحرقه ونستريح .. ننسى .. نموت . فالبنسيان نمارس عملية قتل مرعبة .. ويخاطب روح جده التي تسكنه أتخيلك الآن أيها الروح الجليل وأنت تطوى هذا الثقل الهائل عبر سنوات طويلة .. وتسجنه هنا في هذا القمقم الصغير .. لينطلق في اللحظة التي تختار وتدمر كياننا .. يناولنا خنجره ليسود به لواسطتنا .. لست إلا عينيك التي ترى بهما ، ولست إلا إذنك التي تسمع بها .. ولست الايدك التي تبطش بها لم أعد إلا أنت أيها الروح العظيم .. فاهدأ أرجوك .. اهدأ قليلاً لأفكر في - الآن - ولتكن المجزرة .. اظلام .. وتوتفع العاصفة منذ رة بالكارثة .

اللوحة الرابعة :
تختفي اللوحة بما تحويه .. بكل تلك المعارف والقيم والمبادئ كدليل على فقدانها وضياعها .. ويقفل الباب المطل على الصحراء .. وصوت العاصفة يسمع قوياً وتتركز الاضاءة على الصندوق العتيق .. ، بينما خالد ومحمود وجها الوجة وكأنما هي ساعة المواجهة والمحاكمة وقد أزفت . يشعر محمود أن الجو متوتر فيذكر خالد أنه إنما جاء بناء على طلبه ... ولكن خالد يدرك أن محمود تعود الحضور للبيت في غيابه .. وتعود ان يجلس هنا مع زينب ليؤنس وحشتها .. ويشعر محمود بما يرمى إليه حديث خالد حيث يسأله انها لطيفة .. أليس كذلك ؟. فيشعر محمود بالحرج ويقول له : انها فنانة حقيقية . فيقول خالد : أنا ايضا فنان ) .. فنان بالمعنى الذي يعنيه جدي الذي كان مارسه في السجن .. ( وهنا تظهر ذاتية الكاتب ) .. في السجن مارست العهر الروحي .. كنت كى احافظ على بقائي وسط جوكرية امنح روحي للجميع كانوا يصفونني بالمجامل .. ولكنني كنت عاهراً عندما أوافق على مالا أريد .
لا اجامل .. بل اتعهر .. لابد انك من أجل الصعود الوظيفي حولت روحك إلى فنان ترضى كل الأذواق ..، يصفه محمود بأنه مرعب .. ويدافع خالد .. ( لست أنا المرعب .. ان الخيانة مرعبة داخلي حبسته سنوات طوال وكان يصرخ فيّ .. انك عقل فاسد .. وكنت احاول حرقه عندما يقف أمامي ولكن الرهبة كانت تمنعني هل تعرف .. كيف يموت نبيل ؟ كيف يموت فارس أذل وأهين يتزوير ومؤامرة خسيسة ؟ أقف أنا وأنت الآن .. وجها لوجه لابل جدي وجدك وجها لوجه ) .. يحاول محمود الانصراف ولكن خالد يصر ان يريه صندوق جده بكل محتوياته .. يمسك بالخنجر .. يخرجه من غمده .. قائلاً له : انه جميل أليس كذلك ؟ ! يحس محمود بالخوف فيبتعد قليلاً وهو يعترف انه رجل مسالم لا يحب السلاح . فيرد خالد عليه بسخرية ( مثل جدك .. دبلوماسي محنك ) وما ان يخرج محمود حتى تدخل زينب .. تفتح الباب المطل على الصحراء ، ومن الجلي انها اشارة للخلاص .. وتكون العاصفة قد هدأت ولكن تلك الشجرة الصغيرة التي كنا نراها في عمق المشهد قد اختفت وتتساءل عنها زينب فيقول لها خالد ، ( لقد اقتلعتها العاصفة كنت اعرف انها لن تستطيع المقاومة .. وهو يقصدها بهذه الكلمات العميقة .. لقد قرر خالد ان يحمل الصندوق ويمضي رغم الانواء .. تعترف له زينب بحبها ، وتعلقها الشديد به وانها لا تستطيع الحياة بدونه ... ولكنه لا يستطيع ان يصدق براءة هذا الوجه .. كما انه لا يستطيع ان يغفر لها ( هم لا يغفرون .. إرث كامل لا يغفر .. ) فتقول له ، إن المسألة تخصهما ولا يعرفها أحد ، فيقول لها ، ( هم نحن .. انهم يسرون فينا .. يسرى فينا .. كل سنوات وخبايا هذا الصندوق فينا .. ولن نستطيع ان نطردها منا .. لو انه يترفق بنا .. بي .. لو يهجع لو يتركني افكر قليلاً .. لو أني استطيع ان ارحل أو أن انسى .. أو أن استيقظ  من هذا الكابوس .. ( ينظر لمكان الشجرة في الخارج ) .. لو انها قاومت قليلاً .. لو لم تقتلعها العاصفة .. لو أن العاصفة تأخرت قليلاً .. تفهم زينب مغزي كلمات خالد فترد وكأنما تخاطب نفسها ، ( لو اني قاومت .. ولكنها غابة هذا الملعون جسدي .. عدوى الأول .. وتطلب منه ان يذبحها .. ان ينقذها من جسدها .. من لعنتها . يقبلها .. ويضع حد خنجره على رقبتها بينما هي تناجيه وتعبر عن حبها له .. عن دفئة ، ثم تنتقض دبيحة يدخل محمود من جديد .. وكأنما جاء لحتفه .. ينهض خالد والخنجر يقطر دما ومازال بيده .. يبرر محمود عودته بأنه احس ان عليه ان يأتي .. يخبره خالد انه كان بانتظاره وببساطة تامة يغرس الخنجر في قلبه .. ساعتك حانت ايها المخلوق الثقيل .. يسقط محمود على الأرض ورغم آلام الموت .. تبدو عليه علامات الذهول خالد يحمل صندوقه يضعه فوق جثة زينب ثم يخرج ليحضر برميل بنزين يرشه على الجثتين وبأركان البيت حيث يطلق النار ويجلس قرب جثة زينب ساهما محترقا بنار إرثه .

 
 











"عبد السميع في الزمن البديع "
محاولة للفهم والاستفهام 
بقلم / أحمد بللّو 
في الفن يصعب التقييم ، فلكل خصوصيته ، شطحاته ، قدرته على التعبير ، غموضه وضوحه ضبابيته نصاعته ..قتامته ،ولوجود كل هذه الاختلاف وجد مبدأ الحرية . 
في الفن هناك جهد ، مثابرة ، سعى متواصل نحو المثال .. نحو تحقيق المثال ،ولكن أين هو المثال ، إنه هناك وليس هناك ، إنه ذلك الشيء الذي سنظل نطارده ونطارده ..هل ندركه أم لا ؟؟ لست أدرى .. ولكن الذي أعرفه أنه سيظل يتجدد .. ويتحول ... ويتطور .. ويطلب المزيد من الجهد والمعاناة ، في المسرح في الشعر ، في الرواية .. وباقى الآداب والفنون .. وقبل هذا وذاك في الحياة ، في جميع نشاطات الإنسان الطيبة .
عذراً ..كنت أود أن أقول ، إننا بصدد جهد طيب ، ومثابرة طامحة ، جهد تحلق حوله كل المشتركين فيه .. وأمدوه بالدفء والنشاط والحنو والحرص حتى خرج من بيضته العدمية .. ليبدأ صراعه المشروع نحو التحقيق . وهكذا هي المسرحية .. تقدم لنا هذا السعى المتواصل ... للتحقق .. تحقق الكينونة المختارة .. والمشتهاة ..سؤال هاملت القاطع أكون أو لا أكون .. تلك هي المسألة .. الحلم الطائر أمامنا بأجنحة من نور .. وعذوبة .. وعنفوان " ضعوا كل شيء موضع الشك " هكذا يقول المداح .. وهكذا هي الحياة ، تاريخ الحياة ، ذاكرتها المتوقدة فينا .. عرافة كل الأزمنة .. ومعيار كل العصور " ليس مهما أن نخلق العجائب ، المهم أن نجد من يفهم العجائب وليس مهماً أن يكون لنا رأس وقدم ولكن " أين الرأس ..أين القدم ؟" تنقيب عن الأسئلة الجوهرية في حياتنا ودفع إلى الأمام " استيقظوا أيها النائمون " فطروادة سقطت وأتضح الخواء ..إن حياتنا جديرة بالرثاء .. وواقعنا الإنساني مدفوع على قطار جحيمي نحو الكارثة .. فلست أدرى كيف هذه المراوح تدور وأبوابنا مقفلة ؟؟ نحتاج الهواء والشمس " أما أنا فسأخرج .. هجرت أغلالى وسلاسلي ومن الدفء في قلبه ..لا يخاف البرد أنا في كل أرض وفي كل مكان كنت في روما .. باريس ... كنت في بغداد ، أغني للحياة في زمن الموت ... للسلام في زمن الحرب ... للحب في زمن الكراهية " إذن هي رحلة الإنسان في كل مكان وزمان ألم تقل الخامسة وعبد السميع في بداية المسرحية " كل الأزمان مختصرة " والمكان يتسع لكل الأمكنة .. ومازلت أحمل شوقاً للتناسق والفرح .. لن أعيد أخطائي السابقة " لن أقيد الأحداث والكلمات .. يكفيني أن أوجد حلما " "الصعاليك ، الشنفري ، تأبط شراً عروة ... أسماء لرجل واحد .. رفضه شرع أعمى .. أعور .. أعرج " " رأوني في الوحل .. فقالوا أنت الوحل .. لذا هربت  من كل لافوق .. لاأسفل المرض ، الفقر ، الحروب الظلم " هربت نحو الحلم الفرح .." ضد التيار " ضد  الممنوع ..ضد الوأد "كل شيء أصبح فاسداً " الأفكار الأحجام ، الأشكال ، الناس .. " ضيعت زمن الحلم يوم ضيعت طفولتي " لهذا سأخرج ، سنخرج .. هذه بعض المقاطع التي وردت على ألسنة شخصيات المسرحية .. عبد السمع أبي مسكين ..المداح ..الخامسة .. والتي يقوم بتشخصيها .." عبد الحق الزروالى" ..و" منية  الورتاني "، ولا أرى أي تناقض بينها – فكلها شخصيات تسعى للتحقق ، وصراعها مع الواقع – مع الوأد .. الوأد في التاريخ وفي الواقع .. واقع المرأة وواقع الرجل ..الفكر .. الفن ، الأدب ، الوأد كظاهرة حدثت في الماضي .. وظلت تكرر نفسها ..فإن هي حدثت على المرأة بالذات إلا أنها ظلت تحدث على الكل وفي جميع المجالات وعلى جميع المستويات .. العربي والإنساني .. الفردي والجماعي .. الواقعي والحلمي وهي إذ تقدم ما هو كائن .. فتعريه وتفضحه .. وتضعه في الركن الصعب ليتم اجتثاثه .. وبتر ما تعفن فيه .. وضخ الدم الجديد فيما ظل يقاوم ويحدق دون مواربة أو خجل أو وجل نحو الأمام لكنها تقدم النقيض .. الحلم .. من خلال عملية الهدم .. تبدو عملية البناء والخلق ..ومنذ البداية نجد أنفسنا أمام جدار يسقط مع الخامسة .. وهي تحطم الحاجز الذي يحنط العلاقة بين الخشبة والصالة .. إلغاء الفاصل الزماني والمكاني يبن الفن والواقع ..وبين الواقع والرؤية .. وكأننا بالخامسة تقول لاشيء يجيز هذا الفصل التعسفي فنحن نقوم بعملية هدم وبناء فليشترك فيها الجميع ..نحن لم نأت لنسليكم ..بل جئنا لنعيش معاً هذه المساحة المختصرة ومعاً فوق المساحات الأوسع ..ومن ثم لننتشر .وبعد ذلك تبدأ المسرحية في عمليات الهدم ..هدم العلاقة المميتة يبن عبد السميع وواقعه ..والعلاقة المريضة بين الخامسة وعبد السميع بين الواقع والتاريخ المزور ..وبين الحلم والواقع المتردي .. وهكذا هذه العلاقات التي تعفنت ..فلم يعد يمكننا إخفاء ماكان مخفيا ..إنطلاق إلى الأعلى ... وإلى الأمام .. وهدم الماضى .. وتعريته ..هدم الحاضر من أجل المستقبل ..هدم الحدود ... هذه الحدود ..التي رسمت بالطباشير .. والأسلاك الشائكة ، والعصى – وهذه الحدود التي تسرطنت وانتشرت حتى داخل الإنسان نفسه .. ومادام الأمر كذلك – فطبيعي أن توجد حدود بين الخامسة وعبد السميع .. وبين عقل الخامسة وعقل عبد السميع بين جسديهما .. وكلماتهما ..بين عبد السميع وجسده وقلبه وعقله بين الخامسة وعقلها وجسدها وقلبها ..بين الرؤى والطموحات .. ولهذا وحينما تختنق الأنفاس ..لابد من أن يمزق الإنسان نفسه ..لابد أن يخرج حبة القلب ويزيح عنها التراب لتتنفس ..ويفتح صندوق عقله ويخرج منه المصباح .. ليعيد إشعاله ... وتزويده بالزيت لابد أن تهدم الجدران .. أن يحطم عبد السميع بيته وقلبه ليبحث عن فضاء أوسع ..خلاء خال من كل القواعد والأوامر المفروضة بالسوط والعصى .. والسيف ..من كل الشروط المسبقة .لابد من الهدم لنبني من جديد ..وهذا ما يحدث بالفعل .. تتشظى علاقة عبد السميع بالخامسة فيهدم عبد السميع نفسه  ..عبد السميع الآسن ..عبد السميع الذي طحنته العادة ..والدوار اليومي ..ليبحث عن عبد السميع الآخر .. المتفتح ..المتوقد .. المشرع على فضاءات أوسع ..ومع الآخرين وهنا تجد الخامسة نفسها أمام نفسها ...ومن ثم أمام خامسة أخرى فتهدم الخامسة الجديدة الخامسة القديمة..وتخرج من القبر .. لتولد من جديد .. وتعيد صياغة خامسة أخرى .. غير تلك التي تشرخت وشاخت وتكتشف أن لا وجود للواحد المنفرد في الحياة ..ولا وجود لعلاقة سوية بين عبد وسيد يبن قاهر ومقهور .. فتزيح آثار الواد .. وتنطلق لتجد الواحد الكل .. والكل الواحد .. دون فقدان السمات .. والتميز والتنويع .. لذا نجد الخامسة تعلن بعد أن وصلت إلى يقينها الجديد القائل أن الحب لا يولد إلا بين ذاتين واعيتين .. والولادة لا تتم إلا في زمن الخصب المتبادل ..والمشترك .. إلا في زمن التطلع إلى الأعلى وإلى الأمام ..ليس وجوداً فردياً .. ولاولادة فردية ..لأن الآخرين هم الهواء .
أيها الناس 
أيها الناس 
من رأى منكم عبد السميع ضائعاً
فليرده إلىَّ
من رآه جائعاً 
من رآه مقهوراً فليرفع صوتى محتجاً .

إنها لم تعد مقهورة ..ولا قاهرة ..لكنها عادت إلى حقيقتها أما ولوداً وأرضا خصبة..وفضاء يتسع ليشمل الكل – هذا الكل الذي خرج عبد السميع يبحث عنه..وليولد فيه – تخرج من رمزها المحدد ..وإلى رمزها المتسع .. الواعد ..الموعود .هذا بإيجاز عن النص .. وإن كنت لا أحب الفصل في هذا العمل بالذات بين النص والعرض .. بين التأليف والإخراج .. وبين الإخراج والتمثيل فما كان على المسرح – هو تفاعل هذه العوامل مجتمعه كان الهدم يتم في النص وفي الإخراج وفي التمثيل – وكان الأداء جيداً .. فالتماسك والتوتر الايقاعى ... وتناغم العناصر المشتركة فيه .. بضبط إخراجي وحس واع .. ابتعاده عن الحذلقات المشوهة .. تلقائيته الواعية ومع أن المسرحية معنية بفعل الهدم والبناء ..ونحن نعرف ما يصاحب هذا من ضجيج وفرقعة -  إلا أن الهدم يتم بشكل غنى راق – المخرج يقود عملية الهدم بدون انفجارات طائشة أو استهلاك مأزوم وبتصويب جد محكم .. ودقيق ..إنه يقدم فنه بثقة .. ورصانة .. ومرح مشروع ..وعنفوان زاخر .أما التمثيل فقد  امتاز بفاعلية فذة .. وتجسيد لدراما العمل .. تحطيم كل الكليشيهات ..كسر التابوات .. واللاءت الكابحة .
الجسد يوجد دون خجل حريمى – دون طاووسية ذكرية، دون الإحساس بالعار .. الجسد يتجوهر عند " منية الورتاني " ويخرج من إطار الدمية ..المومياء ..إلى دوره الطبيعي .. ليس كوسيلة للتعبير فقط ..ولكن ككيان له الحق في التعبير عن جوهريته .. وتخليه عن سكونيته واستلابه كأداة للمتعة ..وساحة للتنفيس .
الصوت يعود إل إمكانياته ..إنسانيته .. إيقاعه الحقيقي .. قدرته على التأثير .. والتوصيل لكل ما يموج داخل الكيان الإنساني الطامح لإعادة الاعتبار لذاته المهشمة ..دون علك الكلام ..وسط الدعارة ..أو الصراخ السمج ..وقرقعة التنك الفارغ ..
التناسق بين المشتركين دون تعد على أحقية الآخر في الوجود فوق الخشبة وفي الواقع ..
الاختلاف التكامل .. والتكامل الخصب والنماء .
وكثيرة هي الومضات .. والإشراقات ..التي تحتاج لوقت أطول .. ومجال أوسع ، ودراسة متمهلة .. وكان عدم توفر النص عائقا أمام استشهادات أكثر شمولية ،وأكثر دراية بمكنونات المسرحية وليست هذه سوى وقفة سريعة ، أمام جهد طموح ، وتجربة جيدة من أجل كسر الحدود ..ولم الشمل ،والوصول إلى أرضية مشتركة من أجل تفاعل عري مشترك ، ووثاب .
شكراً لكل من شارك في هذه التجربة ، مع الأمل في أن نرى محاولات أخرى ..          











"تراجيديا السيف الخشبى "
والنشاط الخلاق لفرقة الجيل الصاعد

بقلم / فوزي البشتي 

"تراجيديا السيف الخشبى " هي واحدة من الأعمال المسرحية المبكرة والمتميزة التي كتبها فنان من المغرب اختطفه الموت قبل أن يقول كلمته كاملة ... والذين تتابعوا أعمال " محمد مسكين " واجتهاداته المسرحية ، كانت فجيعتهم كبيرة بوفاته ، لأن قدراته المسرحية وإمكانياته الكبيرة وعشقه للمسرح كان أكبر من سنوات عمره القصير .
"فرقة الجيل الصاعد " التي قدمت خلال الموسم المسرحى الماضي مجموعة من العروض المسرحية الجادة ، وأقامت مهرجان الفنان " مختار عوبة " الذي قدمت خلاله عروض مسرحية لمجموعة من الفرق المسرحية غطت أكثر من أسبوعين ، هذه الفرقة الجادة والمثابرة اختارت أن تقدم " لمحمد مسكين " مسرحيته " تراجيديا السيف  الخشبى " التي سبق أن قدمت في إطار المهرجان الوطنى لمسرح الهواة الذي أقيم في ربيع 1987 بمدينة " آسفى " المغربية ،وقد قدمتها فرقة المسرح العمالى بمدينة وجدة ، بإخراج " يحيى بودلال " ، وكانت " فرقة الجيل الصاعد " قد شاركت بها ضمن فعاليات " مهرجان محمد مسكين " المسرحى الذي أقيم تخليدا لذاكراه ، بمدينة ( وجدة ) المغربية ، أواخر العام الماضي ، وقد عادت فرقة " الجيل الصاعد " وقدمتها باخراج عبد الله الزروق في ساحة مسرح الكشاف لجمهور تابعها باهتمام وتقدير طيلة أيام عرضها ، خلال المدة القليلة الماضية .
" السفر إلى السراب"
عندما يصطدم وطننا العربي الكبير بكل تناقضاته وتقلصاته ، بواقعه بحثا عن تلك القوانين الموضوعية التي تحكم مسيره ،والتي يمكن له أن يكتشف بها طريق المستقبل ، فيبرز الحلم أملا طموحا في غزو هذا المستقبل المجهول ، ولأن الحلم منطقيا وسيكولوجيا لابد ان يكون صورة مضخمة أو مثالية من هذا الواقع تحمل كل تشابكات الماضي  البعيد والكامن في اللاوعي ، فإنه بالضرورة لا يستطيع أن ينفصل عن نبض هذا الإنسان العربي الحالم بالمستقبل القادم .
ومسرحنا العربي اليوم يجهد ذاته بحثا في أعماق لا وعي الإنسان العربي مفتشا عن خصائص تكوينه ، مفجراً تلك الآلام التي صنعته ، ويكبتها حتى ل يتصادم معها يوميا ، مؤكدا عن الانسان العربي الحالى ليس إلا محصلة " سيكولوجية " واجتمعية وفكرية لتراث حضاري ضخم ،ولن يستطيع هذا الانسان العربي أن يغزو غده القادم إلا بتسلحه بموقف علمى جاد من تراثه وواقعه ومستقبله وبتلك الخيوط الدقيقة الموصلة بين هذه الأزمنة الثلاثة  .
والكاتب المغربي " محمد مسكين " وهو يضع موهبته " حتى وفاته " على طريق البحث عن نمط جديد لمسرحية عربية تؤصل وجودها في تراث الثقافة الشعبية ،وتشيد دعائم وملامح أبطالها من داخلها ، فيقدم لنا في مسرحيته " تراجيديا السيف الخشبي" محاولة لتشكيل بطل قومى ويستدعى من التراث كل الملابسات التي كونته ، عارضا إياه من الداخل مزيلاً عنه كل الغلالات الإسطورية التي طرحها الإنسان العربي عليه هروبا من واقع مر وإحباط قائم ، بخلق بدائل اسطورية تحقق في الفعل الدرامي ما يعجز هذا الإنسان عن تحقيقه في الواقع العملى .
وإذا توقفنا قليلا ، عند ذلك النموذج " الفرد" الذي تسعى كافة أعمالنا المسرحية " التي تستمد مادتها من الثقافة الشعبية " ...على طرحه والتأكيد عليه ،وإذا حق لنا أن نتساءل ، إلى متى نظل نتعبد في محراب البطل الأوحد ؟ وما هو دور قطاعاتنا الشعبية على المسرح ؟ فإن في إمكاننا أن نجد إجابة التساؤل الأول ،الذي حاولت مسرحية " تراجيديا السيف الخشبي " أن تصوغ إشكالياته إلى حدٍ ما ، وان تعيد النظر في البطل الفرد ،والذي يحمل قيما مثالية ، قد تتعارض مع واقع مخالف وإن وقعت من حيث لا تدري أو – من حيث هي تدرى – في خطأ استخدام مناهج عصرية مخلوطة بأساليب شعبية ، أدت إلى ظهور نوع من عدم الفهم في مسير ومبتغى العمل ، فالمسرحية تبدأ بأن تشيد معمارها على مستويات ثلاثة .
مستوى الحاضر المرئي أمامنا :– حيث تتواجد مجموعة من الممثلين تنصب " "عربتها " لتفرجنا على فنها وتستدعى من الحواديث شخصيات العرض المسرحي.
مستوى التاريخ المتخيل ، وتدور أحداثه في أزمنة متداخلة وأبطاله " عنترة بن شداد " و" دون كيشوت" و" شهرزاد " و" أوفيليا " و"نابليون " وغيرهم ، وكل هؤلاء يتداخلون في زمن مكثف وموحد ،ويظلون دائما خارج عصورهم وأزمانهم ،وكأن المؤلف عندما يجمعهم في زمن واحد ، يريد أن يقول إن قضيتهم ذات ملامح واحدة وإن اختلف مسار التاريخ .
مستوى الأسطورة لمتخيل :- وهو الذي تستدعى من داخله شخصية " عنترة بن شداد " بأتباعه وبعض مجزوءات عالمه الأسطوري وإن حمله المؤلف الكثير من سمات الشخصية غير العربية وهي شخصية " دون كيشوت " ومحاربته لقوى خيالية ورحلته وراء سراب لا ينقشع .
ويتداخل هذان المستويات الأخيران طوال عرض المسرحية ويتناوب الممثلون تقديم هذه الشخصيات المتداخلة ، دون تحديد درامي لأي منهم ، بالإضافة إلى الدخول والخروج بين الشخصيات التاريخية المتخيلة  والأسطورية والواقعية ،وإلى كم المفردات الشعبية التي استخدمها المخرج في العرض ، أدى إلى تخلخل العرض المسرحي الذي حمل بدوره أفكاراً مخلخلة كانت نواة اهتزاز الرؤية بأكملها.
فإذا حاولنا أن نلتقط تلك الأفكار فسوف نجد بين أيدينا بعد تجاوز مشهد الافتتاح الذي نتعرف فيه على شخصيات المسرحية عبر فرقة مسرحية جوالة ترحل نحو حلم مستحيل بزمن متداخل يلتقط شخصياته من أزمان متباعدة ومتناقضة أيضا ، حيث يتبادلون الأدوار من عنترة إلى دون كيشوت إلى شهرزاد إلى زنوج أمريكا ورئيس أمريكا ،وكل هؤلاء تتداخل شخصياتهم فيصبح الرمز التاريخي تجسيدا واقعيا ويتحول دون كيشوت إلى عنترة أو إلى " أحمد العربي "الذي ينهل من الكتب ويعشق المأساة العربية في بارات " مليلية " شربتها حتى الثمالة ، أنا من قرأ الأشعار وردد الأناشيد ، آه على الأناشيد ، وعنترة بن شداد عاد ، أنا أحمد الفوارس الملقب بــ " دون كيشوت ".
وتأتي شهرزاد ليبدأ السفر : " سفرتنا ياسادتى الكرام تبدأ في سوق عربي ، والسوق حظيرة لكل الحكايا ، حظيرة للرعب ، للموت للانكسار ، حظيرة للبسمة ، للحلم للميلاد ، عنوان سفرتنا هذه " عنترة بن شداد يبحث عن عبلة في هارلم ".  
ولا ندرى لماذا " هارلم " ربما لأنه حي السود في أمريكا ، وعنترة أسود اللون إن صح كلام الأساطير وكتب التاريخ ،ولكن عنترة يرحل إلى " هارلم " لكي يأتي بمهر "عبلة " هذه هي قضيته الأساسية ويذهب " عنترة " إلى هارلم " ليسكر ويلخبط كما يشاء ، ويعتقد أن " هارلم " مدينة أمريكية فيخاطبها هكذا " " هارلم ... يا هارلم يا مدينة الإنسان الصلصالى ، يا مدينة اللون الواحد ، يامدينة بلا فصول ، ياصاحبة العيون الليلية ".
ويغضب عنترة لأنهم قدموا له خمرة مغشوشة وبدون "ميزة" أيضا ويكتب إنذار إلى الرئيس الأمريكي يتحول فيه الاحتجاج على تقديم الخمرة بدون " ميزة" إلى مطالبته له بضرورة النطق بالشهادتين "هكذا؟!" ومن أجل ذلك يتم القبض على عنترة ، ويثقلون كاهله بالتهم " جئت تزرع خطوات اليأس والكآبة في بلاد الحرية  جئت لتتجسس".
وينتهى المشهد الأول وعنترة يردد : " أنا السيف الخشبى يعترف ان سيفى من صنوبر لبنان ، وصنوبر لبنان مرشوش بالدم العربي مكسور بالريح الجنوبية ... أنا " دون كيشوت " صاحب السيف المكسور ".
دون كيشوت يحارب بالكلمة
يتحرك هذه المشهد في سوق عربي ، يشخص سليمان دور الاسكافى سعدون ، دور العطار ، دون كيشوت دور شاعر في الأسواق ، حمدان دور الممثل الضائع بين الأقنعة وتتداخل شخصيات أخرى هكذا دون مبرر أو خط درامى ينسج الحدث ويبنيه ،ونعرف ان هذا الخليط العجيب من الشخصيات ، يسعى لتحقيق حلم العدالة الاجتماعية ولكن بالكلام فيقول دون كيشوت : " العشق شفاؤنا يا أبا السعد ، يجب أن نعشق ياحمدان ، نعشق كل العالم ، لأن العشق حب ، ويجب أن نحب ، إنه أغنية " قصيدة ، ترتسم مخرجا لبؤسنا ، فلنجعل شعار هذا العصر شعراً .
ويقول له سليمان : " وهل سيخرجنا الشعر من الفقر بدون كيشوت ؟ فيجيبه دون كيشوت : " الشعر ملجأنا انه يجفف الدمع في المحاجر ويجعل الضروع الجافة تمطر خيراً ، الشعر مخرجنا من الفقر فلنغن شعرا" .
وعبر المسير المتقطع لشخصيات هذا المشهد ، تقدم لنا المسرحية حلم اليقظة الذي عاشته تلك الشخصيات المنعزلة عن جماهيرها الباحثة فقط عن دور في تخليصها للحبيبة .." أوفيليا " أحيانا و" ليلي العامرية " أو " بلقيس " بعد أن كانت عبلة أحيانا أخرى وهكذا فإن ثرثرة هذه الشخصيات التي تتحرك في الفراغ ليست اختيارا لغزو العالم بقيم مفتقدة بل هي سيطرة مرضية للبحث عن دور غير مطروح في الساحة ، ويصبح اللجوء إلى الحلم هو البديل للعمل الثوري في الواقع الصاخب وخلال سير العمل تتأكد المقولة الأولى التي تبثها المسرحية  ، وهي هزيمة الحلم أمام الواقع وانكشاف الكذب أمام حقائق الحياة ،ولكن فجأة ينقلب العمل على ذاته ،ويدافع عن الحلم والأكذوبة وينادي بضرورة الانغماس في الحلم ، لأن ذلك هو الأمل الوحيد للناس ... مزايدة من خارج الفعل الدرامي ، أضافت للعمل مزيدا من التخلخل ومزيدا من طرح التساؤلات .
عن ماذا يدافع هذا العمل المسرحي ؟ عن الحلم الذي يسعى المعتدى لسرقته من الشعب وحواديثه ؟ أم ضد الحلم الذي صرعه الواقع ؟ وهل أصبح الحلم هو حاجة الناس في زمن القوة وأملها الوحيد ؟ أم العمل النضالى هة حاجتها الأصيلة؟.
ان المشهد يحلق في فراغ ولا يصل إلا إلى السراب ، وهذه الخاتمة البائسة التي يبدأها سليمان بقوله : " لأن الكلمة إذا أحسن استعمالها تجلب الأموال .
فيجيبه أحمد : - " قلت إننا شعب الكلمة ، ولأن الله خلق العالم والوجود بكلمة كن ، فكيف لا تخلق الدراهم بالكلمة ؟
وتتحرك العربة نحو المشهد الثالث دون أن تقول شيئا سوى ان تعيد تدوير اللعبة المسرحية في الفراغ ، حيث الشخصيات الثائرة الحالمة بلا أقدام ثابتة على أرض الواقع أو متمردة هو جاء بلا قضية جماعية تؤمن بها .         
الإخراج والتمثيل
مخرج هذا العرض هو الفنان " عبد الله الزروق " وهو من أبرز المخرجين الشبان في بلادنا ، فقد استطاع ان يقدم مجموعة من المسرحيات عرف فيها باجتهاده وإصراره على الخلق والابتكار والتميز وهو في هذا العرض حاول ان يضع كل إمكاناته وخبراته فنجح أحيانا وأفلت منه الزمام في أحيان أخرى ، وقد أحسن " عبد الله الزروق " في تكوين المنظور المسرحي في المشهد الواحد مع الخط العام ، ودمجه بتناسق مع المشاهد الأخرى ضمن الرؤية الواقعية للنص والإخراج ، إلا أنه ليس من السهولة إيجاد عمل متكامل تماماً ضمن الظروف المتاحة لمحيطنا المسرحي العام ، حيث تظهر الأخطاء التي لابد للمخرج من الوقوع فيها والمتأتية على الأخص من ضعف الإمكانيات المقدمة لمسارحنا ، سواء منها ما يتعلق بالركح المسرحي وعدم صلاحية ما هو موجود منه لتقديم عمل مسرحي متكامل أو اختيار العناصر البشرية ، وانتقاء الممثل الجيد للدور المناسب ، والشخوص النسائية على الأخص ، ومنها ما يتعلق بالإمكانيات المادية المساعدة لعرض مسرحي جيد .
ورغم ضعف وفجاجة النص المسرحي فقد استطاع " عبد الله الزروق " أن يقود فريق العمل باقتدار ، بحيث أحكم قبضته على حركة الممثلين فالحركة تحدث تعبيراً موازياً لسير الأحداث وقد استغل ساحة العرض المفتوحة " محطة السيارات التابعة لمسرح الكشاف " استغلالاً علميا وحسنا ، وحافظ على توازن الإيقاع واستخدم الإضاءة بفهم وحسٍ مسرحي حيث جاءت وكأنها ضمن شخوص العرض المسرحي .
لقد أرهق ط عبد الله الزروق " نفسه وأجهد ممثليه ، وحاول أن يوجههم بخبرته وفهمه نحو التلاؤم مع أدوارهم في مسرحية أقيمت أسسها على الخواء .
 ورغم ما بذله عبد الله الزروق من جهد يستحق عليه الثناء فقد ارتبك الممثلون أحيانا وفقدوا حماسهم أحيانا أخرى وأدوا أدوراهم بفتور ووهن وإحباط ، وكثيراً ما كانوا يتوقفون في الوسط تماماً فلاهم يعبرون عن تلك الشخوص بحيث نقترب أو نبتعد عنها ، نتعاطف أو نأخذ منها موقفا ،ولاهم قدموا مسافة للتهريج لا تخضع إلا لمنطق التسلية ، فالنص أساساً لا يسمح بتشكيل منطقة درامية تتخلق من خلالها الشخصية على خشبة المسرح وتدفع بالممثل إلى منطقة الإبداع الفني ، لأن الشخصيات مرسومة بشكل هامشى سريع وبالتالي فقد اكتشف الممثلون أنهم مجرد مؤدين لكلمات ليس لها ملامح إنسانية أو درامية ، إنما هي كلمات في المطلق ، فحاولوا الدخول إلى مناطق الملهاة فضاعفوا من مساحة التهريج وطوحوا حتى بقايا هذه الكلمات .
تحية لفرقة الجيل الصاعد الرائدة ، وتحية للمخرج الفنان "عبد الله الزروق " والتقدير لكل الفنانين الذين قاموا بأدوارهم وبذلوا جهداً أعرف أن فيه المشقة والعنت وأخص بالتقدير الفنانة " خدوجة صبري" لو أنقصت من أخطائها في اللغة ومن وزنها أيضاً ، والتقدير كل التقدير للفنانين المتألقين دائما " عبد الرزاق أبورونية " و"عيسى المعداني " و" عبد الباسط أبوقندة " و " أحمد إبراهيم " ومناظر " علي البركي" البسيطة والمعبرة والموسيقا التصويرية والالحان التي وضعها " البدري الكلباش " و" صالح الورفلى " على الإدارة المسرحية الجيدة أما الصديق الشاعر " نصر الدين القاضى " الذي لم يشر إلى اسمه ، فإنني أحييه على أشعاره الرائعة ، عسى أن تعوض هذه التحية تجاهل مخرج العرض له .   






كاتب ومسرحية من ليبيا
بقلم / تيسير بن موسى
كاتبنا في هذا العدد "عبد الرحمن حقيق" كاتب وفنان ولد ونشأ في أسرة عشقت الفن وأعطته جهدها ووقتها وكان رائدها الفنان المرحوم "محمد حقيق" والد "عبد الرحمن" الذي مازالت بصماته في مجالات الفن المختلفة مصدر الهام  للكثير من فناني أجيالنا الحاضرة.
التحق كاتبنا مباشرة بميدان الفن بعد حصوله على الثانوية العامة وأوفد لمدة سنتين إلى "بريطانيا" لدراسة فن السيناريو كما التحق بعد ذلك بدوره في الإخراج في العاصمة السورية "دمشق" وكانت أولى محاولاته في الكتابة المسرحية، مسرحية "قلب من حجارة" نشرت بمجلة الإذاعة عام 1973 وفي بداية السبعينيات أيضا ألف مسرحية - التي سنعرضها بعد قليل- "الزنجي الأبيض" التي صدرت مطبوعة في كتاب عام 1976 كما عُرضت على خشبات المسرح مرات عديدة وقد شغلته الكتابة للإذاعة المرئية عن انجاز أعمال مسرحية أخرى وإن كان الآن - كما أخبرنى - بصدد الإنتهاء من مسرحية جديدة بعنوان "أصل ومفصل" ولكن أعماله التي قدمها للإذاعة المرئية تحمل الروح المسرحية ونكهتها وكانت بداياته في الإذاعة المرئية بتمثيلية "بنت بوها" في عام 1976 ومن أعماله الأخرى "عايدة" و"مكالمة هاتفية" و"سويلمه" و"صويلح" و"من وسط الناس" و"زهرة على الطريق" و"الكادح" و"أوراق الأمل" .. وغيرها.
تعتبر مسرحية "الزنجي الأبيض" عملاً متميزاً لعبد الرحمن حقيق فقد ناقش من خلال مسرحيته قضية إنسانية كبرى وهي "التمييز العنصري" الذي يمارسه الأبيض الغربي على الشعوب الملونة كاشفاً ومعرياً الأساليب الخبيثة الخسيسة التي يقترفها الأبيض بحق الأسود وهو الذي يدعي الحضارة والتمدن والرقي ويقول الكاتب المسرحي المعروف "ألفريد فرج" الذي كتب مقدمة هذه المسرحية المنشورة في الكتاب (تتميز مسرحية "الزنجي الأبيض" في المحل الأول بأن نظرتها شاملة لهذا العالم الذي نعيش مأساته بين الأبيض والأسود وبراعة المؤلف تتبدّى في نسجه الموضوع العنصري مضفوراً في المشكلة الاستعمارية على نحو واع والذي لفت نظر الأستاذ "ألفريد" ذلك  الحوار الذي اعتمد فيه المؤلف الطريقة الانكليزية في النطق والإصطلاح اللغوي، ومهما يكن رأي علماء اللغة العربية الذين يعترضون على استعمال اصطلاحات الآخرين اللغوية على حساب لغتنا العربية أقول إن لجوء "عبد الرحمن حقيق" إلى ذلك الأسلوب في الكتابة قد جعل القارئ أو المشاهد يعيش المناخ الإنكليزى رغم أن الشخصيات الانكليزية في المسرحية كانت تتكلم العربية.
عرض مسرحية "الزنجي الأبيض"
تتألف المسرحية من ثلاثة فصول تجري أحداثها كلها في مكتب الحاكم الانكليزي العام لإحدى المستعمرات البريطانية في أفريقيا.
يبدأ الفصل الأول بحوار بين الحاكم البريطاني وأحد الصحفيين الانكليز واسمه "تشارلي" وهو يصدر صحيفة "اليوم" في هذه المستعمرة ومن خلال الحوار نفهم ان هناك ثلاثة زنوج قد قتلوا في أحد شوارع المدينة الرئيسية وحفظت القضية ضد مجهول.
وأن الصحفي الذي يُبدى تعاطفاً مع السود سكان البلاد الأصليين يخبر الحاكم أن لديه شهوداً يعرفون القاتل وأن ذلك الأمر الذي نشره في صحيفته قد أثارت حفيظة الحاكم فناداه إلى مكتبه ليوبخه ويعلمه بأنه أصبح شخصاً غير مرغوب فيه وعليه العودة إلى بريطانيا واقفال صحيفته. ويهدده الصحفي بأنه حين يصل لندن سيثير هذه القضية بين صفوف المعارضة التي تنتظر فرصة للنيل من حزب المحافظين الحاكم لكن الحاكم لايعير ذلك التهديد التفاتاً وينهي المقابلة بضرورة مغادرة الصحفي المستعمرة خلال 24 ساعة وبعد أن يخرج تشارلي الصحفي يطلب الحاكم من أحد مساعديه تزويده بقائمة تضم جميع أسماء الذين هم على اتصال بالصحفي من الزنوج والبيض على السواء وفي هذه الأثناء تدخل "سوزى" وهي ابنة الحاكم الشابة والطالبة في جامعة المستعمرة كما يدخل خادم الحاكم ليخبره بأن هناك مظاهرة طلابية أمام قصره وحين يطلب من مساعده اسماء زعماء ومحرضي هؤلاء الطلاب المتظاهرين تتدخل ابنته سوزي لتخبره بأنه لالزوم لتلك الاسماء لأنها أي سوزي ستكون في رأس القائمة وأنها هي التي قادت المظاهرة التي نظمت احتجاجا على تصرف عنصري مشين من قبل مدير الجامعة حيث أنه سلم الجوائز وصافح كل الفائزين في احدي المسابقات الجامعية ورفض مصافحة وتسليم الجائزة لاحد الفائزين السود وقد استنكر الطلاب بمن فيهم سوزي ابنة الحاكم هذا التصرف وتظاهروا مطالبين باعتذار المدير للطالب وتسليمه جائزته أو إقالته من منصبه ويشعر الحاكم بالإحراج لكنه يبلغ ابنته بأنه سيهتم بهذا الموضوع وسيتصل بالمدير لإصلاح موقفه وطلب من ابنته دعوة الطلاب لوقف اضرابهم والعودة للدراسة وتفرح سوزي ظانة ان أباها قد حقق ما طلبه المتظاهرون وما أن تنفض المظاهرة ويشعر الحاكم بالارتياح حتى يدخل عليه ابنه "جون" وهو ضابط في كتيبة المستعمرة ومعه اثنان من زملائه الضباط ويطلب "جون" من والده نقله وزميليه إلى موقع اخر لأنهم لم يعودوا يتحملون ان يكون رئيسهم قائد الكتيبة- من الزنوج وهو الضابط "جومو" ويحاول الحاكم اقناع ابنه ان " جومو" هذا هو خريج الكلية العسكرية في بريطانيا وزميل لابنه "جون" وقد نجح المسؤولون البريطانيون في  غسل دماغه وجعله يقف إلى جانبهم ضد بني قومه السود في المستعمر لكن ذلك لم يقنع "جون" فيخرج من مكتب والده غاضبا وقررّ وزميلاه مراجعة القائد العسكري العام وبعد خروج الضباط الثلاثة، يصل مدير الجامعة الذي يطلب منه الحاكم إبلاغ طلابه بأنه ستعتذر للطالب الأسود وسيسلمه الجائزة بنفسه وحين يحتج المدير يبلغه الحاكم بخبث بأن الطالب المذكور سيغيب عن الجامعة إلى الأبد لان الحاكم لفق له تهمة التآمر على الحكم وأدرج اسمه ضمن قائمة تضم عددا من الزنوج غير المرغوب فيهم لنشاطهم الوطني ضد الاستعمار الانكليزي، وفي أسلوب رخيص يعمد الحاكم إلى جعل "جومو" الضابط الأسود المغسول الدماغ يتبنى ملاحقة هؤلاء السود المتهمين وإلقاء القبض عليهم وتعذيبهم ويتحمس "جومو" لهذه المهمة القذرة التي كلفه بها الحاكم وبعد أن يخرج "جومو" من مكتب الحاكم يسأل قائد الجيش الذي كان في زيارة للحاكم ان كان "جومو" سيفطن يوما ما بأن مخه مغسول فيجيبه الحاكم بأنه من السهل عليه عندها اتهامه بخيانة شعبه وان كل المصائب التي انصبت على أصحاب المستعمرة السود هي من تدبير وتنفيذ "جومو" وأن الشعب سيصدق الحاكم ويمزق جومو إربا لان كل الأعمال الخسيسة التي يخطط لها البريطانيون ضد السود ينفذها جومو لذا فهو في نظر جميع مواطنيه الزنوج الجلاد الأول.
وفي الفصل الثاني تبدأ لجنة تحقيق جاءت من لندن في البحث عن أسباب مقتل الزنوج الثلاثة فقد نجح تشارلي الصحفي في إثارة زوبعة صحفية حول هذه القضية عندما عاد إلى بريطانيا وتضم لجنة التحقيق عدداً من البريطانيين من بينهم تشارلي نفسه، ويحضر الجميع إلى مكتب الحاكم ويكون النقيب الأسود "جومو" موجودا ضمن الحضور ويعلن الصحفي أمام الجميع بأن لديه شهودا يشهدون بأن من قتل الزنوج الثلاثة هو "جون" ابن الحاكم ويحاول الحاكم تبرئة ابنه وبأن ما قاله الصحفي شارلي يصلح لان يكون تحقيقا صحفيا مسليا، ويقدم الصحفي اسماء الشهود ويتبين أنهم جميعا قد أدرجهم الحاكم ضمن قائمة  المشبوه بهم في المؤامرة المزعومة وقد اختلق هذا الحاكم تلك المؤامرة ليتخلص من جميع أصدقاء الصحفي وكذلك طالب الجامعة ويطلب من جومو الذهاب إلى السجن واحضار الشهود وحين يحاول الصحفي التشكيك، في نزاهة هذا الضابط الأسود يقترح الحاكم ان يتولى احد أعضاء اللجنة مرافقة جومو للسجن لجلب الشهود، ويحضر الشهود الأربعة فإذا بهم ينكرون أية صلة لابن الحاكم بمقتل الزنوج الثلاثة حتى أنهم لم يروا تشارلي الصحفي ولا تحادثوا معه مطلقا ويتبين  ان جومو هو وراء تغيير هؤلاء الشهود لإفاداتهم إذ عرضهم لعذاب شديد ثم خيرهم بين وقف هذا العذاب.
ومنحهم حريتهم إذا نفوا التهمة عن ابن الحاكم أو يستمر سجنهم وعذابهم فاختاروا حريتهم حتى ولو كان ذلك على حساب الضمير والحقيقة والعدل وبعد أن اسقط في يد الصحفي كان لابد من إلقاء القبض عليه بتهمة الادعاء الكاذب والوقوف ضد السلطات الحاكمة وحين يحاول عدد من رجال الأمن التقدم منه لاعتقاله يقفز فوق مكتب الحاكم مشهراً مسدساً وينجح في اختراق الحصار المفروض حوله والفرار خارج قصر الحاكم.
وفي الفصل الثالث والأخير: يتقدم "جومو" الذي رقى إلى رتبة أعلى من الحاكم طالبا يد ابنته "سوزي" ويفاجأ الحاكم الانكليزي بطلب "جومو" ويحاول التملص من هذا الطلب المستحيل إذ كيف  سيزوج ابنته البيضاء الشقراء إلى زنجي حتى ولو كان بإخلاص وتفان "جومو" للعرش والاستعمار البريطاني، ويسمع بطلب "جومو"  يد سوزي أخوها "جون" الذي يكن عداوة عميقة لكل الزنوج وينتهر والده الحاكم لأنه سمح لذلك القرد الأسود بالتطاول على أسياده البيض ولم يعد الحاكم قادراً على إخفاء مشاعره الحقيقية تجاه "جومو" فيصيح به اذهب إلى الجحيم أيها القرد، ويصعق "جومو" ويستمر الحاكم في شتمه وأهانته غير أن الذي يحسم هذا الموضوع "سوزي" نفسها التي تدخل مكتب أبيها وهي ممزقة الثياب دامية الوجه فقد أعلن السود في المستعمرة الثورة وانضمت هي إليهم واعتدى عليها الجنود البيض بسبب موقفها النبيل هذا .. وما أن تسمع بأن "جومو" يطلبها للزواج حتى تقلب شفتيها اشمئزازاً واحتقاراً فهي - كما قالت - تحتقر البيض فكيف الحال إذا كان زنجيا أبيض مثل "جومو" يخون شعبه وعرقه إرضاء لأسياده البيض ولكن هذا الأخير بعد أن اكتشف حقيقة رأي الحاكم الانكليزي فيه وانه مجرد ممسحة يمسح بها جرائمه بحق من يستعمرهم من الزنوج يُعلن بأنه قد سحب طلبه بالزواج من "سوزي" وحين تخرج هي لتلتحق بالثوار يهرع والدها للحاق بها لإرجاعها خوفاً عليها ونفهم من حديث الخادم بالهاتف أن جماهير السود جسد ذلك الحاكم الثعلب كما يتضح أن الخادم كان على وفاق مع تشارلي الصحفي الذي كان يتزعم حركة من شباب المستعمرة السود وأن مواقفه السابقة المناهضة للحاكم لم تكن إلا ستاراً ليخفى طموحه بأن يصبح سيد هذه المستعمرة بتأييد السود أنفسهم ويدخل هذا الصحفي حجرة الحاكم ليمارس صلاحياته وحين يعلن بأنه سيكون حاكماً شرعياً للمستعمرة يقتحم المكتب الضابط الأسود "جومو" وهو يحمل رشاشا وخلفه مجموعة من الضباط السود ويسأل هذا الضابط تشارلي بشيء من السخرية :"عن أي شرعية تتحدث يا سيد شارلي" ثم يشير إلى زملائه الضابط السود قائلا:"إن الشرعية ستكون لهؤلاء منذ الآن".
ويسقط في يد تشارلي والخادم ويخرج  الأول من جيبه حبة سامة لينتحر بها بدلاً من أن يقتله "جومو" ورجاله ويسرع الخادم أيضا ليخطف الحبة من يد "تشارلي" فقد قرر هو الآخر ان يموت بيده لابيد الزنوج وحين يحاول أحد الزنوج وحين يحاول أحد زملاء جومو من الضباط السود التدخل بين تشارلي والخادم يوقفه "جومو" وهو يقول ساخرا:"دع.. دعمها يتقاسمان الموت".
وبهذا المشهد المثير الجميل يسدل الستار عن مسرحية "الزنجي الابيض".. واعتقد ان المؤلف - ان لم يخطئ التقدير- أراد بجعل "جومو" المشكل والمكون انكليزيا يتسلم مقادير الحكم في بلاده الإشارة إلى عدد من الحكام الأفارقة السود الذين تولوا الحكم في بلادهم بعد خروج المستعمر منها فكانوا فعلا من الزنوج البيض وكانت تطلعاتهم وميولهم مرتبطة بالرجل الأبيض كما أن أساليب حكمهم لبني وطنهم لاتختلف من حيث الشكل والجوهر عن سياسة مستعمريهم البيض السابقين ان لم تكن أدهى وأشد قسوة.













مسرحية "السندياد"
في دائرة الضوء
بقلم / يوسف محمد بالريش 
عرضت " فرقة المسرح الوطني " بطرابلس مسرحية " السندباد " من تأليف " شوقي خميس " وإخراج الفنان " فتحى كحلول " وهي العمل الأول الذي قدمته خلال موسمها المسرحي لعام 1991م ، ولقد ارتأينا في هذه الأسطر أن نقدم إضاءة نقدية على هذا العمل لإيماننا بأن نجاح العمل لا يكتمل إلا بمثل هذه الإضاءات التي تساهم دون شك في إثراء حركية الإبداع .
النص 
طرح النص إشكالية أداة الحكم طرحاً حاول من خلاله أنْ يؤطر جوانب هذه الإشكالية تأطيراً شموليا لبحث  جوانبها ، حيث استهل الكاتب مسرحيته استهلالاً جنائزيا عبر الضلع الأول  في هذا الإطار وهو تلك الاستغاثة الصادرة من أفواه المقهورين في ليل الاستعباد التي كانت تبحث عمن يهدم جدران العبودية تلك . واستجابة لتلك الهمهمات المتأوهة يأتي " السندباد " ذلك المنقذ الذي لم يحتمل سماع تلك الهمهمات والسكوت عليها فهبَّ من وسط الجماهير بكل عنفوان القوة والشباب ليخلص المعذبين المقهورين وليكوِّن بذلك الضلع الثاني في إطار القضية المطروحة لكنه عندما يقترب من بؤرة الحكم تواجهه السلطة المتسلطة بكل أساليبها القمعية سواء كانت تلك في صورة أحزاب أو برلمانات  أمْ في صورة هيمنة دينية ذات عمق اجتماعي فتلقى به السلطة في غياهب السجون ودياجير الظلم لتعبده بعد فترة زمنية إلى المجتمع الذي حاول السندباد نجدته ومساعدته على تهديم الجدران وبذلك صار السندباد رقماً مجنوناً وبعد ذلك يحاول الكاتب أنْ يُكمل إطاره الذي وضعه لقضية الحرية عبر تجذر الايمان بالثورة في قلب هذا السندباد الذي يخرج من السجن مجنوناً بقرار سلطوى لكنه عاقل بفعل ذلك الإيمان الذي أحيت توهجه جذوة الحب الذي منحته الأم الثورة والحلم ، وبعد أن يستعيد السندباد توازنه النفسي والعاطفي يقرر محاربة السلطة بسلاحها ، فكان ان لبس قناع المكر والخديعة بدل المواجهة المباشرة في إطار جماهيري تحريضي ويُفلح عن طريق ذلك الأسلوب في حرق السلطة وأقنعتها المزيفة المتمثلة في بُنيتها الهيكلية ويعود بعد ذلك إلى بوتقته الجماهيرية التي أفرزته بطلاً منتصراً .
الملخص السابق للنص هو الذي نتج عن الرؤية التي ارتآها المخرج للنص ولم يكن بلورة لرؤية الكاتب، ذلك أن الكاتب أشار إلى جدران تحتاج لعملية هدم :- ( من يهدم الجدران ؟) ومن ناحية أخرى وفي إطار حوار السندباد مع الجموع التي كانت تبحث عن الخلاص قال لهم في معرض سرده لمسببات عبوديتهم :-
- لأنكم نسيتم الأذان .
وحيث ان الأذان كماهو معروف موضوعيا وسيلة الاتصال بين الخالق والمخلوق حسبما يراه الدين الإسلامي فإن هذا يعنى أن النص كان يطرح قضية  فئة محددة من البشر أي تلك التي عناها الأذان ، أما الجانب الثالث الذي أراه دليلاً على اختلاف رؤيتى الكاتب والمخرج فهو التناقض بين نداء الهمهمات المطالبة بهدم الجدران والتي كانت فوق الركح وهي صادرة عن الجماهير الكادحة وخروج السندباد من صُلب امتداد تلك الجماهير وأعنى به جمهور المتفرجين الذين كانوا جزءاً من النص المسرحي حسب الرؤية الإخراجية ، فهل كان الاختلاف بين الجماهيرية حاداً إلى هذه الدرجة من التناقص؟؟خصوصاً ان السندباد ترك جزءاً من زيه المسرحي لدى فرد من المتفرجين وصعد الركح ببقية الزى الذي يعنى بالضرورة وحدة الانتماء الجغرافي المسرحي يضاف إلى ذلك مجموعة المقاطع الغنائية التي أكدت تلك الحالة وإضافة اسم شخصية أعتقد ان  الكاتب لم يجعلها ضمن شخصياته وهو إسم مصاص الدماء "ريجان " الذي ما ان ذكر الممثل السندباد اسمه حتى ضجت القاعة بالتصفيق فهل كان التصفيق هنا للاستهجان أم الإعجاب وهو أسلوب يحتاج إلى دراسة قبل الزج به في أي نص مسرحي أو غيره .
مما سبق أخلص إلى ان النص المكتوب يختلف موضوعيا عن النص المسرح وهذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي :
هل مهمة المخرج المسرحي تفسير النص أم أن مهمته كتاب نص مسرحي جديد ؟؟
إننى شخصياً أرى أن مهمة المخرج هي تعميق  فهم النص المسرحي المكتوب بهدف تعميق رؤية الكاتب إلى موضوع مسرحيته إذا توفر شرط أساسي هو تطايق الموقف الأخلاقي من الموضوع تطابقاً تاماً وبذلك ينجح المخرج في تقديم عمل مسرحي يؤدي دوره في بث الوعي بين الجمهور .
الإخراج 
أولاً : المكان ( المناظر) 
قام بتصميم المناظر الفنان المبدع " محمد شعبان " الذي استمد من أقنعة الدجل قناعاً كبيراً جعله مسرحاً لأحداث المسرحية وهذا المسرح كان بإمكانه أن يكون فوق كوكب الأرض لولا تدخل عنصر الملابس ، هذا من الناحية الموضوعية ، أما من الناحية الجمالية فقد كان هذا القناع أشبه بمنحوتة عكست فراغ الحياة الدنيا وخواءها من الأحاسيس الإنسانية وكان بإمكان لحظات السمو أن ترتقى فوق أقنعة الزيف بدل ارتقائها درجات السلالم الخشبية التي كانت مكملة لعنصر المكان .

ثانياً :- الزمان " الإضاءة والملابس ".
يتجسد الزمان في مسرحية " السندباد" بعدة وسائل وقد اعتمد المخرج على عاملين أساسيين هما الإضاءة والملابس حيث قامت الإضاءة بجعل الزمن المسرحي للمسرحية زمناً نضالياً ذا أبعاد نفسية فكانت المرحلة الأولى مرحلة الكآبة النفسية التي يعيشها الكادحون ثم انتقلت إلى لحظة إشراق عند بدء التوهج الثوري للسندباد ثم تراجعت إلى مرحلة الكآبة النفسية المحُبطة التي استولت على أغلب المساحة الزمنية لعرض المسرحية ثم عادت لتسترجع توهجها في لحظات اللقاء الحميمي للسندباد بالوطن الأم والثورة ولأمل ثم صارت مترعة بالثورة عند مرحلة حرق الأقنعة لتستعيد توهجها حتى التألق عند انتصار السندباد ، ثم حاول المخرج أن يحدد الزمان بأداة أخرى هي الملابس وبذلك أضاف بعداً توقيتياً للحالة الزمنية للمسرحية فجعل أحداث مسرحيته تمتد عبر الفترة ما بعد العصر الحجرى الثاني أي عصر الحضارة المدنية الأول وحتى عصر الفضاء الكوني الذي نعتقد أنه أرقى مراحل الحضارة الإنسانية وهو ما جعلني أشير إلى مكان المسرحية حينما قلت  إنه كان يمكن ان يكون فوق كوكب الأرض لولا عنصر الملابس وهذا ناتج عن الشكل الذي  احتوى الحالة الزمنية وجعل من ملابس عصر الفضاء الكوني اداة من أدوات بناء المسرحية إذاً وبسبب بعض التناقض الذي احتوى الأدوات المسرحية ابتعدت المسرحية نسبياً عن موضوعيتها ذلك أن ما نعتقده حالة استعباد سادت العصر الحجرى الثاني هو اعتقاد لم يكن الإنسان البدائي يعيشه ومن المؤكد الا يعيشه إنسان عصر الفضاء الكوني وهذا يعنى ان المخرج لأي عمل مسرحي لابد أن يضع إطاراً لبعده الزماني من خلال عنصري الضوء والملابس  حتى يمكنه الوصول إلى غايته في قلوب المتفرجين والاستغناء عن الأدوات التي تتوه المتفرج وتجعله يركض نحو مرجعيته التاريخية حول التطور الحضاري الأمر الذي يحدث لديه نوعاً من التشتت الذهني ، وكذلك إبعاد الإضافات الجمالية غير الموضوعية مثل استخدام خيال الظل في هذه المسرحية في غير موقعه الصحيح ، ذلك أن استخدام التقنية المسرحية والجماليات المفرطة يضيف إلى العمل بهرجة شكلية على حساب الإبداع الذي هو جوهر الموضوع .
ثالثاً :الموضوع "الحركة"
ان الهدف من الحركة على الركح هو إيصال حوار الموضوع إلى المتفرج وهذا يستوجب  توفر العناصر التالية :-
أ- الحوار من حيث كونه نسيجاً موضوعياً يفضى إلى إيصال فكرة الكاتب إلى المتفرج بُغية إحداث رد الفعل المناسب .
ب - الإلقاء باعتباره أداة توصيل للحوار وهذا يعنى أن  الحوار الجيد قد يمنع استيعابه إلقاء رديء.
ج- المؤثرات الصوتية سواء كانت في صورة جُمل موسيقية أو مقاطع غنائية أو ايقاعات تعبيرية .
وفي مسرحية " السندباد " تميز الحوار بالحيوية التي تُبعد الإحساس بالملل والرتابة وكانت عباراته واضحة في تضمين أفكارها أما الإلقاء فقد عانى من التسرع عند بعض الممثلين وخصوصاً العنصر النسائي بينما استطاعت الحان الفنان " علي ماهر " أن تتألق عبر أداء الفنان " علي الشول ؛ الذي نتمنى له كل التوفيق ونرجو ألا يتحول إلى منشد فقط لأنه يملك الكثير من الإمكانات التمثيلية الإبداعية التي يجب ألا يُغفلها أي مخرج .
أما العنصر الاخر للحركة مسرحية " السندباد " فهو الإيماءة  الجسدية والانفعال العصبي الذي يؤدى إلى التنقل فوق الركح بموضوعية وهنا برزت حالة من الإبداع لدى المخرج الفنان " فتحي كحلول " الذي استطاع ان يوجد علاقة متناغمة بين الحجم والكتلة والتوازن والتوافق الحركي للممثلين أفراداً وجماعات رغم أن الركح عانى بعض الاكتظاظ المكاني في بعض المشاهد .
لقد أفرزت مسرحية " السندباد" مجموعة من المواهب مثلما أكدت موهبة جميع المبدعين كل في إطار عمله ، ومن هذه المواهب :
1- "ربيعة بن بركة " في تصميم الملابس .
2- "طارق العجيلي " كممثل يملك قدرة ايمائية إبداعية الأمر الذي يؤهله إلى ان يصبح ممثلاً ناجحاً .
3- "مهيبة نجيب " كممثلة مسرحية واعدة إذا تخلصت من سيطرة العدسة المرئية وحاولت التعامل مع الحوار المسرحي بشكل أكثر دقة وإلقاءً كذلك سجلت المسرحية " السندباد " عودة الفنانة الكبير سعاد الحداد إلى الركح الذي افتقد لمساتها الإبداعية ردحاً من الزمن .
هناك نقطة أحب أن أشير إليها تتعلق بالفنان " علي القبلاوي" الذي  يملك الكثير من الإمكانيات المسرحية لكنه يحتاج إلى مخرج يُخرجه من الشخصية النمطية إلى الشخصية المسرحية المركبة وهو قادر بلا شك على ذلك .
وأخيراً مع كل حبة عرق سُكبت لتقديم هذا العمل المسرحي نوجه تحية وفاء ومودة لكل المبدعين المسرحيين الذين يحاولون إرساء تقاليد مسرحية راسخة في ثرى الوطن العظيم .
























 أضواء على الموسم المسرحي
بقلم /  سليمان سالم كشلاف ..

إذ قلنا إن الحركة المسرحية في ليبيا ميتة فإننا نظلم أنفسنا دون شك ونظلم معنا أولئك الذين يقومون ـ أو يحاولون القيام ـ بنشاط، فالنشاط الفني للفرق المسرحية لا يمكن الحكم  عليه حكماً ثابتاً يمكن أن يكون ذلك قياساً على كل السنوات التي تمضي من عمر الفرق.
قد يحدث أن تنشط فرقة فتقدم عملاً مسرحياً أو عملين أو ثلاثة في السنة وقد تنعكس الآية فتخمد الحركة بحيث تمر السنوات دون أن يكون هناك أمل في مشاهدة عمل فني مسرحي.
لذلك كانت عملية التقويم صعبة وكانت عملية اطلاق مصطلح (موسم مسرحي) حتى يضم إنتاج الفرق المسرحية أكثر صعوبة فمعنى أن يكون هناك موسم مسرحي أن هناك  إنتاجاً   دائماً للفرق المسرحية يشكل في مجموعه الموسم المسرحي.
ومعنى أن يكون هناك موسم مسرحي أن يكون هناك جديد في كل عام نجوم جدد من العاملين بالمسرح كافة ممثلين ومخرجين وكتاب وفي سنة ٦٧/٦٦ م قدمت مجموعة من الأعمال المسرحية ولذلك كان من الضروري أن نقول إن هناك موسماً مسرحياً في سنة ٦٧/٦٦ م ويمكننا أن نحدد بدايته ونهايته مع بداية ونهاية دورة (معرض طرابلس الدولي) من كل سنة فماذا قدمت لنا الفرق المسرحية في الموسم الماضي؟ قدمت الفرقة الوطنية مسرحية (غرام يزيد) الشعرية تأليف محمود غنيم وإخراج محمد العقربي وقدمت الفرقة القومية مسرحية (حوت يأكل حوت) من تأليف محمد شلادي وإخراج مصطفى الأمير وقدمت فرقة المسرح الجديد مسرحية (مسكين) تأليف كامل الفزاني وإخراج علي الحاراتي وأخيراً قدمت فرقة نادي الاتحاد المصراتي مسرحية (فاوست) من تأليف الكاتب العالمي كريستوفر مارلو وإخراج خالد خشيم.
وفي حديثنا هذا محاولة لإبراز الجوانب الطيبة فيما قدم من أعمال مسرحية.
من ناحية التأليف نجد أنه في الوقت الذي كانت فيه فكرة وحوار مسرحية (مسكين) ساذجتين نجد أن الفكرة جميلة في مسرحية (حوت يأكل حوت) وأن الحوار يعطي تفصيلات رئيسة لا تبتعد بالمشاهد عن صلب الفكرة وبما أن تلك المحاولة الأولى بالنسبة للأخ محمد شلابي كاتب المسرحية فإن الأمل في تطوره وإمكانية إنتاج أحسن وأنضج من (حوت يأكل حوت) كبيرة ومن ناحية التمثيل استطاعت المسرحيات الأربع أن تقدم نجوماً أقول إنه يرجى منهم خير كثير.
ففي (غرام يزيد) برز محمد حميد الدين الطياري وسالم الشريف الذي أثبت أنه ممثل ممتاز حين أضاف نجاحه في هذه المسرحية إلى نجاحه السابق في مسرحية (أهل الكهف).
وفي (حوت يأكل حوت) برز محمد الكور كممثل فكاهي من الطراز الأول يجيد التمثيل بالحركة كما يجيد التمثيل بالصوت فأثبت أن الممثل الإذاعي يمكنه أن يصبح بجده ومقدرته ممثلاً مسرحياً.
وفي (مسكين) برز الشاب عثمان إسماعيل بالرغم من أن دوره ذلك كان التجربة المسرحية الأولى بالنسبة له ومن مسرحية (فاوست) يظهر عبدالله الدناع فيملأ المسرح بالطول والعرض ويكسب ثقة الجمهور وثقة العاملين بالمسرح وفي الإخراج اختلفت المستويات ففي حين كان رديئاً  في (مسكين) كان متوسطاً في (حوت يأكل حوت).
وكذلك بالنسبة لـ(غرام يزيد) إذا ما قسنا العمل المقدم بمقدم العمل فـ(غرام يزيد) كانت صدمة للذين كانوا ينظرون لمحمد العقربي كعميد للمسرح التونسي ذلك أن إخراج (غرام يزيد) لم يزد عن كونه عادياً عموماً وإن تميز بالذكاء والجودة في بعض المشاهد التي ارتقت على أكتاف الممثلين وعلى العكس من ذلك كانت (فاوست) فعلى أكتاف المخرج خالد خشيم ارتفعت وكادت تسقط والممثلون المبتدئون ينوؤون بحملهم فيها.
ففاوست عمل ممتاز إذا قورن بخالد خشيم وقدرة خالد خشيم وخبرة خالد خشيم المسرحية.
و(غرام يزيد) تعتبر عملاً رديئاً إذا قورنت بمحمد العقربي وقدرة محمد العقربي وخبرة محمد العقربي المسرحية وفي الختام لا أنسى أن أضيف للذين قاموا بتصميم المناظر وتنفيذها الشكر للفنان خليفة التونسي الذي أجاد في مناظر (حوت يأكل حوت) وللفنانين الذين لا أذكر أسماءهم ويستحقون كل شكر وتقدير على ما قاموا به من عمل جميل  في تصميم مناظر (غرام يزيد) و(فاوست) لو أننا في كل سنة تحصلنا على مثل هذا العدد الطيب من ممثلين ومخرجين ومؤلفين وفناني مناظر إذاً لتكونت لدينا خبرة طيبة تساعد على نمو حركتنا المسرحية المباركة.
  

















السعداء
أو سيرة السعادة على ضفاف نهر النسيان 
بقلم / محمد الفقيه صالح 

* مسرحية "السعداء" من تأليف منصور أبوشناف وإخراج نوري عبد الدائم ،التي عرضتها مؤخراً فرقة المسرح الوطني على مسرح الكشاف تندرج في باب الكوميديا السوداء أو الملهاة المريرة التي تستهدف التأسيس لنقد الذات والواقع ومساءلتهما لا مجرد إبداء الشكوى والضيق من العيوب  والمفاسد.
* تبدأ المسرحية بممثل يدخل من باب في يسار الخشبة ، متأبّطاً عجلة دائرية مطلية باللون الأبيض الناصع - سنعرف فيما بعد أنه يمثل القمر- ويشرع في دردشة في وسط الركح مع ممثل تتفرع منه أغصان تتدلى منها أوراق شجرة تتعلق الدردشة بدوريهما في المسرحية ، وما ينتظرهما من متاعب أثناء العرض ، ثم يعطى أحدهما إشارة بدء المشهد فيحتل الممثل / الشجرة موقعه على الركح ، فيما يقفل الممثل / القمر راجعاً من الباب الذي دخل منه ، صاعداً إلى شباك فوق الباب لكي تتسلط عليه الأضواء القوية فيسطع بدوره بهياً على الحديقة ،وهذه الدردشة وما يصحبها من حركة وتعليقات لاذعة تكاد تتكرر في بداية كل مشهد بما يوحى بلمسة تغريبية واضحة من المخرج.
* الديكور ثابت لا يتغير طيلة العرض ، وهو عبارة عن سياج شجري  قصير داكن ، على خلفية سماء ليلية تتزين بنجوم لامعة .
وقد حاول المخرج تكسير رتابة الديكور بتغيير موقع القمر من الجانب الأيسر فالأوسط فالأيمن ، بما يوحى أيضا بسيرورة الزمن وجريانه ، ولأن زمن المسرحية كله يجرى في ليل مضاء بقمر ، لذلك فإن عنصر الإضاءة شكل أهمية استثنائية في هذا العرض ، وفي قلب المشهد البصري تنتصب حاوية قمامة معدنية ستتحول فيما بعد – إلى غرفة مزودة بشباك تطل منه العاشقة على حبيبها .
المفارقة هنا أن المكان والزمان (أي الحديقة في ليالٍ قمرية صافية) مترعان بالإيحاءات والممكنات الرومانسية الناعمة ، لكن الحالة المسرحية ، كما يجسدها أداء الممثلين وحوارهم وحركاتهم على الركح تكاد تنطق بمأساة مضمرة ،ولولا التدخلات المرحة خفيفة الظل من شخصيتي القمر والشجرة لتحولت المسرحية برمتها إلى تراجيديا .
من واجهة الركح يدخل عاشق شاب (علي الشول) وهو يجر حبيبته (انتصار بوشناق) من شعرها في حركة تنطق بالغلظة والجلافة ، التي يبدو واضحاً أن "سعداء " هذه المسرحية يتسمون بها حتى أثناء التعبير عن عواطفهم ومع ذلك يشرع الحبيبان في محاولة الظهور بمظهر السعيدين ، فيدوران حول بعضهما ، ويتلامسان بحنو ، ويتراقصان ، ويغنيان ، غير أن العاشقة تكشط هذا "الطفح" الرومانسي الظاهري ، بين حين وآخر ، بالتعبير عن إحساسها الغامض بالخوف وبعدم الأمان ، كما تعبر أيضا عن امتعاضها وضيقها من لسع البعوض وروائح العفونة المنبعثة من أكداس القمامة المهملة ،وفي كل ذلك يحاول العاشق إقناعها – وإقناع نفسه فيما يبدو – بأن الأمر يتعلق بلسع نحل في جنة على ضفاف نهر النسيان تتدفق فيها سواقي العسل والحليب والماء الرقراق .
ثم لا يلبثان أن يتبادلا الأدوار ، فيشكو ويتضايق ويتذمر العاشق ، فيما تتظاهر العاشقة بتأكيد واقع الجنة التي يقفان عليها .
وكلما استنفد العاشقان كل ما في حوزتهما – أو ما في حيلتهما – من حركات بهلوانية يحاولان من خلالها إقناع نفسيهما بحالة "السعادة" التي "ينعمان" بها ، يتسلل صوت الناى حزينا موجعاً في خلفية المسرح ، وكأنه نبع داخلي ينفجر من جرح ما ، ولم يفلح كل ما تكدس عليه من تراب الإدعاء والتظاهر البراني في الحيلولة دون فيضانه على ضفاف الذات والعالم ،وفي كل مرة يبدى العاشق هلعه من هذا النغم الحزين الذي يملأ عليه أركان نفسه فيصرخ من قلب حالة "السعادة" التي يتظاهر بها : " فكّوني من هاللي يُغْرد" وهكذا تتكشف السعادة الظاهرة عن قناع لروح مطعون ومقهور وخائف ومشوّه .
ثمة بُعدٌ مأساوىٌ آخر من أبعاد هذه المسرحية ينطق به الحبيبان أثناء تعبيرهما عن "السعادة" التي يغتصبانها اغتصاباً ، إذ نعرف من خلال حوار عذب يجري بينهما أن كلا منهما فقد زوجه بعد شهر العسل بيومين ، ومع ذلك كان العاشق يجد كل شؤون البيت مرتّبة وأكلاته مجهزة وكأن زوجته لا تزال على قيد لحياة ، فيما تخبره هي بأنها تحس بأنفاس زوجها وأشيائه حاضرة في أركان البيت وكأنه لا يزال على قيد الحياة ، وهكذا تتداخل في هذا المشهد المؤثر الحقيقة  بالوهم والموت بالحياة ، فهاهما الزوجان اللذان حولتهما كآبة الواقع والرتابة الزوجية إلى ميتين ، يلتقيان صدفة في لحظة حب ، ولكن من أين لهذا الحب أن يثمر السعادة والبهجة والفرح ، والحبيبان لا يستطيعان أن يلتقيا إلا على أرض هذه الحديقة الوحلة التي يطنّ فيها البعوض وتنبعث منها روائح القمامة والمجاري ، وتتحول فيها أوراق الأشجار وزهورها إلى أشواك شرسة ؟ المسرحية تقول أن العشاق قد يستطعمون نوعاً من السعادة في هذه الحديقة طالما كانت تطل على نهر النسيان ،وهكذا ترتسم أمامنا هذه المعادلة : إذا أردت أن تسعد فعليك أن تنسى كل ما حواليك . أن تغيب الغياب شرط السعادة ،والمسرحية بهذه السخرية المرة لاتشجعنا على الهروب من الواقع ، بل تدين هذه الطريقة في التعامل مع الواقع والحياة وكأنها تريد أن تحثنا على ألا نكذب على أنفسنا ، بل أن نفهمها على حقيقتها بحسبان أن هذا هو أقرب الدروب إلى تحقق السعادة الحقة .
في مشهد إيمائي رمزي معبر ، رفقة الموسيقي التصويرية ، يتزوج العشقان ، ثم سرعان ما ينتهي هذا الزواج إلى أن يعلّق كل من الزوجين الآخر على أعواد الشجرة ،ويدخل كل منهما بعدها في دوامة السؤال المخيف عن حياته وموته .
ثم لا تلبث سيرة الحب المغمور بسعادة الكذب ، ثم الزواج المدفون تحت أكداس الكآبة والقهر المتبادل ، أن تتكرر من جديد في صورة عاشقين في منتصف العمر ، هما : ( محمد الطاهر) و( مهيبة نجيب) ، أو ربما هما نفس العاشقين وقد وصلا إلى مرحلة منتصف العمر .حيث تتكرر معهما صورة الحب والنسيان والمخاوف وإدعاء السعادة وصوت الناى الذي يفضح حقيقة اللغط والتظاهر البراني ، ثم تنتهي بالقهر الذي يمارسه الرجل على المرأة بما يُفضى إلى القتل المتبادل ، وهو ما يعنى أن حياة هؤلاء البشر لا تعدو أن تكون استمراراً للموت في الحياة ،ولوهم السعادة في عالم مليء بالوحل والقذارة .
تنتهي المسرحية بمشهد قصير دالّ ، يجرُّ فيه ولد صغير شعر بنت من عمره إلى وسط الخشب ، في إشارة إلى تكرار سيرة العاشقين السابقين "السعداء" عبر الأجيال والزمن ، وفي إيماءة قاتمة – من المخرج – لاتوحى بأي أمل في جيل قادم ، أو في زمن آتٍ.
تتراوح المسرحية في أسلوب إخراجها بين الترميز والتعريف ، وعلى الرغم من أن الأول (أي الترميز) هو الطابع الغالب في هذه المسرحية ، إلا أن المخرج عمد إلى كسره بأدوات "تغريبية" من خلال حركة الممثل الذي يؤدى دور القمر ، وتدخلاته الموجهة أحيانا إلى الممثلين ، وأحيانا إلى الجمهور ، ومن خلال تعليقاته اللاذعة التي تشارف – أحيانا – حد الاستفزاز المتعمد .
ومن الجدير بالملاحظة أن بنية هذه المسرحية قائمة أساساً على عنصر التكرار ، تكرار المشاهد والحوار والأجيال ،وهو أكثر عناصر المسرحية جاذبية وخطورة في نفس الوقت .
فللتكرار في هذه المسرحية دلالة جمالية وفكرية ذات منحى تشاؤمي مأساوي لا تخطئه العين ولا البصيرة ، وتكمن خطورته تحديداً فيما يمكن أن يفضى إليه من إملال للمتفرج ، وتبديد للشحنة التي تخلقها الحالة المسرحية في تصاعدها وتحولاتها ،وقد حاول المخرج ( نوري عبد الدائم) جاهداً أن يتفادى هذا المأزق من خلال تطعيمه المشاهد المتكررة ببعض اللمسات الإضافية ، واعتقد أنه نجح في ذلك إلى حد معقول .
وفي الختام لابد من التنويه بالأدوار شديدة الأهمية التي أداها فنيو الإضاءة والموسيقى والديكور في إظهار هذا العمل المسرحي الهام بهذا المظهر الشيق .
أما من ناحية الأداء التمثيلي فقد بدأ جميع الممثلين في كامل حضورهم وحيويتهم ، حيث بذل الفنان " علي الشول" ما في وسعه لتشكيل صوته وإيقاع حركته الجسدية حسبما تقتضيه المواقف المترجحة بين الانكسار والادعاء والوهم والسخرية والحزن ، فيما نجحت زميلته ( انتصار بوشناق) في طلاقة الحركة وانسيابتها ورشاقتها فوق الخشبة ، إن لم يكن نجاحها في تلوين الأداء الصوتي وتغيير إيقاعاته وفقا للمقام بنفس نجاح إيقاعها الحركي أما أداء الفنان " محمد الطاهر" فقد عكس خبرته الطويلة في عالم التمثيل ، فيما اتسم أداء الفنانة "مهيبة نجيب" بالتلقائية والسلاسة والبساطة المحببة ، كما وفق الفنان " عبد المجيد الميساوى" في أداء دورة الشجرة ، أما الفنان (صالح أبوالسنون) فقد أضفى على دور القمر الذي أداه قدراً ملحوظاً من البهجة ، وخفة الدم ، وتحملّ طيلة فترة العرض بكل سماحة وأريحية أشعة الإضاءة الساطعة المسلطة عليه ،وقد مكّنه المخرج – فيما يبدو – من أن يسجل ذلك في إحدى لحظات العرض المسرحي  .
تحية صادقة لمؤلف هذه المسرحية ولمخرجها ولممثليها وفنييها ولكل من أسهم في إظهارها على خشبة المسرح ، متمنيا لهم جميعا مزيداً من التوفيق والعطاء في درب النهوض بالحركة المسرحية في بلادنا .
***













مسرحية الغول 
بقلم / أبوالقاسم فرنانة 

مسرحية الغول 
تأليف:محمد صبري 
إخراج:حسن قرفال 
المسرحية مطبوعة بالحاسوب وعدد صفحاتها "28"صفحة من حجم "A" 
وشخصياتها:الأب،الأم،الابن،المراسل،الغول. 
زمن العرض "51دقيقة" 
وقد عرضت عام "2004"على مسرح الكشاف 
حكاية النص: 
هي حكاية لأسرة متكونة من ثلاثة أفراد حوصروا داخل البيت بسبب الغول الذي ظهر في المدينة ويحاصر سكانها،تصاب العائلة بالخوف والفزع خوفاً من اقتحام الغول بيتهم يتم إقفال الأبواب والنوافذ وبسبب هذا الحصار ينفد الغذاء من البيت حتى أصيب أفراد العائلة بالجوع،وعندما لم يجدوا شيئاً يأكلونه إلا قطة ميتة يتم تقاسمها بينهم وهنا يبدأ الصراع من يأخذ حصة أكبر. 
يصل الصراع إلى درجة الشك بين أفراد الأسرة الواحدة فقد يكون كل واحد منهم قد أخفى عن الآخر جزءا من هذه الغنيمة. 
تخرج الزوجة من البيت لجلب بعض الأشياء وعندما تعود يخاف الزوج منها ويظن أن الغول قد تلبسها فلا يفتح لها الباب حتى تضطر إلى الدخول من الباب الخلفي وتنزل من العلية وتدخل فيشك الزوج في أمرها وتزداد مخاوفه منها ويظن أنها ستقتله وهي تشعر بنفس الحالة فتبدأ المعركة بينهما فيتمكن الزوج من قتل زوجته.يظهر الغول بصورة الابن فيعلن للأب من إنه قتل زوجته ولم يقتل الغول كما يظن وإنما الغول لايزال حيا فيكشف له عن نفسه،بأنه هو الغول،وجاء ليقتله ويبدأ الصراع حتى يتمكن الغول من قتل الأب وبعدها يقتل المراسل الغول وتنتهي حكاية النص. 
حكاية العرض: 
أما بالنسبة لحكاية العرض فقد تمثلت في ماقدّمه المخرج من صور أراد بها إيصال مضامين ودلالات حيث حاول المخرج أن يعطيها شكلا غريبا معتمدا على عملية الإدهاش والمفاجأة من خلال حركة الأبطال المعتادة وصراخهم المستمر وتمثل في الإضاءة المعتمة التي لاتكشف عن التكوينات بصورة واضحة،فالشخصيات تتحرك،تجلس،تقف،تراقب وهي أيضاً محافظة على هاجس الخوف والاستكانة والرعب ولهذا جاءت الشخصيات موزعة على ثلاثة مستويات المستوى:الأول الغول،المستوى الثاني:الأب والأم والابن الذين يمثلون رمزا دلاليا للعائلة الكبيرة والمتمثلة في المجتمع وهنا أي المجتمع كان غير محدد المكان فيمكن تطبيقه على أي مجتمع"فهذا العمل إنساني لايخص منطقة بذاتها". 
أما المستوى الثالث فيتمثل في المراسل الذي يمثل خيط الوصل وأيضاً "المايسترو"والربط بين الشخصيات وهو في الوقت ذاته خيط الربط بين ما يقع في الداخل والخارج وبذلك أخذ دور محرك الأحداث والمعلق عليها. 
إن ثبات المكان الداخلي والخارجي لايعني ثبات الشخصيات ففي الداخل هناك انهيارات تنتهي بالقتل،وبينما في الخارج الغول ثابت في مكانه لكنه متغير في اتجاهه وكأنه يؤدي فعل المنحوتة كونها تعكس الحركة غير المتحركة،وبهذا استفاد المخرج من نظام النحت وأدخله ضمن تشكيل"سينوغرافيا"العرض،وينتهي العرض بتلبس شخصية الغول وكأنه جن يدخل تحت جلد الشخصيات فيتلبّسها. 
إن الشر متمثل في الغول دال لمدلول المتغيرات الهائلة في الحياة المعاصرة "فهو عندي يمثل الهيمنة،العولمة،الشركات الاحتكارية،الغزو الثقافي". 
وعزز العرض ذلك من خلال شبحية الأبطال وهم يتحركون وسريان الموت والقتل والاستباحة للإنسان والحياة. 
التكوين التشكيلي للعرض: 
تكوين المنظر: 
افترض مخرج العرض من خلال "السينوغرافيا"أن هناك مستويين من المكان الأول هو المكان الداخلي الممثل في تكوين المنظر الداخلي يشكله البيت مكان الأكل أو المطبخ قطع الأثاث البسيطة ثلاثة كراسي،طاولة ونافذة ساعة حائط مشروخة سلم مزدوج ومدرجات تصل الداخل بالخارج.
أما المستوى الثاني للمنظر متخيل فقد اعتمد فيه المخرج على مايمكن أن توحي به الشخصيات وما تنقله عن المكان الخارجي القريب،وبالتالي ساهم بتحديد نوع من الصراع المكاني من خلال التكوين الأول والثاني فالمكان الخارجي يشكل تهديدا ساخرا للأبطال من خلال الأصوات والصور المفزعة لشخصيات مقتولة ومعلقة والتي تظهر بشاعة مايحدث في الخارج من عمليات القتل والسطوة والهيمنة وهذا أدى اكتساح الخارج للداخل وبالتالي ينعكس على شكل أفكار معلقة بالخارج. 
تكوين الإضاءة: 
من خلال العرض حاول المخرج أن يضفي شكلا مميزا من خلال اعتماده على عملية التعميم وعدم وضوح الأشياء والشخصيات والمكان لذلك ظهر اللون الأحمر والأزرق باعتبارهما لونين مضادين يختزلان فكرة الصراع بين عالمين ممثلا بالعائلة والغول لهذا جاء العرض بكثافة ضوئية محدودة ومركزة الاستخدام واقتصرت على الألوان التي تزيد من تشويه أو تغيير وإخفاء الملامح المحدودة للأبطال مما يساعد على إخفاء الكثير من ملامحها وزيادة حدة إخفاء ماسيحدث فضلاً لاستخدامه اللون الأزرق والأحمر وهما لونان متناقضان،وكانت إضاءة العرض إضاءة بسيطة للغاية للإيحاء بظلمة المكان تأكيدا لهاجس الخوف فاللون لم يكن ساطعا ولم تستخدم الإضاءة الفيضية وإنما بقع حادة المساقط لتعطي جوا مشحونا بالترقب،وهذا الأمر ساهم جمالياً في زيادة التداخل بين مايحدث في الخارج وانعكاسه على مايحدث في الداخل وبالتالي انعكس الأمر بعدم وضوح ملامح المنظر الداخلي. 
وهذه تأثيرات الصورة التشكيلية الانطباعية التي تحاول أن تجعل اللون أساس العملية الفنية ولهذا اختفت تلك الملامح التفصيلية في اللوحة التشكيلية وكذلك الحال في هذا العرض حيث تم استخدام الفضاء المسرحي من خلال التركيز على بعض البقع الضوئية لتغيير ملامح المكان وبالتالي حصر الشخصيات وكأنها تسبح في الظلام. 
التكوين المتخيل: 
من خلال تفاعلات الأحداث والتوجسات المتعددة التي تنتاب الزوج مرتابا في زوجته كون الغول قد تلبسهما،فيتوجس الأب،الزوج خوفا وظنا بأنها ستقتله فتجتاحه أفكار متضاربة ومتوجسة فأصبح ينظر إلى الواقع بصورة مغايرة لهذا يظهر المخرج تلك الأفكار المطموسة من خلال عرض صورة الزوجة كما يراها زوجها حيث يظهرها في عرض اللوحة الخلفية صورا بشعة مشوهة وبالمعنى نفسه أبرز المخرج نفس الهواجس في عقل الزوجة وكيف ترى زوجها فتظهر لنا الصورة المعروضة وجه الزوج مشوها ومقززا هذه الخواطر شكّلت تكوينا في لحظة من لحظات العرض فجاء تعبيرا عن حالات الهلوسة التي أصابت كلا الشخصيتين. 
تكوين الأب والأم والابن: 
الزوج والزوجة والابن يجلسون حول مائدة الطعام حيث يبدو المشهد واقعيا ولكن الإضاءة تضفي عليه مسحة من الغرابة والضبابية فالإضاءة الحمراء عبّرت عن الجو المشحون وصدام الحياة جاء تعبيرا على حالة الصدام داخل الأسرة وإن كانوا يتناولون الطعام ولكن في النهاية يرمون بعضهم بالصحون. 
فبعد تلبس الغول للابن تنفصل الكتلة الأب والأم في جانب والابن في جانب آخر،إن هذا التكوين اعتمد الفصل بين الشخصيات من خلال المسافة تأكيدا لموضوع التلبّس. 
وفي واحدة من المشاهد المتعددة للأب برز تكوين تشكيلي متميز عندما كان يقف بجوار النافذة،إن هذا التكوين واللون الذي أضفى مسحة جمالية فأبرز البعد التشكيلي للمخرج في صياغة جمالية. 
تكوين الأقدام: 
في هذا التكوين وبعد أن مارس الزوج عملية قتل زوجته أكد المخرج جريمة القتل التي مرّت بعنف ضد الزوجة من خلال الحركة النصف دائرية لأقدام الزوج وهي تتحرك في مقدمة المسرح بعد أن عتم الجزء الأعلى لجسد الشخصية فأعطى إيحاء بأن الجسد قد فصل ولا نرى منه غير الأقدام،وهذا التكوين دلل فيه المخرج على أن الجريمة التي قام بها الزوج تتحرك بأقدام ثابتة وجاءت دفاعا عن النفس باعتباره قتل عدوا وهو الغول المتجسد في شكل زوجته. 
تكوين مصارعة الثيران: 
حاول المخرج من خلال عرضه المسرحي أن يضفي نوعا من الحركية في تنويع التكوينات فبعد فشل الزوج كونه لم يقتل الغول المتلبس لزوجته وتحديدا بعد أن كشف الغول عن شخصيته بأنه لم يكن الابن الحقيقي وإنما شكله فقط والذي اتخذه الغول بعد قتل الابن،والحقيقة أن الغول تمكن من دخول البيت للقضاء على من بداخله فيزداد الزوج رعباً وخوفاً فيتحول التكوين حلبة مصارعة للثيران واحد منهم مهاجم وآخر مدافع. 
إن هذا التكوين أعطى نوعا من الحيوية في التغيير المفاجئ في التكوين. 
تكوين المراسل: 
تم الاستفادة من السلم المزدوج لتكوين شكل المثلث وأن هذا السلم أضاف إلى الشخصية مسألة الارتفاع وذلك أكد المخرج الطبيعة الإعلامية للمراسل أو قائد الفرقة الذي يحرك الأحداث ويعلق عليها وينقلها وقد تكرر هذا العرض تأكيدا لدلالة الشخصية وفي الوقت ذاته تمت الاستفادة شكليا ولمشاركته في تحريك الأحداث فنجده قد مارس عملية قتل الغول في نهاية العرض باعتباره قد أنهى الدور المطلوب منه وهنا أكدت هذه الشخصية التآمرية هيمنتها العالمية وتسلطها على الشخصيات وقد أعطى هذا الأمر دلالات أخرى أكثر انفتاحا لما يمكن أن يتضمنه من معاني.وما أن تنتهي مهمة قتل الغول حتى يضم السلم المزدوج ويترك أرضا تدليلا على انتهاء المهمة. 

مسرحية الكنًاس 
بقلم / أبوالقاسم فرنانة 
مسرحية الكناس (مونودراما)
مأخوذه من مسرحية (الزبال) للكاتب السوري ممدوح عدوان .
إعداد وإخراج عبدالعزيز الحضيري
مكتوبة باللهجة الليبية بخط اليد في (13 صفحة من حجم (A4)
الشخصيات : الزبال ، الحاج يوسف صاحب المخبز ، فاطمة ، ابراهيم ، الحاجة عيشة ، عبدالله .
زمن العرض ، 55 دقيقة
عرضت سنة 2004 افرنجي على مسرح الكشاف .
حكاية النص :
تدور حكاية النص حول سكان شارع من شوارع المدينة يكشف عن اسرارهم كناس من خلال القمامة ويسرد العلاقات القائمة بين الجيران وتبدأ هذه الحكاية بالتعريف بنفسه وكيف وصل الى هذه المهنة ثم باستعراض سكان كل بيت والغوص في خصوصياتهم من خلال النبش في براميل القمامة يتضح ان المرأة غير المتزوجة تسكن البيت مع أمها ترغب في أن تكون صاحب نفوذ ومال فانحرفت بعلاقات غير سوية مع عدد من الرجال كما يتطرق النص أيضاً الى الجارة التي تراقب جيرانها وتحصي عليهم أفعالهم وحركاتهم وإفشاء أسرارهم وعلاقات الخباز والتصرفات الشاذة للشاب وغيرها من الأحداث التي تتوالى والحكايات تتشابك ويبقى الخط الواصل بينهم القمامة نفسها .
لتكشف عن مخلفات المجتمع من خلال الشخصية التي تتصف بالانحلال والشذوذ والممارسات غير السوية المنحطة .
وتتوالى الأحداث حتى بلوغ ذروتها متمثلة بوجود طفل رضيع داخل أكوام القمامة يدهش الكناس فيرفع الطفل وقد فارق الحياة .
حكاية العرض :
إضاءة زرقاء تسود فضاء المسرح وتظهر  ستة أبواب  توحي ببيوتها وأتخذت خطوطا حادة ومقوسة والمسرح معبأ بالقمامة التي تملأ المكان وتمثل جزءا مهما من مكملات العرض يبدأ العرض بأصوات سكان الشارع ثم  دخول الكناس وهو شخصية ترتدي أزياء ليبية سترة زرقاء قبعة بيضاء بنطلون بني يبدأ العرض بجولة أمام الأبواب مستعرضاً قصة كل بيت من البيوت ومن خلال القمامة نكشف طبيعة المجتمع والحالة الاجتماعية لكل أسرة التي تتنوع من الحالة الاقتصادية الى السلوك والأخلاق ونكتشف ذلك من خلال ما يظهره الكناس من أشياء من القمامة في كل بيت من علب العصير وقناني الدواء والمشروبات الكحولية وشريط اقراص منع الحمل من قمامة بيت تسكنه عجوز وابنتها غير المتزوجة وهناك جزء من بطيخة ، جهاز إذاعة مسموعة يبدأ الكناس في استعراض الشخصيات من خلال تقليد أصواتهم وحركاتهم وارتداء الملابس الدالة على كل شخصية .
أستخدمت الإضاءة الزرقاء لإضفاء الجو العام للعرض وكذلك عزل الشخصية من خلال بقعة الضوء فلم تستخدم المؤثرات الموسيقية واستخدم بدلا عنها مؤثر صوت الطفل الذي نسمعه بين الفترة والأخرى.
تستمر الأحداث واستعراض كل بيت من خلال شخصياته ، مشاكله ، علاقاته مع الجيران وسلوكياته .
ينتهي العرض بعد أن ينتشل الكناس الطفل من بين ركام القمامة يضعه بين ذراعيه ويتحول به في أرجاء الخشبة ويختلط بكائه مع بكاء وحسرات الكناس على ما وصل إليه الناس فقد وصلوا الى أن يرموا ابنائهم في القمامة وينتهي العرض بمفارقة الطفل لحياته .
التكوين التشكيلي للعرض :
تكوين المنظر : المنظر العام تغلب عليه الإضاءة الزرقاء التي تعم المكان والقمامة الموزعة والمنتشرة داخل فضاء الخشبة كما في الصورة 26 التي تعبر على محاصرتها للمكان من خلال التكوين العام الذي تتوزع فيه هذه الأكوام المنتشرة التي لم يخلوا منها جزءا من الفضاء ستة أبواب تمثل جزءا من المنظر وتمثل ايضاً سكان الشارع الذين نكتشفهم من خلال تقديم لهذه الشخصيات ويرى المخرج (أن التكوين العام للمنظر تم من خلال علاقة الممثل بكل ما هو موجود على خشبة المسرح مثل الأبواب ، العربة ، المكانس ، وجردال القمامة وصناديق الكرتون . استخدم المخرج الإضاءة القاتمة للإيحاء بالجو العام للعرض واستخدمها ايضاً في حالة عزل الممثل من خلال بقعة الضوء او الدوائر الزرقاء كما استخدمت ايضاً باعتبارها دلالات رمزية من خلال استخدام اللون الأحمر بقعا تظهر جزءاً من الكناس والطفل في نهاية العرض كما في الصورة 27 وذلك للدلالة على المأساة والخطيئة وكما استخدمت ايضاً من خلال العزل لغرض تكوين الكناس عن التكوين العام وكما استعملت لإخفاء ملامح الرجل لتأكيد حالة هيمنة القمامة التي تمثل معاني ودلالات إيحائية أخرى فالقمامة وانتشارها يؤثر على البيئة وتكشف ايضاً عن بعض الممارسات غير الأخلاقية المنحرفة التي تنخر المجتمع وهي أكثر ضرراً من القمامة المادية .
وهي مؤشر لخطر كبير قد يخرب المجتمع بأسره وتمثل هذا المعنى من خلال إظهار الطفل من القمامة فترك أولادنا في الشارع وإهمالهم هو أيضاص نوع من أنواع القمامة من خلال استبعادهم ورميهم والتخلص منهم وكأنهم شيء غير مرغوب في وجوده .
تكوين الكناس :
أما بالنسبة لتكوين الكناس الذي كان طوال العرض شخصية تسير بشكل منحني في تكوين جسده للدلالة على اقترابه من والتصاقه بها أيضاً تغلبها عليه باعتباره جزءاً بسيطا من البيئة التي تسودها أكوام القمامة .
هذه الشخصية لم تبق على حالها بل تنوعت تكويناتها طبقا للأحداث الجارية في العرض وعلاقتها بمحيط المكان الذي تعيش فيه فصفة (الكناس) لا تكشل مهنته فقط بل شكلت حالته حالة اجتماعية مأساوية وذكرياته فكما كان الكناس شاهداً ومعلقا على أحداث تجرى فهو ايضاً مشاركاً في هذه الأحداث وكما رسم المخرج شكل هذه الشخصية وعلاقتها بأحجام وأشكال الأدوات لو نظرنا الى العرض لوجدنا مثلا وقوف الكناس أمام المكنسة الطويلة وهو  يخاطبها على أنها ابنه والتي يبدو أمام طولها "قزما صغيرا إذا القمامة تمثل حياته" وهذا كان واضحاً عندما أرتمى في قلبها واخذ ينثرها في فضاء المسرح كما في الصورة بحثا عن الطفل رمز البراءة المدنسة .
ان تنوع الشخصيات جاء تعبيراً لنماذج متعددة من المجتمع والتي يعتبرها العرض شكلا من أشكال القمامة فشخصية فاطمة وتمردها على التقاليد الاجتماعية والخلقية وميوعة ابراهيم وحركته الكلتوية غير مستقيمة ، وعلاقة الحاجة عائشة بجيرانها ومراقبتهم وما يقوم به عبدالله من أشياء مشبوهة كل ذلك يعبر عن دلالة الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي لهذه الشخصيات.
أما بالنسبة للخطوط المنحنية والأشكال الدائرية والشبه دائرية التي كانت ذات غلبة في شكل التكوين العام للعرض حيث تمثلت في انحناءات جسد شخصية الكناس وحركته وكذلك في حركة الشاب وتمثلت ايضاً في أقواس الأبواب وأشكال البراميل الدائرية وعجلات العربة وأشكال دوائر الإضاءة هذه الأشكال دلالة على الانحسار داخل دائرة مغلقة يصعب الفكاك منها .
تكوين القمامة :
شكلت القمامة كتلة  متنوعة  ومنتشرة وكانت توحي بالفوضى التي أحاطت بالمكان كما في الصورة 29 إلا أنها كانت تعبيرا عن نظام من العلاقات الصارمة فضلا عن نمط من الحياة يحياها السكان لهذا فقد كانت القمامة في تنوع أشكالها ومواقعها وأحجامها وجاء تنوع أشكالها متمثلا في مكعبات الورق المقوى وبقايا العلب .
تكوين الأزياء :
أما الأزياء فقد تنوعت من حيث الشكل ولكنها حافظت على دلالتها السائدة في تحديد هوية الشخصيات التي أكدت بيئتها فكانت الأزياء دلالة عن الهوية حيث كانت الأزياء محلية ليبية كما استخدمت للدلالة على جنس الشخصية ووظيفتها الاجتماعية كما في الصورة 30 فتنوعت بتعدد الشخصيات التي كان يؤديها الممثل وكات المرأة العجوز باستخدام اللحاف والخباز باستعمال الملاية والشاب المخنث بارتداء الأزياء القريبة من ملابس البنات أما بالنسبة للأزياء الشخصية الرئيسية فقد دسبق الإشارة إليها من خلال  نص المخرج .
أما اللون الأزرق بصفة عامة فقد كان دلالة على الشعور بالحزن والأسى والمحاطرة كما استخدمت اللونين الأحمر والأصفر للدلالة على التنوع في شخصيات المجتمع واختلاف تكويناتها وتكوين مزاجها النفسي وانتمائهما الاجتماعي .
تكوين الإضاءة :
واستخدم المخرج في تنظيم (سينوغرافيا) العرض اللون بوصفه تكوينا يثير دلالات ويشحن المعنى ففي بعض التكوينات للكناس وهو يفترش الأرض كما في الصورة 31 غيب جزءاً من شكله وكأن المخرج أراد أن يوحي بأن الكناس الذي يحيا ضمن الوسط البيئي غيبت ملامحه أو تكاد تغيب فقد غيب جزء من وجه الكناس فضلا عن سحنة لونه السمراء وإن لم  يكن الممثل بهذه السحنة لكان قد دهن باللون الأسود وبهذا الصدد يقول المخرج :
(كان اللون جزءا من التكوين العام للعرض ، فضلا عن كونه يسهم بتحقيق الجو العام للعرض) .
أما من ناحية استخدام اللون تكوينا وتعبيرا ذي دلالة كما في الصورة 32 فبعد اكتشاف الطفل وصرخاته ثم يحدث انقلابا عاما في التكوين من خلال الاضاءة فسرعان ما تنغرس بقعة اللون الحمراء في فضاء العرض التي شكلت صورة جديدة نقلت شكل المنظر الطبيعي الى شكل صورة تعبيرية أعطت دلالة أكثر من كونها تكوينا محدداً بدلالة محددة وإنما حدث انفتاح للمعني فاللون الأحمر دلالة الدم والعار والخزي وهو لون حار بالمقارنة مع اللون الأزرق فاللون هنا لم يعبر على الحالة النفسية أو السلوك الاجتماعي فقط بل تعداه من خلال الإضاءة الى خلق تكوين ملموس قد يغير تكون الحياة وقلب الأشكال المألوفة الى أشكال غرائبية تكون دلالاتها أضخم وأشد قسوة مما نتصور وبذلك كان المضمون في هذا التكوين يتصاعد ويكشف عن نفسه تدريجا من خلال الكيفية التي يظهر من خلالها هذا التكوين التشكيلي للعرض المرسحي إن ذلك أسهم بتكثيف الصورة المسرحية وانفتاحها على الرغم من حالة الانحسار التي شكلت وضع الكناس ان الانغلاق والانفتاح في التكوين المسرحي هو تغيير في طريقة التفكير بمعني آخر ان المضمون يتحرك ويتخذ شكلا جمالياً معبراً وقد يكون هذا الشكل أكثر انفتاحاً لإحداث الأثر المتوخى منه .




















الواحة والجوع
بقلم / ناصر الدعيسي

هي مسرحية «عبدالله القويري» التي قام المخرج «فرج بوفاخرة» بإخراجها هذا المخرج الذي شاهدناه في مهرجان الفاتح في درنة عام ٨٦ في مسرحية «تأخرت قليلاً يا صديقي» حينها شعرنا بقيمة شبابنا الذين دُرسوا في مجموعة أعمال قدمها «منصور سرقيوة» في «الحارس» وداوود الحوتي في «الفرافير» و «محمد بوشعالة» في «المهرج» وأخيراً فتحي كحلول في «باب الفتوح» هذه الأعمال علامات مضيئة في حركة المسرح الحرفي الآن.
ففي «الواحة والجوع» تلك الصحراء التي ينطلق بها البشر تائهين في سرابها يتحول ذلك السيد الذي لم يعرف الصحراء جيداً ولم يعرف ما يخبئه له القدر، ورغم أن الجميع يعرفون صعوبة الذهنية في العمل المسرحي إلا أن «بوفاخرة» أرغم شخصياتها من خلال ذلك الانفعال والتوتر على معرفة التصور المطروح في «الواحة والجوع» فالشك وعدم الثقة لدى «الشيخ علي» الذي يرتفع صوته ضد الجميع في الصحراء «المرأة» و«مسعود» الذي يعاني من تلك المرأة هذا التسلط واللاوعي بالذي يجري من  «الشيخ علي» الذي يرى أنه لم يعد هو السيد، بل حاصره رفض «مسعود» المستمر وجعله عبد الصحراء... في هذا الموقف السائد قامت «حميدة الخوجة» بدور قوي وجسدت المعاناة وشخصت النار التي تلتهم صدورنا في الصحراء وسرابها المخيف رغم أنها هبطت بالدور في بعض الأحيان على عكس الشيخ «علي» «عبدالرزاق المريمي» «ومسعود امبارك» اللذين ارتفعت الحركية عندهما وكانت فاعليتهما تسد كل ثغرة في ذهنية المشاهد المتلاحقة في المسرحية... عرفنا أن التوتر ضعف وأن حب السيطرة نزوة فقط وأن «الشيخ علي» يخشى صمت «مسعود» ولكن استمرار عدم الثقة والرهبة من الطرف الآخر التي تصل إلى حد جلده  بالسوط وتضيع روح الفكرة كلما تساءلنا ماذا يريد القويري ؟ وأين ينبغي لشخصياته أن تتوقف في هذه الواحة؟ حيث كان لغياب الصراع الدامي مواجه أخر هو قدرة هؤلاء الممثلين على الأداء الحسن مما جعلنا نرى مفاهيم تطرح وآراء تتضاد ويأكلها الزمن والموقف معا لتصبح لحظة صدق مع النفس وأن القلب واحة وهذا الصراع الذي يجرى بين العقل والباطن هو الذي بدد الذهنية لأننا أصبحنا في موقف باهت أحياناً وكأننا أمام لوحات  «سلفادور دالي» نبحث عن أي الألوان يجعلنا نمسك بخيط الحقيقة لقد انتهشت المرأة أعماق الصحراء التي تمثل جفاف هذه الجروح أصلاً فالرصاصة التي سمعناها وعرفنا قصتها مع «عبدالجواد» وكيف حمل أخاه من تلك المزرعة التي أراد الحصول منها على شيء والعذاب الذي رأه أخوه فكانت الطلقة الثانية لإراحة شقيقه من هذا العذاب المستمر ولهذا الموقف المفاجئ تغضب الصحراء وتسقط النخلة التي عاشت عليها تلك الصخور وأكلت منها، إن النخلة شاهد العيان سقطت والطلقة الثانية شاركت في هذا الخوف أما الطلقة الأخيرة فكانت نهاية حتمية لهذه المواقف المتأزمة فقتل «عبدالجواد» لنفسه هو الرحيل نحو الممر الأخير،إن تلك الطلقات هي إيقاظ عام لهذا الضمير في أن الجوع يولد مواقف متعددة تصل لمرحلة الموت، لقد جنب «فرج بوفاخرة» لذهنية «القويري» ذلك الاستفزاز المستمر للعقل وبهذا أصبحت قضية الفهم شيئاً لايصعب على أحد.










 " الميت الحي " .. عندما يفقد الإنسان إنسانيته 
بقلم /   نجيب نجم

الموت بتعريفه المطلق دلالة على انفصال الروح عن الجسد وتعطل كل أجهزة الاحساس والشعور لدى الإنسان ولكن هذه الصفة تطلق مجازاً على الكائن البشري الذي ينبض قلبه وتتحرك أعضاؤه من دون أن يدرك مجريات الأمور المحيطة به وتتعطل مراكز الحس لديه وتعمى بصيرته عن تمييز الأشياء ويحق عليه القول بأنه " الميت الحي " .
كثيراً ما تتضارب الآراء وتحتدم المناقشات الجدلية حول الانفصال الواضح بين جذور الماضي وبراعم الحاضر وأزهار المستقبل بحيث تبدو معالم الحياة وكأنها سلسلة مفصولة الحلقات كل منها يعتبر الأخرى في عداد الموتى على الرغم من وجودها في بحر الحياة الديناميكي وتلقى كل حلقة بأوزار هذا الأمر على الأخرى.
ويتبادر إلى الذهن المحلل والمدقق السؤال عن السبب الحقيقي لهذا الانفصال هل هو من ذات الحلقة أم من المتغيرات التي تطرأ بجنون على الساحة.
حول هذه المفاهيم والتساؤلات جاءت صياغة مسرحية (الحي الميت) للأديب الفنان (محمد العلاقي) قدمها معهد جمال الدين الميلادي ممثلاً لدولة (ليبيا) في مهرجان (أيام قرطاج المسرحية ٩٣) داخل المسابقة الرسمية.
تتصدر الفراغ المسرحي لوحة لبنايات إحدى المدن يغلفها السكون وفي المقدمة وجه لفتاة بزيها الدال على زمن الماضي تحجرت عيونها وبدت نظراتها الزائغة وهي شاردة كمن يحاول اختراق حاجز الزمن والاطلال على ما يدور في الساحة في الوقت المعاصر ويصاحب ذلك نبرات وترية لموسيقا هائمة في فراغ المجهول.
تبدأ اللوحة في التشقق وتظهر من هذه الشقوق بالتتابع أقدام لشاب وجه لشخص يطلق عليه لقب (الحاج) جسد نصفي لشخص يطلق عليه (الشيخ) ثم جسد فتاة وفي حركة ترقب وتأمل ذات إيقاع بطيء تبدو علامات الحذر من خروج هذه المجموعة من عالم الماضي البعيد إلى دائرة الواقع.
تستمر حركة الظهور لهذه الأشخاص رويداً رويداً إلى أن تتجسد كاملة  في فراغ المنصة ويقفون على مسافات متباينة حول تابوت مغلق يتوسط المنصة وتستمر حركة الترقب مع الدوران واحتلال الأماكن بالتبادل على غرار لعبة الكراسي الموسيقية ويبدو خلال هذه الحركة مدى التنافر بين أطراف اللعبة.
لعبة التابوت
يجلس الرجال الثلاثة فوق التابوت ومازالت علامات التنافر بادية عليهم بينما تقف الفتاة في عمق منصة المسرح وعيناها تجولان في المكان في محاولة للتعرف إلى أسرار العالم المعاصر وبعد فترة من هذا الجو السائد على المكان تبدأ عمليات المناقشة حول رفع هذا التابوت من مكانه وتنتحيه إلى مكان آخر حتى لا يعوق حركة البحث والتقصي عن اسرار الحياة السائدة في المكان.
وتنطلق عبارات التحاور بين الحاج والشاب في صراع محتدم:
  -لابد من نقله من جهة اليسار إلى جهة اليمين.
 -لا يجب نقله من جهة اليمين إلى جهة اليسار.
 -أنا مصر على نقله من جهة اليسار إلى جهة اليمين.
 -أنا أيضاً مصر على نقله من جهة اليمين  إلى جهة اليسار.
يحاول (الشيخ) أن يقرب وجهات النظر بينهما ولكن من دون جدوى فكل منهما مصر على رأيه ولا يقبل التنازل للآخر ويقف (الشيخ) في اتجاه الماهدين ويطلب منهما النظر إلى أن ما هو يمين بالنسبة إليهما هو يسار بالنسبة إلى المشاهدين ويقتنع الاثنان بوجهة النظر التي تحقق رغبة كل منهما من دون أي تنازل.
يقوم الثلاثة بنقل (التابوت) إلى إحدى الجهات وابقائه في مكانه ثم يعاودون رحلة البحث في فراغ الساحة وتعود المناقشات بينهما حول الاحتفالية الخاصة بالتابوت وتعود عمليات التضادي في رغبة كل منهما في إلقاء أغنية معينة وتبرز إلى أرض الواقع مدى الاختلاف في الآراء لمجرد الاختلاف وعدم القدرة على الاتفاق على رأي واحد بينما تصرخ (الفتاة) معلنة أنها لا تفهم شيئاً مما يدور.
تتطرق الاحداث الجدلية إلى خصائص الأشياء التي تمر في الحياة اليومية حيث تبرز أمنيات كل منهم في تصور للحياة التي يريدها وتلقى ظلالا حول العبث الذي يسود النظريات والعقائد والمعتقدات ومدى ما جنح إليه العقل من تصورات خيالية لا تمت للواقع بصلة كل هذا والفتاة مازالت على صراخها وقولها إنها لا تفهم شيئاً.
تتجه أنظار الرجلين (الحاج والشاب) إلى (الفتاة) وتلمع في الأعني رغبات الشهوة والرغبة في الاستحواذ عليها وتنتقل هذه المشاعر إلى قلبها وينتابها الرعب والفزع ونراها وهي تجري خلف اللوحة هرباً من تلك الرغبة الزائغة في أعين (الحاج) بينما نجد (الشاب) يصعد درجات ملتصقة بجانب اللوحة في محاولة لاعتلاء القمة الحاكمة على بنايات المدينة  الساكنة وكلما اقترب من الفتاة ناداها (اصعدي معي .. سوف تكونين في أمان معي) ولكنها مازالت على حذرها ومخاوفها وترفض الانصياع لرغبات كل منهما معلنة إنها لا تفهم شيئاً مما تسمع.
يخلع (الشيخ) عمامته ويبدو على حقيقته المغلفة وراء القناع الذي يرتديه وتنتابه أيضاً نفس الرغبة في الاستحواذ على الفتاة ويستمر الصراع بين الرجال الثلاثة وبين الفتاة التي تحاول أن تجد لها ملاذ يكفل لها الأمن من الأطماع البربرية.
ينشق التابوت وسط ذهول الأربعة الموجودين ويخرج منه جسد يتحرك في شكل الإسان الآلي وبعد فترة من الخوف الذي يعم المكان تتم عدة محاورات بين الموجودين وبين الميت الآلي يتضح منها عدم إمكانية التفاهم حيث فقد ذلك الميت كل أسباب ومسببات الحياة فهو بل عقل يفكر وليست لديه أي بادرة من بوادر الاحساس وكأنه قد تحول من حالة الحياة الحقيقية إلي حالة الحياة الإكلينيكية حيث يتحرك آلياً بطريقة البرمجة.
يتراجع الأفراد الأربعة بنفس إيقاع الظهور إلى اللوحة وتبدأ عمليات الاختفاء التدريجية والتي تعيدهم إلى الحالة الأولى التي ظهروا عليها مع رفضهم لهذا  الواقع المشين وتوعدهم بضرورة العودة مرة أخرى وهم أقوى على السيطرة الكاملة على هذا الواقع وتغييره وإعادة الصورة الجميلة للإنان الذي يحيا بالصورة اللائقة المحملة بالاحساس والشعور بالذات والقيم والعادات والبعد عن كل المساوئ التي فرضها متغير القوة الواحدة في هذا العصر بحيث حكم على الإنسن أن يكون الميت الحي.
التأليف
كاتب النص هو الفنان "محمد العلاقي" رئيس قسم الدراما بمعهد جمال الدين الميلادي ، وهذه هي التجربة الأولى في مجال التأليف المسرحي ، ولعل ثقافته وأفكاره في الحياة ،ورحلة معاناته الذاتية ، وتفاعله مع واقع مجتمعه ، وما يدور فيه من متغيرات مفروضة جعلته يحدد الهدف الأساس لموضوع مسرحيته ، فاختار الإنسان كقيمة اصطفاها الخالق وأولاها الخلافة في الأرض وفضلها على سائر المخلوقات ، حيث خصه بالعقل والتفكير والاحساس ،وحاول أن يجعل منه العمود الفقري لرؤيته المسرحية .
كان تصوره لحقبة الماضي ،وما تحمله من قيم واخلاقيات ، في منتهي الذكاء والتصوير المسرحي المحنك ، حيث جعله باديا وكأنه صورة رسمها رسام وأبرز فيها جماليات ذلك الزمن ، وصدّر فيه وجه "الفتاة" الدالة كرمز على الوطن ، وهي ذات عينين واسعتين جامدتين ، تبحثان عن ذلك العالم الحالي المجهول ، المليء بكل التناقضات ، كما أوجد الخلفية الدالة على البنايات المحتفظة بجمالياتها ، ولكن في جمود باعث على الأسى لما هو دائر حاليا من تشويه لكل ماهو جميل .
عندما دبت الحياة في احداث القادمين من الماضي ،ولدى انصهارهم مع الواقع الحالي ، تغلغلت في نفوسهم المتناقضات والمشاحنات ، نتيجة للخلاف والشقاق الذي أكدته القوة لواحدة ، وأصرت على بذره في النفوس ، حتى تحقق مبدأ " فرق تسد" .. وبهذا التصوير يدق الكاتب ناقوس الخطر ، ويطلق إشارات التحذير مبينا مغبة هذا الاختلاف والوقوع في منزلق " الاتفاق على عدم الاتفاق".
أوضح الكاتب في أسلوب رمزي واضح وغير مبهم مدى سيطرة الأهواء الشخصية ، والرغبات الذاتية والاطماع الأنانية ، التي تسود المجتمع ، حيث يحاول كل فرد ان يحقق مصالحه الشخصية من دون الالتفات إلى المجتمع وصالحه كوحدة متكاملة ،وذلك من خلال مشاهد مجادلات السيطرة على " الفتاة"، باعتبارها رمزاً "للوطن" كما كشف المستور خلف الأقنعة التي يرتديها الأفراد لإخفاء تلك المطامع والأهواء.
وصلت ذروة الحبكة الدرامية ، وتحقيق الهدف المنشود ، من خلال تجسيد شخصية الجسد الخارج من التابوت ،والذي يتحرك آليا ،وهو بذلك يقرر حقيقة ربما غفلت عن الكثير ،والتي توضح مدى ماوصل إليه الإنسان في الوقت المعاصر ، خصوصاً في دول العالم الثالث ، من فقدانه للإحساس والتفهم لما يدور حوله ،وضعفه وخنوعه أمام تلك القوى المسيطرة ،وتفككه كإنسان يحمل قيماً وأخلاقيات ، كما يترحم على الصورة التي كانت عليها البشرية في الزمن الماضي ويطلق شعارا هاما بأن الإنسان إذا ما فقد جذوره وانتماءه لقيمه وعاداته وتقاليده فانه من دون شك "الميت الحي".
الصورة التي جاءت عليها الصياغة المسرحية ، من حيث الاعتماد على الحركة والانفعالات للشخوص ،وقلة الحوار اللفظي  ، تدل دلالة كافية على تمكن المؤلف من أدوات اللعبة المسرحية بكل أبعادها ، ومعرفته الجيدة لإطلاق الفنان لفكرته للتجسد على منصة العرض ، وهو باستخدامه للمزج بين الرمز والواقع يؤكد نضجه الفني وقدرته العالية كمؤلف مسرحي على مستوى عال من الكفاءة .
الممثلون 
عبد الله الأزهري "الشيخ " ممثل خفيف الظل ، له حضور مسرحي متوهج تفهم أبعاد الشخصية بكل متناقضاتها ، وبرع في إبراز كل جوانبها ، واستطاع ان يجسد الانفعالات الداخلية بشكل  ساخر وأسلوب سلس أوصله لقلوب المشاهدين .
محمد عثمان " الشاب" وجه معبر  قادر على إبراز الايماءات الموحية بمدلول الموقف ، متمكن من التلاعب الصوتى تفوق على نفسه في المحاورات المتناقضة مع "الحاج"  وأكد ذاته كممثل واعد في حواره مع "الفتاة " عندما كان يحاول بث الأمان لديها ،وهو مكسب حقيقي للمسرح الليبي .
عائشة عثمان "الفتاة" على الرغم من صغر المساحة الممنوحة لها ، إلا أنها استطاعت بكفاءة تجسيد الشخصية من خلال نظرات عينيها الزائغة ، وحركات أطرافها الواعية بكل الانفعالات التي أرادها مؤلف النص ، وتبشر بكل الخير  كممثلة مثقفة مدركة لكل أدوات الفن المسرحي.
عبد الحميد التائب "الحاج" ممثل متمرس ، راسخ القدم ، قادر على التحكم في مخارج الألفاظ ، والتدرج في درجات التعبير الصوتي ، أبرز شخصية الطامع الانتهازي بشكل متميز  استحق التقدير والإشادة .
محمد العجيلي "الميت" على الرغم من صعوبة الدور ، والاعتماد على التعبير الحركي فقط ، إلا أنه انتزع إعجاب المشاهدين وتصفيقهم أكثر من مرة ، وأثبت انه ممثل إيمائي من الطراز الأول .
الإخراج 
تعامل الفنان " محمد العلاقي" مع النص من خلال مخزونه الأكاديمي ودراساته المتعددة وأستاذيته بمعهد جمال الدين ، وحدد أسلوبه الإخراجي من خلال عملية المزج بين الرمزية والواقع ،وروح الكباريه السياسي.. ولعل نجاحه في ذلك يرجع الى كونه المخرج الأصلي على الورق ، الذي ألفه وحرك شخوصه قبل ان تتم عملية التشخيص ،وبذلك جاءت قدرته القائمة في إحكام قبضته على حركة الممثلين ، وإبرازه للكادر المسرحي بكل جمالياته ..من حيث التلاحم بين الديكور والأشخاص والتغليف الموسيقي ، كما استخدم الإضاءة استخداما علميا ، بحيث أصبحت شخصا حياً يتحرك ويتفاعل مع الممثلين ،وليس هناك شك في انه ضرب مثلاً أمام كوكبة المخرجين من جميع أنحاء العالم في أيام قرطاج  على كفاءة ومقدرة المخرج الليبي العالمية .
ويجدر التنويه إلى أن عرض "الميت الحي" يعتبر نموذجاً مشرفا لمدى ما وصل إليه فن المسرح الليبي ، الذي فرض نفسه على ساحة المهرجان الدولية . 





أضواء على " المهرجان الوطني الرابع للفنون المسرحية"
متابعة / اسرة التحرير مجلة المسرح والخيالة عدد " 4" 

تمثل المهرجانات المسرحية ظاهرة ذات مدلول حضاري ، فهي من جهة منارة تضئ ابداعات الفنانين وتبرز نتاجهم وتفسح لها مجالات التألق ، وهي من جهة ثانية لقاء للتعارف والمنافسة الشريفة من أجل الارتفاع بمؤشرات العطاء إلى مستوى أكثر نضجاً وتطوراً ، وهي من جهة ثالثة لقاء تقابلي مكثف مع الجمهور الذي يتوجه المبدعون والفنانون إليه بخطابهم ونتاجهم وعصارة أفكارهم باعتباره- أي الجمهور - هو الهدف وهو الغاية وبالتالي هو الحكم على هذه الابداعات  والعطاءات ولذلك تكون أهمية المهرجانات كبيرة ومسألة تنظيمها أمراً مطلوباً لضمان اسهام كل المبدعين من خلالها ومشاركتهم ضمن فعالياتها .
وإذا كان المسرح أحد الفنون المهمة التي تستوعب جملة من المهرجانات الموسمية والسنوية فهو بالتالي مرآة اجتماعية عاكسة تنقل شرائح المجتمع إلى ركحه باشكالياتها وسلوكها ... بعاداتها وتقاليدها ، وآلامها ، ومن هذه المنطلقات تتحقق قيمة هذا المرفق ويتأكد دوره الفاعل في المجتمع .
ونحن في «الجماهيرية» لم نعرف المهرجانات المسرحية إلا في زمن الثورة فقبلها لم يتم أي مهرجان مسرحي ولو على صعيد ضيق ولكننا لم نحافظ على تواصل المهرجانات ولم نثبتها ضمن مقياس زمني ثابت فمتى تهيأت الظروف أقمنا مهرجاناً ثم نتوقف إلى أن تتهيأ ظروف أخرى نقيم عبرها مهرجاناً آخر ... فمنذ قيام الثورة وحتى الآن أقمنا عدداً من المهرجانات المسرحية، ولكن عبر فترات زمنية متباعدة «ضمن مهرجان النهر الصناعي العظيم».
وهذا التباعد في زمن انعقاد المهرجانات المسرحية سجل دون شك تأثيراً سلبياً على جدوى هذه المهرجانات المنتظمة تعاني من التعثر ، ولو تواصل عقد المهرجانات ضمن برمجة ثابتة لاستفدنا كثيراً في هذا الاتجاه على صعيد تطور النص المسرحي وعلى صعيد تطور الشكل المسرحي بما يحتويه من عناصر  وأجهزة أداء ، ولأتحنا الفرصة للعديد من المواهب الجديدة الواعدة التي عادة ما تفرزها مثل هذه المهرجانات ولاستطعنا أن ندرب جمهوراً يهوي المسرح ويرتبط بعروضه ويحقق حضوره الدائم للمسرح.
وعموما نأمل أن يكون انعقاد «المهرجان الوطني الرابع للفنون المسرحية» الذي أقيم في أواخر العام الماضي على نقطة انطلاق جديدة على طريق تثبيت مهرجانات مسرحية تقام في إطار مواسم أو مهرجانات سنوية أو على الأقل مرة كل سنتين حتى نضمن أمكانية  تطوير مسرحنا شكلًا ومضموناً ونكون بذلك كفاءات جيدة تسهم بدورها في استنبات مسرح نظيف وملتزم على مساحة جماهيريتنا وحتى نتيح الفرصة لهذا المرفق أن يلعب دوره التحريضي والتوجيهي والتثقيفي المنوط به .
ولعلنا نسلط الضوء على «المهرجان الوطني الرابع للفنون المسرحية» الذي انطلق في السادس عشر من شهر الحرث الماضي بمدينة «طرابلس» ليحقق مشاركة ثماني عشرة فرقة مسرحية من مختلف بلديات «الجماهيرية» وهي المرة الأولى في تاريخ المهرجانات المسرحية بالجماهيرية التي يلتقى فيها هذا الحشد الكبير من الفنانين المسرحيين ضمن مهرجان للمسرح وربما الجديد أيضا مشاركة فرق مسرحية من مناطق بعيدة لم يكن يخطر ببال أن تنشأ بها فرق للمسرح.
وكان المهرجان فرصة طيبة للقاء والعطاء والتنافس الشريف الذي يستهدف ابراز صورة المسرح في «الجماهيرية» من خلال اسهام المبدعين والفنانين المسرحيين وابتكاراتهم.
وفي هذا الإطار النبيل شاركت الفرق المسرحية التالية وحسب ما ثبت في جدول عروض المهرجان .
- المسرح الوطني طرابلس مسرحية «باب الفتوح» تأليف محمود دياب إخراج فتحي كحول.
- المسرح العربي بنغازي مسرحية «بيت الأحلام» تأليف خوزيه تريان إخراج محمد ابوشعالة.
- مسرح الهواري الكفرة مسرحية «أعقل مجنون» تأليف وإخراج ادريس حسين.
- فرقة الجيل الصاعد طرابلس مسرحية «المفتاح» تأليف عبدالحميد المجراب اخراج عبدالله الزروق.
- مسرح المدينة المرج «الخروج من دائرة الصمت» تأليف رضوان حداد إخراج عبدالعزيز ونيس.
- فرقة الفن المسرحي طبرق مسرحية «أضحكي يا مرومة» تأليف عبدالكريم عبدالهادي إخراج حسن السوسي.
- فرقة النهر الصناعي بنغازي مسرحية «الزلزال» تأليف عبدالباسط عبدالصمد إخراج محمد الصادق .
- فرقة الشعب للفن المسرحي مصراته مسرحية  «أقوى من المستحيل» تأليف وأخراج إبراهيم الكميلي .
- فرقة الشباب الثائر مصراته مسرحية «بائع الدبس الفقير» تأليف سعدالله ونوس إخراج عبدالحميد جبريل .
- الفرقة القومية للتمثيل طرابلس مسرحية «الواحة والجوع» تأليف عبدالله القويري إخراج فرج ابوفاخرة.
- المسرح الوطني سبها مسرحية «خيوط الشمس» تأليف حمادي المدربي إخراج محمد عبدالقادر.
- المسرح الشعبي بنغازي مسرحية «الناس لبعضها» تأليف فرج المذبل إخراج صلاح المصري.
- فرقة المسرح الجماهيري مصراته مسرحية «ثقوب في الليل» تأليف مصطفي الحلاح إخراج  سعيد محمد.
- فرقة المسرح الحديث البيضاء مسرحية "العقرب والميزان" تأليف المسكيني الصغير اخراج عزالدين المهدي .
 - فرقة الزاوية للمسرح مسرحية «ألف باء» تأليف ساسي مسعود اخراج عبدالله القموي .
- فرقة المسرح الجامعي طرابلس مسرحية «مأساة الطيب» تأليف واخراج ابوالقاسم التايب.
- فرقة الممثل الواحد المغرب مسرحية «سرحان المنسي» تأليف وأخراج عبدالحق الزروالي.
وبعد تواصل للعروض دام من السادس عشر إلى الثلاثين من شهر الحرث ووسط جو من المودة والمناقشة الواعية اعلنت لجنة التقويم في اختتام المهرجان نتائج تقويمها وذلك على النحو التالي :
# النص المسرحي المؤلف:
- الجائزة الأولى : الكاتب «عبداالباسط عبدالصمد» عن مسرحية «الزلزال» التي قدمتها «فرقة النهر الصناعي» - بنعازي.
- الجائزة الثانية : الأديب «عبدالله القويري» عن مسرحية  «الواحة والجوع» التي قدمتها «الفرقة القومية للتمثيل» - طرابلس.
# الإخراج المسرحي:
الجائزة الأولى: المخرج «محمد ابوشعالة» عن مسرحية «بين الأحلام» التي قدمتها «فرقة المسرح العربي» بنغازي.
الجائزة الثانية : المهج «محمد الصادق» عن مسرحية «الزلزال» التي قدمتها «فرقة المسرح العربي» - بنغازي
# التمثيل :
الجائزة الأولى : الفنان «علي رشدان» عن أدائه لدور «خضور» في مسرحية «بائع الدبس الفقير» التي قدمتها «فرقة الشباب الثائر» - مصراته.
الفنانة «حميدة الخوجة» عن ادائها لدور «المرأة العجوز» في مسرحية  «الواحة والجوع» التي قدمتها «الفرقة القومية للتمثيل»  - طربلس.
# الجائزة الثانية : الفنان «محمد شعبان» عن تصميم مناظر مسرحية «الواحة والجوع» التي قدمتها  «الفرقة القومية للتمثيل»  - طربلس. 
الإضاءة المسرحية:
- الجائزة الأولى : الفنان «إبراهيم المزوغي» عن تصميم إضاءة مسرحية «الواحة والجوع» التي قدمتها  «الفرقة القومية للتمثيل»  - طربلس.
# الملابس المسرحية :
- الجائزة الأولى : الفنان «علي يوسف» عن تصميم ملابس مسرحية «بائع الدبس الفقير» التي قدمتها «فرقة الشباب الثائر» - مصراته.
# التنكر: 
- الجائزة الأولى : الفنان «فوزي الداكشي» عن مسرحية «العقرب والميزان» التي قدمتها «فرقة المسرح الحديث» - البيضاء .
# التأليف الموسيقي:
- الجائزة الأولى : الفنان «إبراهيم  أشرف» عن تأليفه لموسيقا مسرحية «الناس لبعضها» التي قدمتها «فرقة المسرح الشعبي» - بنغازي.
# العرض المتكامل:
- مسرحية «باب الفتوح» تأليف «محمود دياب» وإخراج «فتحي كحلول» التي  قدمتها «فرقة المسرح الوطني» - طرابلس .
ولعل من فعاليات  «المهرجان الوطني الرابع للفنون المسرحية» إقامة مجموعة من الندوات المسرحية التي اقيمت لمناقشة كل العروض المسرحية مما أثرى المهرجان بعدد من الآراء الجيدة والمهمة التي تفيد الحركة المسرحية وتساعد على تطويرها وتعطى مزيداً من التوضحيات والاضافات للفنانين المشاركين في المهرجان وإضافة إلى الندوات القى الأستاذ «البوصيري عبدالله» وهو أحد المهتمين بمجال الدراسة والبحث المسرحي محاضرة تتبع فيها المراحل التي مر بها النص المسرحي على مدى ما يقرب من ثلاثين سنة تنتهي بعام ١٩٦٩ عام قيام الثورة وكان لهذه المحاضرة أهميتها في تفجير نقاش موضوعي ومفيد بين الحضور .
وفي ختام المهرجان صدر مجموعة من التوصيات والملاحظات أبدتها لجنة التقويم مستخلصة  إياها من عروض المهرجان :
- وجود  تباين نسبي وملحوظ من حيث الجودة والاتقان بين عرض وآخر.
- تعاني بعض النصوص من ضعف واضح في البناء الدرامي .
- تبدو الحاجة ملحة للنص المسرحي المؤلف والمعد من قبل الكتاب الليبيين حيث لوحظ أن أكثر الأعمال التي قدمت في المهرجان ليست لكتاب ليبيين .
-حضور المرأة كان واضحاً في هذا المهرجان وهو ما سجل دفعة ايجابية لصالح الحركة المسرحية وبشر المهرجان بمواهب واعدة في مجال التمثيل .
- سجل عدم الاهتمام الواضح باللغة العربية  من قبل عدد من الفرق فقد امتلأت اعمال كثيرة بالأخطاء النحوية الواضحة.
- لوحظ ظهور  عدد من الممثلين والممثلات دون سابق تدريب كاف مما أربك بعض العروض.
برزت خلال المهرجان مجموعة من المواهب الواعدة والمبشرة بخير في مجالات المسرح المختلفة تحتاج إلى التشجيع والرعاية.
لقد كان «المهرجان الوطني الرابع للفنون المسرحية» خطوة إيجابية رغم ما فيها من بعض السلبيات ونأمل أن يكون بالتالي نقطة انطلاق حقيقية لمهرجانات قادمة  تكون أكثر نضجاً من هذا المهرجان بتجاوزها لكل الأخطاء التي وقع فيها هذا المهرجان وأن كانت صغيرة.












مسرحية جالو 
بقلم / أبوالقاسم فرنانة 
مسرحية ( جالو ) تأليف منصور أبوشناف 
إخراج : محمد العلاقي 
المسرحية مطبوعة بالحاسوب وعدد صفحاتها (٢٥) صفحة من حجم ( A-4 ) وشخصياتها / السلطان ، السلطانة ، الجارية ، قائد الجند ، الشيخ ، العميان ، الدليل المنادي ، الرجل المحذر ، الزوجة ، ومجاميع الأهالي .
زمن العرض : ( 75 دقيقة ) 
وقد عرضت عام 1998 على مسرح الكشاف 
حكاية النص :
حكاية لمدينة تتحول إلى صحراء بعد أن تصاب بالتصحر ، بسبب الإهمال ومحاربة الطبيعة ، تمثل ذلك في اقتلاع أشجارها وإزالة غطائها النباتي ، والسلطان الغارق في ملذاته وعبثه ولهوه حيث أصبح ألعوبة في يد الطامعين والمستفيدين من هذه الحالة التي وصلت إليها البلاد ، فالشيخ الذي لم يعرف من أي مكان قادم استطاع بأساليبه المشبوهة المتمثلة في استعماله لعدد من الحيل فتارة بدهائه وأخرى بشعوذته ، إلى أن ينتزع ثقة السلطان الذي أطلق يده في البلاد فعاث فيها فساداً دمر أرضها وسجن وقتل الشرفاء من أهل البلاد ، فبعد أن جرد الأرض من غطائها النباتي ، تعرضت للعواصف الرملية ، فزحفت عليها الرمال من كل اتجاه حتى أصيبت بالتصحر ، فتركها سكانها ورحلوا عنها مهاجرين طلباً للنجاة ، وبهذه النهاية المأساوية تبدأ قصة ( جالو (.
حكاية العرض :
يبدأ العرض بصياح وصوت أحد الشخصيات ، وهو يجري يميناً ويساراً في حالة هلع وخوف ، وبعده نرى شخصيات أخرى تتجمع حوله ، وهنا يتضح أن هذه الشخصية المذعورة هي شخصية السلطان وهو قائم مفزوعاً من نومه  بسبب كابوس كان يأتيه بين فترة وأخرى حيث كان يرى أن أشخاصاً يحاولون قتله ، فيتم  إعادة الملك إلى القصر محمولاً تصاحبه إيقاعات الدفوف والتي تؤكد أنه مصاب بشيء من الجنون فبعد أن يوضع كرسيه المستطيل تضاء الخلفية فتدخل الجارية التي تحكي له قصة من قصص ألف ليلة وليلة حتى ينام فتنسحب هي وتعود إلى مكانها  تطفأ الإضاءة على الستارة الخلفية فتضاء المقدمة حيث تدخل شخصيتان هما شخصية الزوج والزوجة يربطهما حبل ثم نشاهد دخول يمسك كل منهما بعصا يتلمسان بهما الطريق فيتضح أنهما أعميان يسيران في الطريق متجهان إلى المدينة إلى أن يخرجا من الخشبة ، ثم تطفأ إضاءة  المقدمة ، وتضاء الخلفية لنعود إلى السلطان والجارية التي تقوم بالرقص له وهو يغني من جديد وتضاء المقدمة تدخل شخصية الشيخ الذي يستعرض خشبة المسرح ثم يدخل عليه أحد الأهالي يطالب الناس بحماية الأرض وهنا تبدأ الأحداث تأخذ شكل الصراع بين الخير والشر ، وتستمر الأحداث وتبدأ في التصاعد حتى تصل نهايتها بتعرض البلاد للتصحر ، وهجرة السكان ويختار المخرج النهاية بأن وضع نخلة متكاملة الشكل وبجوارها نخلة منزوعة الرأس ، والرجل متكور تحتها تحاصرهم دائرة الإضاءة في وسط خواء مظلم في الفضاء المسرحي .
التكوين التشكيلي للعرض 
تكوين المنظر 
اعتمد المخرج لإيصال رؤيته ومضمون النص حول التصحر على ترك الفضاء خالياً من المناظر إلا القليل منها وهذا يعبر عن دلالة واضحة لمسألة التصحر ، فيرى المخرج في فضاء المسرح المدينة بكاملها وحتى كرسي السلطان وضعه في فضاء خالٍ أيضاً من أي مناظر ، وهنا يؤكد مرة أخرى أن التصحر لا يمس المدينة فقط ، بل يصل أيضاً حتى لداخل القصر رغم ترف الحياة التي يعيشها السلطان ، هذا التكوين العام للخشبة لم يتناقض مطلقاً مع فكرة النص بل أكدها وباعتماده على الستائر الخلفية الشفافة التي تجرى فيها أحداث القصر أكدت أنه لا عازل بين الداخل والخارج أو بين القصر وما يعيشه بقية العامة كما أن تقسيم الخشبة بخطوط أفقية من خلال ستائر الخلفية وإيصالها بنقطة الوسط ثم المقدمة إلى أن تصل المتفرج دخل الذي أيضاً ، وعندما يختم المخرج تكوينه في نهاية العرض بمنظر لشجرة نخيل وهي تنمو بالتدريج حتى تحتل منتصف أعلى الفضاء المسرحي ، ليدل رغم هذه الحالة البائسة التي وصلت إليها المدينة وليبعث شيئاً من الأمل في المستقبل أنه رغم هذا التصحر قد تنمو شجرة .
تكوين السلطان والحاشية :
من خلال وجود الكرسي المستطيل يمكن أن نستدل على شخصية السلطان فهذا الكرسي الذي يستخدم مرة كرسي الحكم ومرة أخرى كسرير وذلك لبلورة فكرة مفادها يوضح أن السلطان قد اختلطت عليه الأمور ، ولا يفصل بين عمله كسلطان يرعى أمور الناس وشؤونهم ، وبين تصرفاته الشخصية التي تتمثل في لهوه وعبثه .
كما أن حركة السلطان وما يحدثه من تكوينات في أشكال خطوط متعرجة أو دائرية أو متقطعة من خلال قفزة تعطي دلالات ومعاني واضحة على اهتزاز هذه الشخصية وضعفها ، فمن خلال علاقتها ببقية الحاشية نكشف سذاجتها أيضاً ، ويؤكد المخرج في تكوينات متعددة فتارة يضعه ملقى على ظهره في وسط الكرسي وهو يحرك قدميه إلى الفضاء ، وكأنه طفل صغير يلهو في سريره ، وتارة  أخرى يجعله يجري على خشبة المسرح يميناً ويساراً وأخرى يرقص أمام الجارية ومن خلال التكوين الذي تنوع نلاحظ أنه جاء كاشفاً عن الحالة النفسية للسلطان باعتباره يمثل القوة إلا أنه مضطرب في حالات متعددة عبر عنها التكوين ، من خلال جعل حركة السلطان غير المتزنة لا تعبر  عن تناقض بين السلطان من جهة وما يمكن أن يؤول إليه الحال من جهة ثانية ، والحاشية المتكونة من قائد الحرس والسلطانة والطبيب تمثل كتلة متحركة تشكل تكويناتها وفق حركة السلطان وهذا يدل بلا شك على التعبدية وامتساخ الشخصيات في وجود السلطان ورغم أن هذه الشخصيات تستغل قربها من السلطان في تحقيق أغراضها الخاصة على المصلحة  العامة إلا أنها تنازلت عن وجودها وشخصيتها ، فتحولت وأصبحت بدون ملامح تميزها .
تكوين الزوج والزوجة 
يبدأ تكوين الزوج والزوجة بدخولهما من وسط يسار المسرح وهما مربوطان بحبل وهي دلالة أراد المخرج أن يشير بها إلى الرابطة الزوجية كل واحد منهما يجر الآخر وكل واحد لا خلاص له من الآخر ، هذا الشكل في التكوين الذي يعتبر دلالة ثابتة في العرض حيث أضحى الحبل وسيلة تعبير عن حالات الشد والتأزم ، واتضح ذلك عندما يكون الزوجان بحالة صدام يشد الحبل ذا اللون الأبيض ويكون بالخط المستقيم الذي يربط كل الكتلتين )الرجل والمرأة(   واتخذ الحبل خطاً مرناً منحنياً أو شبه دائري في حالة السكينة بين الزوجين وأحياناً يتغير التكوين بتغير أوضاع جسدي الممثلين ففي التكوين الذي يجلس فيه كلاهما تقف فيه المرأة فجأة ، وتتحرك بسرعة كبيرة بينما الرجل جالس في مكانه فيشكل تكوين للحبل بخط مائل الذي يبرز فيه علبة تكويناً المرأة ومن خلال الحبل عبر ترسيخ الخط المائل من الأعلى ممثلاًِ بالمرأة نزولاً إلى الرجل وهو تعبير صدامي عن خط الصراع بين الرجل والمرأة وغلبة أحدهما على الآخر علي الرغم من كونهما مربوطتان بحبل - وهو الرباط العائلي ، الذي أظهر أنه رباطاً لا يمكن فكه  أو التخلص منه وبذلك أثبت التكوين أن العلاقة الزوجية ثبت وإن كانت خياراً إرادياً فإنها اكتسبت في مدلولها إرادة قدرية وبالصدد نفسه قال المخرج عن فكرة استخدام الحبل ( إنها من تأثيرات مريحة وفي انتظار كودوت ، فهناك شخصية بوزودلاكي المربوطين بحبل .
تكوين الإضاءة 
يبدأ هذا التكوين بإضاءة خلفية الستارة الشفافة ببقعة إضاءة صفراء على كرسي السلطان تحاصر السلطان في دائرة كبيرة متشتتة أي غير واضحة المعالم دلالة على عدم وضوح شخصية السلطان وانحساره في شهواته الخاصة كما استعملت بقع الإضاءة في أكثر من تكويتن وأكثر من حدث وجاء لغرض حصر المشاهد وعزلها عن الفضاء العام . وأيضاً للدلالة على الخصوصية ، وجاء هذا في إضاءة الزوج وزوجته وهما يجلسان وسط يسار المسرح عندما كانا يتحدثان عن شؤون حياتهما الخاصة  ، كما استعملت أيضاً في المشهد الأخير عندما سلطت دائرة كبيرة من الإضاءة  في تكوين النخلة وكانت هذه دلالة على انحسار البقعة الخضراء بعد زحف التصحر ، وأعطت الإضاءة أيضاً أشكالاً جمالية في تكوينات الظلال من خلال استغلالها خلف الستارة الشفافة فكان استخدام الظلال لتكوينات الناس لتوجيه الانتباه للحركة والأشكال ولإمكانية تغيير الحجم من خلال قرب الممثل أو بعده من مصدر الضوء لهذا ظهرت الأشكال بتعبير درامي لوصف حركة الهجرة وتجلي المضمون من خلال طبيعة حركة خطوط الأجساد والتي تميزت بالتنوع والتشابك ، وكان ذلك لإعطاء مدلول عن طابع الحياة وتنوعها ، وحدتها وصرامتها ، فالحياة تتميز بالصلابة من خلال حركة الأيدي الباحثة عن الرزق ، إذا ما قورن هذا التكوين بالتكوين الذي سبقه ممثلاً بالسلطان ووجد الباحث  أن تناقض التكوينات إنما يأتي من خلال التناقض بين عالم السلطان وعالم الفقراء .
تكوين الألوان 
أما تكوين الألوان فتعدد استخدامها في اللون الأحمر الذي تمثل في أزياء السلطان وكرسي العرش والذي يعد رمز الهيمنة والتسلط والدموية والعنف ، أما الألوان التي استخدمها العامة كانت تتراوح بين اللون الأسود والرمادي ، والتي تعبر عن الحزن والأسى والقهر والحاجة كما تم الاعتماد على اللون الأصفر ، من خلال الإضاءة ، للتعبير عن الصحراء أو التصحر ، أما اللون الأخضر فلم يستعمل إلا في التكوين الأخير الذي تمثل في النخلة التي عبرت عن الأمل الجديد في الحياة.
تكويت التصحر 
حاول المخرج أن يخلق جواً درامياً من خلال العواصف التي جعلت الأشياء تتطاير في الفضاء مثل بعض الأشواك ، ووافق الصورة وميض للإضاءة وأصوات تدل على التفرع ، وزاد من ثقل الصورة وعمقها تدرج بعض الشخصيات تأكيداً على حالة التصحر.
تكوين النخلة 
اجتهد المخرج بإضفاء الأمل من بقعة ضوء تشكل دائرة تأخذ بالاتساع فتظهر نخلة تبدأ بالنمو ، حتى تأخذ حيزاً واضحاً وكاملاً ، وبجوارها جدع  نخلة مقطوعة الرأس .
إن تكوين النخلة هو صورة لمضمون عملية البناء التي يأمل المخرج إشاعتها مضموناً لعرضه ، وهذه الصورة البسيطة العميقة في التعبير عن حالة النمو والتطور وفرض الإنسان لإرادته على الرغم مما يحيط الطبيعة من تصحر أو فرض أو هيمنة وبهذا الصدد قال المخرج ( النخلة رمز للحياة وهي رمز الوجود ، والوجود هو الإنسان ) . إن انفتاح معنى الصورة الدرامية ، قد يتجاوز الدلالة المشار إليها ذلك لأن تثبيت معنى الصورة تعني تثبيتاً للعرض ذاته لهذا فإن صورة العرض في حركة النخلة من الأسفل إلى الأعلى وهذه الحركة للتكوين في فضاء المسرح منحت حيوية عالية للصورة ولمضمونها الذي سعى المخرج إلى إيصاله من أن الفكر البشري يتميز بالتدفق والحيوية ويقاوم حالات التيبس والجفاف مثلما يقاوم فكرة الموت والإنسان على قيد الحياة ، وأن العواصف لن تهز النمو وإن الانتهاك البشري مهما بلغ لن يقطع كل الآمال .
الهوامش : 
- مأخوذة عن قصة مراكب السلطان ، للكاتب الصادق النيهوم ، وهي مجموعة قصصية من قصص الأطفال منشورات دار الحقيقة بنغازي.
- محمد العلاقي ، مقابلة شخصية طرابلس 2005/2/22 ف 
- محمد العلاقي ، مقابلة شخصية 

 






  من مداخلات (المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية 
ملاحظات وتساؤلات حول النص المسرحي
بقلم / سعيد السراج
من خلال متابعتي لعروض المهرجان الوطني الخامس  للفنون المسرحية لاحظت وبوضوح كامل غياب النص المحلي ليس هذا تعصباً ولكنه أمر يدعو إلي وضع إشارة استفهام إن لم تعقبها إشارة تعجب إنها ملاحظة أولى..
أهو عدم وجود من يكتب؟ علماً بأن اسماء كثيرة سابقة ولاحقة وعلى مستويات متباينة كتبت وكتبت للمسرح.
هل إن ما كتب غير صالح للعرض  من الوجهة الفنية؟ وهنا يجب نقده قصد الرفع به.
أم أن ما تناوله التأليف  الليبي من موضوعات ليس هو المستهدف؟ وقفة جادة واضحة لنعيد القطار إلى مساره أو نعيد المسار الصحيح إلى القطار.
هذا إذا أردنا أن نخلق مؤلفاً مسرحياً محلياً ونأخذ بيد المتميزين والموهوبين وما لم نتح الظروف الملائمة لعمل هؤلاء وخلق الجو المساعد لإظهار مواهبهم وتنميتها وصقلها فستنطفئ شعلتهم ويجمد عطاؤهم حتماً.
ولذلك علينا أن لا نكتفي بالمسابقات والمهرجانات  والتظاهرات الموسيقية  ونركن إليها بل نتابع المتميزين نطالبهم ونشد أزرهم ويجب ألا نفهم من هذا أنه تعصب أو إقليمية فالموضوع أبعد عن ذلك بكثير وأرفع.
لا مانع من تقديم النص العربي أو العالمي على شرط أن تتناوله اليد الليبية بالتحوير والتهذيب إذا لزم الأمر ليتلاءم مع جمهورنا عامة وانتقاء النصوص التي تخدم هدفاً وتمتع جمهوراً.
إن التلييب والاقتباس مرحلة مرت بنا وأفادتنا ومازلنا في حاجة إليها  ولا تعيبنا وتنقص من قيمتنا فالمبادئ النبيلة والقيم والصور والنماذج الأنسانية موجودة في كل مكان تبقى مسألة اللغة أكثر العروض كانت بالفصحى ولا أعتراض على ذلك مادام الموضوع والخاصية تتطلب ذلك والأفضل في نظري ما يكون قريباً من الجماهير فلا فصحى قحطانية ولا عامية مبتذلة هابطة وربما كانت (فصعامية) أي بين بين كما يقولون.
الملاحظة الثانية:
من خلال العروض المقدمة أيضاً لوحظ على أكثرها اللون التجريدي أو الرمزي أو التجريبي وما إليه من المستحدثات الفنية وكأن المسرح الليبي والجمهور الليبي تجاوز الأعمال الطبيعية والواقعية ولم ينقصه غير هذه الألوان التي تحتاج إلى جمهور خاص وفهم خاص ومع احترامي الشديد وتقديري للجهود المبذولة ووجهات الرأي المخالفة فأني مازلت أرى أن القاعدة الأساسية الأولي في خلق مسرح (نصاً وعرضاً وجمهوراً) هي الواقعية والطبيعية  المنسابة مع الحياة المعاشة والمتفاعلة مع قاعدة المتفرجين العريضة.
إذاً علينا أن نفهم جيداً ماذا نريد أن نوصل عن طريق المسرح فالمسرح أداة، وأداة جيدة ولابد من أن نعرف من نخاطب أو من نريد أن نخاطب بعبارة أخرى حتى ننتقي الزاوية التي نريد طرح الموضوع من خلالها كما ننتقي أسلوب العرض ولغته لنكون مؤثرين.
وما لم نأخذ الموضوع بهذا الأسلوب فإننا لن نتقدم خطوة وسيبقى الوضع ارتجالاً وسطحية وسنخسر بقية القاعدة الجماهيرية وبعدها سينعت مسرحنا حتماً بـ(المسرح المطلق) حيث لا لون له ولا طعم ولا رائحة ويتيه بدون هوية.
أما المسرح الرمزي والتجريدي والتجريبي وما إليه فلا يجب أن يكون قاعدة انطلاقنا فهو مسرح النخبة وربما نخبة النخبة ويمكن عرضه استثناء ولفئة خاصة قصد الدراسة والاطلاع وربما الامتاع اللهم إلا إذا أردنا أن نخادع أنفسنا بحجة التطور.
الملاحظة الثالثة:
   مما قدم من عروض في المهرجان حتى الآن يلاحظ أن الموضوع الذي تناولته أكثر النصوص كان واحداً علماً بأن واقعنا الليبي مليء بالأحداث وهناك عشرات الموضوعات من صميم مجتمعنا سلوكاً وتراثاً وتطلعاً يمكن تناولها.
ومع ذلك فقد تم تناوله بأسلوب غير موضوعي وفاقد للصدق في أكثر الأعمال وأريد أن أطرح سؤالاً طالما طرحته على نفسي ولم أجد له جواباً بعد.
هل يشترط في من يؤلف للمسرح أن يكون مؤمناً بمضمون ما يقدم ويحسه ويعتقده ليتفاعل معه؟ أم أنه كأي صانع ماهر له القدرة على إرضاء من يصنع له بغض النظر عن ذوقه الخاص؟
أو كأي شاعر يصور لك لوعة الفراق وشوق اللقاء وعذاب العاشق والمعشوق وحزن المحروم وذل المحتاج كأبلغ  ما يكون التعبير وهو خلو من كل هذه الأحاسيس؟
 أو في صورة أخرى كالمحامي القدير الذي يمكنه الترافع عن خصمين أيهما أسبق إليه وحجة بالغة ومنطق مقنع.
هل يعيب الكاتب أن يكون كذلك؟ أينقص هذا التباين بين المعتقد والاحساس الخاص وبين ما يكتب، هل ينقص هذا من قيمة العمل الفني؟ أفيدونا يرحمكم الله.
  لقد عايشت المسرح الليبي فترة طويلة ثم غبت عنه بضع سنين فلما عاودني الحنين وتابعت عروض المهرجان تأكد لي أن المسرح رغم بعض الومضات الصادقة يحتاج فعلاً الدخول لحجرة الانعاش.
وإني أخيراً لأعتذر إن كنت صريحاً ومتطاولاً في ملاحظاتي ولا يشفع لي إلا حبي للمسرح وغيرتي عليه.
وعموماً فهي وجهة نظر قد تخطئ وقد تصيب.
أيا كان الحال:
فما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد






ملاحظات على هامش
المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية 1991 م 
بقلم/ سليمان سالم  كشلاف
المهرجانات والنشاطات الأدبية والفنية التي تتوفر فيها لقاءات على مستوى عدد كبير من الكتاب والأدباء والفنانين ، ظواهر نبيلة وطيبة ومطلوبة ، مطلوب حدثوها ، ومطلوب استمراريتها والمحافظة على بقائها خلال مواعيد معروفة ، يتهيأ لها الجميع ، ليقولوا قولهم ،، وليستمعوالما يقوله الاخرون ، مطلوب أن تصبح أشبه ما يكون بـ"مؤتمر عام" تختلف فيه وجهات النظر وتتعدد الآراء وتوضع الأعمال المقدمة تحت الأضواء وتناقش ، ترتفع أصوات وتنخفض أصوات ، تبرز وجوه وتختفي وجوه ، تنجح أعمال وتفشل أخرى لكن الحقيقة الثابتة لدي جميع المشاركين تكتسب عندهم معنى  واحداً هو : الاستمرار ، ثم الاستمرار ، ثم الاستمرار .
هذا المعنى للاستمرارية لابد أن يثبت ويثبت في أذهان المشاركين في الملتقيات الثقافية الأدبية ، لأن فيه معنى  التواصل ومعنى الاستفادة من هذا التراكم الكمى والكيفي في توليد نشاطات جديدة وفي مناقشة ما نقوم به وما يحدث ، وتجميع الدروس المستفادة من أي تجمع ثقافي حدث أو يحدث .
وفي سبيل تثبيت بعض تلك المعاني لابد لنا إثر كل جولة من جولات تلك اللقاءات أن نثير النقاش حول ما لدينا ، وما يجب أن يكون وبحيث يكون الملتقى القادم تثبيتاً لبعض لأفكار ونقاشًا لبعضها واستفادة من عرض وجهات النظر التي طرحت ، ومحاولة  لمعالجة أية أخطاء أو تقصير أو عدم فهم لما قدم في السابق .
على هذا الأساس ، وبعد أن انتهت فعاليات "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" يصح أن تقال الأفكار ، وأن التنبيه إلى بعض الأخطاء أو الثناء على ما بذل مجهوداً .
فمن الواضح أن هناك الكثير من الأخطاء ، لكن هناك الكثير من الحسنات اختصت بها فعاليات "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" وإذا كنت أتجاوز عن الأخطاء الإدارية التي حدثت لسبب أو لآخر ، والتي يبدو أن أهمها عدم الاقناع الكامل من الجهاز الإداري بجدوى المسرح أو إمكانية أن يساهم في توعية وتثقيف الجماهير  ، إلا أنني أدرك أن ذلك التقصير وتلك الأخطاء لن تستمر ، أو على الأقل أن ضررها لم يمتد بحجمه وتأثيره الحاليين إلى المستقبل .
لذلك أتجاوز تلك الأخطاء إلى التركيز على جملة مبادىء أقرّها "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" لعل أهمها أن لايشارك في الملتقيات المسرحية العربية والدولية إلا الفرق التي تشارك في الملتقيات المسرحية الوطنية ، إننا بذلك لانقطع الطريق فحسب على أعمال يتصور البعض أنها جديرة بالمشاركة الخارجية ودون إحساس من أصحابها بأنهم لايقدمون عملاً بأسمائهم بل يعرضون مستوى فنياً ذا صلة ببلادنا ، وبالتالي فإن الحكم من الاخرين لايكون على الفرقة المشاركة بمقدار ما ينعكس على الحركة الفنية عموماً في "ليبيا".
وقد حدث هذا ذات يوم ، عندما تعامل الإداريون مع هذه المسألة على أنها "غنيمة" تقسم بين كافة الفرق المسرحية وفقاً لمناطقها ، لكل دورة فيها ، بغض النظر عما إذا كان يستطيع القيام به أم لا ، وبالتالي فإن هذه الخطوة ستضع الفرقة والعمل الفني في محك تجربة محلية لإثبات جدارتها قبل أن تخطو خطوة متقدمة فتخوض مجال المنافسة أمام فرقٍ عربية وأجنبية لها تاريخها ولها تجربتها .
يكمل هذا المبدأ أن الفرق التي تشارك في المهرجاات المسرحية الوطنية لن تمثل "الجماهيرية" في المهرجانات العربية والدولية إلا إذا كانت إحدى ثلاث فرق تقدم عملاً من الأعمال الثلاثة المتميزة ، وهو يعني أننا نتقدم إلى تلك المشاركات بأفضل ما لدينا من أعمال في منافسة أعمال متميزة من الآخرين ، وبذلك يكون مجال الإبداع في الداخل لدى الفنانين والفرق من أجل تقديم الأفضل والمتميز على الآخرين بالعمل والجهد والرأى خطوة إلي التميز في المشاركات الخارجية ، وفرصة للاطلاع والاكتشاف والمعرفة لدي الفنيين والفنانين وهم يمرون بتجارب الآخرين ، ليكون هناك مجال للمقارنة والتصحيح والاستفادة واكتساب التجارب من أفضل المستويات العربية والدولية الموجودة .
ومبدأ إتاحة الفرصة لجميع المخرجين الذين يشاركون بأعمالهم في "المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية" مستقبلاً في حضور الملتقيات الدولية يؤكد جوهر الاحتكاك والاستفادة ومعرفة  ما وصل إليه الآخرون وكيف  استطاعوا تحقيقه إننا بحضور المخرج - الذي هو رأس العمل الفني - لتلك العروض نضمن أن يساعد مزيج الرؤية والاستفادة والاحتكاك والاطلاع كثيراً على إنضاج الأفكار والخروج بتصورات ورؤى ربما كان البحث عنها مستمراً في ذهنه ، لتتبلور أكثر في المناقشات والندوات التي تقام حول العروض المسرحية المقدمة ، أو عن موضوعات محددة  ضمن فعاليات الملتقى تبحث شأناً من الشؤون المسرحية ، في محاولة للخروج بحل شارك فيه الجميع ويسعون للعمل من أجله .
إننا بحاجة تبدو ماسة لأن يخضع ممثلو المسرح إلى تدريب جسماني شاق لكي يكتسبوا نوعاً من اللياقة البدنية فما نلاحظه في كثير من العروض المسرحية أن الممثل أو الممثلة يظلان عاجزين عن أداء أبسط الحركات الجسدية دون أن يهتزا ويبذلا مجهوداً خارقاً لتحقيق ذلك ، يستوى في هذا الأمر من كان قوامه مثل عود الخيزران أو من استوى كرشه على شكل كرة كبيرة فالجسد عاجز ، والعجز لايصدر عن عدم إمكانية فعل ذلك بل يأتي من عدم الاستعداد لفعل ذلك .
ففي الوقت الذي يتخذ فيه التعبير الجسدي حيزاً كبيراً من مفهوم الأداء المسرحي ، يساهم مع الموسيقا والإضاءة وكافة المكملات في إعطاء النص قوته وحياته وحيويته ، نجد أن طريق التعبير بالجسد تأخذ مساحة كبيرة من العرض المسرحي ، وقد تكون ارتكازاً هاماً له ، ولعل ذلك بدأ واضحاً في عروض قدمت بالمهرجان الوطني الخامس مثل "السندباد" و "السيد جمجمة" و"تراجيديا السيف الخشبي" و "رحلة ابن دانيال" وذلك يبرز لنا أهمية هذا الأسلوب من التعبير الذي يتحول فيه الجسد الإنساني إلى معنى موظف في سياق العرض المسرحي.
ومن هنا تبدو ضرورة سد هذا النقص في مؤسساتنا التعليمية المتخصصة مثل "معهد جمال الدين الميلادي للموسيقا والمسرح" و "معهد علي الشعالية" ليخلق من اندماج الفن بالرياضة سبيلاً إلى تطوير الأداء المسرحي إغنائه بطاقة لم يحسن فنانونا استخدامها بعد وهي القدرة على التعبير الجسدي.
ومما يضيع الكثيرمن الجهد منذ لحظة رفع الستار ليبدأ العرض المسرحي عدم إمكان الاستماع إلى الممثلين خلال العرض لضياع الصوت داخل القاعة ، أما لعدم توفر السكون الكامل والانتباه داخل القاعة ، أو عدم توفر آلات نقل الصوت بطريقة يتمكن بها مشاهد في الصفوف الخلفية من القاعة من الاستماع والفهم ، إلى خفوت صوت الممثل أو الممثلة أصلاً وعدم تناسبه مع طبيعة الدور المؤدي.
وإذا كان في الإمكان التغلب على صعوبات وصول الصوت إلى المشاهد في الصفوف الخلفية نقياً فإن المسألة الأصعب في تصوري هي أن أول من يحتاج إلى الرعاية في هذه النقطة بالذات هو الممثل وإمكانياته الصوتية.
فالكثير من الممثلين والممثلات تموت أصواتهم قبل أن تتجاوز خشبة المسرح ، فلا الصوت مسموع ولا هو واضح ولا هو مفهوم.
ينطلق  الصوت مبحوحاً ، مخنوقاً متحشرجاً ، عاجزاً عن الاستمرار في أداء جملة طويلة النفس ، عاجزاً عن تقطيع الحوار ، عاجزاً عن نطق جملة صحيحة لغوياً دون لحن .
تموت الأصوات عند عتبات الصف الأول من المشاهدين ، ليصبح العرض المسرحي خليطاً من الإضاءة والمناظر والحركة والأزياء وتغيب عنه أهم شروطه وهو الحوار ، وما يخلق تمييزاً بين المسرح وصنوف أخرى من الفن هو  اعتماد البناء المسرحي على الحوار بدرجة أولى فالمسرح لغة حوار ، وعندما تغيب هذه اللغة ينهار البناء .
والبناء المسرحي يعتمد العنصر البشري أساساً والصوت أداة التعبير الرئيسية لتوصيل الكلمة فإذا ما غاب الصوت غابت العوامل الأخرى متسلسلة وضاع كل الجهد الذي بذل .
من ذلك يظهر الاحتياج لإخضاع الكثير من الممثلين والممثلات لتدريبات صوتية تربي في الممثل قدراته في السيطرة على صوته ، تدريبات تتيح  للصوت المشروخ إمكانية الوضوح ، وللصوت المتقطع إمكانية الاستمرار في الأداء بطلاقة وبدون تعثر ، وتدرب على الأذن على الاستماع السليم ، وتدرب اللسان على النطق السليم ، بحيث ينتبه الممثل إلى أي لحن في النطق باللغة العربية ، ويمكنه هذا التدريب من تقطيع الجمل في مواضعها السليمة ، والتوقف في الأماكن التي ينبغي أن يتوقف فيها ، فيتخلص بذلك من الوقفات الاعتباطية التي تفسد بدل أن تساهم في النجاح .
ولعل الظاهرة الملفتة للنظر حقاً خلال فترة المهرجان كثرة الأخطاء في نطق اللغة العربية الفصحي فيما عدا مسرحية "الحريق" التي كانت عرضاً لمسرح "الممثل الواحد" التي قدمت باللهجة العامية ، وقدمت بقية العروض "١٠ مسرحيات" باللغة الفصحى ، وذلك جميل وطيب ، لكن معنى ذلك ايضا أن هناك إجادة في استخدام اللغة الفصحي وقد كشفت العروض الضعف اللغوي لكثير من الممثلين وذلك يرجع أساساً لغياب عادة القراءة واختفاء الأذن الموسيقية التي تتربى نتيجة ذلك وتستطيع تمييز الخطأ من الصواب في النطق ، ومعها يكون التدريب اللساني لتفادي أي لحن كلامي.
إن الأخطاء اللغوية على ألسنة الممثلين والممثلات كثيرة ، وهي تشرخ السمع عند حدوثها ، ولايمكن الخلاص منها إلا بعدم السماح بحدوثها منذ البداية ، إن الممثل لن يستطيع نطقاً سليماً لمخارج الحروف ونهايات الكلام ومواضع الوقوف إذا تعّود على الخطأ منذ البداية .
وفي جلسات القراءة الأولى متسع لترسيخ النطق اللغوي السليم وتقطيع الحوار والوقفات ، ذلك أن مخرج المسرحية يكتب السطور الأولى في صفحة بيضاء ، فإذا ما كتبها بطريقة خاطئة كان من الصعب بعد ذلك تصحيحها ، نتيجة التعود على ترديدها ، ولتعود اللسان على نطقها خطأ ، وما يتبع ذلك أن تصبح تدريبات الحركة تثبيتاً للخطأ إن وجد أو تثبيتاً للصواب في حال حدوثه .
فجلسات القراءة ليست لمجرد تصحيح الأخطاء الكتابية وتوزيع الأدوار وحفظ الحوار ودراسة الشخصيات ، إنها تثبيت الأساس هام في العمل المسرحي هو قواعد اللغة المكتوب بها والناطقة بها شخصيات النص المكتوب ، ومن شأن الإيقاع الصوتي اللغوي أن يختل إذا ما كانت اللغة ضعيفة ينطقها ممثلون وممثلات تعودوا على النطق الخطأ منذ البداية ،ولا أدري موقف المخرجين من ذلك ولامدى التفاتهم إلى هذه الناحية المهمة ، وأن كنا قد لمسنا ذلك من خلال العروض . لكنني أرى أن من العيب أن تكون هناك أخطاء في لغة نستعملها حديثاً واستماعاً وقراءة  وهي أساس من أسس قوميتنا ، بل إن خطابنا الديني متمثلاً في القرآن كمعجزة صنعتها اللغة  ومع ذلك فنحن لا ننطقها كما يجب عندما نستخدمها ومما لاحظته في ملتقيات سابقة لهذا المهرجان أن الاخطاء تتركز أكثر كلما كانت تجربتنا في استخدام اللغة الفصحى أكبر.
وبعد ذلك ..
وهل تتجمع كل الآراء وتلتقي كل الأفكار ليكون "المهرجان الوطني السادس للفنون المسرحية" أفضل مما سبقه ؟
هل نعالج أخطاءنا من خلال ما رأينا وسمعنا وقرأنا ؟
أرجو أن يحدث ذلك.







 





أيام طرابلس المسرحية ..... دورة الكاتب الليبي 
بقلم / نوري عبدالدايم

قبل ثلاثة أيام من تسيير الموازنة المالية وبعد ثلاث تأجيلات لإبتداء هذه الدورة ، حرص المسرحيون وبحسن نيتهم المعهودة على إنطلاق دورتهم التي تعنيهم وحدهم برعاية جمهورهم على إنطلاق دورتهم  المسرحية بقاعة مسرح الكشاف بطرابلس مصحوبين بثلاثة عشر عرضاً مسرحياً من 7 الى 20 _ 7 _ 2005 م . هنا لا أريد إقصاء مجهودات الفنان " عبدالله الزروق " كرئيس لهذه الدورة . والمخضرم " عمران المدنيني " مديراً لها والإدارة الشابة التي تتمثل في الفنان " سالم سلطان "  أمين اللجنة الشعبية للثقافة والأعلام لشعبية طرابلس الذين يوافقونني حجم المعاناة التي يعانيها قيام أية مناشط إبداعية  .
  المبدع الليبي بحاجة الى ملتقيات منتظمة ليحقق روح التواصل والتجديد والمثابرة مع إعطاء مساحة أرحب _ مادياً وزمنياً _ للتجهيز لأعمالهم بشكل اكثر تأني وتروي لإطلاق هذه الأعمال .
 أستطيع تقسيم أعمال هذه الدورة الى قسمين أساسيين قسم منها أختار المسرح الأجتماعي الواقعي  بمرجعية المسرح التجاري المصري .  كان من الأجدى الرجوع لأعمال الستينيات والسبعينيات  من القرن المنصرم التي يشكل مسرح  " شرف الدين / الأمير "  أكثر حضوراً لمثل هذه الأعمال ... ولا ننسى " سعيد السراج وسليمان المبروك "  . ومسرح الكاتب " فرج قناو / بإخراج عبدالله  الزروق و محمد القمودي " والشواهد كثيرة . المؤلم بأن هذه  العروض التي شاهدناها _ أقصد الأجتماعية _  بأنها بدت على صعيد التقنية وعلى صعيد الفكرة والأخراج اقل مستوى من تلك الأعمال التي عرضت منذ أكثر من نصف قرن على مسارحنا المحلية ... هذا الأمر يشعرك بالخيبة لما آل إليه مسرحنا المعاصر ونحن و بعد سنوات قليلة على أبواب الأحتفال بمئوية المسرح الليبي .
القسم الثاني تبناه  خريجي المعاهد و الأكادميات المسرحية أي الأجيال الشابة التي تحاول البحث على موقع في الساحة المسرحية الليبية .... يكتنف  عروض هذه الأعمال الغموض . التي مردها مرجعية غير معروفة ربما " الفيديو كليب " لأعمال موسيقية غريبة او ربما أعمال المخرج المرئي السوري " نجدت أنزور " كمسلسل  " الكواسر "  فالقاسم المشترك بين هذه الأعمال " الأكروبات " والحركات الأستعراضية وبدون هدف . فالحركة تجنح الى حركات " السيرك " الأمر الذي أبعدته كثيراً عن روح المسرح ورائحته . فالذائقة المستلبة أبعدتهم على الموروث الثقافي المحلي " موسيقى ومعمار وفنون وأداب .... الخ " الجانب الأيجابي لهؤلاء الواعدين بأنهم يمتلكون الحرفية المسرحية فهؤلاء المخرجون متمكنون الى حد بعيد من أدواتهم المسرحية ف " الفن فكر وصنعة " كما يقول " أميل زولا " والمبدع من أولوياته توصيل فكرته الذهنية أو الجمالية  للمتلقي وهذ شرط مهم من شروط الأبداع التي لم يستطع المخرج البولوني  " جيرزي  جروتفسكي "  إلغائه في تجاربه المسرحية وإن كان الحضور نوعياً ومتخصصاً  الذي يتمثل في عشرات المهتمين فقط .... ونحن في أنتظار أعمالهم القادمة التي نرجو أن تكون أكثر مقاربة للتواصل مع المتلقي وأكثر مقاربة من روح المسرح .
يضل عندنا عملين خارج هذين القسمين عمل " عبدالله الزروق " الميراث " وعمل "شهرزاد تنهض من نومها " لمحمد العلاقي "  اللذان خرجا من مفهوم الغموض والمرجعية المستلبة بإعتمادهما على خبرتهما المسرحية لولا أن العملين خرجا للنور دونما أكتمال نضجهما . كان بأمكان أنقاذ عمل " العلاقي " من خلال أستبدال شخصيتي العمل النسائية الرئيسة لتجسد بذلك الممثلة " تركية فتحي " دور " شهرزاد"  بديلاً عن الممثلة " سالمة المرغني " التي قادت العمل نحو الهبوط الأيقاعي مع التقليل من الأغاني والرقصات  التي أخذت مساحة جعلها تضربسياق وترابط العمل  . كما  لم تستثمر إمكانيات  " عبدالله الشاوش "  في هذا العمل .  يظل عمل أخير أريد التنويه عليه وهو بدايات لكل من المخرج "  محمد المسماري "  كأول محاولة منه لإخراج  عمل مسرحي و " القذافي الفاخري " كأول محاولة له في التأليف  المسرحي وهو عمل  " الوسواس " فهذا العرض يتفق مع القسم الأول في إكتنافه للغموض وإبعاد المتلقي عن التواصل خاصة  عندما أستغرق النص في نصوص من " علم المنطق السلفي " فالمسرح لا يعتمد الشرح بكثرة الحوار  فقط وإنما يعتمد بالأساس  الحدث والفعل المسرحي . ربما سيكون العمل أكثر حضوراً لو أعتمدت العامية الليبية لغة لحواره . لم يحتوي العرض على عمق في المضمون وخاصة في قراءته للشخصيات وأسلوب التنكر الذي اتبع في تقديم هذه الشخوص .... يحسب للمسماري والفاخري هذه التجربة التي تعتبر بداية ليست بالسيئة عندما نراها كتجربة أولى .
في مجمل عروض الأيام المسرحية  لم نشاهد اي عمل من أعمالها تكاملت فيه شروط العمل المسرحي المتقن  الذي من أهم شروطه المتعة ..... يحسب لهذه الدورة كم ليس باليسير من الأجيال الشابة الواعدة من مخرجين وممثلين صحبة جمهورهم _ وهو الأهم _  الممتتبع لهم الذي يعتبر مكسباً حقيقياً لإثراء الحركة المسرحية الليبية كما قدمت لنا الدورة ثلاث أصوات نسائية قمن بكتابة ثلاثة أعمال وهن "  فيروز عون " في قدمت مسرحية " شهرزاد تنهض من نومها " من إخراج " العلاقي " و" كريمة الترهوني " التي قدمت مسرحية " الأختناق " من إخراج  " علي سعيد " التي قدمت فيه " أمال بوشناق "  دوراً متميزاً يحسب لرصيدها كان بإمكان المخرج الأهتمام بالممثل " وليد بلعيد " الذي كان غائباً طيلة العرض أمام الممثلة المقابلة له . وأخيراً " نور " التي قدمت نص  " المتاهة " من إخراج " نادر اللولبي "  . 
على هامش الدورة 
  * أقيمت عروض مرئية لبعض من الأعمال المسرحية في ساحة الكشاف لا أنسى تواجد المقهى المتحرك الصيفي " كرافان "  أسبغ على الدورة نوعاً من البهجة والحيوية .
 كما أقيما  معرضان للتصويرالثابت " لغة المحاكاة " لأحمد الترهوني . وذاكرة الخشبة " لصبرية الجرساني .  و معرضاً للكتاب المسرحي . ومعرضين للرسم الساخر للفنانين " عوض القماطي ، وجمال الترهوني " كما صاحبتها العديد من البرامج المسموعة منها برنامج لإذاعة طرابلس المحلية تقديم " عبدالباسط باقندة " ومساء الفن تقديم " أنور البلعزي " والبرنامج المرئي  " أضواء حول أيام طرابلس المسرحية "  تقديم " فوزي المصباحي " وبرنامج "  ليلة " تقديم " خدوجة صبري " مع تغطية مستمرة من كل الصحف المحلية إضافة الى صحيفة العرب " اللندنية " .
كرم العديد من المبدعين الرواد والكتاب المسرحيين المعاصرين :-
الفنان / أحمد البيزنطي . الفنان / الهادي المشيرقي . الفنان / المرحوم / سعيد السراج . الفنان المرحوم / سالم بوخشيم . الفنان / مصطفى الأمير . الفنان المرحوم / الهادي راشد . الفنان / عبدالحميد المجراب . الفنان المرحوم / سليمان 
المبروك . الفنان / عبدالحميد بيزان . الفنان / محمد عبدو الفوراوي . الكاتب الأديب / عبدالله القويري .
الفنان الكاتب / الأزهر أبوبكر حميد . الكاتب الشاعر / فرج قناو . الفنان / ابراهيم العريبي . الكاتب الأديب د. أحمد ابراهيم الفقيه . الفنان / الطاهر يوسف القبايلي . الفنان / رمضان القاضي . الفنان / زهير التونالي . الكاتب / البوصيري عبدالله  . الكاتب الأديب / منصور ابوشناف . الكاتب الشاعر / مفتاح العماري . الكاتب / عبدالباسط عبدالصمد . الكاتب الصحفي المرحوم  / عمر السويحلي . الفنان الكاتب / عبدالله هويدي .
أخيراً أعتقد بأن المحافظة على هذا المكسب الثقافي بهؤلاء الشباب الذي كانوا الأكثر إثارة للجدل بجمهورهم لاشك سيضمن لنا تراكماً متجدداُ في فضائنا المسرحي .
.
قراءة نقدية في مسرحية بيت الأحلام
بقلم / أحمد بشير عزيز 

المسرح وجد أصلا كمكان ليؤمه الناس وكجهاز أداء ليفسر المحتوي وكموضوع ليستوعبه الناس، والناس في أي مجتمع لايمكن أن تنسجم مع شئ لاتجد فيه نفسا ولايمكنها بالتالي أن تتفاعل أو تتجانس إلا مع ما ينعكس على الركح ليبلور آمالها وطموحاتها.. سلوكها وممارستها، عاداتها وتقاليدها، لذلك تبدو الحاجة ملحة لحسن تقدير ما نختار من أعمال في أطار الأدب المسرحي العالمي ومدي مناسبة هذا الاختيار لإحداث العلاقة الوجدانية بين الملقي والمتلقي، بين المضمون والموجه إليهم هذا المضمون، بين الشكل والمستقبل لهذا الشكل...
والواقع أن هناك إشكالية عويصة تعصف بمسرحنا في اطار اختياره للنص الذي ينبنى عليه العرض المسرحي حيث ينجذب بعض مخرجينا إلى بعض النصوص العالمية التي تتمتع بامكانات الابهار والادهاش وتتوفر على فرص واسعة للتحميل وهو ما يكفل من وجهة نظر هذا البعض من المخرجين امكانية استنهاض خيالهم واستثمار معاول الابداع لديهم واجتهادهم في تفسير النصوص، وكثيراً ما ينجر هذا البعض إلى التراكيب الغريبة والتعامل معها بسخاء مما يحدث شرخاً حقيقياً على مستوى الشكل الذي تلتمع فيه أضواء واضواء تشوش بغرابتها أو بفوقيتها أو بأجوائها البعيدة ذاكرة المتلقى، وهو ما يؤدي إلى فقدان الصلة الحميمة التي تنشأ بين الجمهور الذي هو ليس بجمهور الخواص وبين المخرجين الذين يترجمون هذه النصوص.
فمسألة التعامل مع النص العالمي لابد أن تكون مسألة مدروسة لايجب أن تتم بصورة اعتباطية أو عفوية أو انفعالية أو اندفاعة لنقع بعد ذلك في مطب سوء الاختيار وما يترتب عليه من مشاكل...
مسرحية (بيت الأحلام) التي عرضتها ضمن  «المهرجان الوطني الرابع للفنون المسرحية» الذي أقيم بمدنية «طرابلس» «فرقة المسرح العربي» تدخل في بعض جوانبها وليس كل جوانبها في مطب الاختيار فهي كفكرة مجردة مقبولة وممكنة الوقوع في كل المجتمعات  بل هي واقعة دون شك في الكثير من المجتمعات الفكرة تستند إلى جملة من الأزمات النفسية التي تنتاب ثلاثة من الأبناء  في أسرة هزتها ضغوط الآباء وتسلطهم هذه الحالات النفسية تكشف دواخل الأبناء وتفجر مكامنها في عملية تنفيس عما تزدحم به نفوسهم في مكنونات ترسبت بفعل ضغط الآباء وفرض آرائهم وامزجتهم، لكن الاشكالية التي ترافق هذا النص تكمن في كيفية تناول هذه الفكرة وطرائق طرحها أقصد مدى ملاءمة هذا التناول لبيئتنا وثقفتنا...
التناول راعى الظروف السائدة في مجتمع الكاتب وانطلق من خصوصيات ذلك المجتمع ومن هنا جاءت أجواء المسرحية، ايقاعها العام بعيدة الانسجام والاندماج مع عموم جمهورنا وأن كنا لا ننكر شريحة المثقفين وهي شريحة ضمن شرائح المجتمع التي قد تكون انشدت لمعالجة المسرحية بأعتبار وعيها الذي  يمكنه أن يلتقط ما وراء السطور واستلهام الصور البعيدة لمفهوم المسرحية... فلو تقدم مثل هذه النصوص التي عادة ما يكون لها جمهورها ومرتادوها وغالباً ما يكونون من المثقفين من خلال المسرح التجريبي الذي هو مسرح هذه الشريحة لكان ذلك أجدى بكثير أما تقديمها من خلال مسرح لكل الناس فذلك ما يوسع دائرة الإشكالية...
واعود هنا إلى ضرورة التركيز على مسألة الاختيار وضرورة أن نلجأ عند اختيارنا لأعمال من الادب العالمي إلى النصوص ذات الخصائص المشتركة وذات الخصائص المشتركة وذات المشاعر الإنسانية المتصلة مع مجتمعنا وبلغة فيها من الوضوح ما يحدث الصلة الحميمة والمباشرة بين تركيبة النص وبين جمهورنا..
ولعلى أتحدث بصورة اساسية على «النص» أما فيما يتعلق بالإخراج فأنا لا أنكر الجهد الكبير والرائع الذي بذله المخرج في محاولة تفسيير النص ولكن مع ذلك ظل جو النص ظاهرا بأنفاسه على بصمات المخرج وتلك مسألة طبيعية فروح النص لايستطيع المخرج مهما كانت قدراته وكفاءته أن يلغيها ومهما استخدم من معاول وأدوات لتفتيتها وبقدر تسجيلي لتقدير خاص للمخرج «محمد ابوشعالة» على لمساته وانفاسه الجميلة في ترجمة فعل النص إلا أنني أسجل عليه أيضا بعض الملاحظات الفنية التي استخلصتها من اخراجه لهذه المسرحية «بيت الأحلام» «محمد ابو شعالة» عندما تصرف كمخرج في شخصية «بيبا» واستبدلها من بنت- كما  وردت في النص الأصلى - إلى شاب لم يأخذ في اعتباره أن هناك خصائص ينفرد بها الشاب عن البنت ولذلك فهو لم يرتب الشخصية بما يتفق ومنطق التغيير الذي أحدثه وهذا ما ألحق بعض الخلل بشخصية «بيبا» ظهر واضحا بين فئة وأخرى قوامة التناقض في فعل الشخصية وكان مفروضاً على المخرج أن يأخذ في الاعتبار هذه المسألة ويعدّل في فعل الشخصية بما لا يتناقض مع فكرة التحويل...
الملاحظة الثانية استخدامه للآلة الحادة وهذا مسرحيٌّ مستهجن وهناك دراسات أعدت في هذا الخصوص أشارت إلى خطورة استخدام الآلة الحادة أثناء الأداء فالممثل أحيانا يستغرقه الدور ويعيش في أهابه بكل  مشاعره وحواسه وقد يتحول بصدق أدائه إلى الشخصية ذاتها فيفقد قدرته على التمييز بين ما هو حقيقة وبين ما هو تمثيل فتحدث الكارثة...
صحيح أن المخرج هدف باستخدام الآلة الحادة إعطاء احساس وإيقاع معين لخدمة الموقف أو اللحظة ولكن تظل الآلة الحادة غير مقبول استخدامها وكان يمكنه استبادلها بأي شئ اخر يحقق هدفه وما يريد أن يعكسه...
الملاحظة الثالثة وهي في تقديري مشتركة بين المخرج ومصمم المناظر...
المسرحية تسجل حالات نفسية عميقة يتنطلق من القلق إلى الكبث إلى التشاؤم إلى رغبة التمرد للانتقام وهذا يعني أن الشخصيات تعاني من انكسارات حادة تفجّرت بها أفعالها وردود افعالها فكيف تأتي كل مناظر المسرحية - وهي تجريدية- في خطوط مستقيمة سواء كانت أفقية أو عمودية؟..
إن هذا يتناقض تماما مع التفسير الذي يجب أن يكون، فالمناظر المسرحية ضمن مهامها تفسير الموقف وتحليله من خلال الخط واللون والبعد والمساحة وبالتالي من خلال التكوين العام  فالصحيح أن لا تكون الخطوط مستقيمة بل في أي تركيبة أخرى غير المستقيمة حتى تؤكد على حال الشخصيات وتترجم نفسياتها المأزومة وتعكس دوافعها المضطربة، وأيضا طلاء كل المناظر باللون الأبيض هو لون الاستقرار وهذا ما ليس موجوداً في أحداث المسرحية فالأحداث ترسم واقعاً لا استقرار فيه والشخصات تعكس سلوكا لا استقرار فيه لذلك يكون من المفيد استخدام اللون الأبيض باعتباره لايعطي تفسيراً منطقياً أو موضوعياً..
وعموما ومع كل الملاحظات السابقة يبقى أن المخرج يتمتع بامكانات طيبة ويمكن أن يضيف بحسه وفهمه الكثير إلى حركة الإخراج في بلادنا، وتبقى الهفوات التي وردت نقاط ضعف محدودة إذا قيست بجهد المخرج في باقي العمل..
وأنا أكرر هنا ضرورة الالتفات إلى مسألة الاختيار باعتبار أن المسرح يوجه خطابه لكل الشرائح وليس لشريحة دون أخرى وهذا ما يلزمنا الأخذ في الأعتبار أن نقدم مسرحاً يخرج من دوائر التغريب والتحليق في الأجواء البعيدة، مسرحا يبتعد عن حدود اللوغريتمات والطلاسم ويعتمد لغة واضحة تحدث أثرها لدى الجميع وأنا عندما أتحدث عن الاختيار لا أنقص من قيمة النص «ليلة القتلة» الذي عنونه المخرج «ببيت الأحلام» بل أنا مقتنع أنه عمل جيد وأن «خوزيه تريان» الكاتب الكوبي المتميز نجح في بلورة هذا النص الجرئ ولكن ما أقصده أن هذا النص بوضعه ولغته كتب أساسا لبيئة غير بيئتنا وبالتالي لجمهور غير جمهورنا وبتقديرى أن مثل هذه الأعمال يصلح معها هذه الإعداد وليس تقديمها على رمتها وعلى كل حال لايفوتني أن أعرج على الحضور الجيد والتلقائية المريحة في الأداء الذي ظهرت عليها الممثلة الواعدة «صالحة واصف» والتي أعتبرها وبحق مكسباً ثميناً للحركة المسرحية  في بلادنا كما أثني على الفنان «منصور سرقيوه» لأدائه لشخصية «بيبا» وما أعطاه لها من تلوين وبالمقابل أقدر الفنان «محمد الشوبكي»  جهده في ترجمة شخصية «لولا» المركبة وتحقيقه لأبعادها لولا بعض التشنج  الذي انتابه في بعض المواقف وهذا لايلغي أن «محمد الشوبكي» ممثل من الطراز الجيد....









الجمهور بين الحضور والغياب
 مسرحية" بجوها" أنموذجا
بقلم / نوري عبدالدايم 
 

المسرح الليبي على مدى مسيرته يفتقد روح التواصل مع (المتلقي_ الجمهور_ المتفرج) العنصر الأهم في العملية المسرحية كما أجمع النقاد." فلا مسرح بدون جمهور" فهذا المشكل تحكمه العديد من الظروف والملابسات. 
 *  الإبداعية  تتمثل في " ممثل، مخرج، نص" . التقنية " الفنية " وتتمثل في" ديكور ، ملابس ، مؤثرات ...الخ من تقنيات الركح "  من جانب.الظروف الإنتاجية الإدارية التي تتمثل في " توفير ورصد الدعم المادي لإظهار العمل كما ينبغي له أن يكون. مع إتاحة ظروف  تصديره إلى أكبر قدر من المشاهدين عن طريق أدوات الإنتاج التي أهمها الدعاية " من جانب أخر.
  فتوافر الظروف مجتمعة كفيلة بتحقيق هذا التواصل . فثمة الكثير من الأعمال في مسيرتنا المسرحية   كانت ضحية الإنتاج والإدارة. تتمثل في النصف الثاني من الستينيات إلى النصف الأول من السبعينيات من القرن الماضي  . هذه الفترة قادتها الفرق الأهلية التي كانت تقوم بمهامها الحيوية من أجل إنتاج يخلق نوع من التواصل مع المتلقي مع عدم إنكارنا لدور المسارح الوطنية التي احتضنت الخبرات المتميزة في هذه الفرق وفتحت المجال أمام خبراتهم ، إضافة لخريجي معهد جمال الدين الميلادي المؤسسة الوحيدة التي تدرس فنون المسرح في ذلك الوقت .  بالمقابل الكثير منها_ الأعمال المسرحية_ مما توافر لها ظروف إنتاجية تقنية إدارية  صحية،  كانت ضحية الضحالة والسطحية والخطاب المباشر التقليدي على صعيد الإخراج أو النص أو الممثل وهي كثيرة مما جعلها سبباً حقيقياً في إبعاد الجمهور، ومنهم_أي الجمهور_من  قاطع عتبات المسارح وأهمل رموزه التي تابعها بشغف في مراحل سابقة. هذه المرحلة كانت جلية وتمتد من النصف الثاني من السبعينيات  إلى النصف الأول من التسعينيات من القرن  المنصرم التي يشوبها نوع من  الركود وعدم الجدية والجمود وسطحية التناول. قد يختلف الأمر في مدينة بنغازي التي حاولت في هذه الفترة خلق تواصل مع الجمهور من خلال أعمال لاقت صدىً جماهيرياً مثل " الضحك ساعة" و " جاكم عنتر" ....الخ كما أنتجت هذه المرحلة العديد من " نجوم الشباك " مثل " رافع نجم،علي العريبي " و " صلاح الشيخي،  ميلود الحمروني " التي وصل عدد العروض فيها إلى" السبعين عرضاً" في الفترة الأخيرة .  أما العشر السنوات الأخيرة فهي مزيج  بين المرحلتين أو نتاج المرحلتين فقد خرجت هذه المرحلة من رحم المرحلتين التي سبقتاها فهي تحمل صبغة الفترتين السابقتين . بالطبع ثمة إستثنأت ونماذج حقيقية في المراحل التي تكلمت عنها ولكن قلتها جعلتنا نأخذ بالعموم . فيما سبق أنتجت العديد من الأعمال التي خلقت تواصل مع المشاهدين ولكنها لم تأخذ حظها من العروض للأسباب التي ذكرتها أنفاً. حتى لو أخذنا أعمال الثنائي" شرف الدين، مصطفى الأمير" فلم يحظ أي عرض من عروضهم "العشرين عرضا" حتى لو أضفنا تجاوزاً "عشرة عروض"  مع امتلاك هذه الفرقة_ القومية_ لقدرة عالية في الدعاية تتمثل في قدرة  الممثل " مختار الأسود " الذي أخترع أسلوباً  في الدعاية على شكل قسيمة مخالفات مرورية _ شرطة المرور_ يفاجاء بها السائق أمام الزجاج الأمامي لسيارته في صيغة دعوة لمسرحية " دوختونا". رغم هذا لم يتجاوز عدد العروض المسرحية العشرين عرضاً  وهي نسبة قليلة بالمقارنة بالمجهود الذي بذل من أجل إظهار هذا العمل أو ذاك،هذا ينعكس على مسرحية " نقابة الخنافس" للمرحوم" الأزهر أبوبكر حميد" ومن إخراج" محمد القمودي" و" حوش العيلة" تأليف المرحوم" فرج قناو" لنفس المخرج ، التي  لاقتا  صدى واسعاً بتألق ممثليها الشباب الذين كونوا علاقة مع المتفرج أمثال " فتحي كحلول، عبدالمجيد الميساوي، حسن الكشيك، لطفية إبراهيم " رغم هذا  لم يساهم عدد العروض في انتشارها ،  بل ساهمت في تصديرها الإذاعة المرئية كما ساهمت في تصدير " حلم الجعانين " والعديد من أعمال  شرف الدين ، بينما تكتفي مسرحية  " ملحن في سوق الثلاث "  للأزهر أبوبكر حميد  و  " محمد العلاقي " بعروضها القليلة في المسرح ودونما توثيق مرئي . هذه الحالة تنعكس على الكثير من الأعمال ، والأمثلة كثيرة لا تسع المساحة لسردها  . إضافة لأعمال المهرجانات والتظاهرات المسرحية التي غالبا ما تنتهي  فيها بعض العروض بانتهاء هذا المهرجان أو تلك التظاهرة.  فيكون رصيد عرضها عرضاً أو عرضين ، دونما يتم توثيقها مرئياً . هذا يساهم في إحباط المبدع مما يضطر بعض المبدعين إلى الابتعاد عن الساحة المسرحية . 
فيما سبق  لا أريد أن أحكي على طبيعة هذه الأعمال وأيضا لست في باب المفاضلة بين الأعمال التي يتعاطى معها الجمهور،  والأعمال التي تحقق متعة لفئات محدودة من المتلقيين ، والأعمال التي تحقق الحضور والمتعة الفنية  لفيأت عريضة ومتنوعة من المتلقيين  وهي قليلة بالطبع. فالمسرح الليبي في حاجة  للعمل والإنتاج  بأي شكل من الأشكال المسرحية و بكل تياراتها ومذاهبها ، وبأي لغة يراها منتج العمل . فالعمل السيئ والغير ناضج، قد ينتج ممثلاً موهوباً ، أو مهندس وفنيي ديكور  ، أو مهندس وفنيي إضاءة إلى أخر العناصر، وأخيراً قد ينتج متفرج" وهو أضعف الإيمان".
  الساحة المسرحية تحتاج لكم من الأعمال المتنوعة ومتباينة الرؤى، و تتسع لكل الألوان والأشكال المسرحية كما يقول تاريخ المسرح في العالم  ، فالكم هو الذي يحقق أعمال متباينة وبالتالي  يحقق متفرج متتبع  متباين الذائقة، وبالتالي يتم إنتاج التصنيف والتقييم الإبداعي وهذه مهمة النقاد التي تفتقدها الساحة المسرحية الليبية  .
"بجوّها" عرضاً مسرحياً تجاوز الأرقام السائدة من العروض على مدى مسيرة المسرح الليبي وكسر قاعدة عدم وجود متتبعين للمسرح. إذ تجاوز عدد عروضه " المائة وسبعون عرضاً" وهي من  تأليف وإخراج " عبدالباسط  أبوقندة " .
  النص عبارة عن قراءة ورصد  للعديد من مظاهر المجتمع، يعتمد فيها المؤلف  اللهجة الدارجة الليبية لغة لحوار نصه الذي يقسمه  ل " ست لوحات" معنوناً كل لوحة باسم يحمل تعريفاً لها  " الجامعة، الفيريكيكو*، المرأة ، اللجنة الشعبية، المستشفى العام، المؤثرات العقلية،"  تجسد  من خلال " سبعة شخصيات " رقمت من الأول إلى السابع في افتتاحية النص المسرحي، ولكنها سرعان ما تذوب هذه الأرقام لتتحول إلى شخصيات نمطية وظيفية مثل " الدكتور، البائعة، المدير ، السكرتيرة، الأمين، العضو ...الخ " أو شخصيات حياتية مثل " الشاب ، الفتاة، الحاجة، الأخ، الأخت، الزوجة ..الخ" بينما ينتهي ظهور الأرقام الخامس والسادس والسابع ابتداء من اللوحة الرابعة . في  المشهد الأخير من لوحة المرأة غاب على مؤلف النص إسباغ صفة"الزوج والزوجة" ليبقي على التعريف الأول  " الشاب والفتاة"   حتى بعد زواجهما. كان من الممكن أن  يستدرك المؤلف في معرض تعريفه بشخصيات المسرحية المرقمة بتحميلها الأدوار التي تلعبها ،مثل" الأول ويجسد ، الشاب، المدير،الأمين". و"الثانية وتجسد ، الفتاة ، الحاجة ، الزوجة"، الى أخر الأرقام مراعياً فيها عدم تعارض ظهورها على الخشبة. وهذه الأبجدية  في صناعة المسرحية يدركها " عبدالباسط أبوقندة" جيدا، من خلال خبرته في تجسيد  الكثير من الأعمال التي تلتزم  هذه التقنية في بناء المسرحية .  
النص أعتمد على مفردتين مطاطيتين في ربط العلاقة المزدوجة بين المشاهد ببعضها من جانب. وبين النص والمتلقي من جانب أخر . هاتين المفردتين تتمثلان في مفردة " بجوّها" أولاً التي التقطها مؤلف النص ليحملها  اسم المسرحية ، و بجعلها المرتكز الرئيسي التي يدور في فلكها الحوار . هذه الكلمة " الحية "  بمعناها الواسع التي تحتمل الكثير  من التأويلات وتتضمن الكثير من المعاني. فهي مفردة حديثة  من اختراع " الشارع_ الناس_ الجمهور" أتاحت الرحابة للنص لتخرج   به من "إستاتيكية" المفردة المصطنعة الجامدة إلى ليونتها وديناميكيتها . فكل الذي حدث "بجوّها" وكل الذي لم يحدث أيضاً "بجوّها"  . والتي ستفيد  العرض كثيراً .
المفردة الثانية التي أعتمدها النص " الجوقة أو الكورس أو المجموعة" التي استخدمها المؤلف للتمهيد للحدث أو التعليق عليه أو المشاركة فيه. فهو في هذا لم يتجاوز" المفهوم الأرسطي " من حيث وظيفتها ليتم استخدامها  كعامل مساعد للمتلقي في دخوله في الحدث وإنبائه به والتعليق والمشاركة فيه وهذا ينعكس على تعريفها _ أي الجوقة_ بشخصيات المسرحية ومصائرها ،  وزمن ومكان الأحداث والى أين تنتهي .  كان من الممكن أن تقوم الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر " صالح ابوالسنون" بمهام الجوقة ، ولأنها دخيلة على النص فقد استعانت بالمفردتين _ كما أسلفت_  وجمعت بينهما فكان دورها تعليمياً ترشيدياً  في أغلب اللوحات و تحريضياً كما في المقطع الأخير من أغنية النهاية. فمجهود الشاعر وتشبعه بالنص والفكرة يتضح في حفاظه على روح الفكرة وروح الحوار من حيث التناغم مع الشكل العام للنص ومفرداته ،  ودعمه جمالياً  . تظل اللوحة الأخيرة " المؤثرات العقلية" من أقوى اللوحات والأكثر صموداً  في النص فهي عبارة عن مجموعة مشاهد متلاحقة ومركزة في تناولها للفكرة بعمق وبكل أبعادها ، على صعيد الحوار الذي اختير بعناية وبتركيز ، والبناء الدرامي . وقرأتها للشخصيات  . فكانت مغايرة من حيث الشكل والأسلوب  على بقية اللوحات التي سبقتها . فهي الوحيدة التي لم يلجا المؤلف فيها للاستعانة بالجوقة للشرح والتعليق فكانت كتلة مكتفية بذاتها . 
ولأن المؤلف يكتب بروح مخرج فقد أبتعد عن الأقواس التي يلجا إليها المؤلفون عادة لشرح تفاصيل المشهد أو التعريف بالشخصيات . فكان المجهود الأكبر الذي  قطعه المخرج أثناء كتابته للنص ساهم في تذليل  الكثير من الصعاب التي تواجه تنفيذ النص من خلال الأسلوب الذي أعتمده في كتابة نصه . المنظر العام _ تنفيذ  "محمد العربي، فتحي فصيل" _ عبارة عن خلفية سوداء بمثابة سبورة كبيرة كتب عليها  بعض الجمل التي تشير على فحوى العرض ومضمونه وبعض الرسومات " علامة الخطر، قلب يخترقه سهم ، زجاجة خمر، يد... الخ " هي نفس الجمل والإشارات التي عادة نجدها تتصدر بعض الجدران وأسوار المباني . فهي وسيلة التعبير الوحيدة عند الأجيال في مرحلة الشباب عادة  ، التي تساوي جريدة حائطية ، فقراءة حائط أو جدار ينبئك بالمشاعر العامة لهذه الشريحة ففيها تعبير عن" الحب والعذاب والقسوة  والفضيلة ، وصولاً إلى النادي  المفضل لديه  " وهي التقاطه لماحة من المخرج ليمهد لطبيعة عرضه ، إضافة لأغنية المقدمة التي تدعم هذه الرؤيا _ الحان" البدري الكلباش"_ بجملها السلسة التي تتعاطاها الأذن بسهولة ودونما عناء مما يدل  على خبرة الملحن في تعامله مع المتفرج وأيضا دليل على انصهاره في الرؤيا العامة للعمل . عدد سبعة كراسي ومشجبين ذات ألوان مبهجة وسائل المخرج لخلق مفردات  تكويناته المسرحية  " طاولة، باب، مكتب، صالة..الخ"  ومنذ البداية يقوم المخرج بنسف الأسرار بينه وبين المتلقي  من خلال تعامله معه بوضوح وجلاء. فتغيير المناظر على مرأى من المتفرج عن طريق الممثلين.  وأيضاً تغيير الملابس  يتم أمام المتفرج من خلال الحقائب التي تتضمن  ملابس المشاهد لكل ممثل مما أعطى حرية للممثل في اختيار ملابسه .هذا الوضوح  جعل عامل الثقة متبادل بين الممثلين والجمهور .إضافة للموضوعة العامة للمسرحية التي  تتناول أحداث آنية تهم المتلقي. كما أتيحت للممثلين مساحة للارتجال والتعاطي مع الجمهور مع الحفاظ على الفكرة العامة للعرض ، مما جعل كل عرض يختلف عن الأخر حسب التجاوب وحسب ما يستجد من أحداث. العرض جسد من خلال خمس ممثلين " خالد كافو ، عبدالباسط ابوقندة، عيسى ابوالقاسم، جمال الحريري، عادل الجواشي،" وممثلثين " هدى عبداللطيف، نسمة" أكسبتهم تكرار العروض  خبرة  ساهمت في تطور علاقتهم بالمتفرج . إضافة لمساهمة الفنانتين " مهيبة نجيب ، بسمة الأطرش" في بعض العروض . قد تضطرهم الظروف للجوء  لتجسيد العرض  من خلال ممثلة واحدة دون الأضرار ببنية النص . الإضاءة _ سالم البركي_ كانت طيلة العرض عامة  باستثناء اللوحة الأخيرة التي اختلفت في أسلوب إخراجها عن بقية اللوحات وأكثر دقة فقد اجتمعت فيها كل عناصر العرض المسرحي عندما تم عرضها في قاعة عرض مجهزة    . الأسلوب الذي اعتمده المخرج في عمله جعله  يتجاوز ظروف الأمكنة التي يعرض فيها( مسرح مجهز، مسرح مكشوف، صالة،مستوى،) بل أن بعض العروض كانت مواقيت عرضها نهاراً. هذه العوامل ساهمت في حيوية العرض وبالتالي ساهمت في عدد العروض.
العامل الثاني والمهم بأهمية العامل الفني وهو العامل الإداري والإنتاجي كما أشرت فالدعاية من العوامل الهامة في تصدير العمل الفني كما يعلم الجميع. ففريق "بجوّها "_ كما تطيب لهم  التسمية_ رغم بدايتهم تحت مظلة المسرح الجامعي وبحكم العروض المتكررة كونوا خبرات إدارية تتمثل في " الصادق عبية" بمساعدة" وجدي البركي" مهمتها الدعاية والسعي للتعاقد مع كم من  المؤسسات داخل المدن الليبية والسعي وراء الجمهور،بالذهاب إليه في مؤسساته التعليمية والمهنية والصناعية وفي مدنه  ( طرابلس، السبيعة، السواني ، الزهراء،مصراته،زوارة، سرت، سبها، الخمس، الزاوية) . لا ننسى أهمية الإذاعة المرئية في دعم هذه المسرحية من خلال تصديرها لوجوه الممثلين كضيوف موسميين في منوعات شهر رمضان المبارك .  هذه الجهود مجتمعة  لاشك أسهمت كثيراً في ازدياد عدد العروض التي وصلت لها هذه المسرحية.


الدورة الحادية عشرة للمهرجان الوطني للفنون المسرحية
متابعة / أسماء بن سعيد 
 
تحت شعار تأكيد جماهيرية المسرح..افتتحت مساء يوم الاثنين على ركح مسرح الصداقة "شحات"فاعليات الدورة الحادية عشرة للمهرجان الوطني للفنون المسرحية بمشاركة خمس عشرة فرقة مسرحية من مناطق مختلفة من مناطق المدن الليبية وعرض لفرقة الأركان الإيطالية للمسرح بعرض تحت عنوان "شهرزاد والتفكير في بغداد"..
كانت البداية عندما بدأ المدعوون والمشاركون والضيوف يتوافدون على القرية السياحية بمدينة "سوسة"الساحلية محل الإقامة والتي اختلط فيها الحابل بالنابل بين الجميع الذين تناسوا حتى السلام والترحيب في سبيل تأمين السكن بسبب وصول عدد أكبر مما تتحمله سعة "القرية السياحية"وبعدها اصطف الجميع في طوابير انتظارا لتقديم وجبة الغداء بدون الأخذ بعين الاعتبار للمشوار الفني والتاريخ الطويل للكثير من الواقفين. 
وفي الساعة السادسة والنصف مساءً بدأت الرحلة من سوسة إلى مدينة شحات التي ستحتضن فاعليات الافتتاح على ركح مسرح الصداقة الموجود بها والتي تبعد حوالي عشرين دقيقة.وعند الوصول فوجئ الجميع بصغر حجم المسرح وعدم النظام واكتظاظ المكان بالحضور من سكان المنطقة الأمر الذي لم يترك الفرصة أمام الضيوف والمشاركين للجلوس مما اضطر بعض أعضاء لجنة التحكيم مثلاً كالأستاذين منصور أبوشناف والطاهر القبائلى والفنانين لطفى بن موسى ومصطفى المصراتي وبعض الإعلاميين والصحفيين للبحث عن مكان للجلوس حتى ولو كان في الطابق الثاني..!!
برنامج الاحتفال: 
كلمة الترحيب بالضيوف والمشاركين ألقتها أمينة اللجنة الثقافية للمهرجان الشاعرة خديجة بسيكري وبعدها تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم..
تلتها كلمة أمين اللجنة الشعبية للإعلام والثقافة الجبل الأخضر أما كلمة رئيس اللجنة العليا للمهرجان د. حسن قرفال فقد توجه فيها بتحية لكل من منسق القيادات الشعبية بالجبل الأخضر والضيوف من مصر-المغرب-تونس-الاردن-العراق وكذلك الأصدقاء من إيطاليا كما رحب بالجميع بمناسبة الدورة الحادية عشرة وكلمة شكر للمبدع الأول القائد معمر القذافي راعي الإبداع والمبدعين ونوه بأهمية الدورة من حيث تزامنها مع مئوية المسرح الليبي الذي كان بدايته عام 1908م وتوقف ليستأنف نشاطه عام 1932م.
كما يحتفل المهرجان بعودة حورية شحات التي افردت لها صفحة كاملة في دليل وجائزة العرض المتكامل ومن جديد رحب بالحضور وأعلن الافتتاح الرسمي سيكون بعمل مستوحى من كتابات القائد معمر القذافي تحت عنوان "تحيا دولة الحقراء"..

عرض الافتتاح:-
كان الافتتاح بعرض خارج التقييم وهو اوبريت ملحمة"تحيا دولة الحقراء"من إخراج عزالدين المهدي..والعرض ارتكز على تسعة مشاركين استمروا في العرض لحوالي النصف ساعة معتمدين فيها على الحركة بمرافقة مقطوعات موسيقية لسيمفونيات عالمية وإضاءة خافتة،وبعدها فوجئ الجميع بدخول ممثل عاشر أدخل بعض الحوارات المشتركة مع باقي فريق العمل لتنقلنا الاجواء إلى رقصات إفريقيا وبعض المقاطع لأغانى وطنية دون الاستغناء عن الموسيقى العالمية..
وسط أجواء من "التصفير والتصفيق والتعليقات"لأبناء المنطقة الذين حرصوا على الحضور بمختلف الأعمار والثقافات مما كان سبباً في ازدراء العديد من الموجودين لهذا السلوك الذي ربما عبر عن ضعف العمل وفشل الممثلين في التعامل مع هذا النص.
شهادات من داخل حفل الافتتاح:- 
سؤال وحيد توجهنا به لبعض الفنانين حول العرض ونقل المهرجان من طرابلس إلى شحات..درنة والبيضاء التي استثنيت في اللحظات الأخيرة بسبب عدم تجهيز المسرح الذي كان من المفروض أن يفتتح يوم 20-من هذا الشهر وهو يوم الافتتاح الرسمي والبداية مع:
الفنان محمد شرف الدين:
العرض ليس لدي أي تعليق عليه.أما مسألة نقل المهرجان من مدينة طرابلس فهي فكرة غير مقبولة من الأساس لعدة أسباب أهمها عدم وجود مسارح ذات سعة كافية.فهذا المسرح الذي حضرنا به اليوم صغير جداً ولم يستوعب الحضور مما اضطر الكثيرين إلى الوقوف أو حرمانهم من المشاهدة لأن الأماكن محجوزة بالكامل حتى بالنسبة للواقفين،وأيضاً من حيث المسافة فهناك مسافة حوالي 25دقيقة بين مكان الإقامة ومكان العرض مما يعنى أن الفرق المشاركة والضيوف سيصلون إلى المكان في حالة إرهاق بالكامل مما يؤثر سلباً على الحالة النفسية سواء للفنان أو المشاهد.. 
أما في مدينة طرابلس فنجد الإقامة بجوار مسرح الكشاف الذي تجري فيه غالبية العروض.فبالإمكان التنقل حتى على القدمين في وقت لايستغرق الخمس دقائق كما أن هناك أكثر من ثلاثة مسارح للعرض وكلها قريبة نسبياً من حيث المسافة بالإضافة إلى استيعابها لحوالي تسعمائة كرسي.وأيضاً معظم الفرق المشاركة من طرابلس والمناطق المجاورة لها مما يعنى أنها تقدم العرض وكل يرجع إلى منزله دون تكلفة المهم الفكرة في نقل المهرجان غير مبررة ونتمنى عدم تكرارها.. 

الفنان لطفي بن موسي:-
العرض كان جيداً خاصة وأن النص للكاتب والأديب معمر القذافي ومن وجهة نظري فهو ناجح جداً..أما عن نقل المهرجان أضاف..لماذا لايكون المهرجان الوطني كل مرة في منطقة؟فهذه فكرة جديدة وتساهم في انتشار الثقافة الفنية..

الفنان مصطفى المصراتي:-
بالنسبة للعرض فكل من شاهد العرض حكم عليه بنظرة مختلفة،لأن المخرج اعتمد فيه على التعبير الجسدى وشخصياً استمتعت بهذا العرض بالرغم من أن البعض يرى أن الحوارية ناقصة وبصراحة عن نقل المهرجان بودى لو أقيم في مدينة طرابلس لأن الإمكانات أفضل بكثير وهذا المهرجان بدأ في طرابلس فكان من الأجدر أن يبقى فيها ونتمنى في السنوات القادمة أن يوطن في طرابلس ولا يخرج منها. 

خالد نجم "مخرج"
العرض ينسب للمدرسة التعبيرية من وجهة نظري فهو يعبر عن حالة معينة لإرهاصات النص أو الفكرة فربما تصل للمتلقى وربما لا وهذا حسب قراءته للحركات التي قام بها الممثلون وبالنسبة لنقل المهرجان فأنا ضد إقامة مهرجان وطني خارج العاصمة.وربما تقام مهرجانات صغيرة مثلاً في البيضاء أو شحات وسوسة وغيرهم من المناطق..

عبدالوهاب قرنقو "مؤلف" 
للأسف الشديد لعدم وجود أماكن لم أتمكن من مشاهدة سوى جزء بسيط من العرض والأداء للمثلين كان جيداً وخاصة من الناحية الإخراجية لو استثنينا صغر حجم الركح مما تسبب في ربكة بالنسبة لحركة الممثلين.وبالنسبة لنقل المهرجان فهذا خطأ لأن المهرجان الوطني لابد أن يظل في العاصمة،خاصة بالنسبة للبنية التحتية والاستعدادات للإقامة والضيافة بالنسبة للفرق المشاركة والضيوف والحضور.

عادل أبوجليدين "مؤلف" 
للأسف الشديد لم أتمكن من مشاهدة العرض لعدم وجود أماكن وشخصياً أتمنى لو ظل المهرجان في مدينة طرابلس لأن هذه المهرجانات في العادة مرتبطة بوقت ومكان محدد وأيضاً لوجود عدد من المسارح فيها وكذلك توفر أماكن الإقامة.. 

وقفات..
اللجنة العليا للمهرجان وكذلك لجنة التحكيم اقتصرت على العنصر الرجالى برغم وجود أسماء فنية موجودة من العنصر النسائى والتي كانت لها بصمتها الواضحة في الحركة الفنية بشكل عام والمسرحية بشكل خاص كالفنانة سعاد الحداد التي كانت حاضرة ضمن "الضيوف". 
*عدم وجود أي تجهيزات مسبقة بالمدينة السياحية مكان الإقامة مثل الفاكس والانترنت كانت سبباً في تأخر إرسال المادة الصحفية مما اضطرنى والزميل المصور أحمد العريبي مشكوراً للسهر حتى ساعات الصباح الأولى في البحث عن حلول بديلة لنضع القارئ في قلب الحدث ولم تنته "المعضلة"لليوم الثانى مما اضطرنا إلى قطع مسافة 20كم تقريباً. 
*للمهرجانات الرسمية والوطنية روادها   وجمهورها الخاص والمميز وللمسرح المدرسي جمهوره "ملاحظة"نتمنى  لو يفهمها الأهالي والأطفال الذين شكلوا حوالي "ثلثي"الحضور. 
*أن تكون القصة لكاتب أو أديب  له  قيمته  فهذا شيء ولكن عندما تقدم كرؤية مسرحية فهو شيء آخر يجب التعامل معه كنص مسرحي وإبداء الرأي بكل شفافية ومصداقية. 
*عرض الافتتاح كان بإمكانات بسيطة فلم يحتج إلى ملابس أو مكملات وديكور وإضاءة فاعتماده على الموسيقى فقط..فلماذا لم يتم اختيار مقطوعات لفنانين ليبيين بمقابل مادي بدلاً من الاعتماد على مقطوعات عالمية" لا تتماشى مع كفرة العرض". 
*فضيل شعبان  المسمارى  موظف في بريد سوسة تعاقد معنا بدون معرفة مسبقة وتبرع مشكوراً بإرسال المتابعة الإعلامية عن طريق جهاز "الفاكس"الخاص بالجهة الإدارية والمخصص للأعمال الداخلية فقط. 






















اختتام المهرجان الوطني الحادي عشر للفنون المسرحية..
متابعة / أسماء بن سعيد 
 
عشرة أيام هي عمر المهرجان الوطني الحادي عشر للفنون المسرحية.. ولأن لكل بداية نهاية .. فبلمح البصر تطايرت الأيام .. لنصل لآخر العروض التي قدمت يومي الثلاثاء 28 التمور والاربعاء 29التمور أيام مضت بكل الملاحظات السلبية والإيجابية والتنافس في الآراء حول ما قدم وتذمر البعض من السلوكيات والعروض وطوابير الطعام وبعد المسافة بين محل الإقامة ومكان العرض ولكن في النهاية كان شيء واضحاً ألا وهو الحزن على انقضاء المدة بسرعة شديدة فكان هناك "إتفاق ضمنى" بين الجميع على الاستفادة من هذا الحدث وهو التواصل بين الفنانين وذوي الاختصاص والمهتمين بالشأن المسرحي وفتح الآفاق فيما بينهم والاستفادة من الخبرات الموجودة والحاضرة من الأسماء المميزة من خلال النقاش الصادق والواعي خارج "الندوات الرسمية "..
 يومان أخيران من عمر هذا المهرجان والعروض سنحاول تسليط الضوء عليهما لتسدل الستارة بعدها على هذه الدورة وكل ما نتمناه هو الاستعداد المسبق لفرقنا المسرحية منذ التاريخ للعام القادم والدورة القادمة علنا نشاهد عروضاً حقيقية تستحق المشاهدة..

العرض الأول .."نواقيس" لفرقة المسرح الجامعي جامعة المرقب وعرض على ركح مسرح الصداقة بمدينة شحات.

العرض الثاني ..عمل بعنوان "القطط" تقديم جامعة عمر المختار ومن تأليف المسكين الصغير ـ سيتوغرافيا وإخراج عبد العالي شعيب وتمثيل سعيد احميده ـ ربيع الطرابلسي ـ موسى القرم ـ أحمد عبد العظيم ـ موسى حمدي المسماري ـ ديكور علي الشرقاوي - إضاءة ـ عبد الله خنفر ووليد غيث وتم عرضها على ركح مسرح الهواة البيضاء .. 
مع العلم إن العملين خارج التقييم إضافة إلى أننا لم نتمكن من متابعتهم بسب تعطل "الحافلة" التي تقلنا لمكان العرض مما أجبرنا على الاستسلام للأمر الواقع وانتظار "حلول بديلة " للنقل.

العرض الثالث ..عمل بعنوان "حلمه أية حلمه لا " لفرقة مسرح سعيد السراج طرابلس وعرضت بالمسرح الحديث في مدينة البيضاء وهي من إخراج الفنان مصطفى المصراتي ومن تأليف مفتاح المصراتي وفكرة الديكور للفنان محمد شرف الدين وتمثيل الفنان مصطفى المصراتي والفنانة وديان صحبة عددٍ من الوجوه الشابة وهو ومن الأعمال الداخلة ضمن التقييم .

اليوم الثاني : الاربعاء  2 التمور..

العرض الأول : وكان على ركح مسرح الصداقة بمدينة شحات بعنوان "فانتازيا" تقديم الفرقة الليبية للمسرح والفنون "شحات" ومن إخراج وسيتوغرافيا عبد العزيز ونيس وهي من النوع الكوميدي الساخر ومأخوذة عن مسرحية "المهرجان " للكاتب السوري الراحل محمد الماغوط وتمثيل جبريل المجذوب ـ عز الدين الدويلي ـ عيسي سليمان ـ مهند خير الله ـ أحمد سالم ـ عماد اغفير ـ عبد الله أحمد ـ ناصر بو عجيلة..

العرض الثاني : وهو عرض لمسرحية "جيش احميدة الدولي" والتي توقفت لأسباب سبق ونوهنا عنها خلال التغطيات الماضية من أيام المهرجان وهو عمل باللغة العامية "الدارجة " تأليف وإخراج خميس مبارك وتمثيل الفنانين ميلود العمروني وعبدالنبي المغربي بمشاركة عددٍ من الوجوه الشابة..

العرض الثالث.. جاءت مشاركة لفرقة كاوا التونسية بعمل بعنوان "خيوط مدرقة " 

* آراء وانطباعات لعروض اليوم الأخير:

البوصيري عبدالله "كاتب مسرحي" :
العمل الأول "فانتازنيا" وهي معدة عن مسرحية المهروج للكاتب محمد الماغوط من وجهة نظر الإخراج كان جميلاً وبه مكملات فنية بالإضافة وبشكل عام العرض احتوى على فرجة كبيرة كما أقوم من خلال الملف الفني بصحيفة "أويا" بتهنئة هؤلاء الشباب وفرقة شحات كانت مفاجأة بأن تكون بهذا المظهر الجميل وبهذا الوعي نحو القضية القومية والعربية والاجتماعية وهذا ما يميزها عن غيرها أما المسرحية الثانية فنجد التركيبة الدرامية جاءت مهزوزة وبذلك احتوى على مجموعة من مشاهد النقد الاجتماعي والنقد للسلوكيات الإدارية الموجودة وبهذا يمكن اعتبار المسرحية جيدة فاستطاعت أن "تنفس عنا" مما تسبب في ضحك الناس الذين يعتبر لسانهم "أخرس" بهذه الحدود المسرحية جميلة ومسرح الكبارية أو مسرح الساعة العاشرة الذي كان موجوداً منذ فترة قديمة في لبنان كان يتطرق لهذه الظاهرة وهي النكت وكعمل درامي فالحقيقة لم "استسيغه" وبه الكثير من المآخذ لو استثنينا "الممثلين " الذين أتقنوا أدوارهم وأشير هنا لكل من ميلود العمروني وعبد النبي المغربي هذه حدود الأدوار أما بشكل عام ينقصها البناء الدرامي وتفتقر للبنية الاحكائية التي تضفي على الممثلين الكثير من الاحساس وتحدد لهم إطار الشخصية .. أما العمل التونسي فوجوده على هامش هذا المهرجان أجدها غريبة وخاصة وسط مهرجان ، المفروض أن يقوم بالتركيز على القضايا الاجتماعية والفرق التونسية قدمت عمل على المستوى التقني بالنسبة للمسرح التونسي أراها مختلفة جداً لأن هناك مستويات أرقى منها كثيراً بالإضافة إلى أن اللون الذي قامت بتقديمه قديم جداً يرجع لفترة الستينيات من القرن الماضي وهو اعتماده على الشخصيات القليلة المنسوبة للمسرح الفرنسي وهي الشخصيات القليلة والتركيز على الممثلين في الحوار والإضاءة وانعدام الحركة والحيوية وكانت المسرحية متسمة بالكونية وتفتقر للتناقض في الحوار كما اعتمدت على فرضية غريبة في الحوار وهي وجود رجل يسكن مع سيدتين لا تربطهم معاً أية علاقة اجتماعية فهذه فرضية غير مباحة في الدين الإسلامي والعرف مما أثار حفيظة الجمهور الذي يتقبلها.. مع احترامي للممثلة القديرة منى نور الدين وعلى كل حال أقدم لهم شكري على مجهودهم ونأمل مشاهدتهم في عمل آخر أكثر ارتباطاً بالفن المسرحي.

* خدوجة صبري (فنانة).. 
للأمانة وللأسف لم أشاهد العرض الأول بسبب ارتباطي بعدة مواعيد منوطة بتكريمي في هذه الدورة بإذاعة الجبل وبه طاقات شابة رائعة وتميز للفنان ميلود العمروني المتكلم من أدواته الذي استطاع من خلالها شد انتباه الجمهور.
وأيضاً خلق توحيد بينه وبين الجمهور وهذه نقطة تضاف إليه بالإضافة إلى النقاط المتعددة التي تطرق لها وهذه إيجابية أخرى تضاف له وتمنيت أن دور الفنان عبد النبي المغربي كان أكبر مما أعطي له وأيضاً في نفس الوقت أعتقد أن ميلود العمروني كان يستطيع لوحده تمثيل هذا العمل (مونودرانا) فالشخصيات الأخرى كانت مكملة وشخصياً استمتعت جداً بهذه العمل لو استثنينا بعض المشاهد كالمشاهد السورية التي لم أحبها..
والعرض التونسي تحدث عن المرأة ووحدتها وأهمية الرجل بالنسبة لها وفي فكر آخر من بلد شقيق والعيب الوحيد إن العمل كان طويلاً وفرصة جميلة مشاهدة سيدة المسرح التونسي منى نور الدين بشكل جديد وكوثر الباردي التي كانت متقنة لأدواتها على الخشبة ومقدرة لثقلها على الخشبة أيضاً المؤلف والممثل كان متميزاً ومكملين جميعهم لبعض بالإضافة للمخرج والإضاءة وربما تكون الفكرة غريبة عنا بعض الشيء ولكن ما المانع من مشاهدة شيء جديد.

* بلقاسم التائب (مخرج مسرحي ومقرر اللجنة العليا للاحتفالات)..
بالنسبة للعمل الأول (فانتازيا) عمل جميل جداً والانسجام كان واضحاً بين الممثلين والمخرج مما أثر بالإيجاب على أداء الجميع فظهر العمل قوياً جداً وكما تعلمون أن العمل إعداد لعمل للأستاذ محمد الماغوط واستطاع المخرج عبد العزيز ونيس أن يقدم لنا فرجة جميلة لاقت استحسان الجميع.
وأيضاً قدم جرح الوطن العربي ولهذا أعتبره من الأعمال المتميزة في هذا المهرجان.. أما العمل الثاني (جيش حميدة الدولى) فهو نص شعبي وممثل شعبي وهو ميلود العمروني فقط لا غير.. والعرض التونسي كان ضعيفاً على مستوى العرض وكذلك على المستوى الفني.

* بكل شفافية..
الجميل في مسرحية (حلمة إيه حلمة لا) أنه أعادنا للمسرح المحلي في الستينيات من القرن الماضي فكان استفادة كبيرة لنا كأشخاص لم يواكبوا هذه الفترة ولم توثق فيها الأعمال، فتحية شكر للفنان المخرج مصطفى المصراتي.

* أثبتت المسرحية أن لا أهمية لفترة التدريب على العمل وارتباطه بالمدة الزمنية في حضور فنانين مثل الوجه الجديد أميرة ساسي التي سبق وشاركت في مسرحية (حوش اللي فيه بنت) وبعدها مباشرة أسند لها الدور الذي استغرق حفظه والتدرب عليه صحبة فريق العمل أقل من أسبوع.

* (فانتازيا) أفرز العديد من الشباب الموهوب حقاً فنتمنى أن لا توأد هذه الخامات الحقيقة وتجد من يوجهها ويأخذ بيدها.. فلو حدث هذا سيكون هذا مكسباً للمسرح الليبي بوجه عام.

*يبدو أن لعنة الشغب مرتبطة بعمل (جيش حميدة الدولى) فبعد توقف العمل في المرة الماضية لهذا السبب حل بعدها استقرار بين الأطفال والجمهور واختفاء هذه الظاهرة بشكل واضح ومع عرض العمل للمرة الثانية نفاجأ بتكررها من خلال الأحداث (الغوغائية) التي حدثت أمام المسرح وكانت إحدى ضحاياها الفنانة (آمال أبو شناق) التي لقبت باسم (لميس) وعبروا عن إعجابهم بها بطريقة مشينة ولا تمت للأخلاق بصلة.

* عمل (حيوط مدرقة) لفرقة كاوا التونسية جاء استخفافاً بمستوى المسرح الليبي.

* سؤال غير منطقي!! أسماء عربية توافدت على المهرجان وآخرها المصرية (سهير المرشدي) ما الإضافة والاستفادة التي قدموها لنا خاصة وأن معظمهم لم يحضروا إلا عرضين أو ثلاثة بالإضافة إلى عدم إقامتهم في نفس مكان إقامة الفرق المشاركة والضيوف باستثناء المصرية (شيرين) هذا ما يعني عدم اندماجهم مع (الليبيين) إلا من خلال حضور بعض الندوات التي لم يقدموا فيها ولا ورقة مشاركة (يتيمة).

* جولييت عواد.. ولكونها متحصلة على ماجستير في مسرح الطفل تمنينا لو كانت لها أية مشاركة فاعلة.

* تذاكر سفر- إقامة- مصروف جيب- (واجب)، كلها مصروفات للضيوف ماذا لو وزعت هذه الأموال لدعم الفرق المحلية.

 *  لن نجبر الآخر على احترامنا وتقديرنا طالما لم نصل لهذا الإحترام   فيما بينها.

* ستكون هناك متابعة لاختتام مهرجان المسرح الوطني الحادي عشر في الأعداد القادمة.




































مهرجانات ... تظاهرات ... أيام مسرحية                   
 حيلتان  محليتان …. وحيلة مستوردة وثلاث مهرجانات بدون تعليق !!

منذ المهرجان الوطني الأول للمسرح  سنة 1971 م الذي يقام كل سنتين والمسرحيون الليبيون والإداريون يتحايلون لإرساء قواعد ونظم للم الشمل  وحسب الموعد يطل علينا المهرجان الوطني  الثاني للمسرح  سنة 1973 م ليختفي مدة تسع سنوات إلى غاية 1982م الموعد  غير الرسمي للمهرجان الوطني الثالث . أثناء هذا الغياب لم يعجز المسرحيون الليبيون  والإداريون   لتدارك هذا الأمر بنقلة واحدة و "بحيلة لغوية" تم اختراع عنوان "المواسم المسرحية " لكل فرقة. وهي عبارة عن لم شمل مجموعة من الأعمال قدمت في السابق ولا بأس بإضافة عمل جديد ليشد أزر الأعمال القديمة. وبهذه الحيلة تحصل الفرقة  على موسم مسرحي قوامه  أسبوعا مسرحياً .  وكان سيد هذا الاختراع " المسرح الوطني_ طرابلس" الذي استطاع  خلال مسيرته التي تزيد على الثلاثين سنة أن يسد الفراغ بهذه الحيلة اللغوية  _ الموسم المسرحي _ ليحقق وبجدارة ثلاث مواسم مسرحية في خلال ثلاثين سنة وهو رقم ليس بالهين مقارنة بالفرق التي حاولت أن تلعب بهذا المصطلح. فمنها من حقق موسمين مسرحيين ومنها من حقق موسماً مسرحياً واحداً  .أما بقية الفرق وهي الغالبية العظمى  لم تنطل عليها هذه الحيلة و اكتفت بانتظار المهرجانات الرسمية. ولو أن بعض الفرق زودت المتلقي الليبي المتتبع المتعطش  للمسرح_ كل حسب استطاعته ببعض الأعمال لعرضها للمتفرج  المسرحي  وهو عبارة_ أي المتفرج_ عن  وجوه مكرورة في كل العروض المسرحية. فالمرء بمجرد أن يحقق ثلاث مشاهدات مسرحية ، لا يبذل جهداً كبيراً للتعرف على هذه الوجوه  حتى من خلال تبادل التحايا الممزوجة  بالخجل، و قد تتطور هذه التحايا إلى الجلوس مترافقين للاستمتاع بعرض مسرحي وتبادل الآراء وتقاسم الضحك والتصفيق والإعجاب.. والملفت للنظر برغم كثرة الفرق وتباينها الثقافي، والمادي. فهي تتحد في جمهور مسرحي واحد. فالمرء لا يستطيع تمييز متفرج   " الفرقة الوطنية " على متفرج   " فرقة المسرح الحر " أو"المسرح الجديد". وفي هذه المسألة لم يتميز   " المسرح الوطني " أيضا على بقية الفرق المسرحية، فهو أيضا يقدم عروضه لذات المتلقي ونفس المتفرج . رغم التزام هذا المتلقي بالحظور ومسايرة بعض العروض الركيكة والمملة والساذجة والمسطحة والطويلة  عن طريق تقديم  التهاني  لفريق العمل ، إلا أنه لم ينجو من العقاب فبعض الفرق لم تكتفي بتقديم عروض اقل من مستوى الفرجة وعروض ابعد عن الفهم  . بل لجأت الى حرمان جمهورها من المشاهدة بنقل عروضها  إلي خارج نطاق مشاهديها،بل أن بعض الفرق تنقل عروضها المسرحية  إلى  خارج الوطن ليستمتع به المشاهد العربي  إمعاناً في القسوة. ورغم هذا فالمتفرج الليبي يغض الطرف على هذه الإهانات المتكررة ولا يأتي بأي ردة فعل تجاه نجومه المسرحية. قد يحدث أحيانا ًأن يشاكس ويخرج من العرض   للفت الانتباه ليس إلا .
و أحيانا يضحك في غير مواقع الضحك ويتقلص وجهه لسماع " نكتة " تطلق من ممثل. إلا أنه لم يستطع منع يديه عن  التصفيق وبشدة  عند سماع أي كلمة تقال ثلاث مرات  بطريقة تصاعدية في الأداء . وعنده قدرة أيضا على إدعاء الفهم لعروض يعجز المسرحيين أنفسهم على  فك شفرتها، بما فيهم أصحاب العرض، وفي هذه الحالة يجلس المتفرج مبهوتاً. وبدون أي  تعابير تدل على الرضاء أو الامتعاض. حتى لو أجبره العرض على الخروج فهو يخرج بهدؤ شديد _خوف ملاحظته_ وبخجل أشد . ولكنه والحق يقال فالمشاهد الليبي يعطيك النصف الساعة الأولى قبل ان يبادر بأي ردة  فعل . وأحيانا يعطيك فرصة العرض الثاني كل حسب كرمه .
 الحيلة اللغوية الثانية _ بعد ما فشلت حكاية المواسم المسرحية _    كانت من اختراع المسرح الوطني طرابلس أيضا وهي " التظاهرة المسرحية " وهي حيلة  تسعينية_ عقد التسعينيات  _ خرجت  بعدما عادت المهرجانات الوطنية إلى السطوع ، ولكن هذه الحيلة خرجت لتسد عدم انتظام مواعيد المهرجانات المسرحية فهي عبارة عن مهرجان مصغر ليلم شتات أعمال الفرق الأهلية بقيادة المسرح الوطني والاتفاق على عروض مسرحية تغطي فترة أسبوعين متتاليين وعادة ما تستدعى فرقة من  خارج مدينة طرابلس لتحل ضيفأً مبجلاً على هذه التظاهرة.
 أهمية هذه " الحيلة اللغوية " لا تكلف تبعات إقامة ولا إعاشة.
 فهذه  الحيلة خرجت لتخفف على المسرحيين حدة عناء انتظار المهرجان الوطني للمسرح وأيضا مكافاءة للجمهور المتعطش للمسرح السالف الذكر.
الحيلة اللغوية الأخيرة " أيام طرابلس المسرحية " و"أيام بنغازي المسرحية " فهي حيلة مستوردة من " ايام قرطاج المسرحية " الذي يعد اهم مهرجان دولي عربي يقام في الشقيقة " تونس " وأكثرهم ثباتاً .
 لكن السؤال من كان له سبق التسمية مسرحيو طرابلس ام مسرحيو بنغازي ؟.
 هذه الحيلة حديثة العهد وببساطة شديدة يتنادى  المسرحيون في هذه المدينة أو تلك  بالاتفاق مع أمين شعبيتهم أو أمين  أعلامهم. لإقامة أيام مسرحية حسب عدد العروض  الجاهزة ولا بأس أيضا من تواجد بعض العروض الجديدة لطرد العين . أخرها "  ايام طرابلس المسرحية " التي تدخل فعالياتها يوم 22_ 6 _ 2004 م ، برصيد أحدى عشرة مسرحية .
مهرجان المسرح الجامعي... لا تعليق
مهرجان النهر الصناعي العظيم.... لا تعليق
مهرجان البيضا التجريبي..... لا تعليق 
دعوني اشكر اللغة التي اسعفتنا كثيراُ
وهذا ليس بجديد على شعب  يسمي الأعمى بصيرا
والسواد " بياض"
والملح " يدام "
والثعبان " حبل "
والنار" عافية" .


























الباب الثالث

حوارات ... مقالات






  المخرج المسرحي محمد العلاقي ...
 " ليس هناك مسرح ليبي والعجز قاسم مشترك بين الجميع " 
حوار / جمال التركي 

  تجربة محمد العلاقي هي احدى العلاقات المفصلية في المسرح الليبي فهو من الرعيل الاكاديمي الاول كما انه احد المحترفين بالكامل للعمل المسرحي تدريباً واخراجاً ..عاصر ما يناهز الاربعين عاما من الحركة المسرحية تفاعل معها وفيها واعطاها واعطته .. ولمقاربة هذه الرحلة كان لاويا هذا اللقاء :
اويا : مائة عام مرت على تجربة المسرح المحلي هل فعلا نملك تجربة مسرحية عمرها مائة عام ؟
- كزمن فزيائي يمكن ان يكون قد مضى على مسرحنا 100 عام ولكن كفعل مسرحي اعتقد انه اقل من هذا بكثير فالمشكلة اننا كنا ولا زلنا نعاني من الانقطاعات ثم البدايات الصفرية نحن لا نراكم التجربة ولقد حددها المرحوم عبدالله القويري بازمة الانقطاعات على مستوى الزمن والجغرافيا فالتجمعات السكنية تبدو كالجزر المفصولة بدون نسيج ولقد اضفت الجغرافيا طابعها على الزمن 
اويا : هل من الممكن ان نطلق على تجربتنا اسم المسرح الليبي ؟
- لا ليس هناك شئ اسمه المسرح الليبي هناك تجارب مسرحية فنحن عندما نضع تجربتنا المسرحية تحت عنوان المسرح الليبي فاننا سوف نقيسها بمسطرة المسرح الايطالي او الفرنسي او الانجليزي وهذا ظلم كبير للاثنين معا فعندما نتكلم عن مسرح ذي خصوصية مكانية يفترض المسرح هذا ان يكون حاضراً في حركة المجتمع الثقافية والاجتماعية اون يكون حاضراً في حركة المجتمع الثقافية والاجتماعية وان يكون عضوياً في صناعة العقل ففي فرنسا على سبيل المثال يرتاد المسرح في مدينة واحدة كالعاصمة باريس اكثر من خمسين الف مشاهد وتقدم 15 مسرحية جديدة كل شهر وتعرض بعض المسرحيات لمدة سنوات 
اويا: كيف جئت الى المسرح ؟
- في تلك الفترة كان هناك حراك اجتماعي عام يشمل النشاطات الرياضية والحفلات والانشطة الثقافية وتعرفت على نادي كان اسمه نادي مصراته بطرابلس دخلته لان صديقي كان من مدينة مصراته ووالدتي كذلك وفي هذا النادي وجدت اعلانا عن دورة اعدتها ادارة الفنون والثقافة تشمل دروسا في المسرح ذهبت مع صديقي بدافع الفضول وكان الشخص المسئول عن امتحانات المقابلة هو الاستاذ محمد عبد العزيز العقربي بهرني الرجل وانا اقف امامه وهو يؤدي احد قصائد فولتير عن الذئب والثعلب احسست اني اريد ان اعرف هذا العالم الذي يعرفه هذا الرجل وانخرطت في الدورة التي كانت تحتوي على دروس في التمثيل والالقاء وعلم النفس وتاريخ المسرح وكان الاساتذة هم محمد العقربي في التمتيل ومحمد ماهر فيهم في الالقاء ودكتور لا اذكر اسمه في علم النفس وعبدالله القويري في تاريخ المسرح ورافقني في هذه الدورة المذيع على عطية والمرحوم محمد الساحلي وعند انتهاء الدورة التحقنا بالمسرح الوطني ووجدنا امامنا لطفي بن موسى ، شعبان القبلاوي ، محمد شرف الدين، الامين ناصف ، عمران المدنيني وفنان الكاريكاتير ، محمد الزواوي الذي كان يصمم الديكور آنذاك فكان المسرح الوطني يجري بروفات مسرحية عطيل التي يخرجها محمد عبد العزيز العقربي وكانت الاستعدادات ضخمة لتنفيذها بالرغم من عدم عرضها على خشبة المسرح لأسباب إدارية الا انها كانت تجربة جيدة لنا نحن القادمين من الدورة التدربية للاحتكاك المباشر مع أعمال بمستوى " عطيل " .. وفي ذلك الوقت 1967 . رشحني الاستاذ عبدالعزيز العقربي لمنحة دراسية قدمتها وزارة الثقافة الفرنسية لدرسة المسرح في فرنسا .
اويا : كيف كانت تجربة الدراسة في تلك الفترة والتي كانت تزخر بها فرنسا بالعديد من التغيرات الثقافية والسياسية ؟
- للوهلة الاولى اكتشفت انني أمام عالم غريب يضج بالاختلاف والحركة فمنذ الأشهر الاولى انطلقت ثورة 68 في فرنسا وكان الوسط الطلابي احد مراكزها كان كل شئ قابل للنقاش وفي خضم هذا كان المسرح الفرنسي يعيد قرءاة ذاته واذكر انني فوجئت حتى بالموضوعات التي تطرح للدراسة الاكاديمية فلقد طلب مني مثلاً الكتابة عن الشيخوخة في المسرح ..الجامعة في ذلك الوقت كانت اقرب للمختبر المسرحي انخرطت في المحيط الطلابي وشاركت في مجموعة عروض كان احدها هو مولد السلام وهو اوبريت للفيلسوف " ديكارات " قمنا بتحويله الى مسرحية تم عرضها فكتبت عنه الصحافة الباريسية وتدريجياً بدأت أدراك أن   الموضوع اكبر مما تخيلت وأن المسرح هو فن في غاية الدقة والتعقيد وأن التعامل معه يحتاج الى الكثير من التأسيس المعرفي والتقني وبالفعل انهمكت في التعرف على اهم الكتابات الابداعية والنقدية في المسرح وقد كانت باريس آنذاك هي بؤرة التيارات الفكرية في المسرح العالمي واثناء دراستي نعرفت على المخرج التونسي " توفيق الجبالي "  وعند نهاية سنوات الدراسة كنت أمام خيارين اما ان اكمل دراستي العليا او اعود ولظروفي الاجتماعية قررت العودة على ان اكمل دراستي العليا فيما بعد وهذا ما لم يحدث .
أويا : ما هي قراتك للحالة المسرحية المحلية بعدما عدت من الدراسة .
- كانت هناك محاولات تتوهج احيانا وتخبو احيانا اخرى غير انني أرى ان اهم هذه المحاولات كانت تجربة " مصطفى الامير" فقد استفاد من "شلندا" في ان يقدم ملامح الشخصية الوطنية غير ان ذلك لم يتبلور ولا استطيع تحديد لماذا لم يستمر .
اويا : تجربة " مصطفى الامير " تزامنت مع تجربة " الأمين ناصف " الذي كان منهمكاً في محاولة تقديم مسرح جاد ؟
- حسب راي الشخصي ان ما كان يعيق تجربة " الأمين "  هو انها تريد تقديم اعمال عالمية وهذا يمكن تحقيقه الى حد ما في كلية للمسرح عندما يتوفر الادراك النظري والمعرفي لكافة العناصر الداخلة في تنفيذ العرض دعني اوضح اكثر فكرة رسالة الماجستير التي كنت ازمع تقديمها كانت حول " بريخت "  واظن انني قرات " بريخت " بشكل جيد غير انني لم اقدم اية مسرحية لبريخت لانني اعتقد ان تناول " بريخت " في عرض مسرحي يجب ان يدرك بريخت معرفيا من جميع طقم العمل وهذا لا يمكن تحقيقه عندنا ولذلك اظن اننا اذا اردنا ان نقدم معادلة مسرحية محلية فيجب ان تنحاز الى المسرح الشعبي وان نقترب من المهم الاجتماعي المحلي اما تقديم الاعمال العالمية بالرغم من اهميتها فاننا لانزال غير قادرين على الامساك بقواعد لعبتها :
اويا :بدات مع اسماء مسرحية مهمة على خارطة المسرح العربي توفيق الجبالي وفاضل الجعايبي وكانت مستوياتكم متشابهة بل ان بعضا من عاصركم يقول انك كنت تسبقهم بخطوة فلماذا عبروا هم نحو الضفة الاخرى وبقينا نحن؟
- لا يمكن معرفة الخلل عن طريق التخمين وهذا يحتاج الى كثير من الجهد العقلي والتحليل العلمي غير انني اشعر ان هناك عجزاً مشتركا وعلى مستويات متعددة فهناك عجز على مستوى المجتمع اعتقد ان العجز يحيط بنا بالكامل .. فخاصية  المسرح كما نعرف لا تاتي نتيجة لجهد فردي فهو منظومة متكاملة انه مثل السيمفونية لايمكنها ان تعزف الا اذا توفرت كافة عناصرها وهو كذلك نتاج لحركة ثقافية كاملة تشمل التفاعل المسرحي كي يولد المسرح .
اويا : ساهمت في حقل التدريب مدة طويلة كيف ترى وضع مؤسساتنا التعليمية الان ؟
- دخلت مجال التدريس بمعهد جمال الدين الميلادي منذ بداية السبعينات وهو معه متوسط وحاولت انا وزملائي تكوين كوادر متخصصة ولو بشكل نسبي نجحنا في اماكن وفشلنا في الاخرى وقمت بالتدريس في مركز تقنيات الفنون لمدة سنوات وانني اعجز ان احدد بشكل دقيق اين يكمن الخلل الذي ارى انه موزع بين هيئات التدريس والمناهج والطلبة وهذا بحاجة الى دراسات علمية كي نعرف يقيناً اين مكامن الخلل لنأخد مثلاً انا كنت ضمن لجنة تقييم الاعمال المقدمة لمهرجان المسرح الجامعي وللغرابة تقدم المعهد بعرض لا يمكن ان نقول عليه سوى انه هذيان لا علاقة له بالمسرح ويحدث هذا من قبل معهد يفترض انه متخصص في انتاج الكوادر المؤهلة معرفياً وتقنياً كما سمعت ان جامعة الفاتح تناقش الان قفل قسم المسرح والموسيقى . وفي مثل هذا الارتباك والفوضى لايمكن لاحد أن يبدي اية ملاحظات .. الحالة تحتاج الى دراسة علمية معمقة حتى لا نبقى ندور في نفس الاسئلة والاجابات .
 اويا : هل توجد لدينا عناصر فنية قادرة على تحقيق معادلة المسرح ؟
- على  مستوى الممثل لدينا عناصر ذات كفاءة غير ان معظمهم اقرب الى الفطرية ويفتقد الخبرة المعرفية والتقنية وعلى مستوى السينوغرافيا ما يتعلق بالاضاءة والديكور والملابس .....الخ هناك اشخاص جاهزين غير أن الأهم هو ادراك المجتمع لاهمية المسرح والحاجة إليه وانا هنا لا اتحدث فقط عن المؤسسات بل عن المجتمع ككل . الفرد لدينا لا يرى اهمية للحوار والمسرح بالاساس هو حوار ، اما على المستوى الشخصي فنرفض الاختلاف مما يحيل الفعل المسرحي على رقابات متعددة وليست الرقابة السياسية فقط فانت لاتستطيع ان تنتقد الجهود ولا التقاليد ولا الاعراف .. الخ هذا يجعل من المسرح كائنا بلا صوت محاصراً باصوات الرقابة الذاتية وضمن هكذا معطيات لا يمكن إنتاج مسرح .
اويا : كيف تقيم اعمالك الان ؟
- لست ادري لكني حاولت ان أقدم اعمالاً متنوعة " الشنطة طارت "  مثلاً لاقت استحساناً جماهيرياً ولاقت حظها من العرض مدة لا باس بها ، و" الميت الحي " لاقت اهتماماً في المهرجانات العربية اما مسالة التقييم فهذا يعود للزمن وليس لى .
اويا : البعض يرى بأن  العجز سببه  تردي الوضع داخل المسرح ؟
- قد يكون هذا صحيحاً بشكل ما غير ان ذلك لا يمنع من أن هناك عوامل كثيرة مشاركة صحيح ان البعض  لا يريد تحمل مشقة الانهماك في التفاصيل من تدبير التغطية المالية الى الاتصال بالكاتب والممثلين والجهاز الفني ...الخ هذا يرهق ويستهلك  الكثير من الوقت وفي احيان كثيرة يكون بدون نتيجة اعتقد ان الحل هو خلق الية جديدة للفرق المسرحية بتقديم عرض سنوي وان يتم توزيع هذه العروض على مدار السنة فسيكون لدينا في كل شهر مجموعة عروض ثم ان يتم التعامل مع الفرق عن طريق العقود اي الذي يشتغل يتم التعاقد معه بذلك نستطيع تربية جمهور يتعود الذهاب الى المسرح .
اويا : وانت ما الذي قدمته لمسرحنا ؟
- اسست فرقة الزاوية .فرقة زواره .وفرقة صبراته غير انني لا اعتقد ان هذا يكفي ولقد حاولت تأسيس مختبر مسرحي يمكنه تبني التجارب المسرحية والمهرجانات المحلية والعربية واستمريت لسنوات في مطاردة الموافقات الرسمية وقدمت تصورات عدة لأحد اكبر مهندسينا لإستغلال أحد الامكان المغلقة في مدينة صبراته تحصلت على الموافقات ولم تنفذ استمريت لمدة طويلة احاول ثم استسلمت .
اويا : من هي الاسماء التي جاءات بعدك ، وكان لها تميزها ؟
- إخراجياً محمد القمودي استطاع ان يقبض على مفرداته ونجح في محاولة رصد الحراك الاجتماعي ،مسرحية " نقابة الخنافس " كانت عملا يقترب من مفهوم المسرح الشعبي ، اما على مستوى الكتابة فهو " منصور بوشناف " وهناك مخرج جيد اسمه " محمد نجم " قام بتجارب مسرحية لا باس بها .
اويا ماذا اعطاك المسرح ؟
- الحياة نفسها لا استطيع ان اعيش بدون مسرح ، انه التعبير الوحيد عن وجودي احس خارجه انني اختنق يشكل لدي حالة من التواصل مع الاخر حالة الكينونة واعتقد ان هذا هو ما يمنحه المسرح للمجتمع انه يهيئ ارضية لخلق الحوارات وهو فعلا ما نجده قرءاه تاريخ المسرح فالفترات التي ازدهر فيها المسرح كانت فترات نهضة اجتماعية والعكس في فترة سيطرة الكنيسة في القرون الوسطى كان المسرح غائبا وكانت اوروبا غارقة في الجهل .







حول موجات التجريب في مسرحنا..
قفز على المحلي.. واستنساخ للوافد
بقلم / أحمد بشير  عزيز
إن دخولنا لعالم التجريب بهذا الاندفاع الذي ظهر في السنوات الأخيرة بقدر ما له من ميزات بقدر ما له من محاذير، لأن التجريب ليس "موضة" يتقاطر عليها كل من هبّ ودبّ، وإنما هو إعمال الفكر والخيال في دنيا الإبداع المسرحي في محاولة دائبة للتطوير والارتقاء واستكشاف منافذ جديدة للتحليل والتدليل.
ليس المقصود بالتجريب في مسرحنا العربي أن نتحول إلى أدوات امتصاص لتجارب الغرب والتأثر بما تفرزه هذه التجارب، والعمل على نقلها بكل لوازمها وتفاصيلها إلى مجتمعنا العربي.
إن ذلك سيفقدنا خصوصية الرؤية المسرحية المستقلة وسيجعلنا نبحر في اتجاه لا يمكن أن يقبله مجرانا.
إن معرفتنا بالمسرح طيلة قرن من الزمان أو يزيد جديرة بأن تدفعنا في إطار التجريب إلى استثمار أصولنا ومبدعاتنا التراثية واستلهام ظواهرنا المسرحية العربية. وأيضاً بلورة قضايانا المصيرية واليومية.
نحن لا نستطيع أن نكون خارج الدائرة الإنسانية أو أن ننقطع عن التجارب العالمية.
ولكنه لابد أن يكون ذلك من خلال منظورنا ورؤيتنا وتقييمنا، فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن العصرية بمعزل عن تراثنا التاريخي والفني والأدبي. وإلا ما استطعنا استكشاف أشكال حديثة ووسائل جمالية جديدة لإبداعاتنا.
إن عدداً من التجارب التي شاهدناها مؤخراً تجعلنا نتخوف على مستقبل التجريب في وطننا العربي لأنها تجارب في أغلبها تتبنى- وبدون وعي- معاناة الغربة التي تعصف بالمجمع الأوروبي حالات القلق وفقدان الترابط والانهيارات الأخلاقية التي تسود ذلك المجتمع. وإلا بماذا نفسر ذلك الصراخ والعويل وذلك النباح والمواء الذي نشاهده بصورة مقززة على بعض خشباتنا؟
ماذا يعني أن يتبنى مسرحنا مشاهد الجنس أو التقيؤ أو التبول -عذراً- على خشباتنا؟ ما معنى هذا الهوس العجيب الذي نراه على خشباتنا والذي ببدو في بعض الأحيان أقرب إلى (اللوغرتيمات) التي لا نعرف لها معنى والتي هي أشبه بالزئبق الذي يفلت من كل تحديد في أحيان أخرى؟.
التجريب ليس معناه أن نتجاوز قيمنا ونتخطى هويتنا ونقفز على تاريخنا وأصولنا، والتجريب ليس نبتاً وحشياً مجنوناً ينطلق من نزوة الإبداع الذي لا يتأسس على هوية، وليس الإبداع الذي ينأى عن الوظيفة الاجتماعية.
صحيح أنه من مهمات التجريب أن يرتاد مناطق بكرا في تراثنا وتقاليدنا وأصولنا، ولكن ليس بطريقة عشوائية زخرفية عبثية، لأن التجريب هو فعل أساسي من أفعال الوجود والحضور والعمل الجاد الذي يحمل شحنة الوعي التي تقاوم أشكال الغزو الثقافي.
نحن نعترف بأن هناك من التجارب ما يدفع  إلى الانبهار والاندهاش لاعتمادها على عملية "قصدية" على حد تعبير (د.هدى وصفي) يتأخر فيها الإبداع درجة لتتقدم فيها الحرفية والصنعة.
إن وطننا العربي مليء بالهموم والانهيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما هو مليء بالقيم الإنسانية والحضارية والتاريخية، أليست هذه أفكاراً وقضايا جديرة للتمحور في دوائر التجريب؟
إن الذين يقولون بالميل إلى عالمية النظرة نقول لهم ألسنا جزء من هذا العالم؟ فلماذا ننسى أنفسنا؟
والذين يدّعون بتنقية ذوق المتلقي من رواسب وإرهاصات التخلف نقول لهم أي ذوق تنقون وأنتم تدلقون على مسارحنا عقداً نفسية وجنسية مزرية.
تاريخنا المسرحي يشير إلى تجارب عديدة انطلقت على مساحة وطننا العربي لكنها لم تتواصل لسبب أو لآخر. أليس الأجدى أن نعيد النظر في هذه التجارب نظرة تعمل على تطويرها وتوسيع دوائر التجريب فيها وتجاوز نقاط ضعفها؟
وتاريخنا المسرحي يشير إلى تجارب مسرح "السامر" الذي دعا إليه "يوسف إدريس" ومسرح "الحكواتي" الذي أطلقه "توفيق الحكيم" والمسرح "المرتجل" الذي تبناه "علي الراعي" ومسرح "التأسيس" الذي أخرجه "سعد الله ونوس" والمسرح "الاحتفالي" ومسرح "الحلقة" والمسرح "الثالث" ومسرح "البساط" وغيرها.
إن هذه التجارب استطاعت أن تلمح بشيء ولكنها في أغلبها لم تستمر أو أنها استمرت متعثرة وفي تقييمي أن هذه التجارب لم تُصب بالبوار حتى الآن بل يمكن أن تتطور إلى أشكال واتجاهات مسرحية ذات قيمة كبيرة إن ركز مخرّبونا عليها وسعوا إلى تطويرها.
إن هدف كل هذه التجارب كان البحث عن التمييز ضمن الألوان العالمية. فالدكتور "علي الراعي" مثلاً عندما نادى بالمسرح المرتجل كان هدفه أن يقدم أنموذجاً يمكن من خلاله التخلص من هاجس سيطرة النظريات الغربية على مسرحنا وكان هدفه أيضاً أن يفسح مجالاً مفيداً لاستنباط أشكال مسرحية جديدة تضمن خصوصيتنا. وعلى ذلك يقول "إن المحبطين ومسرح الارتجال والسامر وخيال الظل والأراجوز لو استخدمت متقدمة لاكتملت جدوى التجريب على أكثر من مستوى".
الاحتفاليون أيضاً كان ذلك هدفهم فالطيب الصديقي ضمن مجمل تجاربه حاول أن يخرج بالمقامة من ستر الظاهرة المسرحية إلى العمل المسرحي الذي يتمتع بمواصفات الدراما وأن يبلور المقامة شخوصاً ومواقف تفصح عن فحواها بمضمون واضح في قيمته وتأثيره.
والاحتفاليون كانوا يسعون إلى التأصيل من خلال العودة إلى الذاكرة الشعبية التي تختزن الكثير من الظواهر الشعبية، والاحتفالات التي رسمها الإنسان الشعبي بكل تلقائية وعفوية.
فكلما اقتربت تجارب المسرحيين العرب من التراث الشعبي كلما اقتربت من هوية تجريبية للمسرح العربي.
فلماذا لا يواصل مجربونا المسرحيون البحث في هذه التجارب علّهم يطورونها ويريحوننا من "بيتر بروك" و"غروتوفسكي" اللذين أصبحا هاجساً ممضاً ومخيفاً يلجم إبداعنا المستقل بحالات من الاستلاب والانقياد الأعمى؟.
إن "بروك" نفسه لجأ إلى أفريقية والهند وإيران للبحث عن مصادر للتجريب لإحساسه بأن المسرح الغربي بشكل عام مسرح جامد. أليس الأجدر بنا أن نستثمر ما يجود به محيطنا وبيئتنا ومعطياتنا الحضارية والتاريخية؟!!
إن مستقبل التجريب في وطننا العربي سيكون زاهراً لو عملنا على استثمار إمكانياتنا استثماراً مدروساً وشبّعنا خيالنا بما تزخر به بيئتنا العربية وبلورنا ذلك من خلال لغة مسرحية واعية مستفيدة من التجارب الإنسانية. لكنها في نفس الوقت متحررة من مركبات الاحتذاء والأسر.
فحين يتم نقل التجريب الغربي على سبيل التقليد مع تجاوز القدرة والخصوصية والمعطى الثقافي والتاريخي والبيئي والاجتماعي فإن التجريب يكون عبثاً وعبئاً حقيقياً. أليس الوقت مناسباً الآن لأن نلتفت إلى موروثنا وإلى إبداعنا التاريخي والحضاري؟ إنه الأصالة التي لا تتحقق بدونها العصرية.

 



















منصور بوشناف ...
            " أنا ابن المسرح الإنساني ومسرح "العبث"جزء من تكويني " 
حوار/ حواء القمودي 
 
منصور بوشناف .. ليس أكثر من اسم يحاول أن يقدم شيئاً في عالم المسرح وفي المشهد الثقافي الليبي ، لكن هذا الاسم يصنع تميزه ويشير إلى تفرده ، في حوارنا معه حاولنا التوقف عند تجربته المسرحية ، ونبشنا معه (حوار البدايات) حيث الشغف بالمسرح ، بعض هذه الأسئلة اقترحها الصديقان الشاعر الناقد أحمد بللو صحبة نوري عبدالدائم، وفي الجزء الأول من هذا الحوار سنقرأ عن (البداية) حيث (مدرسة مصراته المركزية) واكتشاف العالم الساحر الذي اسمه (المسرح) ... ثم الفوز بجائزة النص المسرحي عام ١٩٧٣ ليصبح منصور بوشناف بعدها أحد الذين شاركوا في تأسيس المسرح الجامعي ببنغازي عام ١٩٧٤ مسيحي واتمنى أن يكون هذا الحوار إثراء لاحتفائية (أويا / الفني) بمئوية المسرح الليبي ...
أويا - هل في الذاكرة حيز لبداية الشغف بفن المسرح ؟
- كانت البداية عام ١٩٦٥ بالمدرسة الابتدائية وقد اختارني لأكون عضوا بفرقة المسرح المدرسي "بمدرسة مصراته المركزية" الأستاذ "إبراهيم الكميلي" واكتشفت أثر تلك التجربة عالماً ساحراً هو عالم المسرح ومنذ ذلك الزمن ظللت ابناً للمسرح وإن ابتعدت أو حاولت الابتعاد عنه .. كنت عندها تلميذاً بالصف الخامس الابتدائى وكان المسرح بمصراته يشهد نشاطاً كبيراً ، فكان المسرح المدرسي ومسرح النوادي ، كانت المؤسسات الاجتماعية والثقافية تهتم بأن يكون لها نشاط مسرحي ، لذا حظيت وجيلي باهتمام أساتذة مخلصين لمشاريع ثقافية نهضوية .. بالمرحلة الإعدادية بدأت أحاول الكتابة، وأصبحت عضواً عاملاً بالمسرح الوطني بمصراته وأنا بالأول ثانوي ، دون التوقف عن العمل بالمسرح المدرسي ، وشاركت في المهرجانين الوطنيين الأول والثاني، وكذلك في مهرجان المسرح المدرسي على مستوى ليبيا في طرابلس في دوراته الأولى ... إلى جانب التدريب والدورات بالمسرح الوطني، كانت مكتبة المسرح الوطني بمصراته والتي عملت أميناً لها لفترة ، معلماً حقيقيا لي فلقد وفرت لي زاداً معرفياً ممتازاً فيما يخص النص العربي والعالمي إلى جانب الدراسات والتاريخ وكل ما يتعلق بالمسرح في تلك الفترة ..
وعرض نصي الأول (صراع) وأنا بالأول ثانوي ثم فزت بجائزة النص المسرحي التي نظمتها الهيئة العامة للمسرح والموسيقا عام ١٩٧٣مسيحي، وبدأت أنشر بالصحافة خاصة بالفجر الجديد والرأي والعمل ثم البلاغ ومجلة الإذاعة ، عام ١٩٧٤ شاركت في تأسيس المسرح الجامعي ببنغازي وأعاد تمثيل مسرحيتي (صراع(  .
  أويا - المسرح الليبي، هل له خصوصية تميزه عن المسرح في الوطن العربي؟
- رغم كل الظروف يتمتع المسرح الليبي بخصوصية مهمة وهي التزام بقضايا شعبه وأمته وتقديمها بشكل شعبي قريب من الناس، على عكس غالبية المسارح العربية حيث ينقسم المسرح إلى تيارين ، إما مسرح مثقفين معزول عن الناس أو مسرح تجاري تافه .
  أويا- كيف تنظر لتجربتك في الكتابة المسرحية ؟ ثم ما الحلم أو الطموح الذي تسعى إليه من خلال هذه الكتابة؟
-  تجربتي في كتابة المسرح  سارت في خطين متوازيين الأول كان - النص المسرحي - الذي كتبته دون اهتمام بالعرض المسرحي ، وكان همي الأول فيه كتابة الحوار الدرامي وما يمكن للغة أن تقدمه ، وغالبية هذه النصوص كتبت بالفصحى. أما التجربة الأخرى فكانت كتابات للعرض المسرحي وكتبت جميعها باللهجة وتركت مساحة للمخرج وللممثل للمساهمة في تطوير النص وكتابته .. وأنا أكتب لأنني أريد الكتابة، وأطمح أن تكون كتابتي المسرحية مساهمة ولو صغيرة لكتابة مشهد ليبي مسرحي حقيقي ، مع احتمال الفشل والنجاح ومع إيمان بأنني لن أحقق ذلك إلا مع مخرج وفنيين وممثلين وإدارة ، الأهم مع مناخ يتوفر  فيه حوار اجتماعي شفاف ..
أويا - علاقة الكاتب المسرحي بمخرج العمل ... كيف تراها ؟
- لا أومن بقداسة النص ، وأحرض على نزع القداسة عن أي نص ، لذا أرى المخرج كاتبا للنص، والممثل ومهندس الديكور، ومصم الملابس والموسيقي كلهم شركاء في هذا الحوار الاجتماعي الذي نسميه النص المسرحي والعرض المسرحي ...
أويا - لماذا يغيب المسرح في ليبيا عن العام كله .. ولايحضر إلا في المهرجان!!
- مهرجان المسرح الوطني في ليبيا صار هو المسرح ، إنه غرفة الإنعاش والحاضنة للمسرح في ليبيا ، ولو توقف هذا المهرجان لمات المسرح في ليبيا ، إنه المسرح الليبي الآن ، وذلك نتيجة لسيطرة التلفزيون وتخلى الجمهور عن المسرح وتلك ظاهرة واضحة في البلدان المتخلفة فقط ، حيث يسيطر التلفزيون وتغيب كل الفنون الأخرى ، كالمسرح والسينما والكتاب والتشكيل ...يغيب الحوار الاجتماعي الحي والشفاف والنتيجة غياب المسرح، لذا يصبح مهرجان المسرح ندوة اجتماعية تنظم وتعقد في مكان وزمان محددين ثم تنتهي أعمالها حتى ندوة أخرى ..!!
أويا - كتاب المسرح ليبيا (البوصيري - القويري- الأمير- بوبكر حميد- قناو وغيرهم) ماذا تقول عن هذه التجارب ؟!
- كُتاب المسرح في ليبيا ،(البوصيري - القويري- الأمير- بوبكر حميد- قناو - تجارب مهمة  في المسرح الليبي والمسرح العربي ، عبدالله القويري لم ينل الاهتمام اللائق به من المسرحيين الليبيين، ربما لأنه لم يكتب وفقاً لنماذج جاهزة وأساليب معروفة، والبوصيري عبدالله كتب المسرحية الفصحى كأى كاتب عربي متمكن وهو تجربة مهمة تمتاز بالنضج والالتزام بمعايير المسرح الذي ينتمي إليه ... وقناو تجربة مهمة في المسرح الاجتماعي وفي بناء الحوار المتقن .
أويا - ما يمكن أن نسميه (مجموعة المجر) بوفاخرة - الزني - كحلول - سرقيوة - بوشعالة- فرج بدر، ماذا تقول عنهم؟!
- (مخرجو المجر) منهم من قدم تجربته وتطور، ومنهم من ظل  يلوك "علكة" التجديد والتطوير دون عمل.
أويا:-"الإرث"المسرحية التي كتبت بعد توقفك..مليئة بالعنف والمواجهة؟!
- الإرث مسرحية "الخاص والعام"مسرحية الماضى والحاضر،صدام بين التكوينين والزمنين،كتبت المسرحية عام 1989من القرن الماضى،وفيها تحسس لعنف هذا الصراع الذي قد يحرق البيت والإنسان وأعتقد أن تسعينيات القرن الماضي وبدايات هذا القرن دلت على نتائج هذا الصراع وتمظهراته..
وهي مسرحية علاقتنا كأفراد بالإرث..إرث القبيلة وصراعه مع إرث "البيولوجيا"وقوانين الحياة الطبيعية التي لاتلقى لإرث القبيلة بالاً..
الإرث مسرحية تخيفني حين اقرأها الآن ولكنها مسرحية صادقة..
أويا:تبدو في مسرحك مهجوسا بعلاقة الرجل بالمرأة..ولديك إعلاء لقيمة الأسرة..حتى إن بدا غير ذلك؟!!
 -ظلت علاقة الرجل بالمرأة حجر الأساس في تاريخ البشرية،إن شكل المجتمعات ومستواها الحضاري لا أبالغ إن قلت أنها رهينة لعلاقة الرجل بالمرأة في هذه المجتمعات،إن المساواة بين الجنسين هي أساس المساواة في المجتمع..ولايمكن أن يكون هناك حوار اجتماعي حر وديمقراطي وعادل مالم يكن هناك مساواة بين الرجل والمرأة..
والمؤسسة التي تمثل هذه العلاقة وهذا الحوار هي الأسرة،لذا أعتقد أن تجاهل هذه المؤسسة يعتبر تجاهلاً للحوار الاجتماعي ولقضايا المجتمع..
وأنا لا أقدم أحكاماً-قيمية،أحاول فقط أن أقدم أشكال وآليات الحوار والصراع في المجتمع..
أويا:الأب إذا ظهر في مسرحك فهو يمثل قيمة سلبية،بينما الأم غالباً ذات قيمة إيجابية؟!
- الأب "حارس"قيم "الإرث"..قيم الذكورة والتسلط،أما الأم فأراها الأكثر إيجابية وإنسانية والأكثر استعداداً لتقبل الجديد والمختلف..
أويا:يرى البعض أن مرجعية منصور بوشناف هي مسرح "العبث"؟!
- أنا ابن المسرح الإنساني ومسرح "العبث"جزء من تكويني،إنه المسرح الأكثر واقعية وإنسانية الآن،ومسرح العبث هو مسرح الثورة الحديثة،ثورة الإنسان المهمش المسحوق ضد شركات وأدوات الحكم والقمع العملاقة التي تسحقه،إنه محاولة الروح الإنسانية للخروج من قبو التشيوء والرسملة والتسليح..
أويا:يقول البعض الآخر أنك مولع باللعب؟!
منصور:المسرح في أساسه "لعب"والمسرحية "لعبة"وقد أضر بالمسرح العربي المترجمون،حين ترجموا"اللعبة""مسرحية"وحولوا اللعب إلى "مسرحان"إن كلمة "يتاترون""اليونانية"تعني بالضبط "الفرجة"و"اللعب".
أويا:في مسرحياتك"باللغة الفصحى"شعرية وتكثيف حتى لايجد المخرج مساحة؟!
- الشعرية في مسرحياتي"بالفصحى والعامية"أيضاً،ربما تقصدين بالشعرية "الايقاع العالي"ولكنني أراها في كل الأعمال التي كتبت وإن كانت داخلية ومبطنة،وأستغرب ألا يجد المخرج مساحة نتيجة لهذه الشعرية،وربما تبدو المساحة في اللهجة أكبر لقربها من المخرج والممثل..ربما..
أويا:في مسرحك يبدو جدل الثنائيات،وأيضاً اسقاط الأقنعة،والحجالات مثالاً؟!
- أنا ابن ثقافة الثنائيات "الخير والشر..التقدم والتخلف..إلخ،والجدل والصراع بينهما،وأرى المسرح حواراً وصراعاً اجتماعيين..والمسرح في أساسه وكما أراه اسقاط للأقنعة وليس وضعا لها على الوجوه،فالكل يظهر نبيلاً وطيباً والمسرح ينزع عنه أقنعته لتتجلى إنسانيته الحقيقية،بالضبط كما علينا أن ننزع قناع الشر عمن يظهر شريراً فقط،لنرى إنسانيته الحقيقية..و"الحجالات"لعبة وضع الأقنعة ونزعها،فالقناع هو الشخصية المسرحية التي هي "الدور الاجتماعي"الذي نلبسه مكرهين أو طائعين،وفي "الحجالات"يلبس الرجال أقنعة النساء للقيام بوظيفة اجتماعية وهم مكرهون،ببساطة أن قناع الرجولة"الاجتماعي"دور وعمل في الأساس..
أويا:"جالو"بعد "اعدادك"صارت نصاً مغايراً للأصل..فلماذا إعداد "منصور بوشناف"فقط؟!
- "جالو"تأليف وإن كتب عليها إعداد،لقد حافظت على حدوثة المرحوم الكاتب "الصادق النيهوم"ولكنني أضفت إليها شخصيات وأحداث،وصارت الرؤيا اجتماعية بدل "القدرية"التي قدمها بها "المرحوم النيهوم"،في "جالو"المجتمع يصنع الصحراء بينما عند النيهوم يصنعها "القدر".























 
الطريق الى احياء الحركة المسرحية 
بقلم / د. احمد ابراهيم الفقيه 

  قرأت للزميل الكاتب كامل عراب ، مقالا يطالب فيه بعودة شباك التذاكر الى المسارح الليبية ، كخطوة في الاتجاه الذي يقود الى اعادة الاعتبار لهذا النوع من الفن ، الذي يطلقون عليه مجمع الفنون ، لانه احتوى بداخله اغلب الالوان الفنية ، وهو فن لحقه الهوان علي ايدي العاملين به ، عندما ظنوا ان فتح المسارح مجانا ، سيدفع الجمهور الى التزاحم على ابواب مسارحهم ، وارتيادها باعداد كبيرة كلما سنحت الفرصة امامهم لمشاهدة عرض مسرحي ،  وهو اسلوب للاسف الشديد ، جاء بنتائج عكسية  لانه جعل المسرح يتحول الى بضاعة بائرة، حاله حال كل بضاعة يعرضها صاحبها على الزبائن بلا ثمن ، فيرفضونها ويذهبون لشراء بضاعة لها قيمة ، يدفعون ثمنها  واثقين انهم يحصلون على بضاعة تساوي الثمن الذي دفعوه من اجلها .
       نعم ، نعم ، لابد حقا من اعادة شباك التذاكر الى مسرح الكشاف ، وهو المسرح الرئيسي في طرابلس الذي تعودنا رؤية ابوابه مفتوحة ، بلا حسيب ولا رقيب ، وهو ما يحدث في المدن الاخري ، او في طرابلس في مسارح غير مسرح الكشاف ، لحق اغلبها الخراب والانهيار وتحولت الى مواقف للسيارات . تعود التذاكر ، دون ان ينتظر اهل المسرح حلا سحريا  لمحنتهم مع الجمهور الذي سيظل ، رغم التذاكر ، رافضا الاقبال على عروضهم ما لم ترافق عودة التذاكر عودة لقيم اخرى غابت مع غياب التذاكر وغياب الجمهور ، فالامر لن يكون سهلا بعد هذه السنوات التي تعود فيه الناس على اعتبار المسرح وكالة بدون بواب ، وانما يحتاج الى سياسة وتخطيط  وتدبير ، وحصافة في التنفيذ ايضا ، لاعادة الثقة المفقودة بين الجمهور والمسرح الليبي ، ووضع المسرح على طريق النهوض  من جديد ، باعتبار ان بلادنا مؤهلة مثلها مثل بلدان عربية وغير عربية ، تزدهر فيها الفنون وعلى راسها المسرح ، وقادرة على خلق حركة مسرحية ناضجة متطورة ، تقدم للمواطن غذاء فكريا ومتعة روحية ، وتصنع اطارا لبيئة حضارية لا يصنعها الا المسرح ، القادر ، على مخاطبة كل الا عمار وكل الشرائح  الاجتماعية وكل المستويات الثقافة ، بمستوى رفيع من الخطاب الثقافي ، ومن خلال اداة ابداعية ، مشهود لها بالرقي ، ولها قدرة ، دون غيرها ، على تحقيق التواصل الانساني الحميم بين المتفرج وفنان العرض ، وانجاز ذلك التفاعل الخلاق بين المبدع والمتلقي ، وهناك في هذا الشأن صيغ معروفة ، وواضحة ، سبق لمجتمعات اخرى ان قامت بتجريبها وحققت بها ما تريده لفنونها المسرحية من نجاح ، ولجمهورها ما يحتاجه من غذاء ثقافي وجداني .
   وانطلق في هذه المقالة من مسلمات يعرفها ويؤمن بها كل الناس القريبين من هذا المجال ، وهي وجود مواهب وامكانيات بشرية ، بسبب المسيرة الطويلة التي قطعها المسرح رغم الازمات والارتدادات ، وما تحقق من خلال هذه المسيرة ، من تراكم للخبرات والتجارب والدروس ، وايضا بسبب وجود بنية تحتية تعليمية تواصل مسيرتها منذ ما يقرب من نصف قرن بدأت بانشاء المعهد الوطني للتمثيل والموسيقى ، الذي اصبح اسمه معهد جمال الدين الميلادي ، وكلية الفنون ، والمعهد العالي للحرف المسرحية ، بالاضافة طبعا الى المناشط والفعاليات التي سبقت المسيرة التعليمية وواكبتها فيما بعد ، والتي عرفتها الفرق المسرحية الاهلية والاندية الاجتماعية وادارات النشاط المدرسي ،  مع عديد الدورات في الداخل والخارج التي انخرط فيها عدد من شباب المسرحيين للتأهيل والتدريب ، مما يقطع بوجود مخزون لا بأس به من الامكانيات البشرية ، التي لا نرى لها استثمارا ولا استغلالا جيدا ، يتكافا مع مستوى خبرتها ، بل نرى في الحقيقة اهدارا وعبثا واهمالا  لا يتفق مع الشعارات التي نرفعها في النماء والتقدم وبناء الوطن والمواطن .
   طالما اتفقنا على ان يكون فتح شباك التذاكر ، هو الخطوة الاولى نحو اعادة الثقة المفقودة بين المسرح والجمهور ، فان الخطو ة الثانية هو تقديم عروض ترغم المتفرج على ان يدفع نقوده من اجلها لانها تقدم له شيئا  يمثل اضافة عما يستطيع ان يراه في بيته على الشاشة الصغيرة ، او خارج بيته على الشاشة الكبيرة ، اي عروض تستجيب لشروط المسرح الراقي الذي يقدم المتعة والابهار والفائدة ، من خلال توفير امكانيات العرض الكبيرة ، التي تفلح في تقديم عريض ثرية مبهرة ، تساعد على تجسيد النصوص في افضل شكل ، وتساعد الفنان على تقديم افضل ما لديه ممثلا ومخرجا ، وغيرهما من فناني وفنيي العرض ، مسرح مصروف عليه ، كبديل لهذه العروض التي نراها تقدم بميزانيات هزيلة ، ومستويات فقيرة بائسة ، رغم انها عروض تنفق عليها الدولة ، الا انها تصرف عليها بيد مغلولة الى عنقها  ، بينما يجب ااذا ارادت هذه الدولة نجاحا في رسالتها ، ان تبسط يدها كل البسط  فلا تقعد ملومة محسورة ، لانها ليس اموالا مهدرة ، فكما ان ما تنفقه من اموال طائلة على التعليم ليس اهدارا للمال العام ، فكذلك الاموال التي تذهب للانفاق على الفنون ، لانها ايضا تعليم وتعبئة للروح والوحدان وملء للفراغ النفسي الذي يجلب الشرور والاثام ، كما هو الحال مع الزنادقة وكل من دفعه الاملاق الادبي والفني وسوء التغذية الوجدانية والثقافية الى السير في طرقاتهم الموحلة ، والغرق في مستنقعاتهم النتنة ، بل ان الاستثمار في الفن يمكن ايضا ان يكون له مردوده المادي السريع ، وقد راينا كيف صار العمل الثقافي في بلدان العالم المتقدم ، هو  المصدر الاول للدخل القومي  ، فلا عذر لنا اذا تخلفنا عن تسخير الفنون والاداب والمنتجات الثقافية لخلق عوائد اقتصادية تنموية ، وقد عرفت حركتنا المسرحية في تاريخها عروضا مسرحية مربحة ، فليس غريبا اذن ان يلقى  انتاجنا المسرحي في المرحلة الجديدة نجاحا فنيا وتجاريا مثلها ، فيما اذا تحقق لنا النجاح  في بناء الجسور المهدمة بين المتفرج وهذه القنون . الخطوة الثالثة التي لا تكتمل الخطوة الثانية الا بها ، هي توفير النصوص الليبية الجيدة  والتعامل مع المؤلفين لهذه النصوص بمستوى من الحرفية والمهنية ، يضمن الوصول الى نتيجة ترضي كل الاطراف، فلا تترك المسالة للصدف ، او لمن يتطوع بتقديم نص له ،  يبقى في الادراج الى ان يتذكره احد المخرجين ، وانما خطة مدروسة لاستهداف كبار الاقلام في بلادنا االمشهود لها بالكفاءة العالية ، والتعاقد معهم تعاقدا مجزيا مرضيا ، مضبوطا باجراءات ادارية وقانونية ، تضمن حق كل طرف ، على كتابة اعمال مسرحية تخاطب المواطن بمفرداته الشعبية المحلية ، وتقدم لها صورا من حياته ، يرى فيها نفسه ومجتمعه في مرايا الفن المسرحي ،  دون ان يتعارض  العمل على توفير النصوص االمحلية ، مع الاستعانة بالرديف الضروري ، للنص المحلي ، وهو النص العالمي ، حيث لا يكون المسرح مسرحا ، ولا يحقق نهضته وحضوره ، الا اذا دخل هذه الافاق الرحبة الانسانية التي يشملها المسرح ، ليكون على تماس مع ابداع المبدعين في العالم اجمع ، متيحا لجمهوره الاستمتاع بثمار الفكر الانساني في مجال التاليف المسرحي  .

     خطوة رابعة ، هينة يسيرة ، لانها لا تكلف مالا ولا جهدا مضنيا ، واانما درجة من التنظيم والتنسيق ، وهي انهاء حالة الفوضى في تقديم العروض ، بحيث نذهب الى مسرح الكشاف فنجد عرضا للمسرح الوطني ، وفي اليوم التالي عرضا لفرقة جديدة من هواة الارياف ، وفي يوم آخر ، عرضا لفرقة مسرحية قادمة من احدى المدارس الاعدادية ، والمطلوب هو تخصيص مسرح كبير وليكن مسرح الكشاف مثلا للعروض ذات المستوى الكبير الراقي ، الذي يوازي مسرح المحترفين في البلدان الاخرى ، فلا سبيل مثلا لان تذهب الى لندن وتجد فرقة مسرحية في مسرح لورانس اوليفييه أو تذهب الى مسرح الاوديون  في فرنسا وتجد فرقة هواة قادمة من ارياف نورماندي ،  فلكل مقام مقال ، ولكل مستوى من المستويات، المكان الصالح للعروض التي تتفق معها ، بحيث يستطيع المتفرج وهو يذهب لذلك المسرح او غيره ان يعرف على وجه اليقين انه سيشاهد هذا النوع من المسرح ، محترفا ، او طلابيا ، او مسرحا للهواة ، دون انتقاص من أي جهد ، فلا يجب ان يقوم شيء على حساب شيء اخر ، ولا يجب ان يستوي الماء والخشب ، لان الخلل في المقاييس والموازين سيقود بالتالى الى الفوضى ، واجهاض فرص النجاح والتطور التي ننشدها .
       يمكن بالتأكيد اضافة افكار اخرى ، تنفع لاثراء الحركة المسرحية ، ولكنني حرصا على تسهيل المهمة امام المسئولين  على المناشط المسرحية  ، واظهارا لمدى سهولة ووضوح الخطوات القادرة على انجاز الهدف الذي يصبو اليه المسرحيين  ، اكتفي بتقديم هذه الافكار ، مبديا وانا اقدمها تشككي العميق في ان يكون هناك حقا من سيأخذ بها ، مثلها مثل افكار  اخرى ، نراها تتواتر في الصحف والمنابر الاعلامية ، منذ عقود وعقود ، دون ان نرى لها اثرا في الواقع ، لان هناك شرطا اوليا ، يعتبره اهل الفقه الركن الجوهري في  اية عبادة ، هو شرط النية ،  أي النية على القيام بهذه النهضة وتحقيق الاصلاح الذي تحتاجه الحركة المسرحية ، وهي نية لا اظنها موجودة ولا متوفرة عند اهل الحل والعقد ، ونرجو الله ان يرينا البرهان على ان هذا الظن بالقائمين على الحركة المسرحية ظن عاطل باطل لا مصداقية له ، اللهم آمين .



هي تجربة حتى وإن كانت صغيرة
بقلم / كامل عراب

في هذا الخضم من الكتابة عن تاريخ المسرح الذي تخوضه صحيفة "أويا"
 وتشارك فيه أقلام كثيرة في محاولة لبلورة صورة واضحة المعالم عن تاريخ المسرح الليبي أحب أن أضيف تجربة صغيرة خضتها شخصياً عبر هذا التاريخ. فلقد ذهبت إلى التمثيل في أول العمر وذلك عندما أسسنا (الفرقة الليبية للتمثيل) التي كان مقرها في دكان صغير في فندق باكير في أول الظهرة، وحاولت هذه الفرقة أن تقدم شيئاً مشاركة مع بقية الفرق المسرحية الوطنية في بدايات الخمسينيات بل لقد قمت بتمثيل عدة أدوار على خشبة مسرح (الهامبرا) الخضراء حالياً ، حتى وإن كنت نسيت إسماء هذه المسرحيات إلا مسرحية واحدة هي ثمن الحرية ، وكنا جماعة مما أشتهروا فيما بعد في الأعمال المسرحية والأعمال الإذاعية منهم الفنان لطفي بن موسى ، محمد ريحان ، اسماعيل ريحان ، والعبد لله طبعاً ،عبدالرزاق ريحان الذي لم تستمر مشاركته طويلاً. وكان كاتب النصوص المسرحية هو المرحوم علي المشرقي ، والذي أذكره ولن يمحى من الذاكرة هو حماس هذه المجموعة للعمل المسرحي، وحرصا على أن تجول بأعمالها خارج مدينة طرابلس فأذكر أننا كنا نعرض في غريان ومدن أخرى. لقد كان هناك مناخ مسرحي وليد ، وكانت المدارس الابتدائية نفسها تشجع على هذا النشاط ، فلا تكاد تخلو مدرسة ابتدائية واحدة من وجود فرق مسرحية صغيرة من بين التلاميذ الموهوبين. ولقد خلق هذا الاتجاه شغفاً بالمسرح قراءة وتمثيلاً، وكل ذلك كان يعتمد على المجهودات الذاتية والتطوع لتوفير كل المكملات .. كانت تجربة صغيرة ولكنها تجربة تذكر على كل حال.
 














أزمة اسمها الإخراج المسرحي 
بقلم : أحمد بشير عزيز

ـ المسرح رسالة بل هو مسؤولية كبيرة يجب أن يتناغم في تحملها الفكر والصنعة
كثيرون استسهلوا... فولجوا عالم الإخراج في إطار التجريب فلا نجحوا ولا نجح تجريبهم بسبب واضح وهو " فاقد الشيء لا يعطيه". 
واضح أن الأزمة في مسرحنا ليست أزمة نص فحسب وإنما هي أزمة إخراج أيضا ، والمتتبع لعروض فرقنا المسرحية يلاحظ ودون حاجة للتأمل والتفكير التخبط الذي يقع فيه أغلب المخرجين المنتمين أو المتعاملين مع هذه الفرق.
كثير من النصوص الجيدة سواء لكتاب عالميين أو عرب أو  حتى محليين  يتم اجهاضها وتشويه مفرداتها والتشويش على مضامينها بل اختراع مضامين لا علاقة لها بالنصوص الأصلية التي يقومون بإخراجها فتضيع النصوص ويهان كتابها ويصفع الجمهور بإخراجات غرقى في الطلاسم والهلامية.
إنها أزمة حقيقية تعصف بمسرحنا ولابد من التفكير الجاد في تجاوزها وتصويب مسارها بالاتجاه الذي يضمن أعمال مسرحية على قدر عال من الكفاءة الفنية والوعي الحقيقي بقيمة النص ورسالته ومقولته واحترام كبير للجمهور الذي يأتي للمسرح وهو يطمح في مشاهدة شيئ رائع ويستفيد مما يطرح على خشبة المسرح من قضايا وأفكار ومضامين.
أما أن نترك الحبل على الغارب ونسكت على الغث ونفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب فذلك أمر غاية في الخطأ ولا يقدم إلا إنتاجا مبتذلا هزيلا فاقداً لشروط العمل المسرحي .
صحيح أن المسرح مكان لتقديم التجارب ومختبر للابتكار والإبداع وساحة للتعبير المسؤول لكن الصحيح أيضاً أن المسرح ليس مرتعا لتقديم الترهات ولا هو مناسبة لإظهار الجهالة والضحالة والفجاجة.
المسرح رسالة بل هو مسؤولية كبيرة يجب أن يتناعم في تحملها الفكر والصنعة.
الصنعة وحدها لا تكفي إذ لابد أن تحاكي المضمون وعندما تستند على بعُد أدبي وفكري كثيف، فإنها بدون شك ستكون قادرة على الإشعاع في المشهد المسرحي بكامله.
صحيح إن الإخراج المسرحي هو إعادة صياغة لكنها الصياغة التي تثرى النص وتعمق المضمون وتحلل مكنوناته لا صياغة التي تغرق النص بأحمال وأثقال تشوش على مقولته وتجهض عناصر الإبانة فيه.
والمخرج هو الفنان الذي يجيد وبوعي تنظيم آلياته التي تعمل علىصياغة  المشهد المسرحي بطريقة تستند إلى رؤى جمالية وفنية وإعادة  رصف العناصر الدرامية بمحاكاة ناضجة تبرز بعدها الظاهر أو بعدها المضمر.
ولكن ما أبعد هذا عما نراه في مسرحنا.
ـ عناصر لا علاقة لها بالإخراج المسرحي لا من قريب ولا من بعيد تتحمل مسؤولية إخراج نصوص فوق قدرتها على الفهم وأ بعد من استطاعتها على القراءة الركحية والمدلولات الجوانية لتلك النصوص فتكون النتيجة إخماد أنفاس الفكرة وإفراغ النص من حرارة  المضمون الهادف ولوى عنقه باتجاه تفسيرات تقبر مقولة النص بدل أن تجلوها وتظهرها وتحريك  الخشبة بطرائق إخراجية مستفزة تشوه جماليات النص .
ـ ممثلون يفتقدون لجاهزية الإخراج  تجبرهم ظروف الفرق على التحول إلى مخرجين فتضيع لديهم الجهات الأربع ويقدمون إخراجاً يفتقر للكثير وينأى عن سياقاته العلمية والموضوعية وتكون النتيجة أعمالاً مهلهلة فاقدة للتركيز ومفتقرة للمضمون والدلالة.
ـ مهووسون بالتجريب دون فهم لأسسه مستنيرون بتعريف " بول شاؤول" للتجريب بأنه " البحث غير المشروط  في أفق لا حدود له " وحتى وإن كان الأمر كذلك فإن الباحث لا يجب أن ينطلق من فراغ فلا بد أن تكون له رؤية يستند إليها ولابد أن يكون له هدف يرنو للوصول إليه ، ولا أعتقد أن الهدف هو مجرد التجريب للتجريب وإنما بالضرورة أن يكون لإثبات غاية أو إظهار مضمون أو تثبيت رؤية.
لكن للأسف ما نراه على خشبات مسارحنا في كثير من الأحيان هو مجرد هذيان وهروب إلى الغموض على حساب المعنى وشخوص تتقافز على الركح بدون معنى تصطرع أحياناً وتترنح أحياناً أخرى ويظل المعنى في بطن المخرج.
ـ مواهب كثيرة تضيع في هذه الدوامة يجنى عليها مخرج بلا إخراج  ويضعها وسط دوائر متلاصقة تفضي لبعضها ولا تفضي  لشيء خارجها فتتعب المواهب ويتعب الجمهور بسبب" تعب" المخرج.
كثيرون استسهلوا ذلك فولجوا عالم الإخراج في إطار التجريب فلا نجحوا ولا نجح تجريبهم بسبب واضح وهو " فاقد الشيء لا يعطيه"
ـ طلبة دفي بداية تكوينهم دفعت بهم الفرق المسرحية إلى مجال الإخراج دون أن يكتمل تأسيسهم ودون أن تنضج خبرتهم ودون أن تتعمق علاقتهم بالمسرح فقضوا عليهم في مهدهم اخرجوا أعمالاً أكبر من مستوى إدراكهم وتحليلهم وقدرتهم فجاء إخراجهم بلا عنوان ، متداخل الخطوط يشتبك فيه الوعي باللاوعي وينتهي إلى مجرد الإفراط في تشويه جماليات النص والتشويش على رسولية المسرح ووظيفته ، والمصانعة التي تعكس هشاشة التفكير وضعف القدرات.
لا يعني هذا عدم وجود مخرجين حقيقيين وجيدين تظهر أعمالهم بشكل محدود وسط زخم إنتاج الفرق التي وصل عددها إلى أكثر من " ثمانية  وأربعين فرقة" وهؤلاء المخرجون يواجهون صعوبات كثيرة في إخراجهم للأعمال المسرحية منها القدرات الثقافية والظروف المادية وقلة العناصر البشرية المؤهلة أو الموهوبة وإدارات الفرق وهذه أزمة أخرى حري بها أن تكون موضوعاً مستقلاً.
وأعود لأقول الإخراج المسرحي يمثل أزمة حقيقية في مسارحنا ، ولابد من مناقشة جادة لهذه الأزمة وإيجاد الحلول الناجحة لها إذا أردنا أن يكون لنا منبر ثقافي إبداعي واعيا وملتزما اسمه المسرح...

 
تداخل الرؤى والذكريات  
بقلم / سعيد المزوغي 

..... عرفته .. عضواً بفرقة الأمل .. ولكنه بعد اللقاء الأول صار  صديقاً ، وتحول إلى ناصح ، كان دائم التوجيه لي - يرشدني إلى أسهل الطرق وأصعبها في ذات الوقت ، لمواصلة الحضور الفاعل في الحركة المسرحية .
عبدالله هويدي - القاموس المسرحي الليبي الذي يلتهم أي كتاب مسرحي يقع تحت يديه ، ولايتركه إلا وقد حفظه أو ألم بمحتوياته على أقل تقدير .
حين يعز عليّ تذكر حادثة  ألجأ إليه ، وإذا غاب من الذاكرة اسم لمع في سماء الفن وخاصة المسرح ، سواء أكان ليبيا أو من بلاد أخرى عربية أو غيرها ، لا أكاد أكمل السؤال حتى تأتيني أجابته.
حين توليت أمانة - سكرتيرية - تحرير مجلة كل الفنون دعوته ليكتب كراسات مسرحية ، لكنه اختار «آفاق مسرحية» وكتب ضمن صفحات تلك المجلة ، ما بعد دراسات جادة ، لم تتوفر لغيره ، في الحياة المسرحية التي كانت ضاجة بكل جديد ، وحماس متألق ... لكن المجلة وئدت ، ولم تكمل نشر آفاقه ، غير أنه نشرها فيما بعد ككتاب متكامل .
ولأن الحديث اليوم سيصب على الوأد ، والموؤودة .. قد تم وأد أول جريدة يومية رياضية شبابية ، في بلد تميز عبر تاريخه بالمبادرات المتفردة بين الدول .
جريدة «الرأى» صدرت ضمن مجموعة رائعة وباقة قشيبة منمقة من الاصدارات الصحفية ، على عمد المرحومة المؤسسة العامة للصحافة - أعني مؤسسة السبعينيات من القرن الماضي .. وكان يديرها - المتناني!! ومعه الزميل الفنان فرج قناو .... ومجموعة اسماء محترمة ، كان لها دور مهم لاينسى في العملية الصحافية المحلية.
بلادنا .. لتسهيل أنسياب المعلومات إلى من لا يعلمها ... تعد أول بلد تصدر به صحيفة لمن يظن غير ذلك ، وأول بلد تستخدم 
ضده الطيارة في الحروب ، وإصدار أول صحيفة اعلانية  «الموعد السياحي» للمبجل السياحي النشط البوسيفي !
لكن كل ذلك لايقف ولايستطيع الاستمرار أمام آفة الاقفال والمتع ، التي ابتلينا بها في حياتنا العامة ، ولدى المسؤولين بالذات ، فمن مئات السنين اندس فينا مثل يقول «الباب الليي يجيي منه الريح سده واستريح» وهو مثل هروبي يحرض على الاقصائية والمصادرة ، وبالتالي كانت  إدارات المطبوعات - لست أدري الآن عنها شيئاً - تصادر أي عمل طباعي لم يدخل جمجمة المسؤول المراقب - حتى أننا في إحدي المرات في جريدة «اليوم» وكنت أكتب فيها - إعداد- قصة بداية التلفزيون - أشرت إلى أن ارسال الصور يعتمد على مواد معينة في أجهزة الارسال ، وأخرى مناظرة لدى الاستقبال ، المراقب حين قرأ المعلومة أتضح لديه أن هذه محاولة تشفيرية لارسال ملعومات سرية ، فشطب عليها من المادة الصحفية ، فصدر عدد جريدة اليوم في اليوم التالي ، وهو يقول هكذا . وتتم عملية الارسال عبر ... وكما يتضح فإن الاستقبال بالصورة ... وهكذا كانت البداية الأولى لأرسال أول صورة تلفزية.
وحسب ظني القاصر حتما أجزم أننا سوف نكون أمة تخترق الحجب وتصل حتى زحل .. لو تخلصنا من هذا المثل الذي يخص قفل الأبواب .. والريح ، والخشية من «الواري» وتركنا الرياح تهب كما يعن لها .
أولسنا من دمر الاحزمة الخضراء ، لتعبث الرمال المتحركة بفعل الرياح في الارض الغبار ، فتبدو طرابلس كما لو كانت تحت وابل من خيول الفرنجة تثير الغبار ، وتدمر الزرع والضرع.
أم نترك الأمر حتى تصدق مقولة السيد الالمعي كامل عراب حول الضرع الذي صوح .. والبوار الذي التهم كل الأقوال التي نعجز عن تحويلها إلى حقائق ثابتة وأفعال مثمرة ، تؤتي أكلها .. وينضج زرعه لتزهو لنا وبنا ،
أليس ذلك خير من ..طل» ؟ 
 


















 



مسرح 

بقلم / محمود البوسيفي 

كنت من الذين يقولون إننا لا نملك في ليبيا جمهوراً للمسرح ، وأن من يؤم المسرح في مواسمه المتباعدة هم من جمهور الكورة الذين يتعالى صفيرهم وصراخهم على ما يجري فوق الخشبة .. وكنت أدرك ـ أو أزعم أنني أدرك ـ سبب ذلك العوز الذى تعانيه الحركة المسرحية بإيقاعها السلحفائى وذلك نتيجة القطيعة الطويلة للمسرح مع الحراك العام للمجتمع .. 
ولاحظت أثناء عروض الفرق العربية في طرابلس مثلاً وكانت مجانية في معظم الحالات أن الجمهور يحمل ملامح مدرجات الكرة ، حيث تنتقل عدوى الصفير والصياح بين الصفوف ، فيتحول المسرح إلى ميدان تصادر فيه الفوضى مجريات العرض من جهود الكاتب والمخرج والممثل وفني الإضاءة والصوت والديكور والملابس ... إلخ .. إلخ .. 
أيام طرابلس المسرحية التي اختتمت اشتعالاتها المدهشة مساء أمس الأربعاء ، هدمت قناعتي الصغيرة بالضبط كما تنهار قلاع الرمل التي يقيمها الأطفال على شواطئ لا يكف الموج عن مغازلتها .. بالضبط كما تسقط الأوهام القديمة .. وأوراق التقاويم .. وهكذا تابعتُ بغبطة الازدحام اليومي من شرائح عمرية مختلفة وانهمام شبه عام بالحضور ، الذى تمظهر بشكل احتفالي لافت يؤكد احترام هذا الفن الجميل ..
سيكون مهماً بلا رقيب ملاحقة كل هؤلاء بالمعالجات النقدية المنهجية الخالية من الانطباعية المفخخة دائماً بحسن النوايا ، التي تسمح بإغفال ما تستوجب الإشارة إليه والاهتمام به من تقويم ومتابعة .. وهي معالجات ينبغى تدعيم هياكلها بقواعد العلم واشتراطات صياغة التقدم ، وذلك بالإنفاق على الكليات والمعاهد المتخصصة وإعادة الاعتبار للمسرح المدرسي ، ودفع الفرق الأهلية بالدعم المادي والمعنوي إلى تنظيم مواسم ثابتة توفر مناخاً للأنتقاء للمهرجانات الوطنية والمشاركات الخارجية ..
لابد لنا أن نصل إلى معاملة فرق المسرح كفرق كرة القدم .. والفرق الوطنية باعتبارها المنتخب . 







 الفنان/  صبري عياد ...
..." أمتهنت الفن عندما لم أجد من يمتهنه.. " 
حوار / أحمد الحريري 

كانت البداية .. في فوج المهاجرين لكشاف سوريا سنة ١٩٣٨.. عندما لم يكن لدينا تلفزيون ولامسرح ولا إذاعة ولاسينما... وأول مرة مثلت فيها كانت في مهرجان ثانوية دمشق الأولى ...وكانت الثانوية الوحيدة في دمشق وقد كانت تسمي مطبخ الوطنية إذ كانت تنطلق منها الشرارات الأولى لكل عمل وطني.
- مرة ثانية... أنا صبري عياد بدأت بإلقاء الشعر الحماسي والوطني لشعراء سوريين وساعدني صوتي على أن أبرز في هذا الميدان فاختارني ضمن فريق الثانوية..
- إذا أردت أن أكتب رسالة إلى ابني فسأقول فيها :-
" ولدي الحبيب.. الحياة معرفة والمعرفة ثقافة...والثقافة علم..فتعلم وتثقف لتعرف الحياة وتتعلم كيف تجابه أحداثها،وتضمن مستقبلك وبعد هذا اقترب شيئاً فشيئاً من المسرح الصغير كالذي أمثل عليه أنا الآن.. وعندها تعرف بأنك قد درست على خشبة المسرح الكبير.. ألا وهو مسرح الحياة.."
- في سني الحرب تنقلت كثيراً وتجولت كثيراً وتعلمت أكثر من احتكاكي بكثير من الفنانين وأشباه الفنانين ومدعي الفن... من الفنانين الذين أفتخر بأنني عرفتهم عميد المسرح بلا منازع الأستاذ يوسف وهبي ورائد المسرح وأستاذه ومعلمي ورائدي الأستاذ زكي طليماث والفنانة المتكاملة أمينة رزق وضحية المسرح وقربانه السيدة فاطمة رشدي وعدد كبير من أصدقائى الأعزاء كالأساتذة محمود المليجي والمرحوم فاخر محمد فاخر وأستاذي في اللغة العربية والشعر المرحوم أحمد علّام.
بلد مثل بلدنا ليبيا لديه المقومات والإمكانات غير المتوفرة في أي بلد عربي آخر.. لو نجد فيه من يخطط لنهضة فنية صحيحة ويرسم طريقاً فنياً خالياً من الأنانية والاحتكارات الشخصية.... لوجدنا أن انطلاقة هذا البلد نحو مستقبل فني أفضل تشق طريقها بعنفوان وآنفة وترسم طريق الفن الصحيح أمام الجيل الصاعد ليساهم في بناء مجد وطنه ويصون حريته واستقلاله ويبني مع البنائين الأسس التي يقوم عليها وطن عاش على ستمائة عام في ظلام العبودية والاستعمار...
- عرفت الحب مرة واحدة في حياتي...
كانت زميلتي في المسرح... أحببتها بناظري وقلبي... وهجرت منزل عائلتي غير آسف على شىء... وتزوجتها بعد نضال دام سنتين ضد أهلها ضد زملائي وضد المعجبين.. ولكن المرأة مرأة... فقد تعرضت لنكبات مالية جعلتني أفقد كل ما ادخرته في حياتي وفقدت العمل الذي يقيني شر الحاجة والسؤال... كان ذلك عام ١٩٤٢..وكان قد أشرق في سماء حياتي نور أعرفه هو أني فقدت البصر لمدة ستة أشهر وعندها بدأت صورتها تزول من مخيلتي ونسيتها ويعود الفضل في هذا إلى إخوة وزملاء كرام أعانوني على احتمال الصدمة... وحولوا منطلق حياتي في اتجاهات أخرى أنستني هول صدمة حبي الأول وحولته إلى عطف ومودة نحو أولادي من زوجتي الثانية التي أعتبرها صديقة وراعية لي ولأولادي..
- أحمل دبلوم المدرسة  العلمية الثانوية وشهادة إخراج في تصميم وإخراج البرامج التلفزيونية مصدقة من إيطاليا وفرنسا في الصف الثاني بمعهد الحقوق في جامعة دمشق نلت وسام التقدير للفنون المسرحية من وزارة الثقافة والإرشاد في سوريا وجائزة أفضل ممثل مسرحي لعام ١٩٦٥ وأفضل ممثل تلفزيوني لعام ١٩٦٦.
- بدأت التجربة التلفزيوينة في سوريا سنة ١٩٦٠ والتخطيط السليم الذي خططته اللجنة العليا للتلفزيون كان السبيل الصحيح  لخلق نهضة تلفزيوينة تتابع نموها مع الأيام والعمل المثمر إلى أن أصبح التلفزيون السوري يغطي أنحاء الجمهورية السورية كافة ويبث برامجه لمدة خمس ساعات متواصلة.
التلفريون في ليبيا تجربة قد تنجح مع أن الاحتمال الأول هو أقرب إلى المعقول لوجود الرغبة الصادقة لدى المسؤولين لخلق هذا المشروع.
 ثانيا: لوجود الأمكانات المتوفرة التي يمكن أن تساعد على خلقه 
ثالثا: إذا وجد التعاون الأكيد بين مختلف الفئات التي تعمل لإيجاد مثل هذا المشروع وقدلاتنجح وهو المستبعد إذا لم يوجد التخطيط السليم ولم  نستغل الكفاءات المتخصصة في هذا .
رابعاً: إذا طغت الأنانيات والمحسوبيات على أفكار وعقول العاملين في هذا الميدان بارتجالية مفتعلة غير مدروسة نكون كالطفل الذي يبدأ في كتابة وظائفه ثم يخط عليها بقلمه الأحمر ليطمس معالمها ...وأملي أن يوفر المسؤولون الأجواء المناسبة لدعم المختصين في هذا العمل ليكون التلفزيون في مستوى الأحداث التي تمر بها بلادنا وتفتح آفاقاً لننطلق ونتجاوب مع الأٍقطار المتقدمة فكرياً وثقافياً وفي الوقت بنفسه نحافظ على خلقياتنا وديننا ونحفظ لمجتمعنا تقاليده وعاداته المستمدة من حضارتنا وماضينا المجيد.
- وكي نضمن إنتاجاً تلفزيونياً كاملا علينا أن نهيىء له الجنود العاملين في اختصاصاته كافة فالتلفزيون ليس وجود مخرج ومصور فقط بل هناك أعمالاً كثيرة من المفروض وجودها وتشكل ملاكاً (كادراً) يقوم بالتزاماته نحو هذا الفعل وبذا نضمن أن يكون لدينا أنتاجً تلفزيوين متكامل كافة وأنا على استعداد إذا طلب مني أن أتقدم بعرض وشرح هذه الالتزامات وأرجو أن يكون هذا في أقرب وقت حتى لايفوتنا القطار ونندم .
- أكثروا من المطالعة والقراءة والدرس وتحلوا بالأخلاق الكريمة فقوام الأمم أخلاق بنيها وتناقشوا فيها بينكم نقاشا ودياً  وابتعدوا عن ادعاء المعرفة بكل شيء فالإنسان مهما تعلم يبقى في حاجة إلى دروس كثيرة وكما قلت في بدء حديثي الحياة مسرح كبير ونحن عليه ممثلون.
- في المسرح قدمت ما يزيد عن أربعين مسرحية وفي التلفزيون قدمت ثلاثة وثلاثين مسرحية بخلاف النصوص القصيرة والبرامج الترفيهية- وبدأت عملي في السينما عام ١٩٦٢ بفيلم عقد اللؤلؤ وآخر فيلم مثلته هو فيلم سائق الشاحنة أمام هالة شوكت ونادية فريد وعبداللطيف فتحي وهم من سوريا وقبل هذا اشتركت في فيلم بطولة مريم فخر الدين والثنائى الفكاهي نهاد ودريد ومجموع الأفلام التي مثلتها سبعة أفلام.. وفي حقيبتي سيناريو لفيلم تجري أحداثه في ليبيا وسأحاول أن أقدمه في أقرب فرصة للسيد وزير الإعلام والثقافة ليكون الانطلاقة الأولى للفيلم الليبي.
 






















مدير إدارة المسرح والفنون الشعبية
د. حسن قرفال ....
 "الحركة المسرحية في ليبيا تنجرّ خلف المسرح الاستهلاكي والتجاري ....في المشاركات الخارجية لم نكتف بالمشاركة ولكن تحصلنا على جوائز متقدمة " .

حاورته: أسماء بن سعيد

عشق الفن منذ نعومة أظافره.. فكان عضواً في الفرقة القومية للتمثيل وهو لايتجاوز التاسعة..شكّل عدة فرق أثناء دراسته في المرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية.. بالإضافة للمسرح عمل في الاذاعة المرئية والمسموعة..
دعم الموهبة بالدراسة الاكاديمية حيث تحصّل على رسالة في الدكتوراه عن المسرح في أمريكا..
د. حسن قرفال.. هو اليوم مدير إدارة المسرح والفنون فعن دراسته والمسرح موضوع رسالته وواقع الحركة المسرحية اليوم وعن الشلالية في الفن والمحاباة لفرق وأسماء معينة وعن مايشاع حول المشاركات الدولية البائسة وعن الاستعدادات القائمة للمهرجان الوطني وقصة إقامته كل سنة في منطقة ليكون هذا العام موزعاً في ثلاثة مناطق هي شحات- سوسة - درنة  وتحفظ الفنانين حول هذا الموضوع وتخفيض جوائز هذا المهرجان برغم ارتفاع الميزانية ومئوية المسرح وغيرها من الموضوعات كان لنا معه هذا الحوار:
- رسالتك في الدكتوراه عن المسرح !! ما مدى تفعيلها فنياً وأكاديمياً؟
* طبعاً الاطروحة أفادتني على الصعيد المهني وكأستاذ جامعي وكذلك كفنان ومادفعني لهذا التخصص كوني ابن المسرح والاذاعة منذ أن كنت في التاسعة من عمري وهمي الدائم كان المسرح فكنت عضواً في الفرقة القومية للتمثيل وكذلك كانت لي بعض الأعمال وأنا طفل مع الاستاذ مصطفى الأمير رحمه الله وكذلك مع الاستاذ الفاضل محمد شرف الدين إلى جانب عديد الاعمال في الاذاعة وأصبح لديّ كم معرفي بسيط من خلال تجربتي حيث شكلت بعدها فرقة صحبة الطاهر القبائلي وكان من ضمن أعضائها محمد الساحلي - علي عطية بمدرسة  طرابلس الابتدائية وكذلك شكلت فرقة بمدرسة طرابلس الثانوية وعندما انتقلت لكلية الآداب في بنغازي شكلت فرقة مسرحية على مستوى الجامعة وقدمنا من خلالها عديد الأعمال مثل طبيب رغم أنفه، العباءة، وبعض الأعمال الأخرى هذا مادفعني لمتابعة دراستي للماجستير ومن ثم الدكتوراه إطلعت على مناهج البحث الحديثة وأيضاً الكثير من الدراسات والكتب وغيرها مما ساعدني في عملي المهني كأستاذ جامعي ومشرف على عديد رسائل الماجستير.فقد مهدت الدراسة الطريق أمامي لتقييم الأعمال وأيضاً تحليلها خاصة في المسرح الذي كتبت عن تاريخه ومفرداته..، ومن هنا يتضح أهمية الدراسة بالإضافة إلى التجربة التي كانت محصورة على النطاق المحلي حتى دراستي في الخارج التي أتاحت أمامي فرصة الاطلاع على مدارس مختلفة ومتنوعة فكان هذا رافداً مهماً اعتمدت عليه في حياتي العملية.
- هل ماقدره " حسن قرفال " للمسرح يوازي أو "يساوي" ما درسه في أمريكا؟
 للأمانة الإجابة (لا) فبالنسبة للتدريس الجامعي فهو يوازي مادرسته ، لأن طلبة كلية الفنون والاعلام مثلاً أثبتوا وجودهم سواء على الصعيد المسرحي أو المرئي كممثلين وكذلك بعض منهم برز كمخرجين استطاعوا أن يتفرقوا...، هذا في مجال التدريس الذي يوجد به شق عملي وآخر نظري..، أما فيما قدمته من أعمال فأنا قدمت في المرئية حوالي عشرة أعمال وعلى صعيد المسرح أخرجت عدة أعمال للمسرح الوطني في طرابلس والفرقة القومية منها " مايقعد في الوادي إلا حجره" و "بين يوم وليلة" و "شهرزاد" و "لعبة السلطان والوزير" و "الغول" وأخيراً قدمت عمل جديد من نوعه وهو مغناة ( طرابلس أخت الشمس) الذي شاركت ضمن فاعليات طرابلس عاصمة الثقافة الاسلامية..، لكن طموحي يظل أكبر مما قدمته وأتمنى من الله أن يمد في عمري وأحقق أشياء أكبر على أرض الواقع وحالياً أستعد لإخراج عمل ضخم لايزال تحت الدراسة.
 - بين التنظير والواقع هوة كبيرة هل استطعت أن تجتازها؟!
* أولاً ليست جميع النظريات يتم تحقيقها على أرض الواقع لأن من يضع هذه النظرية لابد وأن يكون لديه طموح لتطبيقها وتكون أمامه عراقيل تحد من تطلعه لتطبيق هذه النظرية..، لكن على صعيد ما قمنا به كإدارة وفنانين أعتقد أننا أنجزنا الكثير في هذا المجال وطموحنا عام 2009ف بأن يكون عام المسرح لأن الآن البنية التحتية في المسرح بدأت تتحسن كثيراً جداً حالياً في مدينة طرابلس يوجد أربعة مسارح وفي بنغازي يوجد حوالي خمسة مسارح وفي البيضاء والجبل الأخضر أربعة مسارح ومنذ شهر ونصف تقريباً قمنا بافتتاح المسرح (الحديث) في بنغازي وبعد اسبوعين سنقوم بافتتاح واحد من أجمل المسارح في الجماهيرية وهو المسرح (الوطني) بدرنة وفي سبها الآن أربعة مسارح..، وهذا يعني أن الشيء الذي كان يشتكي منه الفنانون هو البنية التحتية التي بدأت تتطور والآن تمكنت أمانة اللجنة الشعبية العامة للثقافة والاعلام من توفير عدة مسارح صالحة وهناك شيء آخر مهم جداً هو التركيز على المعاهد والكليات المتخصصة مثل معهد جمال الدين الميلادي ومعهد علي الشعالية والمعهد العالي للفنون المسرحية وكلية الفنون والاعلام قسم المسرح إضافة إلى أهمية التركيز على البعثات الخارجية لأن المسرح لايعتبر فناً فقط فهو فن وعلم وفي العالم هو تخصص قائم بذاته وفق أحدث النظريات أتمنى فتح الباب للدراسة الخارجية أمام الطلبة المتفوقين للاستفادة على الأقل في الجانب الثقني والذي يعتبر مفقوداً نسبياً لدينا.
- ماهو تشخيصك أو تقييمك لواقع الحركة المسرحية الليبيية ؟
* بكل شفافية وتجرد الحركة المسرحية في ليبيا محترمة ومتقدمة لأننا لم ننجرّ وراء ما يسمى بالمسرح الاستهلاكي أو ما يعرف في بعض الدول بالمسرح التجاري فمسرحنا رصين ويحمل رسالة تطرح وتنافس من خلال الاعمال التي تقدم وصحيح أن مايقدم لا يعادل الكم الهائل مما يقدم في البلاد الأخرى ولكن من ناحية الكيف فنحن أفضل فنحن نسعى دائماً للكيف وليس الكم وهذا ما شهدناه ولمسناه من خلال حضورنا في عدة مهرجانات عربية .
- أثناء فترة عملك كمدير عام إدارة المسرح والفنون الشعبية.. هل نجحت في لم شمل الفنانين المسرحيين ؟
* المفروض أن لا أقيّم نفسي من حيث نجاحي أو عدمه ولكن كإدارة استطعنا تقديم ما هو متوفر لدينا وبدون أي تزلف فنحن نجد العون من الأخ أمين اللجنة الشعبية العامة للثقافة والاعلام الذي يقوم بالدفع بهذا الفن للأمام ونحن ندعم جميع الفنانين الذين لديهم رغبة حقيقية في العمل وتقديم شيء وقمنا ببعث العديد من الفرق للعديد من المهرجانات العربية والعالمية بالاضافة لتنظيم مسابقات في النصوص ونحن دائماً نسعى للكمال الذي نصله حتى الآن.
- هناك اتهام يوجه لك كشخصية اعتبارية بأنكم تقومون بمحاباة أسماء وفرق معينة على حساب أسماد وفرق أخرى؟
* أنا شخص لايؤمن بالشلالية وأنا إنسان مسرحي ووقتي مقسم بين عملي ومنزلي وليست لدي أي شلة مقرّبة وجميع الفنانين المسرحيين أمامي في سواء وما يميز فنان على آخر هو العطاء وعندما نرسل أي فرقة لتمثيل الجماهيرية في الخارج يجب أن تتوفر فيها عدة شروط أولاً يجب أن تكون إحدى الفرق الفائزة في المهرجان وهذا ما يطبق حاليا، ثانياً لابد أن تكون الأعمال المشاركة في الخارج نابعة من الوسط الليبي بمعنى آخر إنها تجسد فلسفة مجتمعنا وأيضاً المشاركون يجب أن يكونوا من العناصر الوطنية وأنا كأسم أو حسن قرفال ليست لي أية علاقة بالتقييم في المهرجان وأن هناك لجنة من المتخصصين الذين يقيمون الأعمال المشاركة ولا تسلّم النتائج إلا قبل ربع ساعة من الإعلان عن النتائج.
- يقال أيضاً أن المشاركات الدولية إن لم تكن بائسة  فهي شبه معدومة !؟ فما ردّك ؟
 * بالعكس فخلال الثلاث سنوات الأخيرة شاركنا في حوالي خمسة وعشرين تظاهرة ومهرجان خارج الجماهيرية فمثلاً مهرجان دمشق الذي يعقد كل سنتين وتطوان في المغرب وكذلك المهرجان المغاربي الذي يقام في المغرب أيضاً ومهرجان أربعة وعشرين ساعة وقرطاج في تونس وبالإضافة لمشاركتنا الشبه دائمة في المهرجان التجريبي في القاهرة والسنة الماضية كانت لنا مشاركة في المهرجان العربي بالأردن بالاضافة لمهرجان البحر المتوسط في إيطاليا..، مما يعني أن أي مهرجان تصلنا منه دعوة نقوم بالمشاركة والشيء الجميل والمشجع أن معظم المشاركات لم نكتفِ بالتواجد فقط بل تحصلنا على جوائز وترتيبات متقدمة وهذا يستطع أن يتأكد منه أي شخص عن طريق الرجوع للمواقع الالكترونية للمهرجانات وماكتب عن المشاركات الليبية.
- هل الفرق المشاركة في المهرجانات الخارجية هي نفسها أم فرق مختلفة ؟
* سبق وذكرت أن الفرق المشاركة تخضع لشروط ومع هذا أؤكد على أنها فرق مختلفة فمثلاً المسرح الشعبي ببنغازي شارك، وكذلك المسرح الوطني في بنغازي ومسرح درنة والمسرح الوطني طرابلس و العديد من المسارح الأخرى وما يرجّح مشاركة فرقة عن الأخرى مدى جدية اكتمال العمل الذي سوف يشارك .
- لكن في إحدى دورات المهرجان التجريبي بالقاهرة وصلت دعوة لمشاركة مسرحية (قطارة ملح) وعند وصول أعضاء العمل للقاهرة فوجئوا بمشاركة فرقة ليبية أخري ضمن فاعليات المهرجان واكتفوا هم بالعروض على الهامش ..!! فما تعليقك على هذه الحادثة!؟
أولاً الدعوات يجب أن تصل ضمن سياقات متعارف عليها فنحن موجودون في دولة يجب احترام سياقاتها ومؤسساتها فيجب أن تقدم الدعوة عن طريق مكتب الاتصال الخارجي ثم تصل لأمانة الثقافة في الخارج وبعدها تحال للجنة الشعبية العامة للثقافة والاعلام وبعدها تتم مراسلة بينها وبين الهيئات والادارات المتخصصة والمشرفة وذلك لسببين أساسيين الأول احترام السياق  بهذه الطريقة لنظمن حق الفرق المشاركة بأن تجد كل التقدير في الدولة المستضيفة وعندما تصل الدعوة ونشكل لجنة نضمن للفنان الليبي احترامه ونوفر له كل إمكانيات نجاح عرضه كالمواصلات من وإلى المهرجان ويكون التعامل رسمي بحيث نستطيع أخذ حق الفنان لو تعرض لأي إهانة إما أمّا تصل الدعوة لفرقة وتسافر دون علم فهذا يسبب إرباك وفعلاً هذا ما حدث في السابق.
-  من كلامك نفهم أنك تنفي أي معرفة بمشاركة هذا العرض والتنسيق معكم ؟
* قطعياً أنفي معرفتي بهذا الموضوع فنحن رشّحنا فرقة وعمل آخر للمشاركة وفي القاهرة وجدنا الفرقة الأخرى التي قد تكون وصلتها دعوة شخصية وبدون الرجوع لنا ومع هذا لو يوجد أي ورقة رسمية موقعة من قبلنا على مشاركة هذه المسرحية فليقدموها ويعرضوها عبر صحيفتكم الموقّرة.. وأنا كما سبق وأشرت لا أتعامل إلا بموضوعية.
 - لكن مسرحية (توقف) التي عرضت في مهرجان البحر المتوسط وصلت الدعوة للفرقة وطلب منهم المشاركة بهذا العمل تحديداً.
 * قد تكون وصلت دعوة شخصية للفرقة ولكن في نفس الوقت وصلتنا دعوة رسمية أخرى حسب السياق التي تحدثت عنه في السابق لأنه عمل جاء لاعتماده على الحركات أكثر من الكلام بمعنى آخر هو عمل بصري ومن خلال المشاركة أثبت وجوده ولم يكتف بالمشاركة وتحصل على جوائز وامتدحه النقاد في الصحف وهذا شيء جميل ويضاف لرصيد الفنان الليبي.
 - المسرح في ليبيا أصبح موسميا  أي مرتبطاً  بالمهرجان الوطني والمناسبات الوطنية فقط.. لماذا؟..
* هذا في مناطق دون الأخرى ففي مدينة بنغازي المسرح على طول العام وتقدم فيه العديد من الأعمال ولهذا أتمنى لو تم توجيه هذا السؤال لمدراء الفرق ومع هذا نأمل خيراً في إنشاء الهيئة العامة للمسرح والموسيقا وتقدمنا بمقترح كبير نتمنى من الشخص الذي سيتولى هذه المهمة أن يأخذ به ونتوسم خيراً للحركة المسرحية مع حلول العام 2009مسيحي..
- لماذا خفضت جوائز المهرجان بالرغم من أن الميزانية ارتفعت؟
* القضية كالآتي فنحن مثلاً نشارك بخمس عشر فرقة كل منها تضم خمسة عشر عضواً تقريباً بالإضافة للفنانين الذين يودون حضور المهرجان وهذا من حقهم وطبعاً من مناطق مختلفة ويحتاجون لسكن وإعاشة فنحن خلال الدورات الثلاث الماضية تتم الاستضافة في فنادق تليق بهم وأيضاً المهرجان لا يعتمد على العروض فقط فتتم من خلاله ورش فنية على هامشه وندوات نقدية للعروض والندوة الرئيسة كذلك المهرجان التشكيلي الذي يتعلق بالمسرح فهذا المهرجان لا يتعلق بالعروض فقط بل هناك عدة أجناس فنية مرتبطة بالمهرجان.. بالإضافة للجوائز ومصاريف الجيب وتذاكر الطائرة للضيوف وهذه كلها أشياء لم تكن معروفة مما يعني أن الميزانية المرصودة لا تكاد تكفي المهرجان.
- المصاريف التي تصرف على الضيوف العرب هل تعتقد أنها في محلها وهل هؤلاء الأسماء يضيفون شيئاً للفنان الليبي من خلال تواجدهم؟..
* هؤلاء الضيوف هم متخصصون في المسرح كأساتذة وأشخاص لهم تجربتهم المسرحية المميزة في بلادهم وفي الوطن العربي ككل ولقاؤهم مع الفنان الليبي شيء جميل لفتح الآفاق من خلال تبادل الخبرات والتجارب والندوات وحتى اللقاءات الجانبية على هامش العروض يتم من خلالها النقاش وأيضاً لدينا خطة أخرى وهي نقل صورة مشرفة عن الفنان الليبي كنوع من الدعاية للفنان الليبي في الخارج عن طريق هؤلاء الفنانين وفعلاً حدث وأن الكثير من الفنانين العرب الضيوف تفاجأوا بالحركة المسرحية الليبية وعند رجوعهم لبلادهم طلبوا مشاركة بعض العروض في بلادهم وهذا شيء في صالح الفن والفنان الليبي وهذا حدث فعلاً في مشاركة "العراسة" في الأردن وكذلك "الغول" في سوريا وغيرها.
- لماذا قل عدد الفرق المشاركة في المهرجان الوطني فبعدما كان حوالي أربعين فرقة تشارك حالياً لا يصل العدد إلى خمس عشرة أو ست عشرة فرقة تقريباً؟
* المعروف أن الفرق التي تشارك في المهرجان هي الأروع والأفضل على الفرق وتوجد اثنتان وسبعون فرقة مسرحية في ليبيا ولكن فعلياً لا توجد خمس وعشرون فرقة فاعلة وهناك لجنة تقوم باختيار أفضل الأعمال.
- هناك اتهام يوجه لك وهو أنه خلال إدارتك لم تقم بأي زيارة للفرق الأهلية ولم تدعمها بأي شكل؟
* الإدارة بها عدة موظفين فليس من الضروري أن أقوم بزيارة كل فرقة شخصياً.. ومع هذا قمت بزيارة عدة فرق في سبها وبنغازي مع احترامنا للوائح التي تحدد العلاقة بين الفرق والإدارة فمثلاً هناك فرق أهلية عندما تناقشها يقولون بأنهم تابعون للجنة الشعبية للثقافة بالشعبية فيفترض أن تكون هذه الفرق تحت مظلة اللجنة الشعبية العامة أو يظلوا تحت مظلة اللجان الشعبية للمنطقة وهذا يحدث عنه خلط ولهذا أتمنى أن تعلن الهيئة في القريب العاجل وتعلن اللائحة التي تحمي حقوق الفنان.
-  ما هو مصير الفرقة الوطنية التي أسسها 120 فناناً من كافة أنحاء الجماهيرية والتي لم تقدم إلا عملين فقط هما القفص لـ"عمر هندر" ونحن والملك لـ"فتحي كحلول"؟
* أولاً هذه الفرقة أسست بقرار من اللجنة  الشعبية العامة للثقافة والإعلام وفعلاً قدمنا عملين ومع هذا قدمنا مقترح لتثبيت هذه الفرقة وتكون أسوة بفرقة الموسيقا وتضم كافة الممثلين والمخرجين المبدعين وستبدأ فعلياً العام القادم.
 - المهرجان الوطني عادة ما يكون في العاصمة فما الحكمة في انتقاله العام الماضي إلى بنغازي وهذا العام إلى ثلاثة مناطق هي البيضاء وشحات ودرنة؟
* وما الضير في ذلك.. فالمهرجان توقف لسنوات عديدة جداً وعندما رجع عقدت دورة في طرابلس وأخرى في بنغازي وهذا العام في الجبل الأخضر.. فنحن همنا الوحيد نشر الحركة المسرحية داخل الجماهيرية جمعاء.. فمن حق جميع الليبيين مشاهدة هذا المهرجان ولا يقتصر على منطقة واحدة فقط.. لاسيما أنه مهرجان واحد والآن وفي المستقبل ومع حلول العام 2009مسيحي سيكون هناك أربعة مهرجانات على مستوى الجماهيرية للمسرح وستوطن وهذا يعتبر إثراء ولم يحرم منه أي فنان أو متلقى ليبي فعندها المهرجان الوطني سيثبت في طرابلس والتجريبي في البيضاء والطفل في مصراتة والعربي في درنة وهنا تتشكل الخارطة الثقافية لتعم كل أنحاء الجماهيرية ونقل المهرجان من منطقة لأخرى مرحلة عرضية بحيث إعطاء الفرصة لمشاهدته لأكبر عدد من المتلقين ونحن فتحنا المجال أمام الفنانين وبعدها توثق للمرئية وهذه مرحلة مؤقتة فقط.
- ولكن حتى الفنانين أنفسهم من خارج طرابلس لديهم تحفظ على نقل المهرجان خارج طرابلس؟
 * لماذا الاعتراض والتحفظ  ونحن لا نقول إن المهرجان انتقل لأن العروض هي التي انتقلت وسوف يرجع إلى طرابلس وهذه مرحلة مؤقتة وبعدها سيعود من جديد إلى طرابلس.
 - لماذا لم يبق في طرابلس حتى العام 2009مسيحي ووضع الخارطة الجديدة؟
* لماذا نحرم الآخرين حالياً من المشاهدة لابد أن تعم هذه التظاهرة جميع أنحاء الجماهيرية..
 - لماذا لم تصدر حتى الآن إصدارات تهتم بالشأن المسرحي؟
* هذه قضية يجب مناقشتها مع الهيئة العامة للكتاب التي كان المفروض أن تنسق مع الأدباء والمسرحيين ونحن بدورنا هناك نصوص كثيرة تمت إجازتها المفروض أن تأخذها الهيئة العامة للكتاب وتقوم بنشرها..
- أحد التحفظات التي جاءت من الفنانين كانت بسبب عدم احتمال هذه المناطق للعروض المسرحية واستضافة الضيوف؟
* أرد على هؤلاء بكل ثقة إن الإقامة ستكون في منتجع "سوسة" السياحي وهي من أجمل المناطق في الجماهيرية والبيضاء بها أربع مسارح ودرنة يوم 20 من هذا الشهر تقريباً مع المهرجان ستفتتح بها مسرح من أجمل المسارح في شمال إفريقيا.. وهو هدية الثورة للفنانين.. يعني إن القدرة والإمكانات الموجودة بها أكثر من تلك الموجودة في طرابلس التي كان يتم العرض في مسرحين فقط وهما مسرح الكشاف والفتح.
- حالياً نستعد للاحتفال بمئوية المسرح الليبي.. فما الذي تقوله عن هذه المناسبة؟
* قبل ما نعرف المسرح المتعارف عليه كان لدينا بعض التظاهرات البصرية كالقراقوز والبوسعدية المتعارفة والمتوارثة عبر العصور حتى مصطلح المسرح لم يأت إلا عن طريق عبدالرحمن الجبرتي مؤرخ الحملة الفرنسية  وهذا موضوع يحتاج لبراح كبير.
لكن بالرجوع للصحافة فالمسرح الليبي بدأ عام 1908مسيحي وإعادة التأسيس كانت في الثلاثينيات من القرن الماضي والبداية الفعلية مع تأسيس محمد عبدالهادي لفرقة درنة المهم إن المسرح في ليبيا كان له دور نضالي حتى بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يناقش القضايا الاجتماعية حتى نصل للوقت الحالي إذاً المسرح الليبي منذ تأسيسه كانت له رسالة ولم يكن مسرح ترف وله دور فاعل..
- وكمدير عام إدارة المسرح والفنون الشعبية.. فما استعداداتكم لهذه الاحتفالية؟
* الندوة الرئيسة في المهرجان الوطني ستكون حول مئوية المسرح الليبي وهي ذات محاور مختلفة مثل دور المسرح في تنمية المجتمع المسرح وثقافة الشعوب.. إضافة لبعض العروض التي ستقدم خلال الأسبوع القادم وأيضاً إلى جانب محاور مختلفة.     

















البوصيري عبدالله .... 
"أنا عاشق كبير للميثولوجيا ، فهي على الدوام مصدر من مصادر الإبداع "

حوار : حواء القمودي

البوصيري عبدالله اسم له ثراءٌ في المشهد المسرحي الليبي وهذا الثراء يفيض كتابة للمسرح وكتابة عنه لذا ليس عجيبا أن يمتلك البوصيري عبدالله عاشق المسرح الليبي كل هذا الصبر لينجز "  فهرست المسرح الليبي" الذي استغرق جمع مادته خمس سنوات وتصنيفها وترتيبها عشر سنوات هذا العاشق الذي جمع " تحويشة العمر" ليسافر إلى فرنسا من أجل دراسة المسرح هذا العاشق للمسرح فأخرج ومثل وكتب عنه الدراسات وكتب له كتب المسرحية  مذ شغفه المسرح الذي التقى به حين كان  عمره اثنتى عشرة سنة ومنذ ذاك الوقت ارتبط عنده المسرح ( بالمصير الإنساني وبالوظيفة السياسية) لذا كانت الحرية أحد هموم مسرحه وكان تأثير السياسة على ( يوم الناس) أحد همومه ولذا يواصل  كتابة المسرحية ويوثق  الهَمَّ الإنساني ويواجه الظلم والطغيان كما في مسرحيته الثلاثية عن ( يوسف باشا) و"أويا" الفني في مئوية المسرج الليبي تفتح نافذة تضيء جوانب من هذه التجربة الثرية.
 اقترح الصديق نوري عبدالدائم الكثير من أسئلة هذا الحوار وكان أن أضفت أسئلتي الخاصة فكان هذا الحوار الثري وكانت هذه الإجابات التي استفاض في بعضها الكاتب البوصيري وسنقرأ بعضا من هذا الحوار في هذا الجزء الأول ونتابع الحوار في جزء ثانٍ احتفاءً بمئوية مسرحنا الليبي  احتفاءً بكل لمسة بكل صوت بكل بادرة بكل يد واكتفى.
-  سؤال أحب أن أطرحه : البدايات، بداية الشغف، العلاقة بالمسرح، التفكير به، والعمل فيه؟
* كان عمري اثنتي عشرة سنة عندما شاهدت أول مسرحية في حياتي ألا وهي مسرحية ( أبناء القصبة) من تأليف وإخراج المرحوم الأستاذ مصطفى الكاتب قدمت هذه المسرحية فرقة المسرح الوطني الجزائري في الهواء الطلق بملعب النادي الأهلي المصراتي وذلك في سنة 1958 لقد أحكمت هذه المسرحية التي عرضت جانبا من حرب التحرير الجزائرية سيطرتها على ذهني وأفكاري إلى حد أني أخذت أرتجل مسرحيات مدرسية قصيرة على منوالها وكنت مولعا بلعب دور المحارب الجزائري، ومن تأثيرات هذه المسرحية على أفكاري أن ارتبط المسرح في ذهني بالمصير الإنساني وبالوظيفة السياسية وبعد ذلك شاركت في مجموعة من المسرحيات المدرسية وفي سنة 1960 مثلث في أول مسرحية مدرسية طويلة حملت عنوان (أصبحت رجلا) تحكي قصة طالب مجتهد وهي من تأليف الأستاذ  الأمين القبي وإخراج الأستاذ فرج الحسان - رحمه الله- وعرضت هذه المسرحية  ضمن مهرجان نهاية العام الدراسي وأثناء إجراء التجارب على هذه المسرحية اتفقت مع صديقين وهما عبداله علي حداد - رحمه الله- وفتحي الهوني على كتابة مسرحية نشارك بها في فعاليات هذه المهرجان وشرعنا معا في العمل ولكني لاحظت أن الأخوين مهتمين برسم دوريهما فيما أهملا دوري - باعتباري أصغر منهما سناً - الأمر الذي أثار  حفيظتي وجعلني أنفصل عنهما لأكتب نصاً مسرحياً بمفردي أطلقت عليه عنوان (هارب من الحياة) وهو أول نص أنجزه وكان عمري وقتئذ أربعة عشر عاماً، في سنة 1962مسيحي نقلت إقامتي إلى المحروسة طرابلس وفي سنة 1964 مسيحي التحقت بفرقة الجيل الصاعد وصادف أن كانت الفرقة تعاني حالة من الكساد وذات مساء صرخ المرحوم الفنان علي بركة الذي كان مديراً للفرقة غاضبا من عدم عثوره على نص ملائم فقلت له وأنا يعتريني الخجل والوجل: أنا عندي مسرحية يا أستاذ: فنظر إلى هاشا باشا وقال بصوته الأجش: جيبها .. جيبها.. نبي نخدم.
وفي اليوم التالي دخلت مقر الفرقة وأنا أتأبط مسرحيتي وجلست مع الأستاذ علي بركة الذي شرع في تعديل النص بالحذف والإضافة حتى استقر حال النص على النحو الذي يريد ثم شرعنا في إجراء التجارب وبعد شهر كامل لاحظ أعضاء مجلس الإدارة أن المسرحية ليست في مستوى تاريخ الفرقة - وهذا وجه الحق - فأوقفت المسرحية واستبدلت بمسرحية ( مشاكل وحكايات) من تأليف محمد عبده الفوراوي وفي سنة 1966 مسيحي ظهرت مسرحيتي تحت عنوان ( طموح وانحراف) بإخراج عبدالمجيد خشخوشة وهو الآن أستاذ جامعي وقدمها نادي بلخير الرياضي الثقافي ضمن مهرجان النشاط المتكامل وكتب عنها الناقد محمد أحمد الزوي في مجلة الإذاعة مادحا مؤلفها الذي رأى فيه كاتبا واعدا وخلال هذه الفترة كتبت مسرحية أخرى بمشاركة زميلي الممثل محمد ريحان بعنوان ( طرد العدالة) كما ظهرت كممثل في مجموعة من المسرحيات من بينها مسرحية: مشاكل وحكايات، وشباب يحترق مع فرقة الجيل ومسرحية من بينها مسرحية : مشاكل الجديد، وشباب يحترق مع فرقة الجيل، ومسرحية مسكين مع فرقة المسرح الجديد ومسرحية حوت يأكل حوت، والعسل المر، وحلم الجعانين مع القومية.
 وفي عام 1968 مسيحي لملمت ( تحويشة العمر) التي جادت بها مهنتي كنجار ورحلت إلى فرنسا لدراسة المسرح على نفقتي الخاصة حيث  التحقت بدورة عن التمثيل والإخراج بالجامعة الدولية للمسرح بباريس ثم بدورة أخرى في مجال 
الإخراج التلفزي بدار الإذاعة الفرنسية، ثم التحقت بجامعة "فانسان".. ولكني انقطعت عن الدراسة بسبب الظروف المالية القاسية، وبسبب عدم اعتراف الدولة الفرنسية بمنهج الفنون الذي كان يدرس في هذه الجامعة وفي سنة 1973م، عدت إلى أرض الوطن وعينت كمخرج بالمسرح الوطني ببنغازي بأجر يومي.
-  بدأت تنشر عن المسرح "نشرت الكراس المسرحي 1-2) ثم نشرت نصا مسرحيا، وهكذا تم التداول حتى 1986م، حين نشرت (أوريست يعود إلى المنفى).. بين الكتابة عن المسرح والكتابة له، ما الذي يخبرنا به الأستاذ البوصيري عبدالله؟.
* أنا أميل إلى كتابة النص الإبداعي، ومرد ذلك إلى أسباب ثلاثة، أولاً: لأن النص المسرحي هو هاجسي، ورسالتي التي أود أن أودع فيها أفكاري، وشخصيتي، ومواقفي، وهموم عصري وأمتي، أجد متعة لانظير لها حينما أجلس أمام أوراقي وفي ذهني مشروع كتابة نص جديد، وثانيا: لقد علمتنا التجربة الثقافية الإنسانية أن العمل الإبداعي أكثر بقاء، وأكثر رسوخا في الأذهان وتغلغلا في الأزمان، أما الدراسات والأبحاث فقد تفقد قيمتها بسبب تطور الأفكار والنظريات ولعل خلود الإلياذة والأوديسا أكبر برهان  على ذلك، وثالثا: وهو الأهم- ربما أن مسرحنا الليبي والعربي على وجه العموم يحتاج إلى النص.. إننا لا نؤسس مسرحا في غياب النص، وبشكل عام.. إن كتابة النص  هي مسؤوليتي تجاه ذاتي.. محاولة لإرضاء رغبة تتملكني أما كتابة البحث والدراسة فهي مسؤوليتي تجاه الآخر، وإذا كانت كتابة النص الإبداعي تسري في كياني شيئا من المتعة فإن كتابة البحث أو الدراسة تغذي عقلي، وتوسع مداركي إذ تحيلني إلى المصادر والمراجع، وهي بهذا تعمق علاقتي مع الكتاب.. نعم إن الأبحاث تشقيني ولكنها تعلمني.
- أيضاً ماذا عن ( فهرست المسرح الليبي ) هل هو محاولة لترسيخ وتثبيت دور وأهمية المسرح في بلادنا؟.
*(فهرست المسرح الليبي) هو عمل ببليوغرافي رصدت فيه كل ما نشرته صحافتنا الوطنية عن المسرح الليبي ،  وكل ما كتبه الليبيون عن المسرح بصفة عامة، تتبعت فيه علاقة الصحافة الليبية - منذ تأسيسها  بالحركة المسرحية ، والدور الذي لعبته في نشر الثقافة المسرحية، استغرقت مني عملية التجميع وقتا يربو على خمسة أعوام فيما استغرقت مسألة الكتابة والتصنيف أكثر من عشرة أعوام آخر، والكتاب- الآن- يقع في 1200 صفحة فولسكاب، وهو يحتوي على ما يزيد على 2000 مادة، ثم قمت بتقسيم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، الباب الأول يخص الكتاب وكتاباتهم، وفيه قمت بترجمة لأكثر من 250كاتبا ليبيا، والباب الثاني يخص الموضوعات وفيه تصنيف الموضوعات حسب جنس المقالة فتجدين فصلا للنقد: النظري والتطبيقي/ وفصلا للدراسات والبحوث/ وآخر للمقالات والخواطر/ ورابعا للقاءات/ وخامسا للأخبار/ وسادسا للإعلانات ، أما الباب الثالث فهو فهرس تاريخي وفيه تصنيف الموضوعات حسب تسلسلها الزمني .
هذافيما يتعلق بالتعريف بالكتاب، أما الغاية منه فهي توفير الوقت والجهد أمام الباحث في رحلة المسرح الليبي ، سواء كانت غاية الباحث متصلة بالتاريخ ، أو النقد، أو بالدراسات أو غير ذلك من الموضوعات والقضايا المسرحية ، حيث يجد أمامه دليلا مفصلا يحدد اسم الكاتب، وعنوان المقالة، وجنس المقالة، ومكان وتاريخ نشرها، فما عليه- والحالة هذه- إلا أن يدون هذه المعلومات الأولية ثم يتجه مباشرة إلى طلبه، وفي ذلك- كما آمل- توفير واختزال لوقته وجهده، ومن ناحية أخرى، فالكتاب هو- فعلا- محاولة لترسيخ وتثبيت دور المسرح الليبي، واعتراف بفضل الكاتب الليبي ، والصحافة الليبية على الحركة المسرحية في بلادنا.
- تبدو مهجوسا بالسياسي ، أو بتأثير  السياسي على حياة الناس، حسب ما أرى بشكل شخصي، هل ما أراه له نصيب من الصحة؟.
 * نعم.. صدقت، السياسة هاجسي، لأني عربي، وغيور على عروبتي،  والعربي الآن مهدد في وجوده.. وفي كيانه.. الوجود العربي يباع الآن بالمزاد العلني في أسواق السياسة العالمية، لم تتعرض أمة في التاريخ إلى هذا القدر من الزيف والتضليل والاعتداء على تاريخها وقيمها مثلما تتعرض إليه الأمة العربية هذه الأيام، والأدب والفن العربيان حينما يصمتان عن هذا الواقع المرير فذلك يعني أنهما طرف مشارك في هذه اللعبة الخسيسة، وللأسف يحاول بعض النقاد التبع من بني يعرب، وذوي النزعة البرجوازية فصل السياسة عن الإبداع، ويرسخون فكرة الفن الخالص، أو مبدأ الفن للفن كي لا ينهض الفن والأدب بدورهما في توعية الناس، وفي ترشيدهم، وفي تبصيرهم بحقائق الأمور، وهذه فكرة رأسمالية في أساسها وقد وظف لها كثير من الأدباء والمنظرين وأساتذة الجامعات من أجل ترسيخها في الأذهان.
- أيضاً عندك هاجس (الحرية) هذه الجدلية: السلطة/ الحرية.. لها حضور في مسرحياتك (أيضاً هذه قراءتي الخاصة) فهل يجانب هذه القراءة الصواب؟.
* أشكر لك هذه القراءة النافذة إلى أعماق نصوصي، كما أشكرك على البوح بهذه الملاحظة المهمة ، وفي رأيي أن كل إنجاز ثقافي جاد ومسئول هو عميق الصلة بالحرية، لأن الثقافة الجادة والمسؤولة تمد المتلقي بالمعرفة والمتعة، والمعرفة هي الإحساس بالوجود أما المتعة فهي الارتقاء بهذا الوجود، لكن هذه الجدلية بين السلطة والحرية التي تلاحظينها في مسرحياتي كانت وبالا علي في بداية مسيرتي الثقافية حيث اعتقلت مسرحياتي في أدراج رقابة المطبوعات لمدة عشرة أعوام-تقريبا- بل تمت مصادرة بواكير إصداراتي وسبب ذلك أن الرقابة البوليسية تنظر دائما إلى مسألة الدفاع عن الحرية على أنها عداء للسلطة، حتى و لو كانت هذه السلطة تنادي بالحرية، ولكن ما بعد الضيق إلا الفرج- كما يقولون- ولقد فرجت- والحمد لله- وأمست رائحة الحرية التي تفوح من مسرحياتي باعثا على انتشار مسرحياتي عربيا حيث عرضت في العراق، و سوريا، والمغرب، والأردن، وهذا أعتبره وسام شرف على صدر المسرحية الليبية.
- يرى البعض أنك كاتب مسرحي كلاسيكي، بمعنى عندك صرامة في الزمان والمكان والحوار، وتتبع المنظومة الصارمة لأرسطو!.
* أولا.. أنا سعيد بأن يراني البعض كاتبا كلاسيكيا، فهذا يعني أن مسرحياتي محكمة البناء، وهو شرف لم أكن لأجرؤ على البوح به، وما كنت أظن أن تجربتي المسرحية قد أدركت هذا القدر من حسن الصنعة، أما أفضل رد على هذا الرأي هو العودة إلى المدرسة الكلاسيكية لنرى، على ضوء المنهج العلمي، ما إذا كانت مسرحياتي قد التزمت بالخصائص الفكرية والجمالية لهذه المدرسة، أم أن الأمر بعيد عن ذلك، ولهذا سأستطرد في الإجابة، وأرجو أن تستطيعي معي صبراً.
-أ- المسرحية  الكلاسيكية هي مسرحية شعرية بالدرجة الأولى، وليست مسرحياتي شعرية، وإن حرصت، في بعضها أن تكون اللغة قريبة من الشعر في الروح لا في الوزن.
-ب- وحيث إن المسرحية الكلاسيكية هي مسرحية شعرية في المقام الأول فإنها تغلب العنصر السمعي على العنصر البصري، ومسرحياتي على عكس ذلك تماما، إذ أنها تغلب البصري على السمعي فيرى المشاهد في مسرحياتي مشاهد المبارزة بالسيوف والمشاهد الدموية، ومشاهد الحريق، ومشاهد تعذيب الشرفاء، ومشاهد القتل، بل يشاهد تصويراً كاملا لجانب من حرب 1967م، في مسرحية "العم قريرة" ومثل هذه المشاهد لا يجوز تشخيصها في المسرحية الكلاسيكية، وإنما يستعيض عن التشخيص بالأسلوب السردي.. الوصفي، كما هو الحال في مسرحية "الفرس" لاسخليوس.
-ج- المسرحية الكلاسيكية هي مسرحية قدرية.. أي أن الإنسان فيها مسير وليس مخيرا.. وفي مسرحياتي الإنسان ضحية مجتمعه، وهو طرف مسؤول في بناء هذا المجتمع الذي ينتمي إليه.. أي بمعنى أنه مخير.. و(كل نفس بما كسبت رهينة).
-د- الكلاسيكية.. مسرحية طبقية، ابتداء من لغتها، وانتهاء بموضوعاتها إنها تعرض علينا محنة الملوك "أوديب/ أجامنون/ كريون" ومعاناة القادة (إياس/ هكتور/ أخيل) وما وراء هؤلاء من نساء وأطفال ومريدين، ومسرحياتي أيضا طبقية، ولكنها تقف على الضد من المسرحية الكلاسيكية حيث تستقي موضوعاتها من الأحياء الشعبية، وبيئة الفقراء، فعاشور/ والعم قريرة/ والشاويش حميدة/ والأمباشي غيث/ ويوسف الزعراني/ وعمورة الطبنجي/ والهمشري أبو راوي/ والحلزوني/ والأعرج/ وجلاتيا/ وزنوبة/ وبائعة التفاح.. كل هذه الشخوص الدرامية تنتمي إلى البيئة الشعبية وتبوح بأحزان الفقراء.
-هـ- المسرحية الكلاسيكية تلتزم بوحدة الزمان، أي أن الأحداث فيها تدور خلال أربع وعشرين ساعة، ومسرحياتي يمتد فيها الزمن الدرامي إلى أبعد من ذلك بكثير، ففي مسرحية "لعبة السلطان والوزير" يمتد الزمن إلى ثلاثة ولاة، ولهذا استبدلت مصطلح فصل بمصطلح حدث وأقمت مسرحيتي على ثلاثة أحداث كل حدث فيها له زمنه الخاص، وفي ثلاثية "يوسف باشا" وهي مسرحية تسجيلية تقوم مشاهدها على ترجمة درامية للوثائٍق التاريخية وبين كل وثيقة ووثيقة بعد زمني طويل، وهذا الانتقال في الزمان لا تجيزه المسرحية الكلاسيكية، ووحدة الزمان- بالمناسبة- بطل مفعولها منذ ظهور المسرح الإلزابيثي على يدي مارلو، وتوماس كيد، وبن جسون، أساتذة شكسبير العظام.
-و- المسرحية الكلاسيكية تلتزم بوحدة المكان.. أي أن الأحداث الدرامية تجري في مكان واحد لا تغادره أبدا، فأين هذا من مسرحياتي ذات اللوحات والمشاهد والفصول العديدة، ولكي أضع النقاط على الحروف أشير إلى أن مسرحية (لعبة السلطان والوزير) تدور أحداثها في مكانين مختلفين، ومسرحية (تفاحة العم قريرة) تدور في أربعة أمكنة، ومسرحية "القاتلات) تدور في أربعة أمكنة أيضا و( ثلاثية يوسف باشا) تدور في أكثر من عشرة أمكنة أما في المسرحية ( سجينة الجدران) فالشخوص الدرامية هي التي تشكل الأمكنة حسب مقتضى الحال إن أهم الخصائص الجمالية في مسرحياتي تكمن في النقلات المكانية. 
 - ز- المسرحية الكلاسيكية تفصل بين المضحك والمبكي وفي مسرحياتي يتآخى المضحك والمبكي في لعبة درامية تسخر من كليهما، ففي مسرحية ( الغربان و جوقة الجياع ) تدخل شخصية المقرئ وهو تابع العمدة فيضفي على المسرحية جوا مرحا في ظاهره كئيبا في باطنه وفي مسرحية ( لعبة السلطان والوزير) يصرخ الأعرج صرخة الانتحار قائلا:
- السلطان سارق .. السلطان لواط
- فيرد عليه الشرطي مفجوعا اللعنة .. إنه يفشي أسرار الدولة
إن هذه النكتة الملغومة اخترقت الحالة التراجيدية فأثارت - عند عرض المسرحية - موجة من الضحك لا أقدر الآن على وصفها ومن ناحية ثانية توجد في مسرحياتي شخصيات هي مزيج من المضحك والمبكي في آن واحد فمثلاً شخصية بجماليون هذا الذي صنع تمثالاً جميلاً ثم اعتراه الوله به هو شخصية درامية جمعت  بين نقيضين المضحك والمبكي في ذات واحدة إن ألم بجماليون هو ألم مجاني لأنه يريد أن يبني سعادته على حساب سعادة إنسان آخر فبذلك هو شخصية مثيرة للسخرية رغم مكابدته وأحزانه وكذلك العم قريرة إنه يحمل مبادئ سامية ويهدف إلى غاية عظيمة ألا وهي تحرير الأرض السلبية لكنه نهج أسلوباً ساذجاً مضحكا وكذلك شخصية ( عاشور) في مسرحية ( بضربة واحدة  قتل عشرة) إنه إنسان بسيط قام بفعل عادي إذ أنه قتل عشر ( دبانات) بضربة واحدة لكن أحدهم - لغاية في نفسه - أوهمه أن ذلك أمر خارق للعادة فصدق عاشور الأكذوبة  وبات ضحية لها، أن محنة عاشور تكمن في أنه لا ينظر إلى ذاته من خلال ذاته ولكنه ينظر إليها من خلال الآخرين، وأن يصنعك الآخرون وفق هواهم فذلك هو مكمن الألم فيك ومكمن السخرية منك في الوقت ذاته، وهكذا ترين - ياسيدتي - أن تصنيفي كمؤلف كلاسيكي - رغم شديد اعتزازي به...لا يمت للحقيقة بصلة وهو رأي لا يعكس سوى جهلنا بالمصطلح النقدي.
-  تستقي أعمالك .. أو أغلب أعمالك مستقاة من منابع الميثولوجيا أو (أيضا) الفكرة الجاهزة ..
- أنا عاشق كبير للميثولوجيا وللأدب الأسطوري  فالميثولوجيا هي على الدوام مصدر من مصادر الإبداع، ونبع من منابع الإلهام ، ولم يعرف تاريخ الأدب الإنساني كاتبا عظيماً لم يشرب من هذا النبع الخال، ابتداء من هوميروس وهسيود - وانتهاء بكورني وراسين، ومرورا بشلر وجوتة، وأكثر من استفاد من ايلمثولوجيا هم المسرحيون والشعراء، وأنت كشاعرة ، لابد أنك وقفت على أثر الميثولوجيا في شعر اوفيد، وفرجيل،  ودانتي، وكليماخوس القوريني، ورامبوا، واراجون، وبليك، وإليوت، وطاغور أو في الشعر البياتي والسياب، وادونيس وأمل دنقل من شعراء العرب، أما في مجال المسرح فقد نشأ في القرن الثامن عشر تيار مسرحي اصطلح على تسميته بـ«الكلاسيكية» وهو تيار أو مذهب يستمد كل مسرحياته من نبع الميثولوجيا، ذلك لأن الميثولوجيا أشبه بالجزيرة السحرية تفتح أمام المبدع مساحات رحبة ليلعب فيها خياله، وينأى بلغته عن المباشرة والتقريرية، مبتعدا عن كل حوشي وسقط المتاع من الألفاظ والمفردات، وطالما أن الأمر كذلك فما الضير في أن يجرب كاتب من ليبيا اقتحام هذه الجزيرة السحرية ليقطف بعض ما فيها من فاكهة وأبّ، فلعلها تشبع أو تغني من جوع .
هذا فيما يتصل بعلاقة الأدب والفن بالميثولوجيا ، أما فيما يتصل بصيغة سؤالك فاسمحي ليّ أن ابدي ملاحظتين الملاحظة الأولى : تتصل بالموقف من الميثولوجيا، حيث ألاحظ أن المثقفين الليبيين ينظرون إلى التعامل مع الميثولوجيا على أنه نقيصة ودلالة عجز عند الكاتب، أو بالأحرى عند البوصيري عبدالله باعتباري الكاتب الليبي الوحيد الذي تعامل مع الميثولوجيا، وتعزي هذه النظرة إلى اعتقادهم في أن التعامل مع الميثولوجيا يعني التعامل مع الفكرة الجاهزة ... أى بمعنى أنه لا فضل للكاتب فيما كتب، وإذا انطبق هذا القول عليّ فهو ينطبق - بالضرورة - على اسخليوس، وسوفوكليس، وسنيكا، وكورني، وراسين، وبرنارد شو، ويوجين اونيل، والحكيم وغيرهم ممن تعاملوا مع الميثولوجيا ومن ناحية ثانية .. علينا أن نعرف أن الدراما ليست فكرة فقط، بل أن الفكرة ليست سوى جزئية بسيطة في تركيبة الدراما. والأفكار - على رأي الجاحظ - موجودة على قارعة الطريق، ووراء كل إنسان تلتقين به توجد فكرة  ، توجد حكاية ، وإنما الدراما تناول، والتناول يعني : لغة + إحساس + صنعة + موقف + رأى، وكل كاتب تناول أسطورة من الأساطير أودع فيها شيئاً رأيه وفلسفته وموقفه فاوريست ـ مثلاً ـ عند اسخليوس هو ذاك الشاب الذي اهرق دم ذوي القربى، وعند سارتر في مسرحية (الذباب) هو الوجودي الذي يبحث في معنى وجوده، وعند البوصيري عبدالله هو الإنسان الفلسطيني الذي يسعى إلى استرداد وطنه، إذ أن الوطن أبلغ معنى للوجود، وبجماليون عند برنارد شو في مسرحية (سيدتي الجميلة) هو ذاك الارستقراطي الذي اتخذ امرأة فقيرة  كحقل تجارب يصب فيها أفكاره وسلوكياته بهدف إعادة صنعها لتكون مناسبة للمجتمع الارستقراطي، وعند توفيق الحكيم هو ذاك الفنان الحائر بين الفن والحياة ، أما بجماليون بالنسبة لي فهو رجل  ليبي، في شبقيته، وفي نظرته إلى المرأة .. إنه مخلوق نزّاع إلى السيادة لإحساسه بأنه صانع المرأة ومؤسس الأسرة ومن ناحية ثالثة ..إن القول بأن التعامل مع الميثولوجيا أو التاريخ أو التراث .. أو الفكرة الجاهزة - حسب تعبيرك - أمر سهل فذلك قول من قبيل الظن، والظن لايغني من الحق شيئا، إن الكاتب الذي يستحضر فكرته الخاصة يملك حرية التصرف، في بناء الأحداث، وفي رسم الشخوص، ولا أحد يملك حق محاسبته على ذلك، أما الكاتب الذي يستقي فكرته من الأسطورة أو من التاريخ فإنه يقيم من حوله الأسوار والسدود، ويجعل عمله محفوفاً بالمخاطر بسبب فقدانه حرية التصرف في البنية الأساسية لحكايات سرى خبرها  في كل الاصقاع والامصار وبذلك فهو ملزم بالمحافظة على الحقائق الأسطورية والتاريخية، والتراثية، وهنا يأخذ العمل الدرامي شكل البحث الذي يستوجب التقصي والإطلاع والتحليل، وفوق هذه المحاذير والمخاطر على الكاتب الذي يتعامل مع الأسطورة أن يعيد قراءة الأسطورة قراءة تتسم بالوعي والنضج بهدف السيطرة على وقائعها، من ثم تحميلها معاني تتصل بزمانه ومكانه ، وهمومه الخاصة والعامة .. وباختصار، أن التعامل مع الميثولوجيا أشبه بالماء الغور تطلبه ولكنك قد لا تدركه .
أما ملاحظتي الثانية : فأود أن اوضح فيها أني لم أتعامل مع الميثولوجيا إلا في عملين أثنين فقط هما مسرحية (اوريست يعود إلى المنفى) ومسرحية (سجينة الجدران) من أصل عشر مسرحيات طويلة وخمس مسرحيات للأطفال ... إذن ليست كل أعمالي، وليست أغلب أعمالي مستقاة من الميثولوجيا كما ورد في سؤالك، وكنت أفضل أن تلتزم صياغة السؤال بالحقيقة وتبتعد عن صيغة التعميم والمطلق.
 - التجريب في المسرح، سواء محلياً أو عربيا، هل تجد له منابع، وإذا كنت معه فلماذا؟ أو ضده فلماذا؟
 *لست ضد التجريب، ولست معه، لست ضده كمبدأ ولست معه كواقع  فمن ناحية أنا لست ضده، لأن التجريب - كهدف وغاية - هو التمرد على المذاهب و النظريات الإستاتيكية التي قولبت المسرح، ووضعته داخل علب وأحكمت الأغلاق عليه، ومن هنا فالتجريب ضد السكونية .. ضد التبعية، وهو في الوقت ذاته بحث جمالي يبغي فتح آفاق جديدة أمام اللعبة المسرحية وهذا لا يعني أن التجارب المسرحية استوعبت، إلى حدّ الملل، الأشكال المسرحية القديمة، ولم تجد من خلالها أي معنى لأى إضافة جديدة وفعّالة هكذا كان الأمر بالنسبة للمسرح الإليزابيثي عندما تمرد على الكلاسيكية، وهكذا كان الأمر عندما تمردت الواقعية على الرومانسية، وهكذا كان الأمر عندما تمرد شعر التفعيلة على الشعر العمودي، هذه قاعدة شبه ثابتة في النظريات الفنية والأدبية والفلسفية والسياسية ايضا والسؤال الملح هنا هو : هل استوعبت الحركة المسرحية العربية والليبية الأشكال المسرحية القديمة ؟
طبعا... لا..!
أن المسرح العربي مازال عاجزاً عن تقديم مسرحية وفق المعايير الواقعية السليمة على نحو ما يحدث في مسرح الأوديون، والكوميدي فرانسيز، وفي المسرح الملكي ببريطانيا، أو مسرح الفن بموسكو وهكذا نرى أن التجريب في المسرح العربي .. والليبي على وجه الخصوص جهد نافل، ولا مبرر له ومن ناحية أخرى أنا ضد التجريب ، ذلك لأن المسرح فكر وجمال وموقف وهذه الوظائف الثلاث لا وجود لها فيما نرى ونشاهد من مسرحيات تزعم أنها تجريبية .. بل أن التجريب العربي لايزيد - في الحقيقة - عن تخريب لتلك الوظائف السامية، واغراق في الشكلانية البحتة وبذلك فالتجريب - وفق مشاهداتنا - مسرح غير جماهيري وإنما هو مسرح نخبوي .. بل هو مسرح للمسرحيين فقط، إنه شكل مسرحي يصنع خصيصا للمهرجانات، ولم يحدث أن نزلت مسرحية تجريبية إلى الأسواق لتجرب حظها أمام شباك التذاكر وكل شكل من أشكال الفن لايضع الجماهير نصب عينيه يكون قد حكم على نفسه بالموت والقبور.
- المسرح الليبي هل ترى أنه له تميزه في ساحة المسرح العربي؟
* لا أحد ينكر أن لنا في الجيد نصيب، وثمة محاولات جيدة في مجال التأليف والإخراج والتمثيل لكننا لا نستطيع القول أن لنا مسرحاً متميزاً يعادل تميزنا في مجال الرواية أو الفن التشكيلي والواقع أن المسرح العربي كله لم يدرك التميز والتفرد عن غيره من المسارح، والمحاولات الوحيدة التي سعت إلى التميز هي محاولات عبدالرحمن ولد كاكاي بالجزائر. ومحاولات الطيب الصديقي بالمغرب وما عدا ذلك كله إتباع أكثر من كونه إبداعاً ويمكنني أن أخذك أبعد من ذلك فأقول لك أن التميز ـ علی الصعيد العالمي ـ محصور الآن في تجربتين اثنتين فقط هما تجربة جروتفسكي وتجربة بتربروك وهكذا ترين أن التميز خاصية فردية  وليست قومية والاستثناء الوحيد هنا ـ هو المسرح الآسيوي ـ الياباني و الصيني ـ على وجه الخصوص.
- الإخراج الذي جربته من خلال مسرحية (لعبة السلطان والوزير) وقيل إنك نفذت هذا العمل بشكل جيد وإنك مخرج مهم لماذا توقفت عن هذه التجربة؟
* الإخراج هو وظيفتي الأساسية ومجال دراستي بل أنا المخرج الليبي الوحيد المصنف على وظيفة مخرج في الملاك الوظيفي وقد تحصلت على هذه الميزة ـ إن كانت حقاً ميزة ـ عن طريق امتحان خاص بالمخرجين نظمته هيئة المسرح والموسيقا سنة ١٩٧٧ وبهذه المناسبة أجدد الدعوة بضرورة إدراج وظيفة فنان  ضمن الملاك الوظيفي للدولة وهو الأمر الذي سعت إلى تحقيقه المرحومة هيئة المسرح والموسيقا ثم أجهض ـ للأسف ـ أما لماذا توقفت عن الإخراج؟ فهذا سؤال يوقظ فيّ جرحاً بليغاً كنت أظن أني قد شفيت منه .. فماذا أقول؟
الحقيقة أن لعبة الإخراج تستهويني كثيراً وكنت أمني النفس بأن ألعب دوراً نشطاً في هذا المجال لكن واقع الحركة المسرحية وواقع الحركة الثقافية أيضاً أحبط في داخلي هذه الأماني فبعد تجارب قليلة في الإخراج تبين لي أن مهمة الإخراج في ليبيا ليست أكثر من وسيلة لاستنزاف الوقت والجهد أذكر أني قضيت بضعة أسابيع أجري التجارب مع فرقة المسرح الوطني ببنغازي على مسرحية (البيت الصاخب) لمؤلفها وليد مدفعي وبعدها تلقيت رسالة ممهورة ـ للأسف ـ بتوقيع الأستاذ حسين مخلوف مدير إدارة الثقافة فرع بنغازي بإيقاف المسرحية وإحالتي إلى مجلس تحقيق بتهمة تغيير مضامين النص كما أذكر أني قضيت ثلاثة أشهر كاملة في إخراج مسرحية (سولارا) تأليف محمد الفيتوري لصالح المسرح الوطني ببنغازي أيضاً وفجأة أوقفت المسرحية بسبب عدم التغطية المالية لاحتياجات المسرحية المذكورة وتكرر معي نفس الأمر ـ للمرة الثالثة ـ عندما كنت أخرج مسرحية (الغربان وجوقة الجياع) لصالح فرقة الأنوار.
ومن جانب آخر يبذل المخرج جهداً كبيراً في إخراج المسرحية وبعد ذلك تعرض المسرحية ليلة واحدة أو ثلاث ليال في أفضل الظروف دون أن يواكب هذه العروض حركة نقدية أو حتى متابعة صحفية ساذجة تقوم جهدك، تمدحك أو تقدحك، تشكرك أو تلعنك المهم ألا تمر معاناتك مرور الأنذال .. وأن يقابل جهد الفنان بالصمت فذلك هو مبلغ الألم وفوق ذلك توجد أنواع أخرى من المعاناة بعضها إداري وبعضها الآخر فني ولذلك فضلت الانسحاب ولذت بالفرار إلى مكتبي لأذفن رأسي بين أوراقي وكتبي فهي أحق من سواها في استنزاف وقتي وامتصاص جهدي.
- البوصيري عبدالله الكاتب المسرحي والذي مارس لبعض الوقت الكتابة عن المسرح كيف ينظر لمسيرته وما الذي يسعى إليه من خلال الكتابة المسرحية؟
* يخيل إليّ أني قد أشرت إلى بعض هذه المساعي من خلال إجابتي عن الأسئلة السابقة ولكن لا بأس في الإضافة لأقول أنني أسعى إلى الآتي:
أ- إلى ممارسة هوايتي وتوكيد شخصيتي الإبداعية.
ب - إلى تعميق تجربتي المسرحية على الصعيدين الفكري والجمالي.
ج - إلى تحقيق مكانة لائقة للمسرحية الليبية في الأدب المسرحي العربي.
د - إلي رفع درجة الإحساس بقيمة الحرية.
هـ - إلى الدفاع عن هويتي العربية.
أما النظر إلي مسيرتي فذلك أمر متروك لرأي القارئ والمشاهد والناقد والبحث الأكاديمي.
- على ذكر  الأبحاث الأكاديمية هل تضيف الدراسات الأكاديمية للكاتب بشكل عام؟ ثم هل الرسائل الأكاديمية التي أعدت حول أعمالك هل ترى أنها تضيف إليك أم ماذا؟
* قبل الإجابة عن هذا السؤال اسمحي ليّ أن أقدم شكري إلى كليات الآداب بجامعاتنا على عنايتها بالثقافة الليبية وتوجيه الدراسات الأكاديمية إلي منابع هذه الثقافة وأخص بالشكر الأستاذين الدكتور الصيد أبوديب والدكتور محمد مسعود جبران فهما من أشدّ المتحمسين للثقافة الليبية في الحرم الجامعي أما من حيث الإضافة التي يمكن أن تقدمها الدراسات الأكاديمية للكاتب فيفترض أنها تقدم له الشيء الكثير لأنها أطروحات لنيل شهادات عليا ينهض بها أشخاص يملكون ـ افتراضاً ـ أدواتهم  الأدبية من حيث فهمهم لمنهجية البحث وحسن صياغة، وحس نقدي، وقدرة على التحليل ومن ناحية ثانية نحن نعلم أن الدراسة الأكاديمية هي عمل ثقافي شبه جماعي فوراء الباحث يقف أستاذ مشرف ولجنة من الأساتذة ذوي التخصص لتنظر في أفكار الباحث وتناقشها وتصوبها ومن ناحية ثالثة صاحب الدراسة الأكاديمية متفرغ لإعداد أطروحته مما يجعله أكثر قدرة على التركيز والتحليل وهو في الوقت نفسه يعمل داخل مساحة شاسعة ـ أقصد حجم الدراسة ـ وهذا يسمح له بتناول العمل الإبداعي من جوانب متعددة.
وبفضل هذه المعطيات قدمت لنا الدراسات الأكاديمية إضافات جليلة على صعيد الدراسات الأدبية لكن الدراسات الأكاديمية في مجال المسرح تعاني جملة من المشاكل أهمها أن أصحاب هذه الدراسات لا صلة لهم بالمسرح ولا يعرفون شيئاً عن المسرح الليبي بالإضافة إلى غياب المصادر اليقينية وهذا يسبب في إرباك هذه الدراسات وأصحابها، أما بالنسبة للرسائل الأكاديمية التي أعدت حول أعمالي وعددها الآن أربع رسائل فلابد أنها تحمل ليّ إضافات طيبة وأنا سعيد بها مهما كانت وجهة نظرها لأنها حركت السكون من حولي.
- عبدالله القويري، الأمير، قناو، الأزهر أبوبكر حميد، منصور بوشناف، ماذا تقول عن مسرح هؤلاء؟
بالنسبة لمصطفى الأمير فهو أستاذي وهو المؤسس الأول للمسرحية الليبية أما الآخرون فهم زملائي ورفاق الرحلة وكلهم حلوين مع ملاحظة  أن هؤلاء ليسوا هم فرسان الدراما الليبية كما قد يفهم من انتقاء الأسماء ـ ولكي تتضح الصورة بإمكاننا  إضافة :سعيد السراج، وعبدالكريم الدناع، أحمد إبراهيم الفقيه، وعبدالعظيم شلوف، علي الفلاح، علي الجهاني.
 








كلمة لله ..!!
عمران الجازوي
المسرح عالم حضارى بديع ...سجّل نجاحات تاريخيه منذ عهد "أسباتاركوس" العجيب ..حتى أن حضارة ذلك الزمان ..شيدت بالحجر كل رموزها ...فلا تخلو مدينة أثرية من مسرح مفتوح على الهواء ..ويتلألأ بمقاعدة الفسيحة وترصده نجوم السماء الليلقية .. ولأن المسرح هو الأب الروحى للتاريخ .. والمدرسة الأزلية ذات الأبعاد العميقة ..فقد طفقت شعوب الدنيا تتعلم على ركحه ذى الأبعاد الثلاثية ..وجسدت فيه ملاحمها ..ورواياتها ..وقصصها ..وتاريخها الاجتماعي والنضالي البديع ..!!!  
* نحن أيضاً حاولنا منذ عشرات الأعوام ..أن نقلد غيرنا وأنشأنا الفرق المسرحية بالمجهود الذاتي ..ودون تدخل يذكر من الدولة ومؤسساتها ..كل ما في الأمر أن الإنشاء كان لمجرد أشباع الموهبة وحدها باعتبار الاخذ بالحكمة "أن شيء أفضل من لاشيء " وعلى حين برزت المواهب الوقادة ..وعبرت عن اجتهاداتها وتطلعاتها البعيدة الغور .. ومن هنا تكاثرت الفرق المسرحية ..ونبتت في الأزقة والشوارع ..والميادين ..وأصبح لها شأن جماهيري وشعبي ومحبين ومتطلعين ومحترفين ..حتى أنها ظلت تفاجئنا على نحو مجيد بإقامة المهرجانات الموسمية عبر كل عام " تقريباً" وقد حققت نجاحات في بعضها وإخفاقات في البعض الآخر ..ولكل إخفاق أسبابه التي لاتخطئها العين الفاحصة والمحترفة ..!!!
* هذا العام ..ذهب المهرجان إلى مدن تقع في الجبل الأخضر ..ذهب إلى حيث الإخفاق في أي استعداد للاستقبال ... والإعاشة ..والإقامة ..والأفق المعرفى للجماهير..حيث لم تجد هذه الفرق مناخاً طيباً .. لكى تؤدى ما طلب منها من أدوار..إذ تم الاعتداء على الإعلاميات والفنانات بالطوب ..والأهازيج السمجة من أطفال لم يتعلموا من أهاليهم شيئاً من المعرفة والإدراك واحترام الآخرين كذلك لاتوجد أي أرضية لسكان وجماهير  تلك المدن من المعرفة الأدراكية لمفهوم المسرح وما يقدمه من دروس حياتيه تتعلق بالحياة الإنسانية ..فكيف يمكننا أن نطوّر المعرفة إذا كان إعلامنا يفاجئنا بما لا يحمد عقباه ...
* إن الأمر يحتاج بحق إلى استعدادات كبيرة ومنهج وطرق إعداد سليمة ..يمكن أن تحقق فيما بعد التعود على استقبال ماتريد إيصاله للناس.
إن ماحدث في هذا المهرجان شيء يدعو إلى الرثاء والبكاء وعض الأنامل ..
      







الخشبة الخرساء ....
سالم العوكلي

المسرح يشكل معمارياً أحد معالم المدن الرئيسة، مثله مثل المعابد، منذ قبل الميلاد حتى   عصرنا الراهن، مما يؤكد على أهميته كنشاط فني طقسي رافق الإنسان منذ بداية تساؤله  الوجودي وشغفه بالمعرفة والجمال، إضافة إلى فائض الوقت الذي  أتاحه فرصة للرفاه عبر الفرجة الطقسية، التي ليست بعيدة عن التعبد بقدر ما هي قريبة من الحوار، وحصر الصراع الإنساني في علبة مكثفة من شأنها أن ترقى بمفهوم الرمز والإيحاء إلى فكرة اختبار التيمات الإنسانية ووضعها في حقل التداول الجمالي ومكامن الصراع  البدهي للإنسان.. فأين مسرحنا من كل هذا وهل دخل ضمن طقوسنا الحضارية، وأصبح مفردة من مفردات حياتنا اليومية ؟... الأمر شائك ومرتبط إلى حد كبير بمفهوم المدنية والثقافة حين تكون  شأناً اجتماعياً.. هل نستطيع أن نقول أننا قطعنا أشواطاً في هذا الطريق وأ حدث مبنى تم تشييده للمسرح بناه الرومان قبل  ألفي عام؟، باعتبار أن كل المسارح في بلدنا هي مبانٍ تم تحويرها، ولا ترقى إلى  تسمية المسرح.. هل اقتربنا من هذا الفن المعقد ومعظم كوادرنا الفنية لم تؤهل  وهم مجرد هواة أو تقنين لا علاقة لهم بالدراما.
إنني  أطرح هذه الأسئلة كمتابع لحركتنا المسرحية في العقد الأخير، متعرفاً  بحذر على ما يحدث ومصدوماً عبر نقاشي مع الكثير ممن يعملون في حقل المسرح بضحالة ثقافتهم وسطحية رؤاهم، بالشكل الذي لم يخلق أي أسلوب محدد لكل مخرج أو كاتب، ولا محاولة لبلورة مشروع فكري وجمالي يمكن التعامل معه كتراكم تجربة تحدد منطلقها ورؤيتها، فصارت المتابعة مربكة عبر هذا التنقل الذي يستعير أدواته الجاهزة من عروض أخرى مبهرة ويتم وضعها بشكل (كولاجي ) أمام مشاهد مأخوذ بهذا الزخرف الذي لا يملك أي بعد درامي أو مرجع يخص تاريخ المكان باعتبار أننا  لم نستطع حتى الآن أن نراكم تاريخاً   للمسرح الليبي، تاريخاً بمعنى إمكانية سرد اكتشافاته في الشكل وفي تيماته المطروحة، إن المسرحي الذي لم يملك خلفية تاريخية لهذا الفن تجعله يعرف  أين يحط قدمه سيجد نفسه متماه مع أزمات من المفترض نقدها وتفكيكها، فمثلاً تغييب الإنسان في مجتمعاتنا الرهنة في المؤسسة أو ضمن بنى التخلف السياسي والاجتماعي يتم التأكيد عليه في المسرح عبر تغيب الفعل الإنساني في حفلة متبرجة من (الديكور )الاستعراضي أو عبر الهوس بالإظلام والتعمية، مكرساً  هيمنة المخرج وانحيازه لمشروعه الخاص الذي يصهر الإنسان الممثل في العتمة  أو في محفل الألوان المتزاحم يتماهى أيضاً مع اجتياح  الضجيج الإعلامي والتخييلي بشكل يطمس  الحقيقة، عبر سيطرة المؤثرات والموسيقى   والزخرف على صوت الممثل وانفعالاته ومن ثم طمس المضمون، بشكل خلق لدينا مشاهداً نمطياً ما عاد يريد الاستماع   لما يقال إلا إن كان تهريجاً  أو   نكتاً  تنفيسية تعيده إلى  ألفة ما يسمعه في الشارع أو  في سهراته الخاصة، غاب المسرح ذو الهمس المسموع الذي يبحث عن حوار مع المشاهد وسط صخب المسرح التحريضي أو   التهريجي، فبمجرد سماع  صوت ممثل صاخب يغدو هنا جزءاً من صخب إعلامي يسعى إلى تغطية ضعف المضامين والفكرة بالصراخ الأخرس الذي لا يقول شيئاً.. إنها مجموعة تساؤلات تضعنا في مواجهة المسؤولية الثقافية   والفنية تجاه مجتمع يحتاج  إلى  مسرح يربكه لا يطربه.. يضحكه بعمق المفارقة لا بالإسفاف.. لكي نصل إلى  أن يكون التفرج على هذا الفن الراقي طقساً    وليس مجرد صفير وتصفيق.




























عن المسرح الليبي في مهرجانه الحادي عشر
بقلم / عبدالعزيز الرواف                            
ماذا سيقدم مهرجان المسرح للمسرح ؟ سؤال يطرح بقوة ، وهو أن هذا السؤال يمكن طرحه بعد أي مهرجان متخصص في العلوم أو الأدب أو حول المخدرات ، فكثيرا ما تعقد هذه الندوات والمؤتمرات والمهرجانات وتقدم في الختام توصيات إنشائية تقرأ وتوزع على وسائل الإعلام ويظل حال موضوع المهرجان أو الندوة أو المؤتمر مثلما كان وربما أسوأ.
وسيكون موضوعنا هنا مهرجان المسرح في دورته الحالية بشحات الأثرية ، وطبعا نتمنى أن يكون مهرجان هذا العام يضم جديدا في فاعلياته تجعل منه نقلة نوعية في العمل المسرحي ، وليجسد فعلا مؤثرا بعد انقضائه في مجال المسرح ، وكذلك تطويرا لكل العوامل الملحقة بالعمل المسرحي ، وأن لا يكون فرصة فقط (للمة) فنية و(هدرزة) مسرحية رغم أننا لسنا ضدهما إذا رافقهما عملٌ مؤثر في موضوع المهرجان .
نأمل أن لا يكون المهرجان طفرة إعلامية يلتقي فيها بعض الزملاء الصحفيون من كل أنحاء ليبيا ، لكي يستغلوا المهرجان في اللقاءات والمراسلات الصحفية ، مع أن هذا الأمر مطلوب وهو من صميم عملهم ، لكننا نأمل أن يقدم لنا الزملاء المحضوضون بالحضور تقييما حقيقيا لكل ما سيدور في كواليس هذا المهرجان ، وأن لايقتصر عملهم على لقاءات من شاكلة الفنان الكبير والرائع والمعروف ، مسيرته الفنية الحافلة ، حياته الشخصية إلى غير ذلك من أمور نعرفها مسبقا ، وحتى إن لم نعرفها فالأمر سيان .
نأمل وضع النقاط على الحروف في كل أمور المهرجان وتبيان القصور لأجل التطوير ، لا أن تكون مجمل المراسلات والكتابات تتغزل في هذا المدير الذي أشرف ، وهذا المسئول الذي حضر، كما أننا نأمل أن يكون حضور بعض الفنانين العرب الذين لهم مكانتهم في الوسط الفني فرصة للاستفادة للفنان الليبي أيضا ، وأن لا تقتصر الاستفادة للفنان المدعو فقط 
ويبقى أمر مهم وهو أن يترك هذا المهرجان أثراً في الملتقى العادي لأن المسرح الذي لا يتعلق به جمهوره هو مسرح فاشل مهما لمعناه بمهرجانات ومهما كان مستواه، أيضا أمل أن يكون التعامل في قبول الأعمال المعروضة تحكمه القيمة الفنية أولا وأخيرا بعيدا عن المحاباة لفرق مدن بعينها ، وفي الختام أمل أن نجد جميع مهرجاناتنا الفنية والأدبية والعلمية ، تقدم أثرا ملموسا يساهم في تطوير ما أقيمت من أجله. 
 تذكرت هذه الحكاية ، بعد كل هذا العمر وأنا أتابع أخبار مهرجان المسرح الليبي في دورته الحادية عشرة ، وخيبت بالطبع نبوءة ذلك المعلم فكل علاقتي بالمسرح تمثلت في متابعة المسرحيات والكتابة من حين لآخر عن المسرح ، وها أنا منعتني ظروفي من متابعة هذا الحدث الذي أتمنى أن يقدم للحركة المسرحية حراكا مؤثرا يصل مداه لكل المدن الليبية ، وبالأخص مدينتي طبرق التي أمل أن أجد إحدى دورات المسرح القادمة تدور على أرضها ، وأملا أن يوفق كل القائمين على هذه الدورة بتقديم ما يفيد هذا الوسط المهم .
 
 
 

 





























  
مبدعون ولكن..!
علي أحمد حبيب.

في استقراء واضح للوجوه تظهر الغبطة علامة بارزة والفرح عنواناً واضحاً فالكل يعشق المسرح والمسرح في قلوب الكل غير أن ما تقدم من عروض قد يضفي بعض الامتعاض والسوء للغة التي قدمت بها الأعمال والتي في أحيان كثيرة تحتاج إلى جهاز تحكم عن بُعد لتوقيف بعض المشاهد المسرحية ودراستها بأمعان وقد لا تنجح في فك طلاسمها.
ولعل المشاهد لهذه العروض قد تذكر بعض أفلام" يوسف شاهين" حاصدة الجوائز ذلك لا يعتبر عيباً ولكن أليس من المفروض مراعاة المستوى الثقافي لمن هم على شاكلتي مثلاً ومحاولة النزول قليلاً إلى مستوى تفكيرنا لنشارككم على الأقل المتعة وفي ذات الوقت لن يمنع ذلك أحداً من حصد الجوائز.
وسأسمح لنفسي قليلاً بأن أشارككم التفكير فقد أتحفنا المخرج المبدع فتحي كحلول بمجموعة من المشاهد غلب عليها الطابع الاستعراضي وقدم كما من الصور التي تشرح الواقع المتردي للمواطن العربي في كل أشكاله كما كان إيضاح السبب والعلاج متاحاً للمشاهد من خلال العمل لكن الاغراق في بعض التفاصيل واستخدام بعض الألفاظ النابية كالسب المباشر مثلا وتكرار اسم المخرج أحياناً على لسان أفواه الممثلين حتى وأن كان القصد هو إيضاح أسلوب التغريب الذي اتسمت به المسرحية إلا أنني وقفت عاجزاً عن فك تلك الطلاسم أما الأزياء  فحدثتني بالكثير من وجهة نظر فهمي  القاصر وتثبيت رطبة الرأس العمامة لغزاً محيراً لي.
على كل شاهدنا مبدعين أدوا أدوارهم بكل اقتدار وإن كانت الأضواء تركزت على العرافة التي أدهشتني بأدائها في كل الشخصيات التي لبستها في العمل ختاماً أقول:
بكل تواضع لو تكرم هؤلاء العمالقة المبدعين والمخرجين وقدموا لنا أعمالاً أقرب إلى أذهاننا  وبلسان عقولنا لكان انسجامنا أكثر وربما كانت المقاعد لا تكفي الراغبين في الجلوس هذا من وجهة نظري .
 أرجوا أن لا أكون قد أطلت 
 

علي القبلاوي..
الأحتراف المبكر 
حاوره / نوري عبدالدايم  
 
" الأن سنبداء مشوار الألف ميل بهذه الخطوة المتمثلة  في فرقة " المسرح القومي " التي تمثل ليبيا لتجسد روائعاً من  المسرح العالمي والإنساني " . بهذه الكلمات أفتتح وزير الأعلام والثقافة في ذلك الوقت د. " خليفة التليسي " سنة 1966 م " فرقة المسرح القومي " التي كان نواتها عشرة مبدعين منهم "  الطاهر القبايلي ، عمران المدنيني ، رمضان نصير ، صبحي المجراب ، محمد شرف الدين ، مختار الأسود ،   خدوجة تكيتك ، بشير المبروك ، علي القبلاوي  " بإدارة الفنان شعبان القبلاوي  .
لم تكن بداية " علي القبلاوي " كباقي زملائه متمرساً في الفرق الأهلية التي يلجاء إليها المواهب للتعبير عن أنفسهم من خلالها بأستثناء عمل يتيم قدمه عند أنضمامه لفرقة المسرح الجديد بإدارة د. " أحمد ابراهيم الفقيه " مع " محمد عبدو الفوراوي " هو مسرحية " الأسطى خربوشة " سنة 1964 م  . أتيحت له بعد ذلك فرصة الانضمام لبرنامج " ركن الهواة " الذي كان يقدمه الفنان " كاظم نديم " بقصيدة " الزوج القاتل " التي مهدت له الأنتساب لقسم التمثيل " بالأذاعة الليبية " مرجعاً الفضل في خطواته الأولى للفنان " عمران راغب المدنيني " والأستاذ " محمد عبدالعزيز العقربي " . في سن مبكرة وهو لم يتجاوز عمره الثامن عشر تقدم " القبلاوي " لإمتحان القبول أمام لجنة مكونة من "  شعبان القبلاوي ، محمد العقربي ، عبدالحميد المجراب ، سعيد السراج ، عبدالله القويري ، محمد حقيق "  بمسرح الغزالة بمقطع من مسرحية " الدكتور فاوست " قدمه له " عبدالله الدناع " . بعد تجاوزه لامتحان لجنة القبول أعتمد "علي القبلاوي " ليكون بذلك  أصغر ممثل رائد في عضوية " المسرح القومي " موثقاً  مشواره الأبداعي على مدى أربعين عاماً بأكثر من ستين عملاً كلهم تحت مظلة " المسرح القومي _ الوطني / طرابلس " ..  
القبلاوي :- .. باستثناء أربعة أعمال تعاونت فيها مع فرق أهلية . بعد عمل " الأسطى خربوشة " للجديد ، عملت مع " الفرقة  القومية " في مسرحيتين هما  " اللي تظنه موسى " للاستاذ مصطفى الأمير ، و" بين يوم وليلة " للأستاذ الأمير ومن أخراج د . " حسن قرفال " . وأخيراً " قصة حديقة الحيوان " تأليف " أدوارد ألبي " وأخراج " محمد العلاقي " لفرقة المسرح الحر "  .. 
*:- كيف كانت بداياتك مع " المسرح القومي " ؟.
القبلاوي :- بدأنا التدريبات على مسرحية " عطيل " ل " وليم شكسبير " من أخراج " العقربي " التي أعتبرها دورة حقيقية لي .. مع الأسف لم يكتب لها العرض بعد بسبب وفاة الأستاذ " العقربي " ولم يكتب لها العرض أيضاً حتى بعدما تبناها المخرج المصري " زين العشماوي " واحضار كل مستلزماتها من " ايطاليا " وبهذا كانت باكورة أنتاج المسرح القومي " حسناء قورينا " من أخراج " خالد مصطفى خشيم " وترجمة د . " علي فهمي خشيم " التي شاركنا بها في مهرجان المغرب العربي بمدينة الحمامات بتونس سنة 1968 م وفي نفس المهرجان شاركت الفرقة القومية بمسرحية " حلم الجعانين " لشرف الدين . كما شاركنا في المهرجان الأفريقي بالجزائر بمسرحية " راشمون " للأمين ناصف .
* :- هل تستطيع أن تحدد أهم ملامح " الأمين ناصف " أثناء العمل  ؟
 القبلاوي :- الأستاذ " الامين " رحمه الله  كان مثقفاً و صبوراً و يمتلك مخيلة خصبة كما يمتلك  الشفافية العالية وسعة البال ورحابته ..  يؤمن بالكيف ...  تعلمت منه الكثير . كنا نطلق عليه لقب " ملك المايك " في الأذاعة المسموعة . . كان حلمه قبل الوفاة تنفيذ عمل من تأليف الأستاذ " مصطفى الأمير " . " الأمين " يعد  خسارة كبيرة للمسرح الليبي .... قدمت معه أيضاً " الزير سالم " . بعدها أتيحت لي فرصة الذهاب لدورة تدريبية في القاهرة بفرقة " المسرح القومي المصري " بإدارة الأستاذ " نبيل الألفي " . 
* :- ماذا قدمت لك هذه الدورة ؟
القبلاوي :-  كانت فرقة المسرح القومي تضم أهم رموز المسرح المصري " سناء جميل ، سميحة أيوب ، محمد الدفراوي ، محمد عبدالسلام ، توفيق الدقن ، صلاح قابيل ، محمود الحديني  "  الذين تربطني بهم علاقة ود وتعلمت منهم الكثير أهمها الألتزام والأنصهار في العمل ... طبعاً تعرفت على الفنان " يوسف وهبي " وكنت قد شاهدت له أعماله في بدايات الستينيات من القرن الماضي أثناء مجيئه الى ليبيا  ...  في الفترة التي كنت فيها في القاهرة  أشتركت في سهرة مرئية صحبة الفنان الليبي " محمد نجم " وهو المطرب " عبدالوهاب محمد " من انتاج التلفزيون المصري  إخراج " محمد فاضل " بمساعدة " زوجته في ذلك الوقت " أنعام محمد علي "  وتاليف الدكتور" أحمد ابراهيم الفقيه " ، بطولة " فردوس عبدالحميد " .
* :- المسرح الوطني في نهاية الستينيات من القرن الماضي الى نهاية السبعينيات كان المؤشر الذي يقاس به الحركة المسرحية في طرابلس وربما في ليبيا لأهمية الأعمال التي قدمها وأهمية أعضائه .... هل تستطيع تفسير سبب الركود الكيفي والكمي الذي اعتراء هذه المؤسسة ... الأمر الذي أنعكس على بقية الفرق ؟
القبلاوي :-  نعم المسرح مر في هذه الفترة بكساد حرمنا فيها على مدى أربعة عشر عاما من المشاركة في مهرجانات خارجية ... ربما المسؤول في الفترة السابقة كان  أكثر وعياً لأهمية المسرح .
* :- منذ سنتين وأنت على رأس إدارة فرقة المسرح الوطني أنتجت خلالها ست أعمال مسرحية _ هنا انا اتكلم على الكم _ هل تعلم بأن هذا يعد أقل أنتاج في العالم إذا ما قورن بمسارح وطنية ؟   
القبلاوي :- نعم هذا صحيح وهذا ينعكس حتى على الأنتاج المرئي .... أنا أخذت دورة في ألمانيا في فرقة " لاندس تياتر " وهي فرقة متنقلة كانت الأجندة تتسع لعشرة أعمال في السنة بأستثنا شهري إجازة وتحضير ، علماً بأن هذه الأجندة تعتمد الأستبيانات وحسب متطلبات الجمهورالمشاهد لهذه الأعمال  من مسرح كلاسيكي أو أجتماعي أو تجريبي .
*:- ألا تعتقد بأن الإدارة التي تشرف على المؤسسات الثقافية تتحمل تبعية هذا الركود ؟
القبلاوي :- أنا أختلف معك في هذا الراي . المسألة تتعلق بحركة مجتمع متكاملة وأحتياجات هذا المجتمع ... ربما يرى المتلقي  بأن جلوسه بالبيت ومشاهدة المرئية أكثر جدوى من حضوره أعمال مسرحية   . 
* :- أنت تعلم بأن هناك متلقي متابعاً للحركة المسرحية كما تقر بوجود مبدع صانع لهذه الحركة .... انا أسأل على ركود دام لأكثر من عشرين أو ثلاثين سنة ... هل هذا نتاجه قلة الدعم المادي ؟ .
 القبلاوي :- نعم هذا أحد الأسباب .... لايعقل بأنه لايوجد الى الأن  قاعة  صالحة لعرض مسرحي بالشروط المتفق عليها  .....  رغم هذا فأن الفرص المتاحة في ليبيا لا توجد في العالم . ما الذي يمنع الفرق الأهلية من الأنتاج كما كانت من قبل وبدون أي دعم من الدولة وعلى نفقة المبدعين الخاصة .
* :- في تلك الفترة كانت أغلب الأعمال واقعية ومتطلبات هذه الأعمال بسيطة .... انت الأن على رأس إدارة هذه الفرقة هل تحمل أجندة عمل للسنوات القادمة ؟ وهل تعتقد بأن أعضاء هذه الفرقة جديرون بأسم المسرح الوطني ؟ .
القبلاوي :- مع الأسف لا  ... فقط أستطيع الأعتماد على عشرين عضو والباقون غير جديرون بالأنضمام لهذه الفرقة ... تم تمكين حوالي ثلاثين عضوبالمسرح لسنا بحاجة لخدماتهم .
*:- وقتها كنت عضواً في اللجنة التي قبلت هؤلاء الأعضاء .
القبلاوي :- لم استطع منع هذا القرار . طلب منا تمكينهم الى حين إيجاد المكان المناسب لهم .
وقد قمت بمراسالات بهذا الشان وصلت الى أمين الثقافة .
*:- هل أنت متفائل باستحداث أمانة للثقافة ؟
القبلاوي :- وجود أمانة للثقافة يدعو للتفائل ونحن الأن متعاونون بشكل صحي مع هذه الأمانة وإداراتها التي تشرف الأن على صيانة المسرح .
* :- الم تضع خطة لتقوية الأعضاء من خلال دورات تدريبية او دراسات أو بعثات ؟
القبلاوي :- نعم راسلت الجهات المعنية وتم الأتفاق معهم . ونحن في أنتظار نتائج هذه المراسلات . علماً بأن هذه المبادرة جاءت من أمين الثقافة ...    منذ أيام الهيئة العامة للمسرح لم يتم أيفاد أي عضو في  دراسة أو دورة .
* :- ألم تحاول مد جسور التعاون بين فرق وطنية عربية أو عالمية ؟
القبلاوي :- انا غير قادر على تحمل تبعية ما ينتج على هذا التعاون .. فانا ليس لدي القرار لمثل هذا التعاون . فالمسرح لايملك ميزانية لتعاون من هذا النوع في الوقت الذي أعجز فيه   على صرف مكافاءة أربع سنوات نضير أعمال قدمت .
* :- أنا أريد ان أعرف مكمن هذا التفائل .
القبلاوي :-   دائما أعتمد الأمل والحلم الذان يعدان من  سمات المبدع .
* :- من من المخرجين الذين ترتاح بوقوفك امامهم ؟.
القبلاوي :- " الأمين ناصف "  ضمن المخرجين الذين شعرت  بأرتياح تام للعمل معهم  ... لقد عملت مع أغلب المخرجين . لقد عملت مع " محمد القمودي "  الذي كانت له تجارب مهمة لولا الأنقطاع الطويل .. " عبدالله الزروق " مبدع مجتهد يتمتع بخيال جميل والأن يوجد تعاون بيننا من خلال مسرحية اللعبة " التي أعدها " الزروق " عن " قطة على سطح من الصفيح الساخن " ل " تنسي وليامز "  ... " محمد العلاقي " له بصمته الخاصة . تعاملت في أعمالي الأخيرة مع المخرج " فتحي كحلول " .
* :- الممثلين الذين ترتاح بالوقوف أمامهم ؟  .
القبلاوي :- أنا أرتاح جداً للفنان " عياد الزليطني " ، ياسرني أداء " صالح قراد " .  تعد الفنانة لطفية أبراهيم " قيمة فنية لن تتكرر . هذه الأنسانة  تمتلك الحضور وسرعة البديهة والموهبة لا أعرف عنصر نسائي بهذه القوة على المسرح   .. فنانة بمعنى الكلمة .
*:- قدمت تجربتين متباعدتين زمنياً في الأخرج المسرحي .. مسرحية " رقية " عن " مريض الوهم " ل" موليير "  . ومسرحية " علاش ماتعدلش " للمرحوم " الأزهر أبوبكر حميد " كيف تقيم تجربتك كمخرج ؟
القبلاوي :- أرى بأن هناك نوعين من المخرجين . ثمة المخرج ( الأستاذ / المعلم ) مثل " الأمين ناصف "  وثمة المخرج الذي يعتمد على الممثل وحدسه الخاص في توزيعه للممثلين بدقة . أنا أعتمدت على الممثل وقدرة الممثل ، ففي مسرحية " رقية " أعتمدت على قدرة " لطفية ابراهيم ، وعياد الزليطني " وفي " علاش ماتعدلش " أعتمدت على قدرة " عبدالله الشاوش " وموهبة " صلاح الأحمر ، وعيسى بلقاسم  ، ومحمد ميلاد " . هذان العملان واقعيان ولم أعتمد أي قراءة أخرى  ... حاولت أثناء  تواجدي بالقاهرة العمل مع الكاتب " ميخائيل رومان " وبالفعل تم الأتفاق مع على أعداد مسرحية " جيفارا " وأسقاطها على أحداث الشرق الأوسط وبالفعل تم هذا الأمر باستبدال شخصية " جيفارا " بشهداء الأرض المحتلة " كمال عدوان ، وكمال ناصر "  ولكن حالت قلة الأمكانيات دون أتمام هذا المشروع .
* :- المسرح الوطني الأن في حالة صيانة للمبنى ... ألم تفكر في مقر أخر الى حين تجهيز المقر ؟
القبلاوي :- سننتقل هذه الفترة الى مسرح الخضراء للشروع في تدريبات العمل الذي يخرجه " عبدالعزيز الحضيري " وهو مخرج سبق وتعاون مع المسرح الوطني وله دراية بضروفه وإمكانياته ؟
* :- أليس من المخجل بعد تأسيس المسرح الوطني بأربعين سنة والمسرح يشكو من تواضع الأمكانيات ؟
القبلاوي :- نعم مخجل ... هذه الحقيقة ... لقد عملنا بجد وبتحايل على الضروف وقدمنا ثلاث تضاهرت مسرحية لأيام طرابلس المسرحية والأن قادمين على الرابعة  ولم تصرف أي مكافاءة للأعمال  منذ سنة 2000 م .
* :- أريد معرفة ماذا تعني لك كلمة متفائل ؟
القبلاوي :- " نقولوا أنشالله " سبق وقلت بأن الأمل زاد  المبدع .
* :- ماذا تقول على تأسيس الفرقة الوطنية ... علماً بأنك كنت أحد المتحمسين لأنشاء هذه الفرقة  ؟
القبلاوي :-  انا لم اكن متحمساً لها منذ البداية  ..... بهذا الشان أقول طالما تم تأسيس  المسرح القومي سنة 1966 م برعاية الدكتور " خليفة التليسي " الذي مارس مهامه بجدارة وبمكابدة _ أي المسرح _ رغم الركود الذي ساده في فترات مسيرته الأبداعيه . ارى بأنه لاجدوى من إنشاء  فرقة وطنية تحمل نفس التوجه بل من الأجدى دعمه مادياً ومعنوياً علماً بأن هذا الكيان مفتوحا لكل المبدعين في ليبيا .
* :- ماهي أجندة المسرح الوطني القادمة ؟
القبلاوي :- الأن سندخل بعمل ل " عبدالعزيز الحضيري "   وعمل من أخراج د . حسن قرفال .... كما أدعوك بالأستعداد  للدخول بعملك القادم وسنحتمل بعضنا وسنصل الى صيغة ترضي الجميع وأعدك بأنه لن تحدث الأرباكات التي حدتث في مسرحية "  السعداء " .
علي علي القبلاوي 
مواليد المدينة القديمة بزنقة " سوق الحرارة   1949 م في " حوش شايب العين "  رقم " 17".
لطفية إبراهيم ...*
" الروح المبدع  والحضور الآخاذ "
حاورها / نوري عبدالدايم 
   
 
لا أدري لماذا تذكرني " لطفية إبراهيم  " بمقالة للشاعر والمسرحي الأسباني " فيدريكو غارسيا لوركا " تحدث فيها عن عمل  " الروح المبدع " ** الذي يعتبره   " جوهر الإبداع الحقيقي ، والجذور الممتدة في أعماق التربة الخصبة ... تلك  القوة الخفية والصدق الخالص والتجلي الذي يتلبَس المبدع في لحظة  تواصل مع حواسه الخمس تسري عالياً من أخمص القدمين .. إنه تواصل الجسد والروح "  .. ذلك السر الذي لا تعلمه المعاهد ولا الأكاديميات الفنية  .. أنه الحضور المسرحي الآخاذ … 
كنت وقتها في عقدي الثاني عندما تخرجت من معهد جمال الدين الميلادي للمسرح وباشرت حياتي المهنية في " المسرح الوطني / طرابلس " عندما جمعني مشهد قصير مع الفنانة " لطفية إبراهيم " في مسرحية " النبع " من تأليف وإخراج " عبدالله الزروق " يقتضي المشهد ببداية الحوار للشخصية التي أجسدها حيث حاولت قدر الإمكان الحفاظ على الأداء والحركة والإحساس الذي تتطلبه أبعاد الشخصية ، كما حاولت إختزال كل ما تعلمته أثناء سنوات دراستي  بالمعهد  في ذلك المشهد  .. عندما استلمت " لطفية إبراهيم " حوارها مني ، وبالتالي استلمت قيادة المشهد حيث  تغيرت حيوية المشهد حينما تصاعدت بأدائها إنطلاقاً من نهاية جملتي لتضيف خبرتها وحرفتها وروحها المبدع وحضورها لجملتها بحيث جعلتني أستلم منها نهاية "جملة " مشبعة باللإيقاع والحياة ، لتتم بذلك ولادة المشهد  من جديد بروح متجانسة تسري فيه الحيوية . … وقتها أدركت بأن ثمة سر غامض سر خفي سر لا تعلمه المعاهد ولا الأكاديميات .. ما حدث في ذلك المشهد بعيداً عن التقنية والخبرة اللذان تتمتع بهما " لطفية إبراهيم " ،  إنما كان نتاج " روح المبدع "  الذي يسكنها وحضورها الآخاذ الذي تجلى في أدائها .  هذا الحضور الطاغي  _ باعتقادي _  يمتلكه ثلاثة ممثلين مروا على خشبات المسرح الليبي " الراحل محمد حمدي حسب روايات معاصريه ، والراحل محمد الساحلي رغم قلة إنتاجه ، والفنانة  لطفية إبراهيم " ومن هنا استشهد " لوركا " بجملة " مانويل توريس " حيث قال لمغن في إحدى المناسبات " تمتلك صوتاً وأسلوباً ولكنك لن تصادف النجاح لأنك تفتقد لروح مبدع " .. 
بعد غيابها على المشهد الإبداعي عقدين من الزمن استقبلنا من قبل " لطفية إبراهيم " وزوجها الفنان " محمد بواجعة " في بيتهما صحبة إبنهما الوحيد  " وحيد " .. المرة الأولى كنت صحبة الفنان " محمد كرازة " والصحفية " أسماء بن سعيد " لإجراء حوار معها على خلفية مبادرة تكريم من المركز العالي للمهن المسرحية والموسيقية لصحيفة " أويا الفنية "  والمرة الثانية كنت صحبة الصديق " كرازة " لإجراء هذا الحديث :- 
=  كانت البداية في سن مبكرة مع " المسرح القومي " _ " المسرح الوطني فيما بعد  _ بإدارة " عمران راغب المدنيني " الذي كان يضم خيرة العناصر المسرحية " أذكر منهم  " البهلول الدهماني ، لطفي بن موسى ، أحمد الغزيوي ، علي القبلاوي ، عمران المدنيني ، عبدالحميد حسن ، عبدالله الريشي ، شعبان القبلاوي ، محمد الشويهدي ، سعاد الحداد .... الخ  " إضافة إلى هذا كانت بداياتك مع أهم مخرجين تعرفهم الساحة المسرحية .. المخرج " الأمين ناصف " في مسرحية " الزير سالم " تأليف " الفريد فرج " والمخرج " أبوظيف علاًم " في مسرحية " العادلون " تأليف " البير كامو " .. كيف وجدت طريقك نحو أهم مؤسسة مسرحية في ذلك الوقت علماً بأنك لا تحتفظين بأي رصيد مسرحي ؟!!
لطفية :-  كان دخولي " المسرح القومي " مع مستهل السبعينيات من القرن الماضي عن طريق الراحل " منير عصمان "  صديق العائلة حيث لاحظ إهتماماتي بالتقليد من خلال تطويع بعض الملابس للشخصية التي أقوم ب" لعبها "  داخل المنزل وهو أشبه بلعب طفولي ..   
= هل كانت لك تجربة من خلال الأنشطة المدرسية ؟
لطفية :- لم أشارك في أي نشاط مسرحي في المدرسة غالباً ماكنت انضم إلى فريق الرقص ..... اقترح الراحل " منير عصمان " دخولي للمسرح القومي " _ الذي يبدو بحاجة إلى عناصر نسائية _ وبدوره أقنع العائلة كان وقتها عمري 15 سنة .. كانت دهشتي كبيرة عندما شاهدت كل نجوم مسلسل " منزل للبيع " من إخراج " حسن التركي "  الذي كان له صدى كبيراً في ذلك الوقت ..
= ............
لطفية ؛- ... كان إنتسابي للمسرح القومي صحبة مجموعة من الزميلات " فاطمة الترهوني ، سعيدة بوراوي ، فاطمة الحاجي ، عائشة الحاجي " بمكافأة قدرها " 26 د.ل " ذات القيمة التي يتقاضاها بقية الأعضاء في المسرح .. وقتها كانت " فرقة المسرح الحر " تجري التدريبات على مسرحية " العادلون "  مع المخرج "أبوظيف علاًم " حيث تمت إستعارتي من  المسرح القومي .. وهي أول تجربة مسرحية لي حيث جسدت فيها دور " الدوقة " . 
= هل هذه أول تجربة لك ؟
لطفية :- نعم .. في هذا العمل تعلمت من الأستاذ " أبوظيف علاًم "ماهية الخشبة وبعض المصطلحات المسرحية وأصول الإلقاء .. كان العمل بالعربية الفصحى ..    كنت غير واعية لما يحدث ... رغم تشجيع الجميع أذكر منهم الفنان " عياد الزليطني " الذي قال قبل العرض " لن تتركي الخشبة يالطفية .. انت مشروع ممثلة " ....   بعد العرض أشاد العديد بأدائي .. لست مستوعبة لما يجري في ذلك الوقت  ..  
= تجربتك الثانية كانت مع المخرج " الأمين ناصف " في مسرحية " الزير سالم "  .. من خلال هذه التجربة .. هل تذكرين كيفية تسييره للتدريبات وتعامله  مع الممثلين؟ 
لطفية :- :- الأستاذ " الأمين "  شخصية ساحرة وهادئة وعلى وعي تام بما يعمل   ...كنت ضمن مجموعة " الجوقة / الكورس " صحبة " سعيدة بوراوي ، فاطمة الحاجي ، فاطمة الترهووني ".. عندما سافرت " فتحية عبدالغني " زوجة المخرج الراحل " زين العشماوي " للقاهرة التي كانت تلعب دور " الجليلة " حيث أسند دورها للفنانة " سعاد الحداد " التي كانت تلعب دور " سعاد / البسوس " الذي أسند لي فيما بعد  بقرار من " الأمين ناصف  " . 
= ما هي تفاصيل إسناد الدور لك ؟
لطفية :- تم إستدعائي للإدارة حيث طلب مني  الأستاذ " الأمين " تسميع الحوار _ ومن عادتي أحفظ المسرحية بالكامل أثناء التدريبات _ ظلت تلازمني هذه العادة طيلة مسيرتي المسرحية.. هذا الاختيار أوجد  معارضة من  بعض الممثلين الذين أعتبروا الأمر مغامرة من المخرج الذي تكفل بتدريبي بتخصيص وقت إضافي مدته ساعتين  بعد التدريبات التي تنتهي الساعة التاسعة مساءً بعدما  تم الإتفاق مع أسرتي والسائق . .
= تعلمت من تجربة " العادلون " بقيادة " أبوظيف علاًم  " أبجديات المسرح . ماذا تعلمت من " الأمين ناصف " ؟. 
لطفية :-  كانت بدايتي مع الأستاذ " الأمين " مريحة وممتعة حيث تبنى شرح  المسرحية باللهجة الدارجة الليبية ببساطة شديدة و بدون إدعاء .. من خلال لهجته المبسطة تناول أبعاد العمل والإسقاطات وماذا يريد أن يقول من خلال العمل كما أعلمني بأني محركاً رئيساً لأحداث المسرحية  . الأمر الذي  حفزني لقرأة العمل من جديد .. كانت التدريبات في " الكاتدرائية " _ جامع جمال عبدالناصر حالياً _ من الساعة " 9الى 11 " ليلاً .. كانت التدريبات مغلقة بحضور مدير المسرح والشخصية التي تقابلني " أحمد الغزيوي " الذي يجسد دور زوج " سعاد / البسوس " فقط ..
= ..................
 لطفية :-  .. تعلمت من " الأمين " الإحساس بالجملة وبالتالي الإحساس بالعمل ، علمني الصدق أثناء العمل والإهتمام بالتفاصيل الصغيرة للشخصية .. كان مخرجاً دقيقاً في عمله ومثابراً  .. وأيضاً " الأمين " أول من راهن على قدرتي كممثلة في مستهل مسيرتي بإسناده لي  شخصية رئيسية أمام عمالقة المسرح في ذلك الوقت . 
= كانت التدريبات مقصورة عليك وعلى الشخصية المقابلة .. ماذا حدث أثناء التدريبات النهائية ؟  .. 
لطفية :- أثناء التدريبات النهائية " بروفات جنرال " التي كانت في " مسرح صبراتة الأثري " كان يطلب مني عدم التمثيل .. ويلزمني  بقرأة الحوار فقط كان يردد " لا أطلب منك التمثيل " وغالباً ما كان يتجاوز  مشهدي أنا والغزيوي .. الأمر الذي أربك الممثلين المقابلين .. ربما يريد أن يؤكد رهانه في ليلة العرض فقط .. 
= في ليلة العرض ؟
لطفية :- في ليلة العرض أهملني تماماً .. ولكن  قبل خروجي للخشبة قام بوضع  بعض اللمسات على ملابس شخصيتي  وقال باللهجة :  " وريني توا يا لطفية .. عندك حاجتين ياتطلعي في السماء ياتروحي لحوشكم تقشري البصل ولا تقشري بطاطاً وتقعمزي وتهفتي .. يلا .. " هذا العرض حضره أغلب أعضاء مجلس قيادة الثورة ..  وأذكر بأن الفنان  "  لطفي بن موسى " كان متألقاً فيه ... بعد خروجي أفرد " الأمين ناصف "  ذراعيه لي مرحباً بإجادتي  .. كانت الضجة والصدى والإستحسان الذي لاقيته في هذا العرض لا يوصف  ...
= هل هذا العرض الذي وجدت فيه نفسك وقررت الدخول لعالم المسرح ومنه لعالم التمثيل ؟.
لطفية :- ربما العرض الذي قررت فيه مواصلة مسيرتي الإبداعية  ذلك الذي أقيم بمسرح الكشاف وحضره عدد من الكتًاب والصحفيين .. حيث أشاد بي الأستاذ الراحل " محمد أحمد الزوي " الذي قال على الملاء " هذي كلتكم هذي الغولة الليلة " _ ومنها لقبت ب"الغولة " _ في اليوم الذي يليه أثنى علي كثيراً في برنامجه " كلمات في الفن والأدب " بعد ما أشاد بالعمل والممثلين .. منذ هذا العرض وبعد هذا الثناء الذي حظيت به من الأستاذ " الزوي "  قررت البحث والخوض  والمعرفة  وعدم التوقف . مع الأسف لم تصور هذه المسرحية وايضاً " عديد المسرحيات ..
= ............
لطفية :- بعدها توالت الأعمال في السبعينات عملت مع " فرقة المسرح الحر " وأنتسبت لها فيما بعد حيث شاركت معهم في العديد من الأعمال  بعد " العادلون " مثل  مسرحية " النعجة سالفة الذكر " إخراج " محمد عبدالعزيز " ومسرحية " عكوز موسى " الأستاذ الأمير وخالد خشيم ،و" راس المملوك جابر " .  مع القومية " بين يوم وليلة " ومسرحية " مايقعد في الوادي الا حجرة " مع "حسن قرفال " مع فرقة " الأمل " مسرحية " الفرافير " اخراج " زين العشماوي " ومع " المسرح الليبي " مسرحية "اغنية الموت " إخراج " عبدالله الزروق " وعديد الأعمال لا أذكرها .
= شاركت في مسرحية " المارشال " التي أنتجتها  " الفرقة الوطنية " .. في أي العروض شاركت ..؟ 
لطفية :-  كنت وقتها مشغولة عندما أسندت لي الشخصية الرئيسية ولكني ألتحقت فيما بعد بديلاً عن الممثلة التي لعبت الشخصية .  
= الممثل الذي ترتاحين معه فوق الخشبة ؟..
لطفية :- عمي " محمد شرف الدين "  ... هذا لا يقلل من قيمة الزملاء الذين عملت معهم ولكن الوقوف أما " شرف الدين " أشعرني بأني أقف أمام هرم ..أمام خبرة .. أمام إرث مسرحي كبير ..
= أحياناً الممثل يلجاء إلى الإرتجال في بعض المواقف بالذات في الأعمال الشعبية  .. متى تشعرين بأنك بحاجة إلى إضافة جملة تخدم العمل أو تنقذ المشهد .. هل يأتي هذا من خلال قرأتك للصالة ؟ 
لطفية :- حسب ... الإرتجال لدي مدروس.. من خلال مفردة أو جملة بسيطة  وغالباً لا ألجاء للإرتجال .. كل الإضافات يتم الإتفاق عليها منذ التدريبات الأولية " بروفات طاولة "  .. بإستثناء عمل واحد لم يتم تغيير أي جملة أو مفردة واحدة ،وهي  مسرحية " هو وهي والشيطان " تأليف وإخراج " محمد شرف الدين " حيث كان الحوار مشبعاً ومتقناً بدون زوائد أو نقصان .. كانت المسرحية من ثلاثة فصول .. في هذه المسرحية كرمني الأستاذ " شرف الدين " بأنه ترك لي مكانه أثناء تحية الجمهور .. 
= أحياناً يصادف نفس العرض ونفس المكان ونفس الممثلين  عرض يصاف النجاح وعرض يمنى بالفشل  ... ماتقييمك لهذا من خلال خبرتك ؟ 
لطفية :-  ... حدث هذا الأمر في " أغنية الموت "  كانت المسرحية مأساوية صادف عرضها في سينما الحمراء بعد حفل موسيقي .. ... وفي " مسرحية عكوز موسى " _حيث كان العرض على شرف شخصيات رسمية عربية _ حينما  تسرب خبر لنا من الصالة  بأن العمل لم يفهم ويعتقد الحضور بأنه يحكي على غلاء المهور والعمل سياسي كما تعلم  ... هذا الخبر ساهم في إرباك إيقاع العمل . وقتها انزعج عمي " مصطفى الأمير "  كثيراً .. الله يرحمه ..
= هل يعنيك مكان العرض ؟
لطفية :- لا فرق عندي طالما شروط الصالة متوفرة ولكني أرتاح لقاعة " مسرح الكشاف " التي تشعرني بالألفة والحميمية ربما لأنها مكان عملي ...  
= بعض الممثلين يستهويهم التمثيل باللغة الفصحى والبعض تستهويهم اللهجة الدارجة المحلية … ماذا عنك ؟ 
لطفية :-  اللغة العربية تستهويني رغم خشيتي منها لأن الخطاء وارد فيها وتحتاج إلى تمكًن وإتقان .. تستهويني اللغة عندما أكون متمكنة منها .. لا شك اللسان تعود على اللهجة التي يحكي بها  .. كل عمل يملي شروط لغته ... وكذلك الجمهور  ..
= هنالك من يضع الجمهور ضمن أولوياته ويحسب حساب للصالة .. ماذا يعني لك الجمهور ؟ ؟...
لطفية :- عندما تكتمل شروط العمل .. نص جيد مخرج جيد ممثل جيد وبقية عناصر العرض بالتالي تحضى بجمهور جيد  .. انا اضع الجمهور ضمن  دائرة أولوياتي 
 ...  أقدم عرضي حتى  لثلاثة أشخاص .. في بعض الأعمال عرضنا  لأقل من نصف الصالة وكان من أمتع  العروض .. عندما اقف على الخشبة أحاول تناسي الحضور جزئياً واهتم بشخصيتي ...  لا شك بأن ردات فعل الجمهور تدعمك أو العكس  بالتالي تنعكس على أدائك سلباً أو إيجاباً..  
= عملت مع أغلب مخرجي المسرح .. مايميز كل منهم ... وماذا قدم لك كل مخرج ؟  
لطفية :- كل مخرج له خصوصيته ولونه ومذاقه .. اشتغلت  مع " الطاهر القبايلي " وطني عكا " مع القمودي " حوش العيلة ، هجالة و100 عريس ، حمل الجماعة ريش  " مع " العلاقي " ملحن في سوق الثلاث " مع " الزروق " بشرى والنبع  مع " مفتاح المصراتي  " وين العسل " مع عياد " الحب بالدينار " مع البوصيري " بضربة واحدة قتل عشرة ".. كما أسلفت كل عمل مع مخرج يقدم لك إضافة جديدة ..  من جانب أخر العديد منهم تعامل معي وأنا " لطفية إبراهيم " التي كتبت لها عديد الأعمال من قبل كتًاب مثل " الأمير ، قناو ، الأزهر... "  ... بينما الأستاذ "الأمين " راهن علي وأنا في مستهل مسيرتي المسرحية  ..  استثني هنا عمي  " شرف الدين " الذي قدم لي الكثير  .. 
= من وجدت أمامك من العناصر النسائية ؟ 
لطفية :-  وجدت قبلي " حميدة الخوجة ،  سعاد الحداد ، زهرة مصباح ، نورية العرفية " ، ومن بنغازي " فاطمة عبدالكريم ، كاريمان جبر،  سعاد خليل " .
= من من الزميلات التي  تشعرك  بالأمان أثناء الوقوف أمامها  ؟؟ اقترح " حميدة الخوجة " و " سعاد الحداد " ..
لطفية :- لا توجد لغة الأناء عندهن .. كلهن يتحلين بروح ودودة ولا ينحزن لأنفسهن على حسابك .. " حميدة " و سعاد "  استاذتان بمعنى الكلمة "  ... " حميدة الخوجة " وقفت على الخشبة سنة " 1956 م "  وعمرها ثلاثة عشر سنة ودعمتني في بداياتي .. كانت " سعاد الحداد " تشجعني ليلة عرض " الزير سالم " علماً بأني كنت ألعب شخصيتها الرئيسية .. ولم تخش المقارنة .. 
= كانت لك تجربة مع المسرح المدرسي في مسرحية " محاكمة رجل مجهول " صحبة " رضا بن موسى " .. متى كانت هذه التجربة ؟ 
لطفية :- وقتها استعانوا بي وانا في المسرح القومي .. أذكر بأن الجائزة الاولى حجبت لأني ممثلة محترفة ولست طالبة  ... 
 = لكل ممثل عادات قبل خروجه على الخشبة ؟ ماهي الطقوس التي تمارسينها لتحفيز درجة استعدادك ؟  .
لطفية :- احافظ على حضوري للمسرح قبل بداية العرض بثلاث ساعات .. " ونمشي لقهوة عمي " محمد شاقان " الله يرحمه ونطلب منه قهوة سادة وشيشة ميرندا باردة .. لازم تكون مسقعة " وأدخل غرفتي واهتم بتفاصيل الشخصية ومستلزماتها . 
المسرح والخيالة :- هذا عندما يكون العرض في " مسرح الكشاف " مقر عملك .. كيف كان الأمر اثناء عرضك على خشبة مسرح " محمد الخامس " بالرباط ؟
لطفية :-  أيضاً ذات العادة مع تعديل بسيط تم استبدال  ال" ميرندا " ب"برتقال " بارد .. لعدم توفر ال" ميرندا " ... هذه العادة لا زمتني منذ عرض مسرحية " مايقعد في الوادي الا حجره " . 
= لم تتزامن البدايات المسرحية مع المرئية .. كيف كانت البدايات المرئية ؟ 
لطفية :-  كانت بدايتي مع المرئية في سهرة " خروف العيد " تأليف الراحل " الدوكالي بشير " في العام " 1973-1974 " ، تلتها سهرة " قراية وفهامة " من إخراج الراحل " محمد الساحلي " في تلك الفترة عملت مع عديد المخرجين أمثال  " محمد أبوعامر ، فخرالدين صلاح ، محمود عياد دريزة ، خالد مصطفى خشيم ، حسن التركي " فيما بعد عملت مع أغلب المخرجين المرئيين بحيث حققت في المرئية  أكثر من 700 ساعة مرئية بين سهرات ومسلسلات ومنوعات .
= قبل أن نتطرق لموضوعة المنوعات الرمضانية  ... في رصيدك شريط سينمائي  يتيم بعنوان " الطريق " صحبة " مصطفى المصراتي ، يوسف الغرياني ، سالم أبوخشيم ......" .
لطفية :- بالكاد أذكره بل مسح من ذاكرتي  ... إجمالاً لا تستهويني السينما .. 
ولوجي لعالم المنوعات تحت إصرار " فتحي كحلول " الذي اقنعني _ لإعتقادي بأن المنوعة ملعب إسماعيل ويوسف _ بالمشاركة في منوعة " ساعة لقلبك " من تاليف الراحل " فرج قناو " ، ونظراً لعدم توفر أستوديو خال في طرابلس تمت تصويرها في مدينة بنغازي من إخراج " محمود الزردومي " ..  نجاح المنوعة الأولى قادني للإستمرار فيها عملت فيها لعدد من الكتًاب والمخرجين لعشرة مواسم رماضانية ..
= أكثر أجر تقاضيتيه على عملك المنوع ؟
لطفية :- كان مبلغ " 1600 د.ل " وهذا الأمر كان تجاوزاً وتشجيعاً  من الأستاذ " نوري ضو الحميدي " في ذلك الوقت عندما لاقت المنوعة إستحساناً من المتفرجين  ... أكبر مبلغ تقاضيته لقاء عملي الإبداعي كان  " 5000د.ل " مقابل  " 15 حلقة من سلسلة  من وسط الناس و30 حلقة  من منوعة " كلمة حب  " تحديداً " 4800 د.ل " التي حجزت بها صالة فرحي ..
= منذ عشرين عاماً أنسحبت من الحياة الإبداعية .. هل ثمة سبب لإنقطاعك ؟ 
لطفية :- ربما السبب الرئيسي محاولة مني للإستقرار بعدما تم الإتفاق بين وبين   زوجي " محمد "  .. وربما لخشيتي بأن العمل الإبداعي يصادرني ويأتي على حساب أسرتي .. كما تعلم أنا اعشق عملي وأعطيه كل وقتي .. 
= عشرون عاماً من الغياب على الحركة المسرحية خاصة والإبداعية عامة .. هل ثمة أمل للعودة لو توافر الشرط الإبداعي الذي تنشدينه ؟.
لطفية :- لو يرجع الشرط الاول انا اعود .. لا زال في ذاكرتي ذلك التوهج المسرحي وذلك الزخم وتلك الحميمية والألفة  .. ولكن هل تعتقد بأن الشرط الأول يعود ؟!! .. 
عشرون عاماً من الغياب ، لم تقدم لي دعوة حقيقية للعودة بإستثناء محاولتين ماتتا في مهدهما ..أحداها  زيارة الأستاذ "الطاهر القبايلي "  و " عبدالباسط بوقندة "  ..على خلفية حوار أجرته معي  إذاعة الزاوية المحلية عندما أخبرتهم بأن الباب لم يوصد وإنما "  مردود " ..  ولكن هذه الزيارة لم تقدم مشروعاً يحفزني للعودة  ..    
= ماهو الشرط الذي يجعلك تفكرين في العودة ؟
لطفية :- عودتي مشروطة بعمل يليق بقيمتي ويليق بمتتبعي مشواري الإبداعي عمل يحمل  قيمة فنية وأدبية وأيضاً مجزي مادياً ..
= مادياً ؟!!
لطفية :- نعم  مادياً .. لأن القيمة المادية ترجمة لقيمتك الإبداعية وترجمة لمسيرتك .. انت تعلم بأني لست محتاجة " والحمد لله " ..
= بعد هذا العطاء والكفاح والعقبات التي مرت بك عبر مشوارك الإبداعي ... هل هذا المشوار يستحق هذا التعب وهذا العناء ؟  ... هل خالجك الندم ؟! هل لديك بعض التحفظات على بعض الزملاء ؟  
لطفية :-  هؤلاء اسرتي التي تربيت في كنفها ..عندما دخلت كنت صغيرة .. "  زي ما يقول عمران المدنيني " جيتي بزوز ضفاير " ..  يكفيني سؤال المتلقي الليبي بعد غياب عشرين عاماً .. 
= طوال هذه الفترة .. ألم تقدم لك دعوة للتكريم ... في ظل هذه التكريمات العديدة التي قامت بها المؤسسات الإعلامية ؟
لطفية :- لم أتلقى أي دعوة بشان تكريمي بإستثناء دعوة موجهة من مهرجان البيضاء .
= " عندما هاتفت المخرج " عزالدين المهدي " مدير مهرجان البيضاء التجريبي " بشان هذا التكريم أفادني بأنه لا يذكر وعليه العودة إلى مستندات المهرجان ولم يوافيني إلى هذا الوقت بالرد " ..
لطفية :- لا يهمني تكريم المؤسسات الإعلامية بقدر مايعنيني تكريم فرقتي " فرقة المسرح الوطني / طرابلس " التي قدمت لها الكثير والمحزن بأنه تم إيقاف راتبي بعد أربعة أشهر من غيابي ولم يسوى وضعي الوظيفي وظل طيلة مسيرتي بمرتب أجر يومي " 120 د.ل " أتقاضى منها " 90 د.ل " بدعوى أني رفضت الوقوف أمام   لجنة التسوية  .. كان بالإمكان تسوية وضعي على مسيرتي ومجمل أعمالي .. المحزن في المقابل أختي توفيت " رحمها الله "  وهي تعمل في " شركة إفريقيا " أحيل راتبها بالكامل إلى والدتي التي تستلم فيه إلى هذه اللحظة ..
= ألم يقدم أي عمل فني تمنيت المشاركة فيه ؟ 
لطفية :-  على الإطلاق ..  لم أشاهد  أي عمل  أندم على عدم مشاركتي فيه ..
= من تعتقدين المسؤول على ما آل إليه المشهد الإبداعي الليبي ؟.
لطفية :- دونما شك القائمين على المؤسسات الإبداعية .. مع الأسف مساهمة بعض الفنانيين الذين لايحترمون تاريخهم ولا جمهورهم .. المحزن أننا  نفتقد للوفاء نفتقد للإهتمام ... من هؤلاء الذين يتحكمون في مصاير المبدعين ؟... أنظر لحال " الحريري .. حميدة الخوجة .. عمي " شرف الدين  " ، الحاج " مختار الأسود "  والعديد العديد ... لماذا نحن هكذا ؟ ألم يقدم هؤلاء من عرقهم وجهدهم ؟ ... لماذا الإهمال ؟ " خلوني ساكتة " ... أحمد الله كثيراً بأني أنسحبت في الوقت المناسب .. ربما الحسنة الوحيدة التي جنيتها من هذا المجال هو حب الناس .. " الحمد لله " أتمتع برضى الوالدين ورضى زوجي وأسرته  فأنا متزوجة منذ عشرين عاماً .. هذا الفن الذي يسكنني ينعكس على كل تفاصيل بيتي كما ينعكس على سلوك إبني " وحيد " ..
= حدثيني على أبنك " وحيد " ..
لطفية :- " وحيد " دنيتي .. " وحيدالعمر كله "  .."  ربي لم  يقدر لنا في الخلفة  " بذلك تم الإتفاق بين  زوجة سلفي _ اخ محمد _  وزوجها  " الله يخلف عليهم "  بأن الجنين سيكون  من نصيبي _ كان هدية من الله أولاً وهدية منهما .. طيلة حملها وأنا أقتني ملابس أطفال  حتى بعدما أعلموها بأن الجنين  بنت _حسب الكشوفات _ وأنا أقتني ملابس طفل  لرغبتي الملحة على تسميته على روح أخي " وحيد " وكنت أدعو الله كل صلاة بأن " لا يخيب رجائي "  ، في الشهر السابع أبلغوها بأن الجنين طفل وبالفعل أستلمته من المستشفى منذ اليوم الثاني وعدت به للبيت وهاهو " بسم الله ماشالله .. وانشالله من حملة كتابه  ..
= " لطفية إبراهيم الورقة الرابحة لإنجاح أي عمل إبداعي  تساهم فيه رغم قصر مسيرتها الفنية .. التي تقدر بأربعة عشر عاماً ، المسرحية " 1970 – 1984 م " المرئية " 1974_ 1988 م " إلا أنها ظلت في ذاكرة أجيال من المتتبعين والمهتمين حتى هذه اللحظة .. كما ساهمت في إيجاد متفرج للمرئية وجمهور للمسرح ومتلقي للمسموعة .. تستحق بحق لقب " نجمة شبًاك " كما وصفها الفنان المخضرم " محمد شرف الدين "..
لطفية إبراهيم .. دمت بسلام ..
.....................................................
الهوامش :- 
*   لطفية فوزي إبراهيم الشاوش 
مواليد المدينة القديمة / طرابلس 1954 م
المدرسة الإبتدائية " باب الحرية ، ومدرسة باتشيني / هايتي "
المدرسة الإعدادية " مدرسة أم سلمة "
المدرسة الثانوية " مدرسة طرابلس الثانوية "
** .." المصدر : " لوكا .. مختارات من شعره " صدر عن دار المسيرة / الطبعة الثانية 1983 م "محاضرة للشاعر والمسرحي الأسباني " فيدريكو غارسيا لوركا " ألقاها في  هافانا وبيونس ايريس  بعنوان " مقالة في  الروح المبدع وعمله ".

أحمد القطعاني ...
           " نحن بحاجة إلى إقتناع الدولة بأهمية المسرح " 
حاوره / الصالحين الرفروفي 

إعلامي درس الإعلام في جامعة اكسفورد ببريطانيا أسس مجلة الأسوة الحسنة الزاخرة بعديد المواضيع . .أحد أكبر ثلاثة علماء مسلمين متخصصين في علوم التنضير والتبشير على مستوى العالم .. عالك الحديث الشريف في ليبيا حاليا وتقل اسانيده التي تشمل كل الحديث الشريف رواية  ودراية لعلماء عصره في جل الدول العربية والاسلمية .. يقرض الشعر ويعزف على آلة الناي .. اسمعني أغنية يازهرة الياسمين كذكرى لصديقه المرحوم الفنان نوري كمال يسمع الموسيقى العالمية بتهوفن وموتزارت وعربيا بحب فريد الاطرش كثيراص .. هذا الفنان الشيخ يحفظ عديد الادوار والموشحات والمالوف ويذكر بخير الفنان ورجل الدين عبدالله جمال الدين الميلادي .
له عدة اعمال مرضية وأكثر من عمل استعراض .. أسس فرقة غفران للأعمال الفني والمسرحية .. أسس مزاراً سنوياً وحوله الى موسم ثقافي تثقام فيه المحاضرات العلمية والتوعوية ومعارض الفنون والعروض المسرحية .
أويا : كيف كانت بدايتكم الفنية ؟
البداية قديمة .. هواية وعمتها تلك اللمسات الفنية من المالوف والموشحات وكثير من الفنانين في ليبيا وعلى رأسهم الشيخ حسن عربي تخرجحوا من هذه الزوايا الفنية .. حيث كنا نذهب اليها من الطفولة المبكرة ... هذه البدايات اشتركت فيها مع ابناء جيلي .. كنا نشاهد ونسمع الموالد والحضارى والرقصات والفلكلور شاهدت مسرحيات لشكسبير اجاتا كريستي قرأت مسرحيات لموليير معربة خصوصاً التي حظيت بنقد الناقد لويس عوض .. ولكن تظل خصوصتي للفن الليبي .
أويا : هل يوجد مسرح يحمل الهوية الليبية ؟
هناك محاولات جميلة لمسرح ليبي  تخطو خطوات أولى .. مسرح له طابعه الليبي في ثقافته ولسانه وظروفه .. وهذا بقدر ما هو مفرح هو محزن لا تستطيع منافسة الآخرين لأننا مسبوقين للأسف .. سبقنا اللسان المصري واللسان الشامي والخليجي .. المرحلة التي كان من الممكن ان يسوق فيها اللسان الليبي انقضت .. وهذا مرده راجع الى النخب الثقافية الليبية فهي خذلت الناس .. خذلت الشعب الليبي .. هذه النخب التي أوكل إ ليها أمر الثقافة في ليبيا لم تكن في المستوي المطلوب جعلتنا نعيش في عصر ما قبل التاريخ فنيا كي يوم نبتعد فيه ماذة عام عن مواكبة الفن .
المسرح الليبي يحتاج الى معجزة ليأخذ مكانه بين مسارح العرب على الأقل .
أويا : مالذي تحتاجه لذلك ؟
بالردجة الأولى تحتاج الى اقتناع الدولة بأهمية المسرح ولابد أن تعتبر اهميته كأهمية المدرسة والمصنع والطريق .. ألخ .. ووضع خطة وبرنامج يبدأ من الص فر .. بلدنا خالية من المسارح حتى كمبنى ومن الدعم الفني كل فناني العالم يحظون بالشهرةج والاحترام والتقدير إلا الفنان الليبي لايعرفه أحد حتى داخل ليبيا بكل أسف تفعيل دور الروابط المهترئة التي لاتقدم اي خدمة للفنان .. هذا الذي لايستطيع ان يعطيك فتاو وهو جائع ومريض وابنه في المستشفى .. لاتطلب منه اضحاكك وهو حزين الم؟ؤسسات الرسمية مقصرة وأهملته ومسؤولة عن هذا . .لايوجد أدنى اهتمام اعلامي بقدراتنا الفنية ومبدعينا وهذا الاهمال انتج جهل المواطن بأهمية هذه الفئة الهامة التي تم تهميشها .. اين التعيرف برواد الموسيقا والمسرح الأوائل .. قنواتنا الفضائية لا تعرف ولا تعترف بالفناينن القدامي (بشير فهمي فحيمة) على سبيل المثال له كل التقدير والاحترام والشهرة في تونس وله كل الجهل وعدم المعرفة به في بلده ليبيا كان ملحنا ومطربا وشاعراً فكاهياً ايضاً .
هل من المعقول ان طرابلس زهرة الشمال الأفريقي لايبنى بها مسرح منذ اكثر من اربعين عاماً وتعاني أزمة بمعني الكلمة .
المسرح اداة تنظيم وتثقيف وقريبة السلوك ..  يجب تدريسه على أسس علمية لابد من وضع برنامج مسرحي للفرق المسرحية وتشجيعها بالدعم .. كل الدول سبقتنا في المجال الفني بشكل عام واصبحت تحتكر المشاهد الليبي .. دخلت المدبلجات المكسيكية وجاءت التركية لتأخذ ما تبقى .. المشاهد الليبي اصبح يعاني احباطاً .. التلفزيون الليبي جهاز كبير يفتقر الى سياسة واضحة .. استخفاف شديد بعقول الناس وهذه اخطر الأشياء كل الناس في العالم لهخا خصوصيتها الفنية وإلا نحن للأسف النخب الثقفاية التي تولت زمام الأمور لم تكن أمينة على ثقافتنا وتردت بها الى الدرك الأسفل .. وهذا ما نشاهده اليوم .. الإعلام الليبي أخلى الساحة منالمشاهد الليبي .. كل البرامج التي يبثها ليست ليلية .. خيبث الآمال وأصبح يمارس الحكم الهندية (لاأرى .. لا أسمع .. لا أتكلم) .
أويا : حدثنا  عن علاقفة الدين بال فن ؟
الدين حياة فهو يحتوي كل شيء جميل ومفيد وإنساني والمشكلة ليست في الدين وإنما في جهل بعض رجال الدين بحقيقة الدين وليس المشكلة في الدين نفسه .. النبي (ص) كان يستمع الى الاغاني وقد استمع الى جاريتين وهما تغنيان .. وكان يقف مع أم المؤمنين (عائشة) ويشاهدان الاحباش وهم يرقصون ويقول لها (هل اكتفيت ؟)
إذا نحن تتجنى على الدلين عندما نفصا بينه وبين الفن .. ولكن الفن الهداف الذي يبني المجتمعات يثير العقول وليس السفاف والانحراف التطرف هو نتيجة لعزل الدين عن باقي مناحي الحياة من رواد المسرح الليبي رجب البكوش كان رجل دين .. عبدالله جمال الدين الميلادي أول من صاغ الاوبريت الموسيقي  كان مشجعا وصوفيا .. على أمين سيالة له كتاب الاناشيد المولودية والانشاد  هو نشاط فني ..  زكريا احمد .. بيرم التونسي .. الخ 
لا تستطيع عزل الدينن عن الفن .. غير أنه هناك من أمتطى الدين لتحقيق مآرب وأغراض تخدم توجهاته وافكاره ومصالحه فقط ولا تخدم الدين ذوو الافكار الضيقة والمصالح ال شخصية سخروا الدين لخدمتهم من سياسيين وتجار واقتصاديين .. أنا أرى ان الشخص الذي يتعاطى العمل الفني بصفة عامة أيا كان هذا الفن .. مسرح موسيقي .. شعر .. غناء .. فن تشكيلي .. الخ يجب ان يؤمن بأنه يقف في محراب مسجد .. كونها قد تشوبها بعض الشوائب فاللوم ليس عن الفن وانما على من امتطى هذا المجال لتحقيق اغراضه .. حتى المنبر كما قلت استغل  من قبل بعض ذوي الاراء والافكار عبر المقبولة لقضاء مصالح .. انا لا أرى ان الكلام في الاسلام هو ذلك الذي يتناول الصلاة والصوم والزكاة والحج وسواه .. الاسلام أوسع من أن يقيد بقيود .. إذا ما تكلمت في عمل فني عن الاحسان والعلاقات الأسرية الجميلة ونظافة ذات اليد فأنت تتعلم عن الاسلام .. كل حياتنا هي جزء من ديننا وكل ديننا هو حياتنا .
أويا : لك عدة مؤلفات شعر ، مسرح ، استعراض حدثنا عنها ؟
الفت ما يزيد على عشرة مسرحيات وبعض القصائد الشعرية وأول محفوظ لي كان كتاب مختارات من غناوي العلم ولدي ايضاص منتخبات زهر الخماذل من قصائد الشعر الشعبي للأواخر والأوائل وكذلك (عمر المختار ، فتح مكة .. سجين بلا قضبان عمل اجتماعي وبعض التمثيليات والاعمال الاستعراضية .
أويا : اليست الاغاني والتمثيليات من لهو الحديث ؟
مستحيل .. لهو الحديث هو ذاك الذي يزين ك الباطل فيجعله حقا ويقلب لك الحق فيجعله باطلا .. وهذه صفة السياسيين .. الفن الجميل .. الهادف النقي .. لايجرؤ أحد على حربه .. وإنما نسخره لخدمة الناس ومصالحهم .. الفن يهذب النفس ويرتقي بالانسان الى أعلى المستويات ... بينما نرقص الفن الذي يتعارض مع قيمنا ومعتقداتنا .
أويا : ما هو السبيللايحاد نهظة فنية ليلية ؟
الفن في ليبيا بشكل عام كشجرة نمت وتوقفت عن النمو .. الجانب الايجابي فيها أنها لا تزال حية .. تحتاج الى الكثير لتنمو .. كذلك نحتاج الى خطط وبرامج دراسات .. في تصوري ان الخصخصة تفتح الأبواب الى ر يجاد مجلات وقنوات خاصة التوسع في بناء المسارح والاهتمام بالفن وأهله لابد من ايجاد المسؤول المقتنع والواعي لما يعمل ووليس الموظف الجالس على الكرسي .
أويا : المزار الذي درجتم على إ قامته كل عام مالهدف منه ؟
لدينا  شباب لديهم الحيوية والرغبة في تقديم الأعمال الجيدة والمفيدة على كل المستويات .
المزار احتضن هذه الأعمال . احتضن معارض الفنون التشكيلية والنحت والرسم .. العروض المسرحية الدينية والاجتماعية وكذلك العمل الاستعراضي والموسيقي جعل الناس تعتلي المسرح وتتكلم في محاولة لكسر النخب للفنون في ليبيا .. الناس تأتي للمزار من أمساعد الى ز واره الى غات من لديه شيء يقدمه فهو وفرصة للتلاقي وعرض الافكار وتقديم الجيد والجديد ..
محاضرات وندوات علمية وثقافية انطلقنا بتعاون الجميع .
أويا : كلمة ترغب توجيهها ؟
أشكر لصحيفة أويا حرصها واهتمامها وأقول أتمني ان يحظى المشهد الثقافي والفني في بلادي باهتمام المسؤولين وأقولو لهم أتقوا الله في هذا البلد .
















  المسرحي عبدالله هويدي ...
       " هناك مَنْ يسعى لتطوير الفن المسرحي في ليبيا أدبيا وفنيا وهناك خبرات تبشر بالخير " 
حاوره / محمد بنور     
الباحث والناقد والمسرحي الليبي عبدالله مفتاح هويدي بدأ حياته العملية مدرساً في المراحل الدراسية الأولى في العام 1954،وبعد مرور أكثر من تسع سنوات التحق بالإذاعة وعمل فيها مذيعاً ومقدم برامج ومحرراً للأخبار المحلية ومحرراً بوكالة الأنباء الليبية. 
وفي سنة 1971 كلف أميناً لوحدة الإعلان والتوجيه المسرحي بدائرة الشؤون المسرحية التابع للإدارة العامة للفنون والآداب..إلى جانب عمله أميناً لدائرة النصوص والمسابقات،تم اختياره عام 1974ليكون مساعدا لأمين قطاع المسرح في الهيئة العامة للمسرح والموسيقا والفنون الشعبية.  
تنقل في الثمانينيات بين مكتب المسرح وقسم المعلومات والمتابعة التابع للإدارة العامة للإعلام الخارجي،وبأعتباره فناناًَ مسرحياً فقد التحق سنة 1958بفرقة الأمل للتمثيل،ومن خلالها شارك في العديد من الأعمال المسرحية كممثل ومخرج،وهو من أبرز المسرحيين الذين تخصصوا في الإدارة المسرحية فتم إيفاده في دورة تدريبية إلى القاهرة. 
مثل ليبيا في عدد من المحافل الدولية من خلال الاجتماعات والمهرجانات،كما أنه أحد المسجلين في الإدارة الثقافية التابعة لمنظمة التربية والعلوم والثقافة العربية جامعة الدول العربية كخبير مساعد في شؤون المسرح. 
له مؤلف واحد بعنوان "آفاق مسرحية"ويحمل أكثر من عضوية،في عدة روابط فنية وثقافية وصحفية ، ويعد أحد أبرز الأعضاء المؤسسين لاتحاد المسرحيين العرب،حالياً يواصل رحلته مع الكلمة والقلم في عدد من الصحف والمجلات المحلية ،التقته "العرب العالمية"وخصته بهذا الحوار: 
 -من خلال تواصلك وحضورك للمهرجانات المسرحية..هل ترى أن هناك اختلافاً بين مسرح اليوم ومسرح الأمس؟ 
 دون شك ، يوجد اختلاف،فمسرح اليوم توفرت له الإمكانات التقنية والفنية بينما مسرح الأمس كان يفتقر لأبسطها،ولذلك استفاد العاملون اليوم في مجال المسرح وفنونه سواء كانوا فنانين أو فنيين كثيراً من استخدام هذه الثقافة،غير أن هناك فارقا وحيدا يمتاز به مسرح الأمس وهو الجدية والالتزام الواعي وعدم الشطح بالخيال،بحجة التجديد والتجريب.
 -حسب اعتقادك..علام اعتمدت الأعمال المسرحية التي قدمت مؤخراً على المسارح الليبية وشاهدتها،خاصة تلك التي قدمت في الدورة العاشرة للمهرجان المسرحي؟ 
  حسب اعتقادي أغلبها اعتمد على التجديد ولا  أقول التجريب،لأن المسرح منذ نشأته خاضع للتجريب،ومن يرغب في الوقوف على ذلك فليدرس أدب وفن المسرح دراسة علمية موضوعية. 
-ماهو تقييمك للعرض المسرحي الليبي من خلال النص والتمثيل والإخراج في الأعمال المسرحية الأخيرة؟ 
 الحقيقة لا يستطيع الإنسان أن ينكر بأن هناك من يسعى لتطوير الفن المسرحي أدبيا وفنيا وهناك خبرات تبشر بالخير وهناك بعض الأعمال سقطت سقوطا شنيعا من حيث النص والإخراج والتمثيل،ولم ترتق حتى إلى مستوى أولويات المسرح التي عرفت منذ عشرات السنين. 
- هل ترى أن الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني بعروضها الـ 24"المختلفة والمتنوعة ساهمت في انتعاش النشاط المسرحي؟ 
  أكيد ،أرى أنها قد ساهمت وأثبتت شرعية وجود المسرح الليبي،غير أنها للأسف لم تدفع إلى استمرارية العروض المسرحية وهذا ما يعانيه المسرح عندنا في تحقيق شرعية وجوده. 
 -ألا ترى أنه من الضرورى إقامة دورات تدريبية متواصلة ومتطورة في المجال المسرحي لمواكبة التطور لعدد من الخريجين والكتّاب والممثلين الشباب يشارك فيها أساتذة متخصصون؟
 هذا أكيد ، بل تفرضه الضرورة الحتمية من حين لآخر،وحتى لايكون الاعتماد على المعلومات النظرية فقط،دون الممارسة،وقد أقامت مشكورة اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام عدة دورات في مجال المسرح وفنونه منذ سنة 1995،فصقل الموهبة وتنميتها وتطويرها لابد أن يرتكز على الممارسة إذ إن الإبداع عموما يعتمد على الموهبة والدراسة والممارسة،فلابد من إقامة ورش في مجال المسرح وفنونه لمساعدة المواهب على شق طريقها واستلام المشعل من الأجيال التي سبقتها،ويشارك فيها أساتذة متخصصون،لكن لا تكون مدة هذه الورش محدودة وضيقة..فأنا أرى أن الدورات المتخصصة في التأليف والإعداد والإخراج والتمثيل ضرورية جداً،وهذا ليس مسؤولية اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام،بل لابد وأن تشارك وتساهم في إقامتها الجهات التي لها علاقة بذلك ويقع هذا النشاط في دائرة اهتمامها. 
 - عاصرت عدة أجيال في مجال التمثيل والتأليف والإخراج خلال وجودك في المسرح..هل ترى أنها ساهمت في إنجاح مسيرة المسرح؟ 
 الحقيقة من خلال انتمائي إلى الحركة المسرحية،ومنذ خمسين سنة تقريباً ومازلت هاويا لهذا اللون من الفنون ألا وهو المسرح وعاشقا له وأقدم له كل ما أوتيت من قوة وجهد بفضل الله لاشك أن الأجيال التي عاصرتها سواء من كانوا هم في سني أو أكبر مني قد ساهمت مساهمة فعالة في استمرارية وجود الحركة المسرحية ومنهم من هو صاحب مدرسة مسرحية تتلمذ على يديه الكثير على سبيل المثال الراحلون البزنطي ومصطفى الأمير،رجب البكوش،أنور الطرابلسي،وغيرهم ممن يضيق المجال لذكرهم،وهم رواد أوائل غرسوا هذه البذرة وسقوها بدمائهم وعرقهم ودموعهم،وبفضلهم ظل المسرح مستمرا حتى اليوم،ولو أنه أصبح يلوح في حياة المواطن كالطيف المهزوز،نتيجة لعدم الاستمرارية وعدم وجود الرغبة والتضحية بالكثير من أجل القليل واتخذ المسرح طريقا للتلفزيون من أجل الكسب المادي.  
 - هل تعتقد أن الجيل الحالي من الشباب المسرحي لديه نفس الحماس والإصرار للمساهمة في مواصلة المشوار وبنجاح؟ 
 ليس الكل..لكن البعض وهذا ما لمسناه أثناء فعاليات الدورة العاشرة للمهرجان الوطني التي أرى أنها قد كشفت اللثام عن عدة أسماء قد يضيق المجال لذكرها،وحتى لانظلم أحداً من هؤلاء المجدين المجتهدين. 
 -  لماذا سجلت غيابك عن لجنة النصوص المسرحية التي كنت أحد أعضائها في فترات سابقة؟ 
 باختصار لن أستطيع أن أقول أكثر من أن هذا راجع للإخوة المسؤولين على المسرح وليس لدي أي تعليق على ذلك. 
-  يقال عنك في الوسط المسرحي المحلي بأنك قاموس المسرح..فهل لك أن تحكي لنا قصة هذه التسمية ولو بإيجاز شديد..مع إتحاف القراء بطرفة أو نادرة أو قول عثرت عليه لأحد رجالات المسرح ليكون مسك الختام لحوارنا هذا؟
ما يقال عني من أنني قاموس المسرح المحلي يعود إلى أنني عندما أعدت طباعة كتابي"آفاق مسرحية"سنة 1984لم أذكر المصادر التي رجعت إليها ، وأذكر أن الأستاذ والزميل سعيد المزوغي مدير تحرير صحيفة "أويا"حالياً قد وجه لي عتابا رقيقا في ذلك ، مع العلم بأنني في نظره اعتبر بمثابة قاموس مسرحي متحرك،والحقيقة تقال،فأنا لست جديرا بهذا اللقب نظراً لثقافتي البسيطة ومعلوماتي المتواضعة في مجال المسرح وفنونه، أما فيما يتعلق بالطرفة أو قول لأحد رجالات المسرح فإنه يسعدني أن أنقل الكلمة التالية وهي للسير لورنس أوليفييه رجل المسرح البريطاني المعروف الذي جسد أغلب شخصيات مسرحيات وليام شكسبير وأخرجها..حيث قال:"لو عرفت الناس كم هي السعادة التي تغمرني عندما أكون في قمة انفعالي فوق خشبة المسرح لتمنوا أن يكونوا معي فوق المسرح يحسون نفس الإحساس،إنني أشعر أنني غارق في لحظة أبدية سوف تبحر بي إلى الخلود حتى أستيقظ على صوت تصفيق الجماهير فأشعر بأن الخلود قد تمت ترجمته إلى هذه الإيقاعات،إنه حقاً معجزة أن أعيش هذه اللحظة المتألقة". 


محمد الصادق....
"  المسرح الليبي كزمار الأفراح ... الأزمة تكمن في الممثل وليس في النصوص ... لا نحتاج إلى إداريين، بل إلى متخصصين " 

حوار: أسماء بن سعيد
 
" محمد الصادق"  .. عرفه الجمهور ممثلاً كوميدياً وتميز كمخرج عاشق للمسرح بدرجة جنون يقولون عنه "جني المسرح" ويقول عن نفسه "أنا إنسان محظوظ"..
هو "الرجل الذي تسلق السلم" معتمداً على خياله الذي دعمه بالقراءة والاطلاع.. وبالإصرار على تحدي ذاته أحدث "الزلزال" الذي أوصله للمشاركة في تونس ومنها لمهرجان البحر المتوسط بالجزائر.
ليتوقف بعدها عن الإخراج لمدة عشر سنوات ويكتفي بالتمثيل وكأنه أراد في هذه الفترة أن يعيش حالة توتر ويدرس الموقف بالرجوع إلى الثل القديم شيع وطي وليعود بقوة للإخراج في المهرجان الوطني الثامن للفنون المسرحية حتى يقول الجميع "شابن هذوب الليل"..
ولم يثنه "كلام نساوين" عن إصراره وليقل للجميع وبأعلى صوت "فليسقط شكسبير" ويوجه دعوة "للعراسة" بأن يشاركوه قريباً "يوم الكسكسو"..
فعن التمثيل والنقلة إلى الإخراج وأعماله الماضية واستعداداته وأزمة النصوص المسرحية وأعمال المهرجانات ولجان التحكيم والجمهور الواعي والمثقف ومئوية المسرح الليبي والهيئة العامة للمسرح والخيالة وغيرها من المواضيع كان لنا معه هذا الحوار:
أويا.. في البداية من هو محمد الصادق؟
* محمد الصادق  ممثل ومخرج مسرحي وأيضاً أستاذ في مادة الإخراج بمعهد علي الشعالية وفي رصيدي قرابة الخمس وثلاثين عمل متزوج عاشق بدرجة الجنون للمسرح وأفخر بلقب "جني المسرح" الذي تم إطلاقه علي.
أويا.. عرفك الجمهور في بداياتك من خلال الأدوار "الكوميدية".. فماذا تقول عن هذه المرحلة؟
* هذه المرحلة تعتبر مميزة جداً بالنسبة لي وهي مرتبطة ببدايتي المسرحية وتحديداً في عام 1983مسيحي عندما شاركت في مسرحية "دونك يا المبسوط".. وهي باللهجة العامية وأنا اعتبر نفسي شخصاً محظوظاً جداً لأنه منذ بدايتي لم أشارك في أدوار ثانوية وإلى جانب هذا كنت دائماً أحاول التطوير من نفسي وصقل مواهبي.. فأذكر على سبيل المثال أني كنت أخذ مفتاح المسرح قبل "البروفات" بساعتين تقريباً وأقوم بالتدريب لوحدي مما جعل المخرج عبدالحميد المالطي يطلبني في دور رئيس وهكذا توالت الأعمال التي شاركت بها لتكون النقلة الفعلية بالنسبة لي عام 1988 عندما شاركت في مسرحية "الغيطة" مع الفنان صلاح الشيخي وكان ثمن التذكرة دينار ونصف ولكنها كانت تباع خارج المسرح بعشرة دنانير من شدة إعجاب الجمهور بها.. وقد استمر عرضها خمسة وستون يوماً متواصلة هذا إلى جانب أنني لم نكتف بعرضها في مدينة بنغازي فقط بل قمنا بعرضها في عدة مناطق أخرى مثل درنه والبيضاء والمرج واجدابيا وسرت وكانت بعدها عدة أعمال أخرى مثل حميدة وحميد وغريق في بحر لولاف ومن ثم توقفت لمدة عامين..
أويا.. من التمثيل إلى الإخراج.. كيف جاء هذا التحول؟
 * كما يعلم الجميع أن هناك نشاطات مدرسية تقام على مدار العام وفي هذه الفترة كان الأستاذ رافع نجم هو المسؤول عن هذا النشاط.. فقدم لي عرضاً مفاده لماذا لا أخوض تجربة الإخراج؟.. وفعلاً قمت بإخراج مسرحية بعنوان "الرجل الذي تسلق السلم" معتمداً على شيء مهم جداً ويجب أن يمتاز به المخرج من وجهة نظري وهو الخيال والمخادعة.. وفعلاً تحصل العمل على الترتيب الثاني على مستوى المرحلة المتوسطة.. ومن هنا استهوتني الفكرة وذهبت لبعض الأصدقاء منهم المرحوم محمد أبوشعالة والمخرج داوود الحوتي وطلبت منهم إعارتي بعض الكتب في الإخراج وعندما كنت لا أفهم أي مصطلح أعود إليهم وأسألهم عن معناه.. بالإضافة لقراءتي لكم هائل من المسرحيات العالمية وبعدها شاركت في المهرجان المدرسي للمرحلة الثانوية و،نلنا وقتها ترتيباً متقدماً.. وبعدها مباشرة كان الاستعداد للمهرجان الوطني الرابع فحضر إليه مجموعة من المسرح الجديد اقترحوا أن أقدم معهم مسرحية "الزلزال" وهي التي سبق وشاركت بها ضمن النشاط المدرسي.. وهذا ما جعلني خائف جداً من هذه  التجربة وأهميتها فأمر مشاركتي في المهرجان الوطني لم يكن أمراً هيناً ففي البداية أعدت المسرحية برؤية إخراجية جديدة تماماً بالإضافة لاستعانتي بعديد الأصدقاء من ذوي الخبرة في هذا المجال للحضور ومشاهدة "البروفات" وتقديم النصائح وكان هذا تحدٍ بيني وبين نفسي مع العلم إنني كنت خائفاً جداً من فشل التجربة ولكن المفاجأة تمثلت في حصول المسرحية على عدة جوائز منها جائزة الإخراج والإعداد وأيضاً تحصل خالد الشيخي والذي كان وقتها ممثلاً جديداً ولم يتجاوز دوره الخمس دقائق جائزة أفضل ممثل ثانٍ وتقديراً لجهدي كمخرج شاب أوكل إليه إخراج حفل الاختتام وهذه كانت ثقة كبيرة جعلتني أفكر بشيء جديد يمكن أن أقدمه حتى توصلت لفكرة أخذ مشهد من كل مسرحية مشاركة وركبت تلك المشاهد فبدت وكأنها مسرحية واحدة.. وبعدها بشهر تم الاتصال بي ليخبرونني بأنني ساشارك في مهرجان بتونس وفعلاً ذهبت وشاركت في مهرجان "باجه" وكان مقرراً في هذا المهرجان أن يتم اختيار الدول التي ستشارك في مهرجان البحر المتوسط بالجزائر وكانت ضمن الدول المشاركة تركيا وإيطاليا وأسبانيا بالإضافة للدول العربية التي تم اختيارها وأذكر أيضاً أن عضو لجنة التحكيم د.اليزابيث وهي أمريكية درست المسرح العربي أعجبها العرض الذي قدمناه جداً لدرجة أنها كانت تترك مكانها لتقوم بتصويرنا وفعلاً نلنا جائزة الإخراج وجائزة المدينة عن مسرحية "الزلزال" أيضاً مع العلم أن مشاركتنا بين ليبيا وتونس والجزائر جاءت جميعها في فترة لم تتعد الشهرين فقط..
المهم بعد هذا النجاح قررت التوقف لفترة عن الإخراج واستمرت الفترة من العام 1989 وحتى 1996 كنت أشارك في هذه الفترة كممثل فقط من خلال تقديم عدة مسرحيات منها جاك الليل - توتر - شيع وطي وغيرها بالإضافة لانهماكي في القراءة والإطلاع بكل ما له علاقة بالفن عامة والمسرح بصفة خاصة.
أويا.. بعد الابتعاد لمدة عشر سنوات تقريباً عن الإخراج كيف جاءت فكرة العودة من جديد؟
* خلال العشر سنوات التي توقفت فيها عن الإخراج واتجهت فيها للتمثيل فقط كما أسلفت الذكر قررت أنني لن أخرج إلا عملاً أكون راضياً عنه تماماً كنص أولاً وكأسماء ممثلين وساتعاون معهم ثانياً فلهذا جاءت مشاركتي في المهرجان الوطني الثامن كمخرج بمسرحية "شابن هذوب الليل" وهي من تأليف علي الفلاح وفعلاً كانت في المستوى والدليل تحصلنا من خلالها على أربع جوائز وفي المهرجان الوطني التاسع شاركت بمسرحية "كلام نساوين" تأليف منصور أبوشناف وتحصلنا بها على أربع جوائز أيضاً وبعدها شاركت بمسرحية "فليسقط شكسبير" وتحصلنا بها على جائزة العرض المتكامل وفي عام 2007 شاركت بمسرحية "العراسة" والتي شاركنا بها في "الأردن" وبعدها تم استضافتنا في الشارقة لعرض نفس المسرحية على هامش مهرجان الشارقة للفنون المسرحية.
أويا.. من خلال ما سلف هل نفهم بأنك تفند مقولة الدراسة الأكاديمية أولاً؟
* ما أريد قوله أنني برغم عدم دراستي الأكاديمية إلا أنني دعمت موهبتي "بالدراسة الذاتية" وما أعنيه بأنني لدي مكتبة أراهن على أن العديد من الأكاديميين لا يمتلكونها وهي ليست للزينة فقط ولهذا أقول أن الشخص الأكاديمي قد يكون درس في مجال بعدم رغبة أو لمجرد الشهادة بعكس من درس ذاتياً مجالاً يعشقه فلهذا قد تغلب النوع الثاني عن الأول.
أويا.. أسماء في مجال التأليف لن تتردد أبداً في التعامل معها؟
* بدون تفكير علي الفلاح، ومنصور أبوشناف
أويا.. هل لأنك من خلال تعاملك معهم تحصلت على جوائز؟
* أنا إنسان لا تعنيني الجوائز بقدر ما تعنيني القيمة المقدمة على خشبة المسرح وشخصياً مقتنع جداً بهذين الأسمين وكل ما يكتبوه وحالياً اتفقت مع علي الفلاح على عملين الأول مأخوذ عن "ماكبت" ولكن برؤيته هو والثاني عمل كوميدي باللهجة العامية بعنوان "يوم الكسكسو" ومع منصور اتفقنا على عمل لم يتم تحديد اسمه حتى الآن.
أويا.. حالياً أخبرتنا بأنك تستعد لإخراج ثلاثة أعمال جديدة.. وفي المقابل نسمع كثيراً عبارة "أزمة نصوص مسرحية" فهل لك أن توضح لنا هذه المفارقة؟
* من وجهة نظري لا توجد أي أزمة في النصوص المسرحية ولكن الأزمة الحقيقية تكمن في "الممثل" فمثلاً في مسرحية "العراسة" استمررنا فترة طويلة لنجد الممثل وهذا راجع لعدة أسباب منها اتجاه الممثلين إلى المرئية وهي ذات الانتشار الأوسع والربح المادي الأكبر مما يعني ابتعادهم عن المسرح.
أما عن أزمة نصوص فهذا شيء غير واقعي فلدينا عديد الأسماء المهمة في هذا المجال أمثال علي الجهاني، ومحمد العقوري، والبوصيري عبدالله وعديد الأسماء الأخرى.
وهناك إشكالية أخرى تواجه المسرحيين وهي بعد انهماكهم في البروفات وحفظ الأدوار يطلب منهم العرض ليوم واحد في المهرجان فقط مما يسبب إحباطاً للممثل فهو يريد أن يقطف عناء تعبه وجهده للعرض أمام الجمهور ولأيام توازي فترة التدريبات على الأقل.
أويا.. هل تؤمن بأن هناك أعمالاً خاصة بالمهرجانات ولجان التحكيم وأخرى خاصة بالجمهور؟
* لا أؤمن بهذا على الإطلاق والدليل أنني دائم القول بأن المهرجان المسرحي يجب أن يكون نتاج موسم مسرحي.. يعني أن المبالغ التي تعطى للفرق قبل المهرجان يجب أن تعطى لهم لإقامة موسم مسرحي بالكامل يتم من خلاله انتقاء الأعمال التي ستشارك في المهرجان الوطني لنضمن أن يتم مشاهدة الأعمال من قبل أكبر شريحة من المتفرجين فعندما أعرض عملاً لا أعرضه للجنة ولا للفنانين ولكن ما يهمني هو المتلقي الذي تكبد كل شيء في سبيل حضور عرض مسرحي وأيضاً جمهورنا واعٍ ومثقف وله عين راصدة يجب أن لا نستخف به.
أويا.. الجمهور الواعي المثقف.. هل يقتصر على الجمهور في العاصمة والمدن الكبرى فقط أو إنه تعميم للجمهور الليبي؟
* عندما قلت بأن جمهورنا واعٍ ومثقف فقصدت بها تعميماً عاماً على الجمهور الليبي فشخصياً لدي تجربة مميزة جداً مع جمهور مدينة "البيضاء" على سبيل المثال قدمت مسرحية من نوع "المينودراما" بعنوان "من العطس ما قتل" وبحضور 1200 متفرج ولمدة ساعة ونصف وأقسم بأني كنت أسمع صوت أنفاسي من كثرة الهدوء والانتباه في الصالة وهذا كان عام 1992.. ولكن في المقابل كانت هناك قضية أناقشها.. وأنا اعترض جداً على جملة مسرحية جمهور ومسرحية مهرجانات فلا يوجد إلا نوع واحد فقط مسرحية أو لا مسرحية.
أويا.. أسماء فنانين من الجنسين تتمنى التعاون معهم؟
بصراحة أتمنى العمل مع الفنانة خدوجة صبري لأنه في اعتقادي إن الممثل الذي يمتلك الجرأة على الخشبة وعدم التردد هو الممثل الحقيقي حتى وإن شاهدناه في أعمال ليست في المستوى يمكن أن نرجعها لسوء اختياراته.. وشخصياً اعتبرها ممثلة كبيرة أتمنى العمل معها.. وأيضاً محمد الطاهر وفاطمة غندور ومنيرة الغرياني التي اعتبرها ممثلة خطيرة ومحمد عثمان والذي للأسف أخذته المرئية في الفترة الأخيرة وشغلته عن المسرح وأيضاً جمال أبوميس وعبدالرزاق أبوروينة الذي اعتبره من الشخصيات المركبة وعيبه أنه لا يعي مقدار قدراته ويتعامل مع نفسه باستخفاف.. ومن بنغازي تعاملت مع جل الأسماء باستثناء خالد الفاضلي.
أويا.. ممثلة أو ممثل يقفزون لذهنك بمجرد قراءة نص؟
* سلوى المقصبي وسعاد خليل ومن الممثلين رافع نجم وعلى ذكر هذا لا يعني الإنتقاص من قيمة باقي الأسماء الموجودة فهي أولاً وأخيراً مسألة انسجام فمثلاً سلوى المقصبي بمجرد النظر "لعيوني" تفهم إن كانت على صواب أو خطأ ولهذا الراحة في التعامل بين المخرج والممثل مهمة جداً.
أويا.. حالياً نحتفل بمئوية المسرح الليبي.. فما الذي تقوله عن هذه المناسبة؟
* شخصياً أفضل القول إنها احتفالية بمناسبة مئوية أول عرض مسرحي عام 1908 مائة عام من العروض المسرحية.. مائة عام من الفرجة المسرحية.. مائة عام لحضور الجمهور.. مائة عام ولم يؤسس أو يؤرخ المسرح الليبي حتى الآن ولم تبرز تجارب جد مهمة في المسرح الليبي فهل مائة عام تقابلها عدم وجود أي مطبوعة منتظمة للمسرح أو أي اهتمام إعلامي وإبراز في الخارج.. وهنا استشهد بجملة للأستاذ رافع القاضي الذي يقول إن المسرح في ليبيا مثل الطفل اليتيم.. فعندما يشاهدونه يؤلمهم حاله ولكن في المقابل لا يوجد من يتبناه فعلياً ويدعمه بالكامل ولهذا يجب وجود خارطة حقيقية لدعم المسرح الليبي فللأسف هناك تاريخ وأسماء ضاعت فالمسرح الليبي يعتبر حتى الآن "كزمار الأفراح" فلا يتم الاهتمام به إلا أثناء المهرجانات والمناسبات فقط.. فهل يعقل أننا نحتفل بمائة عام من المسرح وأول مسرح يبنى كمسرح حقيقي هو الآن في درنه ومائة عام بدون أفق وخيال.
أويا.. هيئة عامة للمسرح والخيالة.. من الإدارات المستحدثة والتي ستباشر أعمالها قريباً.. فماذا تقول عنها؟
* أتمنى لو تكون هناك هيئة خاصة بالمسرح وأخرى بالخيالة وتكون لكل واحدة منها أشخاص ذوي اختصاص فنحن لا نحتاج إداريين بقدر حاجتنا لمتخصصين مع احترامي للموجودين والذين لا توجد لهم علاقة بالمسرح فهذه الهيئات يجب أن توثق وتؤرخ التجارب والأسماء الليبية والتطرق لهم خاصة ونحن في زمن "النت" فنتمنى أن تكون هذه الهيئات حقيقية وليست من أجل "البزنس" على حساب المسرح.
أويا.. لو طلبنا منك معلومة تكون حصرية لقراء الملف الفني في أويا؟
* المعلومة الجديدة  والحصرية هي تعاملي مع الأديب يوسف الشريف في مسرحية خاصة بالطفل والجديد أن يوسف الشريف ستكون هذه تجربته الأولى في مجال الكتابة المسرحية.
أويا.. كلمة تختتم بها هذا الحوار؟
* أريد أن اختتم  الحوار بأن استشهد بكلمة قالها المرحوم محمد الشاعري وهي "أيها المسؤولون أنتم تعرفون ماذا نريد ولكن نحن لا نعرف ماذا تريدون فهل تريدون مسرحاً أم تريدون أفراحاً وزغاريد".


الفنان رافع نجم ...
"    حاولت أن اقدم كوميديا هادفة  ونظيفة وهذا ما يؤكده قلة انتاجي.
... ننتج أعمالنا بالسلف الشخصية ونقوم بردها بعد العرض "  
  
حاوره / الصالحين الرفروفي  

أحب الفن وشغف منذ  أن كان صغيراً يصطحبه والده إلى دور العرض لمشاهدة الافلام السينمائية ... كان يقلد كثيرا من الشخصيات التي يشاهدها أمام زملائه في المدرسة عندما ظهر الفنان "فهد  بلان" أعجب بشخصيته وغنى أغانيه .بعض الاصدقاء بنادي التحدي شاهدوا  لديه  هذه الموهبة فأصروا عليه بضرورة الألتحاق بالفرق الموسيقية وقد أصبح مطرباً بها ، التحق بالدورة الثانية بالمسرح الشعبي ببغازي حيث تلقى دورة في مجال الالقاء والتمثيل على يد الاستاذ عمر الحريري ١٩٦٨مسيحي ، وفي عام ١٩٦٩ مسحي ألتحق بالمسرح الوطني حيث بدأ تشكيله في ذلك الوقت  وكان من بين الاوائل الذين ألتحقوا بالمسرح مع الفنانين .. رجب اسماعيل ، إبراهيم الخمسي ، علي الزليطني ..
عمل مع المسرح الوطني عدة أعمال في بداياته فكان أولها مسمار جحا "السلطان الحائر" إلى أن حضر الفنان السيد راضي وأقام دورة تدريبية في التمثيل والالقاء للمسرح الوطني وقد وجهه هذا الفنان المعروف إلى ضرورة اتجاهه للكوميديا فعمل مسرحية السيدة العجوز -  والقاعدة - المعتقل - السؤال - المركب ، إلي أن بدأ الاتجاه للكوميديا الاجتماعية فقدم مسرحية "المعجزة" ، تستور يا شيخ عبدالستار ..، في سنة ١٩٧٩مسيحي.
تعاون مع المسرح الشعبي في مسرحية (قهوة الرايق) ، إخراج الفنان فرج الربع ، عائلة عصرية ، عيد ميلاد سعيد ، الحارس ، طاجين ، ليلة صيف ، الجلهام ، خيرية العصبية، الدوة فيها دوه ، فليسقط شكسبير ، إنه الفنان الكوميدي رافع نجم الذي كان لنا معه هذا الحوار :
- مارأيك في ما يقدم من أعمال كوميدية ؟
 كان الألتحام بين الفنان المسرحي والجمهور لتقديم أعمال كوميدية لها مضمون وتعتمد على كوميديا الموقف وليس على اللفظ فقط والآن ما تقدم للأسف في بعض المسرحيات هو كوميديا اللفظ قطعة من الشارع تجسد على المسرح وهكذا عكس دور المسرح مع احترامي وتقديري لجهود كل العاملين في المسرح في المجال الكوميدي إلا أن الفنان الكوميدي قليل ونادر وما نشاهده هو (منولوجات ومنكتين وإسفاف) وهذا راجع إلى الجري وراء إضحاك الناس بأي وسيلة أنا حاولت جاهدا مع زملائي أن اقدم كوميديا هادفة ونظيفة وهذا ما يؤكده قلة إنتاجي "شاهدوا أعمالي وحاسبوني" ابحث عن الكوميديا الهادفة أنا مشهور ولايضيف لي الاسفاف شهرة.
- انت نائب المدير بالمسرح الشعبي ببنغازي ما رأيك في عمل الفرق المسرحية ؟
الفرق الفنية مهمة وهي تعطي الزخم الفني وتخلق التنافس والفرق كثيرة ومتعددة ..هناك الفرق الحقيقية والتي لها مقرها ونشاطها وهي عريقة ... أما فرق الحقائب فهي كارثة .. أن تكون في مدينة بنغازي سبعة عشرة فرقة كل فرقة لها شخص واحد وهو المدير والإداري والفني والفنان ... فهذا لايمكن تصديقه وتخيله كل ما تحتاجه بنغازي ٥ فرق وهي العاملة الآن ولها كوادرها الفنية أنا نائب مدير المسرح الشعبي ننتج أعمالنا بالسلف الشخصية ونقوم بردها بعد العرض وفي هذا كفاية  ولذلك يكون الإنتاج هزيلاً لأننا نحصر إنتاج العمل وفق هذه القيمة لابد للفرق أن تحترف المسرح ... الاحتراف شرط أساسي لجدية العمل والقانون يضع الكيفية التي تكون عليها هذه الفرق لابد من الصرف والدعم الشخصي لهذه الفرق لتؤدي دورها. نحن كفرقة متفائلون ومسرورون بصيانة المسرح الشعبي ونأمل أن يجهز بشكل جيد وسريع وأن لا يتعطل حيث أنه مكان لقاء الفنانين في مدينة بنغازي ولديه حركة مستمرة.
- أنت المعروف في المجال الفني مارأيك في ما يقدم في التلفزيون ؟
 برامج التلفزيون للأسف الشديد ورغم التسهيلات التي تقدم الآن إلا أنه وخلال سنتين لم تقدم إلا بعض الأعمال الدرامية الجيدة محلياً ولكي نستغل هذا التشجيع يجب أن نرتقي بمستوى النص والسيناريو والإخراج وأن نواكب التقنية ونعمل على أختيار الكلمة المحلية المفهومة حتى نستطيع تقديهما خارج الحدود لابد من استغلال الشكل الجمالي في طبيعتنا الساحرة وتقديها بشكل سياحي يحيه الآخر ويأتي إليه، لدينا القدرات العالية في هذا المجال  ولكن لم تتح لهم الفرصة الفنانين الليبيين اشتغلوا مع العرب وتفوقوا على كثير منهم ولكن بكل آسف الآن يستخدم الفنان الليبي "كعامل سُخرة" في الإنتاج الخاص ولاتعطى له حقوقه وأجرته أقل من لائحة الاذاعة العقيمة القديمة ... لابد من إيقاف الذين أتيحت لهم الفرصة ولم يقدموا إلا زيادة في الإسفاف والعمل الردئ ... لماذا توقع العقود ويعمل مجموعة معروفة بالاسم فقط؟ هذا لايشجع الفنان الحقيقي للعمل الجاد والجيد ..  أعطوا الفنان حقه وحاسبوه إن قصّر.
- ما الجديد في المنوعات الرمضانية ؟!
 لم تتطور المنوعات في ليبيا منذ ٣٥ سنة من أيام يوسف الغرياني إسماعيل العجيلي عملت مع التلفزيون مبكراً وكان لي السبق في تقديم مسلسل كوميدي بالصورة السريعة من حسن الصغير سنة ١٩٧١ ما يهمنا هو تقديم دراما ليبية متميزة من جميع النواحي الفنية وهذا بكل أسف مازلنا نفتقده .. أسلوب المنوعات رخيص ومهين للفنان ... منوعاتنا ألوان زاهية وشكل جذاب ولكن ما نقدمه مسخ للمنوعات وللدراما الليبية السهل والرخيص أين الفن ؟ أطلعوا إقرءوا .. أدخلوا أعماق الدراما شاهدوا ... إحتكوا بالاخرين حتى تصنعوا عملاً جيداً .. المنوعات ليست رقصة وتهكم على بعض المفردات والملابس القديمة ... أين لجان المشاهدة للعمل الفني !!! هل تعطى أجازة على أبواب شهر رمضان ؟
 - ما مدى مساهمة النشاط المدرسي في تقديم المواهب؟
 من أهم محطات حياتي الفنية وأنا فخور بها لأنها أنتجت أثنى عشر مهرجاناً أقلها يفوق المهرجان الوطني العاشر للفنون المسرحية وبمشاركة فنانين مسرحيين بمدينة بنغازي من أمثال فرج الربع ، علي الجهاني، فرج الطيرة ، مجموعة أبوشعالة وكثيرون ، كان ثمرتها الفنانين المبدعين الذين يحركون الحركة المسرحية والفنية الان من أمثال خالد الشيخي ، خالد الفاضلي، محمد الصادق، اسامة السحاتي، والكاتب المبدع علي الفلاح، وكثيرون وكنا نعّول على هذا النشاط في اكتشاف المواهب في هذه المدينة حيث لايوجد معهد للتمثيل وقد توقف الآن هذا الزخم في مدارسنا للأسف بالرغم من وجود كثير من المواهب في كل المدارس في المجالات الفنية المختلفة ... أما آن الأوان لأمانة التعليم أن تهتم بالجانب التربوي في خلق الإنسان الليبي النموذج ؟
- ما مدى الاستفادة من المؤسسات الفنية؟
 الأستفادة كبيرة .. عندما نؤهل هذه الكوادر وتجمع بين العلم والتجربة .. ولكن نحن في مدينة بنغازي نعاني نقصاً في هذه المؤسسات والمعاهد الفنية .. هل تعلم أن مدينة بنغازي رائدة الحركة المسرحية في ليبيا لايوجد بها معهد تمثيل واحد والممثل في مدينة بنغازي يأتي إما عن طريق النشاط أو عن طريق الموهبة لينظم تحت لائحة عضو فرقة مسرحية .. وهذه لها عيوبها حتى أن الكل يمكن أن يخرج فنان .
- الاعمال المشتركة كيف نستفيد منها  ؟!
 لو تم التركيز عليها هي إحدى الطرق للوصول بالفنان الليبي للوطن العربي كما عملت بعض الاقطار العبية الفضائيات سوق يحتاج إلى خلق نجم.
- ما هي مشاركاتك العربية ؟!
"المفسدون في الأرض" مع نخبة من الفنانين العرب شاهده الكثيرون واعتزوا به .. وأتمنى أن تتاح لنا الفرصة في مشاركات أخرى وأن ننتج من هذا الزخم الدرامي بعض الأعمال التي تساهم في تطور الدراما الليبية التلفزيونية.
لصحيفة "أويا" التحية ولكم بالمشهد الفني كل التقدير.





 
المخرج فرج أبو فاخره....
" الهيئة العامة للمسرح والخيالة مجرد حبر على ورق... أعمالي مطلوبة في المهرجانات الدولية "  
حاورته :أسماء بن سعيد 

 فرج أبو فاخرة مخرج مسرحي استطاع أن يكتب اسمه في الصفوف الأمامية للمخرجين المسرحيين الليبيين منذ بدايته عام ١٩٨٦ م الذي شهد إخراجه لمسرحية "تأخرت قليلاً ياصديقي" للمسرح الوطني ..
قدم العديد من الإعمال المسرحية لعدد من الفرق في بعض شعبيات الجماهيرية  في طبرق قدم العطش والبيضاء كاتب لم يكتب شيئاً والمرج ثنائي ،بنغازي "الملتصقان " توقف ومن طرابلس الواحه والجوع ـ تأخرت قليلاً ـ القاتلات ـ ليلة خميس.
وفي تونس كانت له تجربة أنتم يامن هنا والمغرب اسمع ياعبد السميع ـ عودة ليلي العامرية .
شعر بأن المسرح أرهقه ولم يحصد من ورائه إلا المشاكل قرر اعتزال العمل المسرحي كممارسة مؤقتة ولكنه موجود معه تلفزيونياً .
 في بداياته وأهم المحطات المسرحية في حياته واعتزاله للمسرح ومشاركاته الداخلية والخارجية وغيرها من المواضيع التي تخص  الهم المسرحي كان لنا معه هذا الحوار ..
أويا /في البداية من هو فرج أبو فاخرة ؟
صدقيني لو قلت لك إنني حتى الأن لا أعرف بالضبط من هو فرج أبو فاخرة لأنه سؤال إجابته غير سهلة على الأطلاق فهو أكثر إنسان أتخاصم معه وعلى فكرة أحب أن يقيمني الأخرون .
أويا / هل نفهم من هذا إنك تقبل النقد ؟
لو كان النقد موضوعياً وفعالاً فلما لا والشيء بالشيء يذكر فقد قرأت في الفترة الماضية نقداً "من يقتل من  واستفزني لعدة أشياء فأولاً الكاتب كان مخرجاً متواضعاً وليس له باع في هذا المجال إضافة لأنه غير ناقد فالنقد له أصول وقواعد فهاجم العمل بطريقة مستفزة رغم أنه أحد تلاميذي ولهذا أقول له "إرجع لصحيفة مسرحنا المتخصصة والتي تصدر في مصر واقرأ ما كتب النقاد عن العمل وكذلك الأهرام الدولية وغيرها من الصحف التي أنصفت العمل مع العلم إنها جميعاً ليس لها مصلحة إلا النقد الموضوعي .."
أويا / بعدعودتك من المجر عام 1966 م قمت باخراج مسرحية "تأخرت قليلاً ياصديقي "للمسرح الوطني بطرابلس وشاركت بها في مهرجان الفاتح الثقافي بدرنة في نفس العام رغم أن المشاركة جاءت على الهامش إلا أنها استطاعت أن تنال استحسان الجميع من حيث النص والاسماء المشاركة والديكور فما الذي تقوله عن هذه التجربة ؟
أنا أعتز جداً بهذه التجربة وانتهز الوقت لاسجل شكرى وتقديري لكل من الفنان "عياد الزليطني "والفنان المرحوم محمد الساحلي" والأستاذ الطاهر القبائلى الذي منحونى الفرصة في المسرح الوطني وكل الأسماء التي شاركت في العمل والنجاح الذي صاحب العرض وضع مسؤولية كبيرة على عاتقي وهي أن اخطو خطوات متزنه ورغم اعتزازي بهذه التجربة إلا أنني أمتاز بصفة وهي "النسيان " فأي عمل أقدمه أحاول نسيانه حتى لا أقف عنده وأقدم بعده شيئاً أفضل ومختلف.
أويا /هل أنت من الأشخاص الذين يتنكرون لاعمالهم وكأنهم وليد غير شرعي !؟
من يتنكرون لاعمالهم ويعتبرونهم "كالوليد غير الشرعي" هم من الأساس يحسون بأن ما يقومون به خطأ ولهذا يتنكرون له فالعمل بالأساس إيماء بالفكرة والدفاع عنها وعندما نصل لهذه القناعة لا نفكر في الفشل والنجاح لأنها قضية قدرية ولكن الابداع مبنى على احتمالات ومؤمن بأن لكل فكرة ثوب ولايوجد أي تشابه واذكر مرة أثناء أحدى التظاهرات المسرحية قدمت "تأخرت قليلاً ياصديقي "وايضاً قدمت "دائرة الشك " وهي من أولى التجارب في المسرح التجريبى والعملان في تظاهرة واحدة ولكن كل عمل مختلف عن الأخر ...له ظروفه وموضوعه المنفصل ..
أويا /أثناء الإعلان عن مشروع اتحاد المغرب العربى اوكلت إليك مهمة تأسيس مسرح مغاربي "وتوسم "المسرحيون الليبيون الخير فيها ...ما الذي تقوله عن هذه التجربة ؟
هي فكرة انطلقت من طرابلس عام 1989 مع الإعلان عن ذاك المشروع وكان الفنان المغربي عبد الحق الزروال موجود هنا واتصلنا حينها بالأستاذ المبروك القائدي الذي رحب بالفكرة وفعلاً بدأنا العمل ..
أويا /"أسمع ياعبد السميع "مسرحية شارك بها كل من عبد الحق الزروالي من المغرب ومنيا الورتاني من تونس كيف استطعت أن تجمعهما في عمل تحت إدارتك وأنت من ليبيا مع العلم أن كل منهما يعتبر من الأسماء المعروفة في بلده ؟
عبد الحق الزروالي ومنيا الورتاني كانا من الفنانين الذين سبق وشاهدوا اعمالاً من إخراجي وهنا أريد في البداية ذكر حادثة بسيطة وقعت معي قبل إخراج العمل وهي إن هناك مخرجا ًمغربيا ًمعروفاً سمع عن العمل فعلق قائلاً يجب أن يكون مخرجاً أو ليبياً أما الاثنان مع بعص فهذا شيء صعب ولهذه الجملة تحديداً أخذت مدة شهر ونصف في قراءة النص واستعنت بالناقد بشير قمرى وطلبت منه تقييم البروفات يعد أسبوعين من التجارب وقلت لهم إذا قيم النقد العمل بأنه دون المستوى فسأعقد مؤتمراً صحفياً وأعلن انسحابي واعتبرت هذا تحدياً وشخصياً وفعلاً استطعت أن أخرج أفضل مافي الممثلين ونجحت التجربة وعرض العمل في عدة دول منها ليبيا وتونس والمغرب.
أويا /رغم تعاونك مع جل الاسماء الليبية المعروفة من الجنسين إلا أنك ابتعدت عن اختيار أي اسم ليبي ليشاركك العمل فهل هذا ناتج عن عدم إيمانك بالمواهب المحلية ؟
أويا /أولاً التوب يفرض نفسه كما سبق القول والعمل كان يتطلب بطلين ولخلق التوازن تم تقسيم العمل ليتماشى مع الحدث وبالعكس أنا سعيد جداً بتعاوني مع الاسماء الليبية سواء المعروفة أو الشابة .
أويا /مسرحية "الواحة والجوع " للكاتب عبد الله القويري استطاع أبو فاخرة أن يحول هذه المسرحية الذهبية إلى عمل ركحي مليء بالفرجة لكن في مسرحياتك الأخيرة اتهمك الكثيرون يغياب الفرجة فلماذا ؟
في البداية أريد أن أثنى على الكاتب الراحل عبد الله القويري لأن هذا الرجل يملك جملة عالمية لاتقل عن جملة "يوجبن يونسكو" أو أي كاتب عالمي أخر وللأسف أن الكثيرين يقيمه بأنه غير مسرحي ولهذا أتمنى إعادة عمل نصوصه ومن ناحية أخرى فإن الواحة والجوع عملان متناقضان ومنفصلان حاولت أن امزج بينهما وتحويلهما إلى عمل مسرحى بما يعرف "بالدراما توك " وبيتهم على الحوار وأذكر أن الأستاذ محمد شعبان الذي اشتغل معى عدة أعمال  في البداية إقترح أن يكون الديكور تجريدياً ولكنى رفضت ذلك لأن النص جاهز وركبت عليه المناظر ولكن كل شخص له رؤيته الخاصة التي لا أستطيع تغييرها وفي نفس الوقت استغرب إتهام مسرحياتي بغياب الفرجة ..
أويا /في مسرحية "من يقتل من " التي أعددتها عن النص الاسباني "مركب بلا صياد" هناك من يقول أن أبا فاخرة ظلم المسرحية على حساب النص الاصلي؟
من الذي يقول هل من لم يرض العمل على الركح أصلاً ؟
أنا عندما شاركت بها في مصر كنت خائفاً ولكن نجوم مصر ونقادها أشادوا بالعمل خاصة وإنهم قدموا العمل ودرسوه دراسة وافية لهذا لا أدرى بأنني ظلمت النص الأصلي بأية صورة كانت وللأسف من يتهمنى بهذا أشخاص لم يشاهدوا العمل ولم يعملوا أية مقارنة ..
أويا /ولكن بعض الذين وجهوا لك الاتهام سبق وقرأوا النص الأصلي على الأقل ؟
الكتابة الأولى شئ والكتابة النصية شيء أخر وهذا جدل قائم منذ السبعينيات من القرن الماضي؟ إذا هل أنت راض عما قدمته في "من يقتل من "؟
أنا راضى تماماً مع اعترافى بأن "السيتوغرافيا" كانت ناقصة وهذا ليس حسب الترمومتر المحلي ولكن بالمقياس العالمي ..
أويا "توقف "للكاتب منصور أبو شناف سبق وأخرجها أحمد إبراهيم ومثلها كل من فاطمة غندور ومحمد الطاهر بعدها أعدت إخراجها ومثلتها سلوى المقصبى فما النقص الذي رأيته في الإخراج الأول وجعلك تعيدها ؟
 أولاً أريد توضيح شيء مهم جداً وهو إننى أول من اشتغل النص عام 1993 م وفعلاً بدأت "البروفات "عليه مع الفنانة كريمان جبر والفنان خالد الشيخي وفعلاً قاربنا على الانتهاء منه وحضر كل من الكاتب منصور أبو شناف والأستاذ رضوان أبوشويشة "البروفات" ولكنها فجأة توقفت لأسباب إدارية اجهلها ثم جاءنى أحمد إبراهيم وطرح فكرة اخراج العمل فلم أعترض مع التأكيد على ورود فكرة إعادة اخراجها في يوم ما.
 ولهذا أعدت تقديمها لان الفكرة موجودة من الأساس ولدي رؤيتى الخاصة هذا يعنى أن الموضوع ليس له علاقة بطريقة اخراج أحمد إبراهيم ورؤيته .
أويا ... أبو فاخرة من المخرجين المتواجدين باستمرار على الساحة المسرحية لدرجة في أوقات كثيرة نشاهد لك عملين في نفس الوقت تقريباً .. إلا أن مسرحية " توقف لم تتوقف رغم إنها عُرضت لأول مرة منذ خمس سنوات تقريباً فما المميز فيها !!!؟
 ما المشكلة فيمكن أن أعرضها حتى بعد خمسين عاماً لأنها مسرحية تحمل مضموناً ومن جهة أخرى عندما تصلنى دعوة من مهرجانات خارجية كتونس أو مصر او مهرجان حوض المتوسط يطلبون مشاركتنا بمسرحية توقف فإدارة المهرجان هي من تطلبها ولست أنا من يقوم بترشيحها تحديداً .
أويا .. وضعت التجريب عنوان لك في كثير من مسرحياتك ... وتحصلت على تراكم بصرى في هذا اللون من خلال مشاهداتك المستمرة للمهرجانات التجريبية الخارجية .. باختصار كيف ينظر أبو فاخرة للتجريب !؟ .
أولاً في الوقت الحاضر – لا توجد أية مدرسة مسرحية مستقلة بقانونها ولها لعبتها الكاملة إلا إذا كانت تحت الإطار "الكلاسيكي " لكن خلافها تتداخل جميع المدارس وتكون شيئاً لا نستطيع تسميته إلا ( تجريب ) حتى ما يصنف بالواقعية التي كانت لها ملامح في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مثلاً في مصر وفي ليبيا اختلف حالياً. فيمكن (الديكور) ينتمى للواقع ولكن  الأحداث أحياناً تنتمى في بعض اللحظات للمدرسة الملحمية وبعدها تدخل في ( اللامعقول ) وهو ما يسمى في اوروبا ( بالكاميرا مسرح ) فلهذا أنظر للتجريب بأنه السائد على الساحة المسرحية من خلال الخلط بين جميع المدارس باستثناء ( الكلاسيكي ) كما قلت سابقاً وعلى فكرة ( التجريب ) يختلف عن ( التخريب ) .
أويا .. قد تقترن صفة المغامرة بالفنان ... فإلى أي حد اقترنت بك هذه الصفة ؟؟
دائماً ما يحمينى حُلمى المشروع المقترن بالمغامرة الموجودة بداخلى .
أويا .. هل نعتبر موافقتك على إخراج مسرحية (ليلة خميس ) قبل العرض بأربعة أيام لتشارك ضمن تظاهرة ليالي طرابلس المسرحية تأكيداً على كلامك ؟!.
أولاً بصدق اذهلتنى نصيب الكعبازي ومحمد عثمان من حيث مثابرتهما وأيضاً في اعتقادى إن الزمن بالانجاز وليس بالوقت ولهذا أعتبرها تجربة تمنيت لو نضجت أكثر وفعلاً يمكن لاقتناعى بالفكرة والممثلين وإحساسي بالمتعة جعلنى انساق وراء حلمى المشروع في المغامرة .
أويا .. هناك اتهام آخر يوجه لأبى فاخرة وهو إنك قد تخرج عمل دون المستوى رغم مشوارك الطويل حتى لا تكون غائباً عن الساحة فقط ؟
هدفى هو السعى وراء الفكرة والنص وإخراجه لحيز الوجود فلهذا أعتبر إن اعمالي هي مشروعي الشخصى ونحن حتى الآن في حالة تكوين ولهذا أعمل للارتقاء بالمستوى حتى يكون هناك مشروع حقيقي وليس لمجرد التواجد فقط.
والدليل إن أعمالى مطلوبة للمشاركة في المهرجانات الخارجية وحتى لا أزعج الآخرين وأزعج نفسى قررت اعتزال المسرح ولو مؤقتاً.
أويا .. مسرحية " توقف" شاركت بها في مهرجان حوض المتوسط وتحصلت على جائزة (العرض المتميز) .. فما الذي مثلته لك هذه الجائزة ؟
شيء وحيد وهو إن المبدع الليبي كاتباً ومخرجاً وممثلاً لا يقل عن أي مبدع عربي وعالمي وهذه الجائزة أعتبرها مقدمة لكل مبدع ليبي .
أويا .. رغم تجاربك الطويلة والكم الهائل من الاعمال إلا أنه حتى الآن لم نسمع عن تحصلك على جائزة داخل الجماهيرية ..؟
فعلاً فأنا داخلياً لست محظوظاً وأعمالي تتحصل على جميع الجوائز إلا جائزة الاخراج رغم تكريمي في الخارج أكثر من مرة وللأسف لم يكتفوا بحجب الجوائز أو التكريم بل أعتقد إن الاسباب مجهولة بالنسبة لى عن سبب الوقوف أمام مشاريعي .
أويا ... امرأة من شمع ... عمل تلفزيوني اخرجته قبل عقدين تقريباً وحاولت فيه التعويل على الصورة والرمز وتكثيف الحوار .. لكن في أعمالك التلفزيونية والقليلة جداً لم نلتمس تلك الرؤية فيها ؟
إمراة من شمع .. في البداية عمل ليبي مغاربي مشترك من إنتاج مؤسسة الحضارة وشارك فيه من ليبيا عياد الزليطنى ومن المغرب عبد الحق الزروالى ... ولكن بعد ذلك الفكرة قد تختلف لأن الايقاع بدأ يختلف ومن لا يعرف المسرح جيداً لا يستطيع أن يخلق كادراً تلفزيونياً أو سينمائياً فحتى "هوليود " مبنية على المسرح الروسي ومسرح الشعور الداخلى .
أويا ... في إحد اللقاءات التي أجرتها صحيفة ( أويا) مع الاديب سيد قذاف الدم أعلن عن قرب نطلاق شركة اعلامية جديدة باسم ( الميعاد) وأشار بأنك ستكون المسؤول عن الناحية الإخراجية فيها ... فما الذي تحب أن تضيفه على هذا الموضوع ؟
أولاً ليس غريباً على الأديب الأنسان سيد قذاف الدم وفائه وجديته اتجاه إقامة مشروع ثقافي حقيقي والدليل أنه كان أحد مؤسسى ومشرفي فرقة المغرب العربي التي تأسست سنة 1989م تقريباً أما فيما يتعلق بشركة الميعاد فقد تكلمنا بشكل عام والخطوط العريضة لانطلاق هذه الشركة وكما أشاد هو في لقاء له كما ذكرتى نشر في صحيفة  أويا وخاصة فيما يتعلق بالمسرح تكلمنا عن النهوض بالحركة المسرحية في ليبيا بالتعاون مع المؤسسات الثقافية المعنية وحتى الان لازلنا نتدارس الطريقة المثلى التي تخولنا للنهوض والمساهمة في أحياء الحركة المسرحية وخاصة فيما يتعلق بالاهتمام بالفنانين الليبيين والجملة المحلية المتميزة وخلق جسور تواصل عربية وعالمية .
وماذا عن آخر نشاطاتك ؟
استكملت كتابة مسلسل " الوجه الآخر" وحالياً سيتم تغيير اسمه إلى " نصيب" وهو مسلسل اجتماعي في " 15" حلقة من إنتاج إذاعة الجماهيرية العظمى وهناك عدة اسماء مرشحة لتآأدية الأدوار منها نصيب الكعبازي .. محمد عثمان .. مهيبة نجيب .. لطفي بن موسى.. الى جانب عدة أسماء لم تتأكد سيتم الإعلان عنها في حينها ومن المتوقع أن يعرض هذا العمل في رمضان القادم .
أويا ...حالياً تكلمت عن تجهيزك لعمل للمرئية وقبلها وأثناء سياق الحديث تكلمت عن الاعتزال فهل تقصد المسرح ؟
هو ليس اعتزال بالمعنى المطلق ولكننى اعتبرها فترة بعد مؤقت عن المسرح وللتفرغ للمرئية وحتى ( أشترى راحة نفسى وبالى ويرتاح من أراد هذا). 
أويا ... هل تعتبر الهروب نصف الشجاعة كما يقال ؟
أحياناً .
أويا ... الهيئة العامة للمسرح والخيالة ..إدارة جديدة فما الذي تتوقع منها ؟
أنا حتى الآن لم أرها وهي في نظري مجرد حبر على ورق فما الذي تريدني أن اتوقعه من شيء لا أعتبره موجوداً أساساً .
أويا ... من هو المخرج المسرحى الذي تقول عنه مبدعاً ؟
الذي يشار إليه ولكنى حتى الآن لم أر مخرجاً يشار إليه.
أويا ... لو افترضنا جدلاً إنك قرأت نصاً واقتنعت به تماماً فمن هي الممثلة التي يتبادر اسمها لذهنك ؟
التي يفرضها النص فكل نص له شخصية تحتاج لاسم معين .
أويا .. ماالذي تقوله عن هذه الأسماء 
سلوى المقصبي ... ممثلة جيدة 
بسمة الأطرش ...ممثلة جيدة رغم الحدة البسيطة في صوتها .
حنان الشويهدي ...بعدتفكير عميق .. لا أعرف كيف أصنفها 
محمد عثمان ... ممثل رائع لو وجد الفرصة الحقيقية فأمكانياته لا تقل عن أي فنان عربي .
نصيب الكعبازي ... خطواتها ثابتة سواء في المسرح أو المرئية ولو استمرت فأتوقع لها مستقبلاً فنياً باهراً.
أويا ... عمل شاهدته وتمنيت لو تكون مخرجه ؟
أعمال كثيرة وخاصة اعمال شاهدتها أثناء تواجدي في مهرجانات خارجية .
أويا ... موقف طريف حدث معك ؟
أثناء تجهيز ( مركب بلا صياد ) تحصلت على الترجمة التونسية وكنت أريد ترجمة أخرى للمقارنة فذهبت أنا والمرحوم سليمان الترهوني لمكتبة جامعة قار يونس وباعتباره شخص معروف وضعت المكتبة تحت تصرفنا فقمنا بأخذ الرواية بدون استئذان واعتذر على هذا الموقف . 
أويا ... كلمة أخيرة توجهها لقراء أويا ؟
أتوجه بالشكر لكل من أمن بموهبة فرج أبو فاخرة وقام بدعمه ومساندته سواء في الداخل أو الخارج ومنهم الأديب سيد قذاف الدم والدكتور المبروك القائدي ورجل الأعمال الليبي يوسف يونس وللمجهودات التي تبذلها إذاعة الجماهيرية التي لا تكتفي بالإنتاج بل تقوم بالمعملية في الدراما وهي إعداد المخرج والممثل والكاتب .



  الفنان/  علي محمد الصبيع ...
" قبل إن نطالب الآخرين إن يدعموا المسرح فلنسأل أنفسنا ماذا أعطينا نحن للمسرح " 

 حاوره / ميلاد الحصادي

البداية الفنية كانت في الصغر ومن خلال الشارع الذي كنا نسكن فيه حيث في أيامنا تلك لأنجد الامكانبات لشراء الراديو ولم تكن الإذاعة المرئية قد ظهرت في بلادنا ..فكنا نمضي وقتنا بلعب في الشارع أو في المقبرة التي كانت بجوار بيوتنا فعلاوة عن لعب كرة القدم كانت لدينا ألعاب أخري مثل((الطقوا// والغمضية //والكرة// والنحلة //))وهي ألعاب موسمية أي لكل لعبة موسم تلعب فيه وفي الليالي كنا نقدم بعض المشاهد ألتمثيله التي نؤلفها بأنفسنا وخصوصا إننا كنا نشاهد الشباب الأكبر منا سنا يقدمون في سهرات الخميس مثل هذه المشاهد وكنا نقلدهم ثم ابتكرنا بعد تقدمنا قليلا في السن ((خيال الظل )) واذكر من رفاق تلك المرحلة (احمد بطاو الفنان التشكيلي المعروف والذي صمم الكثير من المناظر المسرحية ولعل أهمها مسرحية أحزان أفريقيا والخروج من الجب وكذلك الفنان المعروف عبد السلام اشليمبوا وعازف المزمار الشهير رمضان الدر بالي ....في الستينات قدمنا بعض الأعمال بالمدرسة ..ثم اجتمعنا مجموعه من الأصدقاء والفنانين وأسسنا فرقة  بنادي دارس الرياضي وكان منهم(( المرحوم محمد مصلي ،و احمد الحصادي، و مفتاح الأشقر،وفتحي بوظهير،وإبراهيم الحصادي،وحسين الهنيد ،مفتاح شنيب،سليمان المنفي ،احمد الحاسى رمضان سلطان ،فتحي الفريخ، مفتاح المسوري،احمد الحداد،والمرحوم عبد العزيز غنيم، والمرحوم محمد بوجلدين وقد قدمنا مجموعة من المسرحيات ألاجتماعيه اذكر منها ((غلطة أب))و((اللعبة))ومسرحية غفير الموتى  
قررنا بعد فترة من العمل بنادي دارنس إعادة إشهار فرقة (هواة التمثيل بدرنة) وقد انضم إلينا مجموعة أخري من الفنانين اذكر منهم ((منصور سرقيوه،عبدالسلام الصلابي،رمضان الكوم ،المبروك الشامي؛فتحي بطاو،وفتحي بن طاهر )) حيث اعدنا تقديم بعض المسرحيات التي قدمت في فرقة النادي ومسرحيات جديده منها (العابد) 
في تلك الفترة ايضا تم تعييني مدرسا بمدرسة الحريه فقدمت مع الطلبه مجموعة من المشاهد التمثيله ثم انتقلت إلي مدرسة عزوز رقم (1) وكونت صحبة الزميل الفنان عبدالسلام اشليمبوا فريقا فنيا بمدرسة وقدمنا العديد من الفقرات التمثيلة والموسيقية ثم انتقلت إلي مدرسة ((عبدالمنعم رياض حيث قمت بتجهيز مسرح المدرسة وقدمت من خلاله عدة عروض تشمل التمثيل والرقص والغناء وقد شاركني في السنة الاخيره بهذه المدرسة الفنان (سليمان المنفي)...انتقلت بعدها إلي مدرسة الجلاء وكونت فريقا مسرحيا من تلاميذ المدرسة وشاركني في تكوينه الفنان المرحوم (رمضان بوعجيله ) وقد قدمنا من خلال هذا الفريق عملين مسرحين الأول  مسرحية اجتماعية بعنوان ((زارع الشوك))من إخراج فرج الحوتي وتحت إشرافي وإشراف المرحوم رمضان بوعجيله والثاني مسرحية إيمائية من فصل واحد بعنوان (الغضب)وهي مسرحية تعتمد الحركة والموسيقي وهي من تأليفي وإخراجي ،وقد انضم اغلب أعضاء هذا الفريق إلي فرقة هواة التمثيل بدرنه واذكر منهم (فرج الحوتي ،بوبكر تركية ،سالم تركية، صلاح نوح،رمضان ابريدان، ادهم المسلماني،نافع الصبيع
نعود إلي فرقة هواة التمثيل بدرنه وبعد إعادة إشهارها وتقديم بعض المسرحيات قررت الفرقه المشاركة في المهرجان الوطني الأول للمسرح بمسرحية ((عندما ينطق التمثال))من تأليف الفنان مفتاح الأشقر وإخراج الفنان احمد الحصادي وتحصلنا علي الترتيب الخامس في المهرجان 
 في العام الذي  تم استقدام والاستعانة بالخبيرين المسرحين الدكتور حسن عبدالحميد في الإخراج المسرحي والتمثيل والأستاذ عاصم البدوي في الإدارة والتقنية المسرحية  وقد شاركت في الدورة التي أقامها وخصوصا في الإدارة المسرحية وقد شاركت كممثل وكمدير ادارة مسرحية ومسجل حركة في المسرحيات التي اخرجها (د.حسن عبدالحميد ))وهي مسرحية غرباء لا يشربون القهوة من تأليف محمود دياب ومسرحية ((محاكمة رأس السنة))من تأليف بهيج إسماعيل ...كما شاركت مع د. حسن عبدالحميد في التجارب علي مسرحية الحسين ثائرا والتي كان ينوي تقديمها من خلال المسرح الوطني إلا إن العمل لم يري النور بعد تجارب استمرت خمسة شهور نظر لعدم موافقة الأزهر الشريف علي تقديم العمل في مصر والذي كان المسرح القومي ينوي تقديمه من إخراج الفنان الراحل كرم مطاوع  
كما شاركت مع فرقة هواة التمثيل في كثير من الأعمال المسرحية كممثل ومدير للادارة المسرحية اذكر منها ((الحربة والسهم من إخراج احمد الحصادي)) ((وأجمل جنيه في العالم من تأليف عبد العزيز الزني وإخراج حسين عبدا لهادى)) ((واللي اديرها العمى يلقاها في عكازه من إخراج حسين عبد الهادي ))(( وعودة الواحل من تأليف رافع القاضي وإخراج حسين عبدالهادي))
عام 1984 م انتقلت لفرقة المسرح الوطني درنة حيث شاركت كمدير للادارة المسرحية في مسرحيات ((ام السعد في الدور الرابع تأليف المرحوم عطية بورواق واخراج جمال الفريخ))ومسرحية (العمر نهبه والضحك حكمة من تأليف واخراج المرحوم خليفه بن زابيه وقام بتفيذها المخرج منصور سرقيوه)) ومسرحية ((احزان افريقيا تأليف الشاعر محمد الفيتوري واخراج منصور سرقيوه ومسرحية الحارس تاليف هارولد بنتر واخراج منصور سرقيوه واخر عمل شاركت فيه مسرحية ((تفاحة العم قريره تأليف البوصيري عبدالله واخراج منصور سرقيوه ونظر لظروفي الصحية توقفت عن المشاركة في الاعمال المسرحية وان كنت استشار من حين للاخر.
اقمت اكثر من دورة في الادارة المسرحية في فرقة هواة التمثيل والمسرح الوطني درنة وقد شارك فيها الكثير من الفنانين اذكر منهم (جمال الفريخ/رمضان ساطان // مفتاح شنيب//صلاح العوامي //فرج ميزون // وعبد القادر امهدي//إسامة بوروا ق
قد لااستطيع طرح تقييم واضح للحركة المسرحية في درنة وذلك بسبب حالتي الصحية ولكن اعتقد إن المسرح في درنة يمر بفترة حرجه واقول للمسرحين في مدينتي المسرح هو الأساس وهو اهم كنوز الحركة الثقافية وهو علامة مميزة في تاريخ درنة ولا تجعلوا المرئية تأخذكم من المسرح 
علينا إلا ننكر بأن لدينا مخرجين متميزين ...ولكن لا فائدة للمخرج بدون توفر مادة جيده واقصد بها النص الجيد والممثل الكفء والإمكانيات ولااستطيع إن اذكر أسماء حتى لااقع في الإحراج 
بصراحة أحس إن المسرح في ليبيا يعاني واعتقد أن من أسباب هذه المعاناة غياب الرؤية الفنية والموهبة والاتجاه نحو البحث عن المادة مما أدي إلي تقديم أعمال مسرحية دون المستوي..واعتقد إن المسرح الليبي ينقصه الكثير والكثير وتعجز الأقلام والأوراق عن التعبير عما يحتاجه المسرح الليبي ولكن قبل إن نطالب الآخرين إن يدعموا المسرح فلنسأل أنفسنا ماذا أعطينا نحن للمسرح 
في السبعينيات كان هناك اهتمام في درنة بالمسرح المدرسي الذي قدم الكثير من المواهب للفرق المسرحية وعندما توقف النشاط المسرحي عن مدارسنا غابت المواهب عن الفرق وأصبح العثور عليها أمر صعب ..لذلك وطيلة عملي كمعلم حرصت علي ايجاد نوع من النشاط المسرحي في كل مدرسة عملت بها فالنشاط المدرسي هو المحرك الأساسي لكل الأنشطة سواء كانت ثقافية او رياضية ويساهم في توجيه الشباب الوجه الصحيحة 
أهم الصفات التي يجب توافرها في عضو الإدارة المسرحية إن يكون قد مر بتجارب كثيرة من تمثيل وان يكون ملم بكل ما يخص العمل المسرحي حتى يستطيع قيادة العمل إلي بر الأمان 
  
 




















أحمد بللو .....
               مبدع مسكون بالمسرح 
                                           حاوره / نوري عبدالدايم 
 

ربما كانت  تلك الخطوات البكر نحو الفريق المسرحي المدرسي بالمرحلة الإبتدائية  في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي هي التي قادت " أحمد فتح الله بللو " نحو دروب الإبداع ومسالكه . في مرحلته الإعدادية سلك مسارباً نحو الرسم والصحافة ومحاولات شعرية ، بعدها  كانت العودة من جديد للفريق المسرحي في المرحلة الثانوية مع مسرحية " شمشون ودليلة " سنة 1971 م للكاتب " معين بسيسو " .  تلك التجربة جعلته يلامس  العملية الفنية عن كثب  تعرّف من خلالها على العديد من الأسماء التي أثرت المشهد المسرحي بمدينة " درنة "  منصور سرقيوة ، مفتاح شنيب ، الكاتب الراحل عبد العظيم  شلوف ، فهيم بو زيد " . كانت المسرحية من إخراج الاستاذ " مفتاح خليفة " . 
بللو:- .... تم عرض هذه المسرحية_ التي تحصلنا بها على الترتيب الثاني _ في المهرجان المدرسي في دورته الثانية أو الثالثة.. لا أذكر ، أتبعناها بمسرحية "أيوب " في السنة الثانية بنفس الفريق ومخرج أو مشرف العمل . من خلال هذه المهرجانات  تعرفت على  " رضاء بن موسى " . في السنة الثالثة من المرحلة الثانوية شرعنا في العمل على مسرحية " محاكمة راس السنة " التي لم يحالفنا الحظ للمشاركة بها لاسباب ترجع الى تقديم موعد المهرجان ، في هذه الأثناء تعرفت أيضاً على أعضاء فرقتي " المسرح الوطني / درنة " و" مسرح هواة / درنة " التي حاولت المساهمة معها في مسرحية " الحربة والسهم " ولكن ظرف إنتقالي للدراسة الجامعية حالت دون ذلك .... مع " المسرح الجامعي " أنجزنا عمل " تداخل الحكايات " للكاتب " منصور أبوشناف " الذي لم تتح له  فرصة العرض .
  اعتبر كل هذه الأنشطة_ " مسرح ،شعر ، صحافة " _ عبارة عن إرهاصات أولى لتلمس إمكانياتي في التعامل مع الواقع الإبداعي الليبي ، معتبراً أن الإهتمام الحقيقي كان مع  العام 1988 م  أثناء  خروجي من السجن في  " أصبح الصبح " .
أويا  :- ماذا شكّلت لك تجربة السجن ؟.
بللو :- فترة تواجدي بالسجن كنت صحبة الكاتب " منصور بوشناف " الذي يولي إهتماماً حقيقياً بموضوعة المسرح والناقد " رضا بن موسى " الذي كان له حضوره في الحركة المسرحية ، في هذه الفترة أجتهدنا لتكوين تراكماً ومخزوناً مسرحياً ثقافياً من خلال القرأة والنقاش والتبادل المعرفي ومشروع محاضرات بدأها  " منصور بوشناف " ، كان الهم المسرحي حاضراً ، كما عمقت فكرة العلاقة بالمسرح باعتباره حالة وجدانية مع كيفية التعامل مع الحيز المحصور " المحدود " . 
أويا:- كتب في السجن العديد من الأعمال ، ماذا أنجزت في هذه الفترة ؟
بللو:- أنجزت نص مسرحي بعنون " ولد وبنت "   بالعامية الليبية وهو الأن بحوزة أحد الأصدقاء لم اتحصل على نسخة منه ... بودي التعرف على هذا النص من جديد لأقارن خبرة الثلاثين عاماً في هذا المجال .
أويا :- بعد خروجك من السجن استطعت أنت والعديد من المبدعين في التواصل مع الحالة الإبداعية بسرعة ويسر مساهمين في إثراء    حركةالإبداع الليبي . ماهي أول إسهاماتك ؟
بللو :-  اول كتابة لي عن المسرح كانت قراءة نقدية لمسرحية " عبدالسميع والزمن البديع " من اخراج " فرج بوفاخرة "  نشرت في مجلة " الخيالة والمسرح " ثم أتبعتها بقرأة عن مسرحية  " تفاحة العم قريرة " تأليف " البوصيري عبدالله " و من اخراج " منصور سرقيوة " تواصلت هذه المساهمات أثناء  إلتزامي بزاوية  مع صحيفة " الجماهيرية "  بعد عامين من الكتابة أدركت بان الفنون  بشكل عام أقصيت من الفضاء الثقافي ولا ينظر لها بأهمية  القصة والشعر والرواية ، ولإيماني بأن الفنون رافدا مهما لثقافة  اي مجتمع خصصت كتاباتي عن المسرح في الملف الثقافي وليس في الملف الفني كما جرت العادة .
أويا:- ..........
بللو:- باعتقادي أن أزمة الثقافة العربية في علاقتها مع المتلقي  لأنها لم تتكيء على الفنون ، هذا يحيلنا لعلاقة المثقف بالفنان التي ظلت علاقة مصادرة وإقصاء  ، لا زال المثقف ينظر الى الفنان نظرة دونية ، الثقافة العالمية أوجدت  تواشجاً وقواسماً مشتركة  بين كل الفنون فنجد علاقات إنسانية وإبداعية نسجت بين  "  تشكيليين و ممثلين  و موسيقيين  و شعراء وروائيين وسينمائيين " ، كما نجد العديد  من التيارات الفكرية والثقافية والفنية  ساهم في خروجها الى العالم مثقفون وفنانون فلا نستغرب وجود علاقة بين " بيكاسو و بريتون ، و مارلو ، ولويس اراغون ، وسارتر ، والبير كامو " وأيضاً سينمائيون ومغنون  والشواهد كثيرة . 
المؤتمر :- من خلال متابعتك للحركة المسرحية الليبية هل تعتقد بوجود ملامح لمسرح ليبي ؟  
بللو :- هذا العام 2008 م يشهد مئوية المسرح الليبي الذي بدأ كما اتفق الباحثون في نهاية العهد العثماني الثاني عام 1908 م ، فمن خلال تتبعنا للأعوام المئة نجد أن المسرح لم يستقر ومرت عليه فترات من الركود والإنتعاشً وغالباً ماكان الركود يسود الحركة المسرحية  ، كان الرواد الأوائل تحركهم " النوايا الطيبة " _ ونكبر فيهم هذه النوايا  
_  أعتباراً من محاولات " محمد عبدالهادي " في طبرق الى أن استقر في " درنة " فيما بعد أحب أن أنوه هنا بأن  المسرح في درنة أحتضن  من خلال جمعية " عمر المختار " بدعم المثقفين والسياسيين في درنة مثل " ابراهيم الاسطى عمر وخليفة الغزواني وعبدالباسط الدلال " وهذا الأخير  شكل فرقة " انصار المسرح " فترة الخمسينات.... كانت محاولات الرواد في شرق البلاد وغربها ظلت رهينة المجهودات الفردية   حاولت فيها  تبيئة وتوطين هذا الفن ، كان كل زادها تقليد أعمال انتجت في الشام أو القاهرة  ، فالمجتمع لم يكن مستقراً سياسياً وأقتصادياً كان كل همه تأمين قوت يومه وبالتالي لم يكن مهيئاً  لإستقبال هذا النوع من الفن الوافد .
أويا :- .........
بللو :- في فترة الستينيات من القرن الماضي ظهرت حركة أكثر نضجاً وأكثر تواصلاً مع الجمهور و حاجات المجتمع  وأ كثر استمرارية أيضاً اوجدت هذه الخاصية مع تجربة " الأمير / شرف الدين " . فترة السبعينيات أنتجت أسلوباً جديداً تزامن مع وجود أساتذة في الفن المسرحي أمثال " عبدالعزيز العقربي ، زين العشماوي ، عمر الحريري ، حسن عبد الحميد ،السيد راضي "  أسهمت هذه المجموعة في  تزويد المسرح الليبي بالمعرفة التقنية والحرفية "  بالمقابل  سيطر الخطاب  السياسي المباشر في المسرح  متمثلاً في  قضايا الوطن العربي وعلى راسها قضية فلسطين و الهم العروبي الذي كان يسود المنطقة في ذلك الوقت . كانت تجربة " محمد العلاقي " بعد عودته من " فرنسا " وتطلعه لتوظيف الأشكال التعبيرية الليبية  محملاً برغبة في إدخال الشعر الشعبي من " مجرودة وشتاوة وكشك " كانت هذه الإلتفاتات الأولى من " العلاقي " فقد كان همه السعي لإيجاد مسرح ليبي كموضوعة وتقنية   .
أويا : - في بداية الثمانينيات تم إرسال مجموعة كبيرة للدراسة بالخارج أبرزهم مجموعة المجر " الحوتي ، كحلول ، سرقيوة ، بوفاخرة ، الزني ، بدر ، الراحل بوشعالة ...."  .  ما القاسم المشترك الذي يجمع بين تجارب هؤلاء المخرجين ؟
بللو :- كان القاسم هو التعامل مع القضايا السياسية  العامة " الحرية والإستعمار " أغلبهم لم يعتمد النص المحلي أساساً لإنتاجهم  تنقلوا بين نصوص من المسرح العالمي والعربي كما  يجمعهم الجانب الفرجوي بمستويات  كل حسب إمكانياته ولكنهم ظلوا بعيدين عن فكرة المسرح الليبي بإستثناء محاولات بسيطة . يحسب لهذه المجموعة تماسها مع مستجدات المسرح العالمي التقني تحديداً وحضور " السينوقرافيا " .
المؤتمر :- نحكي على تجربة البوصيري عبدالله .
بللو :- تجربة البوصيري تحتاج الى دراسة متأنية فقد زودت   المسرح الليبي ومكتبته  بالعديد من النصوص  ، كانت بداياته متجانسة مع المسرح السائد في الستينيات و السبعينيات وهو التعاطي مع  الهم السياسي شأنه شان العديد من الكتّاب أمثال " سعدالله ونوس ، الفريد فرج ، محمود دياب ....."  المسرح العربي بشكل عام ظل يتعامل مع المواضيع الكبرى وهذا يحيلنا  الى المأزق الذي  لاحق الابداع العربي    في تعامله مع الهم السياسي المباشر وهو استعارة المتقف لغة السياسي دون تقديم قراءة عميقة للواقع  اداة المتقف في سبر الواقع تختلف عن اداة السياسي  _ أقصد السياسي المباشر " الخطابية "_ انعكست على كل صنوف الإبداع   "  قصة  ، رواية  ، شعر ، ، أغنية ،  فنون  بصرية  "  ،  ". مهمة المبدع  البحث في  ما يمكن أخذه  من الواقع والبناء عليه ، وغرس  الفكرة وتصعيدها من الواقع .ِ
أويا :-...................  
 بللو :- ...... بالعودة الى الحديث عن مسرح " البوصيري عبدالله " ومجهوداته في إثراء الحركة المسرحية وتجربته التي لا يمكن تجاوزها ، فقد  تعاملت مع مسرحية  " تفاحة العم قريرة " التي أعتبرها من أبرز أعماله كان الإتكاء على موضوعة " الوحم " وتصعيدها والبناء عليها وتوسيعها الى هم عام . تجربته الغنية لايسع المكان للحديث عنها . كما لا يسع المكان للحديث عن تجربة المخرج " الأمين ناصف " المبكرة والناضجة ، وتجربة المخرج  " محمد القمودي " وخصوصيتها ، وغزارة إنتاج تجربة " عبدالله الزروق " التي انطلق من خلالها العديد من المبدعين على اختلاف تخصصاتهم ، وأيضاً لا يسع المكان للحديث عن كتّاب أمثال " فرج قناو ، علي الجهاني ،على الفلاح ، عبدالعزيز الزني .    
أويا :- نعود الى الخطاب في المسرح الليبي  " الحوار – اللغة " تحديداً .
بللو:- المسرح العربي وقع في البلاغة الصوتية مستنداً على بلاغة اللغة متناسياً الفعل الذي ترتكز عليه  الدراما أو الجملة الحوارية التي تفضي الى  فعل درامي . " عبدالرحمن الشرقاوي " في نصه " الحسين ثائراً " كان بطولته البلاغة اللغوية . أنعكس هذا على الأداء المسرحي   فالمسرح العربي اعتمد على جماليات الإلقاء وهو وليد  الإلقاء  الشعري وكلاهما اعتمدا على البلاغة الصوتية . المسرح العربي والليبي تحديداً  لم يلتفت الى الصمت والصمت إيقاع وبلاغة  . هذا الأمر أنعكس أيضاً على أداء الممثل وكيفية استلامه لمفاتيح الحوار _ " نهاية الجمل الحوارية "_ من زميله ليتكيء على جملته في إنفعالاته . الحقيقة أن الإنفعال يولّد الحوار وليست الجملة الحوارية التي تولّد الإنفعال  .  قراءة الشخصية تأتي  من الداخل وليس العكس . لأن الإبداع يتعامل مع الحواس بعفوية وإنسيابية تامة  . 
أويا :-  ...................
بللو :-  أعتقد بأن المسرح اخذ شكل القداسة بعودته  الى المعبدية " مكتفياً بأن يكون مسرحاً تراتيلياً جامداً. وهنا استعير تفسير " منصور بوشناف " في إرجاع السبب الى مشكل الترجمة " تبتدي من ترجمة " play  " التي تعني اللعب  ب " مسرحية " ومن هنا جاء ابتعاد مسرحنا  على اللعب. في تقديري  ان الإبداع بصفة عامة لعبة . العديد من المسرحيين _ كتّاب أو مخرجين _  من يسبغ الفكرة اسباغاً  ثم يحاول   اعتماد شرحها بينماً  الفكرة تأتي من حدث  ينبع من الحياة . هذا الأمر جعل العديد من المخرجين يتعاملون مع الحركة مجرد توزيع ممثللين   على الخشبة دونما مبرر فقط لمل الفراغ. ومن هنا يبتعد الفن عن اللعب. 
أويا:- رافق مسرح " عبدالله القويري " مصطلح " المسرح الذهني " . هل ثمة مصطلح عربي أو عالمي يعرف بالذهنية في المسرح . ولماذا رافق هذا المصطلح أعمال " القويري " ؟
بللو:- للإجابة على هذا السؤال علينا تحديد معنى الذهنية والبحث في أعمال " القويري " ..  ربما تركيز " القويري "  على الفكرة ومحاولة شرحها . وربما صعوبة تنفيذ أعماله . مع إكبارنا لتجربة " القويري " ورصيدها الكبير .. يبدو أن مسرحه ينقصه شياءًً من اللعب ..  انا لا اعتمد هذا المصطلح ولا أرى ان المسرح ذهني فالفن يرتكز على الحواس .  
أويا:- كي لا يساء فهمك .... هل تقصد بأن العمل الإبداعي لا يتضمن "فكرة " ؟
بللو :-  لا يوجد إبداع  بدون فكرة ، ولكن تكمن العملية من استقاء الفكرة من  الحدث والموقف الحياتي  ، الفن لا ينطلق من فكرة ولكنه ينطلق من موقف حياتي ومن ثم  توجد الفكرة . استشهد هنا " بماركيز " عندما يقول :- " أحيانا أعمالي تأتي من صورة " . أنا ضد أنٍِ تأتي بفكرة وتعكسها على الواقع هناء يأتي التعسف والإقحام في العملية الإبداعية  . الفن يقرأ الحياة ولا يلبسها قوالب جاهزة .  
أويا:- من موقع علاقتك الشخصية ب" منصور بوشناف " وباعتبارك أحد المهتمين بمسرحه . ماذا قدم " بوشناف " للحركة المسرحية الليبية .   
بللو :-لا تختلف  بدايات " منصور " عن غيره من الكتّاب في اعتماده  اللغة الفصحى والموضوع العروبي داخل السياق العربي وفكرة البرختية واسقاط الحائط الرابع . رغم اعتماده على النص الفصيح ارتكز النص  على حدوثة  شعبية . كما في  " مسرحية صراع " وحكاية " جميلة " التي يختطفها الوحش من حبيبها وهي حكاية شعبية وفي مسرحيته "  تداخل الحكايات " ترتكز أيضاً على  المثل الشعبي " يديروها الصغار ويحصلو فيها الكبار "  . مسرح " بوشناف " يسعى  نحو تاصيل الدلالة الليبية والبحث فيها . كذلك تجربته مع " محمد العلاقي "  في " حكايات ليبية " التي أعدها عن " الصادق النيهوم " كان يسنده في هذا انفتاحه على المسرح العالمي . كما في  " السعداء "  وتماسها مع مسرح العبث .  اعتبر مسرحية " الحجالات "  تقطير للحالة المسرحية ومن  أهم الاعمال التي اتضحت فيها ليبية المسرح . وبذلك اعتبره شاعراً مسرحياً والمسرح برايي شعر سواء كتب هذا النص شعراً او نثراً . 
أويا / كانت لك تجربة مسرحية أراها مهمة على صعيد الإعداد والإخراج في المسرح الليبي وهي أشتغالك على خمس نصوص قصيرة ل " منصور بوشناف " . كيف كانت تجربتك في تفكيك هذه النصوص وإيجاد خط يربطها لتخرج بعمل يستحق الوقوف عنده ؟.  
بللو / جاءت هذه  التجربة أثناء انشغالي في كتابة قراءة  لمسرحية السعداء _التي قمت انت بإخرجها للمسرح الوطني _ بعد عرضها ، والعودة لأنسنة  الأشياء " الحديقة / نزول القمر الى الأرض وحواره مع الشجرة " هذا الخيال المفتوح على مساحات عديدة ، تحويل الاشياء الى لعبة نراه أخلص الكتاب للمعنى الحديث للمسرح بإرتكازه على الفعل والتكثيف  . من هنا  وجدت نفسي منتقلاً  الى التعامل معه كمخرج منتهجاً مبداء " الشطح " واللعب في  تفكيك هذه النصوص الملغزة كانت فترة التدريبات 15 يوماً كنت مسكوناً بالحالة المسرحية وارجعني العمل الى طفولتي وبيئتي الفلاحية الأولى من خلال تعاملي مع الأضواء و الظلال والطين والخضرة  معتمداً على لونين في العمل هما  الأبيض والبني كما ساهمت إيقاعات الأغاني الشعببية والرقص  على الحفر في هذه النصوص . كما أسهم البراح الذي تركه لي الكاتب  بأن أطلق لمخيلتي العنان . وأيضاً التعامل مع ممثلين أمثال " مفتاح شنيب " ، وبعض الشباب الجادين هو الذي اوصل هذا العمل .
أويا:- التجربة الإخراجية الثانية كانت مسرحية العميان ل" ميشيل جيلدرد ".
بللو :- قمت بإعداد هذا العمل المأخوذ علن لوحة ل" بروجل " وانجز في فضاء  " بيت درنة "  اعتمدت فيه على الأشكال التعبيرية الليبية من أشعار ورقص وغناء معتمداً اللعب . تركت البراح للممثل ليبحث  في دوره ويقوم بإنتاجه ويطوره . كما اعتمدت لحظات الصمت . الأمر الذي لم يتقبله الممثلين في البداية ... مع الأسف لم  يتاح له فرصة عرضه خارج درنة.
أويا :- هل تحلم باعادة هذه التجربة ؟.
بللو :-  مازالت رغبتي ملحة لتقديمها مع توافر الظروف المناسبة ؟.
أويا :- كتابة ؟
بللو :- كتبت النص العامي في السبعينات ونص اخر عن " وحشي " لأكتشف  بعدها قصيدة للشاعر " محمد الفقيه صالح " بنفس الاسم  قمت بإعدادها ربما الايام القادمة تتاح لي فرصة  تقديمها .
أويا :-  ماتقييمك للحركة النقدية المسرحية ؟
بللو :- الحركة المسرحية تشهد أيضاً مواسم ركود وانتعاش . وأيضاً عدم تفعيل دور المعاهد المتخصصة والأكاديميات فالمنهج  الحديث ينتهج ورش عمل لكيفية الكتابة المسرحية والنقد المسرحي ...  للاسف نحن نتحدث عن الحركة المسرحية  بكثير من التحفظ  ، تظل الحركة تعتمد على  مبادرات مرتبطة بالاشخاص ونواياهم الطيبة  وليس بالمؤسسات .  
أويا :- هل هذا الأمر  ينعكس على المؤسسات التي ساهمت في إقامة العديد من المهرجانات والتظاهرات ؟ .
بللو:- كانت تجربتي ال" 97 / 99 " بإدارة الفنان " الطاهر القبايلي " مميزة  صاحبتهما ندوات كانت نواة  لحركة نقدية ، وصل عدد الفرق المشاركة الى  أربعين فرقة . كما شهدت عودة المثقفين وتماسهم مع المبدعين كانت بدايات حقيقية في تماسها مع قضايا محلية ، على مستوى الشكل والمضمون . بدون االإستمرارية  دخلتا في باب النوايا الطيبة .
أويا :- الممثل الليبي ظل أسيراً للقوالب الجاهزة في أدائه وأسيراً لرؤية المخرج الجاهزة أيضاً . كيف تفسر هذا الأمر ؟ .  
بللو :- هذا الجمود يقع على عاتق  الجميع . الفنانين من جانب والمثقفين من جانب اخر والمؤسسة التي تدير المرافق الإبداعية من جانب أخر . في دوامة هذا الجمود " الإستاتيك " ظل المسرح الليبي لايتراجع فقط بل يغيب ،مع تعطش المتلقي لرؤية أعمال تحمل الصبغة المحلية . يؤسفني بأن اجيالاً ليبية تجاوزت عقدها الثالث  لم تحض بمشاهدة عمل مسرحي ليبي .  
أويا:- " فيه حاجة ماقلنهاش " ؟
بللو :- " فيه واجد ماقلناش "








الفنانه / سعاد خليل ...
" تراجع دور الأنشطة المدرسية ينعكس سلباً على الحركة الإبداعية " 
 
حاورها /صالحين الرفروفى

منذ ستة وثلاثون عاماً تواصلت مع الفن وهي طفله صغيرة تنشد بعض الأغاني في مدرسة إيطالية خاصة حرصت والدتها طبيبة النساء تعليمهافيها تعلمت من الراهبات النظام والترتيب واحترام المواعيد والحرص على التعليم والتعلم .
على خشبة المسرح المدرسي آنذاك كانت تسند لها الأدوار البسيطة تلك البدايات الأساسية ففجرت الموهبة لدى"سعاد فرج شتوان "الاسم الحقيقي للفنانه "سعاد خليل " وبدأت رحلة عطائها منذ تلك الفترة المبكرة التي امتزجت فيها الموهبة بالدراسة والإطلاع انطلقت سعاد بالمشاركة الفاعلة في ركن الأطفال ووضعها العمل الأذاعي أمام نقطة الانطلاق التي وجدت نفسها فتبحث عن كل ما من شأنه أن يضيف لها الشىء الجيد والجديد والذي حرصت عليه باستمرار وكان يأسرها رغم ظروفها الاجتماعية فهي زوجة وأم حرصت على تربية ابنائها فكان الطبيب والمهندس والضابط فضلاً عن مسؤوليات إدارية كثيرة لم توقفها لحظة عن ممارسة مهنة الفن التي شغفت بها كثيراً فمارست الفن والتمثيل في الإذاعتين المسموعة والمرئية ولم تنقطع عن  "العجوز الممتع " المسرح حيث تعتبره مدرستها حتى الآن هذه هي الفنانه سعاد خليل التي لايخلو صوتها من نبرة حزن على ما وصل إليه حال المسرح في بلادنا والتي كان لنا معها هذا الحوار: آراك تعملين بالإدارة إلا يحد ذلك من نشاطك الفني ؟!
بدات عملى بالإدارة وأنا أشتغل بالفن منذ وقت طويل فقد اشتغلت بشؤون العاملين بالإذاعة وكانت الإدارة صارمة الأمر الذي لا يمكننا القيام بأي عمل فني إلا بالفترة المسائية كنت ولازلت إدارية ملتزمة جداً بعملى ومكتبي أما كيف استطعت فهذا راجع إلى تنظيم وقتى ولم أهمل بيتى وزوجي حققت نتائج جيدة في بيتى ومع ابنائى الذين وصلوا إلى مراحل ممتازة من التعليم وحققت الشهرة والعمل بالفن ووجدت نفسى في الترجمة والعمل الثقافي.. في البدايات لاشك في أن هناك تضحية كبيرة ولكن النظام أساس كل شيء وهذا راجع ربما إلى ما تعلمته في فترة الدراسة المبكرة وتربيتى الأساسية فالراهبات بالمدرسة الإيطالية غرسن فيّ الترتيب والنظام ..والحرص على المثابرة والتعلم فنشاطي الفني موجود من خلال أعمال تلفزيونية ومسرحية كثيرة ومستمرة وآخر نشاطي كان المهرجان العاشر للفنون المسرحية ولم يعيقنى العمل الإداري عن مواصلة عملي الفني  .
ماهي أهم أعمالك؟
مثلّث جميع الأدوار في الإذاعة المسموعة. فمثلاً برنامج "مرشد اجتماعي" من حياة الناس، شعبيات، ورمضان في رمضان وأخرجت عدة سهرات وبرنامج "ترجمات" الذي هو من إعدادي وإخراجي وله ثلاث سنوات يذاع.. وافتخر بأنني كنت ضيفة على البرنامج الناجح "حكايات البسباسي" وهي المرة الوحيدة التي يستضيف فيها شخصي أمّا الأعمال المرئية منظر الحساسية هذا النوع من الفن أحاول أن أنتقي أعمالي بدقة فعملت مع الفنانة: خدوجة صبري "علم وخبر"، وأعدلوا مع الفنان رجب إسماعيل، الأقدار> سهيل أكاديمي، عزيزه، الندم أشجار لا تموت، عفيفه، الحياة وهو عمل مشترك مع الفنان عبداله غيث وفردوس عبدالحميد.
أما النشاط المسرحي فتحصلت على الترتيب الثاني كأحسن ممثلةفي المهرجان العاشر للفنون المسرحية... واشتركت بمهرجان المسرح المينودرامي في اللاذقية.. بمسرحية "حنين الليل" إعداد وإخراج "تامر الأوجلي".
حدثينا عن الفرق بمدينة بنغازي؟
هناك فرق مسرحية في مدينة بنغازي استطاعت إبراز وجودها وقدمت أعمالاً ملتزمة وجادة من خلال مهرجانات .. فالمسرح الليبي موجود ولدينا شباب لهم غيره على المجال .. ولديهم الرغبة في التطور والإبداع ولكن بالمقابل هناك فرق في حقيبة مدير فرقة لا يملك أعضاء ولا مقراً وهو يشتغل بالباطن.. هناك فرق لديها فقرات ومسارح ولكن لا تقدم شيئاً.. للأسف بعض الفرق التي تقدم الأعمال لا يوجد لديها مقر.. لابد أن نراقب الفرق المسرحية ونتابعها هناك فرق وهمية وأصحابها هم من يُدعون للمشاركة في المهرجانات والنقاش.. فرق مثل المسرح العربي أصبح مقرها غير موجود أصبح مديرها "يشحت في مقر" يعمل فيه.. يجب أن يتم التخطيط لأعمال هذه الفرق وما تقدم .
هناك موسم مسرحي في شهر رمضان مانوعية هذه الأعمال؟
مايقدم من أعمال مسرحية في شهر رمضان للأسف أغلبها أعمال الشباك ولا تعالج أي قضية وإنما هي الضحك من أجل الضحك.. لابد أن ترتقي بذوق الجمهور بلغة المسرح.. لابد أن تقدم أعمالاً مدروسة لابد أن تقدم الأعمال الكوميدية المدونة ولاتقدم أعمال الاسفاف والتهريج.. هناك بعض المسرحيات عالجت قضايا وقدمت مواضيع.. لابد أن ترتقي بالعمل المسرحي إلى العمل الحقيقي حتى لايفهم الجمهور أن بعض هذه المسرحيات التي تقدم النكتة الباهتة والكلمة الهزيلة أن هذا هو المسرح مجرد ضحك وإضحاك فقط.
ما رأيك في مايقدم من برامج في شهر رمضان؟
من كترثها وتشابهها أصبحت لا تملك الرغبة في مشاهدتها "مشهد ، أغنية، تعليق" الموضوع واحد مع اختلاف الممثلين.. نكتفي بتقديم عمل أو اثنين على مائدة رمضان ويمكن أن نختارها بعناية من حيث الموضوع والإخراج لابد من مراعاة الذوق العام واحترام المشاهد.. هناك أعمال تقدم في شهر رمضان تسيئ إلى الفن لابد من  تسخير الإمكانيات كلها في اتجاه واحد وهو الحرص على تقديم  العمل الجيد والهادف الذي يعالج قضايانا فالمواطن يريد أن يناقش مشاكله وهمومه.. حياته اليومية
العالم يشاهد القنوات  كلها من خلال لمسة زر بما فيها قناة الجماهيرية  فلا تقدم الأعمال الهزيلة التي لا ترقى إلى المستوى الجيد .. كانت أعمالنا القديمة تعطى انطباعاً جيداً لدى المشاهد فيها ترفيه ولكنها لا تفسد الذوق العام " بدأنا في الأعمال الدرامية الليبية قبل سوريا والكويت والاردن .. فأين لجنة النصوص .. ولجنة المشاهدة ؟ فلجنة المشاهدة مسؤولة عن العمل قبل أن يُعرض .. يراقب من جميع النواحي الفنية بعد التنفيذ .. تستغرب هذه الأعمال الهزيلة والركيكه مع احترامي للبتعض .. لماذا المجاملة على حساب العمل الفني .. لا يوجد غربال فني للأسف ... نحن نطمح للتميز في أعمالنا .. نطمح لتقديم المستوى الجيد .
** مامدى الاستفادة من شركات وتشاركيات الإنتاج الفني؟
* أنا لا أعلم ما إذا كانت هناك شركة أو تشاركية فنية قامت بتسويق عمل ليبي للخارج .. والأعمال الليبية نأمل أن ترى النور وتخرج للعالم على أيدى هذه الشركات وليست كلها شركات أو تشاركيات وإنما مجموعة أفراد .. الفنانون أصبحوا منتجين والذين ينفذون الأعمال هم ليسوا كذلك وإنما هم من عاقة الناس .. هذا سلب لهوية الفنان الحقيقي بعض الفنانين ضعفاء النفوس وشغلهم الشاغل توقيع العقود بصفاتهم كفنانين وليسوا عن طريق شركات أو تشاركيات فنية حقيقية ..
شركات الانتاج خُلقت حتى تنتج للإذاعة الليبية فقط هي تعمل منتجاً منفذاً فأين الشركات التي قامت بانتاج وتسويق عمل للخارج أو حتى قامت ببيعة  للإذاعة فقط ولا تهمه الجودة ..
**الفنان مواطن يحتاج إلى الماديات مثل الآخرين .. كيف سيعش ؟
* أنا لا أقول الفنان لا يعمل ولا يكد .. ولكن يعمل الفن الحقيقي عندما تتوفر له الظروف المادية ينتج عملاً جيداً .. الفن ليس أكذوبة ولا وسيلة استرزاق بهذه الطريقة التي تشوه الصورة الحقيقية للمجال .. هناك من قاتل لتحسين صورة الفنان في المجتمع فلا تشوهوا صورة الفنان الحقيقي بالجرى  وراء توقيع العقود .. ولكن بكل أسف حتى المسؤول الليبي لا يقدر الفنان الحقيقي .. مجموعة معينة فقط لها الإيفاد للمهرجانات الخارجية ولها الحظوة وكأن البقية ليس لها الحق .. فجأة نجد أن فنانا عاديا عمله موسمى وتحصل على رأسمال لأنه وقع عقداً أو اثنين بشكل شخصى " "اللهم لا حسد" ولكن يعمل بها الجيد والراقى ولا يهضم حق من يعمل معه ويعطيهم ( ملاليم ).  . والذي اتجه للإنتاج ووقع العقود ليس فقيراً ولكن الفنان الليبي الحقيقي والمحترم لنفسه وقته هو الفقير .. والدخلاء على الفن ليسوا فقراء..
** قليلات هنّ المنتسبات لمجال الفني ما السبب في رأيك ؟
* السبب الأساسي لا يزال هو النظرة الاجتماعية المسيطرة المرأة في ليبيا ليست ضعيفة الآن وتأخذ حقوقها .. ولكن البعض لاتزال نظرته للمرأة على أنها قاصر ولا تستطيع تقديم العمل أسوة بالرجل وهذا مؤسف بالفعل .

المرأة تحتاج إلى القوة في إرادتها حتى تأخذ حقوقها كاملة وتكون حرة.. المرأة قادرة على التواجد في كل الميادين إذا تحررت من عقد الماضى واحترمت نفسها وذاتها.. لدى تجربتي رغم الظروف والمصاعب التي واجهتني.. هناك من اعطت نفسها للفن ولم تبالِ بالظروف الاجتماعية وقدمت تضحيات حتى استطاعت أن تصل.. أما ما يوجد على الساحة الفنية الآن (مع احترامي للبعض) فهو بحث عن الشهرة والدعاية والماديات ولايملكن الاحساس بالمسؤولية تجاه المجال وصعوبته الساحة الفنية ملأى بالمنتسبات للمجال الفني وليس بالفنانات.. الفنانة الحقيقية والتي شغلها الشاغل وهمها المسرح قليلة.. ويمكن أن نفسره بأنه قلة موهبة ونظرة مادية.. الفنان يجب أن يكون موهوباً ويصقل هذه الموهبة بالعلم والدراسة.. لابد أن نكتشف الموهوب من مراحل مبكرة في الدراسة لنقوم بتوجيهه للانخراط في دراسة المجال وممارسته.. كان النشاط المدرسي يساهم مساهمة فعالة في هذا الصدد وأن فنانين معروفين الآن ظهروا من خلاله ولكن مثلما كان هناك موتٌ بطئ للدراما في الإذاعة هناك موتاً بطيء للمهرجانات المدرسية.. دور النشاط مهم وفاعل.. لابد أن ننظر اليه بزاوية حقيقية وندعمه إذا أردنا ايجاد مواهب تساهم في هذا المجال.. في بعض الدول العربية مادة المسرح والموسيقى أساسية في المنهج الدراسي.. هذا علم قائم بذاته فلا نستهين به ونهمشه .
على ذكر النشاط .. هل لديك أنشطة أخرى غير الفن؟
بحكم انني أملك اللغة الايطالية والانجليزية.. كنت أقوم بترجمة بعض المحاضرات والندوات بحضور بعض المهتمين في مجال الاثار والموسيقى وبدأت اترجم للصحف.. فمثلا دراسات عن برقة.. دراسات عن الموسيقى الشرقية.. تمكنت بعدها ايضا من الترجمة بالفرنسية فأنا الى جانب هوسي بالفن أحب اللغات وهذا مكنني من الاطلاع على ماكتبه الاخرون عن ليبيا وفي هذا المجال أقمتُ عدة معارض بمدينة (فيرونا) الإيطالية وعملت أمسيات للشعر العربي.. في إيطاليا عرفنا الجمهور الإيطالي على مجموعة لوحات تشكيلية ليبية قمنا بتوزيع بعض المطبوعات التي لها علاقة بالشأن الفني والثقافي الليبي وكانت النتائج ايجابية ومشجعة للقيام بأعمال اخرى على هذا المنوال.. ولكن يبقى الدعم مهما وأساسياً.. لدينا أفكاراً كثيرة في هذا الجانب مشاريع ممكنة التنفيذ.. معارض للأزياء التراثية دعوة فرق شعبية للتعريف بتراثنا الفني والموروث الثقافي اشتغل الان على كتاب عن الترجمة .. يحوي كل المواد التي قمت بترجمتها..
.. كلمة أخيرة
الشكر كل الشكر للمشهد الفني بصحيفة أويا.. والتي تحاول أن ترصد بخطى ثابتة الحركة الفنية وتثري المشهد الثقافي في بلادنا الذي نعول عليه كثيراً في نشر ثقافتنا وفننا واتمنى ان اوفق فيما أخطط له من اعمال وبرامج من شأنها ان تقدم الجيد والجديد في رسالتي المسرحية والفنية وأتمنى من المسؤولين النظر باعتبار للفنان الليبي الحقيقي 












عزالدين المهدي... 
" حرص المسرحيين وجديتهم كان وراء استمرار الفن حياً يتنفس...  لماذا نكذب على أنفسنا ونقول مائة سنة مسرح إلى متى نخجل من قول الحقيقة ؟ . "   
  حوار / أسماء بن سعيد

قد يأسرك بدماثته وحديثه الذي لايخلو من الشجن لما وصل له حال الفن الآن.. نجح في تقديم سلسلة من الأعمال المسرحية الكوميدية في الثمانينيات من القرن الماضي... فهو من كان وراء «زفاف عبلة» ليقدم بعدها «غناوي علم في  لندن» ويجد مكان لحبيبته "حد الزين فوق برج إيفل" لأنه يحترم نفسه وجمهوره فلم يرض بما وصلت إليه قاعات العرض انتقل إلى «التجريب»ليتجول رفقة «السيد جمجمة» وكلاب وأجراس وكذلك «الحلاج» وغيرهم من الاعمال بين المهرجانات العربية... التي استمتع بها وأضافت له الكثير على حد قوله.
يحزنه عدم وجود نص ليبي حقيقي يقدم واقعنا بكل جرأة وشفافيةويرفض التعامل الرسمي مع المسرح على إنه (لقيط) في رصيده للمرئية عمل واحد يطمح إلى تكراره بمجرد وجود جهة منتجة أسس مؤخراً في مدينة البيضاء فرقة «الغد للمسرح والدراما» التي كانت باكورة أعمالها أوبريت حكاوي الجبل الأخضر وتحيا دولة الحقراء.
يؤسفه جداً تقديم عروض يتيمة بمجرد إنتهاء المهرجانات الوطنية ويقدم مقترحاً يضمن للمؤسسات التابعة للدولة التخلص من عبء الفنانين وفي المقابل يتخلص الفنانون من البيروقراطية..
وعن المنتج المنفذ والانتقال إلى الأنتاج الخاص والمشاركات الداخلية والخارجية ورأيه في لجان التحكيم ومتى يجد الفنان الليبي احترامه ومئوية المسرح الليبي وغيرها من المواضيع فكان لنا معه هذا الحوار.
 أويا / من هو عزالدين المهدي ؟!
- فنان ليبي.. مسرحي ولا أجيد إلا لعبة المسرح فهو كل شئ في حياتي.
  أويا... كانت لك تجربة مميزة في إخراج عددٍ من المسرحيات الكوميدية .. فماذا تقول عن هذه التجربة؟
- خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي قمت بإخراج سلسلة من المسرحيات الكوميدية مثل «غناوي علم في لندن» - «حد الزين فوق برج إيفل»- زفاف عبلة- ومجموعة أخرى وهذه الفترة اعتبرها من وجهة نظري الفترة الذهبية في عمر المسرح الليبي فجميع الإمكانات كانت مسخرة لتقديم عمل كوميدي ذي مضمون راق ومتكامل سواء من حيث الديكور و«الاكسسوار» أم غيرها من الضروريات والأساسيات في تلك الفترة فكان هناك  تفاعل شبه كامل بين المسرح والجمهور.. لكن للأسف بعد تلك القفزة والوثبة جاءت فترة إهمال شبه كامل للمسرح وخاصة للأعمال الكوميدية التي تحتاج في العادة إلى مصاريف وخاصة إن معظم مرتاديها من العائلات وهم بالطبع يحتاجون إلى أماكن جلوس لائقة كأبسط الأشياء وهكذا حال المسارح فلم تعد هناك قاعات عرض أو صالات ولاتكييف ولا أي شيء يشعرك بوجود مسرح ولم نجد بالتالي أمامنا الاستمرار في هذا المجال الذي نعشقه ونحترمه أن فانصرفنا إلى «التراجيدي» و «التجريبي» .. للاستمرار ليس أكثر.
  أويا.. من وجهة نظرك كفنان وعاشق للمسرح.. ما الأساب الحقيقية التي كانت وراء هذا التراجع المخيف.
-  بكل صراحة إن رفع مؤسسات الدولة والتي لها علاقة مباشرة عن هذا الجنس الفني وكأنه «لقيط» لفترة طويلة من الزمن يعد أهم أسباب هذا التراجع ولكن حرص المسرحيين وجديتهم كان وراء استمرار الفن حياً يتنفس.
  أويا.. إنتقلت من الكوميديا إلى التجريب في العديد من الأعمال.. فكيف تقيم هذه النقلة ؟!!
- التجريب بصراحة لم يقدم «للفرجة» بالنسبة للجميع لكنه كان فرصة لمشاركتنا في المهرجانات الخارجية التي استمتعنا بها بكل صراحة... ونحن عندما نقدم عملاً للفرجة أو للجمهور لابد أن يجدنا الجميع في أحسن حال ونقدم شيئاً هادفاً وذا مضمون لأننا نحترم أنفسنا ونحترم جمهورنا ولهذا لابد أن نقدم لهم ما يليق بهم... وعلى فكرة حتى الاعمال الكوميدية التي قدمناها في فترة  سابقة لم تخل من الملامح التجريبية من حيث الديكورات الحرة المتحركة والإضاءة والاستعراض وتطورت الحالة لدرجة أننا استطعنا تأسيس مهرجان تجريبي في مدينة «البيضاء» واستمر لثلاث دورات وأصبحنا شبه متخصصين في هذا الجانب بالإضافة للمهرجانات التي شاركنا فيها سواء في الوطن العربي أم أوروبا والتي كان معظمها في التجريب  ونظراً لوجود عدة قنوات محلية فضائية وأرضية تخصص أحد أيام الاسبوع لعرض مسرحي فقد ساعد هذا كثيراً في التعريف بالمسرح المحلي وأيضا وجود عدة مهرجانات داخلية مثل مهرجان النهر الصناعي الذي استمر لمدة سنة أعطى فرصة كبيرة للمسرحيين في تقديم أعمال ولكنه للأسف غاب، وبعدها جاء المهرجان الوطني الرابع والخامس وتوقف ثم عاد فهذه (العدم استمرارية) تؤثرسلباً على الفنان والمتلقي وتخلق حالة من عدم التواصل... ومع هذا فإن النقلة إلى التجريب مرحلة أرى أنها مميزة جداً.
  أويا.. عندما تكلمت عن المسرح التجريبي قلت بأنك استمتعت به فرصة للمشاركة الخارجية!! فهل نفهم من هذا أنك ألغيت الجمهور وكل همك أصبح المشاركة الخارجية فقط؟!!.
* أنا لا أستطيع أن ألغي الجمهور فهو كل حياتي وأنا لا أكون لولا جمهوري وحتى عندما انتقلت إلى  "التجريب" كان لي جمهور من النخبة.
  أويا.. إذاً وكأنك تود القول بأنك اتجهت إلى المشاركة الخارجية احتراماً لجمهورك وليس هروباً؟!!
بالفعل هذه حقيقة فأنا لم أهرب من الجمهور ولا يستطيع أي فنان أن يعمل بدون جمهور وهنا أريد التأكيد على أن الجمهور الليبي واعٍ ومتذوق لكل ما يعرض ويقدم وفعلاً هناك جمهور للتجريبي.. ولكنه ليس بنفس الكم الذي يجب ويفضل الكوميديا والأعمال الخفيفة وعندما نقول إن التجريبي مسرح "نخبة" فلا نقصد بها الإهانة أو التقليل من باقي الأعمال والدليل أنه لدي حنين جارف للأعمال الكوميدية والتعامل المباشر مع الجمهور وفعلاً بدأت أفكر في تقديم عمل كوميدي جميل وبحضور جماهيري كبير والكوميديا التي أتحدث عنها ليس المقدمة لمجرد الضحك والاضحاك ولكنها كوميديا الموقف والمعبرة عن الدلالات في المسرح والموسيقى وهي ليست للإسفاف وللضحك ولكن يقدم فيها الضحك للموقف والمتعة.. وهذا ما نبحث عنه لو وجدنا نصاً حقيقياً يتطرق لهذه النقطة المهمة.
  أويا.. هناك تضارب غريب بين كلامك عن عدم وجود نصوص جيدة وكلام مخرجين آخرين من حيث الزخم في النصوص الجيدة؟!!
من وجهة نظري النص الكوميدي يطبق على خشبة المسرح وبصراحة معظم النصوص الليبية الكوميدية لا تكون مكتوبة إلا على خمسة ورقات والمخرج والممثلين هم من يصنعون من هذه اللعبة وقد يصيبون أو يخيبون وهذا متروك للصدفة ولو حاولنا تتبع هذا المسمى بالنص المقدم فهل نجده يتدرج في ميكانيكيته المسرح وهو البداية والوسط والنهاية والمشكلة والحل أي بمعنى عناصر الفعل الدرامي في المسرح سواء كانت كوميديا أو تراجيديا وأرجح وأقول إنها تخضع في الغالب لضربة حظ فلو كان هناك ممثل أو اثنان متفوقان ولديهم الموهبة فبإمكانهم الرفع من النص وإضافة بعض الكلمات والجمل قد تكون من الشارع ويقولون بأنهم قدموا عملاً كوميدياً أو مسرحياً!!
ومع هذا فهناك كتابة روحية متفق عليها فنستطيع تأليف مجموعة من سبعة إلى تسعة فنانين ونأخذ موضوعاً مثل غلاء المعيشة ونبدأ من الصفر ونناقش أسبابها وطرق علاجها وهذا المعروف بالنص الارتجالي أو النص الركحي وهذه ورشة معملية يعمل عليها مجموعة من الفنانين ومن النادر جداً أن نراها الآن.. ولكن لوجود نص ليبي قيم وحقيقي يجب أن تكون  لدينا الجرأة للطرق على مفاتيح المشاكل الحقيقية في مجتمعنا الذي كان في فترة ما طيباً وفطرياًً ويحب بعضه البعض أما الآن فنجده تغيّر فهناك وبكل صراحة وجرأة الكذب والنفاق والحقد.. ولهذا يجب أن يكون هناك نص جريء يدق على هذه الأبواب ويفتح النوافذ المغلقة للجميع.
  أويا.. من وجهة نظرك ممن تكون المبادرة؟!!
تكون المبادرة من الفنان الحقيقي الذي يحمل هم مجتمعه ويجب أن نكون واقعيين ألا نكذب على أنفسنا ونعمل على إظهار السلبيات ونحاول ومعالجتها حتى نحد منها ولنصل للقضاء عليها تماماً.
أويا.. ومتى يتواجد هذا الفنان الجريء والحقيقي؟!!
هو موجود لو استثنينا المتطفلين على الفن.. وللأمانة حالياً لم يبق إلا القليل من المهمومين الحقيقيين بالفن ولهذا أتمنى عند إقامة أي مهرجان أن يتوجهوا إلى الفنان الحقيقي وأذكر عند إقامة المهرجان (التجريبي الأول) اقترحنا أن لا نتوجه لفرق للمشاركة بل إلى ؛مخرجين متميزين وكل واحد ونعلمه بأنه مدعو للمشاركة وله حرية اختيار الممثلين أو الفرقة فنحن لا نتعامل مع مدير فرقة بل نتعامل مع مخرج وهذه النقطة تسببت في التعريف بكثير من المخرجين الشباب المميزين مثل خالد نجم- وليد العبد- محمد الصادق الذين أصبحوا اليوم من الأسماء المهمة في الإخراج المسرحي وقبل المهرجان التجريبي الأول كان هناك مهرجان الشتاء عام 1992ف.. في وقت تراجعت فيه حركة الثقافة على صعيد تأسيس وتبني المهرجانات ثم اطلاق اسم (الفرقة التنويرية) على فرقتنا من قبل الكثيرين والبعض قال بأننا ذكرناها (بديناصور) لأننا عملنا على تنظيف أرضيات المسرح ونفض الغبار عن دور العرض والحيلولة دون التوقف.. ولهذا فالمسائل الحقيقية تكمن في وضوح الخطاب الذي نشتغل عليه وهذا ما يجب تطبيقه حتى على الدراما في التلفزيون والتطرق لمشاكل مجتمعنا الحقيقية حتى نضمن لها النجاح.. وهذا الدور منوط أكثر بالمسرح لأنه وسيلة اتصال مباشرة بين المتلقي وهو (الجمهور) وبين الفنان (الممثل).
أويا.. "حسناء والغريب" هو العمل الوحيد في رصيدك للإذاعة المرئية.. فلماذا لم تحاول تكرار هذه التجربة؟!!
متى توفر الإنتاج سواء من إذاعات الجماهيرية أو إحدى القنوات الفضائية المحلية الليبية أو الشبابية فأكيد أنني سأكرر هذه التجربة التي خضتها عام 2002 ف وقد لا يخفى على الكثير أن العمل المسرحي يحتاج إلى وقت طويل قد يصل إلى أربعة أشهر مما يعني شبه تفرغ بالكامل وأيضاً أحب التأكيد مرة أخرى على أهمية وجود نص حقيقي من داخل مجتمعنا.. كما أقول إن المخرج موجود وكذلك الممثل ولكن النص الجرئ والواقعي والحقيقي هو الغائب.
أويا.. إذاً هذه السهرة التلفزيونية لم تكن مجرد تجربة وذهبت في حال سبيلها؟!
على الاطلاق وللعلم وبرغم صعوبة الاجتهاد الفني إلا أن التلفزيون يظل أسهل بكثير من المسرح من حيث اختصار الزمن والمردود المادي والانتشار بالنسبة للفنان ولكن للمسرح متعته بإمكانية التجديد في كل عرض وإضافة مشهد أو حذف مشهد آخر بعكس التلفزيون أو المرئية فما يصور ويعرض لا نستطيع تغييره فيما بعد.
أويا.. تصديقاً على هذا الكلام شاركت بعمل (تحيا دولة الحقراء) وهو خارج التقييم في المهرجان الوطني الحادي عشر وبعدها شاركت بنفس العمل في أيام سبها الثقافية بتغيير كبير بين العرض الأول والثاني.. فهل كان التغيير في صالح العمل؟!
العمل هذا يحتاج لعروض مستمرة لكي يتطور وكل عرض يختلف عما سبقه وأنا أتوقع أنه بعد ستة عروض من الآن ستشاهدين عملاً مغايراً تماماً لما شاهدت في السابق لأن هذا النوع من الأعمال وهو المسرح السياسي صعب في التعامل ولا يصدق أي أحد أن نقوم بإخراج أعمال أدبية سياسية بلغة مسرحية بعيدة عن الهتاف والخطاب المباشر واللغة الجسدية هي أداة التعبير عن الحقراء منذ الخليقة وحتى الآن.
أويا.. منتصف عام 2008 ف قدمت "أوبريت" حكاوى الجبل الأخضر.. فماذا تقول عن هذا العمل؟!!
هذا الأوبريت تستطعين القول بأنه امتداد لـ(تحيا دولة الحقراء) من الناحية الإخراجية فهي سلسلة ذهنية لأننا عادة ما نتغنى عن الجبل والصحراء والبحر والسماء ولكن في هذا (الأوبريت) الجبل هو من تحدث عن نفسه وهو ما شهده من تعاقب الحضارات والحروب والمعارك وجهاد الآباء والأجداد إلى يومنا هذا فالجبل هنا يتحدث في مجموعة من الصور الغنائية الراقصة وعلى فكرة هذا العمل كان من إنتاج نادي الأخضر بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسه ومن هنا نجد أن وجود منتج ممول أتاح الفرصة لتقديم هذا العمل الاستعراضي الضخم.. وبكل صراحة بالرغم من أن رصيدي المسرحي قارب سبعة وعشرين عملاً  إلا أنني سعيد جداً بهذه التجربة التي اعتبرها مميزة لنا كفريق وباكورة  
إنتاج لمسرح وليد وهي  فرقة الغد للمسرح والدراما في مدينة البيضاء
* أويا/ هذا الاوبريت كان بمناسبة خاصة ولكنك تحكي عنه بشغفٍ شديد .. ألا يشجعك هذا العمل على اخراج أوبريت مشابه يعرض لعدة مرات وللجميع ؟!
* هذه الفكرة واردة متى توفرت الامكانات التي تؤثر في أي عمل .
* أويا/ إلى متى يظل الفنان معتمداً على المؤسسات التابعة للدولة في الإنتاج خاصة وأنك خضت تجربة الانتاج الخاص ؟
* بكل أمانة هذا سؤال جميل واتفق معك ولكن يجب أن نقول شيئاً حقيقياً وواقعياً وهو عدم وجود المنتج الفني كما هو موجود حتى في الد ول المجاورة والخوف من خوض تجربة الإنتاج الخاص بالنسبة للأفراد فلا يوجد إلى الآن شركة إنتاج واحدة خاصة تمول العمل بالكامل ونحن لدينا ( فوبيا) من خوض هذه التجربة فنجد الكثير يتساءلون  هل ندفع مالي على انتاج عمل ليبي قد لا ينجح ؟ مع العلم أن بعض التجارب حدثت ولم تكسب فحتى نجد المنتج الفني الخاص ( الغير الخائف) ليس أمامنا إلا الاعتماد على مؤسسات الدول ..، وعلى فكرة سبب نجاح الدراما السورية في السنوات الأخيرة راجع  إلى إنهم خاضوا تجربة الإنتاج الخاص ووجداو  أنها لعبة ناجحة ودخلوا بالتالي عالم المنافسة مع المنتجين الخليجيين ونحن فعلاً نحتاج إلى منتجين ليبيين يخوضون هذه التجربة .
* أويا/ طالما العروض المسرحية ( بالذات) شبه مجانية ولا يوجد بها شباك تذاكر فهل تعتقد أن هناك منتجاً يستطيع المغامرة في الإنتاج المسرحي؟!
* لا يستطيع أي منتج خوض تجربة الإنتاج الخاص في ظل غياب المردود المادي أو شباك التذاكر .. ولكن أريد قول شيء  آخر وهو عن المهرجان الوطني الحادي عشر للمسرح الذي أقيم مؤخراً في مدينتي سوسة وشحات لو نظرنا للمبالغ التي صُرفت  وقيمة الجوائز  وحفل التكريم بالإضافة للمبالغ التي أعطيت للضيوف العرب وهذا شيء لا يحدث  إلا عندنا ..، المهم أننا دخلنا في لعبة المهرجان واختيارنا لخمس أو عشر فرق للمشاركة فهذا يعنى أن الأعمال متميزة فلماذا لا نأخذ هذه الأموال ونوزعها على هذه الفرق المتميزة ويكون حفل الختام هو بداية الاستعداد للدورة القادمة وتصرف المبالغ في تقديم كل فرقة لعروضها في أكثر من منطقة بالمبلغ الذي تحصلت عليه .
 * أويا / هل تعني بهذا الكلام أن العرض يموت أو ينتهى بمجرد إنتهاء المهرجان ؟
* صحيح وهذا تماماً ما قصدته فمعظم العروض أصبحت يتيمة ولا تعرض الا مرة واحدة  فقط وهي عرضها أثناء المهرجان فقط ولكن لو وزعنا عليها المبالغ كما أسلفت الذكر لضمنا ان تقدم هذه الفرقة عرضها في أكثر من  مكان حتى لا يضيع مجهود الفرقة من جهة ونضمن انتشار  الثقافة المسرحية في كافة المناطق من جهة أخرى .. ولهذا يجب الاهتمام بالفرق الناضجة وبالتالي هذه الفرق عندما تقدم عروضها يكون بمقابل وهذه الأرباح يمكن للفرقة أن تستعد  بها لعرض مسرحي جديد أو انتاج سهرة تلفزيونية وفي هذه الحالة تضمن المؤسسات  التابعة للدولة التخلص من عبء الفنان ونحن نتخلص من ( البيروقراطية) المفروضة علينا ولو انتهجنا هذا النهج فأنا متأكد أن بعد سنوات قليلة سنجد مسرحاً حقيقياً.
* أويا/ منذ  المهرجان الوطني الرابع للمسرح وحتى الحادي عشر كنت متواجداً ولم تتغيب عن المشاركة .. هل هذا بسبب الطموح  لنيل الجوائز؟ 
* نظراً لضعف أداء لجان التحكيم فقد هجرت المشاركة ضمن المسابقة الرسمية وأكتفي بالمشاركة على هامش المهرجان وأذكر إنني في أحد المهرجانات شاركت بعمل بعنوان (كلاب وأجراس) أعتمدت في رؤيتي الاخراجية على لعبة الضوء والظل وعندما بعثت مشاركتي إلى مهرجان القاهرة التجريبي تم إختيارنا من عشرين دولة ضمن المسابقة الرسمية وبالصدفة كان عنوان الدورة الضوء والظل والصراخ وهذا بدون ان تكون  لنا دراية مسبقة بالعناون الرئيسى للدورة وهذا يعني بأننا نشتغل بوعي عالمي لما نقدمه ولا نعمل بالصدفة.
* أويا/ شاركت في عدة مهرجانات خارجية .. فهل لك ان تحدثنا عن هذه المشاركات وما الذي أضافته لك ؟
* شاركنا بمسرحية ( السيد جمجمة) في المسرح العربي الرابع في بغداد وأيضاً شاركنا بنفس المسرحية في مهرجان المسرح بتونس، شاركنا بمسرحية  فرحان في مهرجان القاهرة التجريبي وكذلك مسرحية كلاب وأجراس في نفس المهرجان ومسرحية الحلاج - رجل من الصحراء في المغرب ... وبصراحة كل مشاركة أضافت لي شيئاً معيناً فمثلاً مهرجان القاهرة التجريبي في دوراته الأولى كان مستوى الفرق المشاركة راقٍ جداً فتخيلي أنك سوف تشاهدين عرضاً من ارمينيا وآخر  من الكاميرون وعرضاً استرالياً وغيره  ياباني وهندى وقطري فهذا يعني ان مسرح العالم كله بين يديك في عشرة أيام ونستفيد من كل مشاركة من حيث الاطلاع على أسلوب جديد وتقنية جديدة ولكن للأسف مهرجان القاهرة التجريبي في السنوات الأخيرة لم يعد في المستوى الأول ربما لأنه كما قال وزير الثقافة المصري فاروق حسنى ( عجز) لأنه استمر لمدة عشرين عاماً ..، ونتمنى لو نشاهد مهرجاناً ليبياً على مستوى البحر المتوسط مثل أسبانيا- إيطاليا- قبرص بالإضافة للدول العربية فنحن لابد ان نمد ايدينا لجيراننا حتى نعرفهم على ثقافتنا وتراثنا من خلال المسرح والموسيقى والفن .
* أويا/ تعاونت مع الكاتبة المغربية بديعة الراضي في مسرحية رجل من الصحراء .. الم تفكر في التعاون مع كتاب آخرين غير ليبيين ؟
* بديعة الراضى اعتقد أن باكورة انتاجها المسرحي ( رجل من الصحراء) وفيما بعد قدمت لي عملاً بعنوان ( شبيهى) وأنا أنتظر الفرصة لتنفيذها.
*أويا/ متى يجد الفنان الليبي احترامه؟
* الفنان  الليبي الحقيقي وليس المزيف يجد احترامه متى توفرت له الحياة الكريمة واحترام فنه وأماكن العرض المحترمة التي تعيدله ثقته بنفسه ومتى كان له مردود مادي مستقل من خلال عمله فلا يعد محتاج لأين كان .. الفنان الليبي محترم وغير مزيف وكل ما يحتاج إليه هو البنية     التحتية وبعد ذلك نطلب منه انتاجاً  وأيضاً عندما نوفر قاعات العرض والمسارح والمراسم في كل منطقة ويتم حينها تقدير الفنان واحترام جهده وعطائه .
* أويا/ حالياً نحتفل بمئوية المسرح الليبي .. ماذا  تقول عن هذه الاحتفالية؟!
* كل سنة والجميع بخير.. مع العلم أن المسرح الليبي يحتاج  لمائة سنة آخرى حتى يكون هناك مسرح حقيقي فهذه المائه سنة لم تكن متواصلة فعمر المسرح الليبي الحقيقي لم يتجاوز الخمسة وعشرين سنة فلماذا نكذب على أنفسنا ونقول مائة سنة مسرح إلى متى نخجل من قول الحقيقة ؟ . 

















الفنان / ميلود العمروني ....
" كتابي "هذا هو المسرح"يتناول  المسرح في ليبيا منذ العام 1878-وحتى 2008م. "
حاوره:الصالحين الرفروفي 

في بداياته الأولى تأثر بالفنان العربي "دريد لحام"من خلال العمل المرئي "صح النوم"حيث وكما يقول "كنت أتمنى أن أسعد الناس". سنة 1974 انضم إلى لجنة التوعية الاجتماعية "كممثل"حيث وجد الفنان "محمد عمر الرملي"الذي كان يشرف على عمله.. عند تأسيس نادي نجوم الجمهورية "نادي السواعد حالياً"فتعرف على الفنان "أحمد السوداني"علي أبوجناح،محمود العمروني،سالم الورفلي،عبدالمنعم العرويه،درس الكهرباء وتحصل على دبلوم واتجه أيضاً إلى إدارة الأعمال وتحصل على بكالوريس إدارة الأعمال..صقلته التجربة في مجال الفن فقدم العديد من الأعمال داخل وخارج الجماهيرية..ومن خلال هذا التواصل مع الفن تحصل على العديد من الدورات المحلية في هذا المجال إنه الفنان الضاحك باستمرار "ميلود العمروني"الذي كان لنا معه هذا الحوار..
 -ألفت أكثر من  كتاب عن الضحك وعن المسرح حدثنا عن ذلك.
اتجاهي للتأليف منذ الصغر ولكن المستوى الدراسي والثقافي يحول دون إمكانية التأليف..وفي سنة 2002م فكرت في تأليف كتاب عن الضحك..وهذا راجع إلى كثرة الكلام من قبل بعض الناس الذين يتجهون اتجاهاً دينياً وكانوا يعتقدون أن"الضحك يميت القلب"وهو رد على بعض الشباب الذين كانوا يناقشوني في المسرحيات الضاحكة..فقمت بكتابة ماقاله العلماء والحكماء والفلاسفة وكذلك الأحاديث والآيات القرآنية..وقد اتخذت موقفاً حيادياً..وفي هذا الكتاب أدعو الجميع للابتسام..ومن خلاله تكلمت عن الضحك منذ الولادة وحتى الموت..فلقد ميزنا الله بالفعل والنطق والضحك ولسنا هنا بصدد الإسهاب عن موضوع الضحك وفوائده فهي معروفة وحتى الأطباء قدموا أبحاثاً كثيرة في هذا الموضوع أما الكتاب الثاني فهو كتاب "هذا هو المسرح"وهو عن تاريخ المسرح في ليبيا منذ العام 1878-وحتى 2008م. وأتحدث من خلاله عن حوالي مائة وعشرين سنة مسرح في أغلب مناطق الجماهيرية..فيه تاريخ درنة وغدامس والكفرة ومصراتة بالإضافة إلى طرابلس وبنغازي فيه مقابلات وسير ذاتية لفنانين وفرق مسرحية مختلفة وأحاول من خلاله إضافة مرجع عن المسرح في ليبيا يضاف إلى ماسبق من كتب في مكتباتنا الفنية في الجماهيرية العظمى..فقلة المراجع الخاصة بالمسرح في ليبيا شجعتنا على خوض هذه التجربة وآمل أن أوفق فيما أعرضه من معلومات ووثائق على القارىء حتى يمكنه الاستفادة منها فهو نتاج جمهور وسفر إلى عدة مناطق في الجماهيرية حتى أتمكن من تقديم المعلومة المفيدة وهو جهد متواضع يضاف إلى عدة جهود سابقة من قبل كتاب وفنانين في هذا المجال.
 -من خلال كتابك وماتقدمه تدعو الجميع للابتسام..كيف خلقت جمهورك؟
عندما أقدم عملاً مسرحياً أو أي عمل..لا أري الجمهور من خلف الستار أو أقوم بعملية "عد"للحضور..نعرض حتى لشخص واحد فقط..من خلال تقديم عروض متواصلة استطعنا عمل موسم خاص في رمضان..استطعنا أن نجعل الحضور للمسرح من بين أعمال المواطن اليومية في هذا الشهر وبدأ يخصص له مساحة من وقته..وبذلك تجد حضوراً مكثفاً للعروض..الجمهور موجود ولكن كيف تستطيع شده إليك..كيف تستطيع التواصل معه؟هذا هو السؤال لابد أن تقدم أعمالاً من خلال معايشة الظروف الحياتية للمواطن..معاناته ظروفه..مشاكله اليومية..فلابد أن تكون كوميديا موقف..وليست لإسفاف إليها صدقني الجمهور لايأتي من أجل الضحك وهناك أعمال بهذا المستو ولكن الجمهور يهجرها ولايلتفت إليها دائماً..نقدم العمل الكوميدي ولكنه هادف ويحتوى على مضمون ونستطيع أن نمرر من خلاله رسالة مهمة.الجمهور بدأ يثق بنا ويحبنا..الناس في الشارع تتواصل معنا ونحن لسنا معزولين عن الناس..إنهم يجدوننا في الشارع وفي الأفراح والمآتم..نحن منهم وإليهم ولذلك نقدم لهم مانحس به  ولانجبرهم على الضحك ليخرجوا بلا هدف بعد العمل المسرحي.
- ماهي أهم أعمالك؟
قدمت العديد من الأعمال سواء للمسرح أو التلفزيون غير أنني أميل للمسرح وأعتبره أستاذاً لأي فنان فقد قدمت مسرحية "خرف ياشعيب"نوارة سوبر ستار،المستشفى،أصل وصورة..وأخرجت مجموعة من الأعمال "القاضي بوسعدية النعجة سالفة الذكر،إنها معقودة في السر،ضنوة عدوك".
أما في المرئية فكانت "مشهديه:حصتك ياشعيب،كيف الصح،بيضا وكحلة،المتعولم، وفي هذا الصدد أقول"أين تشجيع الفنان الليبي من قبل المسؤولين..القيمة المادية ضعيفة جداً..مايُتاح لعمل متكامل في المرئية الليبية يتقاضاه ممثل واحد في مسلسل عربي..لماذا لانشجع الفنان الليبي وندعمه؟! ...  بالنسبة لي راضٍ  تماماً عن إخلاصي في العمل الذي قدمته غير أنه للأسف لم يصل خطابي من خلال المرئية لم تنزل أعمالي على المائدة في رمضان وهذا لا أعرف سببه التأويل راجع لسوء فهم وكأننا لسنا ليبيين ولسنا وطنيين بالعكس نحب ليبيا وتعنينا ولكن من المسؤول لا أعلم على مدى ربع قرن أقدم أعمالاً رمضانية ولكنها لا تنزل على المائدة وكأن المائدة مخصصة لأعمال معينة فلابد من النظر لمبدع من زاوية الفنان والمبدع وليس من يكون..  أي مبدع لابد أن نشجعه ولا نضع العراقيل أمامه فلا يمكن بث منوعة كوميدية وعمل جيد عند الساعة الثالثة فجرا ونضعه في وقته الملائم والصحيح حتى يتمكن أكبر قدر من المشاهدين من مشاهدته.
- هناك شركات وتشاركيات للإنتاج الفني حتى لايتم الاعتماد على الإذاعة فقط هل تمت الاستفادة منها؟
 هذه الشركات والتشاركيات معظمها إن لم نقل كلها رخص فقط وهي دون مستوى الإنتاج معظم هؤلاء المنتجين دخلاء على المهنة ولا يعرفونها فهؤلاء لا يحسنون التعامل مع الفنان. المنتج لابد أن يهتم ويقدم وجوهاً جديدة.. المسرح والمرئية ليس بنغازي وطرابلس فقط فلماذا نفس الوجوه في كل المسلسلات وكل الأعمال الرمضانية المخرج والمنتج يبحث عن الجاهز ولا يريد المجازفة.الفنان لديه عقد شخصي لابد أن يعمل بأقل الخسائر لايريد أن يتعب في شيء الممثل جاهز والمكان جاهز ومعروف الجماهيرية مليئة بالأماكن الصالحة للتصدير ولكن حتى السنياريو يُعمل بتوصية شقه.. طريق... إلخ
لدينا أماكن سياحية وطبيعية - لماذا لا تستغل جماليات المكان ولكنها تريد من يصرف عليها بسخاء وهؤلاء لايجازفون ويسرعون إلى الثراء السريع.
 - ماهي مواصفات الإنتاج الجيد في رأيك؟
 التنوع ...  "الاجتماعي، التاريخي، الوثائقي، القصة الإنسانية ومراعاة الخصوصية الليبية" الإنتاج المشترك يخلق الاحتكاك عند الفنان سواء المخرج أو الممثل أو الفني نطمح إلى إنتاج مشترك يحترم خصوصيتنا .أما أن نأتي بمخرج غير ليبي لأعمال ليبية صرفة فإننا نخاف أن نربح الممثل ونخسر المخرج المحلي  التركيز على الفن المحلي ووضعه في دائرة الاهتمام بالاحتكاك والتجربة.
 - مامدى الاستفادة من المهرجانات الخارجية؟
 المهرجانات بكل أسف لا تقع في دائرة اهتمام المسؤول الليبي وهو يعدها مجاملة فقط لايوجد اختيار فعلى للمبعوثين لحضور هذه المهرجانات "إن تمت" المشاركة المسؤولون لايحضرون المهرجانات مع الفرق المشاركة وهذا يقلل من أهمية الوفد الليبي في ساحة  المهرجان عندما تشارك بوفد أو بفرقة لابد أن ترى اهتمام المسؤولين في الدولة المرسلة.
-  ما أهم هذه المشاركات بالنسبة لك؟
 دورة "البحر المتوسط " في إيطاليا ٢٠٠٦ مسيحي وذلك من خلال فرقة عرضت مسرحية " توقف" للكاتب منصور أبو شناف شاركت أيضاً بمهرجان المسرح العربي الدورة الخامسة القاهرة ٢٠٠٦ المسرح العربي الدورة السابعة وقد تم تكريمي من بين عشرة من المكرمين العرب مهرجان أيام قرطاج المسرحية في الدورة ١٣ أما المهرجانات المحلية فإنها المسرح الوطني الثالث في بنغازي والسابع والثامن في طرابلس.
-  من خلال عدة مشاركات ونشاطات تحصلت على عدة جوائز ماهي ؟
 تحصلت على جائزة الترتيب الثالث كممثل .. جائزة لجنة التحكيم عن مسرحية "عروس البحر" في المسرح التجريبي ٢٠٠١ مسيحي ، جائزة الترتيب الأول بمهرجان التجريبي بالبيضاء ٢٠٠٣ مسيحي - آخرها جائزة تكريم المهرجان المسرح العربي الدورة الخامسة القاهرة ٢٠٠٦ مسيحي.
وقد تم تكريمي وإعطائي جوائز من قبل منتدى أبناء أفريقيا " وسام الشباب احتفالية الماء بالكفرة درع الاحتفالية".
 - كلمة أخيرة؟
 الشكر لصحيفة "أويا" وهي من الصحف التي لها صدى كبير في مدينة بنغازي إلى جانب صحيفة " قورينا" وهي من الصحف التي تتلمس قضايا المواطن وقد افرزت لنا العديد من الأسماء في مجال الكتابة الصحيفة وأعطت لنا انطباعاً جيداً عن أن الصحافة الليبية بخير .  
 

الباب الرابع

فرق مسرحية .. شخصيات

المسرح الوطني درنة  

بقلم  / ميلادالحصادي

تعتبر فرقة المسرح الوطني درنة من أهم وأعرق الفرق المسرحية في ليبيا وذلك من خلال دورها الرائد والايجابي في دعم وتطوير حركة المسرح الليبي يصفة خاصة والحركة الفنية بصفة عامة  من خلال مجموعة الاعمال المسرحية الهامة والمميزة  التي قدمتها والتي شكلت اضافة مهمة لحركة المسرح الليبي او من خلال دورها التنويري والثقافي التي اضطلعت به داخل مجتمعها 
تأسس المسرح الوطني درنة في اواخر عام 1968 ف تحت اسم فرقتي المسرح القومي والفنون الشعبية ومنذ تاسيسه انظم اليه اهم رموز الحركة المسرحية في درنة وخصوصا من جيل الرواد الاوائل وعلي راسهم الفنان انور الطرابلس والفنان احمد النويصري والفنان ا محمد جبر والفنان محمد بالرحي والفنان عبد العزيز امهدي والفنان محمد القرقني وقد قدم مجموعة من الاعمال المسرحية من اهمها ((صبر وفاتحه و20 في 20 واميرة الاندلس وكلنا ناصر ووحديون 
في بداية السبعنيات اعيد اشهاره تحت اسم المسرح الوطني درنة وذلك بعد انفصال فرقة الفنون الشعبية عنه وتم في تلك الفترة استجلاب بعض الخبراء المسرحين من بعض الدول العربية الشقيقة وذلك عن طريق امانة الاعلام والثقافة وكان من نصيب درنة الخبير المسرحي في مجال الاخراج والتمثيل الفنان الدكتور ((حسن عبدالحميد ))وفي مجال الادارة المسرحية الاستلذ الفنان ((عاصم البدوي)) وقد شكل حضور هذان الفنانان قفزة نوعية في مسيرة المسرح في درنة لما قدماه من اضافة فنية وعلمية وذلك من خلال الدورات والورش الفنية التي قاما بها لاعضاء الفرق المسرحية في درنة مما ادى إلي تطور الادوات الفنية لدي اعضاء هذه الفرق وادي إلي توسع مداركهم الفنية 
في فترة تواجد  هذين الخبيرين قدم المسرح الوطني مجموعة من الاعمال المسرحية من اهمها انتبهوا ايها السادة // ثورة الموتي // ليالي الغضب//ومسرحية الحسين ثائرا والتي لم تعرض  
عام 1973 شارك المسرح الوطني درنة في المهرجان الوطني الثاني بمسرحية ابيض واسود تاليف صلاح راتب واخراج المرحوم خليفة بن زابيه 
شارك المسرح الوطني درنة في المهرجان الرابع والذي اقيم في طرابلس وبنغازي بمسرحية حتي يعود القمر تأليف واخراج خليفة بن زابيه 
قدم المسرح الوطني الكثير من الاعمال المسرحية من اهمها ابيض واسود من تاليف صلاح راتب واخراج خليفه بن زابيه ومسرحيات واخير هطلت الامطار ومسرحية حتي يعود القمر ومسرحية العمر نهبة والضحك حكمة وهذه المسرحيات الثلاثه من تأليف واخراج خليفه بن زابيه هذا الفنان الذي لعب دورا مهما في تطور ونضوج التجربه المسرحية لدي الكثير من اعضاء المسرح الوطني  كما قدم مسرحية احزان افريقيا من تأليف محمد الفيتوري ومسرحية الحارس من تاليف هارولد بنتر ومسرحية تفاحة العم اقريره من تأليف البوصيري عبدالله ومسرحية المفتاح من تأليف الفنان العراقي يوسف العاني ومسرحية بندر موالف زفه من تأليف علي الفلاح ومسرحية بائع الريح من اعداد سالم العوكلي عن اعمال الكاتب الليبي خليفه الفاخري وهذه المسرحيات كانت من اخراج الفنان منصور سرقيوه احد اهم الاسماء الرائعة في مسيرة المسرح الليبي بما يقدمه من عطاء سوء كمخرج او كمحاضر او كاحد الفاعلين في حركة المسرح في درنه.....كما قدم مسرحية طبيب رغم انفه من اخراج عبدالسلام اشليمبوا ومسرحية ام السعد في الدور الرابع من تأليف المرحوم عطية بورواق واخراج جمال الفريخ 
كما قدم المسرح الوطني درنة مسرحيه (طاحن اشناب الليل )من تاليف علي الفلاح واخراج فرج بدر ومسرحية اشباح حامد من تأليف واخراج عبدالعزيز الزني 
كان للمسرح الوطني قصب السبق في تقديم مسرح الممثل الواحد حيث كانت التجربه الاولي في ليبيا من خلال مسرحية ((زيارة ذات مساء)) من تأليف واخراج عبدالعزيز الزني ومن تمثيل الفنان عبدالرحيم عبدالمولي والفنامن منصور سرقيوه بالتناوب 
شارك المسرح الوطني درنة في مهرجان دمشق العاشر للمسرح بمسرحية احزان افريقيا وقد اثارت هذه المشاركة ردود ايجابيه بالنظر للمشاركات السابقة لليبيا بهذا المهرجان 
كان للمسرح الوطني مشاركة مبكرة في الاعمال المرئية فقد قدم اعضائه في منتصف السبعنيات مجموعة من الاعمال الدرامية المرئية اهمها سهرة الام ومسلسل المشردون ومساسل رحلة مع الايام ومسلسل اليتيمة وقد شكلت في تلك الفترة قفزة نوعية في هذا المجال 
تناوب علي ادارته مجموعة من الاسماء المهمة في الحركة الثقافية والمسرحية في درنة بصفة خاصة وليبيا بصفة عامة ومن هذه الاسماء المرحوم الفنان الرائد انور الطرابلسي والفنان الرائد المرحوم محمد جبر والفنان الرائد المرحوم عطية بورواق والفنان المسرحي امجاور عبدالسلام والفنان الراحل صالح الثلثي والفنان منصور سرقيوه والكاتب والصحفي ميلاد الحصادي 
اسهم المسرح الوطني في المناشط والفاعليات الثقافية التي اقيمت في درنة واحتضن العديد من المهرجانات المدرسية والفنية وشارك بفاعلية في ((خمسينية الشاعر ابراهيم الاسطي عمر التي احتضنتها جامعة درنة))
ساهم بقوة وفاعلية في انجاح مهرجان الفاتح المسرحي الذي اقيم في درنة عام 1986 والذي يعتبر حتي الان من انجح المهرجانات المسرحية التي اقيمت في ليبيا وقد اتسم هذا المهرجان بمشاركة جماهيرية نوعية رائعة اعطت للمهرجان زخم رائع مازال حديث كل من شارك فيه 
استضاف علي خشبته العديد من الفرق المسرحية التي قدم اعمالها في درنة وكذلك العديد من الفرق الموسيقية والغنائية من ليبيا وبعض الدول الشقيقة 
من اجل السعي الدؤب لخلق خشبة مسرح متكامله لتقديم الاعمال المسرحية والفنية قام اعضاء المسرح الوطني بانشاء وصيانة قاعتي عرض لتقديم الاعمال المسرحية وذلك من خلال المجهود الذاتي الاانه وللاسف الشديد اخرجوا منها لاسباب عديدة ولم بفت في عضدهم هذا التصرف اللامسؤل فسعوا بكل قوة من اجل انشاء مبني مسرحي متكامل في درنة وكان لهم ما اردوا بفضل عزيمتهم وتعاون بعض المخلصين من ابناء الوطن من امثال العميد احمد المقصبي والعميد المرحوم نوري اسباق والاستاذ شعيب الشاعري وتم انشاء مبني المسرح الوطني درنة وهو الان قيد الانتهاء وبدأت عملية التجهيز وقد تم تصميمه وتنفيذه من خلال خبرات ليبية 
يفخر المسرح الوطني باحتضانه ودعم الحركة الفنية والمسرحية بمجموعة من الاسماء كان لها الاثر الواضح في تطور وتقدم الحركة المسرحية في بلادنا وعلي راس هذه القائمة ياتي الفنان الرائد عطية الفلاح والذي مازال يواكب الحركة المسرحية منذ انخرطه فيها عام 1954 وقد شارك في كل الاعمال المسرحية التي قدمها المسرح الوطني منذ تاسيسه سوء كان ممثل اوفي مجال الادارة المسرحية وقد بذل الجهد والعرق دون أي مقابل بل كان دائم من رجالات الظل التي تعطي بلا حدود دون انتظار للشكر والقدير وما يقوم به الان من اشراف ومتابعة لاعمال انشاء المسرح الوطني والذي كان له دور كبير في تخطي هذا المشروع لكثير من الصعاب اكبر دليل علي العطاء الفني والانساني لهذا الرجل الفنان
شارك المسرح الوطني في اغلب المهرجانات المسرحية التي اقيمت في ليبيا مثل المهرجان الوطني للمسرح ومهرجان النهر الصناعي ومهرجان المسرح التجريبي ..

 
نبذة عن مسرح المرج
بقلم / علي ناصر 

بدأت الحركة المسرحية في مدينة المرج بعد إنتهاء الحرب الكونية الثانية وكانت مقتصرة على المدارس والأماكن التعليمية غير أن الحركة المسرحية أخذت تتبلور وتنضج من خلال الأندية الرياضية حيث كانت تقدم بعض المسرحيات في شتى المناسبات الاجتماعية والوطنية وفي الستينيات أهتم نادي المرج الرياضي بالنشاط المسرحي باعتبار النادي له دور ثقافي واجتماعي إلى جانب دوره الرياضي فقدم الكثير من الأعمال المسرحية التي شدت انتباه وإعجاب الجمهور الذي شاهدها ونال بعضها جوائز حيث كان نادي المرج يشارك في المسابقات التي كانت تنظم في ذلك الوقت وفي بداية عام 1970 تكون مسرح المرج بعد أن انفصل بنشاطه عن النشاط الرياضي للنادي وبدأ يقدم أعماله معتمداً على الخبرة والتجربة التي اكتسبها اثناء تواجده بنادي المرج .
شارك مسرح المرج في الكثير من المهرجانات المسرحية التي نظمت من سنة 1971 حتى الآن منها المهرجان الوطني ومهرجان النهر الصناعي ومهرجان الفاتح الثقافي بدرنة ومهرجان الممثل الواحد ومهرجان الطفل وغير ذل من المهرجانات المحلية .
كما شارك في بعض المهرجانات العربية منها مهرجان باجة ومهرجان قرطاج الدولي ومهرجان الزيتونة ومهرجان سوسة بالجمهورية التونسية أما بالمملكة المغربية فقد شارك مسرح المرج في مهرجان سلا بمسرحية (اللعبة) وقد اذاعتها المرئية المغربية كسهرة كما شارك المسرح بمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي سنة 96 مسيحي بمسرحية نواقيس .
وفي سنة 2006ف شارك المسرح بمسرحية (الإطار) من إعداد واخراج عبدالسيد آدم ضمن فعاليات تظاهرة الوفاء المسرحية ونالت أربع جوائز الإخراج والأعداد والموسيقى واحسن ممثل .
وفي سنة 2006ف شارك مسرح المرج في المهرجان الوطني التاسع للفنون المسرحية الذي أقيم خلال شهر 7 (ناصر) بمسرحية (سكان الكهف) من إعداد واخراج احمد ابراهيم حسن حيث تحصل مسرح المرج على 6 جوائز (احسن مخرج واحسن اعداد واحسن ممثل واحسن ممثلة واحسن تصميم مناظر واحسن تصميم إضاءة) .
وفي نفس العام 2006ف قدم المسرح مسرحية (العسكر سوسة) وهي من تأليف واخراج علي ناصر وعرضت في كل من المرج ودرنة وشحات .
وفي سنة 2007ف شارك مسرح المرج في المهرجان الوطني العاشر للفنون المسرحية الذي أقيم بمدينة بنغازي خلال الفترة (2007/7/27 ــ 2007/8/5ف .
بمسرحية حالة خاصة من إعداد وإخراج محمد القديري حيث تحصل على الجوائز الآتية : أحسن مخرج وأحسن ممثل ثاني واحسن تنكر .
ولمسرح المرج مشاركات كثيرة بالإذاعة المرئية واهم الأعمال التي قدمها للمرئية هي : تمثيلية (الزحام ينقص واحد) وتمثيلية (سدينا) مسلسل (لقدار) ومسليل (أم الخير) ومسلسل (ناجي) كما قدم مسلسل من عدة أجزاء وهو مسلسل (مشهية) وغير ذلك من الأعمال الفنية .
كما يعتبر مسرح المرج هو أول مسرح ليبي يهتم بمسرح الطفل حيث أسس في أواخر سنة 1970 شعبة لمسرح الطفل قدمت الكثير من الأعمال المسرحية وبرز منها عدد من الممثلين والمخرجين مثل فضيل بوعجيلة وعبدالسيد آدم واحمد ابراهيم وجمال زائد عاشور بوشوق وغيرهم .
وقد نال مسرح المرج العديد من الجوائز في مجالات متعددة كالتأليف المسرحي والإخراج والتمثيل وتصميم المناظر وغير ذلك .

مشاركات مسرح المرج في المهرجانات المحلية 
شارك في جميع المهرجانات المسرحية التي اقيمت منذ العام 1971م وحتى آخر مهرجان الذي أقيم بمدينة بنغازي سنة 2007. 
كما شارك في جميع التظاهرات المسرحية التي اقيمت بعدة مدن بالجماهيرية .

مشاركة مسرح المرج في المهرجانات العربية
شارك مسرح المرج في عدد من المهرجانات المسرحية الدولية أهمها :
1ـ مهرجان باجة المسرحي بجمهورية تونس سنة 1988م بمسرحية (رقصة البندول) من تأليف وإخراج علي ناصر .
2ـ مهرجان قرطاج الدولي بجمهورية تونس سنة 1989م بمسرحية (رقصة البندول) .
3ـ مهرجان الزيتونة بجمهورية تونس سنة 1989م بمسرحية (إضاءة فلسطينية) من تأليف واخراج عدنان علوان .
4ـ مهرجان سلا بالمملكة المغربية سنة 1990م بمسرحية (اللعبة) من إعداد وإخراج أحمد ابراهيم حسن .
5ـ مهرجان سوسة بجمهورية تونس سنة 1990 بمسرحية (اللعبة) من إعداد واخراج احمد ابراهيم حسن .
6ـ مهرجان القاهرة التجريبي بجمهورية مصر سنة 1996م بمسرحية (نواقيس) من تزليف احمد ابراهيم حسن واخراج عبدالسيد آدم .
7ـ مهرجان دمشق الدولي بجمهورية سوريا سنة 2006م بمسرحية (سكان الكهف) من إعداد وإخراج احمد ابراهيم حسن .

أهم الأعمال المسرحية التي قدمها مسرح المرج
أولاً : في الستينيات قدم عدد من المسرحيات أهمها :
غيث الصغير ، رحلة الى الغد . الزلزال ، البراريك ، الاجنبية ، الاستقلال ، الزواج (شعر شعبي) ، تقراية حواء ، بوشنه . رمضان يا فاطمة .
ثانياً : في السبعينيات قدم عدد من المسرحيات أهمها :
العائلة المناضلة ، الخراز ، العُزاب الثلاثة ، الشعوذة ، التجار ، تفاهموا ياناس ، أول رمضان ، عند (صوب خليل) ، المستشفى ، الحاج نقاطي ، طريق الحرية ، الدم دائماً أحمر ، بلياس وميلزندا ، الحجاج ، الخلباط ، ممثل بلا مسرح .
ثالثاً : أهم الأعمال المسرحية التي قدمت في الثمانينيات :
فجر كالرعد ، الدكتور كشكول ، العرب شالت ، خالتي مشهية ، رقصة البندول ، اللعبة ، باب المزرعة ، وين غابت حواء ، .
رابعاً : أهم الأعمال المسرحية التي قدمت في التسعينيات :
الحريق ، حويته وخميسه وقرين ، الطلاسم ، نواقيس ، الخروج عن الحصة ، تخريف ثنائي ، الحضيرة ، شقة للبيع ، الجناح الرابع .
خامساً : أهم الأعمال التي قدمت ما بعد سنة 2000ف :
إعادة مسرحية حويته وخميسه وقرين ، الايطار ، سكان الكهف ، العسكر سوسه ، حالة خاصة .

أهم الاعمال المسرحية لشعبة الاطفال
سندريلا ، الفصل الدراسي ، اطفال الجنة ، البصير والصغير ، غوما المهرج ، انسان جديد ، عمر المختار ، قطرة المطر ، حكاية بسام ، رحلة الحظ ، غيث ، اضاءة فلسطينية ، اطفال الغابة ، الامير سالم ، الاقنعة .

الجوائز التي تحصل عليها مسرح المرج
تحصل مسرح المرج على الكثير من الجوائز في المهرجانات المحلية أهمها :
1ـ الترتيب الأول في كل من التأليف المسرحي والإخراج المسرحي وتصميم المناظر والعرض المتكامل وذلك خلال المهرجان المسرحي الذي اقيم بدرنة سنة 1986م .
2ـ الترتيب الأول في كل من العرض المتكامل وتصميم المناظر وذلك خلال المهرجان الوطني السادس الذي اقيم بطرابلس سنة 1995 م.
3ـ الترتيب الأول في الإخراج والأعداد والمناظر والتمثيل والإضاءة خلال المهرجان الوطني التاسع الذي اقيم بطرابلس سنة 2006م.
4ـ الترتيب الأول في تصميم المناظر خلال المهرجان الوطني السابع الذي اقيم بطرابلس سنة 1997م .
5ـ الترتيب الأول في الإخراج والتنكر والممثل الثاني خلال المهرجان الوطني العاشر للفنون المسرحية الذي اقيم ببنغازي من 7/27 الى 2007/8/5ف
 






المسرح في مدينة هون
1948 ـــ 2008
تحقيق / محمد فياض 

في مسرح مدينة هون أو فرقة هون للمسرح ثمة مسار مدهش للمساحة الثقافية والفنية في المنطقة الثرية جدا بالإبداع في شمولية مجالاته وفي ظل التاريخ الجميل الذي سطره المبدعون من كتاب وفنانين و أدباء وغيرهم من رموز هذه المدينة خاصة إذا عرفنا أن بداية المسرح فيها كانت أصيلة وعريقة جدا ولنقل إن المسرح في هون كان من بواكير الحركة المسرحية على مستوى منطقة الجنوب .
فمنذ العام 1948 كانت النشاطات المسرحية تتوالد وبحب ولو اختلفت الإمكانات و تشعبت الأفكار فلم يكن ثمة عائق البتة أمام تقديم عرض مسرحي في تلك البلدة الصغيرة في تلك الحقبة الزمنية الغنية بكنوز الأدب والمسرح والثقافة مستخدمين أدوات من بيوتهم لا تصلح للاستعمال ليتم توظيفها في عرض مسرحي بسيط ، ومن ثم كان أول عرض في هون عام 1949 في مدرسة هون المركزية بعنوان " ميلاد محمد " من تأليف إدريس الشغيوي و الطاهر المقدود وإدريس الشغيوي رحمه الله يعتبر من مؤسسي المسرح القومي في طرابلس والمرحوم من مدينة هون ، فيما توالت العروض المسرحية حتى العام 1956 .
في العام  1956عرضت الفرقة  مسرحية " قالوا " تأليف عمر مسعود وإخراج خليفة العربي في مسرح المدرسة الابتدائية كما عرضت مسرحية " حنظلة " على نفس المسرح وهي من تأليف وإخراج الفنان عمر مسعود  في العام 1958عرضت الفرقة مسرحيتي " البخيل " و " عاصي والديه " تأليف وإخراج الفنان عمر مسعود . عام 1961 عرضت مسرحية واحدة فقط وهي " ربي قياد العفاريت " تأليف وإخراج الفنان " عمر مسعود " ومن ثم توقف العرض حتى العام 1968 ، وفيه انضمت الفرقة المسرحية إلى نادي الأهلي " الإخاء " بهون لتتواصل العروض المسرحية ضمن العمل المؤسساتي المنظم بداية من " عليا وعصام " و " رفاق السوء "  للفنان عمر مسعود كاتباً ومخرجاً واللتين تم تقديمهما على مسرح الشهداء ومن ثم عرضتا في مسرح الاتحاد في سبها وأيضا مسرحيتي "ثمن الحرية" و"القطاع الصامد" من تأليف وإخراج الأستاذ شحاتة خميس ومساعدة الأستاذ خليفة العربي في العام 1971 وتم عرضها في مدينة مصراتة عام 1972  إضافة إلى مجموعة أوبريتات تميزت بها فرقة هون للمسرح مثل " الأسرة السعيدة "  و " الأسرة العائدة "  وقامت الإذاعة المرئية بعرضها مباشرة من مسرح الاتحاد في سبها .
في العام 1977 ومن تأليف الكاتب المسرحي العربي احميدة وإخراج الفنان خليفة العربي عرضت مسرحية " أهل النفاق " ومن ثم توقف المسرح في تلك الحقبة ليعود في العام 1988م بعرض مسرحي " كلهم مذنبون وتنقطع " حتى العام 1994 لتعود الفرقة المسرحية ومن جديد في مسرحية غنائية / استعراضية " نبع الحنان " من تأليف أحمد اشتيوي وإخراج الكاتب علي عبدالرحمن مازن و موسيقا الفنان عبدالقادر الدبري على خشبة مسرح الشهداء .
في العام 1995 قامت الفرقة بتقديم عرض مسرحي بعنوان "الوطن" من تأليف بشير المبروك وإخراج علي مازن والأغاني من كلمات أحمد السنوسي وألحان سعد احمودة . و في خريف عام 1996 تم التأسيس الفعلي والرسمي لفرقة هون المسرحية وذلك على هامش الإعداد للدورة الأولى لمهرجان الخريف السياحي الدولي وتم العمل على تطوير الحركة المسرحية في المدينة بإنشاء هيكلة إدارية نشطة تساهم وبفعالية في إثراء الوسط الثقافي والفني في المنطقة عموما وتكونت الفرقة من لجنة إدارية ضمت الفنان عبدالله قرينقو مديرا للفرقة وإبراهيم فكرانة مساعدا له و بعضوية كل من عثمان امحمد ومصطفى عبداللطيف وأحمد عمر مسعود كما تم الاستعانة بمخرج متخصص من العراق الشقيقة "عدنان أبوتراب".
كان أول عمل قدمته الفرقة مباشرة بعد التأسيس الرسمي لها هو "لعبة السلطان والوزير" تأليف الكاتب المسرحي البوصيري عبدالله ومن إخراج عدنان أبوتراب وبهذا العرض شهدت الفرقة تطورا ملحوظا نوعيا مميزا وذلك من خلال تسجيل ثاني ظهور للمرأة في هذه الفرقة وهي الشابة " هالة عبدالله أبوقصيصة " في دور بائعة التفاح ، بيد أن أول ظهور للمرأة في مسرح هون كان عام 1968 في أوبريت "الأسرة العائدة" وهي "عواطف العربي".
لعبة السلطان والوزير عرضت أكثر من "15" مرة في هون وفي العام 1997 شاركت الفرقة في الدورة السابعة من مهرجان المسرح الوطني بطرابلس  فكانت بذلك أول مشاركة لفرقة هون المسرحية في هذا المهرجان الكبير الذي كان على ركح مسرح الخضراء في طرابلس مساء 1997/9/23 .
في العام 1998 قدمت الفرقة عرضا بعنوان "السماح على إيقاع الجيرك" للكاتب العربي "وليد إخلاصي" و إخراج "عدنان أبوتراب" وأغاني وألحان "سعد حمودة" ، هذه المسرحية عرضت أكثر من عشرين مرة في مسارح المدينة و شاركت بها الفرقة في الدورة الثامنة لمهرجان المسرح في طرابلس خريف 1999 على مسرح الكشاف كما شاركت أيضا في الدورة الأولى لمهرجان المسرح الفكاهي في بنغازي عام 1999 في المسرح الشعبي .
وقد قام بعدها الكاتب عبد الوهاب قرينقو بتلييب نص مسرحي للكاتب السوري سعد الله ونوس "الفيل يا ملك الزمان" الذي لم توافق عليه لجنة إجازة النصوص ولكن بعدها بسنوات تمت الموافقة عليه أثناء ذلك قام المخرج "عدنان أبوتراب" بعرض مسرحية "بياعين الهوى" للكاتب المسرحي "علي مازن" لحن أغانيها الفنان "عبدالقادرالدبري" في قالب كوميدي شعبي عرض لأكثر من عشرين مرة .
لنقل إن هذا العرض كان محطة وقوف أو استراحة للفرقة المسرحية في مدينة هون فقد تم تجهيز عدة أعمال مسرحية "رحلة حنظلة" للكاتب المسرحي الراحل سعدالله ونوس و "أصوات" لمؤنس نزار و "المهرج" للكاتب الراحل "محمد الماغوط" .. 
ولأسباب معينة من أهمها نقص الإمكانات و عدم توفر العناصر المهمة توقفت الفرقة إلى جانب أسباب أخر كثيرة ومع ذلك فهي تستعد الآن  لتقديم مجموعة عروض للطفل في الفترة القادمة كـ" رهان الإكسير " للكاتب علي مازن و "الشيشباني"  للكاتب السنوسي حبيب وغيرها .
ووقوفا عند هذا التاريخ الحافل لفرقة هون المسرحية التي تجاوزت النصف قرن ارتأينا أن نقف على بعض تفاصيل هذه الفرقة وخاصة المرحلة الحالية لمسرح هون و بداية من المخرج المسرحي "إبراهيم فكرانة" الذي تحدث قائلا:حاليا الفرقة المسرحية شبه متوقفة ولكن الآن نشتغل على مسرح الطفل تعاونا مع الكاتب المسرحي علي مازن ، وكان لنا تعاون مع النشاط المدرسي في قسم التثقيف والنشاط بتعليم الجفرة وساهمنا في تقديم مسرحية "الأقزام" وشاركنا بها على مستوى ليبيا وتحصلت على الترتيب الثاني .
لو تحدثنا عن بعض المشاكل التي تعانيها الحركة المسرحية في هون فهي في مجملها تتكون في عنصر واحد تقريبا وهو عدم توفر العناصر والإمكانات اللازمة مع محاولتنا الجادة لإعادة الحياة و بشكل أفضل للمسرح بعمل أو اثنين المهم أن تعود الحياة بمعناها الحقيقي للحركة يعني كفانا توقفاً .
عندما حضر المخرج العراقي "عدنان أبوتراب" للمدينة سأل بالصدفة عن وجود مسرح في هون من عدمه ففوجئ بوجوده وكانت أول بادرة القيام باجتماع شمل المهتمين بالمسرح و بالتالي اشتغلنا على عملية استقطاب عناصر وبدأنا بالتدريبات و عرضنا في السنة التالية مسرحية "لعبة السلطان والوزير" التي عملت ضجة كبيرة بعد كل ذاك الخمول الذي كانت تعانيه المنطقة بالكامل ، ويلاحظ أن البداية كانت بمواهب وهواة ونجحنا بالفعل وبشهادة الحاضرين و المهتمين مع ملاحظة عدم توفر الإمكانات اللازمة للمسرح من مؤثرات ضوئية وغيرها و شاركنا بها في طرابلس في مهرجان الفنون المسرحية عام 97 و توالت إثرها العروض 
يعني الأعمال التي قدمناها ثلاثة عروض مسرحية للكبار                                                                                         ومسرحية واحدة للأطفال بعنوان "الخديعة" وكانت من إخراجي  إضافة إلى مسرح الطفل أو مهرجان مسرح الطفل لثلاث سنوات متتالية في كل سنة تم عرض ثمانية أعمال وهذا شيء "كبير" بالنسبة للإمكانات المتوفرة لدينا وكانت ردة فعل الجمهور جميلة خاصة الآن رغم توقفه فالسؤال لازال مستمراً من الناس عنه ، وتوقفه يتمثل في أكثر من سبب ولكن السبب الرئيس هو هاجس الدراسة و عدم مبالاة الناس بقيمة العمل المسرحي لأبنائهم و دوره التثقيفي لهم فعلى العكس الدورات الأولى أعطت دفعة ورغبة  في الدراسة بالنسبة للتلاميذ المشاركين فيها و الدليل تجده في مدارسهم لو سألت ... ومسرحية "الحذاء والأقزام" من المسرحيات التي قدمت للطفل في العام الماضي  وأعطت نتائج إيجابية مبهرة صراحة اشتغلنا عليها لمدة سنتين متواصلتين ولم تر النور إلا في العام 2007 ولكن بشكل أفضل ويرجع سبب هذا التأخير لظروف الدراسة و غياب العناصر المشاركة فيها ، هذه المسرحية كانت من ضمن المسرحيات التي تحصلت على الترتيب الأول في مهرجان الطفل وبعد فوزها أعدنا تقديمها بشكل مختلف ومميز و شاركنا بها في طرابلس في التظاهرة الختامية للنشاط المدرسي وتحصلت على الترتيب الثاني بعد شعبية طرابلس .
حاليا " رهان الإكسير " عمل مسرحي جديد للكاتب علي مازن يعتمد على المشاركة بين الكبار والصغار في المسرح وهو عمل ضخم ومميز وفيه رؤية إبداعية جميلة جدا ونحاول أن نقدمه ضمن مهرجان المسرح المدرسي هذا العام وربما يعطي دفعة للتلاميذ وحبهم للمشاركة في المسرح خاصة بمشاركة فنانين كبار معهم وهذا شيء مريح ومربك في آن واحد .
- طبعا كانت لنا مشاركات كثيرة وخاصة في المسرح الفكاهي في بنغازي أو الشعبي وقد تعرفنا من خلال المهرجانات على نخبة مميزة من الفنانين المسرحيين في ليبيا وهذا بدوره منحنا مسارا مهماً كان له الشأن في الاستمرار و محاولة خلق فرص أفضل للحركة المسرحية ومسرح هون في المشهد المسرحي الليبي ، ومن ضمن المشاركات المهمة مسلسل كان من المفترض أن يعرض في القناة التعليمية ولكن لظروف معينة لم ير النور وهو مسلسل " ومضة " من تأليف وإخراج الأستاذ مفتاح المصراتي ومعه مجموعة من الفنانين حيث قدمنا هذا العمل الذي صور في مدينة هون في ثلاث عشرة حلقة تعليمية .
- لو لخصت لك "حكاية" مسرح هون رغم عراقته و قدمه وما قدمه من أعمال في تاريخ النصف قرن أو أكثر بقليل سأقول لك إنه يعاني أزمة عنصر وإمكانات وتهميش من أمانة الثقافة التي بوسعها أن تقف معنا خاصة بعد تخصيص مكتب للمسرح في ديوان الثقافة بها ... المسرح  حتى بعد أن "تعرض" للصيانة المزعومة إلا أنه لا يزال ينقصه الكثير فصيانة المسرح أخذت وقتا طويلا جدا وعندما استلمناه لم نجد تغييرا يذكر إلا البلاط مثلا وأشياء لا تذكر .. مشكلة غياب الإدارة في أمانة الثقافة التي من المفترض أن تهتم بإعداد كادر وظيفي للمسرح هي في غياب تام .. تريدون مسرحا ، انضموا إلينا وقفوا معنا وساندونا ... ولكن .. للأسف.
- الفنان أحمد عمر مسعود بادر بالحديث بداية عن مشاركة العنصر النسائي في مسرح هون من منتصف التسعينيات.. بأنها مسألة صعبة في البداية وكان الاستغراب من الجمهور أن تقف فتاة أمام الجمهور وواجهنا في البداية موقفاً مرتبكاً من العنصر النسائي ولكنهن اجتزن المرحلة بامتلاكهن الجرأة .. في هذه الأيام نشتغل على عمل مسرحي واقعي وقد تم تجهيز النص ونقوم حاليا على التدريبات " رهان الإكسير " عمل مسرحي مختلف جدا في الحركة المسرحية في مدينة هون .
وعن فترة إعادة تأسيس المسرح في هون أقول إنها كانت تقليدية جدا و تفتقر إلى الإمكانات مثلا عندما دخلنا إلى المسرح كان ينقصه الكثير من التجهيزات المطلوبة  كالخلفيات و الإضاءة وغيرها فبدأنا بمجهوداتنا والخاصة بإعدادنا المسرح كما ينبغي أن يكون ولو بإمكانات متواضعة و بسيطة ومع الوقت صار له رواد وعرضنا عدداً من المسرحيات ولا زلنا نبحث عن نصوص محلية أو عربية حتى في حالة غياب المخرج عدنان أبو تراب ولكن تعلمنا منه الكثير فاستلمنا زمام الأمور كالمخرج إبراهيم فكرانة وباقي عناصر المسرح من الفنانين و المهتمين .. خاصة مع الكاتبين علي مازن وعبد الوهاب قرينقو وخاصة في حضورنا لندوات ثقافية تخص المسرح والمخرج عدنان أبوتراب أفادنا كثيرا في هذا الجانب بتثقيفنا مسرحيا وتجهيز مكتبة المسرح بعدد من الكتب ذات الاختصاص و أيضا باجتماعاتنا بعد كل عرض و تقييمنا لها ..
- عبد الله قرينقو مدير فرقة "هون للمسرح" تحدث عن تجربة فرقة هون للمسرح وقال " تم اقتراح إعادة تأسيس الفرقة في العام 1996 وتم ترشيحي لأكون مديرا للفرقة بوجود المخرج عدنان أبوتراب ونصوص مسرحية بداية من لعبة السلطان والوزير وغيرها .
الحركة المسرحية تعاني نقص في عديد الإمكانيات مع توفر بعضها فمثلا بعض الإمكانات متوفرة وبعضها الآخر غير متوفر.
- بمشاركاتنا في المهرجانات في الدورة السادسة في طرابلس وغيرها تعرفنا على الكثير من الملاحظات بخصوص النص أو العرض كما تلقينا ملاحظات وجيهة وأفادتنا خاصة في المهرجان الفكاهي الأول في بنغازي حيث أشاد الكثيرون بمسرح هون من خلال مشاركاته وعروضه التي قدمها مثلا الدكتور سليمان كافو والدكتور عبد الله السباعي والكاتب المسرحي منصور أبو شناف والفنان سعد الجازوي وغيرهم  وكل ذلك بالطبع يمثل لنا هامشاً كبيراً من التجربة التي استفدنا منها ولازلنا نستفيد بكل تأكيد .. أحب أن أقول شيئاً مهماً وهو أنه مادامت أبواب المسرح مفتوحة و العمل متواصل فيه و الناس تأتي لغرض المشاركة او الحضور فقط هذا يعني أن الحركة حتى لو لم تكن جيدة بالكامل فهي ومن وجهة نظري  في الطريق إلى التطور وتحقيق رقم مهم في الحركة المسرحية الليبية فالمهم الوجود واستمرار التفكير في وجود عمل ، هذا هو الأهم .
- الكاتب والشاعر عبدالوهاب قرينقو كانت له مشاركات ووقفات مهمة مع فرقة هون للمسرح التقيت به مشيرا إلى مشاكل الفرقة وعن أهم أسبابها قال: عدم وجود مخرج متخصص و الغياب المفاجئ للعنصر النسائي ومعظم شباب الفرقة انصرفوا لمشاغل الحياة وهذه كلها ظروف التقت لتشكل كلها شبه توقف للفرقة مع ذلك مازالت الفرقة متواصلة خاصة مع مكتب النشاط المدرسي و المسرح الجامعي حيث هم الآن منهمكون في التدريبات على مسرحية " رقصة الحياة " للأستاذ علي مازن إضافة إلى مسرح الطفل ، وطبعا رغم غياب عروضه على المسرح الوطني الليبي لكنا كأشخاص نحرص على أن نتواصل لحضور العروض والندوات وقد شاركنا في الدورة العاشرة لمهرجان الفنون المسرحية وحرصنا على حضور دورة تعليمية مهمة عن الإدارة المسرحية ، ولكن لا نستطيع أن نخدع أنفسنا رغم عراقة الحركة المسرحية في مدينة هون فنحن على مستوى ليبيا لا زلنا في الخطوات الأولى ، أنا أحب المسرح وهذا موجود في مشاركاتي وفي بعض النصوص المسرحية كلعبة السلطان والوزير و غيرها و مسرح الطفل كتابة وإخراجا وشكرا لكم جميعا .

- هذه لمحة بسيطة عن مسرح هون أو بالأحرى عن الحركة المسرحية في مدينة هون .. لن أقول إنها توقفت أو ماتت ولكنها رغم الظروف الراهنة التي تمر بها فهي مازالت تبحث عن سبل أخرى ذات جدوى لتحلق في فضاء الفن المسرحي ولتكون رقما في قائمة الحركة المسرحية الليبية .

























فرقة المسرح الوطني مصراتة ...
بقلم / علي يوسف رشدان 

تعد فكرة إنشاء المسارح الوطنية كمؤسسات متخصصة تتبع قطاع الإعلام والثقافة خطوة من أهم الخطوات في هذا المجال لأنها أضفت المزيد من التنظيم والفاعلية على الحياة المسرحية في المدن التي أنشئت بها هذه الفرق فبعد أن كان المسرح الوطني بطرابلس والذي انطلقت مسيرته سنة ١٩٦٦ م هو المسرح الوحيد تعدد وجود هذا  النوع من المسارح في كل من درنة وبنغازي واجدابيا ومصراتة وسبها.
وإذا اعتبرنا أن فترة الأربعينيات والخمسينيات هي مرحلة البداية للحركة المسرحية بمصراتة وأن مرحلة الستينيات مرحلة مرحلة التعريف بهذا الفن وترسيخه فإن المراحل اللاحقة هي مراحل النضج لهذا الفن ولهذا يعد إنشاء المسرح الوطني نقلة مهمة للمسرح في مصراتة فبعد أن كانت الحركة المسرحية تنضوي تحت لواء الأندية الرياضية وتدخل ضمن أنشطة متعددة منها الرياضي والثقافي والاجتماعي أصبحت بوجود هذا المسرح مؤسسة لها كيان  مستقل  وأهداف تسعى لتحقيقها مما جعل من العمل المسرحي المقدم أكثر حرفية لوجود خبرات عربية تمت الاستعانة بها في هذه الفرقة أسوة بغيرها من الفرق المماثلة مما ساهم في الكشف عن عديد القدرات المتميزة في مختلف جوانب العملية الفنية من كتاب ومخرجين وممثلين وفنيين. 

 انطلقت مسيرة هذه الفرقة بصدور قرار وزير الإعلام والثقافة رقم ٣٤٥ بتاريخ يوم ١ الربيع - مارس ١٩٦٩ وحملت في بداية انطلاقتها اسم (المسرح القومي) وقد تشكلت لجنة من قبل إدارة الفنون والشؤون المسرحي بوزارة الإعلام والثقافة ، لإجراء الاختبارات اللازمة للأخوة الفنانين المتقدمين للحصول على عضوية هذه الفرقة ، وكلف بإدارتها الأستاذ عبدالله الترجمان وانتدب للعمل بها الممثل والمخرج المصري المعروف الفنان عبدالبديع العربي ، الذي أعد للأعضاء المنتسبين دورة مكثفة في الجوانب الفنية المختلفة ، ولعل أهم جانبين تم التركيز عليهما جانب الأداء التمثيلي وجانب الإلقاء المسرحي ، مما ساهم في الرفع من كفاءتهم الفنية ، وبسبب عدم وجود عناصر نسائية من بين المنتسبين للفرقة ، وقع الاختيار على مسرحية (المروءة المقنعة) من تأليف الشاعر / محمود غنيم لتكون أول عمل مسرحي تقدمه ، وكان أول عرض لها على مسرح دار عرض مصراتة يوم ٢٤-٧-١٩٦٩ وأما عرضها الثاني فكان بعد قيام ثورة الفاتح وعلى نفس المسرح يوم ٢٨-٣-١٩٧٠ واشترك في تقديم هذا العمل كافة الفنانين المنتسبين للفرق منهم :-
عبدالله الدناع - عبدالله الزروق - المبروك المجعوك - الصديق الولده - يوسف خشيم - محمد الزعلوك - عمر الكميلي - محمد الدلفاق - علي قدح - أحمد الشامي - إبراهيم الكميلي - حسين الزروق - مصباح الفرجاني - محمد الشعافي - عبدالله أبوعليم - أبوبكر عطية - علي النحائسي - عاشور مسعود - علي القويري - رمضان بعيو - عبدالهادي شنيشح - ميلاد أبوصيد - مصطفى تنتون - محمد السنوسي - محمد النوال - حسين القرقني - عبدالكريم الدناع وغيرهم .
واعتبرت هذه المسرحية درساً عملياً تطبيقياً لما تلقاه الأعضاء من معلومات نظرية ، وبعد أن أنهت الفرقة تقديم عرضها لهذه المسرحية شرعت في تنفيد أكثر من عمل مسرحي  فقدمت مسرحية فصل واحد بعنوان (بريء المشنقة) وقدم لها عرض واحد في إحدى المناسبات.
ثم قدمت مسرحية (وابتسمت الحياة) من تأليف وإخراج / إبراهيم الكميلي وهي مسرحية باللهجة المحلية ، تحكي مساوئ الاستعمار التي أحدثها بوجوده على أرض الوطن ، وقدمت لعرض واحد فقط ، وعلى إثرها ترك بعض الأعضاء الفرقة منهم ، إبراهيم الكميلي - حسين الزروق - محمد الشعافي وآخرون ، وعادوا ليمارسوا نشاطهم من خلال الفرقة التابعة للنادي الأهلي المصراتي كما ذكرنا سابقا ، كذلك قدمت مسرحية (المحنة) من إعداد الكاتب / عبدالكريم الدناع ، وقدمت لعرضين الأول على مسرح دار عرض مصراتة والثاني بمدينة هون .
كما قدمت الفرقة مسرحية (شعب لن يموت) من تأليف فتى الثورة من إخراج الفنان / عبدالبديع العربي ، غير أنه لم يحضر العرضين اللذين أقيما لهذه المسرحية ، بسبب مغادرته مصراتة وتركه العمل بالفرقة ، نظراً للخلاف الفني الذي نشب بينه وبين الأستاذ / عبدالله الترجمان مدير الفرقة عند تقديم العرض الثاني لمسرحية ( المروءة المقنعة) وأشرف على العرض كل من الفنان التشكيلي / علي القويري . والفنان / المبروك المجعوك. وورد بصحيفة البلاغ في عددها (٧٤) الصادر بتاريخ ٧ النوار - فبراير ١٩٧١ خبر مفاده ، أن المسرح القومي بمصراتة يستعد لتقديم مسرحية (شعب لن يموت) ، وقدم العرض الأول لها على مسرح دار عرض مصراتة ، أما عرضها الثاني فخصص للنساء على مسرح المدرسة الثانوية بمصراته .وهذه المسرحية تناقش قضية الشعب الفلسطيني والظلم الذي يتعرض له من قبل المحتلين وتعد هذه المسرحية أول عمل في مصراتة تجسد فيه امرأة دوراً نسائياً مسرحياً ، فقد كان يتم تجسيد هذه الأدوار عن طريق ممثلين رجال ،وفي هذا العمل تمت الاستعانة بالأختين نورية السنوسي ، وفايزة رجب العضوتين بفرقة المسرح العام ببنغازي ، والتي أبدت استعدادها للتعاون مع المسرح الوطني في هذا الشأن ، وذلك خلال زيارتها لمدينة مصراتة لعرض مسرحية (يوم في الجنة) ومسرحية (الشقة جوها هلها) . ويغادر الأستاذ / عبدالله الترجمان. مدير الفرقة مصراتة ليتولى مهام عمله بوزارة التربية والتعليم بطرابلس ، ليتم تكليف الفنان عبدالله الدناع بتولي إدارة الفرقة التي تستعد للمشاركة في المهرجان المسرحي الوطني الأول على مستوى ليبيا المقام في الفترة من ١٠ إلى ٣٠-٩-١٩٧١ ووقعت الفرقة في حيرة ، بأي عمل ستشارك في أول ظهور لها بالمهرجانات المحلية .
السقوط في دائرة الحيرة خرجت منه الفرقة عن طريق (دوائر الرفض والسقوط) للكاتب الصحفي وأحد أعضاء الفرقة الأستاذ/ عبدالكريم الدناع هو في حقيقة الأمر لم يكن غريبا عن الحركة المسرحية في مصراتة فقد واكبها منذ أن كان طالباً، ثم عضواً في فرقة البعث بالنادي الأهلي المصراتي ، كما كان عضواً بفرقة المسرح الليبي بطرابلس خلال فترة عمله هناك ، عبدالكريم الدناع في بداية انطلاقته غلبت عليه ميوله الصحفية ومع هذا ظل لصيقاً بالمسرح في علاقة غير مباشرة به ، ولكن بانطلاق فرقة المسرح الوطني في مسيرتها ، كانت تجربته المباشرة التي هي أكثر قرباً وعمقاً ، فقد عرفته الساحة الأدبية في ليبيا باعتباره كاتبا مسرحياً متميزاً إضافة إلى كونه كاتبا صحفياً معروفاً، ولعل قربه من الحركة المسرحية في بداية حياته أكسبته خبرة مكنته فيما بعد أن يكون مبرزاً كمؤلف مسرحي على مستوى ليبيا، وكانت هذه الفرقة قد قدمت له أول عمل يقوم بإعداده وهو مسرحية (المحنة) وكذلك مسرحية  (القضية) أما من تأليفه فأنتجت له مسرحيات (دوائر الرفض والسقوط - باطل الأباطيل - سعدون - العاشق) وهي آخر عمل للفرقة قبل توقفها ، وتبقى مسرحية (دوائر الرفض والسقوط) وهي مدار حديثنا أهم أعمال هذه الفرقة وأكثرها شهرة وعرضا أيضا ، فقد أعدت الفرقة عدتها للمشاركة بها في المهرجان المسرحي الوطني الأول ، وتصدى لإخراجها الفنان / عبدالله الطاهر الزروق في أول محاولة إخراجية له ،. وإن كان له من الخبرة والتجربة ما يؤهله لذلك ، فهو ليس بغريب عن الحركة المسرحية بمصراتة ، بل نتاج مباشر لها ، ابتداء بالتمثيل من على مقاعد الدراسة في الخمسينيات ، مروراً بتجربة فرقة البعث ليختتمها ممثلاً ومخرجاً بالمسرح الوطني، وخلال هذه الرحلة استفاد من تجارب من سبقه في هذا المجال ، فعمل تحت إشراف الأستاذ / عبدالله الترجمان والأستاذ / مختار معافى والفنان خالد خشيم كما استفاد استفادة كبيرة من وجود الفنان الكبير عبدالبديع العربي بالفرقة ، إضافة إلى رغبته الصادقة وحبه لهذا العمل ، كل ذلك ساعده على أن يقدم عملاً ناجحاً ، وكانت إدارة الفنون والشؤون المسرحية وعندما كانت الفرقة تستعد لإجراء تدريباتها على هذا العمل ، قد أرسلت خبيرين مسرحيين للعمل مع هذه الفرقة ، وهما الفنان / محمد عبدالرحمن ، مخرج وناقد مسرحي ، والفنان نبيل الشاذلي في مجال الإدارة المسرحية ، ولم يستمرا في العمل طويلاً بالفرقة وعادا إلى طرابلس ، وبذلك تحمّل الفنان عبدالله الزروق كمخرج للعمل كامل مسؤولياته بالتعاون مع زملائه فكانت (دوائر الرفض والسقوط) عملاً محلياً في كامل جوانبه نصاً وتمثيلاً وإخراجاً ، وبعد الانتهاء من إجراء التدريبات عليها قدم لها عرض تجريبي على مسرح دار عرض مصراتة ثم سافرت الفرقة إلى طرابلس لتقدم عرضها بالمهرجان على خشبة مسرح الكشاف يوم ٢٦-٩-١٩٧١ ولتميز هذا العرض أوفدت الفرقة ممثلة للمسرح الليبي إلى المهرجان الوطني الأول للمسرح في الجزائر الشقيقة ، فقدمت ثلاثة عروض ، على خشبة المسرح الوطني الجزائري عرضين يومي ٢٦و ٢٧ / ١٠ / ١٩٧١ وعرض بمدينة قسنطينة ، ولاقت هذه العروض نجاحاً كبيراً وتناولتها الصحافة الجزائرية بالنقد والتحليل ، هذا النجاح جاء بعد رحلة برية صعبة قامت بها الفرقة من مصراتة إلى الجزائر ، لكن النجاح الذي لقيته أنسى الفرقة مشاق السفر ، وكانت مشاركة شرفت المسرح الليبي وكشفت عن إمكانات فنية متميزة . كما قُدم لنفس المسرحية عرض بمدينة بنغازي على خشبة المسرح الشعبي ، ولما لاقته هذه المسرحية من حفاوة وترحيب في كل عروضها التي قدمتها ، رأيت أن أتطرق إلى ما قالته بعض الصحف عن هذه العروض :-
ففي مجلة المرأة الجديدة وتحت عنوان / دوائر الفرض والسقوط نزاع بين التسييس والمسرح التقدمي .. مولد مؤلف هل جاء طبيعياً ، كتب سعيد المزوغي يقول (... أبرزت هذه المسرحية ضمن عناصرها التي ساعدتها على أن تكون في مثل هذا التوفيق .. المؤلف الوطني بالصورة التي نطلب وجودها ..) أما عن عرض بنغازي فكتب الصحفي / محمد مفتاح أبوشعالة  في صحيفة الجندي مقالاً تحت عنوان : الرفض والسقوط والتجربة المسرحية الناجحة ، قال فيه :(... وبصورة عامة كانت المسرحية ناجحة وهادفة  التمثيل كان ناجحاً والإخراج مبدعاً ولا أعتقد أن المتفرج الليبي وخاصة في بنغازي شهد مثل هذه المسرحية نصاً وإخراجاً وأداء .. لقد جمعت المسرحية بين الدقة في التعبير والمرونة في الإخراج إذ أحسن الأخ / الزروق استعمال الأضواء والموسيقا والمؤثرات الصوتية وأحسن الممثلون التنقلات على الخشبة وتقمص الشخصيات مما جعل المسرحية تسير سيراً حسناً .. ولا أضيف شيئاً سوى أن العمل المركز والطيب يفرض نفسه ...)
أما عن عرض الجزائر فقالت صحيفة الشعب الجزائرية في عددها الصادر ٢٨ الحرث - نوفمبر ١٩٧١ في مقال تحليلي عن عرض المسرحية كتبه الصحفي محمد علي الهراري تحت عنوان " دوائر الرفض والسقوط بين الموت وقوفاً والموت بالمجان .. قاتل حارس السجن الذي تحول إلى حارس قتيل .(إن أول ما يمكن أن يقال عن هذه المسرحية من حيث النص إنها عمل جيد في بنائه الدرامي ... ويمكن القول وبكل تجرد وموضوعية إن عبدالكريم الدناع اسم يجب ألا ننساه من أذهاننا في المغرب العربي مستقبلاً .. بعد ذلك لابد من التنويه بأداء كل من مثل دور مراد والسجناء الثلاثة وعارف والشيخ والقاضي... المسرحية من حيث الإخراج غلب عليها الطابع الكلاسيكي الذي يتنافى وموضوعها واللغة التي  كتبت بها والتكنيك المستعمل في بنائها الدرامي في حين أن الحوار كان ممطوطاً نوعاً ما ...) أما صحيفة الأحداث وهي جزائرية أسبوعية فتناولت عروض المسرحية في أكثر من مقال جاء في أحدها (ولاحظنا أن المسرح الليبي متطور في السنوات الأخيرة بطريقة جميلة) ، وفي مقال آخر للكاتب / كمال بن دمرد .. جاء فيه (.. كان العرض منسقاً من حيث الإضاءة والملابس والديكور والممثلين كانوا منضبطين ولم يبخلوا على الجهور بالبسمة ..) وشارك في تنفيذ هذا العمل :-
ممثلون
يوسف خشيم - المبروك المجعوك - محمد الزعلوك - عبدالله الصيد - مصباح الفرجاني  - علي النحائسي - ابوبكر عطية - علي قدح - محمد الدلفاق - عبدالله الزروق - أحمد الشامي - عبدالله ابوعليم  - عبدالله الدناع - عمر الكميلي - ميلاد ابوصيد - عبدالوهاب كبلان .
فنييون
تنكر - عاشور مسعود
ديكور ومناظر / علي القويري - رمضان بعيو
إدارة مسرحية / محمد السنوسي.
اضاءة / حسين القرقني.
ساعد في الإخراج / عبدالكريم الدناع
أما من جسدت صوت المرأة في عرض المهرجان في طرابلس «تسجيل صوت» فهي الفنانة المصرية / نادية السبع ،  أما في عروض الجزائر فقد تمت الاستعانة بإحدى الأخوات المصريات «سمية» لتجسيد شخصية المرأة وجاءت مسرحية (باطل الأباطيل) والتي قدمتها الفرقة ضمن نشاطها سنة ١٩٧٢ كجزء ثان ومكمل لأحداث مسرحيتها السابقة وهي (دوائر الرفض والسقوط) ولعلها من الأعمال المسرحية القليلة التي تتعدد فيها أجزاء العمل المسرحي ، ليس في ليبيا فحسب بل على مستوى الوطن العربي ، أما مدى توفيق الكاتب في ذلك من عدمه فهو ليس مجال حديثنا ، الذي يقتصر على رصد وتتبع ما قدم من أعمال مسرحية .
 قدمت الفرقة عرضها الأول لهذه المسرحية على خشبة مسرح الكشاف بطرابلس يوم الخميس الموافق  ٨-٦-١٩٧٢ ، أما عرضها الثاني والأخير فكان على مسرح دار عرض مصراته يوم ٢٩-٦-١٩٧٢ ، ورغم قلة العروض ، لم يبخل عليها النقاد والصحفيون بالتتبع النقدي ، وربما لو تعددت عروضها لاحظت بإقبال جماهيري واحتفاء نقدي أكبر ، ومن خلال الإطلاع على ما ورد في بعض المقالات التي تناولت هذين العرضين ، نلمس اختلاف وجهات النظر ، بين كاتب وآخر ، مما يدل على ثراء هذا العمل ليس من بين الأعمال المسرحية المطبوعة للمؤلف - ففي صحيفة الاسبوع الثقافي الصادرة يوم الثلاثاء ٨  من جمادى الثانية ١٣٩٢  هجري الذي يوافق ١٩-٦-١٩٧٢ وعلى الصفحتين (١٠-١١) مقعد بين صفوف الجماهير وتحت عنوان : باطل الأباطيل .. رؤيا صادقة ولكنها من وراء منظار قاتم قال فيه كاتبه الذي لم يذكر اسمه (.. باطل الأباطيل )عنيفة مريرة منذ بدايتها ... لعنات ونقمة كلمات كألسنة اللهب .. فالرجل الناقم في أول المسرحية - وأظنه لسان حال المؤلف - يستعجل السماء صاعقة تنسف العالم من التحيط إلى الخليج . وعثمان الرجل المأزوم بجرح في قلبه وتاريخ أمته عندما يسمع كلمة هتلر يتمنى أن يبعث ليحرق اليهود ... وهذا الرجل أيضا طلق زوجته ثلاث مرات عقب كل هزيمة منيت بها أمته ، ويريد أن يردها ولاتجد حلا لذلك إلا في المحلل .. كلمات كثيرة متناثرة على ألسنة الممثلين قد تكون .. صادقة لكنها شديدة القتامة فالمؤلف ينظر إلى ما حوله من خلف منظار حالك السواد ويمسك يده قلماً ينزف مرارة وأسى ويقطر يأساً وقنوطا ... يحاول أن يسطر به كل احساساته المريرة .. كل ما يعتمل في داخله .. في محاولة للكشف والتعرية .. حقيقي أن المواجهة بالواقع المرّ مطلوبة ... وحقيقي أن المكاشفة بالآلم الذي يعتصر قلوبنا واجبة .. أننا بطبيعة الحال لم نتوقف بعد عن المسيرة .. ومادمنا أحياء فلابد أن يكون هناك أمل .. أقل أمل نهتدى بنوره ، ونحاول حتى ونحن نتعثر الاقتراب منه .. أعتقد لو أن المؤلف استبعد فكرة الربط بين باطل الأباطيل ومسرحيته الأولى وكتبها على هذا الأساس لكان هذا أفضل للعمل دراميا لأن عملية الربط هذه كانت ضعيفة وغير  مقنعة فقد بنى المؤلف مسرحيته الأولى على فكرة محددة وحادثة لها أبعاد أما في المسرحية الثانية  «موضوع فقدنا»  فلم  نر إلا مجرد إطار عام حاول أن يشحنه بانفعالات وقذائف من نار ...) أما عن التامثيل والإخراج فقال (.. المخرج عبدالله الزروق يحب المسرح وكثيراً ما ضحى من أجله وقد حاول أن يعطينا كل ما عنده في حدود خبرته التي استطاع أن يحصلها نتيجة تجاربه واطلاعاته الخاصة .. في  ظني أن يوسف خشيم ممثل دور «الحاكم مراد» هو بطل المسرحية فقد استطاع بآدائه المعبر وبحضوره على المسرح أن ينقلنا بين شتى الانفعالات والعواطف ...) كما نوه بالممثلين الآخرين وما قدمو ه من  جهد.
وفي سنة  ١٩٧٣ شرعت الفرقة في إجراء تدريباتها على مسرحية (محاكمة رجل مجهول) تأليف / عزالدين إسماعيل ومن إخراج الفنان المصري / سليمان محمد عبدالهادي والمنتدب للعمل بالفرقة ، وقدم عرضها الأول على  خشبة دار عرض مصراته ، وشاركت بها الفرقة في المهرجان الوطني الثاني وقدم العرض يوم ١٥-١٢-١٩٧٣ ، كما شاركت بعرضها الفرقة ضمن فعاليات مهرجان أسبوع الفنان الكبير «بشير فهمي» وورد مقال بصحيفة البلاغ الصفحة ٧ كتبه / خليل الزوي / حول محاكمة رجل مجهول يقول فيه :(.. كانت المسرحية في مستوى طيب وفرقة مصراته من الفرق المسرحية التي أعطت للمسرح أعمالاً جيدة .. هذه المسرحية محاولة من كاتبها لتعرية الزيف في عادلة العالم المتعفن  .. محاولة لفضح أساليب القضاء على الإنسان الشريف .. النص جيد..ومتكامل البناء .. والحوار مترابط بشكل يدل على أن مؤلفنا هذا من المسرحيين الأوائل ... الأداء التمثيلي كان رائعاً .. وإن كانت هذه الكلمة ليست تقييماً حقيقياً للأداء ولكن هذا ما يمكن قوله باختصار  ، الإضاءة جيدة وكانت مطابقة للحركة المسرحية ، الحركة المسرحية واضح أن المخرج له تجربة سابقة فالحركة المسرحية كانت جزءاً هاما من تجسيد النص على خشبة المسرح...) كما لم يغفل الكاتب على أن يذكر بعض الملاحظات على العرض من بينها أنه عند انتقال الممثلين لتجسيد شخصيات تاريخية (معاوية والحجاج) نسوا أن يخلعوا الساعات ... أو أستعمال أواني البلاستيك في تلك العصور !
وخاضت فرقة المسرح الوطني تجربتها الثانية في تقديم الأعمال الاجتماعية الشعبية باللهجة المحلية ، عندما قدمت مسرحيتها (ما يصح إلا الصحيح) وذلك سنة ١٩٧٣ وهي تأليف وإخراج جماعي ، عالجت بعض القضايا الاجتماعية مثل الاستغلال والطمع والتسلط والروتين الإداري ، وعرضت لمرتين الأولى على خشبة دار عرض مصراته والثانية بمنطقة تاورغاء ، ثم بدأت الفرقة استعدادها لتقديم الملحمة الجهادية التاريخية مسرحية (سعدون) من خلال استعراض ملامح من حياة البطل الشهيد (محمد سعدون السويحلي) وقدمتها في موسمها لسنة  ١٩٧٤ هي من تأليف الكاتب / عبدالكريم الدناع ومن إخراج  سليمان عبدالهادي.
وفي نفس السنة أصدر الأخ وكيل وزارة الإعلام والثقافة قراراً مؤرخاً في ٧-٤-١٩٧٣ تم بمقتضاه إعادة تنظيم المسارح الوطنية على مستوى ليبيا ، وتشكلت لجنة لهذا الغرض، اختارت لجنة جديدة لإدارة المسرح الوطني بمصراته على رأسها الفنان / خليفة البكباك ، وقدم العرض الأول من مسرحية (سعدون) تحت إدارتها ، ثم  تغيرت لجنة الإدارة ليعود لتسييرها الفنان عبداالله الدناع ويعود بعض الفنانين للالتحاق بالفرقة مجددا بعد أن كانوا قد تركوها ، وقدم لهذه المسرحية العديد من العروض داخل مصراته وخارجها ، وكان أحدها في افتتاح الأكاديمية الجوية مصراته ، حضره عدد من المجاهدين ممن شاركوا هذا البطل خوض معارك الجهاد ، وشارك في تجسيد أدوار هذا العمل كل ممثلين الفرقة أما الأدوار النسائية ، فقد جسدتها كل من الأختين  فايزة رجب - وكريمة إحدى الأخوات المصريات .
أما في سنة ١٩٧٥  فقدمت الفرقة المسرحية مسرحية  (القضية) وهي من إعداد الكاتب عبدالكريم الدناع عن مسرحيتي «الدخان و الزجاج» للكاتب المصري المعروف / ميخائيل رومان ، ومن إخراج / سليمان عبدالهادي وهي مسرحية تتناول بعض القضايا الاجتماعية وتم إعدادها باللهجة المحلية وقدم لها عرض واحد فقط على خشبة دار عرض الفاتح وقد مثل شخصياتها / يوسف خشيم ، يوسف حيدر ، فايزة رجب ، محمد الدلفاق ، الهادي الشريف ، علي النحائسي ، مصطفي تنتون وآخرون.
وتكون مسرحية (العاشق) من تأليف الكاتب / عبدالكريم الدناع ومن إخراج  شوقي نعمان أحد المدرسين المصريين العاملين بقطاع التعليم بمصراته وساعده في ذلك الفنان / محمد الزعلوك هي آخر الأعمال  المسرحية التي قدمتها هذه الفرقة قبل توقفها وقدمت سنة ١٩٧٦ وكان أول عرض لها على مسرح دار عرض مصراته ثم أقيم لها عرض بمدينة طرابلس بنفس السنة على خشبة مسرح الكشاف وقامت الإذاعة المرئية الليبية بتصويره ويعد أول عمل مسرحي يتم تصويره بالألوان محليا ، حدث ذلك عندما كانت الإذاعة المرئية تجري تجاربها على هذا النظام الجديد في البث حينذاك ، فكلفت الفنان المرحوم / محمد الساحلي بإخراجه مرئياً ، إلا أنه أعتذر لأسباب فنية ، من بينها عدم حضوره لأي تجارب أو عرض لهذه المسرحية سابقاً ، ولكن وجود المخرج/ خالد خشيم في صالة العرض أنقذ الموقف ، فقام بإخراج العمل مرئياً بالتعاون مع الطاقم الفني للعرض المسرحي .
وقبل أن ننهي هذا الحديث عن مسيرة فرقة المسرح الوطني ، وما  لعبته من دور فاعل في إثراء وتطوير الحركة المسرحية ، في فترة زمنية وأن بدت قصيرة - سبع سنوات وبضعة أشهر - ولكنها تميزت بالعطاء المتواصل وعمق التجربة ، مما أكسب العاملين بها والمنتمين إليها خبرة في هذا المجال ، فهي قد احتضنت جل المهتمين بالمسرح داخل المدينة ، ليقدموا من  خلالها أغلب الأعمال المسرحية التي شهدتها مسارح المدينة بعد أن توقفت الأنشطة الفنية التي تقدمها بعض الجهات الاخرى وتجدر الإشارة في الختام إلى نقطتين :-
الأولى - أن المسرح ، ومنذ بداية السبعينيات أصبح أكثر تنظيماً ونشاطاً ، بعد أن تم اعتماده كمهرجان تسابقي على مستوى ليبيا يحظى بالدعم والرعاية ، مما حفز على مزيد من الاهتمام بهذا النشاط وساهم بالتالي في اكتشاف المواهب وصقلها ، وقد كان لمشاركة الفريق المسرحي المدرسي بمصراته في هذا المهرجان ومنذ بدايته ، دور متميز توج بالحصول على تراتيب متقدمة وجوائز ، مما دفع ببعض العناصر المنتمية إليه للاستمرار في ممارسة هذا الفن ، حتى بعد التحاقهم بالدراسة في المرحلة الجامعية في بنغازي ، فقد كان من بين أبرز نشطاء فرقة المسرح الجامعي : منصور أبوشناف - يونس لملوم - يوسف الغزال - عبدالباسط القذافي - حسن الليبيدي ، كما أنضم بعضهم إلى فرقة المسرح الوطني ببنغازي ، وقدموا من خلالها بعض الأعمال المسرحية .. وكان بعضهم قد انتسب وفي مرحلة مبكرة إلى فرقة المسرح الوطني بمصراته ، حيث تطالعنا اسماء / منصور ابوشناف - عزالدين المنتصر - يوسف حيدر - عبدالباسط القذافي ، وهذا اكسبهم خبرة ساهمت في تطورهم واستمرارهم فيما بعد .
الثانية / إن الفرقة ومنذ أواخر سنة  ١٩٧٣ شرعت في تكوين فرقة للأشبال ، انضم إليها عدد من الشباب وأقيمت لهم دورة في فنون المسرح ، أشرف عليها المخرج / سليمان عبدالهادي بتكليف من إدارة الفرقة ، وقدمت هذه الفرقة الناشئة أول أعمالها المسرحية وهي مسرحية (على ضفاف اليرموك) سنة ١٩٧٤ من إخراج سليمان عبدالهادي ،وكان أول عرض لها على مسرح المدرسة  الثانوية بنين ، كما قدم لها عروض في مدن (زليتن - الخمس - طرابلس) وقدمت نفس الفرقة عملها الثاني  ، وهي مسرحية (حياة) لنفس المخرج وقد أختير عدد من أنتسب إلى هذه الفرقة الناشئة للقيام ببعض الأدوار في مسرحيتي (سعدون - والعاشق) لكن بتوقف الفرقة الأم ، توقفت فرقة الأشبال ، وانتهت تجربة بدأت ولكنها لم تستمر طويلاً ، بل أن أغلب المنتمين إليها توقفوا عن تقديم أي نشاط مسرحي منذ ذلك التاريخ .
وقد حاول عدد من المهتمين بالشأن المسرحي داخل المدينة ، وبعد سنوات من التوقف ، إعادة احياء فرقة المسرح الوطني بمصراته وإعادتها إلى نشاطها مجددا ، ومن بينها محاولة قام بها قطاع الإعلام بمصراته سنة ١٩٨١، عندما قام بتكوين فرقة قدمت عملاً مسرحياً واحداً وهو (قضيتي تحت جبل من ثلج) من تأليف  وإخراج / سعيد محمد مسعود قدم لها عرضين الأول على مسرح الهندسة التطبيقية ، والآخر على مسرح دار عرض الفاتح ، ثم توقفت عن تقديم أي نشاط واشترك في تقديم هذا العمل الفنانون :-
عبدالله كرواد - محمد الدنقلي - فرج التير - محمد اشويشوة - سعيد محمد مسعود ، وعدد من طلبة معهد الفاتح لإعداد المدربين بمصراته .
كما أن هناك محاول أخرى سنة ١٩٨٨، حيث أصدر الأخ / أمين اللجنة الشعبية لبلدية خليج سرت قراره رقم ٢٤ لسنة ١٩٨٨ بشأن تكوين فرقة للمسرح الوطني . وتم تكليف الفنان / عبدالله الدناع أميناً لإداراتها واجتمع عدد من الأعضاء وشرعوا في التدريبات على مسرحية (سعدون) من تأليف الكاتب / عبدالكريم الدناع ، وأسند إخراجها إلى الفنان / خالد مصطفى خشيم ولكن بعض الظروف حالت دون الاستمرار فلم تعرض المسرحية .
وبعد غياب ١٣ سنة ، عادت الفرقة سنة ١٩٨٩ لتظهر تحت اسم جديد ، وهو فرقة (المسرح الجماهيري) ولكن بأعضاء غير دائمين وفي نشاط غير متواصل ولذلك حديث آخر . 
ومن جراء هذا التوقف ، فقدت الساحة الفنية بمصراته - بكل  أسف - عددا من الفنانين المسرحيين تمتعوا بالخبرة والتجربة ، وكان لهم دورهم الفاعل في إثراء الحركة المسرحية . وكان بقاؤهم واستمرارهم لاشك سيساهم في مزيد تفعيل الحركة المسرحية وإكسابها مزيدا من الثقة  والفاعلية ، ويحدث بالتالي تواصلا بين الأجيال يثرى هذه الحركة ويفعلها ،وقد حاول من بقى في الساحة من فناني المسرح الوطني ، تعويض ذلك من خلال تعاونهم مع الفرق الأهلية العاملة في ما تقدمه من مسرحيات.


فرقة مسرح الأنوار
إعداد / اسماء بن سعيد ..

فرقة مسرح الأنوار للتمثيل تعتبر أحد الفرق المحلية الفاعلة على الساحة الفنية المسرحية، والتي قدمت العديد من الأعمال الهادفة و خاطبت بها المجتمع.. ولهذا حاولنا تسليط الضوء عن بداياتها وأهدافها وأهم الأعمال المسرحية التي قدمتها تماهيا مع مئوية المسرح الليبي.
ولكنها كغيرها من الفرق لم نجد سجلا يوثق سيرتها "وهذا من الأشياء المؤسفة التي تواجه جُل مؤسساتنا وخاصة الإعلامية".
ولهذا لم نجد أمامنا إلا الاعتماد على ذاكرة بعض الفنانين الذين واكبوا وعاصروا تأسيسها كالفنان/ محمد بن محمود الذي يشغل حاليا منصب رئيس الجمعية العمومية للفرقة وكذلك الفنان يوسف بالريش الذي كان أحد الممثلين الرئيسين وأيضاً أول مدير للفرقة عند التأسيس.
وكل همنا تقديم مادة منوعة ومستوفاة عن الفرقة لنضعها بين يدي القراء والمهتمين وكل همنا الإفادة أولاً وأخيراً.

اللبنة الأولة قبل التأسيس

أصل الفرقة الأول منبثق من نادي التحدي الذي كان يقوم بنشاط سنوي مسرحي ولمدة عشر سنوات متتالية وكانت تعرف باسم فرقة "العقوبي" وكان ضمن نشاطها المالوف والأغاني- التمثيل- معارض الرسم- إقامة الندوات والمحاضرات.
شاركوا في تونس ضمن مسابقة النشاط المتكامل بعملين أحدهما تأليف المهدي أبو قرين والعمل الثاني باللهجة المحلية بطولة "محمد بن محمود" "علي البوزيدي" "عبد المجيد الدرهوبي" "علي الأصفر" "عبد المجيد الصديق".
وكان هذا "اسكتش" باسم عصمان في الجيش" عام 1969.
وبعد الرجوع إلى ليبيا وجدوا أمامهم قرار ضم الأندية الرياضية وتم ضمهم إلى نادي الشباب العربي.. فلم يرضَ أعضاء الفرقة بهذا الانضمام فقرروا تكوين فرقة تحمل شعار "الغناء- المالوف- التمثيل".
فكان الاتفاق مع كل من: "محمد النحايسي"- "عبد المجيد الدرهوبي"- "رجب كريمة" ومجموعة من الشباب الآخرين وفعلا بدأ السعى للبحث عن مكان كمقر للفرقة والحصول على الترخيص وأثناء هذا حدث إشكال بين التمثيل والموسيقا وفعلا تم الانقسام محمد النحايسي- رجب كريمة- كونوا فرقة أسموها الفرقة العربية للموسيقا.
محمد بن محمود- يوسف بالريش- عبد المجيد الدرهوبي- عبدالرزاق الصديق- عبد النبي الطبولي- فتحي الفيتوري الهاشمي- علي البوزيدي- صالح الطاهر- والعديد من الأسماء الأخرى قرروا الحصول على ترخيص لفرقة تحمل اسم "مسرح الأنوار".

الحصول على الترخيص
طلبت منهم دائرة الشؤون المسرحية في تلك الفترة والتي كان يديرها 
الأستاذ/ علي العريبي، والتي كانت ضمن الإدارة العليا للفنون والآداب والتي يرأسها الأستاذ/ رجب خليفة حسين، ضرورة تقديم عرض مسرحي لاعتماد الفرقة فتم الالتجاء إلى نادي المدينة الرياضي الثقافي الذي أفسح لهم مقر المسرح التابع له وفعلاً بدءوا في إجراء التدريبات على أعمال مسرحية وموسيقية قدموا خلالها مسرحية للكاتب توفيق الحكيم وكانت من إخراج "محمد نجيب فرحات" ومثل فيها عدد من الفنانيين منهم "يوسف بالريش"- مصطفى التليسي- محمد فرحات- صالح الطاهر العربي- نوري أبو شعالة- إضافة إلى تقديم مشهد تمثيلي فكاهي "اسكتش" من تمثيل "محمد بن محمود" إضافة إلى فقرات من المالوف الليبي قدمها مجموعة من الشباب.
رغم العرض الفني الذي قدم والذي تميز بتقديم رقصة شعبية لأول مرة وهي "رقصة قوبى" من تصميم "صالح العجيلي" إلا أن دائرة الشؤون المسرحية آنذاك رفضت منح ترخيص إلا بعد تقديم عمل مسرحي آخر يكون وحيداً ومرتكزاً على المسرح لأنهم اعتبروا ما قدم هو "حفل منوعات" وفعلاً بدأ أعضاء الفرقة في التدريب على نص مسرحي من تأليف وإخراج "سعيد المزوغي" وهو بعنوان "الغريب" ومن تمثيل "منى أحمد- محمد أبو جراد- بدر الدين أبو حجر- مصطفى زريبة- نوري أبو شعالة- علي الهنشيري- أحمد نوري- أحمد أبو حريبة- محمد خليل- محمد ميلاد- يوسف بالريش- محمد نجيب فرحات- المبروك أبو شينة- عبد الله محمد- محمد طلعت- أحمد الزناتي- محمد العروصى.
وكان هذا سنة 1970مسيحي، وفعلاً تم منح الترخيص لفرقة تحمل اسم مسرح الأنوار.. التي بدأ نشاطها الفعلي بشقة في شارع السيدي عام 1971مسيحي، والتي انضم لها مئات من الشباب والموهوبين كما  ساهمت في إبراز شباب مبدعين في مجال الإخراج المسرحي والديكور.. الذين أخذوا على عاتقهم تعميق دور الفنان الملتزم والواعي القادر على خلق المجتمع السعيد.. المجتمع النموذجي الجديد الذي ينطلق من فكر ثورة الفاتح.

إهداء
كان أول إهداء للفرقة أثناء عرض أولى مسرحياتها وهو الغريب إلى من لم يقل أنا فعلت.
- إلى السواعد التي بدلت وتبذل من أجل المسرح الليبي الحديث.
- إلى كل مخلص لفنه وفرقته.
- إلى جميع الذين وقفوا معنا 
وساعدونا على تخطي العقبات.
- إلى هؤلاء جميعا نهدي هذا العمل.
شباب الأنوار


* وعهد
نعاهد الجميع بأننا نبذل أقصى الجهد حاملين عبء الرسالة الفنية الملقاة علينا بكل أمانة متخطين كل العقبات حتى نبني المسرح الليبي الحديث ونصل به إلى المكانة المنشودة.
مسرح الأنوار
* الأعمال المسرحية
مسرحية الغريب-وزارة في سوق السوداء تأليف وإخراج الأزهر أبو بكر حميد، مسرحية ولاد وبنات تأليف المرحوم رشاد عمر السويحلي، إخراج " عبد الله الزروق- مسرحية الأصدقاء- تأليف رشدي إخراج "محمد نجيب فرحات.. ديكور أحمد الطيب، بطولة "سعيد المزوغي- يوسف بالريش- محمد ميلاد الورفلي.
مسرحية "البراح" تأليف عمرو السويحلي، إخراج/ عبد الرزاق الصديق.. مسرحية "زنقة شارعنا" تأليف زهير التونالي إخراج "عبد الله الشاوش" تمثيل محمد محمود- جمعة الفرجاني- عز الدين دعوب- مفتاح الحطاب- محسن العمامي- الهادي بن مولاهم- عبدالله الشاوش- فتحي هلال- يحيى عبد السلام- وضيوف الشرف على البوزيدي والمبروك حسن.
مسرحية أحلام في مفترق الطرق.. إخراج عبد الله الشاوش تأليف صلاح حمودة، تمثيل جمعة الفرجاني، عبد الله الشاوش، امحمد بنور، فرج نوح، فتحي هلال، عبد الباسط تومية، محمد الدريوي، عبد الله الفوراوي، محمد أسبيس، أبو عجيلة الصويعي، عبد العزيز أبو حجر، علي باقي.
مسرحية ازدحام في مفترق الطرق، تأليف صلاح حمودة إخراج عبد الله الشاوش الإدارة المسرحية أحمد السيفاو، تمثيل محمد ميلاد- مصطفى جوان- جمعة الفرجاني- عبد الله الشاوش- ناصر الغنيمي- العيادي عبد الله- أحمد السيفاو- محمد الدريوي- عياد الحجاجي- عز الدين منصور- المبروك صميدة- الصادق مصطفى والطفل محمد علي جوان.
مسرحية خطة صاحب المقهى- تأليف خليفة حسين مصطفى إخراج إبراهيم عون.
مسرحية الحصة كملت إخراج/ صلاح الأحمر تمثيل محمد شعبان- علي دعدوش- صلاح الأحمر- عبد الله الشاوش- محمد بن مولاهم- محمد محمود.
مسرحية إبليس كان هني: إخراج عبد الحفيظ أبو سبولة تأليف الأزهر أبو بكر حميد.
مسرحية السور- إخراج/ بشير الضاوي تمثيل زهرة مصباح- محمد محمود- محمد الطاهر- عيسى عبد الحفيظ- محمد كرازة- عبد الله الشاوش.
ومسرحيات أخرى هي:- جزاك الله خيرا يا ولدي- النوم في العسل- خطة صاحب المقهى- صح النوم- الحصة كملت- جلاد ومحكوم عليه بالإعدام- الوسواس.
وآخر أعمالها مسرحية شاركت بها في المهرجان العاشر للمسرح وليالي طرابلس المسرحية وهي "انتحار رائد الفضاء للكاتب المبدع "معمر القذافي" إعداد/ حسن الغدامسي- إخراج/ نادر اللولبي.
المشاركات الداخلية والخارجية للفرقة
شاركت الفرقة في جميع المهرجانات الداخلية باستثناء المهرجان الأول في بنغازي إلى العاشر الذي كان في عام 2007 مسيحي، في مدينة بنغازي، بالإضافة إلى عدة مشاركات خارجية كالأيام الثقافية بالدار البيضاء وصفاقس، وأيضاً شاركت الفرقة في مهرجان قرطاج بشريط "العارض" تأليف وإخراج/ محمد المسماري، إلى جانب مشاركتها في تأسيس الاتحاد المغاربي عام 1989مسيحي.
أعمال للإذاعة
قدمت المسرحية عدد من الأعمال لإذاعة الجماهيرية العظمى منها مسرحية للأطفال باسم "أزهار" تأليف "زهير التونالي" إعداد/ محمد محمود.
ثلاثية مواقف وهي حلقات منفصلة تحمل كل منها اسم:- الأول إهمال والثاني منها مش مني- والثالث الوصية وين.
كما تستعد لتقديم مسلسل من 15حلقة للعرض خلال شهر رمضان تحت  اسم "يوميات متقاعد".
وأيضاً تستعد لتقديم 10حلقات لإذاعة طرابلس المسموعة كل حلقة تحمل اسم منفصل وهي:-
الوجه اللي تتحشم به قابل بيه- حبال سو طاحو في بير- الغلطة غلطتي- هادي خالتي- شربة صوت- جاتك في الريش- صكروا هالباب- زيك زي نوسى- متفقين- أيام.
الاستعدادات
حالياً تستعد الفرقة لعمل باسم "مئوية في الميزان" للمشاركة به في المهرجان الوطني تأليف "محمد بن محمود" وهو عمل باللهجة الطرابلسية وحتى الآن لم يستقر على الأسماء النهائية للممثلين والمخرج.










  المسرح الوطني سبها ....
 مسيرة الأربعين عاماً 
إعداد /  محمد الرميح 

البدايات
بدأ النشاط المسرحي في مدينة سبها سنة 1968  وكانت الأعمال تُقدم على خشبة مسرح المحافظة بسبها وكان أسم الفرقة في ذلك الوقت (فرقة سبها للفنون المسرحية).
وقدمت أول عمل بعنوان "الممرض المرح" تأليف وإخراج جماعي وتم عرضها في نادي القرضابية الرياضي الثقافي بسبها ونادي الموظفين بسبها  وكان  ابرز شخصياتها الفنان عبدالرحمن محمد سوف الجين الذي يُعتبر أحد مؤسسي الفرقة  المسرحية بسبها  وفي عام 1971 بعد تكوين الهيئة العامة للمسرح أصبح اسم الفرقة بمسرح المحافظة بسبها وقدمت مسرحية كان ياما كان تأليف وإخراج إبراهيم على عليوة وتم عرضها في معهد المعلمين والمعلمات بسبها وفي عام 1973 بعد إلغاء الهيئة العامة للمسرح وتكوين اللجنة الشعبية العامة للثقافة والإعلام أصبح اسم الفرقة بالمسرح الوطني بسبها  وقدمت الفرقة  مسرحية بعنوان "أنا وحواء والقلوني" تأليف وإخراج إبراهيم على عليوة وتم عرضها على خشبة مسرح الكشاف بطرابلس  وتواصلت  العروض حيث قدمت الفرقة مسرحية لو كان تطلع الشمس في الليل تأليف وإخراج إبراهيم على عليوة في عام 1974 حيث تم عرضها على خشبة مسرح معهد المعلمين والمعلمات بسبها  ثم عُرِضت مسرحية  الضحايا سنة 1975 ، على نفس المسرح وكانت من تأليف وإخراج الفنان مفتاح حسن المصراتي وفي نفس العام قدمت الفرقة مسرحية الناصر صلاح الدين  وعرضت على خشبة مسرح الخدمة الاجتماعية بسبها وعلى مسرح الكشاف بطرابلس وقدمت الفرقة في عام 1976مسرحية  غريب تأليف وإخراج الفنان مفتاح حسن المصراتي التي عرضت على خشبة مسرح نادي النهضة الرياضي بسبها وفي عام 1977 قدمت الفرقة مسرحية بقايا من المجتمع في قفص الاتهام  تأليف الفنان محمد احمد عريده وإخراج الفنان مفتاح حسن المصراتي وقدمت على خشبة مسرح     5اكتوبر بسبها وفي عام 1978 قدمت مسرحية "سقوط الإمبراطورية" تأليف وإخراج الفنان مفتاح حسن المصراتي  كما قدمت الفرقة مسرحية الحق ما ماتش في عام 1979 وكانت من تأليف الفنان خليفة إبراهيم ضوء وإخراج الفنان عمر صالح مسعود
المسرح في الثمانينات
في عام 1980 قدمت مسرحية ثمن الحرية تالف وإخراج الفنان عثمان محمد على وفي عام 1981 قدمت الفرقة مسرحية أهل العقول في راحة وكانت من تأليف وإخراج الفنان عثمان محمد على كما قدمت الفرقة في عام 1982 مسرحية في سبيل الوطن كانت من تأليف الفنان محمد احمد عريدة وإخراج الفنان مفتاح حسن المصراتي وقدمت الفرقة مسرحية وتحطمت الأصنام تأليف الفنان محمد احمد عريدة وإخراج الفنان مفتاح حسن المصراتي وكانت في عام 1983 وفي عام 1984 قدمت مسرحية الورقة الرابحة تأليف وإخراج الفنان مفتاح حسن المصراتي وقدمت في عام 1985 مسرحية كيف أندير وكانت من تأليف الفنان محمد احمد عريدة وإخراج الفنان عثمان محمد على كما قدمت الفرقة مسرحية سعد ومسعود في عام 1986 وكانت من تأليف الفنان محمد احمد عريدة وإخراج الفنان سالم العجيلي أبو الاسعاد  وفي عام 1987 قدمت مسرحية رسالة بدون توقيع تأليف وإخراج الفنان حامد شاكر محمود وعرضت على مسرح الثانوية بسبها ومسرح المعلمات بسبها كما قدمت الفرقة مسرحية اللفعة في عام 1988 وكانت من تالف كلاً من الفنان محمد احمد عريدة وخليفة إبراهيم ضوء وإخراج الفنان وائل عبدالرحمن وقدمت مسرحية أم الفضل تأليف وإخراج الفنان خليفة إبراهيم ضوء في عام 1989 
المسرح في التسعينيات
 في عام 1990 قدمت الفرقة مسرحية ثورة الحق تالف كلاً من الفنان عمر صالح مسعود وحمادي على المدربي وإخراج الفنان جمعة احمد المثناني وقدمت في عام 1991 مسرحية الحصاد تأليف الفنان حمادي على المدربي وإخراج الفنان عمر صالح مسعود وفي عام 1992 قدمت مسرحية المجنون والأشباح تالف الفنان خليفة إبراهيم ضو وإخراج الفنان حمادي على المدربي وعرضت على خشبة فرقة سبها للفنون الشعبية  وقدمت الفرقة في عام 1993 مسرحية بقايا من المجتمع أعداد الفنان مفتاح حسن المصراتي وإخراج كلاً من الفنان مفتاح حسن المصراتي وخليفة إبراهيم ضو  وفي عام 1994 قدمت الفرقة مسرحية قاتل الصبر تأليف الفنان حمادي على المدربي وإخراج الفنان محمد ميلاد هويدي  وقدما مسرحية البحر تأليف وإخراج الفنان حمادي علي المدربي في عام 1995 وقدمت في عام 1996 مسرحية صالحة وسليمة إعداد وإخراج الفنان حمادي على المدربي وعرضت على خشبة مسرح الكشاف بطرابلس ومسرح الخدمة الاجتماعية بسبها  وقدمت الفرقة في عام 1997 مسرحية كليمن جارو تالف وإخراج الفنان حمادي على المدربي وعرضت على مسرح الوطني بدرنة  وفي عام 1998 قدمت مسرحية خيوط الشمس تأليف الفنان حمادي على المدربي وإخراج الفنان محمد على عبدالقادر  وفي عام 1999 قدمت الفرقة مسرحية عكاظ تأليف الفنان ابوبكر بلقاسم محمد وإخراج الفنان محمد على عبدالقادر وعرضت على خشبه مسرح الكشاف بطرابلس ومسرح الخدمة الاجتماعية بسبها  
المسرح في الألفية الثانية
وقدمت الفرقة في عام 2000 مسرحية جثة على الرصيف تأليف الفنان سعد الله ونوس وإخراج الفنان ابوبكر على عبدالقادر وعرضت على خشبة مسرح الخدمة الاجتماعية بسبها وفي عام 2001 قدمت مسرحية ربع التون تالف الفنان الأزهر ابوبكر أحميد وإخراج الفنان حمادي على المدربي وعرضت على خشبة مسرح الكشاف بطرابلس  وفى عام 2002 قدمت الفرقة مسرحية صلاح الأحذية تأليف الفنان حمادي على المدربي وإخراج الفنان عبدالسلام البخاري الزروق وفي عام 2003 قدمت الفرقة مسرحية ادم وحواء تأليف وإخراج الفنان حمادي علي المدربي وعرضت على خشبة مسرح الخدمة الاجتماعية بسبها وقدمت مسرحية الرحلة تالف الفنان ابوبكر ابوالقاسم محمد وإخراج الفنان حمادي على المدربي كانت في عام 2004 وفي عام 2005 قدمت مسرحية نضال تأليف وإخراج الفنان حمادي على المدربي وفي عام 2006 قدمت مسرحية اللعبة تأليف الفنان ابوبكر بلقاسم محمد وإخراج الفنان حمادي على المدربي وعرضت على خشبة مسرح الفتح بطرابلس وفي عام 2007 قدمت مسرحية الكرسي تأليف الأديب خليفة حسين مصطفي وإخراج محمد مظلم وتم عرضها بمسرح الوطني ببنغازي
أعضاء الفرقة  منذ عام 1968 وحتى عام 2008
 شهدت  المرحلة الممتدة من 1968 إلى 2008 بروز وظهور العديد من مواهب الفن المسرحي في التأليف والإخراج والتمثيل والموسيقا والإضاءة والصوت والديكور والمكملات نذكر منهم مفتاح المصراتي - خليفة الزروق - بلقاسم خليفة- عبدالقادر عبدالسلام - عبدالرحمن سوف الجين - عمر صالح - سالم العجيلي - على محمد سالم - احمد موسي - فتحية عبدالمنعم - فاطمة عبدالسلام - خليفة إبراهيم ضوء - عبدالسلام البخاري - طاهر قنانه - سعد المصري - ناجية الشيباني - على احمد حبيب - على محمد حافظ - فايزة احمد عيسي - تركية إبراهيم ابوبكر - ابوبكر بلقاسم - رضوان القاضي - ابوصلاح المبروك - إبراهيم عليوة - الهادي ابوسته - عزيزة احمد سويلم - احمد إبراهيم حسن - حمادي على المدربي - عبدالسلام البخاري - الأزهر ابوبكر أحميد - محمد ميلاد هويدي - سعد الله ونوس -جمعه احمد المثناني - وائل عبدالرحمن - حامد شاكر محمود - عثمان محمد على - محمد احمد عريدة 
المهرجانات الوطنية والدولية
شاركت الفرقة في المهرجان الوطني الأول المقام بطرابلس عام 1974 بمسرحية الضحايا وفي المهرجان الثالث عام 1982 بمسرحية في سبيل الوطن وفي المهرجان الوطني الرابع في عام 1989 بمسرحية أم الفضل والمهرجان الخامس في عام 1991 بمسرحية الحصاد والمهرجان السادس عام 1995 بمسرحية البحر والمهرجان السابع في عام 1997 بمسرحية كليمن جارو والمهرجان الثامن في عام 1999 بمسرحية عكاظ والمهرجان التاسع عام 2006 بمسرحية اللعبة والمهرجان العاشر عام 2007 بمسرحية الكرسي وعلى الرغم من اشتراك الفقرة في كل هذه المهرجانات إلا أنها لم تتحصل على جوائز فكان لها شرف المشاركة  كما شاركت الفرقة في فعاليات مهرجان مانستير بتونس في عام 1995 بمسرحية البحر
جهودهم نذكرها  ونشكرها
تناوب الكثير من الفنانين على إدارة فرقة المسرح بسبها وأول من أدار المسرح الفنان عبدالرحمن سوف الجين  منذ تأسيسه في عام 1968 وحتى عام 1976 وأداره الفنان محمد احمد عريدة في عام 1977 حتى عام 1983 وأداره الفنان عمر صالح مسعود من عام 1984 وحتى عام 1987 وأداره الفنان سالم العجيلي أبو الاسعاد من عام 1988 حتى عام 1998 وأداره الفنان احمد موسي احمد في عام 1999 ورجع الفنان سالم العجيلي أبو الاسعاد في عام 2000 وضل يديره حتى عامنا هذا فتحية إلى  هؤلاء على جهودهم التي تذكرها اليوم  ونشكرها عربون ولمسه وفاء منا على ما بدلوه خلال الرحلة المسرحية والتي من خلالها كان للمسرح الجنوبي في ليبيا أسمٌ وعنون على خشبة فرقة الفنون المسرحية ومسرح المحافظة والمسرح الوطني  بسبها
لمسه وفاء
من الفنانين الذين رحلوا عنا وأعمالهم مازالت خالدة في أدهاننا يحق لنا اليوم نذكرهم لمسه وفاء منا بما قدموه من أعمال ومن بين الذين رحلوا عنا الفنان عبدالرحمن محمد سوف الجين وكانت أبرز مسرحياته الممرض المرح في عام 1968 والفنان عبدالقادر عبدالسلام سعد وأشهر مسرحياته الناصر صلاح الدين والضحايا وسقوط الامبرطورية والمجنون والأشباح وقاتل الصبر والفنان سعد المصري سعد وأشهر مسرحياته قاتل الصبر والمجنون والأشباح والبحر والفنان عبدالحكيم محمد عمير وأشهر مسرحياته الافعي والفنانة فاطمة عبدالسلام الشعاب وأشهر مسرحياتها قاتل الصبر والبحر وغريب كان كل هذا في رصيدهم أعددناه معهم وذكرناهم بهم سابقاَ واليوم نذكرهم وفاءَ لروحهم ليكونوا رحيلهم عنا رحيل الجسد وتظل أعمالهم ونتاجها الروح الخالدة في سماء الإبداع وعلى مر الأجيال
المسرح في عام2008
تسعد فرقة المسرح الوطني بسبها لاستعداد في المشاركة في المهرجان الوطني الحادي عشر وذلك بمشاركة بمسرحية نزيف الحجر رواية الأديب إبراهيم الكوني إعداد وإخراج الأستاذ احمد إبراهيم حسن

 















فرقة مسرح هون
 " مسيرة نصف قرن من العطاء إصرار كوادر الفرقة يغالب كل إحباط "

إعداد / عبدالوهاب قرينقو
         إبراهيم فكرانه
 
1-البدايات
 بدأ النشاط المسرحي في مدينة هون سنة 1949 ، وكانت الأعمال تُقدم على خشبة مسرح مدرسة هون المركزية ، وكان أول عمل بعنوان " ميلادُ محمد " من تأليف الأستاذين " إدريس الشغيوي ، و " الطاهر المقدود " ، وتواصلت العروض حتى سنة 1956 ، حيث تشكلت الفرقة وقدمت مسرحية " الإسلام والمسيح " من تأليف وإخراج الفنان الراحل " إدريس الشغيوي " _ الذي يُعتبر أحد مؤسسي الفرقة القومية للمسرح بطرابلس سنة 1943 _  ثم عُرِضت مسرحية " حنضلة "  سنة 1957 ، على نفس المسرح وكانت من تأليف وإخراج الفنان الكبير " عمر مسعود " كما قدمت الفرقة مجموعة من الأوبريتات مثل " الأسرة السعيدة " ، التي عرضتها الفرقة سنة 1962 كما عرضت مسرحية " الأسرة العائدة " ، وعرضت العملين على خشبة مسرح الشهداء بهون ، ثم على مسرح الاتحاد بسبها حيث قامت الإذاعة المرئية بعرضهما مباشرةً .
، ثم انضمت الفرقة المسرحية إلى نادي هون الأهلي سنة 1968 ، وقدمت العديد من الأعمال المسرحية مثل مسرحية " عليا وعصام " تأليف وإخراج " عمر مسعود " على مسرح الشهداء بهون ، والتي تم عرضها أيضاً على مسرح الاتحاد بمدينة سبها ، حيث لاقت نجاحاً كبيراً ،وكُتِب عنها في صحيفة " الأمة " ، كما قدمت الفرقة تمثيلية وطنية بعنوان " ثمن الحرية " على خشبة مسرح الشهداء يوم 15 نوفمبر 1968 ، حيث أشارت إليها مجلة " جيل ورسالة " في العدد التاسع السنة الرابعة مارس 1968 ، كما قدمت الفرقة مسرحية بعنوان " القطاع الصامد " ، في 1 . 4 . 1971 ، وهي من تأليف وإخراج الأستاذ " شحاتة خميس " وبمساعدة الأستاذ خليفة العربي ، كما تم عرضها في مدينتي مصراته وسبها سنة 1972 .   
وفي 1 . 9 . 1977  قدمت الفرقة مسرحية بعنوان " أهل النفاق "  وهي من تأليف الكاتب المسرحي " العربي أحميدة " ، وإخراج الفنان " خليفة العربي " ، وقُدمت على خشبة المسرح الأهلي بهون ،.
وفي شهر الطير سنة 1994 قدمت الفرقة مسرحية غنائية للأطفال بعنوان " نبع الحنان " من تأليف " أحمد الشتيوي " وإخراج الكاتب " علي مازن " وموسيقا وألحان " عبد القادر الدبري " على المسرح الأهلي أيضاً ، هذا المسرح الذي شُيد مطلع السبعينيات ، كما قامت الفرقة بتقديم عرض مسرحي غنائي بعنوان " الوطن " تأليف " بشير ميلاد المبروك " وإخراج " علي مازن " وكلمات الأغاني " أحمد السنوسي " ، وألحان " سعد احمودة "  .
وقد شهدت المرحلة من 1949 إلى 1995 ظهور العديد من المواهب والكوادر المسرحية نذكر منهم : المرحوم إدريس الشغيوي – الطاهر المقدود – عمر مسعود -  خليفة العربي - المرحوم أبوبكر فكرانه – المرحوم حمود الغليظ - محمد كامه – المرحوم علي ثامر– عمر الغليظ – علي برول – علي عبد الجليل - محمد سنوسي نصر – المرحوم عبد الرحمن العطشان - محمد علي خليفة – المرحوم بشير دراويل – المرحوم مصطفى ميلاد - أمحمد الخير - عبد القادر العربي – عبد الهادي العربي – سالم بلامه – صالح قرينقو – محمد عمور – شحاته خميس – المرحوم محمد الزروق – حسين قرينقو -  أحمد منصور خليفة – المهدي بلامه – المرحوم محمد الفضيل عكاشة – مختار صابرة - محمد مازن بشير –المرحوم عبد السلام عبد الجليل – سالم الحلو – عبد الله محمد زوتو -  محمد إبراهيم – أبوبكر أمحمد - علي عبد العاطي - محمد درويل – عبد العزيز دراويل – المرحوم أحمد المهدي عبد الحفيظ - أحمد لامين عبدالعاطي -  حبيب عبد الله - عبد السلام جحا – عمر المهدي الدبري – مصطفى طاهر الخير – المهدي فرحات – صالح عبد الله عبد القادر - محمد الدوكالي –المرحوم محمد ثامر – محمد عبد اللطيف صالح -  محمد السنوسي إبراهيم – محمد دريحة – عبد القادر الخير - جمعة موسى – المهدي مرموري – تاج الدين غرياني – عواطف العربي – سالم أبو ناموس - عتيق دراويل – المرحوم محمود عبد الهادي – المرحوم ابن الهويدي – المرحوم عباس السنوسي - علي جداد -  عبد الرحمن أبو زيد – العربي أحميدة – صالح بشير – جمعه دريحة - أمحمد فرحات – حمد علي خليفة – حسين مصطفى الدبري - علي الدوكالي – جمال العكشي – عمرو الدبري - المرحوم عبد الله الحلو – سالم الدبري – عبد الله جابر - صالحين جابر – إدريس المهدي – فضيل أمحمد – المرحوم علي إبراهيم السنوسي – أحمد عليوه الدبري -  فوزي هاشم –علي محمد نصر - مصطفى مازن – نور الدين مازن – سعد حمودة -  بشير الشتيوي – علي مازن – أحمد الشتيوي  .   
2-التكوين الثاني
أما خريف 1996 فقد شهد ما يمكن أن نطلق عليه " التأسيس الرسمي للفرقة " ، فعلى هامش الإعداد للدورة الأولى لمهرجان الخريف السياحي الدولي بهون تنادت مجموعة من المهتمين بالحركة المسرحية والمثقفين بمدينة هون ومن كافة أجيال المسرح ، وعقدوا اجتماعاً موسعاً بصالة الرواد بنادي الأخاء الرياضي الثقافي الاجتماعي بهون ، المتأسس سنة 1951 تحت اسم " نادي هون الأهلي " ، والذي كان يحتضن الفرقتين المسرحية والموسيقية ونشاطاتهما ، وقد حضر الاجتماع الأساتذة " خليفة العربي " ، " علي عبد الجليل " ، " العربي أحميدة " ، " يحي دراويل " ، " إبراهيم فكرانه " ، " عبد الله قرينقو " ، " عبد الوهاب قرينقو " ، " مصطفى عبد اللطيف " ، " أمحمد مختار مازن " ، و المهدي مرموري " ،" عدنان أبو تراب " ، وكان من أهم نتائج هذا الاجتماع التأسيسي أن انفصلت الفرقة عن اللجنة الثقافية بالنادي ، وسميت بـ " فرقة مسرح هون " ،  وتم اختيار لجنة إدارية لها  ضمت : عبد الله قرينقو " مديراً " ، إبراهيم فكرانه " نائباً " ، وبعضوية كل من " عثمان أمحمد " ، " مصطفى عبد اللطيف " ، " أحمد عمر مسعود " ، والاستعانة بمخرج متخصص ، وكل هذه النقاط في سبيل تطوير الحركة المسرحية بالمدينة بعد مسيرة ما يقارب من نصف قرن على انطلاقتها ، واحتضان النادي لهذه الفرقة المعطاءة ، فاتخذت الفرقة من المسرح الأهلي بهون مقراً لها وأعلنت عن فتح باب القبول لاستقطاب المواهب الجديدة من كلا الجنسين ، كما تم انضمام مخرج متخصص من العراق الشقيق للفرقة هو المُخرج الفنان " عدنان أبو تراب " الذي ساهم بشكلٍ كبير في تطوير وإنجاح هذه الفرقة ، وكان أول عمل تقدمه الفرقة بعد تأسيسها رسمياً ، مسرحية بعنوان " لعبة السلطان والوزير " من تأليف الكاتب المسرحي الليبي المعروف " البوصيري عبد الله " و من إخراج الأستاذ عدنان أبو تراب ، وشهد هذا العمل أمران لم يعهدهما المشهد المسرحي بهون أولهما تسجيل ثاني ظهور للمرأة في المسرح حيث لعبت الشابة " هالة عبد الله أبوقصيصة " دور بائعة التفاح بالمسرحية ، ومنذ ذلك الظهور صار دور المرأة أكثر فاعلية وحضوراً بالمسرح بيد أن أول ظهور للمرأة في المسرح بمدينة هون كان سنة 1968 في أوبريت مسرحي بعنوان " الأسرة العائدة " ، حيث قامت الطالبة " عواطف العربي " بدور الأخت في تلك المسرحية ، أما الأمر الثاني الذي يعد سابقة في المسرح بهون فهو تواصل وتعدد العروض فقد كانت المسرحيات في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى مطلع التسعينيات تُعرض لمرات عدة، وقد وصل عدد عروض "لعبة السلطان والوزير" أكثر من 15 عرضاً على خشبة المسرح الأهلي بهون ، وفي سنة 1997 كان التئام الدورة السابعة من مهرجان المسرح الوطني بالجماهيرية ، والذي احتضنت فعالياته مدينة طرابلس ، فكانت أول مشاركات الفرقة ، حيث عرضت مسرحيتها لعبة السلطان والوزير على ركح مسرح الخضراء ، مساء 23 . 9 . 1997 . 
وفي سنة 1998 قدمت الفرقة مسرحيتها " السماح على إيقاع الجيرك " وهي مسرحية للكاتب السوري " وليد إخلاصي " وأخرجها للفرقة " عدنان أبوتراب " ، ووضع ألحان الأغاني الفنان سعد حمودة ، وتألق أعضاء الفرقة والمخرج في تأدية هذه المسرحية ما يُعتبر نقلة متميزة في تطور المسرح بالمدينة وعرضت لأكثر من ثلاثين مرة على مسارح هون ، كما شاركت الفرقة بهذه المسرحية في الدورة الثامنة لمهرجان المسرح بالجماهيرية ، خريف 1999 مسيحي ، حيث عُرضت على خشبة مسرح الكشاف بمدينة طرابلس ولاقت إعجاباً كبيراً من الجمهور ومن المهتمين ، كما شاركت الفرقة بعرض المسرحية ضمن الدورة الأولى لمهرجان المسرح الفكاهي الذي أقيم بمدينة بنغازي ، أواخر سنة 1999 مسيحي ، حيث قدمت الفرقة عرضها على خشبة المسرح الشعبي ببنغازي مساء 5 . 12 .. 1999 مسيحي ، علاوةً على مشاركة الفرقة بهذا العمل بمهرجان ثقافي أحيته الفرقة بمصاحبة فرقة هون للموسيقا والتراث بمدينة " زلة " سنة 2003 مسيحي .
وبعد عودة الفرقة من مشاركتها بمهرجان المسرح الوطني حاولت تقديم عمل جديد يضاف إلى رصيدها فقام الكاتب " عبد الوهاب قرينقو " بإعداد وتلييب مسرحية للكاتب السوري الراحل " سعد الله ونوس " بعنوان " الفيل يا ملك الزمان " ، إلا أن لجنة إجازة النصوص لم توافق على عرض هذا العمل ، ودون توضيح أسباب _ مع تبرعهم بنصيحة مؤداها : اهتموا بالنص المحلي ! _  بيد أن ذات اللجنة وافقت على عرض العمل بعد مرور سنوات ! .
وبعد تدريبات الفرقة على مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" التي لم تُعرض اختارت نصاً محلياً للكاتب " علي مازن " بعنوان " بياعين الهواء " وقام المخرج " عدنان أبو تراب بإخراج المسرحية ، وقام بتلحين الأغاني الفنان " عبد القادر الدبري " ، وهي مسرحية غنائية كوميدية شعبية لاقت استحساناً وإقبالاً من جمهور المدينة وعرضت أكثر من عشرين مرة ، وفي سنة 1998 كان لفرقة مسرح هون مشاركة فاعلة في مسلسل للأطفال تم تصوير كامل حلقاته بمدينة هون ، وهو مسلسل بعنوان " ومضة " من إنتاج الإذاعة المرئية قناة المعلومات ومن تأليف إخراج " مفتاح المصراتي " والمسلسل من بطولة الفنانين : أحمد عمر مسعود - محمد الأسود –  إبراهيم فكرانه - محمد أبو رونية –  آمال أبوشناق – أشرف تابابه ، علاوةً على أكثر من عشرين فناناً وفنانة من أعضاء فرقة مسرح هون  .
كما أن الفرقة تدربت على العديد من الأعمال المسرحية مثل مسرحية " المهرج " للكاتب والشاعر الراحل " محمد الماغوط " ومسرحية " رحلة حنضلة " من تأليف الكاتب المسرحي الراحل " سعد الله ونوس " ، ومسرحية " أصوات " للكاتب العربي " مؤنس الرزاز " ، لكن هذه الأعمال لم يكتب لها أن تعرض لعدة أسباب وظروف سيأتي ذكرها لاحقاً .  
وقد شهدت هذه المرحلة الممتدة من 1996 إلى 2007 بروز وظهور العديد من مواهب الفن المسرحي في التأليف والإخراج والتمثيل والموسيقى والإضاءة والصوت والديكور والمكملات نذكر منهم : أحمد عمر مسعود – إبراهيم فكرانه – عثمان أمحمد – عدنان أبوتراب - عبد الله قرينقو -  سعد خير الله – سعد حمودة – أشرف تابابه – هالة أبوقصيصة – وفاء بريني –هدى بريني – خديجة دابوله – ربيعة دابوله – عماد السنوسي – كلثوم ميلاد - ميلاد مليمدي – أشرف فلغوش – توفيق عمور– أمحمد البريكي - عبد القادر الدبري - عبد الوهاب قرينقو - الأزهري مرموري – سمير خليفة – علي السنوسي نصر - علي محمد نصر – الطاهر الخير –  عبد الحميد قذافي – أحمد يوسف – مصطفى عبد اللطيف - عبد السلام كريم – محمد فكرانه - كمال أبو زيد – سالم حمود  - خالد خليفة - عثمان الخير – لامين عبد الواحد– عزوز عبد اللطيف - علي حسن - سالم شنيبو – أحمد الصغير - أحمد لامين – سالمة منصور - ناجي قرار- المرحوم مصطفى المهدي– زينب بالعيون - المرحوم أحمد شنيبو– مليحة بلال - المرحوم عبد الله أبوقصيصة – علي ساسي– الهام بشير– عادل الشيباني – بشير محمد بشير– غزالة منصور – بشير عبد النور – محمد صالح أبوقصيصة – طارق فلغوش – إيمان أبوقصيصة – محمد أحمد مسعود – عبد الرحمن جحا – طه حصن - علي الدبري - علي أبوصبع .
3-الفرقة تقيم مهرجاناً !!
ومن العروض المتميزة أيضاً التي شهدتها تلك المرحلة ، قدمت الفرقة لأول مرة بعد إعادة التأسيس مسرحيةً للأطفال بعنوان " الخديعة " للكاتب المسرحي الليبي المعروف " رمضان القاضي " ، وأخرجها الفنان " إبراهيم فكرانة " في أول تجربة له مع الإخراج المسرحي ، وعُرضت على خشبة المسرح الأهلي بهون ، ربيع 1998  وقد استعانت الفرقة في هذا العمل بتلاميذ مدارس المدينة من كلا الجنسين ،  وأوحت لإدارة الفرقة باستحداث شعبة لمسرح الطفل كانت أول انجازاتها إقامة مهرجاناً لمسرح الطفل ،فكان أن التئمت أولى دورات هذا المهرجان شتاء سنة 2001 على خشبة المسرح الأهلي ، بمشاركة أكثر من تسع فرق مسرحية ضمت 150 طفلاً وطفلة من كافة الأعمار بالتعاون مع مدارس مدينة هون الابتدائية والإعدادية والثانوية ، وتوزع أعضاء الفرقة من ممثلين ومخرجين وكتاب وفنيين على هذه الفرق المصغرة لإنجاح عروضهم المختلفة ، أما لجنة التحكيم فترأسها مخرج الفرقة الأستاذ عدنان أبوتراب ، .... وتواصل هذا المهرجان ليشهد العام 2002 دورته الثانية والعام 2003 دورته الثالثة ، ليتوقف بعد ذلك نظراً للظروف الصعبة التي عانت منها الفرقة لاحقاً مثل الغياب النهائي للدعم والرعاية والاهتمام من المؤسسات ذات العلاقة ، وعزوف العنصر النسائي عن المشاركة ومغادرة المخرج الرئيسي للفرقة إلى العراق .. لكن توقف الفرقة لم يكن نهائياً فقد شهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة إعادة عروض مسرحيات الفرقة ، كما شهد ربيع 2007 رعاية الفرقة لمنافسات المسرح المدرسي ضمن النشاط المدرسي الشامل في نطاق شعبية الجفرة التي كان من المفترض أن تضم مدارس مدن هون – ودان – سوكنة – زلة – والفقهاء إلا أن المشاركة في هذه المنافسة اقتصرت على مدينة هون ولم تتجاوب بقية المدن نظراً لغياب المسرح فيها ، والسؤال الذي يطرح نفسه : ما مدى إمكانية استمرار فرقة مسرح هون في منطقة جغرافية شاسعة تضم 5 مدن تخلو من المسرح ؟!! .. مع هذا فان إصرار كوادر هذه الفرقة يغالب كل إحباط ولازال مدير الفرقة الحالي الفنان إبراهيم فكرانه وبمعونة زملائه يأتون بالمحاولة الجادة أثر الأخرى لإنعاش المسرح من جديد في هون .   
عبدالوهاب قرينقو
إبراهيم فكرانه












فرقة الفن المسرحي بطبرق ...

" سجل عملها الأول (صفحات خالدة) مشاركته  في  المهرجان الوطني الأول "

إعداد /  عبدالكريم عبدالهادي

يرجع تأسيس الفرقة إلى عام ١٩٦٣ أما الترخيص بمزاولة العمل فقد منحه يوم ١٩٧٠/٣/١ وكانت عند تأسيسها تضم شعبة  للتمثيل وشعبة ثانية للموسيقى والفنون الشعبية.
في الفترة  من عام ١٩٧١ إلى ١٩٨٩ قدمت الفرقة ١٣ عملاً مسرحياً وقدمت عروضها في العديد من المدن العربية الليبية من طبرق إلى مدينة البيان الأول بنغازي إلى مدينة طرابلس.
كان أول عمل مسرحي قدمته الفرقة مسرحية (صفحات خالدة) وهي المسرحية التي تم بعد ذلك الاشتراك بها في المهرجان الوطني الأول للمسرح الذي أقيم بطرابلس في شهر الفاتح عام ١٩٧١ وتحصلت الفرقة بهذه المسرحية على الترتيب السابع من بين  إحدى عشرة فرقة مسرحية.
كما شاركت الفرقة في مهرجان العيد العاشر للفاتح العظيم الذي أقيم بمدينة البيان الأول بنغازي وقد شاركت بمسرحية (مشوار اجليفيط) وكانت الفرقة هي الفرقة الوطنية المشاركة بين الفرق المسرحية من الأقطار العربية الشقيقة والدول الصديقة.
من أبرز المسرحيات التي قدمتها الفرقة:
مسرحية (الطهو) تأليف محمد الهنيد.
مسرحية (الكامبو) تأليف أحمد صالح الحمش.
مسرحية (درب النضال) تأليف أبوبكر صميدة.
مسرحية (الثائر)  تأليف سالم القزير.
اشتركت الفرقة في أنشطة التظاهرة الثقافية الكبرى وفازت بالجائزة الأولى على مستوى بلدية البطنان.
اتسع نشاط فرقة الفن المسرحي بطبرق  ليشتمل تقديم أعمال مسرحية لكتاب عرب وأعمال مسرحية عالمية شهيرة وقد قدمت بنجاح مسرحية (ما بين يوم وليلة) من تأليف توفيق الحكيم كما قدمت الفرقة مسرحية (حلاق بغداد) للكاتب المسرحي الفرد فرج ومن المسرحيات العالمية قدمت مسرحية (تاجر البندقية) تأليف شكسبير وترجمة الفرد فرج.

فرقة المسرح الحر
 
إعداد /   الصالحين الرفروفي

بدعم وتشجيع من قبل أستاذهم بمعهد التمثيل انطلق شباب متحمسون للفن ومحبون له وأسسوا سنة 1970ف، فرقة للتمثيل أسموها "فرقة المسرح الحر" وهي تسمية موجودة في بعض الدول المهتمة بهذا المجال وتعني مسرح "الحرية والشامل الذي يهتم بالتجارب الجديدة.
وكان من الأعضاء المؤسسين لهذه الفرقة "سالم أبو خشيم، سليمان المبروك، الصادق شاكير، عبد الرزاق الشهاوي، مصطفى المصراتي، علي الخمسي، د. الصيد أبو ديب، محمود الأشهب، عبد الله ثامر، عبد الرزاق العبارة، عياد الزليطني"، وقد استحق عضوية الشرف الأولى الأستاذ "محمد أبو ضيف علام" الذي كان له الدور الكبير في تشجيع هؤلاء الأعضاء المؤسسين وإعدادهم فنيا وقام بإعداد وإخراج الأعمال الأولى لهذه الفرقة وهي في بداية تكوينها  مثل مسرحية: تاجر البندقية.. صلاح الدين، العادلون، في سبيل الوطن، وتوالت أعمال هذه الفرقة فقدمت "رأس المملوك جابر، وتشرق الشمس، النعجة سالفة الذكر، نحن الملك، عكوز موسى، ما يوكلك الحلو، لعبة المجانين، بعد العشرة، النزيف، غالية، حسان، جالو، صبري وصبرية.
فرقة المسرح الحر شاركت في العديد من المهرجانات الفنية سواء داخل الجماهيرية، أو خارجها من بينها "المهرجان المسرحي الوطني الأول بمسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" للكاتب "سعد الله ونوس وإخراج "سليمان المبروك" وعرضت هذه المسرحية يوم 14-9-1971ف، بمسرح الكشاف بمدينة طرابلس وشاركت أيضا بالمهرجان الأول للنهر الصناعي بمسرحية "النزيف" وهي من تأليف "محمد مسكين" وإخراج "عبد الرزاق بن عيسى" وذلك بمدينة بنغازي سنة 1984ف، وتم عرض مسرحية "بعد العشرة" في أكثر من مدينة ليبية.
قدم من خلال هذه الفرقة مجموعة مخرجين بارزين عدة أعمال من بينها مسرحية "نحن الملك" من تأليف "محمد خيرالدين " ومسرحية "جالو" من إعداد الكاتب "منصور أبو شناق" وهما من إخراج "محمد العلاقي" وأيضاً قدم المخرج "خالد مصطفى خشيم" مسرحية "عكوز موسى" وهي من تأليف الكاتب "مصطفى الأمير" أما مسرحية "النزيف" التي قدمتها الفرقة فهي من تأليف "محمد مسكين" وإخراج "عبد الرزاق بن عيسى"._ حيث عرفت بفرقة المسرح الشامل قبل أن تعود لإسمها الأصلي  _عديد الأعمال التي قدمتها الفرقة أخرجها بعض الأعضاء ومن بينهم "مصطفى المصراتي، مفتاح الفقيه، الصادق شاكير وغيرهم.
وقد مرت هذه الفرقة بظروف وصعاب كثيرة وقفتها عن تقديم نشاطها عدة مرات غير أن تصميم أعضائها وحبهم لهذه المجال جعلهم يستمرون في تقديم الأعمال المسرحية وشاركت هذه الفرقة في عديد من المهرجانات خارج الجماهيرية منها "المهرجان الخامس والعشرون لمسرح الهواة لمدينة الرباط المغربية وتحصلت على الجائزة التقديرية الأولى على العرض المسرحي "بعد العشرة إتبان الناس" والتي تم عرضها بمدينة الدار البيضاء.
 وقدمت هذه الفرقة مسرحية "النزيف" بمدينة "أصيلة، ومدينة جرادة ومدينة الدار البيضاء.
وقد انضم إلى هذه الفرقة مجموعة من الفنانين منهم "يوسف الكردي، زهرة مصباح، مفتاح الفقي، الهادي البكوش، بعيو نور الدين، عيسى المعداني، سالم الطبيب، إبراهيم اليعقوبي، أبو القاسم فرنانة، نوري عبد الدائم، مصباح المزداوي، وقد مر على تأسيس هذه الفرقة قرابة 38عاماً قدمت خلالها الكثير من الأعمال المسرحية وأفرزت العديد من الفنانين والفنيين الذين أثروا الحركة المسرحية في بلادنا، وساهموا مساهمة فعالة في العديد من الأعمال المرئية والمسوعة، غير أنها بالتأكيد تحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي حتى تتمكن من تقديم الأعمال التي تطمح إلى تقديمها. 
 





















فرقة مسرح الجوال للطفل والشباب ببنغازي
وسيلة ناجحة لخلق جيل واع نموذجي 
إعداد  / محمد الرميح 

البدايات
تنادت مجموعة من الشباب الفنانين المسرحيين بمدينة بنغازي وعلى رأسهم الفنان سليمان الدينالي وأسست فرقة مسرح الجوال للطفل والشباب في عام 2000 بترخيص من قبل اللجنة الشعبية للثقافة والإعلام بمدينة بنغازي
أهداف الفرقة
الانتقال إلى كل الجماهير في مواقعهم وحيثما وجدوا داخل وخارج مدينة بنغازي، ونشر الثقافة المسرحية داخل المؤسسات التعليمية والاجتماعية، حتى يحقق الهدف المنشأ من أجله المسرح، وهو الوصول إلى غاية سامية، ألا وهي خلق جيل واع نموذجي، من مميزاته أن يكون ناجحا اجتماعيا وثقافيا وعلمياً، واستقطاب المواهب المسرحية والموسيقية والفنون التشكيلية وغيرها من الفنون .وفي بداية تأسيس الفرقة كانت تقدم الأعمال على خشبتي مسرح مدرسة النصر وشهداء يناير.
الأعمال المسرحية
قدمت فرقة مسرح الجوال العديد من المسرحيات وكانت أولى المسرحيات مسرحية (جحا وسارق الجوهرة) شعبة الأطفال في عام 2000 تأليف الفنان على الجهاني وإخراج الفنان سليمان الدينالي، وعرضت داخل بعض  المؤسسات التعليمية من بينها أشبال الفاتح واليرموك وثورة الحجارة، كما عرضت مجانياً داخل المؤسسات الاجتماعية من بينها دار رعاية البنين والبنات ومؤسسة الأطفال المعوقين، ومدرسة تنمية القدرات الذهنية. وفي عام 2001 قدمت الفرقة مسرحية (عطار عاشور) وكانت من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، وعرضت على خشبة مسرح الأبيار بسلوق،وقدمت الفرقة في عام 2002 (مسرحية الشهيدة خلود) شعبة الأطفال من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي وعرضت في 14/ 6/ 2002 بمناسبة الاحتفال بذكرى تحدي وصمود الشعب الليبي للغارة الأمريكية. وعرضت على خشبة المسرح الوطني ببنغازي وفي نفس العام قدمت الفرقة (مسرحية العرافة ) شعبة الشباب وكانت من تأليف الفنان سليمان الدينالي وإخراج الفنان عياد الشريف ،وقدمت أيضاً مسرحية( الإرث ) شعبة الشباب تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، كما قدمت الفرقة مسرحية (الآفاق والريشة) شعبة الأطفال في عام 2003وكانت من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، وعرضت داخل المركز الثقافي بسلوق، وفي نفس العام قدمت الفرقة مسرحية (الانتفاضة ) شعبة الشباب تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، وعرضت بمناسبة الانتفاضة شهداء يناير .وفي عام 2004 قدمت الفرقة مسرحية (الابلة سريعة) شعبة الأطفال تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، وعرضت على خشبة مسرح سيدي مخلوف، وفي نفس العام قدمت الفرقة مسرحية (الرسام الطيب) لشعبة الأطفال ،وكانت من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، ومسرحية (ناشط كسول) لشعبة الأطفال تأليف علي الجهاني، وإخراج الفنان أبريك درباش، كما قدمت الفرقة في عام 2005 مسرحية( الجوهرة المفقودة) شعبة الأطفال ،وكانت من تأليف الفنان محمد العقوري وإعداد وإخراج سليمان الدينالي ،وعرضت داخل المؤسسات التعليمية والاجتماعية ببنغازي،  وقدمت مسرحية  القدر) لشعبة الشباب في عام 2006، وكانت من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، وعرضت ضمن فعاليات مهرجان النشاط المدرسي المتكامل للأندية ،وفي نفس العام قدمت مسرحية (مجانين في ورطة) شعبة الشباب تأليف الفنان حامد العلواني، وإعداد وإخراج الفنان سليمان الدينالي ،وعرضت أيضا مسرحية ( جحا وجحجوح ) شعبة الأطفال وكانت من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي وعرضت داخل مقر الفرقة وكان العرض خاصا بالعائلات فقط، وقدمت الفرقة مسرحية (أحلام كسول) شعبة الأطفال في عام 2008 من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي، وكلمات الشاعرة سالمة العريبي وكانت المسرحية تجربة جديدة (مونودراما) الممثل الواحد وعرضت داخل خشبة المسرح وكانت الدعوة تحت شعار( العرض خاص للعائلات، ونوما هانئاً للشباب)
أعضاء فرقة مسرح الجوال
شهدت  المرحلة الممتدة من 2000 إلى 2008  بروز وظهور العديد من مواهب الفن المسرحي في التأليف والإخراج والتمثيل والموسيقى نذكر منهم سليمان الدينالي –شاكر الشاعري- محمد العقوري – عياد الشريف – إبراهيم الاندرسي – كمال هليل – صلاح محمد – خالد الشرع – خالد المجبري – على العريبي – محسن الفاخري –حسن الخطاب – عبدالحفيظ الفرجاني – احمد حميد – احمد الطيرة – طارق الورفلي – احمد السويسي – طارق الككلي – فرج العقوري – محمود هويدي – محمد فانوس – مفتاح المغربي – زيد عروية – فخري خليفة – نجاة شحوت – هبة شحوت – هدى العماري – نوره الفاخري – وفاء المسماري – نسرين المجبري – غادة المسباح – سالم المقروسي – فضل الله العبدلى – أيمن الشريف – محمد باله – أسامة ابوخريص – مصطفى دومه – على الشوشان – عائشة محمد – علاء القطراني – حسين الخراز – بدر زويته –ماهر القلال –علي الجهاني – حامد العلواني-
مناشط الفرقة
ما يميز مسرح الجوال اهتمامه الفنون المسرحية والثقافية كافة، حيث قدمت الفرقة في عام 2001 منشطا ثقافيا تحت عنوان (فصول الجوال الأربعة) وتضمن المنشط أمسيات شعرية وفنية، وكانت داخل مدرسة النصر ،وشهداء يناير، ومدرسة الفرقة ،وحضر هذه الأمسيات نخبة من الشعراء الغنائيين والفنانين من بينهم الشاعر يوسف بن سريتي، والشاعر المرحوم رمضان الدرسي، والشاعرة سالمة العريبي ،وعفاف عبدالمحسن ومسعود بشون، والفنانون من بينهم الفنان محمود الشبلي، وقدوره حبيب، وعبدالمنعم عاشور، ومحمد المعوج، وسالم خليفة. كما قدمت الفرقة في مجال التمثيل المسموع خلال شهر رمضان عام 2007 مسلسل يوميات صائم، وبرنامج ليالي بنغازي ،إعداد وتقديم الفنان سليمان الدينالي، وإخراج عياد الشريف ،وبرنامج المسرح الشامل، إعداد وتقديم الفنان سليمان الدينالي، وإخراج إدريس نجم .
المهرجانات
شاركت فرقة مسرح الجوال في العديد من المهرجانات من بينها المهرجان الوطني العاشر للفنون المسرحية بمسرحية (الجوهرة المفقودة) على هامش المهرجان ، وشاركت أيضا بمسرحية( القدر) ضمن فعاليات مهرجان الفنون المسرحية المقام في مدينة درنه وشاركت في مهرجان النشاط الجماهيري المتكامل للأندية (بمسرحية القدر) ،كما شارك بمسرحية(الانتفاضة ) في مهرجان انتفاضة شهداء يناير، وشاركت بمسرحية( الشهيدة خلود) في ذكرى الغارة الأمريكية على خشبة مسرح الوطني ببنغازي وشاركت الفرقة في يوم الاحتفال باليوم العالمي للامتناع على التدخين في عام 2006 وفي اليوم العالمي لمكافحة المخدرات في عام 2007 ،كما شاركت الفرقة في إحياء المناسبات الدينية كافة بتنظيم مسيرة ارتجالية سيرا على الأقدام بمشاركة فرق الموشحات والمألوف.

كان الفضل في تأسيس فرقة المسرح الجوال للطفل والشباب للعديد من الفنانين وعلى رأسهم الفنان سليمان الدينالي التي أوكلت له مهمة إدارة هذا المسرح. وبالرغم من المصاعب  التي واجهت الفرقة منذ تأسيسها في عام 2000 وفي مقدمتها افتقارها لمقر خاص، وبالرغم من كل الصعوبات كان النجاح حليف هذه الفرقة، وهذا راجع إلى تكاثف الجهود، ونخص بالذكر مجهودات الفنان سليمان الدينالي الذي عشق المسرح منذ طفولته، وذلك من خلال مشاركته في المناشط المدرسية والموسيقية، بعد ذلك نمت هذه الموهبة بالتحاقه بالفريق المسرحي بجامعة قاريونس في العديد من المناشط المسرحية والموسيقية.  وفي عام 1983 التحق بفرقة المسرح الوطني ببنغازي، وشارك في العديد من المسرحيات ،من بينها مسرحية( الحاجز) تأليف وإخراج الفنان إبراهيم الخمسي ،ومسرحية( كان ياما كان) إعداد وإخراج الفنان داود الحوتى ، ومسرحية( المهرج) تأليف الفنان محمد الماغوط ،وإخراج الفنان محمد بوشعالة ،ومسرحية( عرض لكل الناس) تأليف الفنان سعد العريبي وإخراج الفنان محمد بوشعالة ومسرحية ( عنوان البيت هلا) تأليف الفنان محمد إدريس وإخراج الفنان  عبدالله احمد عبدالله، ومسرحية( الفرافير) تأليف يوسف ادريس وإخراج الفنان داود الحوتي، ومسرحية( مريومة) تأليف الفنان إبراهيم الخمسي وإخراج  الفنان أبريك درباش، ومسرحية (فليحا الإنسان) تأليف الفنان سعد العريبي وإخراج الفنان عبدالحميد التاج، ومسرحية ( فليسقط السلطان) تأليف الفنان سعد الشهيبي وإخراج الفنان عبدالحميد التاج. وفي أواخر الثمانينيات انتسب إلى فرقة المسرح الشعبي ببنغازي وقدم العديد من المناشط المسرحية والفنية والثقافية من بينها (برنامج المسرح الشامل) إعداد أعضاء المسرح الشعبي، ومسرحية (لمة شمل) تأليف الفنان خليل باله وإخراج الفنان صلاح المصري ومسرحية( عزيزة) تأليف الفنان محمد العقوري وإخراج الفنان عطية الترهوني، ومسرحية( أزمة حب) تأليف الفنان على الجهاني وإخراج الفنان فرج الربع ،ومسرحية (مبروك عرس بوك) تأليف الفنان محمد إدريس وإخراج الفنان فرج الطيرة ،ومسرحية( عجب يادنيا) تأليف الفنان محمد الغزالي وإخراج الفنان فرج الطيرة ،ومسرحية( الساكت ناكت) تأليف الفنان منصور فنوش وإخراج الفنان سالم شعيب، ومسرحية( غريب) تأليف الفنان منصور فنوش وإخراج الفنان سالم شعيب ومسرحية( عواطف زيادة) تأليف الفنان على الجهاني وإخراج الفنان صادق بوعمود، ومسرحية( جثة على الرصيف) تأليف الفنان سعد الله ونوس وإخراج الفنان ابريك درباش، وفي الألفية الثانية أسس فرقة مسرح الجوال للطفل والشباب وقدم من خلالها عديد الأعمال المسرحية من بينها مسرحية جحا وسارق الجوهرة – العطار عاشور – الأبلة سريعة – الانتفاضة – القدر – الزفة – الإرث – الرسام الطيب – الأفاق والريشة، وفي مجال التمثيل المسموع قدم العديد من الأعمال الرمضانية من بينها مسلسل الوسواس ومسلسل معيوف ومعيوفه ومسلسل ليالي بنغازي . وفي جانب التمثيل المرئي قدم مسلسل العرس ومسلسل عفيفة ،وحكاية قصيدة ، وفي مجال التأليف المسرحي  ألف العديد من الأعمال من بينها مسرحية العطار عاشور – الزفة- الابلة سريعة – الإرث – القدر – الرسام الطيب – العرفاء – الأفاق والريشة – مهر عبله – فصل المشاغبين – وفي مجال الإعداد المسرحي أعد مسرحية ملك يبيع أنفه – الغربان وجوفه الجياع – الشيخ عبدالستار- الجوهرة المفقودة – جحا وسارق الجوهرة  وفي جانب الإخراج المسرحي أخرج مسرحية جحا وسارق الجوهرة – العطار عاشور – الزفة – الابلة سريعة – القدر – الإرث – الرسام الطيب – الأفاق والريشة – الهامة ، وشارك في العديد من المهرجانات المسرحية من بينها مهرجان الفاتح الثقافية ومهرجان المرحوم محمد بوشعالة، ومهرجان المعركة ،ومهرجان النهر الصناعي العظيم الأول ،ومهرجان فكاهي، ومهرجان الانتفاضة ،ومهرجان الفنون المسرحية ومهرجان الأندية الرياضية، واغلب المهرجانات المسرحية المدرسية والوطنية للفنون المسرحية بمدينة طرابلس، وتقلد عدة مناصب من بينها رئيس لجنة التقييم للأعمال المسرحية بمؤتمر العروبة، وعضو اللجنة الفنية بالمسرح الشعبي، ومشرف النشاط المسرحي لبراعم وأشبال وسواعد الفاتح العظيم بمعسكر وجده وجمال عبدالناصر والشهيدة خلود ومشرف وحدة النشاط المسرحي بمركز إعادة تأهيل المعوقين ورئيس وحدة النشاط المسرحي بمعهد تنمية القدرات الذهنية ورئيس وحدة النشاط المسرحي بمؤتمر السلاوي، وأمين مخيم الشيماء الإعدادية الثوري، ومشرف النشاط المسرحي بمنطقة بنغازي وأمين منتدى الزهور التربوي الدائم ببنغازي ، ورئيس وحدة النشاط المسرحي بقطاع التعليم على مستوى شعبية بنغازي ،ورئيس وحدة النشاط والوسائل التعليمية بمؤتمر سيدي عبيد ومدير فرقة المسرح الجوال للتمثيل والموسيقى، ومتابع للحركة المرورية للأطفال بقسم المرور والتراخيص ببنغازي وأمين اللجنة الشعبية للثقافة والإعلام بمؤتمر سيدي عبيد
لمسه وفاء
من أعضاء فرقة المسرح الجوال الذين رحلوا عنا ومازالت أعمالهم خالدة في أذهاننا يحق لنا اليوم أن نذكرهم، لمسة وفاء منا لما قدموه من أعمال .ومن بين الذين رحلوا عنا الفنان ماهر القلال الذي وافته المنية في 28/8/2006  وكانت أبرز مسرحياته الإرث، والذابلة سريعة ،والقدر  
المسرح في عام2008
تستعد فرقة المسرح الجوال للطفل والشباب للمشاركة في مسابقة في مجال السينما الليبية وتستعد لتجهيز مسرحية بعنوان( الرجل الذي ضاع حصانه إعداد نجمي العزاوي وإخراج الفنان سليمان الدينالي، كذلك تستعد الفرقة لعرض مسرحية أحلام كسول داخل مقر الفرقة، وكذلك الاستعداد لبرامج شهر رمضان بمسرحية بعنوان حوات وحرايمي من تأليف وإخراج الفنان سليمان الدينالي.


الفرقة الوطنية للتمثيل ـ طرابلس ..." أكثر من ثلاثمائة عضو غذت  بهم  الحركة المسرحية الليبية "  
إعداد / الصالحين الرفروفي 

فرقة أهلية قام بتأسيسها أصدقاء أحبوا الفن  وشغفوا به هؤلاء من خريجي مدرسة الفنون والصنائع الشيخ محمد قدري معروف هو من أشار إلى مجموعة الأصدقاء بتأسيس هذه الفرقة للموسيقا والتمثيل سنة ١٩٣٦ ف وقد أوكلوا مهمة إجراءاتها الإدارية إلى الدكتور مصطفى العجيلي الذي بذل جهوداً كبيرة منذ بداية تكوينها وقد ضمت منذ إنشائها عناصر واعية ومثقفة حيث كانت تضم في عضويتها بالإضافة إلى الدكتور مصطفى العجيلي الشاعر أحمد قنابة والفنان الساخر امحمد حمدي والمعروف ببربري طرابلس والهادي المشيرقي وأنور شحاته وبشير عريبي وفؤاد الكعبازي حسن الشربيني محمد عبدالهادي مينه.
بدأت هذه الفرقة نشاطها وقدمت سلسلة من الأعمال المسرحية الاجتماعية ومجموعة فصول ساخرة غير أنها توقفت عن نشاطها بسبب الحرب العالمية الثانية منذ سنة ١٩٤٢ ف وحتى سنة ١٩٤٤ ف غير أنها سرعان ما أعادت نشاطها ولكن تحت رعاية "نادي العمال والنادي الأدبي" وقدمت  ما يزيد عن سبع مسرحيات حيث أوردت في ذلك الوقت جريدة "طرابلس الغرب" خبراً في شكل إعلان  جاء فيه: ستمثل مساء الأحد ١٣-٢-١٩٤٤ ف عند الساعة الثامنة رواية "العودة للمدرسة" ذات فصل واحد ورواية "خيانة الأصحاب" ذات الثلاثة فصول وستقوم بتمثيل الروايتين طائفة من فرقة العمال لإحياء التمثيل.
الفرقة في تلك الفترة نالت نجاحاً غير مسبوق وتعدى نشاطها مدينة طرابلس حيث ذهبت إلى بنغازي والمرج سنة ١٩٤٦ ف والفرقة الوطنية كانت لديها فرقة مسويقية تضم خيرة عناصر الطرب في ذلك الوقت وفي سنة ١٩٤٩ ف قدمت الفرقة مسرحية "العامل و غنى الحرب" وهذه المسرحية كانت باللهجة المصرية وهي من تأليف وإخراج إبراهيم المصري وهنا بدأ اسم الفرقة الوطنية للتمثيل بعد أن كانت تحت اسم فرقة مدرسة الفنون والصنائع وفرقة نادي العمال.
الفرقة الوطنية كانت تعمل حسب الظروف في ذلك الوقت فهي تعمل وتنقطع عن العمل لأن أعضائها لم يكونوا محترفين بشكل رسمي للتمثيل أو الموسيقا وإنما كانوا عبارة عن مجموعة من الهواة جمعتهم الرغبة في ممارسة الفن ولم يكونوا متفرغين لها.
سنة ١٩٥٦ ف عاودت الفرقة نشاطها بعد انقطاع وانظم إليها مجموعة أخرى من هواة التمثيل والذين كانت لهم أنشطة بسيطة ورغبة أكيدة في هذا المجال من هؤلاء : حسني ساسي، سالم الشريف، سالم موسى، أحمد المعداني، محمد الساحلي، بشير المبروك ، كامل الفزاني، بشير عريبي، وعاد أيضاً إليها أحد المؤسسين الفنان محمد حمدي بعد هذا الانقطاع قدمت أول أعمالها وهي مسرحية "طيش الشباب" و"طريق الشيطان" هذا العمل المسرحي الذي تمثل فيه أول فتاة ليبية وهي الفنانة حميدة الخوجة توالت أعمال الفرقة وقدمت مجموعة أعمال منها: "ثمن الحرية" و" أهل الكهف" التي أخرجها عمران المدنيني، غرام يزيد وقدمت الغرفة مجموعة أعمال أخرى منها: ما إيدوم حال، يوم القيامة، الماريشال، لتتوقف عن الناشط مرة أخرى بعد دمجها مع فرقة الأمل للتمثيل سنة ١٩٧٤ ف زاد عدد المنتسبين للفرقة الوطنية على مدى مسيرة فنية طويلة حافلة بعديد الأعمال عن ثلاثمائة عضو جلهم موجود على الساحة الفنية الآن يواصلون المسيرة الفنية مع زملائهم من مختلف الفرق وهؤلاء من أمثال : الفنان عمران المدنيني، الطاهر القبائلي، يوسف الغرياني، عبدالحفيظ أبوسيولة، فاطمة عمر، هدى عبداللطيف، وهذه الفرقة تعد بمثابة المدرسة التي تخرج منها مجموعة من الفنانين ليؤسسوا فرقاً مسرحية أخرى مثل فرقة "الجيل الصاعد" والتي كونها مجموعة شباب كانوا أعضاء بالفرقة الوطنية من بينهم:
      مختار عوبه، محمد زميط، وأيضاً فرقة المسرح  الحر والتي كونها :سالم أبوخشيم، مصطفى المصراتي، علي الخمسي، كان معظم أعضاء هذه الفرقة هم مؤسسون لنادي الرسامين من أمثال :بشير المبروك، سالم الشريف، حسني ساسي.
بعد انقطاع آخر عادت لتبدأ نشاطها من جديد بعد أن تنادى أعضاؤها السابقون ليبعثوا فيها أمل العودة من جديد إلى عالم أحبوه وشغفوا به وعانوا من أجله.. عانقوا قلة الامكانات والعمل بالامكانات البسيطة والمتاحة وكانوا فرحين بذلك ويبعثهم الأمل في نشر الفن والثقافة بين أفراد المجتمع وقدمت الفرقة العديد من المسرحيات والأعمال المرئية التي شاركت بها إذاعة الجماهيرية العظمى في المهرجان الدولي للتلفزيون في القاهرة ونالت الجائزة الثالثة على العمل المرئي "سائق الشاحنة" أو "حدث ذلك غدٍ".
وقد كانت لهذه الفرقة المشاركات العديدة في المهرجانات المسرحية حيث تحصلت على ثمان جوائز بالمهرجان الوطني الثامن للفرق المسرحية سنة ١٩٩٩ ف وهذه الجوائز هي :
* الإعداد المسرحي للنص والإخراج.
* الإضاءة والديكور.
* التنكر جائزتان.
* الممثة الأولى.
* الممثل الأول.
وقدمت الفرقة الكثير من الأعمال المرئية منها "رجل وامرأة" وآخر أعمالها "جنان النوار" التي شورك بها في آخر مهرجان للتلفزيون في القاهرة لسنة ٢٠٠١ ف والآن الفرقة تستعد لتقديم مجموعة أعمال مسرحية في ترتيب موجود لدى إدارتها فلديها عمل "هم الوسواس" التي كتبها وأعدها المرحوم سليمان الصادق المبروك "البيت القديم، النخاس"  وهما للمرحوم المذكور كما تنوي الفرقة تقديم مجموعة أعمال مسرحية وقد أخرج الفنان الشاب عمر هندر  مسرحية "اللحظة" بهذه الفرقة وهذه الفرقة تشجع الشباب الذين لديهم الرغبة الصادقة  في اقتحام هذا المجال والمشاركة في الأعمال المسرحية.

 

  المسرح في مدينة اجدابيا 
 بقلم /  مصطفى السعيطي 
 
 
       أسوةً بغيرها من مدن الساحل الشرقي ، نالت مدينة اجدابيا حظها من متعة الفرجة الفنية وتحسّست خطوات المسرح في بداياتها عبر الفرق الفنية ـ المسرحيَّة التي كانت تفد على المدينة من درنة وبنغازي ، حيث كانت تقدم عروضها الفنية المتواضعة على خشبة مسرح سينما ( بن عمران ) الصيفية ، ولم تكن هذه العروض تمثل المسرح بمفهومة المتعارف عليه ، بل كانت عبارة عن ( اسكتشات ) تمثلية ضاحكة ( وقد تتخذ هيأة الوعظ والإرشاد في أحيانٍ أخرى مثل معظم أعمال المرحوم رجب البكوش ) ، إضافة إلى بعض المنولوجات الاجتماعية وما في حكمها .
 
  وكان شغف الناس بهذه الاسكتشات الضاحكة لا يضاهيه إلا شغفهم بالشعر الشعبي الذي كانت تقام له في اجدابيا ـ وهي على ما هي عليه من المكانة الشعرية ـ أسواق عامرة تحاكي سوق عكاظ الشهيرة .

  لكن ما أن ولي زمان هذه السوق ، ومات معظم نجومها الذين كانوا يقيمون أركانها ويجمعون الناس فيها من حولها حتى كان المسرح يحتل مكان هذه السوق وإن اختلفت زاوية النظر إليه من قبل الكثيرين.

  وتأثراً بهذه العروض الوافدة ، ورغبةً في تكوين نواة فنية بمدينة اجدابيا ، فقد تنادى بعض الهواة ممن سحرهم المسرح والفن وكونوا فرقة فنية نسجت على هذا المنوال الوافد .. وبدأت الحركة المسرحيَّة في مدينة اجدابيا بتلك الارهاصات التي تسبق قيام أي حركة فنية أو أدبية في كل مدينة ليبية ، وكانت هذه الإرهاصات تأخذ شكلها في المحاولات المسرحيَّة في إطارها الكوميدي الذي بدأ به المسرح في هذه المدينة . ومما ساعد على ذلك أن معظم المؤسسين لها كانوا ينتمون للحركة الكشفية .. تلك الحركة العظيمة التي أرخت بظلالها على الجميع وبدت تفرض نفسها على الساحات ، ووجد فيها الشباب ضالتهم نتيجة للفراغ الذي كان يهيمن على المشهد الثقافي والفني الذي تركه الاستعمار الإيطالي ومن بعده الإدارة البريطانية .

ومن أبرز المؤسسين للحركة الفنية في بداياتها بمدينة اجدابيا المرحوم ( إبراهيم الزلاوي ) و( عبدالحميد امراجع ) و( امراجع يوسف اقعيم ) وبعض فتيان الكشافة بالمدينة ، وكانت هذه العروض تقام ـ مجاناً ـ في مناسبات مختلفة وبالساحات العامة ، وتجمَّع حولها الجموع التي كانت تتلقفها بذات الود واللهفة والتشجيع .. ثم بعد تأسيس نادي اجدابيا في مطلع الستينيات من القرن الماضي اتسعت هذه الفرقة ، حيث تبني النادي هذه المجموعة وخصص لها مقراً ملحقاً بالنادي وابتنى لها ركناً بسيطاً من الخشب تقدم عليه الفرقة عروضها الفنية ، وقد ترأس الفرقة ونظمها وأدارها باقتدار المرحوم ( الطالب الفاخري ) ، واستطاعت هذه الفرقة في مدة وجيزة أن تجذب إليها الكثير من المواهب والكفاءات الفنية في التأليف والتمثيل وحتى الإخراج لعل من أبرزهم ( يونس اشلبي ـ عبدالسلام نوح ـ علي ابوجازية ـ عبدالله مبارك ـ عبدالسلام خفاجي ـ إدريس العوَّامي ـ خليل عريش ـ سالم فوناس ) وغيرهم كثيرون مما انضم فيما بعد إلى فرقة المسرح الوطني .. عندها سعى أعضاء الفرقة لتشكيل فرقة رسمية صدر لها الترخيص الرسمي سنة 1970 ف وانفصلت عن نادي اجدابيا ، واتخذت مقراً متواضعاً لها استأجرته الفرقة وتكفل اعضاؤها بدفع إيجاره من جيوبهم ، واتخذت اسم فرقة الخليج وصارت تقدم مسرحاً خالصاً ( نوعاً ما ) بدلاً من مسرح المنوعات الذي كان سائداً ، ثم اعتمدت كفرقة وطنية حين تم تشكيل الفرق الوطنية الليبية  فأصبحت فرقة المسرح الوطني بدل فرقة الخليج للمسرح والفنون الشعبية ، ومن أهم أعمالها ( جمعية المضربين عن الزواج ) وهو أول عمل قدمته الفرقة على خشبة مسرح سينما الجلاء ومسرحيَّة ( بطل بلا ملامح ـ وأنت اللِّي سرقت الكوكب ـ والبنت اكريميسة ـ والموت أثناء الرقص ـ وعندما يلتقي المتوازيان ـ والرخصة ) ؛ وقد قدمت الفرقة مسرحيات عالمية وعربية منها مسرحيَّة ( الناس اللِّي في السماء الثامنة ) للكاتب المصري المعروف ( علي سالم ) وقد قام عبدالله امبارك بإعدادها تحت اسم ( أنت اللِّي سرقت الكوكب ) ، كما قدمت مسرحيَّة ( الرخصة ) للكاتب الإيطالي ( لويجي برانديللو ) كما استطاعت الفرقة أن تفرض وجودها في المهرجان المسرحي الثالث الذي بطرابلس سنة 1973 ف وعرضت مسرحيتها ( عندما يلتقي المتوازيان ) ، وهي من تأليف يونس اشلبي.

   ثم بدأت الفرقة تستقطب المزيد من المواهب والفنانيين وبرز منهم العديد من الكفاءات العالية في مجال التنكر مثل الأستاذ ( صالح البشاري ) وفنيي المناظر والإضاءة ، وجلبت إليها العناصر النسائية واستعانت بمخرج من سوريا هو الفنان ( محمد غيَّاث العيَّاشي ) الذي قدم لها مسرحيَّة بطل بلا ملامح .

  لكن هذه الفرقة لم يكتب لها الاستمرار لأسباب كثيرة لعل في مقدمتها عدم توفر الدعم المالي الكافي ، وتفرق معظم أعضائها الشباب لتأدية الخدمة العسكرية فاضطرت الفرقة لإغلاق أبوابها في مشارف الثمانينيات ، وتركت وراءها فراغاً قاتلاً في المشهد الفني بالمدينة .

  لكنَّ ثمة فرقاً فنية ومسرحيَّة تقوم هنا وهناك موازية لفرقة المسرح الوطني ، فقد تكونت بنادي التعاون فرقة المواهب للمسرح التي أسسها مصطفى السعيطي وقدمت العديد من الأعمال منها : ( خطيبة صاحبي ) و( آخر حل في المستشفى )  و( الوارث الوحيد ) وهي كلها من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي ، ومقابل ذلك تكونت في مكان آخر ( فرقة الأمل ) ، وهي فرقة استعراضية تقدم المشهد التمثيلي والرقصة والأغنية وقد ترأَّسها الأستاذ محمد أبوبكر الصادق ، ومن مؤسسيها ( رجب خميس ـ ومحمد الشريدي ـ والأخوان داييش ـ وعبدالله وبالقاسم الحبيب ـ وعبدالحميد ابو شهبة ـ وفتحي ابريك ـ وفتحي نور الدين والمرحوم محمد بن احميد والمرحوم الطيب شيبو ) وغيرهم كثيرون ..واستطاعت هذه الفرقة أن تجد لها موطئ قدم وتشد أنظار المشاهدين بعروضها المتنوعة الشيقة ، ولكن ولنفس الأسباب السابقة لم تستطع الفرقة الصمود .. وانسحبت مبكراً من الساحة الفنية .. وعلى انقاض فرقة المواهب تأسَّست بنادي التعاون فرقة الجيل الصاعد للتمثيل ، وهي على بساطتها استطاعت أن تضم نخبة من نجوم المسرح الذين مازال بعضهم يمارس المسرح تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً.. ومن أهم عناصرها ( عبدالباسط الجارد وغيث بوحرورة وحمد خنفور وإدريس عامر والمرحوم يونس حسونة وعبدالرازق السعيطي وعيسي امهشهش ويونس اغنيوه وإدريس نشَّاد وإدريس العرُّوشي وفرج الهمَّالي وخميس السعيطي وعبدالله نشَّاد ) .. والكثير ممِّن سقطوا من الذاكرة .

  وقدَّمت هذه الفرقة معظم أعمالها على مسرح خشبة مسرح النادي ، ومن أهم أعمالها التي قدمتها خلال مسيرتها الفنية ( ابريدان ترجمان - ومجنون في المريخ وانفجر البركان ) وجميعها من تأليف عبد الباسط الجارد ، وإخراج عبد الرازق السعيطي ، عدا مسرحيَّة ( وانفجر البركان ) فهي من تأليف بالحسن الزويّ ، وقدَّمت نفس المجموعة أعمالها الأخرى تحت اسم ( فرقة جمعية بيوت الشباب ) عندما انضمَّت إلى هذه الجمعية وكوَّنت فرقة فنية بها .. أما أهم أعمالها التي قدمتها فهي مسرحيَّة ( مقعد بلا خسارة ) تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج عبدالرازق السعيطي ، وقد شاركت بها في مهرجان النهر الصناعي بمدينة بنغازي 1983 ف تحت اسم فرقة بيوت شباب اجدابيا ، وحازت على إعجاب الحضور ولقيت تشجيعاً كبيراً من المهتمين بالمسرح والفن ؛ مما حدا بالفرقة أن تتقدم الى الجهات المختصة بالترخيص لها كفرقة أهلية رسمية تمارس عملها بعيداً عن الانضواء تحت أي تحت جمعية أو نادي رياضي – وكان لها ذلك ، إذ تم الاعتراف بها فرقة أهلية رسمية بموجب ترخيص رسمي سنة 1983 ف ، واتخذت من مقر فرقة المسرح الوطني المنحل مكاناً لها وتسمت باسم فرقة أصدقاء المسرح وقدمت العديد من الاعمال المتميزة من أهمها : مسرحيَّة ( ليش يا زهاوي ) ، تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج عبدالرازق السعيطي ، وهو العمل الذي شاركت به في مهرجان النهر الثاني ببنغازي سنة 1984 ثم توالت الأعمال فكانت مسرحيَّة ( الفقاقيع ) وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي و( امبراطورية البزنس ) وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي أيضاً ، ثم ( بيت العجايب) وهي من تأليف مصطفى السعيطي وإخراج محسن الفاخري ، ثم  (عين العقل ) وهي من تأليف واخراج عبدالباسط الجارد و( اضرب خلص ) وهي من تأليف عبدالله الحبيب ، و( سوك في دوك ) وهي من تأليف وإخراج عبدالباسط الجارد و( فندق بوشنة ) وهي من إخراج عبدالحميد بوعجيلة ، ومسرحيَّة ( خوذ والاَّ خلِّي ) وهي من تأليف عبدالباسط الجارد وقد شاركت بها فرقة أصدقاء المسرح في المهرجان الوطني السادس بمدينة طرابلس سنة 1424 م ثم مسرحيَّة ( قيس ومغليَّة ) وهي من تأليف عبدالباسط الجارد وأول إخراج لإدريس عامر وهي التي شاركت بها الفرقة في مهرجان الخليج المسرحي الذي التأم بمدينة اجدابيا سنة 1991 ف ومسرحيَّة ( الدفن فوق الأرض ) تأليف عبدالباسط الجارد وإخراج إدريس عامر ، واشتركت بها في المهرجان الوطني الثامن بطرابلس سنة 1998 ف ، ثم مسرحيَّة ( الخروج من القمقم ) وهي من تأليف غيث بوحرورة وإخراج إدريس عامر ، ومسرحيَّة ( نحن والغرباء ) وهي من تأليف غيث بوحرورة وإخراج إدريس عامر . وكان ذلك سنة 2006 ف سنة إعداد هذه السطور. 

   أما فرقة الينابيع فقد تكوَّنت سنة 1991 ف على يد كل من ( مصطفى السعيطي ـ وجمعة الفاخري ـ وعبدالسلام العوامي ـ وابراهيم القذافي ـ وسليمان اللويطي ـ واصميدة الشيخي ـ وفخري الدرباك ـ وفتحي ابريَّك ـ ومحمد دبوب ـ ومحسن الفاخري ـ وعبدالنبي الماجري ـ وعلي العبيدي ـ وفوزي النجمي ـ) وغيرهم .. وقدمت باكورة إنتاجها الأول مسرحيَّة الرياح والصارى التي شاركت بها في مهرجان الخليج الأول سنة 1991 ف وهي من تأليف وإخراج مصطفى السعيطي ، ثم توالت أعمالها المسرحيَّة ومن أهمها : ( صك مصدق – أربعة في أربعة – البروق المعلَّبة – جحا الذي – )  وقد شاركت في المهرجان الوطني الثامن سنة 1991 ف بمسرحيَّة البروق المعلبة وفي المهرجان الوطني التاسع سنة 2006 ف بإعادة مسرحيَّة الرياح والصاري , وهذه الأعمال جميعها من تأليف وإخراج ( مصطفى السعيطي ) عدا مسرحيَّة ( أربعة في أربعة ) فهي من تأليف فتحي القابسي وإخراج مفتاح خالد.
  أما فرقة اجدابيا للفنون المسرحيَّة فهي آخر مولود فني تكوَّن في رحم هذه المدينة , ومن مؤسِّسيها ( فتحي القابسي – مفتاح خالد – جمعة القبائلي – مفتاح خالد – خالد ابريِّك – محمود بوعادة – وغيرهم ) ... وقد قدَّمت الفرقة عدة مسرحيَّات فكاهيَّة منها ( حارة العوافي – ومدرسة لكن مدرسة – ويسلم عليك العقل – ومنامي جاب ) ثم اشتركت الفرقة في مهرجان المسرح التجريبي الثاني بالبيضاء بمسرحيَّة ( هذيان ) وهي من تأليف فتحي القابسي ، وإخراج مفتاح خالد . إلا أن هذه الفرقة شأنها شأن فرقة الينابيع لا تملك مقراً  تجري فيه تجاربها المسرحيَّة مما حدّ من انطلاقها الفنيّ وجعل الحركة المسرحيَّة بالمدينة تتأخَّر قليلاً عن مثيلاتها بالمدن الأخرى ذات الامكانيَّات الكبيرة والدعم اللامحدود .

ولا يفوتنا في هذه السطور أن نذكر أنه تم إنشاء فرقة للطفل تحت اسم ( فرقة محمد السوكني ) أسسها وأشرف عليها ( طاهر الشريف ومحمد عبدالسلام الجالي) , إلا أنها لم تستمر طويلاً لنفس ظروف الفرق الأخرى .

    هذه في عجالة بسطة موجزة عن المسرح والحركة المسرحيَّة في مدينة اجدابيا التي كانت – وما تزال – رافداً مهماً من روافد الفن في بلادنا التي كادت أن تكون شيئاً ذا قيمة لولا نقص أهم روافد الإنتاج الفني وهو الدعم المادي والمعنوي الذي لا زالت تعاني منه حتى الآن .


كاتب ومسرحية ...  عبدالكريم الدناع  
بقلم / تيسير بن موسى 

ضيف هذا العدد الكاتب المسرحي " عبدالكريم الدناع " الذي يعتبر من الكتاب النشيطين في التأليف المسرحي فله ست مسرحيات منشورة " دوائر الرفض والسقوط "وباطل الأباطيل " والتي تعتبر امتدادا لمسرحية "دوائر الرفض والسقوط " وجزئها الثاني ثم " سعدون " و" العاشق " و " قاضى الشبيلية " وأخيراً " الخيول الجامحة " وهناك أربع مسرحيات معدة وهي " القضية "و " قطار الموت " و" سنوات القهر " و" المحنة " . 
وللأستاذ " الدناع " مشاركات في مهرجانات المسرح محليا وعربيا كمهرجان "قرطاج " والرباط " و" دمشق " و " الجزائر " وقد قدمت "فرقة المسرح الوطني " بمصراته معظم مسرحياته في " ليبيا" وفي " قسطنطينة " وفي مدينة " الجزائر " والكاتب " عبدالكريم الدناع " هو من مواليد مدينة مصراته ومقيم فيها . 
وفي عام 1986  أصدرت له الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان مجلدا ضم أربع مسرحيات منها مسرحية " دوائر الرفض والسقوط " التي سأعرضها بعد قليل وهي  من أعماله البارزة وقد عرضت على خشبات مسارح مصراته وطرابلس والجزائر حيث تتناول قضية النضال الشعبي ضد الحكام المستبدين الجلادين الذين يستعينون بالأجنبي الغريب لقهر شعوبهم وسرقة خيرات بلادهم وأن الكفاح ضد تسلطهم وطغيانهم يجب أن يتواصل بلا هوادة أو مهادنة حتى يحقق المناضلون انتصارهم عليهم والإطاحة بقواعد ظلمهم ورفع رايات العدل والخير والسلام فوق ربوع البلاد،وإن كل مناضل يتنكب جانب المجابهة الصريحة الحازمة مع هؤلاء الطغاة ويلجأ لسياسة اللين والمهادنة معهم سيكون مصيره السقوط بين مخالبهم .. تماما كمصير مراد بطل المسرحية . 
عرض المسرحية 
تتألف مسرحية "دوائر الرفض والسقوط"من فصلين كل فصل يتألف من مشهدين ثم فصل الخاتمة،وشخصيات المسرحية الرئيسيون هم : 
مراد : شاب رمز به المؤلف للشباب الثائر على حكم العمالة والخيانة والاستبداد . 
الأم : رمز بها لأرض الوطن التي انتهك المستعمرون الأغراب شرفها وقدسيتها بموافقة وتأييد حاكم البلاد المستبد . 
عارف : رجل كبير من الوطنيين الأحرار عرك الحياة وخبر أساليب الحكام الشيطانية . 
ثلاثة من الشباب الذين اشترتهم السلطة أو أرهبتهم فوقفوا ضد مراد . 
أعرج وأعمى أدعيا العرج والعمى لأنهما من رجال مخابرات السلطة . 
الحاكم "عادل" ثم القاضي المنافق "ابن أبيه" ومساعده "يحيى" ذو الضمير الحي والذي يقف معارضا لنفاق رئيسه وبيعه ضميره للحاكم . 
ثم هناك شخصية محورية أخرى لاتظهر على المسرح وهي شخصية الحارس الأجنبي المقتول،وقد رمز به المؤلف للمستعمر الدخيل الذي يمارس كافة أنواع التعذيب والقهر على جماهير المواطنين ويسرق وينهب ثروات البلاد الوطنية المسيطر عليها بقوة الحديد والنار. 
ويفهم من الحوار أن الحاكم عادل حول الوطن إلى سجن كبير سجّانه ذاك الأجنبي المستبد المتكبر ويتهم مراد بقتله انتقاما وثأرا منه لشعبه وفي المشهدالأول من الفصل الأول يظهر مراد وهو داخل قفص الاتهام بقاعة المحكمة التي ستحاكمه على قتله السجان الأجنبي وتحاول الأم إقناع ابنها بعدم الاعتراف بقتله للحارس لأنه لم يثبت أنه فعلا القاتل لكنه يصر على تأكيد أنه هو القاتل لأن في ذلك فخراً له ودليلا على وطنيته وتمكنه من الانتقام من ذلك المجرم السارق السفاح وتتولى أمه وعارف إقناعه بالتراجع عن اعترافه لأنه سيحاكم ويموت كأى مجرم عادي بينما مكانه الحقيقي يجب أن يكون بين زملائه داخل السجن الكبير ليحرضهم على الثورة ومقاومة الاستعمار والفساد . 
وفي المشهد الثاني من الفصل الأول يبدو القاضي المنافق "ابن أبيه" ومساعده "يحيى" في دار الحاكم الذي استدعاهما ليبلغهما تعليماته بشأن إدانة مراد وإلصاق التهمة به ولكن يحيى يعترض على ذلك التلفيق والتزوير فيخرج من مجلس الحاكم غاضبا فيوعز هذا الأخير لحاجبه بأن يتبعه ويقتله وبعد حين يسمع صوت إطلاق رصاصة تدل على أن يحيى قد قتل . 
وفي المشهد الأول من الفصل الثاني تبدأ محاكمة مراد ويعترف مراد بأنه قاتل السجان ويشهد ثلاثة من الشهود الذين هيأتهم السلطة لذلك الدور وحين يهم القاضي بإصدار الحكم على مراد بالإعدام يدخل حاجب الحاكم فجأة ويسلم القاضي رسالة من الحاكم تطلب منه منع المحاكمة لأنه أصدر عفوه عن المتهم ثم بعد حين يدخل الحاكم نفسه قاعة المحكمة ويطلب من الحراس أخذ مراد إلى قصره . 
وتتدخل الأم وعارف اللذان عرفا أن الحاكم يحاول شراء مراد وأنه بالفعل وقع في شراك ذلك المستبد الظالم..ولنقرأ هذا الحوار بين عارف ومراد وأمه . 
عارف:الآن يابني يبدأ استشهادك الحقيقي . 
مراد : ماذا تعنى حفظك الله ! 
عارف : أعنى أن الحكم قد أصدر حكمه ضدك ولكن بصريقة أخرى لماذا لم تدفع عنك التهمة أو تدعنى أدفعها لقد تركت الاستشهاد في سبيل الحق وها أنت تموت في سبيل الباطل .
مراد : "يائسا" ماذا تعني ؟ 
عارف : لقد حرموك من تقديم عنقك وأبجديات العالم كلها لاتستطيع إفهامك . 
مراد : أماه ياصوت الحكمة يامن علمتني كيف أحب الناس والأرض تعالي فارسك في محنة الاختيار . 
الأم : أواه يافارسي وحبيبي أنا علمتك كيف تستشهد في موقعك علمتك كيف تموت واقفا ولم أعلمك كيف تموت بالمجان . 
مراد: وهل مت بالمجان ياأماه ؟ لقد كنت على استعداد للموت من أجلك وأجل الذين أحبهم لكنهم رفضوا منحي هذا الشرف ولكني لن أستسلم سوف أبقى على عهدي لك ولهم ، ولن أتنازل عن حب الأرض والناس . 
الأم : يمكنك أن تحبهم وأنت معهم في السجن وسوف تنساهم عندما تضع رجلك في قصر الحاكم . 
مراد : لا أفهم ما تعنين ؟ 
الأم : إنك وأسفي لم تعد تفهم شيئاً . 
وفي المشهد الثاني من الفصل الثاني يكشف الحاكم لمراد بأنه هو الذي دبر مسرحية قتل الحارس الأجنبي وإشاعة أن مراد هو القاتل ليظهر أمام الشعب بأنه بطل وطني وفدائي شجاع بينما الحارس لم يمت قتلا بل بالسكتة القلبية،ويعرض الحاكم على مراد أن يحل مكان الحارس المتوفي ويهدده إن لم يقبل هذه الوظيفة بأنه سوف يكشف للناس الحقيقة وهي أن مراداً كذب عليهم وادعى أنه قتل الحارس ثأرا لهم منه ويتردد مراد ويحاول عارف تنبيهه للمؤامرة التي يدبرها له الحاكم الداهية وأنه إذا قبل هذه الوظيفة أصبح جزءاً من هذا النظام الفاسد،لكن مراداً لا يستمع لنصيح ذلك الرجل الوطني العاقل ويبرر قبوله لهذا المنصب بأنه سيتمكن من خلاله من تقديم العون والمساعدة لشعبه،وفي الفصل الختامي يشكف ستار المسرح عن اثنين من حراس الحاكم وهما يحملان على كتفيهما جثة مراد والدماء تنزف من صدره إثر طعنة في قلبه..ولنقرأ هذا لحوار الختامي للمسرحية . 
عارف:"بصوت قوي " من الذي قتله ؟ 
الأعرج : أحد السجناء 
عارف:قتلوك يامراد أواه لو استمعت إلى نصحي إلى صوت الحكمة . 
الأعمى:" يبكي " قال القاتل إن مرادا كان يسرق أقوات السجناء . 
عارف : وهذا ما كانوا يريدونه . 
ابن أبيه:" القاضي " سوف نحاكم القاتل . 
عارف : ثم تنصبونه حارسا للسجن:يا ابن أبيه قل لسيدك ومولاك لاعجب أن مات مراد وسوف يموت غيره من أجل أن يقسم رزق السجناء بالعدل ومن أجل أن ينتهي السجن والجوع معا . 


فنان في الذاكرة
إعداد/ محمد بنور
الفنان المسرحي عبد الرحمن الدقن
رحلة عطاء وإبداع تجاوزت الربع قرن

يعتبر الفنان الراحل عبد الرحمن الدقن من بين المسرحيين الشباب الذين بدات انطلاقتهم الفنية من داخل الفرقة القومية للتمثيل خلال فترة السبعينيات وهي الفترة التي تولى فيها الفنان الراحل "الهادي راشد" إدارة الفرقة القومية للتمثيل.
والفنان "عبد الرحمن الدقن" من مواليد مدينة طرابلس سنة 1953، وتحديداً بمنطقة الظهرة حيث عاش مراحل طفولته الأولى، عشق الفن وخاصة المسرح فقدم من خلاله العديد من الأعمال الفنية كان في عدد منها ممثلا وكاتباً ومخر جا، غلبت على أعماله المسرحية روح الفكاهة والنقد البناء، ولحبه الكبير للأطفال.
 فقد قدم لهم خلال رحلته الفنية مجموعة من الأعمال خاصة الإذاعية. رحلته مع المسرح كانت زاخرة بالكثير من الأعمال وإن كان أهمها مسرحيات "كيخ كيخ" للمخرج الراحل "الهادي راشد" و"ياشينك عروسة" و"طاح الغطى" وأثناء توقف النشاط المسرحي بالفرقة القومية للتمثيل بسبب بعض الظروف الفنية التي واجهتها، التحق الراحل "عبد الرحمن الدقن" بالأسرة الفنية بفرقة المسرح الجديد فقدم من خلالها الكثير من الأعمال الناجحة التي حملت عناوين منها "ياعيني عللي"، "برنية والستالايت"، "عنتر في مثلت برمودا" وهذه الأعمال قدمها في إطار دراما اجتماعية فكاهيه ناقدة حمل فيها صفة الكاتب والممثل والمخرج، باستثناء مسرحية "ياعيني عللي" التي قام بإخراجها الفنان "صلاح الأحمر" وشارك فيها الفنان الأزهر السوكني ونخبة من ممثلي المسرح الجديد.
وخلال رحلته الفنية تعاون الدقن مع عدد كبير من المخرجين المسرحيين، وبفضل حضوره الفني المتميز على خشبة المسرح استعان به أكثر من مخرج وأكثر من فرقة مسرحية، فشارك من خلالها في عدة أعمال.
 ومن بين الفرق التي ساهم فيها الفرقة الوطنية للتمثيل من خلال مشاركته في مسرحية "حلم وإلاعلم" في أول تجربة إخراجية للفنان أنور البلعزي. أما رحلته مع الإذاعة المرئية فهي الأخرى حافلة بالعديد من الأعمال كان من بينها المسلسل المرئي "الصحراء جنتي" للمخرج الراحل "الهادي راشد" وكذلك مسلسلا "صور اجتماعية والثمن وكلاهما للمخرج "محمد مختار بن عيسى" إلى جانب مسلسلات "الكنة والسجين والحومة" وهذا الأخير للمخرج "يحي جرناز" بالإضافة إلى مشاركته في عدة سهرات منفردة منها "اخضرت الأرض"، "أنس الطمع"، "الانتظار"، "الاكتشاف الخطير".
وكما كان عبد الرحمن الدقن متميزاً ومتألقا في المسرح والمرئية كان أيضاً متميزا في الخيالة عندما شارك صحبة عدد من زملائه الفنانين في شريطي "معركة تاقرفت ومعروفة الحطر" رحلة الفنان الراحل "عبد الرحمن الدقن" رحلة عطاء كبيرة امتدت إلى أكثر من ربع قرن عاش فيها ذلك الإنسان الطيب والفنان الملتزم الخلوق، وكان آخر عمل مسرحي قدمه بعنوان "الوردة البيضاء" لفرقة مسرح فرج قناو للطفل والشباب، حقا أنها رحلة متميزة أثرى من خلالها المكتبة الإذاعية والمسرحية بعديد الأعمال الناجحة حتى وافته المنية في 17 الحرث "نوفمبر" سنة 2001 إثر مرض عضال.
 نشير إلى أن الفنان الراحل "عبد الرحمن الدقن" توفي بعد مرور ثلاثة أيام على وفاة والدته والتي دفن إلى جوارها بمقبرة سيدي منيدر.


كاتب ومسرحية .. من ليبيا 
عمر علي السويحلي
بقلم /  تيسير بن موسى 
يلخص الكاتب المسرحي العالمي  :"برتولد بريخت" مهمة المسرح بقوله: إن هذا الفن العظيم يجب أن ينمي عند الناس،متعة الفهم والإدراك،ويجب أن يدربهم على الاغتباط بتغير الواقع،ولا يكفي أن يسمع متفرجونا  ويروا كيف تحرر "بروميثيوس"،بل يجب أن يتدربوا على كيفية تحريره والاعتباط بهذا التحرير..ويضيف بريخت قائلاً:"نعم يجب أن نعلم الناس في المسرح كيف يشعرون بالفرحة والرضى التي يشعر بها المكتشف والمخترع،وبنشوة النصر التي يستشعرها الفائز على الطغيان.
لقد عبر  بريخي بكلماته القليلة هذه،عن دور المسرح الحقيقي في المجتمعات الإنسانية،إذا هو ـ أي المسرح ـ الأستاذ،والموجه،والمثقف،وأيضاً المحرض، لجموع الناس في المجتمعات التي مازالت تكافح وتناضل لتحتل مكانها تحت الشمس،وتتصدى ببسالة لركائز الشر وقوى الطغيان،لنيل حرية وطنها وحرية كلمتها والمسرح حتى ولو لبس ثوب الترفيه والفكاهة والضحك،فهو لم ولن يتخلى عن دوره التعليمي والتحريضي هذا،سواء كان من نوع الكوميديا السوداء،أو الكوميديا البيضاء الضاحكة ذلك أنه يتولى،بكل فنونه وفروعه مهمة المنشط والمهذب لملكات الإنسان وقدراته الإبداعية والجمالية،وينمي أحساسيس النبل والصفاء والحب،مع اتساع الأفق ورحابته في الذات الإنسانية،كان هذا دائماً رأيي في المسرح ودوره الكبير في هذه الحياة.
وفي هذا العدد من مجلة (المسرح والخيالة) سنتعرف على شخصية عربية ليبية،عشقت المسرح وعرفت دوره الكبير والمؤثر في مجتمعها فنذرت نفسها وقلمها له لكن ظروف الحياة التي مرت بها ووقوعها في مرض شديد عضال،حال دون استكمال هذه الشخصية وهذا الفنان رسالته والوصول للمكانة الخليقة بها وبه في عالم هذا الفن الجميل،لقد اختطف الموت عمر السويحلي سريعاً بعد أن ترك  بين أيدينا إنتاجه الأول وانطلاقته الفنية الأولى حيث جعلنا جميعاً نسعد بولادة موهبة مسرحية متميزة في وطننا الحبيب ليبيا،لكن القدر كان أقوى فوئدت هذه الموهبة قبل أن تستكمل نموها ويشتد عودها،لا،ويكفي أن أقول بأن ثاني عمل كتبه عمر السويحلي وهو المسرحية الشعرية "من وراء القضبان" في عام ١٩٧٠،قد تحصل على الجائزة الأولى في المهرجات المسرحي الوطني الأول الذي انتظم في ذلك العام على مستوى الجماهيرية وعرضت فيه مجموعة من المسرحيات من مختلف الفرق المسرحية الليبية الكثيرة،ولد عمر السويحلي في ١٩٤٩/١١/٨ افرنجي في مدينة طرابلس،التحق بمعهد المعلمين في هذه المدينة لكنه لم يستكمل تعليمه فيها إذ شدته الحياة العسكرية فالتحق بالقوات المسلحة،لكن روح الفن واهتمامه بالكلمة جعلت رؤساءه يختارونه للعمل في الصحف والمجلات التي كانت تصدرها القوات المسلحة مثل مجلة (المقاتل) و(جيش الشعب) و(الجندي) و(صحيفة الفاتح) ومجلة (الشعب المسلح) وفي عام ١٩٨٢ أوفد في بعثة دراسية إلى بريطانيا لدراسة فن كتابة المشهدية (السيناريو) وبعد أن قضى عدة سنوات فيها عاد إلى الجماهيرية،ليواصل عمله الأدبي والفني،غير أن المرض بدأ يغزو جسمه،وقد استفحل هذا المرض بعد حادث عرضي مؤسف أسفر عن سقوطه وكسر ساقه ثم بترها،مما ضاعف من آلامه وأوجاعه وأحزانه،حتى أتت لحظة رحيله الأبدي المبكرة في عام ١٩٩٨ قبل أن يكمل العقد الخامس من عمره.
إنتاجه الأدبي والفني
في هذه السنين القليلة التي عاشها عمر،خاصة في السنوات الأولى من السبعينيات حيث بدأ عطاؤه الفني والأدبي،ظهرت له في الصحف والمجلات الليبية العديد من الأعمال في الشعر والقصة والمقالة،والتحقيق الصحفي،إلى جانب أعماله المسرحية،أما عن هذا المجال الأخير أي المسرح فقد بدأ ميوله لهذا الفن الرفيع مذ كان طالباً صغيراً حيث شارك تمثيلاً وكتابة في الأعمال التي كانت تقدم في مدرسته،وقد كتب أولى مسرحياته وهو مازال في سني تحصيله العلمي،وكانت تحت عنوان (كرسي الحكم) وتدور حول أسرار الحياة داخل الأسرة القرمانللية التي حكمت ليبيا ما بين ١٧١١ وحتى عام ١٨٣٥ افرنجي وقد قامت بتمثيلها فرقة مدرسة علي النجار الثانوية في طرابلس ثم في عام ١٩٧٠ف كتب مسرحيته الثانية وهي مسرحية "من وراء القضبان" وتروي بأسلوب شاعري تعبيري،قصة تفجر ثورة الفاتح العظيمة،وقد استقبلت الأوساط الفنية في ليبيا هذا العمل بإعجاب وتقدير خصوصاً وأن كاتبها شاب يمتلئ حيوية ونشاطاً وحماساً مما بشر بولادة موهبة مسرحية متميزة،وليس أدل على ذلك من أن فرقة المسرح الشعبي بنغازي،قامت بتقديمها ضمن فعاليات المهرجان المسرحي الوطني في عام ١٩٧١،وأخرجها الفنان رجب العقوري تحت إشراف وتوجيه الفنان المصري الكبير عمر الحريري،وقد حظيت هذه المسرحية بإعجاب منقطع النظير من قبل مشاهديها ومنحتها لجنة المهرجان جائزتها التقديرية الأولى،وسأقوم باستعراض هذه المسرحية بعد قليل.
ثم تواصلت كتابات عمر السويحلي المسرحية فكتب مسرحية "أولاد وبنات و ...ولحظات تحدي.
كما التحق في هذه الفترة بالحركة المسرحية،فانتسب إلى فرقة "الأنوار" ومثل وشارك في عدد من أعمالها ولم يقتصر عمر على العمل المسرحي بل شدته الإذاعة المرئية والخيالة،خصوصاً بعد سفره إلى بريطانيا وتخصصه في فن كتابة المشهدية "السيناريو" حيث كتب مشهدية باللغة الإنكليزية مشروعاً لتخرج من المعهد الذي درس فيه ثم نقلها إلى العربية تحت عنوان (الموت في بحار الملح) كما كتب بعد عودته مجموعة أخرى من المشهديات القصيرة التي لم يكتب لها الظهور لعدم  وجود جهات منتجة وكان يمكن أن يستمر في عطائه الفني وصقل موهبته وإثراء تجربته ليغدو صوتاً مسرحياً له صداه الكبير على الساحة الليبية والساحة العربية الفنية ولكن القدر كان له رأي آخر.
عرض مسرحية (من وراء القضبان)
تعتبر هذه المسرحية من بواكير ما أنتج المرحوم عمر السويحلي،وقد بناها في شكل لوحات في قالب شعري ففي اللوحة الأولى تظهر مجموعة من الشباب الوطني تشكل خلية ثورية تمثل الشرائح الشعبية الطالب والموظف، والعامل، والعسكري، ويتزعم هذه المجموعة شاب ثوري يؤدي دور البطل الذي يحث أفراد مجموعته على الثورة  ضد حكم الرجعية والفساد من أجل الشعب وتخليصه من ربقة الاستبداد والعسف وإننا في سبيل هذا المبدأ النبيل لن نخشى سطوة السلطان الجائر ويبدأ في توزيع دور كل عضو من أعضاء هذه المجموعة فيقول للعامل:
( ستمر في العمال- ستزرع في نفوسهم الحب للنضال - ليبدأوا الإضراب - ولينقشوا كلماتهم على صفحة السحاب - ليعلموا أنهم أسياد - عامل الميناء، والبناء، والحداد - ليهتفوا - ليصرخوا لا ظلم لا استعباد).
ثم يتجه نحو الطالب فيقول:
( وأنت في الفصول - تبث في إخوانك أنشودة النضال - أنشودة عربية - تشع في حياتهم حرية - ليتركوا الخمول - ليسمعوا رنة الكفاح - ويعلموا أنهم أسنة الرماح - أقلامهم سلاح)
ثم يتجه إلى الموظف قائلاًِ:
( وأنت في المكاتب - أيقظ النفوس النائمة- المقيدة بالراتب - أفق النائمين - ليفتحوا العيون - ليحطموا الروتين - ليعلموا أنهم سنين وهم غافلون - وعندها لن يطبقوا الجفون - سيشرعوا أقلامهم  - كلماتهم ستزدري أحبولة الظلام).
وهكذا يستمر البطل في توجيه  رفاقه وحثهم على توعية زملائهم وفي  اللوحة الثانية - تظهر على المسرح جماعة كثيرة تمثل مظاهرة جماهيرية يتقدمها البطل وهي تهتف ( آمالنا اشتراكية - أهدافنا عربية - لتسقط ركائز الرجعية ).
ويعتلي البطل إحدى المنصات المرتفعة ويهتف في الجماهير ( الوحدة ضماضة الجراح - وشعلة المصباح - تسطر لأمتي وثيقة النجاح - لنقتل الأشباح - لنحرق التخلف ونهدم اللئيم - ونكشف عن وجهه المغلف)
وبينما هم هكذا تخرج إلى المسرح مجموعة من قوات البوليس الإرهابي فتفرق الجموع وتفصلهم عن البطل الذي تعتقله وهو يصيح ( لا..لا..نستسلم .. سترون أننا سننتقم).
كما تخرج امرأة هي زوجة البطل تصيح في رجال البوليس :( إلى أين تأخذوه ألتضربوه .. وتشنقوه..؟ أتهدمون صرحي .. وتقتلون حبي ..؟
أما كفاكم .. بطونكم مملوءة ، سجونكم مملوءة تقتلون في أفواهنا كلماتنا المخنوقة - لماذا .. ألتفرحوا ملككم وتلعقوا أقدامه المعروفة ؟)
وحين تنخرط الزوجة في البكاء يصيح فيها البطل:
( ما هذه الدموع ، لا تجزعي - لن تطفأ الشموع - ولن تسكت الرياح في الربوع - لن يستمر في حياتنا الأنين - ولن يقدروا أن يقفلوا أفواه جميع المخلصين - هناك ألف ممن ينتظر الإشارة ليوقد الشرارة - ليحرق تاريخهم بناره).
ويتعرض البطل للتنكيل والضرب المبرح من قبل رجال البوليس والمخابرات وتبدأ معنوياته في الانهيار خصوصاً حين يبلغه أولئك الجلادون بأن الثورة الشعبية قد هدأت وأن رفاقه تخلوا عنه .. لكن زوجته التي تزوره في سجنه، وتسمع منه عبارات يأسه وقنوطه ورغبته في الموت حتى لا يرى آماله وأحلامه قد تحطمت تصرخ به قائلة :( الموت .. لا تردد هذه الكلمة .. إنها صورة اليأس الكئيبة - يجب أن تعيش .. لتصير أمنيتك قريبة - لك ابناً .. لك ابنة .. لك هدفاً وحبيبة).
ويجيبها بألم ويأس :( لي ابن .. إنه خلف الجدار - وبنية تذرف الدمع على عتبة الدار - ألم تسألك أين أباها حين سألها الصغار .. ؟ لي حبيبة .. لي أنت .. ولكن أين أنت ؟ فبعد أن يمضي النهار - .. ترجعين إلى الديار ) وحين تطلب من زوجها التعلق بالأمل الذي يجب أن تمتلئ به صدور المؤمنين يجيبها:
( الأمل .. إنه خلف السجون .. وليس هنا سوى الصخر الحزين .. - الأمل قد قتل .. لقد قتله المجرمون، وهم يسكرون .. وهم يرقصون).
ثم يريها آثار التعذيب الوحشي التي ملأت جسده كله، وأن الأمل قد ضاع.. كما ضاع اليقين وضاع رفاقه الآخرون فتسارع زوجته صائحة:
( كلا .. لم يضع الرفاق الآخرون - فهم كما بالأمس يرعون أطفالك ويرعوني ...ويرعون اليمين .. فهم لم يحنثوا قسم اليمين).
وحين يتأكد البطل أن نار الثورة مازالت تعتمل في صدور رفاقه ، وأنهم لم ينسوه ويواصلون النضال وأن يوم الفرج قريب، تعود له حيويته ونشاطه ويهتف مخاطباً زوجته:( الآن عاد لي الإيمان والأمل الجديد.. سأفك يوماً من ذراعي القيود .. سأقول يوماً ما أريد .. فرفاقي الأحرار خلف المحن يبنون النشيد .. قولي لهم إني سعيد .. قولي لهم إني هنا جلد عنيد .. ليعجلوا بالنار .. لتذيب الجليد لتذيب قضبان الحديد مع الفجر الجديد .. قولي لهم الدفء يملأ مهجتي .. أملاً جديداً.
ويختم هذا الكاتب والشاعر   الرقيق مسرحيته بلوحة تمثل انتصار الشعب وقيام الثورة ويخرج  صوت المذيع وهو يقول بصوت هادئ عميق
 ( في ليلة ظلماء .. لمع البرق وهز الشرق .. ضاءت ليلتنا السوداء .. خطوات تمزق السكون تكسر دروع الماكرين لتمسح الأنين وتنطلق زغرودة المسكين  إنها قوية، كأرضنا القوية إنها أقدام الثائرين تدق فوق جسرنا المديد تكسر من فوقه الجليد تمهد الطريق لشعبنا المولود من جديد .. ليعيد البناء والتشييد).

الفنان/ فرج الربع
متابعة/ الصالحين الرفروفي 

امتلاكه لصوت جميل مكنه من اقتحام فن الغناء في نادي النجمة.. عندما اكتشفه الفنان: إبراهيم العريبي وعرف موهبته فقام بتوجيهه للمسرح.. ليبدأ رحلة عطاء فني زاخرة بعديد الأعمال.. أنتسب للمسرح الشعبي في بنغازي وتلقى دورة تدريبية في مجال المسرح على يد  الأستاذ/ الفنان عمر الحريري سنة ١٩٦٧ مسيحي، وقدم معه مسرحية "البيت الحرام" وأيضاً مسرحية "ثمن الحرية" والتي تعتبر محطة مهمة في تاريخ المسرح الليبي والمحطة الرئيسة في حياة هذا الفنان.. لتتواصل رحلة الفن لديه ويقوم بتمثيل مسرحية "البخيل" من إخراج الأستاذ/ منصور فنوش، وفي مسرحية "من وراء القضبان" يتحصل على جائزة أحسن ممثل سنة ١٩٧٠ ف.. وقد اتجه هذا الفنان إلى الإخراج حيث قام بإخراج مسرحية "الضحك ساعة" والتي تعتبر نقلة  نوعية في المسرح حيث كانت بداية المسرح الكوميدي الاجتماعي والذي استمر عرضها لمدة شهرين بشكل متواصل في مدينة بنغازي، لقد قام هذا الفنان المتعدد المواهب بإخراج مجموعة أعمال من بينها "عائلة عصرية جداً" قهوة الرايق، عيد ميلاد سعيد، وآخرها مسرحية "الدوّه فيها دوّه" سنة ٢٠٠٣ ف، وآخر عمل قام بتمثيله مسرحية: فليسقط شكسبير التي تحصلت على جائزة العرض المتكامل في المهرجان التاسع للفنون المسرحية.
من أعماله التلفزيونية "أم العلاوى، حد الزين، شجرة الدر عمل عربي مشترك، ضوايق لشلم".
ساهم مساهمة فعالة في النشاط المسرحي وأخرج عدة أعمال من خلاله واكتشف عدة مواهب.
هذا الفنان الذي أثرى المشهد الفني تمثيلا وإخراجا على مدى أربعين عاما قطع حبل نشاطه.
حد المرض الذي أصيب به أخيراً وهو مرض الشخوخة المبكرة بكل  أسف حيث بدأ يفقد جزءا من التذكر وهو السلاح الأساسي والمهم للممثل والفنان بشكل عام.. وقد بدأ رغم إمكاناته البسيطة والمتواضعة جداً علاجه بجمهورية مصر العربية على نفقته الخاصة هذا الفنان الذي يستحق منا الوقوف معه وعلاجه، ننشاد المسؤولين ولجنة الإعانات باللجنة الشعبية العامة للثقافة أن تمد له يد العون والمساعدة وذلك بالمساهمة في علاجه، وأقل ما يمكن أن نقدم له مكافأة له على هذه الرحلة المتواصلة من العطاء في هذا المجال إن هذا الفنان العصامي الذي لا يمكنه حياؤه من طرق باب المسؤولين لابد من الوقوف معه حتى يتمكن من  العلاج ويعود للأسرة الفنية معافي ليستطيع تقديم الأعمال الكثيرة والكب


علي العلواني
    موهبة تركت فراغاً في المسرح
إعداد / محمد بنور 

 يعد الفنان المسرحي الراحل " علي العلواني" من أبرز المسرحين الذين أثروا الحركة المسرحية بالعديد من الأعمال بعد التحاقه بالمجال الفني سنة ١٩٥٧ مسيحي. وفي سنة ١٩٥٩ انتسب إلى فرقة الأمل للتمثيل وهي الواجهة الأولى  لعدد كبير من الفنانين المسرحيين، ثم واصل نشاطه الفني من خلال المسرح بفرقتي المجد والقومي للتمثيل وهذه الأخيرة استمر بها إلى أن انتقل منها سنة ١٩٦٧ رسمياً إلى فرقة المسرح الليبي " الجديد حالياً".رحلته الفنية في المجال المسرحي حافلة بالكثير من الأعمال كان أبرزها مسرحية " ظلام في الظهرة" والتي أخرجها سنة ١٩٦٥ الفنان " عبدالحميد المجراب".
أما آخر محطاته المسرحية فكانت من خلال " باب الفتوح" إخراج " فتحي كحلول" وتنفيذ فرقة المسرح الوطني بطرابلس ومسرحية " الوصية" تأليف  الحاج " محمد دعاب" وإخراج الفنان " نوري عبدالدائم" التي أنتجها المسرح الوطني ومسرحية  . وبين المحطة الأولى والأخيرة كانت له عدة محطات زادت عن العشرين اختاره الكثير من المخرجين كان من  بينهم الراحلان الأزهر أبو بكر حميد، الهادي راشد، وكذلك المخرجون عبدالحميد المجراب، نوري  عبدالدائم، عبدالله الزروق، محمد العلاقي، فتحي كحلول، عبدالحفيظ أبو سبولة. ومن خلال المهرجانات المسرحية المحلية فقد شارك  في عدد من دوراتها إلى جانب مشاركته في عدد من المهرجانات العربية كان آخرها مهرجان دمشق للفنون المسرحية سنة ١٩٨٨ مسيحي عندما شارك صحبة زملائه بفرقة المسرح الوطني بطرابلس في مسرحية " باب الفتوح" تأليف الكاتب العربي محمود دياب ، إخراج  فتحي كحلول.. وكما كانت له محطات مسرحية كانت له أيضاً محطات مرئية فكانت البداية سنة ٦٧ ومن خلالها قدم عدد كبيرا من الأعمال الفنية من أبرز عناوينها" منزل للبيع، حروف بارزة، الغضب، صور اجتماعية، الحصن المنيع،منوعة هوينا" وهذه المنوعة هي الأخيرة في حياته الفنية. ويعتبر الفنان الراحل علي العلواني من الممثلين الأوائل الذين عملوا بالمجال الإذاعي بعد إنشاء الإذاعة المرئية سنة ١٩٦٨ وفي مجال الخيالة له مساهمة واحدة من خلال شريط " يوم في حياة بئر" للمخرج فرج الرقيعي. وعلى الرغم من أنه كان لايجيد القراءة والكتابة إلاّ أن له ذاكرة قوية في حفظ الأدوار التي تسند إليه وتميزه في المشاركات التي اختير فيها  مما جعله يتلقى صحبة عدد من زملائه الفنانين دورة تدريبية في مجال الإخراج المرئي بأيطاليا حيث كان متميزاً في التحدث باللغة الإيطالية نشير إلى أن آخر  الأعمال الفنية التي شارك فيها قبل  رحيله حملت عنوان " هوينا" للفنان صالح أبو السنون ومسلسل " الحصن المنيع"لشيخ المخرجين حسن التركي هذه باختصار نبذة عن رحلة الفنان الراحل علي العلواني المولود في العام ١٩٣٥ والمتوفى في العام ٢٠٠٢ مسيحي.



الفهرس :- 


الإهداء

 مقدمة
الباب الأول " تأريخ ... بدايات .... ريادة
4-ماذا لو ..
   بقلم / كامل عراب 

5-أول الغيث ..وطن
بقلم / البوصيري عبد الله
6- المسرح الليبي .. مسرح النضال والمتعة الفكرية والبصرية
بقلم /  المهدي أبو قرين
7- المسرح الليبي في مئة عام ......
" كانت النوادي الأدبية والرياضية والفرق المسرحية التابعة لها والصحافة أيضاً هي المنابر التي ساهمت في توعية الجماهير  " 

بقلم  / المهدي ابوقرين 
 
8- المسرح الليبي في مائة عام ..
" بشير عريبي ونادي العمال " 
بقلم/  المهدي أبو قرين ..


9-بواكير النقد المسرحي في ليبيا ... " مولود قابلته الصحافة " 
بقلم / البوصيرى عبد الله " 1 "  
10-  بواكير النقد المسرحي في ليبيا 
الخبر المسرحي " بين الصمت والإهمال " 
بقلم / البوصيرى عبد الله  " 2   " 

11-بواكير النقد المسرحي في ليبيا " 3" 
 النقد: بين الانطباعية والتطبيقية 
بقلم / البوصيرى عبد الله   
12-رحلة التأليف المسرحي في ليبيا
بقلم / خليفة حسين مصطفى
13- المسرح في ليبيا 
بقلم / د. علي الراعي 

14-  " القويري " يتحدث عن العقربي " ....
"  لم يهدأ (محمد العقربي ) كان دائماً يبحث عن الأرض التي تقبل بذرة الفن "

بقلم / عبدالله القويري


15-    نشأة المسرح العربي الليبي
بقلم / عبدالحميد المالطي ...

16- الفنان بشير عريبي ..
إعداد / مختار الأسود 

17 مصطفى الأمير وإبراهيم بن عامر
يحكيان قصة المسرح قصة المسرح في ج. ع. ل
حوار / محمد بالحاج 
18-  المسرحي   شعبان القبلاوي.." خير المسارح ما كان مدرسة للناس " 
 بقلم / محمد بنور 
19- 
الحركة المسرحية الليبية 
إصرار شغوف ومثابر 
بقلم /  محمد سليمان الزيات 

20- 
 الممثلة المسرحية في مئوية المسرح الليبي " 1908  – 2008م" ·       
 سعاد الحداد نموذجا
بقلم / فاطمة غندور 

21- الدعاية و الإعلان في المسرح الليبي ..
بقلم /أحمد الغماري 
22- المئـــويــة للمسرح الليبــي عيـديــة
بقلم / شرف الدين سعيد العلواني

23- من يحتفل بمئوية المسرح الليبي ؟!!
أحمد الغماري - هدى الغيطاني - سوزان الغيطاني

24- الإدارة المسرحية في المسرح الليبي
بقلم / عبدالله مفتاح هويدي 
25- 
علاقة جميلة كهذه..
."  تخاريف قديمة عن مسرح حقيقي وعشاق حقيقيين " 
بقلم / عبدالله الزروق


26- عبدالله القويري .. الصمت الصاخب
بقلم /   جمال التركي

27- مصطفى الأمير وفرج قناو
الاتجاه الواحد  والتفريع المستقل 
بقلم : أحمد بشير عزيز 

28- أحمد البيزنطي....*.                    
                         " ريادة "                            
حوار / نوري عبدالدايم 
 


29- أنور الطرابلسي..  شيخ المسرح الذي رحل
بقلم /  ناصر الدعيسي

30- تمسون في مسرح .. وتصبحون على وطن
فرج قناو في ذكراه التاسعة 
بقلم / فتحي كحلول
31- علاقة جميلة كهذه 
رحيل الجياد البرية 
بقلم عبد الله الزروق
32 - الفنان  مصطفى احميدة العجيلي  
إعداد / مختار الأسود  

33- فؤاد الكعبازي 
سيرة القنديل أو ذاكرة الإبداع البكر
 حوار / نوري عبدالدايم 

34- الأزهر أبوبكر حميد 
متعة الكوميديا وجرأة الطرح 
بقلم/أحمد بشير عزيز 
 
35- شرف الدين .. حكاية مشوار (1)
حوار / نوري عبدالدايم 
36- شرف الدين ...... حكاية مشوار (2) 
 حوار / نوري عبدالدايم 

37- الباب الثاني

دراسات... بحوث.. متابعات ... قراءات

38-  كيف ننعش مسرحنا ..؟
بقلم / البوصيري عبد الله 
 39-أسئلة المسرح ..
بقلم / أحمد بللو 

 40- حول (المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية
   هل هو تجريب أم تهريج ؟!
  بقلم / عبدالله القويري
41-  الكاتب ممثلا مسرحيا
بقلم /  د. أحمد إبراهيم الفقيه 
42- التجريب إبداع لا اندفاع
بقلم / أحمد بشير عزيز
43- حول مهرجان فرقة الأمل ..
بقلم / سليمان سالم  كشلاف 

44- مهرجان العيد  .. مهرجان الوطن المسرحي .. إبداع وتجديد
 المهرجان المسرحي الوطني واراء متناقضة بين التوطين والترحال ..
 شرف الدين العلواني ..
45- كاتب لم يكتب شيئا مواجهه للذات وللواقع القمعي
بقلم : نسيم مجلى ..
46- تسلية خارج نطاق المسرح 
بقلم / حمد المسماري 

47- أحمد إبراهيم  الفقيه  ودراما التمرد على الرتابة
بقلم / د. حسن عطية

48- من سرق مهرجان المسرح الليبي
بقلم / عبدالوهاب قرينقو 


49- هل  داوود الحوتي ، ظاهرة استثنائية في المسرح الليبي ؟
بقلم / د. محمد المفتي 
50وصفق الجمهور للمسرح الليبي!
 بقلم /  سعيد المزوغي

51- الغزالات ..
هيثم يحي الخواجة 


52-   قراءة في مسرحية
النفايات والخبز
بقلم / عبدالله مفتاح هويدي 

53-  السندباد"..( ماذا قلتم أنتم ؟)
بقلم / سليمان سالم كشلاف 
 
54- إرث منصور ابوشناف 
بقلم /  أحمد ابراهيم حسن     
55- "عبد السميع في الزمن البديع "
محاولة للفهم والاستفهام 
بقلم / أحمد بللّو 
56- "تراجيديا السيف الخشبى "
والنشاط الخلاق لفرقة الجيل الصاعد

بقلم / فوزي البشتي 
57- كاتب ومسرحية من ليبيا
بقلم / تيسير بن موسى
58- مسرحية "السندياد"
في دائرة الضوء
بقلم / يوسف محمد بالريش 
59-  أضواء على الموسم المسرحي
بقلم /  سليمان سالم كشلاف ..
60- 
السعداء
أو سيرة السعادة على ضفاف نهر النسيان 
بقلم / محمد الفقيه صالح 
61- مسرحية الغول 
بقلم / أبوالقاسم فرنانة 


62- مسرحية الكنًاس 
بقلم / أبوالقاسم فرنانة 

63-  الواحة والجوع
بقلم / ناصر الدعيسي
64-  " الميت الحي " .. عندما يفقد الإنسان إنسانيته 
بقلم /   نجيب نجم
65- أضواء على " المهرجان الوطني الرابع للفنون المسرحية"
متابعة / اسرة التحرير مجلة المسرح والخيالة عدد " 4" 
66- مسرحية جالو 
بقلم / أبوالقاسم فرنانة 
67-  من مداخلات (المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية 
ملاحظات وتساؤلات حول النص المسرحي
بقلم / سعيد السراج
68- ملاحظات على هامش
المهرجان الوطني الخامس للفنون المسرحية 1991 م 
بقلم/ سليمان سالم  كشلاف
69-  أيام طرابلس المسرحية ..... دورة الكاتب الليبي 
بقلم / نوري عبدالدايم
70- قراءة نقدية في مسرحية بيت الأحلام
بقلم / أحمد بشير عزيز
71- الجمهور بين الحضور والغياب
 مسرحية" بجوها" أنموذجا
بقلم / نوري عبدالدايم 
72- 
اختتام المهرجان الوطني الحادي عشر للفنون المسرحية..
متابعة / أسماء بن سعيد 
 

73 - مهرجانات ... تظاهرات ... أيام مسرحية                   
 حيلتان  محليتان …. وحيلة مستوردة وثلاث مهرجانات بدون تعليق !!.
74- الباب الثالث
حوارات ... مقالات
75- المخرج المسرحي محمد العلاقي ...
 " ليس هناك مسرح ليبي والعجز قاسم مشترك بين الجميع "
حوار / جمال التركي

76- حول موجات التجريب في مسرحنا..
قفز على المحلي.. واستنساخ للوافد
بقلم / أحمد بشير  عزيز


 77-  منصور بوشناف ...
            " أنا ابن المسرح الإنساني ومسرح "العبث"جزء من تكويني " 
حوار/ حواء القمودي
78- الطريق الى احياء الحركة المسرحية 
بقلم / د. احمد ابراهيم الفقيه
79- هي تجربة حتى وإن كانت صغيرة
بقلم / كامل عراب
80- أزمة اسمها الإخراج المسرحي 
بقلم : أحمد بشير عزيز


81-تداخل الرؤى والذكريات  
بقلم / سعيد المزوغي 
82- مسرح 
  بقلم / محمود البوسيفي 
83-  الفنان/  صبري عياد ...
..." أمتهنت الفن عندما لم أجد من يمتهنه.. " 
حوار / أحمد الحريري 

84- مدير إدارة المسرح والفنون الشعبية
د. حسن قرفال ....
 "الحركة المسرحية في ليبيا تنجرّ خلف المسرح الاستهلاكي والتجاري ....في المشاركات الخارجية لم نكتف بالمشاركة ولكن تحصلنا على جوائز متقدمة " .

حاورته: أسماء بن سعيد

 85-  البوصيري عبدالله .... 
"أنا عاشق كبير للميثولوجيا ، فهي على الدوام مصدر من مصادر الإبداع "

حوار : حواء القمودي

86- كلمة لله ..!!
عمران الجازوي
87- الخشبة الخرساء ....
سالم العوكلي

88- عن المسرح الليبي في مهرجانه الحادي عشر
بقلم / عبدالعزيز الرواف                            
89- مبدعون ولكن..!
علي أحمد حبيب.
  90- علي القبلاوي..
الأحتراف المبكر 
حاوره / نوري عبدالدايم 
91- لطفية إبراهيم ..."  الروح المبدع والحضور الآخاذ " 
حاورها / نوري عبدالدايم  
91- أحمد القطعاني ...
           " نحن بحاجة إلى إقتناع الدولة بأهمية المسرح " 
حاوره / الصالحين الرفروفي 
92-  الفنان/  صبري عياد ...
..." أمتهنت الفن عندما لم أجد من يمتهنه.. " 
حوار / أحمد الحريري 
93-  المسرحي عبدالله هويدي ...
       " هناك مَنْ يسعى لتطوير الفن المسرحي في ليبيا أدبيا وفنيا وهناك خبرات تبشر بالخير " 
حاوره / محمد بنور     
94- محمد الصادق....
"  المسرح الليبي كزمار الأفراح ... الأزمة تكمن في الممثل وليس في النصوص ... لا نحتاج إلى إداريين، بل إلى متخصصين " 

حوار: أسماء بن سعيد
 
95- الفنان رافع نجم ...
"    حاولت أن اقدم كوميديا هادفة  ونظيفة وهذا ما يؤكده قلة انتاجي.
... ننتج أعمالنا بالسلف الشخصية ونقوم بردها بعد العرض "  
  
حاوره / الصالحين الرفروفي  

96- المخرج فرج أبو فاخره....
" الهيئة العامة للمسرح والخيالة مجرد حبر على ورق... أعمالي مطلوبة في المهرجانات الدولية "  
حاورته :أسماء بن سعيد 
97- الفنان/  علي محمد الصبيع ...
" قبل إن نطالب الآخرين إن يدعموا المسرح فلنسأل أنفسنا ماذا أعطينا نحن للمسرح " 
 حاوره / ميلاد الحصادي          
98- أحمد بللو .....
               مبدع مسكون بالمسرح 
                                           حاوره / نوري عبدالدايم 
 

99- الفنانه / سعاد خليل ...
" تراجع دور الأنشطة المدرسية ينعكس سلباً على الحركة الإبداعية " 
 
حاورها /صالحين الرفروفى
100- عزالدين المهدي... 
" حرص المسرحيين وجديتهم كان وراء استمرار الفن حياً يتنفس...  لماذا نكذب على أنفسنا ونقول مائة سنة مسرح إلى متى نخجل من قول الحقيقة ؟ . "   
  حوار / أسماء بن سعيد


101- الفنان / ميلود العمروني ....
" كتابي "هذا هو المسرح"يتناول  المسرح في ليبيا منذ العام 1878-وحتى 2008م. "
حاوره:الصالحين الرفروفي 

102 - الباب الرابع

فرق مسرحية .. شخصيات



103- المسرح الوطني درنة  

بقلم  / ميلادالحصادي

104 نبذة عن مسرح المرج
بقلم / علي ناصر 

105- المسرح في مدينة هون
1948 ـــ 2008
تحقيق / محمد فياض 
 106-  فرقة المسرح الوطني مصراتة ...
بقلم / علي يوسف رشدان 
107-  فرقة مسرح الأنوار
إعداد / اسماء بن سعيد ..


108-  المسرح الوطني سبها ....
 مسيرة الأربعين عاماً 
إعداد /  محمد الرميح 


109- فرقة مسرح هون
 " مسيرة نصف قرن من العطاء إصرار كوادر الفرقة يغالب كل إحباط "

إعداد / عبدالوهاب قرينقو
         إبراهيم فكرانه
 

110- فرقة الفن المسرحي بطبرق ...

" سجل عملها الأول (صفحات خالدة) مشاركته  في  المهرجان الوطني الأول "

إعداد /  عبدالكريم عبدالهادي


111- فرقة المسرح الحر
 
إعداد /   الصالحين الرفروفي


112- فرقة مسرح الجوال للطفل والشباب ببنغازي
وسيلة ناجحة لخلق جيل واع نموذجي 
إعداد  / محمد الرميح 


113 الفرقة الوطنية للتمثيل ـ طرابلس ..." أكثر من ثلاثمائة عضو غذت  بهم  الحركة المسرحية الليبية "  
إعداد / الصالحين الرفروفي 
114-  المسرح في مدينة اجدابيا 
 بقلم /  مصطفى السعيطي 
رحلة عطاء وإبداع تجاوزت الربع قرن
115- كاتب ومسرحية ...  عبدالكريم الدناع  
بقلم / تيسير بن موسى 
  116-  فنان في الذاكرة
إعداد/ محمد بنور
الفنان المسرحي عبد الرحمن الدقن
رحلة عطاء وإبداع تجاوزت الربع قرن
117- كاتب ومسرحية .. من ليبيا 
عمر علي السويحلي
بقلم /  تيسير بن موسى 
118- الفنان/ فرج الربع
متابعة/ الصالحين الرفروفي 
119 - علي العلواني
    موهبة تركت فراغاً في المسرح
إعداد / محمد بنور 

المصادر ..

1- الكتب:- 

الفن والمسرح في ليبيا_ الكاتب /  بشير محمد عريبي _  الدار العربية للكتاب 
وجوه خلف الأقنعة _ للكاتب / سليمان سالم كشلاف _  الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان . 
أشياء بسيطة _ الكاتب / عبدالله القويري 
بعد أن يرفع الستار _ الكاتب / سليمان سالم كشلاف _ المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع والإعلان والمطابع 
تاريخ المسرح في الجماهيرية – الكاتب / المهدي أبوقرين – الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان.
المسرح الليبي في نصف قرن _ الكاتب / عبدالحميد المجراب 
المسرح في الوطن العربي _ الكاتب / د. علي الراعي _ سلسلة عالم المعرفة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والأداب _ الكويت .  
تاريخ المسرح في مصراتة "1944- 2004 م " – الكاتب / علي يوسف رشدان – منشورات صحيفة الجماهير .
المستشفى . كوميديا شعبية في جزئين – الكاتب / داوود الحوتي – الناشر / مجلس الثقافة العام . 
مواسم مسرحية – الكاتب / نوري عبدالدائم أبوعيسى – منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة والأعلام . 
10-ملامح من المسرح الليبي المعاصر – الكاتب / نوري عبدالدائم أبوعيسى – منشورات اللجنة الشعبية العامة للثقافة والأعلام . 
11- من مكتبة مختار الأسود – الكاتب / مختار الأسود . 
12- أبجدية الرمل _ الكاتب / محمود البوسيفي _ اصدارات الكتابة الأخرى للطباعة والنشر . 


2- الصحف والمجلات :-

مجلة المسرح والخيالة - الأعداد "6- 7-8-9-10-12-13- 14- 20" .
مجلة لا – السنة الثانية العدد " 23" .
مجلة شوؤن ثقافية . 
مجلة الإذاعة 1967 م 
مجلة المؤتمر . 
صحيفة العرب العالمية – العدد " 7923 " .
صحيفة أويا .
صحيفة الجماهيرية .



أرشيف الصور والوثائق 

1- كتاب الفن والمسرح في ليبيا .. بشير عريبي
2- المسرح الليبي في نصف قرن .. عبدالحميد المجراب 
3- مجلة المسرح والخيالة 

والفنانون :- 

أرشيف محمد كرازة 
أرشيف بشير المبروك 
أرشيف سالم الشريف 
أرشيف سعيد المزوغي 
أرشيف داوود الحوتي 
أرشيف البوصيري عبدالله
أرشيف فتحي كحلول 
أرشيف أحمد العريبي 
أرشيف رضا بن موسى 
أرشيف علي ناصر 
أرشيف ميلاد الحصادي 
أرشيف أحمد بللو 
أرشيف فضيل بوعجيلة 
أرشيف فرج بوفاخرة 
أرشيف عزالدين المهدي 
أرشيف محمد الطاهر
أرشيف زهرة مصباح 
أرشيف عبدالباسط باقندة 
أرشيف علي الشول 
أرشيف ناصر الأوجلي 
أرشيف مخلص العجيلي 
أرشيف خدوجة صبري 
أرشيف مفتاح الفقيه 
أرشيف خالد الفاضلي 
أرشيف صلاح الأحمر 
أرشيف عيسى ابوالقاسم
هالة القلالي 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption