تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية
مجلة الفنون المسرحية
تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية
تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية
باريس - نبيل مسعد
توقع كثيرون ممن يتابعون أعمال فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الفرنسية الوطنية، أن تتغير بعض الأمور فيها إثر تولي الفنان إيريك روف إدارتها في منتصف عام ٢٠١٦، خصوصاً أن الأسلوب الذي ميز المديرة السابقة موريال مايات واجه على مدار أربع سنوات عشرات الانتقادات الحادة، خصوصاً لجهة قلة اتخاذ المبادرات الفعالة والاكتفاء بتكرار ما هو موجود مرات ومرات.
ولكن هناك ألف طريقة وطريقة للتجديد وتغيير المعايير، وتلك التي اختارها إيريك روف تدل حتى الآن على رغبة ملحة في كسر أكثر من الأسلوب الإداري الذي طالما ميز زميلته السابقة، فالمسؤول الجديد يطيح عبر الأعمال التي يقرر تقديمها على خشبة أعرق مسرح في فرنسا، كل الكلاسيكية التي يفترض وجودها في إطار فرقة كهذه استحقت مع مرور الزمن (٤٠٠ سنة) لقب «بيت موليير»، تيمناً بالكاتب الراحل جان موليير (1622-1673) الذي وضع أساسها في القرن السابع عشر، والذي دخل إلى التاريخ كواحد من أبرز المؤلفين المسرحيين في تاريخ البشرية/ حاله حال الإنكليزي وليم شكسبير.
وتأتي الكلاسيكية المكسورة بفضل إيريك روف، ليس في المسرحيات التي يقرر عرضها فحسب، ولكن أولاً من المخرجين الذين يسلمهم زمام تنفيذ هذه المسرحيات، والذين إذا تميزوا بعبقرية محددة صنعت سمعتهم في إطار المسرح الحديث، فإنهم يديرون ظهرهم في شكل كلي لما هو تقليدي ويفضلون اعتماد منحى «جنوني» في إدارة الممثلين وطريقة استخدام مساحة الخشبة والديكور والعنصر الصوتي أيضاً.
وآخر مثال على ذلك، يتلخص في دعوة إيريك روف المخرجة المسرحية البرازيلية كريستيان جاهارتي إلى تقديم مسرحية مقتبسة عن الفيلم الفرنسي الكبير والمعروف عالمياً والذي يدرس في معاهد السينما حتى في الولايات المتحدة الأميركية «قاعدة اللعبة» La Règle du jeu، من إخراج جان رونوار في مطلع الأربعينات من القرن العشرين. والفيلم معروف بالنظرة القاتمة التي يلقيها مؤلفه على المجتمع البورجوازي الفرنسي الذي يعيش الحرب العالمية الثانية من دون أن يدرك أنه يشهد نهاية عالم سيبتلعه الظلام.
ولم تعثر كريستيان جاهارتي على طريقة لتفتتح مسرحيتها سوى تكريسها نصف ساعة لعرض فيلم سينمائي في قاعة مسرح «لا كوميدي فرانسيز» على شاشة ضخمة، هو مجّرد إعادة بأسلوب فني حديث للفيلم الأصلي «قاعدة اللعبة» وبممثلين جدد هم أفراد فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذين سيظهرون عقب الفترة المذكورة فوق الخشبة وكأنهم قفزوا من الخيال السينمائي إلى الواقع المسرحي، أمام الجمهور في الصالة.
ولكن ما فائدة هذا الفيلم أو هذه المقدمة السينمائية بمعنى أصح، إذا علمنا أن المتفرج الباحث عن «قاعدة اللعبة» في حلته السينمائية يقدر على مشاهدته أينما شاء في الصالات بما أنه لا يزال يُعرض في نواد السينما، أو بواسطة الوسائل الحديثة المتوافرة؟ وعندما يتحول العرض في ما بعد إلى عمل مسرحي بحت، يروح يروي أحداث العولمة التي تعيشها المجتمعات حالياً ساعياً إلى العثور فيها على البؤس البشري الذي طالما واجهه العالم في أيام تنفيذ فيلم رونوار.
ويغادر المتفرج قاعة «لا كوميدي فرانسيز» من دون أن يدرك ما الذي حدث على مدار ساعتين كاملتين، وماذا كانت الحبكة، ولماذا حل الصوت العالي إلى درجة قتله كل ما قد يشبه الانفعال، مكان الحوار العادي الذي يسمح بحسن إدراك المعاني. ويسأل المشاهد ما علاقة التحفة السينمائية «قاعدة اللعبة» بالمهزلة التي يسمح إيريك روف بعرضها في المسرح الذي يديره والتي لا يتذكر المتفرج من حسناتها في النهاية إلا فرقة الممثلين البارعين المظلومين، وعلى رأسهم المغربية الجذور سوليان إبراهيم.
--------------------------------
المصدر : الحياة
0 التعليقات:
إرسال تعليق