المسرح الشعبي بوصفه منظومة جمالية وفكرية
مجلة الفنون المسرحية
المسرح الشعبي بوصفه منظومة جمالية وفكرية
المسرح الشعبي بوصفه منظومة جمالية وفكرية
علاء كريم - الصباح
المسرح العراقي منذ أن انطلق في العشرينات وحتى تأسيس مدارسه الفنية والفكرية كان مسرحا طليعيا في دوره التربوي والتثقيفي، ولم تبتعد عن هذا التوجه تجارب المسرح الكوميدي التي قدمتها فرقة الفن الحديث والمسرح الشعبي والفرقة القومية للتمثيل، بالاستمرارية تطورت الحركة المسرحية الشعبية العراقية في فترة الستينيات لوجود فنانين مبدعين ومخرجين ومؤلفي نصوص مسرحية كانت تحاكي واقع المجتمع وحياة الناس وطموحاتهم الاجتماعية والإنسانية، فضلا عن معالجة مشاكلهم، وفي السبعينيات أخذت العروض شكلاً مختلفاً عبر ايجاد المتعة المقروءة بالوعي الثقافي والفكري، لكن بعدها تغير التوجه الفكري المسرحي في العراق وأخذ مساحات بعيدة عن الواقع وعن ما متعارف عليه من قيم أخلاقية ومعرفية.
المسرح عالم متخيل يعمل على إيجاد مساحات ترفيهية ثقافية، ويخلق معالم روحية تستفز المدرك العقلي والحسي عند المتلقي، فضلاً عن أنه غداء للوعي، تلك هي سمات المسرح الشعبي منذ انطلاقته، كذلك جاء دخول الكوميديا في المسرح موازياً لما قدمه المسرح الجاد من قيم معرفية وجمالية، إذ كانت الكوميديا تمد المتلقي باستبصار لا يتناول الحياة الإنسانية في أزمتها المجردة والعواطف الرفيعة المتصلة بها فقط، بل تؤكد أيضا على سلوكيات المجتمع وطرائفه ونقاط الضعف عنده، وذلك حتى تكون علاقة الجمهور بالمسرح متقاربة عن طريق شفرة النص وبنيته الدالة.
لو انتقلنا إلى عوالم المسرح الأخرى وأخذنا بعض مدارس المسرح الشعبي وكيف بدا بعروضه عالميا، في فرنسا تشكل المسرح الشعبي حين قام (موريس بوتيجر) العام 1895 بالإعلان عن هذا المسرح وقدم مسرحياته خلال فصل الصيف وفي الهواء الطلق كما أنه عمل رفع مستوى أبناء الشعب وإلهامهم، وقد عرض هذا المسرح في أغلب المجتمعات بالهواء الطلق (كالأنموذج الإغريقي)، يقول (يان كوبيسكي) من جيكوسلوفاكيا أن المشكلة ليست في اجتذاب الجمهور الشعبي وإنما هي استعادة القيم المفقودة للمسرح بوصفه عملا خلاقا عبر محاكاته لجميع طبقات المجتمع، لا فقط العمال والفلاحين، ويؤكد هذا القول المخرج الايطالي (يوجينو باربا) بقوله لا تستجيب للعرض المسرحي إلا تلك المجتمعات المتماسكة التي لها نظرة مشتركة تجاه حياة بعيدة عن التشتت والاختلاف، إذن المسرح الشعبي منظومة أدائية تتصدى للإشكاليات المتواجدة بين الفئات الشعبية من أجل رفع ذائقتها الفنية بمستوى يتطابق مع ذائقة المتلقي، بشرط أن لا تهبط بمستواها إلى مستويات متدنية تجعله ضمن إشكالية مجردة من قواعد البني الأساسية في شكل الخطاب الجمالي المسرحي.
أسس المسرح الشعبي ثابتة، منها عدم الاشتغال على اللغة أو الحركة من أجل الإضحاك، بل لإضفاء رؤية بلاغية تطبيقية تنتج مساحات جمالية متجددة، لذا يجب الابتعاد عن الألفاظ النابية والضحك على العيوب الخلقية التي لا تجدي نفعاً، التي تكون بعيدة عن معالجة المشاكل الفردية للمجتمعات الإنسانية، كما ينبغي التأكيد على موضوعة النص بوصفها بنية مرتبطة بالمحمولات الفلسفية والفكرية والجمالية والابتعاد عن السخرية التي لا تعكس التجربة الإنسانية الواعية بأطيافها وتوجهاتها، وعدم تكرار الأفعال الرئيسة حتى يتم الابتعاد عن الرتابة، وأيضا يجب الاعتماد على الفعل الكوميدي الهادف والحدث الاجتماعي الساخن والابتعاد عن (النكتة) الساخرة، هذه من أساسيات المسرح الشعبي إذا تحققت سوف نشاهد عودة الحياة إلى هذا المسرح المشترك بجوانب نفسية وعقلية وترفيهية مع الجمهور، وبالأخص “العائلة” التي تبحث دائما عن ذائقة جمالية صحية، حتى وان ارتكز المسرح على مبدأ إثارة الضحك، إلا أنه يستنهض فكر المتلقي والانتقال به إلى خطاب جمالي ترفيهي متجدد في واقعه الاجتماعي والإنساني، فضلاً عن خلقه عوالم جمالية للتجربة الإنسانية عبر المنظومة المعرفية والفكرية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق