الجسد ولغات فرجات المسرح الجامعي حاضرة في المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء في دورته 29
مجلة الفنون المسرحية
الجسد ولغات فرجات المسرح الجامعي حاضرة في المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء في دورته 29
عتيقة الفحلي
أصبح المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء ملتقى للشباب من العالم وملتقى الأفكار والتجارب والمدارس المسرحية المتنوعة التي تمثل المعمور، إذ تحضر خلال فعالياته وعبر جل دوراته إبداعات جل الأعلام المسرحية القديمة والحديثة، إما من خلال نصوصها أو نظرياتها أو إضافاتها الفنية والتقنية، وإما في مرحلة ما بعد، أي مرحلة التطوير والتجريب والانتماء للمسرح المعاصر.
يرتبط المسرح الجامعي أساسا بالتجريب لأن دور البحث المسرحي أساسا، أن يقدم التشخيص والإخراج والسينوغرافيا والرؤية الفنية الأخرى، إذ ليس المطلوب من الشباب الجامعي الذي يمثل العالم التكرار والاجترار أو حتى الإبهار الشكلي المضحي بالمضمون والبعد الفكري والتقني؛ لذا يقدم هذا النوع من المسرح مقترحات وتصورات وجديدا إبداعيا مترجما ومحققا في العروض المسرحية التي تراهن على هذا البعد التجريبي، ولا تضحي بالفرجة التي هي شرط وتعاقد مع المتلقي لفرجات المسرح الجامعي الذي اعتاد على عروض مسرحية مختلفة في الشكل والمضمون، وإن كانت تقدم داخل التصور المسرحي المعتاد وداخل العلبة الإيطالية المحددة للفضاء المسرحي، "الخشبة" بجداراتها الأربع وستائرها المحددة لجغرافية مكان الحدث في مواجهة إنارة مسرحية تحقق الزمن والحالة..
كل هذه الأطروحات والرهانات حاضرة في فرجات عروض المسرح الجامعي، لذا يحضر البعد التواصلي التكويني في أدب المسرح الجامعي وفكره وفنه، من خلال الورشات التي انطلق بها الافتتاح التكوني للمهرجان ومدتها ثلاثة أيام بفضاء كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، الجهة المنظمة للمهرجان. يؤطرها خبراء مغاربة وأجانب، تجمعهم خاصية مخاطبة الجسد وفك ألغامه التعبيرية وبلاغته التواصلية ليكون حضوره على الخشبة انسيابا ورمزا وآلية وعطاء وروحا ولغات قد تكون فحواها أبلغ من اللغات التخاطبية.
تراهن الورشات السبع على إدخالنا إلى "مختبر تدريب الممثل" في الورشة الأولى ليعزف الممثل المتكون الطالب والباحث وعشاق المسرح بنوتات موزونة على آلة الممثل التعبيرية المتمثلة في الجسد وتأتي الورشة الثانية تكاملا وتتمة لـ"اشتغال الجسد فوق الخشبة" أي تحقيق الغاية من مختبر الممثل، ثم الورشة الثالثة التي تحدد موقع "الجسد بين التمسرح والفضاء الإبداعي" وتخابطها الورشة الرابعة" الفن الدرامي بين الإبداع والإخراج" الذي يعطينا رؤية العين التي تلتقط لغة الجسد وتتعامل معه كآلية ترسم بها لوحاتها وتركب بها جملتها التعبيرية الواضحة غير اللاحنة، وتأتي الورشة الخامسة،"تدريب الممثل: تقنيات الدفاع عن النفس في خدمة المسرح" لتحدد الهدف وتقوم بتدريب الممثل، والمعنى به جسده، ليس على المستوى الشكل لأن الجسد لا يمكن أن يأخذ تلك الصفة والاسم إلا بحركيته وتحركه، وإلا فهو صنم وحجر، وهنا تدخل على الخط الورشة السادسة "كاتاكالي: رقص درامي، حركة وإيقاع" لأن الجسد الذي لا يرقص أو بلغة درامية لايتكلم ولا يفصح عن جمله ونصه وتعبيره يعد جسدا أصم ومشلولا من الحركة، تلك الحركة التي لها إيقاعها ونبضها، وهنا يأتي دور الورشة السابعة التي تقترح مقارنة بين جسد حي وآخر يأخذ حياته من الحركة والتحريك، وهي ورشة "تقنيات تحريك الدمى وتوظيفها".
هو مدخل انطلقت به العروض المسرحية بمقترحاتها الفنية والتقنية، لكل من ألمانيا، إيطاليا، روسيا، تونس، الجزائر، مصر، المكسيك، والمغرب البلد المنظم من خلال 17 عرضا مسرحيا من 4 إلى 9 يوليوز 2017، في مسارح الدار البيضاء، بشعار: "الحركة" خاصية المسرح المعاصر، وبتيمة محورها العام قضايا مشتركة بين السقوط والجنون والتسلط والهم الإنساني والأنطلوجي، لكن الاختلاف كان في طريقة التناول وترجمة الحكي بالجسد، الذي لوحظ تفاوت التعامل معه، والمسافة الزمنية الفاصلة بينهما بين ثقافة الشرق والغرب: الجسد الشرقي منطو على ذاته منكمش داخليا يتحرك وكأنه مشدود إلى الوراء لأن الحركة ليس دينامية آلية بل ترجمانا على سفر الروح وانطلاقتها، وهذا ما يؤكد انطلاقة وبلاغة الجسد الغربي المترجم لثقافة قطعت خطوات طويلة وفكت عقدها مع الذات والعالم بين الأنا والآخر..
هناك عروض مسرحية بقيت داخل تصور التجريب، وخلقت من الجسد نصا مسرحيا، وهناك عروض مسرحية أخرى بقيت ملتزمة بالنموذج السائد المعتمد على النص أو السائر في طريقه، إما اقتباسا أو موالفة وتوليفا واستنباتا وإما استحضارا للفكرة والحدث والتصرف فيها دراميا..
فعلا التجريب هو خاصية المسرح الجامعي لكن الملاحظة أنه يتفاوت تحققه في المنجر من العروض المسرحية الجامعية، والأمر يعود في رأيي إلى قضية استمرارية فكر المسرح الجامعي، الذي له تجربة قارة في الفكرة والتصور والتنظيم لكن روادها ومشتلها "الشباب" في تغير مستمر، فكيف يتم التوافق لتحضر خصوصية تجربة المسرح الجامعي وتجريبية؟ا
0 التعليقات:
إرسال تعليق