أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

ماهية القبح في الدراما / أ.د.حسين التكمه جي

مجلة الفنون المسرحية 

ماهية القبح في الدراما / أ.د.حسين التكمه جي 

يثير مفهوم القبح تساؤلا مهما، هل للقبح مجالا في الفن , وما هي علاقته بالجمال ؟. 
ولعل من المدرك حقا أن الفلاسفة وضعوا مفهوما للجمال يستوعب كل الفنون فالجميل بافتراض الفلاسفة يقابله القبح بوصفه مضادا للجمال , وعلى هذا الأساس أرتبط القبح بالجمال من ناحية التضاد , ومهما كانت التفسيرات الفلسفية , فإن البعض يورد مفهوما أخر بديلا من القبح هو اللاجمال , أو يمكن أن يكون مشابها لذات العلاقة بين الخير والشر . 
وترى بعض المدارس والاتجاهات الفنية أنه علينا أن ننشئ جمالا فنيا من القبح كما قدم له 
( روزنكرانتس ) في مؤلفه ( استطيفا القبح ) . ويذهب (تين) إلى أن " القبح جميل لا شك في هذا , ولكن الجميل أكثر جمالا "(1) . 
أن نظرة الفلاسفة إلى الجميل تنحصر في التناسق والتماثل والتوازن بدلا من الشر والقبح , ذلك أن الاتفاق بينهم قد أثمر عن أن الجمال هو امتزاج المضمون العقلي بالمضمون الإدراكي . 
غير أن البعض يرى في القبح جمالا ربما يمكن توظيفه بالفن لكونه يدرك حسيا أيضا عن طريق أثارة الألم والرعب والاشمئزاز. (وهو ما يعرف به القبح ) .
ويرى ( ولتر ستيت ) من أن " القبح هو ببساطة تمييز الجميل أو المحايد من الناحية الأستطيقية ... أنه الغياب السلبي المحض للجمال "(2) .   بوصفه لا يقدم متعة حسية بل اشمئزاز , حينما لا يكون امتزاج بين القيم الإدراكية والقيم العقلية , لذا هو يقترح تسمية أخرى غير القبح , فأن غير الجميل هو ضد الجميل , كون القبح من حيث الشعور هو مؤلم فهو ضد الجمال لكونه غير سار . 
وعليه فإن الأعمال الفنية الهابطة والتي لا تحقق المتعة الفكرية والحسية تبدو غير جميلة , إذ لا يصح أن نطلق عليها قبيحة , ربما أنها فاشلة أو أنها لم تحقق المزيد من الإحساس الجمالي على مستوى القيم المطروحة في أنتاج فني كما هو الحال مع الأعمال الفنية الخالدة , بوصفها تصب في قياس ما سواها أو ما يماثلها أو ما هو دونها , أي أنها وحدات قياس معيارية للجمال الفني . 
هذه النظرة النقدية هناك ما يعاكسها تماما , فأن البعض يرى أن  للقبح مكانا في الفن حينما أنتجوا أعمالا فنية ذات قيمة عميقة , فليس هناك من ينكر أن ما يقدمه الفنان من مشاهد رعب مثلا قد يؤدي إلى توتر المشاعر ويفضي إلى موقف جمالي , وقد كانت التراجيديا الإغريقية قد أدخلت عناصر الألم والرعب في الدراما بغية 
التطهير , وقد يؤدي ظهور مشاهد وحشية وعواصف هائجة في الفن , مما يدفعنا للقول من أن الطبيعة تفرز لنا أحيانا نوعا من الجمال مصدره الرعب والإثارة وكل ما هو مخيف ,, فأن الألم لا يفقد القيمة الشعورية الخاصة بل أن قيمته الشعورية سوف تشع بالتجربة الجمالية , ذلك لأن الشعور المؤلم سيؤدي إلى امتزاج من خلال التجربة الأستطيقية بالشعور كقيمة للمفهوم . 
فليس من الضروري أن نقدم في الدراما شخصيات جميلة بتماثلها مع الواقع , بل من الممكن أن نقدم شخصيات غير جميلة , لكنها في الوقت عينه تمنح الفن جمالا من نوع أخر تحركه المشاعر والأحاسيس , فأحدب نوتردام قبيحا لكن دواخله جميلة  , وشخصية ( آيتي ) في فلم آيتي تثير الشفقة غير ان ردود فعلة مع البشر جميلة , كما أن فقأ عيني أوديب ليس جميلا بل يبعث على الاشمئزاز , وقتل عطيل لدزدمونه , وقتل ماكبث لدنكان مؤلمان حقا  , حمامات من الدم تقدمها الدراما  , وهنالك الكثير من الأمثلة تصب في المقولة التي تؤكد ( علينا أن ننشئ جمالا فنيا من قبح الطبيعة ) .من كون غير الجميل هو ضد الجميل , لذا فإن القبح من حيث الشعور هو مؤلم فهو ضد الجمال بوصفه غير سار .ولكنه يخالف القاعدة في الدراما وبعض الأعمال الفنية . 
وهو ما دعا إليه عدة فنانين تشكيليين من أن يتناولون من النفايات مواد مقززة أو مسكربة ليحولوها إلى أعمال فنية رائعة أو نصب , كما أن الدراما قدمت لنا مآسي من الألم وصولا للتطهير. أن المفاهيم المرتبطة بالشر الأخلاقي البشري ( القبح ) تعني أحيانا في الواقع انه  غير جميل  , لكنه بالمقابل يمكن تقديمه على انه أمر ايجابي , بوصفه يقدم لنا تصورات عقلية للشر تقف بالضد من الخير , وهو بهذا لم يكن بالعكس من الجميل , فالقبح هنا تتضح نتائجه , بل هو نوع من أنواع الجميل بفعل المحاكاة , وبهذا يمكن القول من أن القبح " امتزاج المفاهيم التجريبية غير الإدراكية مع المجال الإدراكي .. وبهذا يكون القبح نوعا من الجمال "(1) .

وقد نستعرض في الفن أن الكوميديا مثلا تحاكي أراذل الناس , وبالتالي فهي تحاكي المضحك الذي يشكل بدوره نوعا من القبح , ويطالعنا ( هيجل ) على أن مضمون الرسم ينطوي احياناعلى القبح والشذوذ في تمثل الرسام لشخوصه " ذلكم هو عالم الأشرار والأردياء ..عالم الخطأة الذي كتب عليهم الهلاك في مجتمع عالم الشيطان "(2) .
ويرى كروتشه كما يرى جون ديوي , ما يخالف رأي ( روزنيكراتس) في مجال القبح " فكروتشه على يقين بأن القبح على درجة كبيرة من الأهمية , ذلك من حيث أنه يجعل الجميل أكثر متعة وجاذبية ... ويرى ديوي ...إن القبح أنما هو الموضوع في ارتباطاته العادية ..ذلك حينما يتحول القبح إلى دلالة تعبيرية بوصفه فكرة أو موضوع كما في اللوحة والدراما "(3) . 

وبحسب ما تقدم يمكن أن يكون القبح جمالا , حينما يؤطر في فكرة أو موضوع أو دلالة أو رمز , لإبراز مضاعفة تأثير الجمال بحيث تبدو المتعة أكثر حيوية 
وقوة , ذلك من كونه يثير الإحساس والمشاعر نحو الموضوع المطروح , ولأن المثير ينبغي أن يؤدي إلى استجابة , فالقبح يمكن إن يؤدي إلى موقف جمالي .

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption