أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 4 مايو 2015

الأخت إيمانويل شمس أشرقت على ظلمة الفقراء وتماهت ببؤسهم فرنسواز تورييس لبست ثوب الراهبة ورسالتها على "مسرح أوديون"

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
(مروان عساف)
هي الممثّلة القديرة فرنسواز تورييس التي تغمرها الأضواء بأدائها المسرحي الباهر، وسخائها على الشخصية المتغلغلة فيها.

صرخة الأخت إيمانويل في تلك الليلة على "مسرح أوديون" منطلقةً من صدرها، "سوف أهدم الجدار الثخين الذي يفصل الإنسان عن أخيه الإنسان"، كانت أهم ما رشح منها في احتوائها سيرة الراهبة إيمانويل، ذوبانها الكلّي في هذه المرأة، في زهوها بأنوثتها صغيرة، في تمرّدها، في استسلامها للصوت الذي دعاها إلى عيش رسوليتها في قلب بؤر البؤس والعدم وفي أكثر الأماكن فقرا ومذلّة للإنسان.
من تجاربها الفريدة التي دأبت الأخت إيمانويل على تدوينها في صيغة يوميات، بدءا من طفولتها إلى نهاية عمرها المديد، صدرت قصة حياتها لدى "فلاماريون" تحت عنوان "الأخت إيمانويل: اعترافات راهبة"، التي لم تبق طي صفحات الكتاب بل نقلها إلى المسرح ميكاييل لوندال المخرج والممثل السينمائي الذي فور قراءته لها أدرك أن حياة فريدة كهذه لا تحصل سوى للمختارين من مثيلاتها وأمثالها، كالأخت تيريزا والأب بيار. كما أن الدور ينبغي أن يكون مفصّلا على قدّ امرأة مسرح برعت في أدوار نساء التراجيديات. المواصفات جاءت مطابقة لفرنسواز تورييس التي لمعت في المسرح الكلاسيكي كما المعاصر، وكأن الأخت إيمانويل اختارتها دون سواها لأن تكون هي، مذ كان اسمها مادلين إلى يوم اتخاذها القرار النهائي للدخول إلى الدير، وكلها إيمان بأن تلك التي ذاقت قدر نساء التراجيديات الكبرى لن تفشل في أن تجسّدها بسجيّتها وعصيانها، منذ المراهقة، بفستانها الأحمر أولا، المنزلق على جسدها المثير، بما في اللون الناري من أوهام وأحلام ورغبات، إلى مريول الراهبة الرمادي بلون الوجود المغلق على الزهو والحرية، وفي أعماقها صوت يردد لها "بهذا المريول الرمادي، وبتلك الطرحة على رأسك، ستعثرين على معنى الهناء الحقيقي. عطاؤك سيغمر القلوب الحزينة بالفرح".
جمعت فرنسواز تورييس سيرة بكاملها في "صولو" مذهل من الافتتان والشغف براهبة فوق العادة، أسرت إمكاناتها التمثيلية الكبيرة لتكون هي، بحيويّتها وعفويّتها وطبيعتها المقدامة، وأكثر من ذلك متيقّظة حتى لا تتيه في عبورها حقبات من سيرة الأخت إيمانويل عن جوهر رسالتها المفعمة بالتزهّد. بحركات بسيطة، تلقائية، تمضي في هذا الزهد المجبول بالحب إلى حيث أصبحت إيمانويل قديسة الفقراء والبؤساء.
"إنه العام 1914. الحرب. في السادسة من عمري، أحبّ اللعب واللهو، عابقة بحب والدي إلى ذلك اليوم المأسوي الذي اكتشفت فيه الألم العظيم. على شاطئ أوستاند، حيث كنا نسبح، جرف تيار قوي والدي وأغرقه. في هذه السن يكون الطفل قابلا للانكسار لا يفهم معنى الألم. موت والدي أثّر في النسيج الذي منه صنعت طفولتي. أمرّ في فترات من التمرّد والعصيان تارة، وأخرى في نوبات من الدموع. في خضم أزمتي النفسية في سن المراهقة، وجدت حبّ المصلوب الذي صار يؤاسيني. لأجل يسوع بذلت مجهوداً يرضي محيطي، وفي الآن نفسه، كنت أحس بأنوثتي تنمو وتحث فيّ رغبة إلى ذراعي رجل، إلى حب ملموس. بين هذين النقيضين كنت أعيش بلبلة كبرى في نفسي. ذات ليلة رحت أجرّ رجليَّ في الشوارع الضيّقة بحثا عن رجل، فإذا بيد عابر تمسكني من ذراعي ليقول هو لي: "أنت فتاة رزينة. هذا المكان ليس لك". هل هي سبحة أمي دخلت بيني وبينه لتسألني ماذا تريدين أن تكوني، عاهرة أم راهبة؟ إلى أن اختمرت في نفسي عبارة "معنى المشاركة". صارت هاجسي لا أن أكون راهبة في دير بل مرسلة إلى أفريقيا حيث مَن هم في حاجة إلى حب وحنان ورعاية والاشتراك معهم في البؤس".
فيما الفستان الأحمر يطير بالصبيّة كطيّارة ورق تتهيأ للإقلاع في هواء الحرية، كان فستان آخر رمادي اللون يدلّها برؤى خاطفة إلى الدعوة المكتوبة على جبينها: الرهبنة. بتعرّفها إلى رهبانية "نوتردام دو سيون" كان القرار حازما والثوب الرهباني يضع حداً لضياعها لتغدو حياتها عطاء، وبالعطاء ينتعش الحب.
من النعم التي تلقّتها من سنوات التعليم في الليسيه الفرنسية في اسطنبول وتونس ومصر فهمها الإسلام بغناه الصوفي، البعيد عن التيارات الأصولية التي تسيء إلى هذا الدين. فالقرآن يطلب احترام أهل الكتاب مسيحيين ويهوداً. في هذا الاختلاط وجدت الأخت إيمانويل رسالتها التي طالما بحثت عنها، العيش في مصر والسودان بين المعدمين على الأرض. هذا التحوّل الجذري كان مرئياً على الخشبة، ليس في مظهر فرنسواز تورييس فحسب، بل كنا نحسّه راشحاً من روحها. هي المرأة تماهت بامرأة أخرى لنصرة امرأة الذل
وأطفالها.

مي منسي

may.menassa@annahar.com.lb
 النهار- لبنان

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption