أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 31 يوليو 2014

تحميل مسرحية "فى انتظار جودو "صمويل بيكيت - ترجمة بول شاوو

مدونة مجلة الفنون المسرحية


فى انتظار جودو - صمويل بيكيت - ترجمة بول شاوول


تحميل: فى انتظار جودو - صمويل بيكيت - ترجمة بول شاوول

الأربعاء، 30 يوليو 2014

نعيب على المسرح العربي محليته والعيب فينا

مدونة مجلة الفنون المسرحية
موجات المسرحيين العرب الشباب، ويسر وسائط الاتصال، تمثل عوامل إيجابية تساهم في تحقيق صورة عن المسرح العربي في العالم وانتشاره.
المسرح العربي طريقه وعرة نحو العالمية

 لا يمكن اعتبار أن فكرة عالمية المسرح، فكرة بريئة وبسيطة، فهي تتضمن طبعا نوعا من الاعتراف بأن العالم أصبح قرية صغيرة، وبأن سهولة التواصل وأدواته التكنولوجية، ويسر وسائل السفر الآن، وفرت حالة عالمية من التبادل المسرحي.
فكرة العالمية تضم نوعا من التركيز على الثقافات القوية المسنودة باقتصاديات أقوى، وبسيطرة على وسائل الإعلام والتواصل الموروثة عن المركزية الأوروبية المعروفة تاريخيا. فكيف يمكن النظر الآن إلى المسرح العربي حاليا؟
إن موجات المسرحيين العرب الشباب الآن، وكذا أجيال المهاجرين العرب إلى أوروبا وأميركا، ويسر وسائط الاتصال، كل هذا وغيره سمح بتحقيق صورة عن المسرح العربي في العالم، وبانتشاره.
ولكن علينا الاعتراف بأن الثقافة العربية من خلال نصوصها التراثية مثل ألف ليلة وليلة، وعدد من الروايات والقصائد والأسماء الإبداعية، قد حققت عالمية أكثر من المسرح العربي، لأننا لم نهتم يوما بتوصيل مسرحنا إلى الآخر، وما اهتممنا بترجمة مسرحياتنا إلى لغات أخرى مثلما تسهر على ذلك دول أوروبا، وتصرف عليها المليارات في عز الأزمات، لأن خفوت الترجمة يعني خفوت الصدى الثقافي لتلك الدول. ولكن هناك عوامل أخرى منعت من تحقيق عالمية أكبر للمسرح العربي، وهي للأسف نابعة من جزء كبير من المسرحيين أنفسهم.
لقد طوقنا أنفسنا لأزيد من نصف قرن بجدران التأصيل المسرحي والبحث عن مسرح عربي قحّ في تاريخ الثقافة العربية، ولم نقو على الاعتراف بأننا نمارس مسرحا من داخل لغته العالمية.
ووجدنا في الخطاب القومي المبالغ فيه، ما شجعنا على ذلك، ثم وجدنا في التضخيم من العروبة ما يقينا شر التنافس مع العالم من أجل مسرح عربي أكثر انتشارا، ونسينا وصية ابن خلدون: إنما العلاقة بين الأمم هي المغالبة.
ثم قمنا “بشيطنة” المسرح الغربي، واعتبرته خطابات مسرحية عربية كثيرة بعيدا عنا وعن ثقافتنا، واعتبرناه عدوا لمسرحنا العربي الذي وجد منذ آلاف السنين، وبقينا نشيطن الغرب دوما.
ولم نرد أن نلتفت إلى أن الغرب نفسه جدد مسرحه بالاعتماد على الثقافات الشرقية ومن ضمنها العربية والأفريقية والآسيوية، دون أن يرفض أحدهم ذلك، بل اعتبروه قيمة مضافة.
ثم بقينا نعيد إنتاج عقدة النقص، وننتظر أن يعترف بنا الغرب دون أن نعترف بثقافتنا، حتى أني لما كنت أشاهد أعمالا من أوروبا لمسرحيين كبار يسبق صداهم مسرحياتهم، كنت أجد بعضها متواضعا أقل بكثير من مسرحيات عربية متعددة.
وتلك تجربة عشتها حين شاهدت مسرحية “بذلة” لبيتر بروك، حيث خاب ظني فيها مقارنة بمسرحيات عربية خليجية ومغاربية كثيرة تفوقت عليها. ولكن قوة بيتر بروك تجلت في اعترافه بقوة الثقافات الهندية والفارسية والأفريقية، وببحوثه في تلك الثقافات الشيء الذي لم نقم به نحن.
والمأساة الكبرى أننا أهملنا التكوين المسرحي، وأهملنا بناء معاهد المسرح وأكاديميات الفنون، وأهملنا البعثات الطلابية لدراسة المسرح في العالم، أهملنا عددا كبيرا من السبل لكي نطل على المسرح العالمي من نافذته الكبرى.

العرب - سعيد ناجي 

الجمعة، 25 يوليو 2014

جماعة مسرح الحكواتي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
روجية عسفاف مؤسس جماعة الحكواتي 
مما يطرحه"روجيه عّساف", المنظّر لهذه الجماعة ومخرجها , نرى أنه يعبر, عما يتعلق بالتراث المـلازم للحيـاة الجماعيـة, ومـا يعنيه التراث, من تعبير الأفراد عن وجـودهم فـي الجماعـات, ومـن تعبير الجماعة, والمضامين الأسطورية ومروياتها . ومـا يعنيه كـواقع فكري, يوفر الغذاء الروحي للعلاقات الجماعية, هذا الغذاء الذي يعد من الأمور الحياتية, الاجتماعية المتعلقة بتثبيت الهوية, وإتمام التلاحـم الشعبي, فلكل تجمع بشري لغة, هي الشـكل الـذي تتظـاهر فيـه المجموعـة نفسها .
إن معاينة الصور العابرة في الحياة الواقعيـة, التـي سـوف تصبـح تاريخاً فيما بعد . بتفاعلها مـع هـذه الصـور, وضمـن ذلـك الواقع يجعل الجماعة تتخذ موقفها من هذه الصـور, وتعيش معهـا فـي حلقة تنشأ بنـاء عـلى الشـعور بـالأخذ والـرد, حـتى تتبلـور الصيغـة الرامزة للعادات, أو الطبائع السلوكية,بفعالية معينة مقبولة اجتماعياً عـلى أنهـا فـروض أو تقـاليد لا يمكـن تجاوزهـا, ومنهـا الفعاليــات الاحتفالية, والمسرحية, والحكواتية. فلكل مجتمع صياغتـه التـي يتـوصل إليها من قناعات الجماعة . فالمجتمع الإسلامي العربي مثلاً قد جهل مهنة التمثيل المتداولة ومعروفة حاليــًا فـي الغـرب, لأن مهنـة التمثيـل في المجتمع الإسلامي, كانت مختصـة بفعـل التشـخيص, والروايـة بمخـتلف أنواعها, أما مهنة التمثيل السائدة, فهي مرتبطة بضروريات المجتمع تتغير مع تغيّر البُنى التقليدية . والأساسية التـي تجتاحهـا, فـي إطـار تسويغ استلاب الإنسان, من خلال تحويل مقاومة ميوله الفطرية المكبوتة، واستنفادها في صور فنية خيالية, يدعى للتفرّج عليها, ولا يشارك فيها، هي رغباته العميقة التي يطاردها في عالم وهمي على المسـرح, لأنـه قـد حرم منها في الـواقع, بينمـا لا يحتاجهـا الفـرد فـي المجـتمع العـربي الإسـلامي, لأنـه وبفعـل الـوضع الاجتمـاعي, وطبيعـة إعـادة الحكايـة وتشخيصها بالنمط المشرقي, تجعله كفـرد اجتمـاعي عنصـراً فعـالاً فيها, ليس كمشاهد, وإنما أيضا كمشارك ومصحح, بل وناقد مشاكس .
فقد عرف المجتمع العربي الإسلامي أشكالاً أخرى من التمثيل، يمتزج فيها الدور بالمشاركة من جهة, وبالموقع الاجتمـاعي الحـقيقي مـن جهـة أخرى, فالقصاص مثلاً, والشاعر القبلي, والمهرج الشعبي, كـانوا يعبرون عما تبطنــه المجموعـة ومـا تضمـره فـي سـرها, فينطلقـون مـن رموزهـا المتداولة ليشاركوا جمهورهم حياته وطموحاته, فـي حـفل جمـاعي "حلقـات الأنس, جلسات الأسرة, لقاءات الأفراح, أعياد الموالد, ذكـرى عاشـوراء، وغيرها", يعبّر أحدهم مع الأخـر, عـن وحـدة الشـعور المجموعـة عن طريق الاتصال, من خلال معتقدات سائدة, تساهم فـي تكـوين اللحمـة الأساسـية آنياً, من خلال عمل كل من الحكواتي, والمقريء, والمعلم الصوفي .
والتمثيل في هذا المسرح المحتمل, ينبثق بأصولـه مـن فـن المحّـدث الذي يروي ويحكي, فيحيي مشاهد الحكايـة وشـخصياتها عندمـا يقدمهـا، لكنه يبقي محافظًا على حرفته, ومميزات شـخصيته, مـن وراء الـدور, فلا تنمحي شخصيته, ولا يختفي وجهه وراء القناع الذي يلبسه الممثل, سواء من خلال المكياج, أو من خلال حلوله في الشخصية . وإنما هو يحـاكي,ويقلـّد، ويشخص, مستحضرًا الأحداث, والأحاديث, وفي الوقت نفسه يعبر عن شـعوره، ويحتفل مع الناس, لان منهجية الحـكواتي كممثـل, تخـتلف جوهريـًا عـن منهجية الممثل القناع, والممثل لشخصية الدور .
وتقوم فرقة مسـرح الحـكواتي اللبنـانيـة فـي الممارسـة الحياتيـة الاحتفالية كمرجع لبناء المسرحية نصـًا وأداءً, إذ إن قوام النـص لا ينحو أكثر من ذلك التجميع والتراكم من المـوروث الشـفوي عـلى ألسـنة العامة من الناس, الذين يلتقي أعضاء الفرقة بهم, فيقص بعضهم الحكايـات والأحداث التي شاهدوها, أو مروا بها . أو تلـك الشـخصيات المؤثـرة فـي حياتهم من أقربائهم, أو من مجتمعهم, أو تلك التي تعتبر رمزاً لهذا المجتمع الصغـير الـذي يكـتنفهم, ,من خلال ذلك يسجل أعضاء الجماعة الملاحظات, من خلال اللقاءات . ويقومون بتدوينها من خلال المراقبة الذكية, للأحاديث، ثم يقـوم أعضاء الجماعة بعدها بالفرز بين المـوروث الإيمـائي, وصفـات الأفـراد وطبائعهم, بغية الحصول على نوعية متميزة من مجموعة اجتماعية في ماضيها، وحاضرها . ويبدو من هـذه العملية أن الصفة الجماعة فـي هـذا التوجـه لهـا خصوصيتها, من حيث قابليتها للوصول إلـى النـاس, والالتحـام بهـم, بـل وسحبهم إلى العمـل,واسـتدراج ذكريـاتهم, بتلـك التلقائيـة فـي السـرد والعفوية في التعبير والإيماء .
وتقوم الفرقة بإعادة صياغة المادة الخام, التي تجـمعت لديهـا عـن حادثة ما, أو سرد لصفات شـخصية معينة, وذلك عنـد إدخالهـا فـي معمـل الكتابة, فينمو النـص مـن خـلال تجـميع حـوادث وشـخصيات وتركيبهـا، استرشاداً بالحرفية اللازمة لفـن كتابـة النـص المسـرحي . وهنا أهمية لمبـدأ التكرار في الحدث, والحديث حول واقعة ما, أو شخصية معينة, بغية إعادة البناء, وتجميعه, بإضافات ابتكارية, تعتمد على التخـيّل والاسـتذكار، لأن التذكر الحقيقي غير وارد في عملية الصياغة النهائية فالماضي هـو حلم لن يعود, والحكاية لدى مسرح الحكواتي هي بانوراما جمعتها الفرقة من خزين الناس بإمتدادات متقاطعة, أفقياً مع الأحداث, وعامودياً مـع الشـخصيات .
وكثيرًا ما يتعجب الجمهور, عند مشاهدته أحداث المسرحية, وشخوصها التي اشترك مع مسرح الحكواتي فـي خلقهـا, ولمـدة تتعـدى سـتة الأشـهر فـي الإعداد للمسـرحية, كما حصل في مسرحية "عام 1936", وكذلك فـي مسـرحية "أيام الخيام", فقد استغرب أصحـاب القصـص الأصليـة, مـن قـدرة فنـاني الفرقة على الاقتراب من الأحـداث والشخصيات, فقد وصـف أقـارب إحدى الشخصيات المشخصة, بأنها تتطابق كثيرًا مع الصفات العامة للشخصية التي دارت أحاديثهم للفرقة عنها, رغم أن ما حكوه لفـريق الجماعة ليس إلا وصفاً عاماً, غذى المحدث الفرقة بـه, مـن خـلال معلومات استحضرها
لفريق الفرقة, لأن هذا المحدث, وهو يستحضر ذكرياتـه الخاصـة لـم يضـف إليها إلا انطباعه الشخصي, ووده, ومدى حميميتـه لهـذه الشـخصية التـي ينتمي إليها سواء بالدم, أو بالنسب, أو بالجيرة, وهـو بفعلـه هـذا لا يتطابق كثيراً مع عمل راوي السير الشعبية, الذي يقترب أكـثر مـن عمل هذه الفرقة الجماعي, عندما يشخص شخصية مهمة في سِيرة ما يعرفها الجميع, أو سمع عنها الكثيرون . بل إنها شخصيات, وأحداث ترسخت منذ زمن طويل في الضمير الجمعي, فإذا ما تجاوز حـدوده المعهـودة, مبالغـة أو إهمالاً، نَبهَه لجمهور إلى فعلته, وكذا عمل فرقة مسرح الحـكواتي هنـا، هو عمل دقيق, لا يستهان به, خصوصًا إذا ما عـرض عملـه فـي نفس الأماكن التي استقى منها المعلومات "الشخصيات, والأحداث" . فالكل هنا وعلى المستويين, يحاول المطابقة, وهو يستقبل النموذج, بـل ويقـوم بالممازجة بين ما عنده, من صفات حاضرة فاعلة أمامه, وبين مـا يتذكّره ويتخيله, عن هذا النموذج, هذه الحالة تبرز أكثر, عنـد مشـاهدي حكايات السِير التاريخيـة, مثـل سِيرتيّ "الظاهر بيـبرس, وأبـي زيـد الهلالي", اللتين ما تزالا حيتـين إلى الآن .
ومسرحية "أيام الخيام" هي حكاية الجماعة المروية في النص المحكي جماعياً منذ الكتابة الأولية وحتى نقل الحالة للناس من جديد, تلـك تجربة متجسدة في حكاية عن قرية "الخيام" الحدودية في "جـنوب لبنـان"، المأخوذة من أفواه الرواة, المشخصين للسرد والتجسيد, نقلاً عن الناس الذين حكوها, وعن أحداث شاهدوها أو تذكروها . وقد أيقظت هذه المسرحية فينا تلك القدرة على التذكر, والمواجهة من خلال التنويعـات الحياتية، التي تفسح المجال للفرح, والفاجعة معا, بتداخل تحكمه اللحظة, لتعطـي المصداقية الواقعية, لكل من الشخصية, والحدث الدراميين.
وقد أثار عرض مسرحية "أيام الخيام" نقاشـات كثـيرة, وبمسـتويات متفاوتة, لأنه خاطب الناس في صميم معاناتهم, بالقص والحكي, والتشخيص، وذلك من خلال روح الجماعة, التي تتحدث إلى جماعة جاءت تسمعها وتراها، وقد استنبطت الجماعة الأولى هذه الأحـداث من أحاديث النـاس أنفسـهم، وقد جاؤوا الآن ليروا ما حلّ بأحاديثهم, وإلى ماذا تطورت . وبالمقـابل توجد جماعة من المشاهدين لم يحتكّوا بكلا الجماعتين لكـنهم وجدوهـا تمثل وجدانهم هم أيضا, ما دامت هذه المادة قد أصبحت مـادة لعمـل فنـي اقتبسته جماعة, وقامت بتطويره ليس كمضمون فقط, وإنمـا كشـكل, وحكايـة يتزامن فيها الإعداد والسماع, وإعادة الفرز معا, بل إن الفرقـة كـانت تعرض بعض التمارين أمام رواة المادة الخام أثناء تدريباتها, مـن أجـل استنتاج ردود الأفعال المسبقة, بغية اجتياز مراحل التركيز, والتـوضيب والصقل النهائية .
وفي النقاش الذي دار بعد عرض مسرحية "أيام الخيام", قال "روجيـه عسّـاف" مخرج المسرحية, ردًا على كثير من التساؤلات, بأنـه يبحـث عـن انتمائه من خلال العلاقة بالجمهور, والتي تحولت مع الوقت إلـى علاقـة بالناس خارج المسرح, فالهاجس ليس البحث عن شكل مسرحي, بل هو البحث عـن نهج عملي, لإيجاد وسيلة للتعبير, فكل عمل فني إنساني, هـو عمـل فـردي بالضرورة, سمته الفردية لا تنحصر في الكتابة, بل تمتد إلـى كـل شــيء "التمثيل, والإخراج, والديكور, والإضاءة", لأن كل الأعمـال الجماعيـة مكوّنة من أعمال فردية بـالضرورة, والحـكواتي الـذي نقدمـه ليس الشـكل
المنقرض الذي تحترفه المقاهي, ولكنه الجوهر الحـي فـي أذهـان النـاس، والعمل الجماعي, هو وحدة الشروط التي منها توظيف الخـبرات والطاقـات بتفاعلها, وتفاوتها, إضافة لتغير نوعيـة العلاقـة لكـل مـن الإنتـاج والجمهور المسرحي, من خـلال بنـاء مراحـل الإنتـاج التـي تبـدأ بصهـر الكتابة, في التمثيل, من خلال أداء ارتجالي جمالي للمكتوب, يتم بعدها إيجاد تركيب مسرحي صحيح للمشاهد, وتحديد أسلوب الأداء جماعيّاً, بغية بلورة لطبيعة علاقات الشخصيات, واختيار الجسور الفنيـة بيـن المشـهد وبين الجمهور,وأخيراً توليف وتركيب جميع عناصر العمـل المسـرحي, بعد الأداء الإرتجالي, على النص, وعلى شكل الإخراج .
لكن هذه التجربة لم تمتد, لأن غياب المخرج, والمدير الفعلي للجماعة عنها، وانشغاله . ونُسيت الطريقة, ولم تقدم حصيلتها للآخرين، على غـير مـا يتم عمله من خـلال مركـز للإبـداع, تسـتجمع فيـه المـردودات كمحـصلات مكتوبة ومرئية للدارسين .وذلك يعود ربما للحرب اللبنانية كما تذكر الدكتورة وطفاء حمادي هاشم في استفتاء عن دور الصحافة في النقد المسرحي العربي (1)
ويبدو أن للتأثير الغربي في التجريب أيضًا جانب مهم, خصوصًا على الجماعات المسرحية كفرقة "مسرح الحـكواتي اللبنانيـة", ومنهـا تـأثير فرقـة "مسـرح الشـمس" الفرنسـي بقيـادة المخرجـة "أريـان مينوشـكين" التي تعمل بمنهـج جمـاعي, وخـلق ربرتـوار يـزاوج بيـن التجربة اليومية للمتفرج, بقصد ربط العمـل المسـرحي, بمحـيط اجتمـاعي معين, وذلك من خلال استقاء معلوماتها مـن النـاس,فـي أمـاكن عيشـهم، وعملهم حيث يشارك جميع أعضـاء الفرقـة, فـي البحـث والإبـداع اللـذين يقودان إلى ارتجالات فنية, عمادها المواضيع المرجعية في البحـث, وقـد عقب الناقد المسرحي "بول شاوؤل", في مقارنة موضعية على عمل الفـرقتين وتقارب أسالوبيهما معًا .
(1) في ورقة عمل  للدورة الثالثة عشرة لمؤتمر الهيئة العالمية لنقّاد المسرح في هلسنكي – فنلندا بين 5 – 8/10/ 1996 .
(2) كتاب آفاق تطويع التراث العربي للمسرح للدكتور فاروق أوهان إصدار وزارة الإعلام والثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 1999.

جماعة مسرح الحكواتي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
روجية عسفاف مؤسس جماعة الحكواتي 
مما يطرحه"روجيه عّساف", المنظّر لهذه الجماعة ومخرجها , نرى أنه يعبر, عما يتعلق بالتراث المـلازم للحيـاة الجماعيـة, ومـا يعنيه التراث, من تعبير الأفراد عن وجـودهم فـي الجماعـات, ومـن تعبير الجماعة, والمضامين الأسطورية ومروياتها . ومـا يعنيه كـواقع فكري, يوفر الغذاء الروحي للعلاقات الجماعية, هذا الغذاء الذي يعد من الأمور الحياتية, الاجتماعية المتعلقة بتثبيت الهوية, وإتمام التلاحـم الشعبي, فلكل تجمع بشري لغة, هي الشـكل الـذي تتظـاهر فيـه المجموعـة نفسها .
إن معاينة الصور العابرة في الحياة الواقعيـة, التـي سـوف تصبـح تاريخاً فيما بعد . بتفاعلها مـع هـذه الصـور, وضمـن ذلـك الواقع يجعل الجماعة تتخذ موقفها من هذه الصـور, وتعيش معهـا فـي حلقة تنشأ بنـاء عـلى الشـعور بـالأخذ والـرد, حـتى تتبلـور الصيغـة الرامزة للعادات, أو الطبائع السلوكية,بفعالية معينة مقبولة اجتماعياً عـلى أنهـا فـروض أو تقـاليد لا يمكـن تجاوزهـا, ومنهـا الفعاليــات الاحتفالية, والمسرحية, والحكواتية. فلكل مجتمع صياغتـه التـي يتـوصل إليها من قناعات الجماعة . فالمجتمع الإسلامي العربي مثلاً قد جهل مهنة التمثيل المتداولة ومعروفة حاليــًا فـي الغـرب, لأن مهنـة التمثيـل في المجتمع الإسلامي, كانت مختصـة بفعـل التشـخيص, والروايـة بمخـتلف أنواعها, أما مهنة التمثيل السائدة, فهي مرتبطة بضروريات المجتمع تتغير مع تغيّر البُنى التقليدية . والأساسية التـي تجتاحهـا, فـي إطـار تسويغ استلاب الإنسان, من خلال تحويل مقاومة ميوله الفطرية المكبوتة، واستنفادها في صور فنية خيالية, يدعى للتفرّج عليها, ولا يشارك فيها، هي رغباته العميقة التي يطاردها في عالم وهمي على المسـرح, لأنـه قـد حرم منها في الـواقع, بينمـا لا يحتاجهـا الفـرد فـي المجـتمع العـربي الإسـلامي, لأنـه وبفعـل الـوضع الاجتمـاعي, وطبيعـة إعـادة الحكايـة وتشخيصها بالنمط المشرقي, تجعله كفـرد اجتمـاعي عنصـراً فعـالاً فيها, ليس كمشاهد, وإنما أيضا كمشارك ومصحح, بل وناقد مشاكس .
فقد عرف المجتمع العربي الإسلامي أشكالاً أخرى من التمثيل، يمتزج فيها الدور بالمشاركة من جهة, وبالموقع الاجتمـاعي الحـقيقي مـن جهـة أخرى, فالقصاص مثلاً, والشاعر القبلي, والمهرج الشعبي, كـانوا يعبرون عما تبطنــه المجموعـة ومـا تضمـره فـي سـرها, فينطلقـون مـن رموزهـا المتداولة ليشاركوا جمهورهم حياته وطموحاته, فـي حـفل جمـاعي "حلقـات الأنس, جلسات الأسرة, لقاءات الأفراح, أعياد الموالد, ذكـرى عاشـوراء، وغيرها", يعبّر أحدهم مع الأخـر, عـن وحـدة الشـعور المجموعـة عن طريق الاتصال, من خلال معتقدات سائدة, تساهم فـي تكـوين اللحمـة الأساسـية آنياً, من خلال عمل كل من الحكواتي, والمقريء, والمعلم الصوفي .
والتمثيل في هذا المسرح المحتمل, ينبثق بأصولـه مـن فـن المحّـدث الذي يروي ويحكي, فيحيي مشاهد الحكايـة وشـخصياتها عندمـا يقدمهـا، لكنه يبقي محافظًا على حرفته, ومميزات شـخصيته, مـن وراء الـدور, فلا تنمحي شخصيته, ولا يختفي وجهه وراء القناع الذي يلبسه الممثل, سواء من خلال المكياج, أو من خلال حلوله في الشخصية . وإنما هو يحـاكي,ويقلـّد، ويشخص, مستحضرًا الأحداث, والأحاديث, وفي الوقت نفسه يعبر عن شـعوره، ويحتفل مع الناس, لان منهجية الحـكواتي كممثـل, تخـتلف جوهريـًا عـن منهجية الممثل القناع, والممثل لشخصية الدور .
وتقوم فرقة مسـرح الحـكواتي اللبنـانيـة فـي الممارسـة الحياتيـة الاحتفالية كمرجع لبناء المسرحية نصـًا وأداءً, إذ إن قوام النـص لا ينحو أكثر من ذلك التجميع والتراكم من المـوروث الشـفوي عـلى ألسـنة العامة من الناس, الذين يلتقي أعضاء الفرقة بهم, فيقص بعضهم الحكايـات والأحداث التي شاهدوها, أو مروا بها . أو تلـك الشـخصيات المؤثـرة فـي حياتهم من أقربائهم, أو من مجتمعهم, أو تلك التي تعتبر رمزاً لهذا المجتمع الصغـير الـذي يكـتنفهم, ,من خلال ذلك يسجل أعضاء الجماعة الملاحظات, من خلال اللقاءات . ويقومون بتدوينها من خلال المراقبة الذكية, للأحاديث، ثم يقـوم أعضاء الجماعة بعدها بالفرز بين المـوروث الإيمـائي, وصفـات الأفـراد وطبائعهم, بغية الحصول على نوعية متميزة من مجموعة اجتماعية في ماضيها، وحاضرها . ويبدو من هـذه العملية أن الصفة الجماعة فـي هـذا التوجـه لهـا خصوصيتها, من حيث قابليتها للوصول إلـى النـاس, والالتحـام بهـم, بـل وسحبهم إلى العمـل,واسـتدراج ذكريـاتهم, بتلـك التلقائيـة فـي السـرد والعفوية في التعبير والإيماء .
وتقوم الفرقة بإعادة صياغة المادة الخام, التي تجـمعت لديهـا عـن حادثة ما, أو سرد لصفات شـخصية معينة, وذلك عنـد إدخالهـا فـي معمـل الكتابة, فينمو النـص مـن خـلال تجـميع حـوادث وشـخصيات وتركيبهـا، استرشاداً بالحرفية اللازمة لفـن كتابـة النـص المسـرحي . وهنا أهمية لمبـدأ التكرار في الحدث, والحديث حول واقعة ما, أو شخصية معينة, بغية إعادة البناء, وتجميعه, بإضافات ابتكارية, تعتمد على التخـيّل والاسـتذكار، لأن التذكر الحقيقي غير وارد في عملية الصياغة النهائية فالماضي هـو حلم لن يعود, والحكاية لدى مسرح الحكواتي هي بانوراما جمعتها الفرقة من خزين الناس بإمتدادات متقاطعة, أفقياً مع الأحداث, وعامودياً مـع الشـخصيات .
وكثيرًا ما يتعجب الجمهور, عند مشاهدته أحداث المسرحية, وشخوصها التي اشترك مع مسرح الحكواتي فـي خلقهـا, ولمـدة تتعـدى سـتة الأشـهر فـي الإعداد للمسـرحية, كما حصل في مسرحية "عام 1936", وكذلك فـي مسـرحية "أيام الخيام", فقد استغرب أصحـاب القصـص الأصليـة, مـن قـدرة فنـاني الفرقة على الاقتراب من الأحـداث والشخصيات, فقد وصـف أقـارب إحدى الشخصيات المشخصة, بأنها تتطابق كثيرًا مع الصفات العامة للشخصية التي دارت أحاديثهم للفرقة عنها, رغم أن ما حكوه لفـريق الجماعة ليس إلا وصفاً عاماً, غذى المحدث الفرقة بـه, مـن خـلال معلومات استحضرها
لفريق الفرقة, لأن هذا المحدث, وهو يستحضر ذكرياتـه الخاصـة لـم يضـف إليها إلا انطباعه الشخصي, ووده, ومدى حميميتـه لهـذه الشـخصية التـي ينتمي إليها سواء بالدم, أو بالنسب, أو بالجيرة, وهـو بفعلـه هـذا لا يتطابق كثيراً مع عمل راوي السير الشعبية, الذي يقترب أكـثر مـن عمل هذه الفرقة الجماعي, عندما يشخص شخصية مهمة في سِيرة ما يعرفها الجميع, أو سمع عنها الكثيرون . بل إنها شخصيات, وأحداث ترسخت منذ زمن طويل في الضمير الجمعي, فإذا ما تجاوز حـدوده المعهـودة, مبالغـة أو إهمالاً، نَبهَه لجمهور إلى فعلته, وكذا عمل فرقة مسرح الحـكواتي هنـا، هو عمل دقيق, لا يستهان به, خصوصًا إذا ما عـرض عملـه فـي نفس الأماكن التي استقى منها المعلومات "الشخصيات, والأحداث" . فالكل هنا وعلى المستويين, يحاول المطابقة, وهو يستقبل النموذج, بـل ويقـوم بالممازجة بين ما عنده, من صفات حاضرة فاعلة أمامه, وبين مـا يتذكّره ويتخيله, عن هذا النموذج, هذه الحالة تبرز أكثر, عنـد مشـاهدي حكايات السِير التاريخيـة, مثـل سِيرتيّ "الظاهر بيـبرس, وأبـي زيـد الهلالي", اللتين ما تزالا حيتـين إلى الآن .
ومسرحية "أيام الخيام" هي حكاية الجماعة المروية في النص المحكي جماعياً منذ الكتابة الأولية وحتى نقل الحالة للناس من جديد, تلـك تجربة متجسدة في حكاية عن قرية "الخيام" الحدودية في "جـنوب لبنـان"، المأخوذة من أفواه الرواة, المشخصين للسرد والتجسيد, نقلاً عن الناس الذين حكوها, وعن أحداث شاهدوها أو تذكروها . وقد أيقظت هذه المسرحية فينا تلك القدرة على التذكر, والمواجهة من خلال التنويعـات الحياتية، التي تفسح المجال للفرح, والفاجعة معا, بتداخل تحكمه اللحظة, لتعطـي المصداقية الواقعية, لكل من الشخصية, والحدث الدراميين.
وقد أثار عرض مسرحية "أيام الخيام" نقاشـات كثـيرة, وبمسـتويات متفاوتة, لأنه خاطب الناس في صميم معاناتهم, بالقص والحكي, والتشخيص، وذلك من خلال روح الجماعة, التي تتحدث إلى جماعة جاءت تسمعها وتراها، وقد استنبطت الجماعة الأولى هذه الأحـداث من أحاديث النـاس أنفسـهم، وقد جاؤوا الآن ليروا ما حلّ بأحاديثهم, وإلى ماذا تطورت . وبالمقـابل توجد جماعة من المشاهدين لم يحتكّوا بكلا الجماعتين لكـنهم وجدوهـا تمثل وجدانهم هم أيضا, ما دامت هذه المادة قد أصبحت مـادة لعمـل فنـي اقتبسته جماعة, وقامت بتطويره ليس كمضمون فقط, وإنمـا كشـكل, وحكايـة يتزامن فيها الإعداد والسماع, وإعادة الفرز معا, بل إن الفرقـة كـانت تعرض بعض التمارين أمام رواة المادة الخام أثناء تدريباتها, مـن أجـل استنتاج ردود الأفعال المسبقة, بغية اجتياز مراحل التركيز, والتـوضيب والصقل النهائية .
وفي النقاش الذي دار بعد عرض مسرحية "أيام الخيام", قال "روجيـه عسّـاف" مخرج المسرحية, ردًا على كثير من التساؤلات, بأنـه يبحـث عـن انتمائه من خلال العلاقة بالجمهور, والتي تحولت مع الوقت إلـى علاقـة بالناس خارج المسرح, فالهاجس ليس البحث عن شكل مسرحي, بل هو البحث عـن نهج عملي, لإيجاد وسيلة للتعبير, فكل عمل فني إنساني, هـو عمـل فـردي بالضرورة, سمته الفردية لا تنحصر في الكتابة, بل تمتد إلـى كـل شــيء "التمثيل, والإخراج, والديكور, والإضاءة", لأن كل الأعمـال الجماعيـة مكوّنة من أعمال فردية بـالضرورة, والحـكواتي الـذي نقدمـه ليس الشـكل
المنقرض الذي تحترفه المقاهي, ولكنه الجوهر الحـي فـي أذهـان النـاس، والعمل الجماعي, هو وحدة الشروط التي منها توظيف الخـبرات والطاقـات بتفاعلها, وتفاوتها, إضافة لتغير نوعيـة العلاقـة لكـل مـن الإنتـاج والجمهور المسرحي, من خـلال بنـاء مراحـل الإنتـاج التـي تبـدأ بصهـر الكتابة, في التمثيل, من خلال أداء ارتجالي جمالي للمكتوب, يتم بعدها إيجاد تركيب مسرحي صحيح للمشاهد, وتحديد أسلوب الأداء جماعيّاً, بغية بلورة لطبيعة علاقات الشخصيات, واختيار الجسور الفنيـة بيـن المشـهد وبين الجمهور,وأخيراً توليف وتركيب جميع عناصر العمـل المسـرحي, بعد الأداء الإرتجالي, على النص, وعلى شكل الإخراج .
لكن هذه التجربة لم تمتد, لأن غياب المخرج, والمدير الفعلي للجماعة عنها، وانشغاله . ونُسيت الطريقة, ولم تقدم حصيلتها للآخرين، على غـير مـا يتم عمله من خـلال مركـز للإبـداع, تسـتجمع فيـه المـردودات كمحـصلات مكتوبة ومرئية للدارسين .وذلك يعود ربما للحرب اللبنانية كما تذكر الدكتورة وطفاء حمادي هاشم في استفتاء عن دور الصحافة في النقد المسرحي العربي (1)
ويبدو أن للتأثير الغربي في التجريب أيضًا جانب مهم, خصوصًا على الجماعات المسرحية كفرقة "مسرح الحـكواتي اللبنانيـة", ومنهـا تـأثير فرقـة "مسـرح الشـمس" الفرنسـي بقيـادة المخرجـة "أريـان مينوشـكين" التي تعمل بمنهـج جمـاعي, وخـلق ربرتـوار يـزاوج بيـن التجربة اليومية للمتفرج, بقصد ربط العمـل المسـرحي, بمحـيط اجتمـاعي معين, وذلك من خلال استقاء معلوماتها مـن النـاس,فـي أمـاكن عيشـهم، وعملهم حيث يشارك جميع أعضـاء الفرقـة, فـي البحـث والإبـداع اللـذين يقودان إلى ارتجالات فنية, عمادها المواضيع المرجعية في البحـث, وقـد عقب الناقد المسرحي "بول شاوؤل", في مقارنة موضعية على عمل الفـرقتين وتقارب أسالوبيهما معًا .
(1) في ورقة عمل  للدورة الثالثة عشرة لمؤتمر الهيئة العالمية لنقّاد المسرح في هلسنكي – فنلندا بين 5 – 8/10/ 1996 .
(2) كتاب آفاق تطويع التراث العربي للمسرح للدكتور فاروق أوهان إصدار وزارة الإعلام والثقافة بدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 1999.

الاثنين، 21 يوليو 2014

كارلو جولدوني رائد الكوميديا الإيطالية المرتجلة

مدونة مجلة الفنون المسرحية
 كارلو جولدوني (1707 - 1793

يعتبرالكاتب المسرحي الإيطالي كارلو جولدوني (1707 - 1793) رائد الكوميديا الإيطالية المرتجلة، الذي ترك إرثاً غنياً متنوعاً ومتجدداً ألقى بظلاله على التيارات المسرحية التي جاءت بعده.
ظلت تجربة جولدوني مثيرة للجدل على مدى أكثر من قرنين، ومع أن أعماله المسرحية تنتمي إلى الكوميديا المرتجلة فإنها كانت مختلفة وغنية بمفاهيم وأفكار وجدت طريقها إلى المسرح الحديث، ولم تكتمل إعادة اكتشاف هذا المبدع، الذي عاش في القرن الثامن عشر، إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، مع أن صديقه الفيلسوف الفرنسي فولتير أطلق عليه لقب «موليير الإيطالي»، بينما أطلق عليه نقاد آخرون لقب «شكسبير إيطاليا».

كان أبوه يعمل في مجال الفيزياء، لكن جولدوني ورث اهتمامه بالمسرح عن جده، وكان من الممكن أن تنحرف حياته في اتجاه آخر، بعيداً عن المسرح فقد دفعته رغبته بالعمل الدبلوماسي إلى وظيفة قنصل لجمهورية جنوا في فينيسيا، ولكنه انسحب في الوقت المناسب، حينما وجد نفسه مضطراً إلى استئجار سفاح مغامر لتنفيذ جريمة سياسية.
كتب جولدوني أول مسرحياته وهو في الثامنة عشرة من عمره، وبعدها صار المسرح يشكل له كل أحلام الحياة، فكان مولعاً بالممثلات اللواتي يحملن معهن عبق المسرح، فهرب من مدرسة الدومينيكان في ريميني ليرافق مجموعة من الممثلين والممثلات إلى مدينة كيوجيا التي كتب عنها مسرحية فيما بعد، وهذه الحادثة تذكرنا بحادثة أخرى جرت بعد قرنين من الزمن، في مدينة ريميني نفسها، حيث هرب فدريكو فيليني من المنزل في طفولته، ليرافق فرقة السيرك التي كانت تمر في المدينة.


يقول جولدوني: يا له من إطار جميل وغريب وجديد، بالنسبة إلي من الشخصيات الأصلية والحقيقية التي أدرسها بعناية، وأحاول أن أجعل منها مادة من مواد عملي العادي.

ويقول في مسرحية «ذكريات»: «لقد طورت هواية مراقبة الرجال في الأحياء القريبة مني، وأنا مقتنع بأنني أحترم جمهوري من خلال تقديم الحقيقة العارية خالية من الزخرفة»، ويضيف إلى مزاياه الخاصة استمتاعه بالشغل في كل شيء وعدم إصدار أية أحكام مسبقة.
تشكل التجديدات التي وضعها جولدوني نقطة انطلاق للمسرح العالمي الحديث، ومنها حبه الفضولي للمراقبة، وترسيم الحالات النفسية لشخوصه واستقراء الدوافع الكامنة وراء سلوكهم، في واقعهم الاجتماعي والثقافي، والمستويات والاتجاهات الفكرية التي يعيشونها، وهذا يحتاج إلى المزاوجة بين المسرح والحياة، أو ما يمكن أن نسميه «فن الحياة مسرحياً»، أو الحياة في المسرح بمعنى «مسرحة الحياة».
تعرض جولدوني لحملات عنيفة متواصلة من منافسه كارلو غوتسي الذي استعدى عليه الأكاديمية الأدبية، حيث اتهمه بخيانة تقاليد الكوميديا المرتجلة في إيطاليا. والابتعاد عن الشعر والخيال، فاضطر جولدوني إلى الهجرة إلى باريس ليعيش فيها ثلاثين عاماً، لكنه عانى في سنواته الأخيرة ضعف البصر والفقر، بعد أن قطعت الثورة الفرنسية عنه مورده.
كانت فينيسيا هي المدينة الرمز لدى جولدوني، بكل ما فيها من أوهام وأقنعة وتعويذات سحرية، فهي مدينة خاصة جداً، بشوارعها المائية التي تعطيها صفة المدينة البحرية المختلفة، فهي تتواصل مع نفسها ومع العالم عن طريق البحر، وهذا ما انعكس على الحياة الاجتماعية واللهجة والتقاليد اليومية والاحتفالية فيها. فاللهجة الفينيسية مشحونة بطاقة تعبيرية عالية، وهذا ما ساهم في انتعاش مسرح «خيال الظل» الذي يرفد جذور الواقعية في المسرح العالمي، ويلتقي مع واقعية جولدوني الذي يعتبره دعاة الحركات التنويرية في القرن الثامن عشر رائداً لمسرح الطبيعة، كما يشير فولتير في إطرائه لمسرح جولدوني: «إن الطبيعة عالمية وهي أرضية صلبة لأولئك الذين يرصدونها، ومن هنا فإن هذا الفن الشعري المسرحي العظيم متمسك بالطبيعة ولا يمكن أن يرخي قبضته عنها..». ومع العواطف الحقيقية، وفي لغة يفهمها كل الناس ويدركونها، لم يكن جولدوني يبتعد عن الحقيقة، ولم يتخل عن الطبيعة أبداً، فالصيادون والنساء الشعبيات هم جزء حي من هذه الطبيعة التي تحمل معها العادات والتقاليد والحس النقدي الاجتماعي.

وإذا كانت الكوميديا المرتجلة توصف بأنها مسرح التسلية فإن أعمال جولدوني تتميز بتحليل الشخصيات وتحليل الأحداث معاًَ، والقدرة على إمتاع القارئ والمتفرج معاً.

يقول مارك توين عن جولدوني: إنه الإنسان الذي يتمنى كل شخص أن يكون قارئاً لأعماله، ولكن القلائل هم الذين قرأوه فعلاً.



وقد نتساءل: كيف استطاع جولدوني كتابة نحو مئتين وخمسين من الأعمال المسرحية المختلفة، من الكوميديا والتراجيديا والأوبرا إلى الأعمال الغنائية والمذكرات..؟! وكيف كان يعمل محامياً في النهار ويكتب فناً في الليل، أو يتسرب من الأبواب الخلفية للمسرح ويسهر في قاع المدينة حتى الفجر، ثم يكتب نصوصه ومواعظه الحكيمة إلى جمهوره وقرائه في مطالع مسرحياته كأنه ناسك ورع وحكيم؟


إن تجديداته الذكية تشبه الإضافات الشعبية إلى السيرة الذاتية للأبطال، حينما تتجاوز المألوف، وتضع الناس أمام إرباك في بحثهم عن الحقيقة.

إذا كانت أهم أعمال جولدوني وأكثرها شيوعاً هي المسرحيات الكوميدية، فإنه لم يبتعد عن كتابة المسرحيات التراجيدية والميلودرامية والشعر والأغاني والنصوص الأوبرالية والمذكرات، وجاءت هذه الأعمال باللغة التوسكانية، وهي أصل اللغة الإيطالية، بينما جاء بعضها الآخر بلهجة فينيسيا المتميزة. وفي السنوات الثلاثين التي قضاها في فرنسا كتب بعض أعماله باللغة الفرنسية، ويبدو أن عدداً من أعمال جولدوني ومشروعاته غير المكتملة ضاعت لكن أهم أعماله المعروفة هي: الرجل المكتمل، المسرف، الإفلاس، ابن أرلوكان المفقود والمستعاد، خادم سيدين، النساء المرحات، ضجة في كيوجيا، الأرملة الماكرة، الجمال الوحشي، المضيفة الجميلة، ضيف من حجر، أرلوكان ساحراً، صاحبة الفندق، الغلظاء، رجل العالم، ترويض الأرملة، الشاعر الخيالي، مدرسة الرقص، فيلسوف البلدة، الكونتيسة الصغيرة، مدير مسرح في أزمير، الفتاة الفاضلة، المروحة، الإقطاعي، الجندي العاشق، الفيلسوف الإنجليزي، ثلاثية المصيف (حمى الاصطياف - مغامرة الاصطياف - العودة من الاصطياف)، مذكرات المقهى، الزوجة الصالحة.. وكان التنوع في موضوعات هذه الأعمال يوازي التنوع في موضوعات الحياة اليومية خارج المسرح.

فكتب عام 1743 «المرأة اللطيفة» La donna di garbo، ثم «خادم سيدين» Il servitore di due padroni عام (1746)، و«الأرملة الماكرة» La vedova scaltra عام (1748)، و«الفتاة الشريفة» La putta onorata عام (1749) و«الزوجة الصالحة» La buona moglie عام (1749)، و«أسرة جامع الأنتيكات» La famiglia dell’ antiquario عام (1750). عمل غولدوني بين عامي 1745-1748 محامياً في بيزا Pisa هرباً من دائني أخيه الأصغر، ثم عاد إلى ڤينيسيا وبقي فيها حتى عام 1762. ظهر الجزء الأول من نصوصه الكوميدية عام 1748، فشكل محطة جديدة على طريق العودة إلى النص المسرحي المدون عوضاً عن السيناريو الموجز المعتَمَد في العروض المرتجلة. ونتيجة لوعد قطعه على نفسه تجاه الفرقة والجمهور أنجز غولدوني في موسم 1750-1751 ست عشرة مسرحية عرضت في مسرح سان أنجلو San Angelo، وحقق بعضها نجاحاً واستمراراً ملحوظين، مثل «المسرح الكوميدي» Il teatro comicoو«باميلا» Pamela و«المقهى» La bottega del caffè.


اعتاد غولدوني أن يرسم شخصياته وفق ملامح ممثلي وممثلات الفرقة ومواصفاتهما، وعندما مرضت ممثلته الرئيسية تيودورا مِدِباك Teodora Medebac وحلت محلها الشابة مَدَّلينا مَرلياني Maddalena Marliani كتب عدة نصوص جديدة قدم فيها صورة للمرأة مختلفة عما سبق، من حيث الحيوية والعواطف الجياشة والذكاء اللماح، كما في «المرأة العجيبة» La donna bizzarra و«النساء الفضوليات» Le donne curiose و«النساء الغيورات» Le donne gelose و«صاحبة الفندق» La Locandiera وغيرها. إلا أن اضطراره إلى غزارة الإنتاج في الموسم الواحد أثَّر في مستواه الفني والأدبي، فلم يستطع متابعة برنامجه الإصلاحي إلا في قلة من نصوصه، إذ صار يستلهم موضوعات تاريخية أجنبية ليبتكر بحرفيته العالية نصوصاً تراجيكوميدية تلبي تطلعات الجمهور وأصحاب المسرح. كما كتب نصوصاً موسيقية Libretti للأوبرا الرائجة آنئذ فأثَّر في تطورها. وفي عام 1759 قدم غولدوني نص «العشاق» Innamorati، الذي تهافتت على أدواره الرئيسية أشهر ممثلات القرنين التاسع عشر والعشرين من مثل إليانورِه دوزِه E.Duse وأدِلايد ريستوري A.Ristori.
كانت مسرحية«صخب في كيوتجا» Le baruffe chiozzotte عام (1761) إحدى ذرا الكتابة الدرامية الكوميدية لدى غولدوني، لما فيها من حذق وطرافة وإنسانية في رسم الشخصيات وعلاقاتها على الصعيد النفسي والاجتماعي والاقتصادي، فصارت من أفضل المسرحيات العالمية التي تقدم في مواسم المسرح العالمية

تعتبر مسرحية  "صاحبة اللوكاندة" هامة من حيث الحبكة الفنية،فموضوعها في مجمله بسيط ولكنه يتطور من خلال لعبة من الحركات المسرحية الدقيقة يظهر إتقانها في ضبط إيقاع تواليها بحس مرهف ،كما أن تداخل الأزمنة فيها محسوب بدقة عالية،ومعدلات الدخول و الخروج من المشهد مرتبة بدقة قائد الأوركسترا ونظام التغيير في العلاقات المشتركة بين الشخصيات يسبغ على المسرحية كلها خفة الباليه. وتضم المسرحية عددا من الشخصيات من مختلف الطبقات الاجتماعية،فالماركيز و الكونت من الطبقة الاستقراطية و الفارس من الطبقة البرجوازية الصغيرة و الخادم من الطبقة الشعبية. و تكمن اهمية هذه الشخصيات في انها نماذخ تاريخية تمثل عصر جولدونى الذي شهد تغيرات فكرية و اجتماعية كبيرة خاصة تدهور احوال الطبقة الارستقراطية و ظهور طبقة التجار و الحرفين او الأغنياء الجدد الذين سعى بعضهم لشراء الإقطاعيات كالماركيزية او الكونتية للحصول على ألقبهاو التمتع بمزايها و مظاهرها. زمن الطبيعى ان يكون هناك اختلاف في المصالح و القيم بين هذه الطبقات بعضها البعض ،وأن يظهر أثر هذه التغيرات في مجال التعامل بينها. ويتضح هذا بجلاء من خلال التنافس و المشاحنات العديدة بين الماركيز و الكونت . فالماركيز و الكونت شخصيتان تعكسان ما لحق من تطورات اجتماعية و اقتصادية بطبقة النبلاء و التدهور الذي حاق بها . وقد صور جولدونى شخصية الماركيز في صورة هزلية تصل أحيانا إلى حد الكاركاتير ليعبر عن إدانته لهذه الطبقة و السخرية منها و التي سيطرت على فنيسيا حقبة طويلة من الزمن وهو و إن كان قد جعل مدينة فلورنسا مكانا لوقوع الأحداث فلم يكن ذلك إلا لرغبته في تحاشى الصدام مع هذه الطبقة في مدينته . ام شخصية الكزنت التي تحفها مظاهر الثراء الحديث و ابذخ و الإسراف فإنها تبلور القيم الأخلاقية المستحدثةالتى تعتمد على سطوة المال و الجاه في الوصول إلى أهدافها . وشخصية الفارس أيضا نموذج من نماذج العصر تجسد شخصية الرجل الذي يعلن بغضه للمرأه وعداءه لها وإن كان في الواقع عداء غير قائم على تجارب عمليه أو فهم دقيق لحقيقة المرأ ة وقدرتها على الوقوف أمام الرجل وتحديه والتغلب عليه بأ ساليبها الخاصه . والشخصيه المحوريه التيي تدور حولها الأحداث وهي شخصية ميراندولينا صاحبة اللوكانده هي بدورها أيضا نموذج للمرأة المتطلعه المفتونة بنفسها والتي تجيد استخدام فنون المرأة في السيطره على الرجل في عقلانية ودهاء وقدره فائقه على التصنيع . ورغم أن هذه الشخصيات كلها نماذج تاريخية الإ أنها تحمل في طياتها سمات المعاصره والدوام فهي تعكس طبائع النفس البشريه ودوافعها الكامنه . فالعلاقه بين الرجل والمرأة والأنانيه والخداع وحب التملك والادعاء والتطلع وخيبة الرجاء وأيضا تقلب الاحوال وتغير الأوضاع الاجتماعيه كلها عناصر متجددة ومتكررة عبر العصور ولذا فإن هذه الشخصيات وإن بدت في ظاهرها متسنة بخصائص عصرها ، إلا أنها في جوهرها شخصيات تنبض بالحياة في عالمنا بكل مقوماتها النفسيه والأخلاقيه .  ويجمع الناقدان سيلفو داميكو وموميليانو على أنه في مسرحية صاحبة اللوكاندة يتحقق في الواقع التوافق التام بين الشخصية وبيئتها ويواكب هذا التوافق على الدوام نغمات متوازنة تتراوح بين الهازئة والدراميه والمازحة والعاطفيه مما يسبغ على المسرحية تناغماً تاماً يحافظ حتى على وحدة المكان رغم أن جولدوني يشعل كثيرا من المشاعر ثم يطفائها في شخصية الفارس بشكل منطقي محكم. ويفتتح الماركيزوالكونت أحداث المسرحية بالتشاحن والتنافس فيما بينهما للاستثئثار بحب ميراندولينا . ويعكس حوارهما أن كلا منهما مقتنع أو يحاول إقناع نفسه بأنها تميل إليه وتفضله على غريمه ، ويتفاخر كل منهما بما يقدمه لها من هدايا مادية أو معنوية . فالماركيز يقدم لها الحماية التي كانت ذات قيمة في الماضي من حيث أنها توفر لمن تسبغ عليه نوعا من الحصانة إلا أنها أصبحت عديمة القيمة في يد الماركيز خاصة أنه لايدعمها جاه السلطه ونفوذ المال . وفي نفس الوقت فإن ميراندولينا نفسها ليست في حاجة اليها . أما الكونت فيغدق عليها الهدايا النفيسة ويقدم لها الخدمات ويحيطها ويحيط اللوكاندة التي تمتلكها بالرعاية والأهتمام . ويخلق هذا التناقض بين الماركيز المفلس والكونت الثري مواقف باسمة وضاحكة تبين الرواسب الطبقية في المجتمع كما تكشف عن جوانب شخصية البطلة. وعندما تظهر ميراندولينا على خشبة المسرح نلاحظ أنها أمرأة فاتنة تجيد أداء عملها وتحسن معاملة النزلاء ، كما نلاحظ أنها بارعة في استمالة الرجال وشدهم إليها . ويبدو هذا جليا من تنافس المحيطين بها للفوز بحبها ومن أسلوبها في ربطهم بها واستغلالهم من خلال إظهار مشاعر زائفة للجميع تتباين مع مشاعرها الحقيقية ومع ما تضمره في نفسها . فهي في الواقع تتطلع لأن تكون دائما مطمح الرجال والمتربعة على عروش قلوبهم وأحلامهم . وهي تمتلك في تطلعها هذا كل الصفات والملكات الملائمة ، فهي خبيرة بنفوس الرجال وبالتعامل مع كل منهم بما يتفق مع شخصيته ، كما أنها تتمتع بقدر كبير من الخبث والدهاء يمكنها دائما من تحقيق مراميها المرسومة. وحين تعاكسها الظروف وينزل الفارس ريبافرتا في اللوكاندة ، وهو الرجل الذي يناصب النساء العداء ويبدي نحوها لا مبالاة وازدراء وتعاليا ، تشعر بالمهانة وبتعرض خططها للخطر فتقرر الانتقام والإيقاع به في شباكها . والواقع أنها تكشف عن هذا الهدف في مونولوج داخلى يفتتح مجموعة من المونولوجات المثيلة كرسها المؤلف لاستظهار الوجه الخفي لها . ومن المعروف أن هذه التقنية تؤثر على سلامة البناء الفني للمسرحية بشكل عام ، لكن جولدوني وظفها بنحو جيد متسق مع الحوار وتتابع الأحداث وفي هذا المونولوج تتوقف ميراندولينا عند عرض الزواج الذي يقدمه لها الماركيز لتفصح عن أبعاد تكوينها النفسي وترجمته إلى سلوك وأهداف . 

"ميراندولينا ( وحدها ) : وعدى ! ماذا قال ؟ ... صاحب السعادة الماركيز " شحيح " يريد الزواج منى ؟ ! ولكن لو أراد هذا حقا فهناك عقبة بسيطة وهي أنني لا أريد أن أتزوجه ! إنني أ حب " الشواء " ولا أعرف ماذا أفعل " بالدخان " . ولو كنت قد تزوجت كل من يرغبون الزواج منى لكان عندي أزواج لا عدد لهم ، فكل من ينزلون لوكاندتي يقعدون في حبي ويترامون على، وكثيرون كثيرون منهم يعرضون على الزواج ثم يجئ هذا الفارس الجلف مثل الدب فيعاملني هذه المعامله ؟ إنه أول غريب يصادفني في لوكاندتي ينفر من التعامل معى . لا أقول أن الجميع يجب أن يعشقوني من النظره الاولى ، ولكن أن يحتقرني بهذا الشكل ؟! أنه يغيظني ويفقع مرارتي . عدو النساء ؟ لايطيق رؤيتهم ؟ يا للمجنون المسكين . بما لم يجد بعد المرأة التي تعرف كيف تعامله ؟ ولكنه سيجدها .. سيجدها .. ومن يعرف ، لعله وجدها بالفعل ، هو بالذات سأضعه في رأسي وأتعمد محاصرته ، فالذين يجرون ورائي يصيبونني بالملل سريعا ، والأرستقراطية لا تروقني والثراء أحبه ولا أحبه . فكل مايطيب لي هو أن أحاط بمن يلبون طلباتي ويهيمون بي ويعبدونني . هذه هي نقطة ضعفي ونقطة ضعف كل النساء تقريبا . أما الزواج فلا يعينني مجرد التفكير فيه . فأنا لاأحتاج لأحد .. أعيش بشرفي و أتمتع بحريتي . أتعامل مع الجميع ولكنني لا أقع في حب أحد ، وأسخر كثيرا من العشاق الغارقين في الحب بصورهم المضحكة . أريد أن استخدم كل الحيل لأكسب وأكسر و أحطم كل فنون المرأة للاستحواذ على قلب الرجل ، فمن تلبية طلباته وخدمته بنفسها إلى مجاراته وتصنع مشاركته أفكاره ، ومن صنع الطعام له بيدها وأقتسامه معه في حجرته إلى إظهار الخضوع له والتقليل من شأنها والمبالغة في رفع شأنه وإيهامه بأختصاصه دون باقي الرجال بكل اهتمامها ورعايتها . وميراندولينا تقوم بكل هذا في مهاره وأنوثة محسوبة وساحرة وقدرة على التصنيع والتمثيل جعلت الممثلين المحترفين يحسدونها عليه . وحين ترى أن الوقت قد حان ليدخل الفارس المصيدة دون أمل في الخروج منها تتظاهر بالوقوع أسيرة حبه وتأتى من التصرفات والحركات ما يوحي بشقائها بهذا الحب ثم توجه إليه الضربة القاضيه بتظاهرها بالأغماء . وأثناء هذا تغلف كل مبادراتها بالغموض وثنائية التفسير أو تعدده .

فما هو موقف الفارس عدو المرأة من هذه الفنون الأنثوية ؟ في البداية يبدي شيئا من البرود ثم شيئا من الفضول ويتدرج من الغلطة والجفاء إلى الإعجاب واللين في معاملتها . ثم تبدأ في التسلل إلى مشاعره وإمتلاك قلبه وحين يلمس هذا يشعر بالخطر ويحاول الفرار من اللوكانده ، من المدينة كلها ولكنه يعجز عن إتمام المحاولة للاحقتها له بدقه ومهاره حتى يغرق في حبها فيقدم على ما كان يفعله الآخرون ويسخر منه ، فيتودد إليها ويقدم لها هدية نفسية ، بل ويعترف بحبه لها وعندما تحقق ميراندولينا بغيتها تكشف عن نواياها الحقيقية فترفض هديته في ازدراء وتتنصل من تصرفاتها وتفسرها بغير ما أوحت له بها وتصده بمنطقة في معاداة المرأة ثم تتجنبه وتبتعد عنه . فيفقد الفارس صوابه ويضرب عرض الحائط بمكانته الاجتماعية واتهام النزلاء له بالنفاق والأنانية والكذب بل ويجن جنونه فيتهجم على فابريتزيو لغيرته المحمومة منه ويدخل في مبارزة مع الكونت ويفعل كل ما في استطاعته ليقتنص ميراندولينا ويسوى حسابه معها . وفي النهاية تعى ميراندولينا فداحة عواقب لعبتها ومدى المخاطر التي تهددها فتعمل في ذكاء للخروج من المأزق ، فتحفظ للفارس ماء وجهه أمام الجميع وتعلن عزمها على الزواج . ولايجد الفارس بدا من التسليم بخسارته حينما يدرك تلاعبها بعواطفه ويكتشف حقيقة مشاعرها نحوه.

كان جولدوني صديقاً لعدد كبير من الموسيقيين مثل فيفالدي وغالوبي وعدد آخر من الكتاب والفلاسفة أمثال فولتير وجان جاك روسو، وشهد عصر العظمة والمهانة لقصر فرساي في عهد لويس الخامس عشر ولويس السادس عشر، وتعرض لأذى كبير بعد أن كسب رهاناً وتحدياً بكتابة ست عشرة مسرحية في عام واحد، وكانت تنتابه نوبات من الكآبة التي لا يعلم بها أحد، أو تمر به فترات من الكسل واللامبالاة وعندما تقدم به العمر عاش مكرّماً ومدمراً في الوقت نفسه، فقد عاش مائة وجه لحياته التي امتزجت بالمسرح، ويمكننا أن نقتبس عبارة جاءت على لسان أحد شخوصه «جوليمو» في مسرحية «المغامر الذي استحق التكريم»، يقول فيها: «أريد أن أمتع نفسي، لا أريد أن أعاني المتاعب، أريد أن أكون قادراً على الضحك من كل شيء، وأتذكر فوق هذا حكمة معروفة تقول: إن الإنسان الروحاني يجب أن يرتفع فوق كل ضربات القدر».

نشر الشاعر الإيطالي روفيلي كتاباً موثقاً مثيرا بعنوان: «حياة وحب وغرائب كارلو جولدوني» يؤكد فيه أن جولدوني كان يتعلم بسرعة البرق، وبالإضافة إلى شغفه بالمسرح كان مشدوداً إلى علاقات غرامية بسيطة وبريئة، لكنه ظل طيلة حياته مخلصاً لزوجته نيكوليتا التي شاركته المتاعب: «لم يكن جولدوني أنيقاً، وهذا ما تذكره جميع النساء اللواتي عرفنه بكثير من الرقة والامتنان، ومنهن كونتيسات وخادمات وفتيات يافعات».
آخر الكتب التي صدرت عن جولدوني كان للكاتب ادواردو بيرتاني وهو يلخص حياته، وأعماله بشكل دقيق: «إنه رجل محب ومبدئي، ولكنه ببساطة ليس ابن عصره، إنه متلهف للجاذبية الأنثوية والأطعمة الجيدة، ويتوخى الدقة في عمله، إنه مغامر نبيل، عاش بسرعة، وكتب بسرعة، وكان مضطراً أن يحترم عقوداً غير محترمة، بسبب حاجته إلى الكتابة والمال، إنه رحالة يحب السفر منذ الخامسة عشرة من عمره، عندما اتجه إلى روما مع والده جيوليو الذي كان طبيباً دون شهادة رسمية».



بدأت الخطوات الأولى لإعادة اكتشاف جولدوني في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، مع صعود الواقعية الجديدة، في السينما والمسرح في إيطاليا، ولكنها أخذت شكلاً أكثر عمقاً واتساعاً في الاحتفالات بالمئوية الثانية لوفاة جولدوني، والتي تركزت في فينيسيا وروما في شتاء عام 1993، وانتشرت في أكثر الدول الأوربية والعواصم العالمية، وضمت مؤتمراً لوزراء الثقافة الأوربيين ونشاطات مسرحية وسينمائية وموسيقية، وقرارات بإعادة ترجمة وطباعة أعمال جولدوني والدراسات المستجدة عنها، مع إصدار مطبوعة شهرية على مدى عشر سنوات، خاصة بأعمال جولدوني، وتشكلت لجنة في فرنسا لترجمة أربعين مسرحية مختارة من مسرحياته. وقال الكاتب المسرحي والناقد الإيطالي أوغور أنفاني السكرتير الفني العام للاحتفال: في هذا اليوم بالذات تم الكشف عن «جولدوني المتخفي» ومعرفة أعماله بحيوية بالغة وتذوق جديد.


.المصادر العربية 
1- مسرحية "صاحبة اللوكاندة "  تأليف : كارلو جولدوني ، ترجمة :سلامة محمد سليمان ،العدد 144 ،المركز القومي للترجمة ، المجلس الأعلي للثقافة ،2000 ،القاهرة .
المصادر الأجنبية 
1-ارمين جيبهاردت -  كارلو جولدوني الكاتب المسرحي الأكثر أهمية في إيطاليا

Carlo Goldoni

Italiens bedeutendster Lustspieldichter
Im Italien des 18. Jahrhunderts hat Carlo Goldoni das textgebundene Lustspiel, so wie wir es verstehen, durchgesetzt. Bis dahin beherrschte die sogenannte Commedia dell Arte die Theaterspielpläne. Glücklicherweise kommt Goldoni in der damals... mehr
2008, 110 Seiten, Masse: 21 cm, Kartoniert (TB), Deutsch


محسن النصار


الأحد، 20 يوليو 2014

من المسرح العالمي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
صورة من عرض لرائعة المسرح العالمي الكيميائي بقلم بن جونسون على مسرح الرويال بانجلترا
الأورستيا -أجاممنون -بقلم أسخولوس عام1932على خشبة المسرح اليوناني

صورة من عرض لمسرحية زوجتان مرحتان من وندسور بقلم وليم شيكسبير -آداء فرقة شيكسبير الملكية عام1980بانجلترا

الصورة تجمع بين الشخصيات الثلاث الرئيسية فولستاف وزوجة بيج وزوجة فورد
صورة من عرض لمسرحية زوجتان مرحتان من وندسور آداء فرقة شيكسبير الملكية عام1980بانجلترا
أو .بي .هيجي في دور أندروكليز وليلي ماكرثي في دور ليفينيا في رائعة المسرح الحديث اندروكليز والأسد بقلم برنارد شو على مسرح والكس عام 1915 في نيويورك ولقد تم تقديم المسرحية أيضاً بإداء نفس الفرقة سابقاً على خشبة مسرح سان جيمس بلندن عام1913
اندروكلبيس والأسد بقلم برنارد شو حيث نرى كلير هاريس في دور ميجارا واندرو لي في دوراندروكليس وجورج كار في دور الأسد عام1934
صورة من عرض لمسرحية خطاف فينزا بقلم لوبي دي بيجا عام1912 بإسبانيا وكان ذلك بمناسبة مرور 350 عاماً على مولد لوبي دي بيجا
مسرحية كلب البستاني بقلم لوبي دي بيجا -حيث نرى في الصورة الشخصيتين الرئيستيين الكونتيسة ديانا التي رسمها دي بيجا ببراعة تعبيراً عن الحيرة بين كبريائها وغرامها بتيودور نائبها في شؤون مقاطعتها فبين الحوار الدائر في الفصول والدفع الدرامي لاينسى دي بيجا النفاذ الى أسرار النفس البشرية من تناقضات فلايمكن لنا الا ان نضع الكونتيسة ديانا بين الشخصيات الكبرى للنساء المتقنة في الرسم الانساني والنفسي في... متابعة القراءة
العرض الأول لمسرحية طائر النورس بقلم أنطون تشيخوف حيث نرى الممثل والمخرج الفذ ستانسلافسكي جالساً وهو يؤدي دور تريجورين
كاتينا بكسيانوا في دور ميديا في مسرحية ميديا بقلم يوريبيديس على خشبة المسرح القومي اليوناني عام1958

من المسرح العالمي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
صورة من عرض لرائعة المسرح العالمي الكيميائي بقلم بن جونسون على مسرح الرويال بانجلترا
الأورستيا -أجاممنون -بقلم أسخولوس عام1932على خشبة المسرح اليوناني

صورة من عرض لمسرحية زوجتان مرحتان من وندسور بقلم وليم شيكسبير -آداء فرقة شيكسبير الملكية عام1980بانجلترا

الصورة تجمع بين الشخصيات الثلاث الرئيسية فولستاف وزوجة بيج وزوجة فورد
صورة من عرض لمسرحية زوجتان مرحتان من وندسور آداء فرقة شيكسبير الملكية عام1980بانجلترا
أو .بي .هيجي في دور أندروكليز وليلي ماكرثي في دور ليفينيا في رائعة المسرح الحديث اندروكليز والأسد بقلم برنارد شو على مسرح والكس عام 1915 في نيويورك ولقد تم تقديم المسرحية أيضاً بإداء نفس الفرقة سابقاً على خشبة مسرح سان جيمس بلندن عام1913
اندروكلبيس والأسد بقلم برنارد شو حيث نرى كلير هاريس في دور ميجارا واندرو لي في دوراندروكليس وجورج كار في دور الأسد عام1934
صورة من عرض لمسرحية خطاف فينزا بقلم لوبي دي بيجا عام1912 بإسبانيا وكان ذلك بمناسبة مرور 350 عاماً على مولد لوبي دي بيجا
مسرحية كلب البستاني بقلم لوبي دي بيجا -حيث نرى في الصورة الشخصيتين الرئيستيين الكونتيسة ديانا التي رسمها دي بيجا ببراعة تعبيراً عن الحيرة بين كبريائها وغرامها بتيودور نائبها في شؤون مقاطعتها فبين الحوار الدائر في الفصول والدفع الدرامي لاينسى دي بيجا النفاذ الى أسرار النفس البشرية من تناقضات فلايمكن لنا الا ان نضع الكونتيسة ديانا بين الشخصيات الكبرى للنساء المتقنة في الرسم الانساني والنفسي في... متابعة القراءة
العرض الأول لمسرحية طائر النورس بقلم أنطون تشيخوف حيث نرى الممثل والمخرج الفذ ستانسلافسكي جالساً وهو يؤدي دور تريجورين
كاتينا بكسيانوا في دور ميديا في مسرحية ميديا بقلم يوريبيديس على خشبة المسرح القومي اليوناني عام1958

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption