أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 8 مايو 2017

مقاربة بين سيد البنائين والآنسة جوليا

مجلة الفنون المسرحية

مقاربة بين سيد البنائين والآنسة جوليا

صباح هرمز 

إذا كانت تجمع بين هاتين المسرحيتين بعض الصفات، فهي أثنتان . جنوح الشخصيات فيها لحب العظمة.. والحلم.ولنبدأ من الصفة الثانية التي هي الحلم. إذ بدون استثناء تحلم كل الشخصيات في كلتا المسرحيتين، ابتداءً من سولنس وهيلدا وآلين والطبيب والمهندس وراجنر وكايا ، في سيد البنائين لأبسن، الى الآنسة جوليا وجان الخادم وكريستين الطباخة، في الآنسة جوليا لسترندبيرغ. وإذا كانت كريستين تحلم الزواج بخطيبها جان، فإن جوليا تحلم بالرقص معه، وجان الطائش ببلوغ المرتبة الاجتماعية التي تتبوأها جوليا. وسولنس ببناء الأبراج في أعلى البنايات، وهيلدا في تحقيق حلم سولنس، وراجنر في إيجاد عمل مستقل، يقوم هو بإنجازه، وهكذا بالنسبة للشخصيات الثانوية الأخرى.
وحلم جوليا وجان، يناقض الطبقة التي ينتميان إليها، ذلك أن جوليا الأستقراطية لا تستمتع بأيّ سلام، ولن تحس بأية راحة إلا بعد أن تستقر على الأرض، بعكس جان الخادم الذي يريد أن يصل الى أعلى، الى القمة تماماً، حيث يمكنه أن ينظر متطلعاً الى الريف تحت نور الشمس. ما معناه أن جوليا، ترغب أن تنسلخ من طبقتها وترتمي في أحضان الطبقة الفقيرة، وجان أن ينسلخ هو الآخر من طبقته، ويرتمي بعكسها في أحضان الطبقة الأرستقراطية، وهذا الحوار الدائر بينهما حول الحلم أدلّ نموذج على ذلك.
الآنسة جوليا: ها أنا أثرثر معك عن الأحلام! تعال – لنصل الى الحديقة.
جان: يجب أن ننام على تسع زهرات من أزهار منتصف الصيف الليلة يا آنسة جوليا وحينذاك ستتحقق أحلامنا. 
وسولنس البناء قبل أن يمتلك مكتباً لرسامي الخرائط، لم يكن ثرياً، عندما كان يعمل في نفس هذا المكتب، تحت إمرة المهندس المعماري (بروفك)، والد راجنر الرسام الذي يأبى سولنس أن يبني (راجنر) البيت الريفي للأسرة التي راقت لها الرسومات التي أعدّها لهذا الغرض. 
إن منحى سولنس الطبقي، يختلف هنا كلياً عن منحى جان وجوليا، ذلك أنه في الوقت الذي كان يحلم فيه أن يتخلى عن طبقته، وينتمي الى الطبقة البورجوازية، وتحقق له ما أراد، يقف كالمرصاد أمام راجنر، حائلاً دون تحقيق هدفه الحلمي، بشطريه المهني – التقني – والاقتصادي. خوفاً من أن تهيمن الأفكار الحديثة في الفن المعماري على الأفكار القديمة، وهو بذلك سوف يفقد الموقع والمكانة اللذين كان يتمتع بهما، لأصحاب الفكر القادم. ويتضح هذا المعنى أكثر في هذه الجملة التي يطلقها سولنس لهيلدا التي تمثل الجيل الجديد: (لا، لا، لا، الجيل الجديد، أنه يعني القصاص، أنه يأتي كأنه يمشي تحت راية جديدة، مبشراً بتحول الحظوظ).
ولكن سرعان ما أنفرط عقد هذا الوئام بين جان وجوليا ليتحول الى صراع الدم الأرستقراطي، ضد دم العبيد. مثله مثل الصراع القائم بين سولنس وبروفك حول منح الأول، حرية العمل لراجنر أن يشتغل بصورة مستقلة، ولم يدع أن يتحقق حلم الأثنين معاً، حتى عندما كان الأب يلفظ أنفاسه الأخيرة.
ومثلما تتجاوز هذه الأحلام حدها عند جوليا وجان الى ممارسة العملية الجنسية، بتقديم جوليا ذراعها الى جان، ويسيران باتجاه الحديقة، في إشارة الى حدوث هذه العملية، وتعزيزها بدعوة جوليا لترى ما في عينيّ جان، كذلك يحدث نفس الشيء بالنسبة لسولنس وهيلدا.
هيلدا: هل جئت وطوقتني بذراعيك؟
سولنس: نعم جئت.
هيلدا: ثم أدرت رأسي للخلف؟
سولنس: للخلف جداً. 
هيلدا: وقبلتني؟    
سولنس: نعم. . لقد فعلت.
هيلدا: مرات كثيرة؟
سولنس: كما تشائين.
وكما أن سولنس لم ينتبه الى هيلدا في أول لقاء بها، لأنها كانت صغيرة وفي الثانية عشرة من عمرها، كذلك لم تنتبه جوليا الى جان، عندما كان يأتي مع والده الى مزرعة والدها التي كان يعمل فيها، لأنه كانت صغيرة كهيلدا أيضاً. وكلاهما جان وهيلدا يذكران شيئاً عن جوليا وسولنس، ولكنهما لا يبوحان به.
سولنس :هل تحلمين كثيراً؟
هيلدا: نعم ! ! أكاد أحلم على الدوام. 
 سولنس : وبماذا تحلمين أكثر الليالي؟
هيلدا: لن أنبئك هذا المساء.. وربما نبأتك عن ذلك في وقت آخر.
جوليا : أوه قل لي – أريدك أن تقول لي.
جان: لا، لعلي لا أستطيع. في وقت آخر ربما.
مرض جان بسبب عدم استطاعته نيل الفتاة التي أرادها مرة، تتقارب حكاية هيلدا التي راحت تلوح بعلمها المرفرف لسولنس، وهو في أعلى البرج، حتى أوشكت أن تسبب اختلالاً في توازنه. وجوليا لأنها لا تعرف الفتاة  التي مرض جان من أجلها، وعندما تسأله عنها، يرد : أنت. وتباغت هيلدا سولنس بنفس أجابة جان، بأنها كانت هي تلك الفتاة الشيطانة التي كادت تفقد توازنه.كما تتقارب شخصية سولنس مع شخصية الأب في مسرحية بنفس العنوان لسترندبيرغ،  من حيث ذكائهما، ودفع زيجاتهما لهما نحو المرض، أو سعيهما ليشعرا بذلك، ولكن زوجة الكابتن (الأب) بطريقة خبيثة، وزوجة سولنس بحسن نية. وبقصد إشعاره بأنها ليست غبية وعلى علم بكافة علاقاته. أما زوجة الكابتن فبدافع سوقه الى الجنون، لفرض سطوتها مثل هيدا جابلر لأبسن على أفراد أسرتها والمحيطين بها. وكلتا الشخصيتين يتمتعان بذكاء خارق في المهنة التي يمارسانها، سولنس في بناء الأبراج للبنايات العالية، والكابتن كرجل من رجال العلم الموهوبين.
ولعلَّ الذكاء الذي يتمتع به سولنس، مقابل الشيطنة التي يتحلى بها جان، يقودانا الى السمة المشتركة الثانية التي تجمع بين مسرحيتي سيد البنائين والآنسة جوليا، ألا وهي سمة العظمة. (والقرن التاسع عشر كان زمن العظمة الفردية، كما يقول صلاح عبدالصبور، والرجل العظيم هو الذي يمتاز على الآخرين . .)(9).
وقد أكتسب الأثنان هذه العظمة من خلال قدرة سطوتهما على الآخرين، سطوة سولنس على المكتب الهندسي لبروفك الذي كان فيما مضى، يعمل مساعداً له، ثم سطوته على مشاعر (كايا) خطيبة راجنر أبن بروفك، ومن بعدها على هيلدا. لتدفعه كل هذه النجاحات، لأن يضاعف تفوقه، في المجال الذي يعمل فيه، وهو بناء الأبراج في البيوت ألأكثر ارتفاعاً من السابق. 
أما جان عبر سطوته على جوليا، هذه السطوة التي لم يتخيلها حتى في ألذ وأمتع لحظات أحلامه، لا لأنه خادمها ويطيعها كالكلب فقط، وأنها تنتمي الى الطبقة الأرسقراطية، وهو الى العبيد، وإنما أيضاً، وكما يصفها سترندبيرغ: (بأنها  نصف إمرأة، وكارهة للرجال، إنها فتاة عصبية، تشعر بكبرياء وإن كانت على استعداد لكبت هذا الشعور في سعيها المحموم وراء إشباع ولعها بالأثارة الحسية)(10). وهاهي تقر نفسها بذلك في أجابتها على سؤال جان: ألم تحبي أباك يا آنسة جوليا؟ 
جوليا: نعم كثيراً جداً. لكن كان عليّ أن أكرهه أيضاً، لا بد أنني كنت أكرهه دون أن أدرك هذا. أنت تعلم أنه علمني أن أكره جنسي – أن أكون نصف أمرأة ونصف رجل.
فسطوة جان على مثل هذه النمرة، ليس بالأمر الهيّن، وأي كائن كان سوف يشعر بالتفوق، وتميزه عن الآخرين، سيما إذا عرفنا بأنها هي التي تقوده الى مغازلتها وممارسة الجنس معها.(وأحد الخدم هو الذي أوحى لسترندبيرغ بشخصية جان، لأنه أظهر له بوضوح بأنه لا يفكرفيه كشخص أفضل منه شخصياً)(11)، موظفاً إياها على لسان جان وهو يخاطب جوليا على هذا النحو: نعم، بالنسبة إلي. فأصلي أفضل من أصلك..

-------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

مقارنة بين مسرحيتي الأشباح والبجعة لأبسن وستنبيرغ

مجلة الفنون المسرحية

مقارنة بين مسرحيتي الأشباح والبجعة لأبسن وستنبيرغ

صباح هرمز 

اذا كانت مسرحية البجعة، قد كتبت عام 1907، فان مسرحية الأشباح، كتبها أبسن عام 1881، أي قبل البجعة بستة وعشرين عاما. وكلتا المسرحيتين يدور موضوعها حول السقوط في أحضان الرذيلة. ففي الأشباح الأب مع الخادمة، وانتقال هذه اللوثة الى الابن، وفي البجعة الأم مع صهرها.

وعلى الرغم من أن الرذيلة في البجعة، أقوى من الأشباح، أو هكذا تبدو للوهلة الأولى، لممارستها من قبل شخصين، تحرم عليهما هذه العلاقة،  وقوتها تظهر في هذا الجانب فقط الذي لا يخلو من المراوغة والتلاعب بالمشاعر ودغدغة العواطف، فان هذه القوة في الأشباح، تتسم بمصداقية أكثر، لنأيها عن غلو سترندبرج في ربط العلاقات. وتصويرها من قبل أبسن، اتساقا والنهج الذي يتبعه  في مسرحياته الأخرى، ألا وهو الأسلوب الاسترجاعي، هذا الأسلوب الذي يعيد الأم والقس الى ماضي الأب، عبر الرذيلة التي يمارسها الابن ( الآن)، أي ظهور صورة  الأب في ابنه.  
يقول عبدالله عبدالحافظ بهذا الخصوص: وقد وضع أبسن هذا الصراع في اطار فني رائع اعتمد فيه سواء في تسلسل الأحداث أو المناظر على الطريقة الاسترجاعية (6).  
رجينا:أوزفولد! أجننت! اتركني!
مسز الفنج:( تجفل في فزع) آه!
ماندرز: (غاضبا) ما الذي يحدث يا مسز؟  ما هذا؟
مسز الفنج: (بصوت أجش) الأشباح. الاثنان في المشتل- يعودان! 
هذه الواقعة هي ذاتها  التي حدثت عندما كان الكابتن الفنج يغازل خادمته (والدة رجينا). كما أن الأب في الأشباح، يأتي ذكره،( بالرغم من عدم ظهوره)، على لسان  الشخصيات على امتداد المسرحية، محتلا مساحة لابأس بها، وموقعا مؤثرا لا، وبل فاعلا وجوهريا في نمو وتطور أحداث المسرحية، بعكس الأب في البجعة، فقد ترك سترندبرغ هذين الدورين، ( احتلال المساحة، والموقع المؤثر للأم).
كما يبدو لي ثمة تناص بين الأشباح والبجعة، وأن تأثيرات الأولى واضحة في الثانية، وتأتي أولى هذه التأثيرات في حصر شخصيات البجعة بخمس مثل الأشباح. واذا كان قد أجرى سترندبرغ من تغيير في مسرحيته، مقارنة بالأشباح، فان هذا التغيير لم يتعد حدود الشخصيات، وذلك بالاستعانة بشخصيتي الصهر والابنة، بدلا عن شخصيتي القس ماندرز والنجار أنجستراند. ليلعب شخصية الصهر الدور الذي لعبه الأب  في الأشباح مع الخادمة جوانا، وهو مع أم زوجته. واضافة الابنة في البجعة، لم يأت بجديد، وجاء بسبب ايجاد المسوغ لاقامة الصهر في منزل الأم، وبالتالي ربط علاقة معها. وأقول لم يأت بشيء جديد، ذلك أن دورها لم يقتصر أكثر من شكواها على تصرفات والدتها، واكتشاف خيانة والدتها لها مع زوجها، وهذان الأمران، أداهما الابن كذلك، ولكن ليس كشقيقته  متأخرا، وأنما رغم المرض الذي يعاني منه، منذ صغره، من بداية المسرحية. وهذا يعني أن اضافة هذه الشخصية، لم تأت الا تابعا لزوجها.
أما الاختلاف الجوهري الذي أجراه سترندبرغ  على شخصية الخادمة في مسرحيته عن مسرحية أبسن، في ظهورها بمظهر المربية العجوز، وليس اللاهثة وراء نزواتها، جعلها أقرب الى شخصية القس ماندرز في الأشباح، وهي تبدي حرصها واهتمامها بصحة وسلامة الابن والابنة، وتفضح تقصير الأم تجاههما وتجاه زوجها، مذكرة الأم بين حين وآخر بماضيها الكالح معهم. ولكنها، بعكس القس تغادر المنزل قبل نهاية المشهد الأول، وغادره القس قبل نهاية المسرحية بقليل. ولكن رغم قصر دورها، فقد استطاع المؤلف، أن يمنحها التأثير الذي لعبه القس في الأشباح.
وبقدر ما استطاع الصهر أن يلعب الدور الذي لعبه الأب في الأشباح، بنفس القدر لم يستطع أن يلعب دور الابن في نفس المسرحية، ذلك أنه مثل الأب، كان غرضه خسيسا، بينما غرض الابن نبيل. والأغراض النبيلة، كما يقول غوتيه، لا تؤخذ بالوسائل الخسيسة. لذا فقد أناط سترندبرغ دور الأب بالأشباح للصهر، ودور الابن في نفس المسرحية للابن (فريدريك). ولعل قول الأم لصهرها:( لكم تشبه الآن زوجي، وأنت تجلس على كرسيه الهزاز)، أدل نموذج على ذلك، بينما تأتي هذه الجملة، أو ما يقاربها على لسان القس ماندرز وهو يخاطب مسز الفنج، ردا على قول أوزفولد، عثوره على غليون والده:( عندما ظهر أوزفولد في المدخل والغليون في فمه بدا لي وكأن والده عاد الى الحياة من جديد). وكلتا الجملتين، جملة الأم في البجعة، وجملة القس في الأشباح، يستحضران ماضي الأب في صورة الابن والصهر، أي أن كليهما يسيران على خطاه الآن، في هذه اللحظة.  
ومثلما أحدث ستريندبرغ، تغيرا جذريا في شخصية الخادمة، كذلك فقد أحدث نفس التغير في شخصية الأم، من رزينة وهادئة وحكيمة في الأشباح، الى ماكرة ومتهورة وخائنة في البجعة. وجعلها أقرب في نرجسيتها، واستبدادها برأيها، الى شخصية (هيدا) في مسرحية (هيدا جابلر) لأبسن. وهي بعد أن تبلغ درجة اليأس، تطلب من ابنتها أن  تعيش معها ومع شقيقها كخادمة، ويعد هذا الانحدار السريع والمباغت من برجها العالي،  بمثابة انتحار هيدا، أن لم يكن أسوأ منه، بعد انسداد كل الأبواب بوجهها.
وليس من باب الصدفة، أن تبدأ كلتا المسرحيتين بجو عاصف وومطر. وتوحيان من خلال جوهما العاصف والممطر الى نفس المعنى. فاذا كان في الأشباح، توحي جملة رجينا: ( أنه مطر شيطاني لعين)، الى موقفها السلبي من زوج أمها ( أنجستراند)، ولا تطيق رؤيته، لما يرافقه من شر. فان جملة:( أغلقي الباب رجاء، من الذي يعزف الموسيقى؟) التي تلفظها الأم في البجعة، توحي هي الأخرى الى موقفها السلبي من ابنها، ولا تطيق رؤيته. ليعمد المؤلفان هنا الى التعبير عن نزعة  الشخصيات من المعنى الكامن وراء الكلمات. فهدف رجينا من ايقاف أنجستراند، حيث هو، ليس لتساقط المطر منه على أرضية الغرفة، وانما لعدم ازعاج أوزفولد، لايقاظه من نومه، وهو يحدث صوتا نشازا بقدمه العرجاء، وهذا الصوت النشاز يوازي صوت الموسيقى الذي تسمعه الأم في البجعة، الصادرة من عزف الابن، والمنبعثة من رائحة الكربونيك والأغصان المحروقة التي تكرهها، لا لأنها قد حرمتها على ابنها وابنتها فحسب، وانما أيضا في نهاية المسرحية، تختنق برائحة الكربونيك والأغصان المحروقة. 
وتمتد هذه المقاربة الى اصابة كلا الابنين، في الأشباح والبجعة بلوثة الأب، وليس من باب المصادفة أيضا، مثل بداية المسرحيتين بجو عاصف وممطر، أن يعاني كلاهما من هذا المرض، بعد عودتهما من الخارج. فردريك نادبا حظه العاثر الذي بفعل الخلافات العميقة بين أبيه وأمه، ساقه هذا الحظ الى مربية، يرافقها الى منزل أختها التي كانت تتعاطى الدعارة، ليشاهد هناك كل شيء بأم عينيه. وأوزفولد مثل فردريك، بعد عودته من باريس، يشكو من نوبة صداع في رأسه. 
فردريك: أنا لم أرضع أبدا من حليب الأم، كنت بعهدة احدى المربيات، وكان علي أن أرضع من قنينة. وحينما كبرت قليلا، صرت أرافقها الى منزل أختها التي كانت تتعاطى فيه الدعارة، حيث رأيت مشاهد حافلة بالأسرار يستبيحها للصغار مربو الكلاب فقط. . .
أوزفولد: بعد زيارتي الأخيرة هنا وعودتي ثانية الى باريس بفترة قليلة – عندئذ بدأت أشعر بآلام غاية في العنف في رأسي – غالبا في مؤخرة رأسي، على ما يبدو، كما لو أن حلقة حديدية محكمة قد ثبتت بمسمار حول عنقي وفوقه تماما.
ونتيجة الخوف الذي يقع فيه أوزفولد، جراء تحذيره الطبيب من مواجهته للنوبة مرة ثانية، لأنها ستؤدي الى نهايته، يفضي به هذا الخوف الى الجنون. وفردريك لا يقل جنونا عن جنون أوزفولد، ولكن لافساح أبسن مساحة أوسع لحركة أوزفولد، قياسا بحركة فردريك المحدودة، حدا لأن تبرز هذه العاهة لدى الأول أكثر من الثاني. وعلى الرغم من ذلك، فانها تظهر من بداية المسرحية لدى  فردريك، ويتأخر ظهورها لدى أوزفولد.

وعملية التناص بينهما هذه، تتضح أكثـر، في اقتباس البجعة جملة من الأشباح،  تعبر عن لب المسرحية، ان لم تكن هذه الجملة كل المسرحية، وهذه الجملة تأتي في الأشباح على لسان مسز الفنج، وفي البجعة على لسان الأم. ومع أن الجملة الأولى طويلة، والثانية قصيرة، غير أن كلتيهما تعبر عن نفس المعنى، وما يضاعف ذلك هو بالاضافة الى ذلك ورود كلمة الأشباح على لسان الأم في مسرحية سترندبرغ، مع أن هذه الكلمة هي عنوان مسرحية أبسن.

مسز الفنج: أنني خائفة لأنه في أعماق نفسي شيء أشبه بالشبح لا أستطيع الفكاك منه أبدا.عندما سمعت رجينا وأوزفولد هناك بدا لي وكأنني أرى أشباحا. أنني أكاد أظن أننا جميعا أشباح. . .
الأم: احذري (بعد برهة) أثمة شخص يمشي هناك؟
مارجريت(الخادمة): لا ليس هناك أحد.
الأم: أترينني كمن يخاف الأشباح؟
والأشباح هنا، وفي كلتا المسرحيتين، رمز للماضي الذي  تخشى منه مسز الفنج، وكذلك تخشاه الأم، لأنه امتداد للحاضر، فما كان يحدث بالأمس، يحدث اليوم. وكلتاهما تشاهدان صورة ابنيهما في شبح أبويهما، وقد عادا الى الحياة من جديد. ويهدف أبسن من الماضي، كل تراكمات العادات والتقاليد البالية والسائدة في المجتمع النرويجي. 
ويعلق عبدالله عبدالحافظ على حوار مسز الفنج قائلا: (هذه صرخة عقل يحتج على كل أشكال الاعتقاد التي لا تقوم على المنطق، وعلى الأشباح التي تعيش في الظلام وتبطش بالضحايا الأبرياء)(7). 
ويستطرد:( ولعل هذا التزمت في هذا المجتمع النرويجي الصغير هو الذي دفع كثيرا من النرويجيين الى الهجرة لباريس والى أمريكا حيث جو الحرية وحيث ينعم الأنسان ببهجة الحياة).  
في كلتا المسرحيتين أيحاءات كثيرة، تأتي  في البداية، وتتحقق في النهاية، وأبرزها ما يحل بفردريك وأوزفولد، لاصابتهما بمرض الزهري الذي ينتقل بالوراثة الى الأبناء عن طريق الأب. ولكن كليهما لم يلقيا حتفهما، أو بقيا على قيد الحياة،  فسيان كلا الأمرين، عن طريق هذا المرض، وأنما كان هذا المرض سببا لجنونهما، وهذا الجنون هو الذي آل ما آل اليهما . فردريك  بإحراق المنزل، وأوزفولد سعيه في شرب السم. اذن أن هذا المرض، وأن يبدو وراثيا، غير أنه لايخص فردا واحدا، وأنما كل المجتمع. بدليل أن كل الناس من وجهة نظر مسز الفنج والأم، تتحول الى أشباح، لذا فإن هذا المرض، ما هو الا وسيلة لبلوغ الغاية الأسمى، وهي رفض كل الأفكار والعادات والتقاليد البالية للمجتمع النرويجي جملة وتفصيلا. هذا بالنسبة لمسرحية الأشباح. أما بالنسبة لمسرحية البجعة، فان الغاية الأسمى، هي التصدي لخيانة المرأة لزوجها وابنتها، وظلمها لأسرتها ككل، وابراز هاتين الحالتين، عبر حرمان ابنها وابنتها وقبلهما والدهما من الأكل والملبس الجيدين، ودفء الحطب في برودة الشتاء الجليدية، وتوظيفهما في احراق المنزل.
وبالتعويل على وصف الفصل الأول لمسرحية الأشباح، والمشهد  الأول لمسرحية البجعة، وبتفكيك رموز هذين الفصلين، وجدنا بدلا من أن يسود التقارب بينهما، يشطرهما التباعد الى خطين متوازيين، يبدو من الصعب، أن يلتقيا في نقطة معينة، الأول بانفتاحه على المستقبل، يشوبه بقسط وافر من التفاؤل، والثاني بالولوج في دهاليز الأغصان المحروقة ورائحة الكربونيك الطافحتين بالتشاؤم. فغرفة حديقة فسيحة لها باب في الحائط من جهة اليسار، وبابان في الحائط من جهة اليمين، بالاضافة الى انفتاح الغرفة على مشتل للزهور، وله حيطان زجاجية كبيرة، وفي الحائط الأيمن للمشتل باب يفضي الى الحديقة، فمثل هذا المنظر المنفتح بأبوابه ونوافذه على العالم الخارجي، لا بد أن يحتوي، أو يريد أن يحتوي على شخصيات، تتسم ولو بجزء ضئيل من الأمل في الحياة. وشخصية أوزفولد هو هذا النموذج.  بدليل أن الكلمة الأخيرة التي أطلقها في نهاية المسرحية، كانت : الشمس. 
بينما المنظر الذي يتكون من باب واحد للشرفة، وصالة جلوس تفضي الى صالة أخرى للطعام، وأريكة مغطاة بغطاء أحمر، وكرسي هزاز... فكل مفردة من هذه المفردات، تشكل بحد ذاتها علامة من علامات التشاؤم التي تنتظر مستقبل شخصيات المسرحية. ولعل احتراق الثلاثة في نهاية المسرحية، الأم وابنها وابنتها في آن، يؤكد ذلك. لنفهم أن أبسن يتبع في الفصول الأولى في مسرحياته طريقة العرض، مع تقنية اقتران البداية بالنهاية. وسترندبرغ يتبع التقنية الثانية أيضا، ولكن ليس  بتجزئة العناصر الدرامية الثلاثة كلا على حدى، كما يفعل أبسن، وانما بخلطها في تركيبة متماسكة معا.
وفي المنظر الثاني للأشباح، تجري الأحداث في نفس الغرفة. الا أن تعزيزه بجملة ( لا يزال الضباب يخيم على المنظر العام)، جعل المؤلف ينحو هذا الفصل، منحى (العقدة)، وأغلب الظن، أن هذه الجملة جاءت، امتدادا للفصل الأول، حيث كان المطر يهطل.
بينما يخلو  المشهد الثاني للبجعة من أي وصف أو شروحات. وهذا يعني أنه كالمشهد الأول، أن عناصره الدرامية تسير على نفس الوتيرة. ولكنه في المشهد الثالث، ومع صوت ارتجاج الباب، وطرقات متسارعة عليه من قبل الصهر، هذه الطرقات التي تذكرنا بمسرحية ماكبث لشكسبير، نفهم من خلالها، أن عقدة مسرحية البجعة قد بدأت. وفي المشهد الرابع أن هذه العقدة تتطور، عبر هبوب رياح عاتية، يسمع صفيرها من النوافذ والمدفأة، والباب الخلفي ينصفق، ليذكرنا هو الآخر بمسرحية الملك لير لشكسبير أيضا. وفي المشهد الخامس والسادس، عزف موسيقى في الخارج، وفي السابع، يدخل الصهر وفي يده عصا غليظة، أشارة واضحة الى أنه سيتعامل مع أم زوجته بشكل فظ. وفي المشهد الثامن، توقف الأم الكرسي الهزاز، ويدخل الابن ثملا، لتوحي المفردة الأولى على القلق، والثانية على جرأة التطرق للمواضيع الحساسة، وتوجه الأم نحو النافذة في المشهد التاسع، وتفتحها تنظر بعيدا، تتراجع بعد وهلة الى الغرفة حيث تأخذ مسافة استعدادا للقفز، لكنها تعدل عن قرارها حين تسمع ثلاث طرقات على الباب، وأذا كانت النافذة تشكل عالمها الخارجي الذي تتوق من خلاله أن تعيش بحرية، فأن الغرفة التي هي في داخلها ، تشكل عالمها المحاصر بقيود محكمة.
وهي بين الاثنين، بين ضميرها الذي يؤنبها، ويدفعها الى الانتحار، وبين توقها للحرية، المتمثلة بطرقات على الباب، لتنقذ هذه الطرقات حياتها، تختار الأخيرة.
وهنا يلجأ سترندبرغ الى استخدام تقنية الاسترجاع كأبسن، من خلال استحضار  صورة الابن على هيئة والده، وهي تقول: من هناك؟ ما الذي يجري؟ ( تغلق النافذة) أدخل ! هل هناك أحد . أنه نفسه وهو يعدو في حقل التبغ، ألم يكن ميتا؟
. . . . 
وفي منظر الفصل الثالث للأشباح، يعود المؤلف، مانحا أياه مواصفات الفصل الأول نفسها تقريبا، أقول تقريبا لأن شابته بعض روح التشاؤم، ولكن ليس بغلبة هذه الصفة على التفاؤل، بل بالعكس، بغلبة الأخيرة على الأولى. وجاء هذا الفصل كذلك، اتساقا مع تطورات أحداث المسرحية التي قادت أوزفولد المحب للحياة، التفكير في الانتحار. مثله مثل الأم في البجعة، واقعا تحت وطأة الشعوربتأنيب الضمير في أصابته بهذا المرض، ظنا منه أنه المسؤول الوحيد عنه والذي ألحق الأذى، ليس برجينا فقط، وأنما بالمجتمع ككل. 
وتكمن روح التشاؤم في هذا الفصل فقط في جملة ( في الخارج ظلام)، وتعقبها جملة، تحتوي على قدر ضئيل من الأمل: (باستثناء وميض خافت من النار ينبعث من خلفية المسرح).
أما التفاؤل فيمكن ملاحظته في هاتين الجملتين: ( كل الأبواب مفتوحة) و( لا يزال المصباح مضيئا على المنضدة.)

--------------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

«الغرفة الحمراء» لسترندبرغ: الكاتب الشاب يفضح الأساتذة

مجلة الفنون المسرحية

«الغرفة الحمراء» لسترندبرغ: الكاتب الشاب يفضح الأساتذة

أبراهيم العريس 

ترى مَنْ مِن البشر، والمثقفين خصوصاً، لم يحلم بأن ينتفض يوماً في وجه رؤسائه أو أصدقائه، أو في وجه عدد كبير من الناس ليقول لهم رأيه فيهم، بكل صراحة ومن دون خوف على عمل أو قلق من رد فعل؟ لقد كُتبت روايات وحُقّقت أفلام حول هذا الموضوع أو ما يدنو منه، لكن الواقع ظل بعيداً جداً من هذا: إذ نادراً ما نسمع حكاية من هذا النوع. لكنّ في تاريخ الأدب السويدي، كتاباً ربما يكون منسياً بعض الشيء اليوم، خطّه قلم شاب في الثلاثين من عمره، سيحقق لاحقاً في حياته شهرة كبيرة ويصبح الأب الشرعي للمسرح السيكولوجي الحديث، ليس في السويد - وطنه - وحده، بل في أوروبا والعالم كله. إنه أوغست سترندبرغ، صاحب المسرحيات الكبيرة التي أثّرت في ابسن وتشيكوف ثم في سينمائيين كبار من أمثال انغمار برغمان ووودي آلن. أما الكتاب فعنوانه «الغرفة الحمراء»... وهو ليس مسرحية، مع أن معظم كتابات سترندبرغ كانت مسرحيات. وليس رواية، حتى وإن قُدّم غالباً بوصفه رواية، بل إنه كتاب أدبي شاء المؤلف الشاب - في ذلك الحين - أن يقدم فيه صوراً أدبية لعدد كبير من أعلام الفكر والصحافة والمجتمع في مدينة استوكهولم. فأتت الصور قاسية ساخرة، لتثير زوبعة في وجه الكاتب، لم تهدأ إلا لاحقاً حين بدأت مسرحياته تُمثل وصار، بدوره، علماً من أعلام الكتابة في بلده. وعلى رغم مسرحياته وشهرته، ظل سترندبرغ يقول دائماً أنه إنما يدين الى تلك «الغرفة الحمراء» بالاعتراف العام الذي قد صار من نصيبه.
> إذاً، أصدر سترندبرغ ذلك الكتاب وهو في الثلاثين. وهو كان قبل ذلك، ومنذ تجاوز سنوات مراهقته وقرر أن يمتهن الكتابة، كان خاض كل أنواع الكتابة، من صحافة وقصة ومسرحية ونقد، لكن دائماً من دون طائل... والأهم من هذا - طبعاً - أن تلك التجارب التي خاضها وضعته على تماس تام، مع الكثير من شخصيات تلك البيئة وذلك الزمن... وهو إذ اكتشف أن أياً منهم ليس على استعداد لدعم أي موهبة أدبية شابة تحاول أن تستعين به، كشف عورات أولئك الناس... فاستخدم قلمه اللاذع لشن حرب ضدهم. وكان كتاب «الغرفة الحمراء» «مدفعيته» الثقيلة في المعركة. وقد زاد من فاعلية كتابه أن كل الذين كتب عنهم فيه وصورهم، إنما كانوا ملء الأسماع والأبصار، وكان ذكر اسم أي واحد منهم على غلاف الكتاب كافياً لانتشار الكتاب. وهكذا بضربة معلم، تمكن أوغست سترندبرغ من أن يضع اسمه مع الكبار: بل في موقع الساخر من الكبار.
> في «الغرفة الحمراء» إذاً، صفحات وصفحات تصور الرسامين والكتّاب والمسرحيين وحتى العلماء، كاشفاً أسرار شخصياتهم، متوقفاً عند نقاط ضعفهم... حتى من دون أن يلجأ الى أي أكاذيب وافتراءات، ما أنقذه من أن يصل الى القضاء. كل ما في الأمر هنا، أنه جمع الحقائق المعروفة ليلقي الضوء الساخر عليها وعلى خلفياتها، من دون أن يأبه بمكانة أي من الذين كتب عنهم... ومن هنا، انفجر الكتاب كالقنبلة، وصار الكاتب أشهر شخصية أدبية في استوكهولم بين ليلة وضحاها... وكان ذلك بعد أسابيع من التقديم الفاشل لواحدة من أولى مسرحياته، «المعلم أولوف»، التي - مع هذا - ستظل واحدة من مسرحياته الأكثر فشلاً، حتى وإن كان النقاد والباحثون سينظرون إليها لاحقاً على أنها الأكثر قوة في أعماله.
> في الوقت الذي كان سترندبرغ منهمكاً في كتابة «الغرفة الحمراء»، كان يعيش موزعاً بين رغبته في أن تعترف الأوساط الأدبية به - وهو اعتراف كان يرى أنه تأخر كثيراً! - وبين شعوره بأن اهتمامه الأول في حياته يجب أن يكون اهتماماً فنياً وذا مستوى. ومن هنا، حين صاغ صفحات ذلك الكتاب وفصوله، حرص على أن يجعل من موضوعه وسيلة لفرض مكانة لنفسه في استوكهولم الثقافية، ومن أسلوبه دليلاً على تميزه في البعد الفني لعمله. وإذا كان حرص على شيء منذ البداية، فإنه حرص على أن يبتعد من أي نفحة عاطفية أو «ذاتية المنحى» في ما يكتب... وهو نجح في هذا أيضاً، حتى وإن كان الكتاب كله ذاتياً في نهاية الأمر. ولعله يكفينا هنا، أن نقف عند بعض تعبيراته كي ندرك درجة السخرية المرّة التي تملأ هذا الكتاب. فمثلاً، حين يتحدث سترندبرغ عن الصحافة، يقول أنها لا تفتأ «تحطم القلوب مثلما يحطم المرء البيض»، وهو يتحدث عن المسرح بصفته قناعاً يخفي خلف أبهة الملابس والديكورات بؤس الممثلين وجوعهم. وإذ يذكر الأحزاب السياسية في طريقه، يقول أن «الأحزاب، من أجل الائتلاف في ما بينها، تتنازل وتتنازل حتى تندمج جميعاً، في نهاية الأمر، في لون رمادي لا طعم له ولا لون». أما حين يصل الى الحديث عن الرسم بصفته الأول بين الفنون الجميلة، فإنه يبرهن كيف أن رسامي زمنه يزعمون، بادعاءاتهم الضحلة، أنهم يقفون فوق السلة التي يتجابه في داخلها، و «في شكل ودي للغاية»، أكاديميون ومضادون للأكاديمية قطعت رؤوسهم جميعاً من قبل.
> على رغم أن سترندبرغ لم يكتب «الغرفة الحمراء» كمسرحية في البداية، فإنه مع ذلك حرص على أن يعطي النص عنواناً ثانوياً هو «مشاهد من حياة الأدباء والفنانين»... ومن هنا، ما نلاحظه من أن هذا العمل قد قدم لاحقاً، على شكل مشاهد مسرحية... ولقد ساعد على هذا أن الكاتب، أصلاً حين كتب العمل، ملأه بالحوارات، حيث أن معظم النصوص والانتقادات جاءت في حواريات تخيل وجودها بين أصحاب العلاقة أنفسهم... حوارات إذ كان في الإمكان تشبيهها بشيء فإنما بالحوارات التي تملأ مسرحيات أوسكار وايلد ويسودها تصوير مدهش للجهل والنفاق الاجتماعي والتكاذب المشترك بين البشر... ذلك النوع من البشر. إنها، هنا لدى سترندبرغ، حوارات حادة قاطعة، تصور على الفور، ومن دون الحاجة الى عودة لقراءة ثانية، نساء متحذلقات، صحافيين لا وازع ولا ضمير لديهم، بوهيميين كاذبين، يجعلون لأنفسهم صورة خارجية فوضوية لكنهم يعيشون حياة مترفة. ولا ينسى الكاتب في طريقه أن يتحدث عن قساوسة جشعين ليس الدين بالنسبة إليهم سوى طريق الى المكسب والجاه... أما الناشرون فحدث عنهم ولا حرج: إنهم مجرد تجار، في رأي الكاتب، لا يقرأون حتى الكتب التي ينشرونها وتدر عليهم أموالاً طائلة. الكل تحت قلم سترندبرغ كاذب مدّع... ولأنهم كذلك لا يريد الكاتب أن يرحمهم. إنه هنا أشبه بالمغني - الشاعر جاك بريل، وقد آل على نفسه أن يقول الحقيقة في وجه من تعنيهم، مع فارق أساس يكمن في أن بريل، كثيراً ما جمل نفسه بين الذين يوجه إليهم الانتقادات، بينما نلاحظ كيف أن سترندبرغ ميّز نفسه بتغييبها عن ذلك الحفل الكتابي الفاضح. مهما يكن، حجة الكاتب في ذلك هي أنه، حين صاغ ذلك النصّ الفريد، في زمنه، كان لا يزال نكرة... مجرد موظف بسيط في المكتبة الوطنية يحاول جاهداً أن يشق لنفسه طريقاً.
> صدر «الغرفة الحمراء» عام 1879، ومنذ صباح اليوم التالي صار أوغست سترندبرغ (1849 - 1912) واحداً من أشهر الكتّاب في استوكهولم. طبعاً أحس يومها، بأن شهرته لم تأته من الطريق الذي كان يفضّل: أي من طريق مسرحياته، لذلك نراه من فوره ينصرف، إذ أحسّ بأنه صار مقبولاً، الى كتابة مسرحياته الكبرى وإصدارها واحدة بعد الأخرى، من «سوناتا الأشباح» الى «الطريق الى دمشق» و»الأب» و»الآنسة جوليا»، وغيرها من أعمال كبيرة كان أهم ما فيها أنها مكنت أوغست سترندبرغ من فرض حضوره ككاتب مسرحي كبير، ودفع الكثيرين الى الكف عن الحديث عن «الغرفة الحمراء»، ذلك الكتاب الذي لعنته الحياة الثقافية في استوكهولم لعنة أبدية، وكان لا بد لها أن تنساه قبل أن تجعل لصاحبه مكانة أساسية وكبرى في رحابها.


----------------------------------
المصدر :  الحياة 

مسرحية تصحيح ألوان على خشبة القباني… عمل يرسخ مقولة إن ذاكرة الإنسان من صنعه هو

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية تصحيح ألوان على خشبة القباني… عمل يرسخ مقولة إن ذاكرة الإنسان من صنعه هو


دمشق-سانا

مسرح الديودراما القائم على ثنائية الرجل والمرأة وعرض الفصل الواحد خيار عاد إليه مجددا الكاتب سامر محمد إسماعيل في عرضه الجديد الذي ألفه وأخرجه بعنوان “تصحيح ألوان” والجاري عرضه حاليا على خشبة مسرح القباني.

العرض الذي أنتجته مديرية المسارح والموسيقا “المسرح القومي في وزارة الثقافة يعتمد على توليفة من الفنون البصرية التي أراد إسماعيل استخدامها لتحقيق أكبر قدر من التفاعل والتأثير لدى جمهور الصالة مثل استحضار أغان معينة ووضع موسيقا خاصة بالعرض واستخدام شاشة إسقاط في قلب الخشبة واستثمار الإضاءة إلى أقصى حد ممكن كما كان الفن التشكيلي حاضرا كجزء من الديكور الأساسي للعرض وحتى الرقص الحركي كما في المشهد الأخير.

وتلعب الموسيقا دورا محوريا في “تصحيح ألوان” منذ البداية فالعرض يبدأ بمقطع من قصيدة معاذ الله للشاعر السوري الكبير نزيه أبو عفش التي غناها في ثمانينيات القرن الماضي الفنان المعتزل فهد يكن وأراد من توظيفها مؤلف ومخرج المسرحية وضع نخبة ثقافية ظهرت في تلك الحقبة ضمن سهام نقده.

إضافة فضاءات جديدة إلى العرض لم تتوقف على توسيع خشبة القباني فحسب بل تعداه إلى استثمار قطع صغيرة مثل صناديق الكرتون المقوى المحشوة بالأغراض الشخصية والكتب لتكون جزءا من مقولة العرض ككل في إدانة مثقفين حملوا متاعهم وسافروا خارج البلاد في ظل الأزمة الراهنة.

وقصة العرض التي تدور حول الصحفية “رشا.. مايا” والكاتب الانتهازي جابر ابراهيم تخرج من نطاق الحوار الصحفي المفترض مع كاتب حصل على جائزة من دولة خليجية لروايته الأخيرة إلى مكاشفة حادة تدفع الكاتب للاعتراف بسرقة رواية والد الصحفية والتسبب في سجنه.

وكان الحوار المكتوب الذي بدا عفويا لأبعد الحدود واداء الممثلين في العرض “يوسف المقبل ومريانا معلولي” هما العلامة الفارقة في تصحيح ألوان وساعد على ذلك النمط المتسارع في تقلبات الشخصيتين تناسبا مع سير الأحداث وتنامي الحوار ولا سيما أن المسرحية هي عرض ممثل بالدرجة الأولى.

النهاية المأساوية غير المتوقعة بدءا من كشف رسائل الحب بين والدة الصحفية والكاتب لنكون أمام خيانة مزدوجة بحق الصديق والزوج أظهرت مقولة العرض بأن ذاكرة الإنسان هي من صنعه هو لا مرآة حقيقية عن الماضي الذي سيدفنه الكاتب عندما يضع جسد الصحفية المنهارة في حقيبة سفر.

يشار إلى أن عرض “تصحيح ألوان” هو ثاني تعاون لمديرية المسارح والموسيقا مع الكاتب اسماعيل بعد عرض ليلي داخلي الذي قدم لأول مرة عام 2013.

ويضم فريق العمل في مسرحية “تصحيح ألوان” تأليف وإخراج.. سامر محمد إسماعيل وتمثيل.. يوسف المقبل ومريانا معلولي وحضور خاص للفنان أيمن زيدان ولوحة العرض.. الفنان بديع جحجاح وأغنية سليمى بصوت الفنان وضاح إسماعيل ودراماتورج.. لؤي ماجد سلمان ومخرج مساعد.. بسام البدر وسينوغرافيا.. أدهم سفر وديكور.. زهير العربي وتصميم إضاءة .. نصر الله سفر وموسيقا.. رامي الضللي ورسم حركي.. محمد شباط ومشرف تقنيات.. بسام حميدي ومساعد مخرج.. رامي سمان وأزياء ومكياج.. سهى العلي ومديرة منصة .. إيفا إسماعيل.


جمعية المسرحيين بالشارقة تنتخب مجلس إدارتها الجديد للدورة "2017 – 2019"

البطوسى يكتب التاريخ الحقيقي لكليوبطره .. ويطلق أول مونودراما شعرية "وثائقيَّة" في تاريخ المسرح ..

الكتابة المسرحية الجديدة: صورٌ.. بلا تصورات

مجلة الفنون المسرحية

الكتابة المسرحية الجديدة: صورٌ.. بلا تصورات

د. حسن يوسفي


تجدر الإشارة، بدءا، إلى أن مفهوم “الكتابة المسرحية الجديدة” يبقى مفهوما نسبيا ومتحولا بتحول زاوية النظر إليه، ذلك أن هذا التوصيف بقدر ما ينطبق على آخر ما أفرزته التجارب المسرحية الشبابية العربية اليوم، بقدرما ينطبق على تجارب سابقة استطاع أصحابها أن يجددوا في مفهومهم للكتابة حسب ما أملته عليهم سياقاتهم الذاتية والموضوعية. وأذكر هنا ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تجربتين إحداهما غربية والثانية عربية.
ففي المسرح الغربي، عندما ظهرت كتابات مسرح العبث أو اللامعقول في المشهد المسرحي الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية، اعتبرت بمثابة حساسية جديدة في الكتابة المسرحية قياسا إلى ما كان سائدا آنئذ من تصورات حول المسرح كان في طليعتها النموذج البريشتي. من ثم نفهم الشراسة التي ووجه بها تيار العبث من لدن النقاد البريشتيين الذين كانوا يتحلقون حول مجلة “المسرح الشعبي”، وفي طليعتهم رولان بارت وبرنار دورت، الذين اعتبروا هذه الكتابة الجديدة بمثابة خلخلة لكل المفاهيم التي كانت الساحة الفرنسية تعتبرها أسسا قوية للمسرح ما بعد الحرب. لكن هذه الكتابة العبثية نفسها سرعان ما أصبحت عندما ظهر جيل يرنار ماري كولتيس وفيليب منيانا وفالير نوفارينا وميشال فينافير وجان لوك لاكارص وغيرهم، بمثابة كتابة تقليدية.

المسرح الحميمي

وفي المسرح العربي، ما كتبه المرحوم سعد الله ونوس في آخر أيام حياته يمكن تصنيفه باعتباره كتابة مسرحية جديدة. فنصوص من قبيل “طقوس الإشارات والتحولات” و”الأيام المخمورة” و”بلاد أضيق من الحب” وغيرها، هي بالقياس إلى مسرحياته السابقة كـ”الفيل يا ملك الزمان” أو “الملك هو الملك” أو “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” أو “سهرة مع أبي خليل القباني”، هي نصوص مجددة على مستوى الشكل والمضمون. فهي نقلة من مسرح القضايا الشمولية إلى مسرح الذات، من المسرح الموضوعي إلى المسرح الحميمي، من مسرح التورية والتقية إلى مسرح الكشف والتعرية وصدمة الحداثة، ومن مسرح جمالية التمثيل إلى مسرح جمالية التعبير.
صحيح أن تجديدا كهذا تم داخل سياق تجربة إبداعية متجانسة لكاتب مسرحي كان ما يزال يؤمن بالوضع الأدبي للنص المسرحي، وبالتالي راكم تنويعات كتابية داخل التجربة الواحدة، إلا أن ما أفرزته من نصوص يبقى عنوانا على تبلور متخيل مسرحي جديد، وبالتالي فهي تجربة جديدة في الكتابة تتصل بمرحلة مغايرة في مساره الإبداعي وسمها هو نفسه بمرحلة الانغسال من الأوهام.
من ثم، يبدو لنا من غير الممكن إطلاق مصطلح “مسرح جديد” على التحولات التي طالت الكتابات الجديدة في المسرح، قياسا إلى ما حدث في مجال الرواية مثلا، ذلك أن توصيفا من قبيل “الرواية الجديدة” هو تعبير عن تيار روائي ظهر في فرنسا خلال خمسينيات القرن الماضي، وكان له منظروه الذين بلوروا تصورات حول الجنس الروائي تتجاوز مفهوم الرواية التقليدية شكلا ومضمونا، وكتبوا أعمالا سردية تستوحي هذه التصورات. ومن بينهم ألان روب كريي وكلود سيمون وناتالي ساروت وجان ريكاردو الذين أسهموا جميعا في صياغة ما عرف بـ”نظرية الرواية الجديدة”. لكن ما يروج اليوم بيننا ونتواطأ على تسميته كتابة مسرحية جديدة يفتقر إلى هذا السند النظري المتجانس والنسقي مقارنة مع موجة الرواية الجديدة. فالكتابة الروائية الجديدة نسق، لكن الكتابة المسرحية الجديدة شذرات.
وعليه فعندما نتحدث اليوم عن الكتابة المسرحية الجديدة فإننا بالضرورة نتحدث عن فسيفساء من النصوص ظهرت في مراحل مختلفة، لا يجمعها تصور متجانس للمسرح، ولا تسندها نظرية مسرحية واحدة، وإنما يخلق التقاطع بينها تلك الرغبة في كتابة المسرح بطرق مغايرة لما كان سائدا، وهي الرغبة التي لم تعد حكرا اليوم، على الكتاب وحدهم، بقدر ما أصبحت هاجسا لدى الدراماتورجيين والمخرجين وحتى الممثلين.
من ثم، تبدو استعارة “الشهب الاصطناعية” التي اختارها الباحث الفرنسي ميشال كورفان من أجل وصف ما سمي بـ”الكتابات المسرحية الجديدة” في الفضاء الفرنسي والفرنكفوني، استعارة تنطبق - في تقديرنا - بشكل كبير على ما آلت إليه الكتابة المسرحية الجديدة، اليوم، في العالم العربي، بما أفرزته من تنويعات في سجلات الكلام وعوالم التخييل المسرحي وتقنيات الكتابة.
ولعل ما يميز الكتابات الجديدة، اليوم، هو تحول السياق الجمالي العام الذي يؤطر التجربة المسرحية برمتها، لاسيما في ضوء تأثير عاملين أساسيين في إبداعية المسرح وإنتاجيته هما:
ـ بروز إبداعية المخرج وترسيخ سلطة ما يعرف بـ”صناعة الفرجة”.
ـ استعمال التكنولوجيات الحديثة في الإبداع المسرحي.

سلطة المؤلف

إن هذا السياق الجديد وما أفرزه من تقويض لسلطة المؤلف، خلخل الأسس التي تقوم عليها التجربة المسرحية، حيث بات واضحا أن التعاطي مع هذه التجربة ضمن دائرة المفاهيم والتصورات التقليدية التي تجعل من المسرح “أدبا دراميا” أو ضربا من “الكتابة النصية” التي من شأنها إفراز ما يعرف بـ”الأعمال الخالدة”، أصبح جزءا من الماضي، ذلك أن الثقافة المسرحية الجديدة بدأت ترسخ منظورا مختلفا إزاء المسرح يعتبره بمثابة فضاء لـ “صناعة الفرجة” أولا، مما جعل قضية “النص” قضية نسبية يمكن التعاطي معها، إبداعيا، بنوع من المرونة والانفتاح، وحتى اللامبالاة أحيانا، ما دام النص لم يعد هو المكون الأساسي الذي تنهض عليه الفرجة المسرحية.
نستحضر في هذا السياق، مثلا، ما فعله المخرج العراقي جواد الأسدي مع بعض “النصوص الخالدة”، ومنها “هاملت “ لشكسبير، حيث عمل على إعادة كتابة معاكسة للمسرحية عنونها بـ”انسوا هاملت”، وذلك من منطلق قناعته باعتباره مخرجا مهووسا بما يصنع الفرجة أولا. هذا الهوس الذي جعله يؤكد جازما “إن الولاء للنصوص يجعل منها نصوصا ميتة، ومحكومة مسبقا بالاسوداد على يد المخرجين التنفيذيين أو الكتاب الشغوفين بالمنفدين للنصوص بحرفيتها”. (1).
من ثم، فهو لا يتوانى عن التعبير عن رغبته في “الإطاحة بالنصوص المقدسة واللعب بأبهتها وجلالها “حسب تعبيره، وهذه العمليات هي من صميم ما يعتبره هو كتابة جديدة، يقول: “إن موضوع الكتابة الجديدة، نصا جديدا أو إخراجا مختلفا صار مفهوما سواء لحركة النقد المسرحي في العالم أو بالنسبة للمتفرجين المرتهنين إلى وعي تأريخاني للأدب بكل أنواعه، في حين مازال هذا الأمر يخلف عند عدد كبير من العرب آثارا سلبية تعيد المسرح إلى موازين عتيقة وبالية خصوصا في عقول عدد كبير من الفنانين والأدباء أصحاب النظرة المركزية الثابتة المتمركزة في بؤرة أحادية لا تقبل الشك، ولا تريد اللعب بأبهة النصوص ولا بجلالها حيث إنهم ما زالوا يتعاملون مع النصوص المنزاحة عن النصوص أو مع الإخراج المنزاح عن النصوص تحفة أو أيقونة لتزيين البيوت” (2).
إن نموذج الأسدي مجرد صيغة من صيغ متنوعة لصناع الفرجة في المسرح العربي الذين اختاروا التعاطي مع الكتابة المسرحية من منطلق مغاير إلى حد المغالاة أحيانا، ولاسيما منهم الجيل الجديد الذي فتح عينيه على الثورة الرقمية بكيفية جعلته يقتنع أن السينوغرافيا، ولعب الممثل، والتقنيات المسرحية الحديثة؛ كلها كفيلة بإنجاز ما لا يحققه النص مهما كانت درجة بلاغته المسرحية. وأصبح المفهوم الجديد الذي يؤطر تجاربهم المسرحية هو ما يسمى بـ “الدراماتورجيا الركحية” التي بات الاشتغال في إطارها عنوانا على ما سماه صديقنا الدكتور خالد أمين بـ”المنعطف الفرجوي” في المسرح العربي، وهو المنعطف الذي يسنده سياق ثقافي كوني انعكس على تجاربنا العربية، يقول:”لقد روج العديد من النقاد والمتتبعين للشأن المسرحي العربي فكرة مفادها وجود (أزمة النصوص الدرامية)، وسطوة الاقتباس والتوليف المسرحي والإعداد الدراماتورجي، كنوع من الهروب إلى الأمام في الكثير من الإبداعات العربية المعاصرة والشبابية منها بخاصة. لقد ارتفعت العديد من الأصوات في مشهدنا النقدي منتقدة العروض المسرحية المعاصرة التي يكون فيها النص مجرد ذريعة لما يمكن اعتباره بنية تركيبية لكتابة محددة بشكل مسبق، والحقيقة هي أن الممارسة المسرحية في الوطن العربي متفاعلة بشكل أو بآخر مع تحولات صناعة الفرجة المسرحية على المستوى الكوني، وذلك نتيجة لما تسميه المفكرة الألمانية إيريكا فيشر بـ”تناسج ثقافات الفرجة”. فلم يعد المسرح ذلك الفن الهامشي في عالمنا العربي اليوم، بل أصبح تلك الاستعارة الثقافية الممتدة في الحياة اليومية، متأثرا هو الآخر بالوسائط الأخرى التي أضحت شديدة البروز في حياتنا اليومية”. (3)

البرج العاجي

لقد بات طبيعيا أن تنعكس هذه الثقافة الجديدة على المشهد المسرحي برمته، وبالتالي، على موقع الكاتب الدرامي فيه. فالواضح أن صورة الكاتب المسرحي المقيم في برجه العاجي الذي يرسل خطابه دونما اكتراث بمآله في المشهد المسرحي قد انتهت، ذلك أن “الكاتب (اليوم) هو ابن وضحية، في آن واحد، للثورة التي منحت السلطة للمخرج المسرحي. إنه هنا في وضعية تبعية. وأعماله المسرحية التي هي هشة على العموم، بخضوعها لغربلة الإخراج المسرحي، غالبا ما تتم ملاءمتها، خلطها، وطمس ملامحها. لم يعد المؤلف ذلك الإله المقدس، بل هو بالأحرى بمثابة عامل، العامل المتخصص في النص L’ouvrier spécialisé du texte”. (4)
إن التحول الذي طال وضع المخرج في السيرورة الإبداعية المسرحية خلال القرن الماضي، الذي جعله ينتقل من وضعية المنفذ لتعليمات المؤلف إلى مبدع له حقوقه في التخييل والتعبير بلغته الخاصة، وبالتالي في التصرف في نصوص الآخرين حسب ما تمليه عليه حساسيته الفنية ومنظوره الجمالي وتصوره للعمل المسرحي، قد أثر بشكل واضح على وضعية النص المسرحي وطرق كتابته.
من ثم، فطقس الكتابة نفسه خضع لنوع من إزالة القدسية Démystification، لاسيما وأن النص أصبح في خدمة العرض وليس العكس. لذلك، فلا عجب أن نلاحظ، اليوم، كيف توارت أسماء المؤلفين الذين كرسوا مسارهم الإبداعي للكتابة الدرامية وبدأت نصوصهم تتحول شيئا فشيئا لتصبح جزءا من الذاكرة المسرحية، أي تحفا أدبية للقراءة وتخليد تجارب السابقين. فلم يعد لأعمال توفيق الحكيم أو يوسف إدريس أو نجيب سرور أو أحمد الطيب لعلج أو عز الدين المدني أوعبد الكريم برشيد أو سعد الله ونوس أو غيرهم كثير ذلك الحضور القوي في مشهدنا المسرحي. وبالمقابل أصبحنا نقرأ نصوصا لمخرجين كجواد الأسدي وفاضل اجعايبي وغيرهم، وكذا لجيل من الشباب المسرحيين العرب الذين تتألق تجاربهم بين الحين والآخر في هذا المهرجان المسرحي أو ذاك والذين تمتزج تجاربهم بمواصفات الكاتب والدراماتورج والمخرج والممثل في تجربة مسرحية واحدة، لأنهم يكتبون لأنفسهم ويقومون بالاشتغال على ما يكتبون فوق الخشبة.
لقد تقوضت سلطة “الكاتب” بهذه الصيغة التقليدية لتحل محلها سلطة “الدراماتورج” الذي يبيح لنفسه التصرف بحرية، وبمغالاة أحيانا، في نصوص الآخرين بدعوى أن الكاتب يحسب حساب الحقل، لكن الدراماتورج يحسب، بالأحرى، حساب البندر، وشتان ما بين الحسابين، ما دام الأول خاضعا لمستلزمات الأدب الدرامي، في حين أن الثاني مسكون بهواجس الفرجة وإكراهات التمسرح. وطبيعي أن تتمخض عن هذا التباعد بين الموقعين، علاقة جفاء من لدن الدراماتورجيين، وبالتالي، المخرجين إزاء “النص الدرامي” نفسه، بحيث لم يعد ينظر إليه باعتباره المنطلق الوحيد لخلق تجربة مسرحية، ذلك أنه أصبح “بالإمكان مسرحة كل شيء”(5) حسب مقولة أنطون فيتز Vitez الشهيرة. وعليه فعملية الإعداد الدراماتورجي بإمكانها أن تنصب على نصوص ومرجعيات ومواد ليست مسرحية بالضرورة. فالرواية والشعر ونصوص مدونة الأسرة وشهادات الأمهات العازبات والحكي بمختلف مظاهره؛ كل هذه النصوص أصبحت قابلة للمسرحة بعد خضوعها للعملية الدراماتورجية التي هي جوهر الإبداعية المسرحية في تصور أغلب الفاعلين ذلك في التجربة المسرحية المغربية.
إلا أن المثير للانتباه في التجربة العربية للتعاطي مع هذه الإمكانية المتاحة لمسرحة كل شيء، هو سقوطها في بعض الحالات، في مطب “إمكانية مسرحة اللاشيء” “Faire théâtre de rien”. لذلك، فلا نستغرب الخيبة الكبيرة التي أصابت المشهد المسرحي إزاء أعمال مسرحية لم يستطع مبدعوها ملاءمة نزوعاتهم الفنية، بل ونرجسياتهم، مع طبيعة المتلقي العربي.
وإذا كان هذا الواقع المسرحي الجديد قد أفرز عينة جديدة من المبدعين الذين يكتبون أو يعدون دراماتورجيا لحسابهم الخاص، وهي العينة التي يمكن أن نسميها بالمخرجين ـ الكتاب أو المخرجين ـ الدراماتورجيين، فإنه، من زاوية أخرى، قد غير مفهوم الكتابة نفسه، بحيث لم يعد ممكنا، اليوم، الحديث ـ عندما يتعلق الأمر بالمسرح ـ عن “كتابة درامية Ecriture dramatique”، وإنما بالأحرى عن “كتابة من أجل الخشبة Ecriture scénique”.

الكتابة الجديدة

فإذا تأملنا هذه الكتابة الجديدة، يمكننا أن نلاحظ أنها أفرزت نصوصا غير قابلة للنشر، وبالتالي للقراءة. إنها ضرب من الكتابة العابرة التي تنتهي صلاحيتها بنهاية العرض وتوقف ترويجه. ولعل هذا ما يفسر ربما لماذا ضاقت مساحة نشر النصوص المسرحية في وسطنا الثقافي، وأصبح النص هو “أعز ما يطلب” في دائرة الإبداع المقروء. وهي ظاهرة مثيرة، بل ومفارقة. وموطن المفارقة يكمن في كون تعدد الأعمال المسرحية في كل موسم وتعدد المهرجانات، لم يفرز أدبا دراميا غنيا قابلا لأن يترسخ في ذاكرة المسرح العربي، بقدر ما أفرز نصوصا مقتبسة أو معدة دراماتورجيا أو مكتوبة من أجل العرض وليس القراءة، وبالتالي فهي ذات صلاحية محدودة في الزمان والمكان.
إن الكتابة الجديدة في المسرح، بهذه الصيغة، أصبحت كتابة ضد الذاكرة، وضد الخلود. لذا فلا عجب أن نفتقد، اليوم، نماذج منها يمكن أن تندرج ضمن خانة “الأعمال الخالدة”، وبالتالي، نخشى أن تتحول هذه المرحلة في تاريخ المسرح العربي إلى حلقة مفقودة بالنسبة للأجيال اللاحقة لأنها لم تترك آثارا مكتوبة تدل عليها.
صحيح أن الإضافات الجديدة الذي رسخها المخرجون/ الكتاب والدراماتورجيون على صعيد جماليات الكتابة تشي بإبداعية ملفتة للانتباه، لاسيما على مستوى اللغة التي أصبح هاجس التواصل مع وجدان المتلقي أحد رهاناتها الكبرى، مما يفسر، ربما، العودة القوية للغة المحكية المحلية في العروض المقدمة، وكذا على مستوى الموضوعات حيث المزاوجة بين مسرح الذات ومسرح العالم، واتساع دائرة الحكي والبوح والمونولوج، وتنويع السجلات المسرحية ما بين الكوميدي والجاد، والتفاعل مع تجارب طليعية في الكتابة المسرحية تنتمي إلى الريبرتوار الغربي. ولعل هذا ما يزكي استعارة “الشهب الاصطناعية” التي انطلقنا منها في الحديث عن الكتابة المسرحية الجديدة، ذلك أنها تنطبق على هذه الفسيفساء من النصوص التي قدمت عروضها على خشبة المسرح العربي خلال العقد الأخير.
وأفضل في هذا السياق، أن أتحدث عن التجارب المغربية التي أعرفها جيدا وسبق لي أن كتبت عن بعضها. فمنذ أن بدأت تقتحم المشهد المسرحي طلائع خريجي “المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي”، لاحظنا تحولا عميقا في التعاطي مع الممارسة المسرحية بالمغرب، ذلك أن جيل الشباب من الخريجين أصبح يفضل التعامل مع التجربة المسرحية من منطلقات معرفية جديدة كان من نتائجها البارزة تغير النظرة إلى النص المسرحي، والانفتاح اللا مشروط على الريبرتوار الغربي واقتباس نصوصه أو العمل على إعدادها دراماتورجيا، وبروز جيل من السينوغرافيين الذين يضعون لمساتهم الواضحة على جماليات العروض المسرحية، وكذا جيل من الممثلين الشباب الذين يمارسون المسرح من منطلق الاطلاع الواسع والمتنوع على النظريات الغربية في مجال التمثيل.
كل هذا انعكس بشكل واضح على الكتابة المسرحية لاسيما وأن الجيل الجديد لم يجد ما يجذبه في التجارب الكتابية السابقة للرواد باعتبارها نصوصا تقليدية تطغى عليها اللمسة الأدبية ولا تستجيب لتطلعاتهم التي يتحكم فيه هاجس صناعة الفرجة.
في هذا السياق يمكن أن نستحضر أعمال كل من فوزي بن السعيدي، عبد المجيد الهواس، بوسلهام الضعيف، حسن هموش، ادريس الروخ، محمود بلحسن، كريم الفحل الشـرقاوي، عبد اللطيف فردوس، بوسرحان الزيتوني، بوحسين مسعود لطيفة أحرار وخالد جنبي وغيرهم كثير. فالكتابات المسرحية التي أبدعها هؤلاء صيغت أساسا من أجل الاستعمال الخاص وعلى مقاس التجربة الخاصة لكل واحد منهم وتصوره الجمالي المميز للفرجة المسرحية، لذلك رأينا من وجد ضالته في كتابة تستند على مرجعيات غير مسرحية بالضرورة كشهادات الأمهات العازبات أو نصوص مدونة الأسرة أو الرواية أو الشعر أو فن الملحون، وذلك بإعدادها دراماتورجيا والعمل على مسرحتها، كما وجدنا من جرب موهبته في كتابة مسرحية جديدة تتسع فيها دائرة البوح والحكي والإشراقات الشعرية إما في إطار أعمال مونودرامية أو جماعية. كما وجدنا من ارتمى في أحضان الكتابة المسرحية الجديدة في الغرب، وفي فرنسا على وجه الخصوص، حيث النصوص التي تعالج موضوعات الطابو المثيرة في سياق كتابة شفافة حميمية وكاشفة وصادمة أحيانا وفي قوالب درامية غير تقليدية فيها مزيج من الاستبطان الداخلي والمونطاج والكولاج والمقطعية كما يسندها أحيانا نوع من التقعير أو التفكير الذاتي في الكتابة نفسها في إطار ما يعرف بـ “الميتامسرح”(6). إن هؤلاء الكتاب الجدد” لم يعودوا “ساردي حكايات”، وإنما هم كتاب يستحضرون كثافة الكتابة. ففي نصوصهم تسقط مبادىء السرد والتشخيص ونظام السرد. يتوصل من خلال ذلك إلى “استقلالية للغة”. فاللغة لا تبدو باعتبارها حورا بين الشخصيات وإنما تصبح “تمسرحا مستقلا””(7).

أجناس جديدة

لقد كان طبيعيا أن تفرز هذه التجارب الكتابية الجديدة أجناسا جديدة من المسرح، غير تلك التي كانت سائدة في سياق المنظورات الكلاسيكية المستندة إلى المنظور الأرسطي. في هذا الإطار برزت مسارح لا تؤمن بالحدود بين الأنواع الدرامية كالتراجيديا والكوميديا وغيرها، وأصبحنا إزاء ما سمي بـ “المسرح الحميمي” و”مسرح الغرفة” و”مسرح اليومي” و”مسرح الأطروحة” و”المسرح الشذري أو المقطعي”. وتداخلت في هذه الأنواع من المسرح سجلات الواقعي والذاتي والسياسي والشعري والكروتسكي وغيرها.

في خضم هذا المشهد، وخارج إطار هذه “الجوقة” من الدراماتورجيين الجدد، ثمة من فضل العزف أو الأداء المنفرد والمتميز، سواء على صعيد العلاقة مع الكتابة نفسها، أو على مستوى الخيارات الجمالية المتحكمة في هذه الكتابة. ونقصد هنا، بالأساس، تجربتين متميزتين لكاتب مسرحي شاب هو الزبير بن بوشتى، ولكاتب ومخرج وممثل معروف هو الفنان عبد الحق الزروالي.

فالأول من الأسماء الاستثنائية التي ما تزال تؤمن بأهمية “الكتابة الدرامية” وبالجدوى من إبداع نصوص مسرحية جديدة صالحة للقراءة وللعرض في آن واحد، بل يمكن الذهاب بعيدا في النظر إلى هذه التجربة باعتبارها تجسيدا لصيغة متميزة في الكتابة الجديدة تستند على متخيل مسرحي تتحكم فيه العلاقة مع الفضاء والانتماء للتاريخ، وبالتالي، فهو يؤسس لكتابة “مسرحية محكمة الصنعpièce bien faite”، مفكر فيها، وقائمة على أساس قراءة خاصة للمكان والذاكرة. ولعل نصوصا مثل: “يا موجة غني”(Cool، و”النار الحمرا”، و”للاجميلة” و”زنقة شكسبير” و”لقدام لبيضا”Pieds blancs، ثم “طنجيتانوس” تؤكد باشتغالها على فضاء طنجة بأبعاده المختلفة، هذه الحقيقة. إن الزبير من بين آخر الأسماء في سلالة المؤلفين الدراميين الآيلة للانقراض في “زمن سطوة الدراماتورجيا”.

أما بخصوص الثاني، أي عبد الحق الزروالي، فيمكن نعت تجربته في الكتابة، على الأقل في تجلياتها الأخيرة، بكونها “كتابة التمسرح الذاتي”، فهي كتابة من حيث كونها إعادة بناء لنصوص حتى ولو لم تكن مكتوبة أصلا من أجل المسرح (المواقف والمخاطبات للنفري، روايات جلبيرت سينويه وأنطونيو كالا...). إن اشتغال الزروالي عليها متميز عن عمل الدراماتورجيين الذين ذكرناهم، لأنه لا يقوم بإعداد دراماتورجي للنصوص الممسرحة بقدر ما يقوم بإعادة كتابتها لحسابه الخاص، وهنا يتدخل العنصر الثاني الذي سميناه “بالتمسرح الذاتي”، فحسابات الزروالي المخرج والممثل صاحب الأداء المونودرامي الفردي حاضرة بقوة في طريقة بنينة النص وتوزيع متوالياته، وهي حسابات لا تسقط من دائرتها مفاجآت الفرجة ولا منتظر العرض، وبالتالي يبقى هامش الارتجال والتصرف في النص قائما حسب ظروف العرض. ولعل العودة إلى أعماله الأخيرة (9) تؤكد ذلك، ومنها: “كدت أراه”، “الأسطورة”، “ رماد أمجاد”، ثم” نشوة البوح”.

هذه التجارب وغيرها، مما لم نشر إليه، تؤكد أن النظرة إلى النص المسرحي قد تغيرت بفعل تأثير هواجس صناعة الفرجة وبروز الاهتمام بمكوناتها المختلفة لدى المسرحيين العرب، كما أن اكتشاف سحر الدراماتورجيا، والحرية في التعاطي مع مصادر الفرجة التي ليست نصوصا مسرحية بالضرورة، قد أسهم في الكشف عن نقلات فنية وحساسيات جمالية جديدة.

لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: خلف هذا البريق العابر لفرجات لا تسندها نصوص قابلة للخلود، ما الذي يتبقى من هذه “الكتابة من أجل العابرEcriture pour l’éphémère” لتأسيس ذاكرة للمسرح العربي؟

الهوامش:

1 - جواد الأسدي ـ انسوا هاملت، حصان الليلك: نصوص درامية - دار الفارابي - الطبعة الأولى 2000- ص 10.

2 - نفس المرجع- ص 11/12

3 - خالد أمين- المسرح ودراسات الفرجة- منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة- سلسلة دراسات الفرجة 14- الطبعة الأولى 2011- ص 57

4 - Jean – Pierre Thibaudet – Théâtre Français contemporain – Ministère des affaires étrangères – adapt – Déc. 2000- p 16.

5-Jean -Pierre Ryngaert- Lire le Théâtre Contemporain -DUNO Paris 1993- p 50

6 - انظر مقاربتنا لظاهرة “الميتامسرح” في: حسن يوسفي- المسرح في المرايا: شعرية الميتامسرح واشتغالها في النص المسرحي الغربي والعربي- منشورات اتحاد كتاب المغرب –الطبعة الأولى الرباط - يونيو 2003

7 - الزهرة مكاش [في] مسارات وتجارب في المسرح المعاصر- منشورات مجموعة البحث في المسرح والتنشيط الثقافي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية – أكدير2007 – ص 44

8 - نعتبر هذه المسرحية إبداعا لجنس مسرحي جديد سميناه “دراما البحر”. انظر كتابنا: حسن يوسفي- ذاكرة العابر: عن الكتابة والمؤسسة في المسرح المغربي- منشورا ت فرع آسفي لاتحاد كتاب المغرب- دار وليلي للطباعة والنشر- الطبعة الأولى 2004- ص 81

9- انظر دراستنا عن هذه الأعمال في: حسن يوسفي – قوة الروح التي يخلقها المسرح: بصدد التجربة المسرحية لعبد الحق الزروالي – مجلة عمان، عدد 142، لبنان 2007، ص. 22.


-----------------------------------------------------------

المصدر : جريدة الاتحاد 

الممثل كبنية تشكيلية ودورها فى صياغة الفضاء المسرحى

مجلة الفنون المسرحية

الممثل كبنية تشكيلية ودورها فى صياغة الفضاء المسرحى

راندا طه 

يتميز العرض المسرحى (الحركى والتمثيلى )عن باقى الفنون فى نوعية العلاقة الخاصة والحية والمباشرة بينه وبين الجمهور . ويعتمد العرض المسرحى - راقص كان أو تمثيلى - كلياً على الحركة والإشارة والإيماءة سواء أكان العرض ينهض على حوار ثنائى يتبادله ممثلان أو كان إيمائياً صامتاً (بانتوميم)* ، فالممثل هو الأداة التى يوصل بها المؤلف والمخرج الرؤى والمعانى والأفكار والانفعالات إلى الجمهور . وبالرغم من وجود ثلاثة نصوص أساسية في مجال المسرح هم : نص المؤلف ونص المخرج ونص المتلقي، إلا أن المخرج الكريغرافى المعروف "جاك ليكوك  Jacques Lecoq" ** تحدث عن نص جديد هو نص الممثل؛ لأنه (الممثل) يكتب نصه عن طريق الحركة والجسد مستعملاً في ذلك طاقته التشخيصية الذاتية وذكاءه الفردي الخاص، وعبقريته الحدسية في توليد الحركات الإبداعية المناسبة لسياقات التمثيل والتشخيص الدرامي. فالممثل - من وجهة نظر "ليكوك"- يكتب بجسده في الفضاء المسرحي مثلما يكتب المؤلف المسرحي بقلمه على صفحة بيضاء، كما أشار "ليكوك" إلى أن أي حركة نقوم بها تحمل معنىً ما، سواء كنا نقصد ذلك أو لانقصده، وكذلك أن الدافع الجسمي- دافع الحركة والتعبير الحركي- هو من الأمور الملازمة على نحو أصيل لتفكيرنا وانفعالاتنا وأداءاتنا بشكل عام  .
الممثل ليس مجرد كتلة متحركة ثلاثية الأبعاد, فلقد أصر "ألكسندر تايروف" على أن حركة الممثل أكثر أهمية مما ينطق به  ، فمن خلال تشكيله لحركته يتولد تكوين مبتكر من داخل نفسه وتخرج منه إضاءات شعرية ومعانٍِ رمزية تأخذ المتلقى إلى المتعة البصرية بقدر ما تأخذه إلى تفصيلات العمل والغوص في ذاتية التكوين، فالممثل أشبه بالبنية التشكيلية النحتية التى يصوغها المخرج كيفما يشاء من خلال حركته وما تخلقه من تكوينات وخطوط.
يستخدم الممثل أوالراقص فن التعبير الحركى (الراقص و التمثيلى) ، وهو ذلك الفن الذى يستخدم الجسد الخارجى للممثل أوالراقص لتجسيد سلسلة من التحولات الروحية والنفسية التى تمر بها شخصية معينة . ويمكن النظرللرقص المسرحى كعلاقة رباعية قائمة بين المؤدى – الراقص (مصدر الطاقة التواصلية فيها) ، والجمهور ويتواجد العنصران السابقان فى عنصرى الزمان(وهوالإحداثى الرأسى كمجال للايقاع) وعنصر المكان (وهو الإحداثى الأفقى كمجال للحركة) ، ويجذب المؤدى والراقص انتباه الجمهور إليه من خلال مايتخذه الراقص من أوضاع وما يقوم به من التحولات . كما أن الممثل كبنية تشكيلية ونحتية لها كتلة لونية تشغل فضاءً مسرحياً يتشكل بإستمرار من علاقة الممثل الحركية مع الفضاء المسرحى الأشبه بسطح اللوحة التشكيلية والتى تتفاعل مع الإضاءة لإعطاء عدد من التأثيرات الضوئية مختلفة الملامس والسطوح والظل والنور للبنية النحتية للممثل ، كما قد تعيد الإضاءة بزوايا محددة تشكيل الكتلة ثلاثية الأبعاد للممثل.
يؤدى الممثلون شخصيات غير حقيقية ، التى تبدأ فى تَكَشُّف ماهيتها عندما يبدأ العرض ، وتصبح الشخصية التى يؤديها الممثل جزءاً من ذاته الديناميكية  . و من خلال التوترات التى تنتاب جسم الممثل أمام أعين المصاحبة لها  ، وقد يتحرك بشكل أفقي ليعنى الانطلاق بسرعة، ويتحرك رأسياً لأعلى للتعبير عن التصاعد والتحرر، و يتحرك فى مسارات مائلة أو منكسرة بطريقة أو بأخرى كما في مشاهد المعارك أو للتعبير عن العقبات التي تصادف الأبطال ، كما أن الحركة المنكسرة قد تعنى الاضطراب أوعدم التوازن ، وقد توحى حركة تراجع الممثل إلى الخلف والتى تقلل من تركيز الإنتباه إليه بعدم الأهمية أو بقصد إخفاء شيء ما ، أما التقدم نحو الأمام فقد يقصد منه التركيز على الشخصية وإبراز تفاصيلها بوضوح .
تتنوع حركات الممثل وأوضاعه / الراقص ، وقد يتحول الممثل فى حركته إلى بديل عن وحدة الديكور، أو يصبح كوحدة اكسسوار مكملة لتشكيل المجاميع فوق المنصة  ، ويتحرك الممثل حركات متعددة ولا نهائية ، وقد ينوع الممثل بين عدد من الحركات لتوليف منظومة حركية منسقة تقول ما لا يستطيع الحوار قوله . ويحدد الممثل أوضاع جسمه فى فراغ المنصة ، وفى علاقته بالممثل الآخر قرباً أو بعداً أو قد يتميز وضع الممثل بالامتداد لتحقيق السيطرة والقوة على المحيطين، أو يتقلص منكمشاً لإحساسه بالوهن أوالخضوع لمن معه فى المشهد أو لمرض أصابه . وقد  تشكل حركة الممثلين تكوينات مختلفة تتجمع فيها الشخصيات المسرحية بشكل منظم أو عشوائى حول إحدى الشخصيات التى  تبدو كبؤرة إشعاع تثير انتباه المتفرجين، وقد تشكل تموجات جسم الممثل مع باقى تموجات أجسام الممثلين الآخرين أشكالاً كموج البحر ، أو تصبح تشكيلاته أثاثاً ، أو يكون أداؤه حركياً صامتاً يعبر مثلاً عن فتح باب وهمي   .
 ويحقق الممثل جذباً لانتباه المتلقى من خلال وعيه بطبوغرافية المنصة ، محدداً نقاط القوة والضعف فيها بالإضافة لسيطرته على المكان دون إخلال بدرامية اللحظة ، ودون جَورٍ على ما ليس له – إذا لم يكن هو مركز اللحظة الدرامية ، وتتفاعل الكتل ثلاثية الأبعاد – وفقاً لرأى "أدولف أبيا"- والمبنية وفق أصول معمارية ذات مستويات متدرجة مع حركات الممثل للتعبير عن قدراته التعبيرية، وتتحول وحدات الديكور لوحدة تشكيلية تتألف من الخطوط الأفقية والعمودية والمائلة وتؤلف الجو المسرحى ، كما ذكر "أبيا" : "إِن الجو المسرحي يتألف من عدد صغير من الخطوط الأفقية والعمودية والمائلة يتم التنسيق الفنى فيما بينها" . وتتفاعل كل العناصر السابقة مع حركة الممثل أو الراقص لتجسد اللحظات والمعانى المختلفة فى العرض المسرحى. كما وقد تتضاد أو تتقاطع خطوط التشكيل للمنظر مع خطوط الكتلة النحتية للممثل لإحداث معانى التصادم والخلاف ، كما قد تتلاقى أو تتوازى خطوط المنظر مع خطوط الممثلين تشكيلياً لتقوية المعانى التى يطرحها العرض . وقد يكشف التناسب بين الفضاء المسرحى وما تشغله كتلة الممثل من حيز فى أثناء حركته قياساً للفضاء المسرحى عن معانى مختلفة . كما تلعب الإضاءة والموسيقى والمؤثر الصوتى والاكسسوار والملابس دورها فى تأكيد لحظة درامية كمفتاح لفهم المتلقى لتجسيد الممثل لشخصية فى دورها المسرحى، وتكشف العلاقة بين حركة الممثل فى المكان والزمان المسرحي عن طبيعة العرض المسرحى .أعين المتفرجين تتشكل مفردات تعبيرية من خلال إيماءته والتفاتاته أو وقوفه و جلوسه ، وتتفاعل تلك الحركات مع بعضها مكونة نغمة مركبة ، وتتميز حركات الممثل/الراقص بخصائص أساسية ستة هى : الاتجاة والقوة والسرعة والاستمرارية والتوقيت والكمية ، ومن خلال المعنى الخاص لكل من العناصر السابقة فى علاقته ببقية العناصر الأخرى يتحدد المعنى العام للحركة . و يرتبط اتجاه الحركة دائماً بشخصية ما من حيث الاقتراب أو الابتعاد عن نقطة مثيرة لاهتمام المتفرج  ، مما يجعل المتفرج يدرك نوعية قوى الدفع المتفاعلة فى الموقف . كما تساعد سرعة حركة الممثل على إدراك المتفرج للموقف ولحقيقة الشخصية ، فالحركة السريعة تثير حيوية المتفرج وانطلاقه النفسى والفكرى أكثر من الحركة البطيئة التى قد توحى بالخمود أو التأمل المتأنى فى الأفكار والتوجهات المعينة، والإيقاع السريع للحركة قادر على توليد إيقاع مماثل داخل المتفرج ، فى حين يوحى الإيقاع البطىء للحركة بالوقار،أما عنصر الاستمرارية فيتحدد بطول الحركة واستمرارها سواء فى الزمان أو المكان ، وترتبط استمرارية الحركة بطول الجملة المسرحية ، بمعنى أن طول الحركة يتواكب ويتوازى مع طول الجملة ، وقد يحرص معظم المخرجين على قصر طول الحركة وحدتها حتى لا يصاب المتلقى بالملل، إلا أن الحركة البطيئة قد توحى بأحاسيس الراحة والتناغم أو بأجواء الحلم والشاعرية. وطول الحركة رهن بالمسافة بين الممثلين أو بين الشخصية المتحركة والجماد الثابت ، كما يرتبط توقيت الحركة بتوقيت الجملة ، ويؤثر عدد الحركات الموجودة فى كل تتابع زمنى على حدة على قوة العرض ، فقد تكتسب بعض العروض مزيداً من القوة نتيجة وجود عددٍ  ضخمٍ من الحركات بها ، وأحياناً قد يفقد العرض كثيراً من معناه نتيجة للعدد الضخم من الحركات ، ويثير العدد الضخم من الحركات الإحساس بالطاقة والحيوية والسرعة اللاهثة والإثارة والعنف، وقد توحى العروض التى تقل فيها الحركة بالركود والتشتت والإكتئاب والضياع  .
تؤدي التكوينات المتكلفة للممثلين أو الراقصين  إلى نتيجة سلبية بسبب غلبة الصنعة، أما التكوينات البسيطة التي لا تخلو من تجديد فتلفت الانتباه لها بشكل واضح وصريح. كما تتفاعل التكوينات الحركية للممثل وعلاقتها بالملابس وإطار الصورة المسرحية ومحتوياتها. ويرتبط معنى حركة الممثل بحركات الممثلين الآخرين معه على المنصة، كذلك ترتبط حركته بقطع الأثاث وبفتحات الجدران ، وذلك يعنى أن حركات الممثل فى فضاء المنصة عبارة عن سياق من التفاعلات مع ما يحيط به  . وقد لا تمثل المنصة بالنسبة للمصمم والراقص - فى بعض العروض- إلا ساحة للرقص أمام خلفية مناسبة للايماء ، أما الزمن- فليس الزمن الدرامى المتعارف عليه فى المسرح وإنما يمثل مساحة أخرى وهمية يجرى تقسيمها بالتناسب والتوافق مع حركة الراقص فى المكان  .
تُستَخدَم حركة الجسم كأداة للتعبير والتوصيل بين الممثل والجمهور ، وتجسد الحركة الأفعال والدوافع لهذه الأفعال بمختلف درجاتها ، ومن خلال الحركة يستطيع المتفرج أن يعرف الأفكار فى ذهن الشخصيات ونياتهم  . والحركة بالنسبة للجسم عبارة عن منظومة متكاملة لابد أن تستجيب كل عناصرها للانفعال ، وإن اختلفت درجات الاستجابة . وتجذب الحركة انتباه المشاهدين من خلال الاقتراب من بقعة إضاءة مثلاُ ، أوبمفاجأة المتفرج بإيقاع مختلف ومتناقض. ويتحدد المعنى فى العرض من خلال حركة الممثل فى تعامله مع خطوط جسمه التشكيلية وخاصة فى بعدها الرأسى والمتعلقة بـ" الرأس / الرقبة/الجذع/الأطراف" وعلاقتها فيما بينها أو بغيرها فى الفراغ المسرحى (رأسى / أفقى) . وقد يحدد الممثل تقنية حركية ما ، فإذا عَبَر الممثل منصة المسرح من كالوس لآخر مثلاً بينما ينظر خلفه مذعوراً فيُعبِّر ذلك عن كونه مطارداً، أما إذا تحرك على المنصة فى دوائر مغلقة فيُعَبِّر عن وقوعه فى مأزق . ويبتكر الممثل عدداً من الحركات للتعبير عن مشاعره ، فقد يتحرك جيئة وذهاباً مرات عديدة للتعبير عن القلق أو عدم الاستقرار أو الصعود والهبوط لدرجات السلم ، أو عدم إكمال الجملة المنطوقة مع الحركة 


المصادر والهوامش 
---------------------
  صالح سعد،ميتافيزيقا الحركة. :دراسات فى الدراما الحركية والرقص، الهيئة العامة لقصور الثقافة،1995، ص13
* اصطلاحاً "البانتوميم" مشتق من الكلمة اليونانية (Pantomimus) تطلق على المواقف الصامتة في المسرحيات الحديثة ويقوم بالتعبير عنها بحركات الممثلين الجسدية التي لا تصاحبها الكلمات وقد شاع في العصر الحديث (التمثيل الإيمائي) مرادفاً لمصطلح "البانتوميم".
  - نبيل راغب.فن العرض المسرحى . الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان.1996.ص127
** جاك ليكوك  Jacques Lecoq: (1921-1999) ممثل ومخرج ورياضي وكوريغرافي، و يعتبر من أهم المخرجين المعاصرين الذين أرسوا الإخراج المسرحي على أساس الواقعية الجسدية وشعرية الحركة، واهتم بفن الجسد وبلاغة الحركة ومسرح الألعاب البدنية والرياضية. ومن ثم يتميز مسرحه بالديناميكية الأدائية ودراسة الإشارات اللفظية والإيماءات الصامتة والكوريغرافيا البصرية والمايم التجريدى ، أوجد نظرية جسدية تسمى بالواقعية الجسدية التي تستند إلى تطويع الجسد بطريقة ديناميكية لينسجم مع إيقاعات الموسيقى وجماليات السينوغرافيا المشهدية.
  - شاكر عبد الحميد، الخيال من الكهف إلى الواقع الافتراضي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد:360، فبراير 2009م.
  - محمد غنيمى هلال . الثقافة وأجهزتها بين الكم والكيف.مجلة الكاتب العدد 25. ابريل 1963.دار التحرير للطبع والنشر .القاهرة. ص12
  صالح سعد، ميتافيزيقا الحركة :دراسات فى الدراما الحركية والرقص، الهيئة العامة لقصور الثقافة،1995، ص14-24
  جوليان هيلتون . اتجاهات جديدة فى المسرح.ترجمة أمين الرباط .مركز اللغات والترجمة اكادمية الفنون.1995م.ص21

  نبيل راغب. فن العرض المسرحى .ص145
  - الممثل والدور المسرحى. ص142
  نبيل راغب. فن العرض المسرحى.الشركة المصرية العالمية للنشر-لونجمان. 1996. ص154
  رضا غالب.الممثل والدور المسرحى . أكاديمية الفنون .2006.ص143
  المرجع السابق. ص190
  المرجع السابق. ص157-190
  المرجع السابق . ص213
  المرجع السابق . ص156

  .نبيل راغب .فن العرض المسرحى.الشركة المصرية العالمية للنشر-لونجمان.1996.ص107
  نبيل المرجع السابق. ص120-123
  المرجع السابق. ص120-123
  المرجع السابق. ص155
  صالح سعد، ميتافيزيقا الحركة. :دراسات فى الدراما الحركية والرقص، الهيئة العامة لقصور الثقافة،1995، ص15
  نبيل راغب، فن العرض المسرحى.الشركة المصرية العالمية للنشر-لونجمان.1996 . ص150-151
  المرجع السابق. ص 150-155
  رضا غالب.الممثل والدور المسرحى . أكاديمية الفنون .2006.ص143-146

الأحد، 7 مايو 2017

المخرج المسرحي الهادي بوكرش: "مشروعي الاشتغال على روايات أحلام مشتغانمي ركحيا"

"إبرام اتفاقية ما بين المسرح الوطني والمعهد العالي لفنون العرض"

بوعلام سعيداني محافظ المهرجان الوطني للمسرح النسوي الجامعي : "نسعى للارتقاء نحو طبعة مغاريبية"

إعداد القصص والروايات في المسرح العراقي

مجلة الفنون المسرحية

إعداد القصص والروايات في المسرح العراقي / فيصل ابراهيم المقدادي   

فيصل ابراهيم المقدادي

هناك مسرحيات وتمثيليات روائية مأخوذة عن قصص أو روايات جرى مسرحتها اوتطويعها لهذه المجالات، الا ان هذا يتطلب جوابا واضحا على الاسئلة الهامة التالية بعد قراءة النص وهي :
1. كم عدد المشاهد المختلفة في الرواية التي تحولت الى مسرحية اوتمثيلية في مشهد واحد؟
2. هل يشمل العمل الابداعي المسرحي المعد على مشاهد واحداث لم تكن موجودة في الرواية؟
3. هل الذروة واحدة في كل من العمل المسرحي اوالقصة؟
4. هل من رأيك ان العمل المسرحي المعد (مبني) اساسا على الاصل الذي اعدت منه؟ واذا كان الامر كذلك فلماذا؟
واولى خصائص قدرة المؤلف على استكشاف المادة الدرامية ذخيرته من المعرفة بالجمهور (الناس) وسلوكه وبصيرته القوية بكل ما يحيط به وبهم ثم خياله الحي .
وعلى الكاتب المسرحي ان يتذكر وعلى الدوام بانه يكتب عن قوم معينين وعن تجاربهم لجمهور من الناس لهم تجاربهم الخاصة وعمل الكاتب الدرامي هوان يزاوج بحيوية بين تجارب شخصياته المسرحية وبين تجارب جمهوره وان يربط بين هذه وتلك برابطة السمات المشاركة العامة التي يخضع لها كلا الطرفين، جاء في كتاب البصائر والذخائر :
(ينبغي ان تعلم ان من اراد خطابه البلغاء على طريقة الادباء ومجاراة الحكماء على عادة الفضلاء، احتاج ضرورة الى تقديم العناية باصول الاساس وحفظ فصول هي الاركان، ولن ينفعها تقديمها دون احكامها، كما لا يجدي عليه حفظها دون عرفانها، فمن اوائل تلك العناية جمع برد الكلام، ثم الصبر على دراسة محاسنه، ثم الرياضة بتاليف ما شاكل كثيرا منه اووقع قريبا اليه، وتنزيل ذلك على شرح الحال الا يقتصر على معرفة التاليف دون معرفة حسن التاليف، ثم لا يقف مع اللفظ وان كان بارعا وشيقا حتى يغلي المعنى غليا، ويتصفح المغزى تصفحا ويقضي من حقه ما يلزم في جكم العقل ليبرأ من عارض سقم، ويسلم من ظاهرة استحالة ويعتمد حقيقته اولا ثم يوشيه ثانيا، ليترقرق عليه ماء الصدق ويبدومنه لألاء الحقيقة، ولن يتم ذلك حتى يتجنب غريب اللفظ ووحشيه ومستكرهه وبدويه، وينزل عن ربوة ذي العنجهية واصحاب اللوثة وارباب العظمة بعد ان يرتقي عن مساقط العامة في هجر كلامها ومرذول تاليفها) حيث يضع شروطا محددة لتحقيق الاسلوب البليغ والحكيم تتلخص في :
1. العناية باصول واركان البلاغة وتقديمها محكمة عميق الدراية بها .
2. التدقيق في الالفاظ واختيار الجميل منها .
3. تنزيل اللفظ على المعنى المقصود دون ان يغريه اللفظ الجميل ويقف عنده فيقع في سقم وشكلية لا قيمة منها .
4. وبعد التاكد من مطابقة الصورة للمضمونة، يعود لتشويه ماابدعه فيحذف اللفظ الغريب المستكره، كي لاينعزل في اسلوبه مع ذوي العنجهية والترفع الكاذب، وهم المتحذلقون، ولا ينغملر في اساليب التاليف الرخيص الذي يمارسه العامة والمتطفلون على البلاغة .
ان الحذر ضروري جدا خاصة من الايغال العفوي في موسيقى الكلمات خاصة تلك التي تجعلها شديدة الطنين والجرس، وبعدها عن جدية المعنى وجلال الحكمة والفلسفة المقصودة احيانا والانتباه الى ان لغة المسرحيات يجب ان تتميز في تنويع العبارات رغبة في استعمال اقصى مالدى المؤلف من مخزون الكلمة. و(سلاسة الطبع لاتعني التلقائية العفوية، بل لابد من ثقافة ودراية لجميع القواعد والاصول، والبلاغة هي (الصدق في المعاني مع ائتلاف الاسماء والافعال والحروف واصابة اللغة وتحري الملاحة المشاكلة برفض الاستكراه ومجانية التعسف) وبلاغة النص حسب: (الامتناع والمؤانسة ج 1 ص9) هومركب من اللفظ اللغوي والصوغ الطباعي والاستعمال الاصطلاحي ).

أهمية إعداد وعرض المسرحية الجيدة

(ان عددا من  قصص وروايات: جليل القيسي ومحمد خضير ومحي الدين زنكنه جديرة بالمسرحة)
اهمية المسرحية الجيدة :
1. التأثير الايجابي في افكار الجمهور .
2. التأثير الايجابي في قناعة الجمهور .
3. ماتضيفه المسرحية من خبرة حياتية جديدة وتعميق مفاهيمها للحياة .
4.     اغناء تفكير الجمهور واثارة الشعور لديه عن طريق الصورة اللغوية الخاصة ويرتبط هذا بالالهام والعبقرية الفنية الخاصة بالمؤلف والمخرج .
5. يعبر المسرحي عن تجربته وفهمه العام للحياة بصدق عن احوال المجتمع وبهذا يحقق ذاته في الجماعة سعيا للتاثير فيهم وكسب رضاهم ووسيلته الى التاثير وهذا الكسب يحدث فيما يعنيهم يتاثر بالمجتمع ثم يحاول التاثير فيه كما بالنسبة لغالب مسرحيات : ( طه سالم ونور الدين فارس ) وبذلك يختلف عن (المسرح التجاري) الذى يخضع للارادة الانية للناس و(لمردود شباك التذاكر) ويترك المجتمع يدور في نطاق ذاته دون ان يضيف اليه اية قيمة جديدة. وهذا ماحصل في العراق (ايام الحرب العراقية الايرانية) حيث قدمت المسرحيات التجارية التي نقلت ثقافة الغجر والمتعة الرخيصة للمسرح والتاليب (ضد الفرس).
6. تظهر اثار المسرح في المجتمع بما يقدمه اليه من قيم جديدة تساعد على تغييره وتشكيله، ومثالها مسرحيات :
1 - فرقة المسرح الفني الحديث  وعروض مسرحيات :
1-اني امك يا شاكر
2 - ماكوشغل
3 - ست دراهم
4 - انا ضمير المتكلم 
5 - الشريعة
6 - الخان
7 - النخلة والجيران
وما قدمة اساتذة معهد وكلية الفنون- في الستينيات والسبعينيات من قرننا الماضي :
1 - هملت
2 - يوليوس قيصر لشكسبير
3 - القرد كثيف الشعر ليوجين اونيل
4 - كلكامش وغيرها ..
 2 – ما قدمته فرقة المسرح الشعبي وفرقة مسرح اليوم :
   1 - اشجار الطاعون
   2 - الغريب
   3 - العطش   والقضية
   4 - البيت الجديد
   5 - فيتروك ... وغيرها
 7. موقف المؤلف المسرحي والمخرج من المجتمع  بالتأكيد ان للمسرحي فرديته  لكنها تتحقق ايضا بوجود المجموعة  وله عبقريته المبدعة وما يبدعه المسرحي ويخلقه لا تكون له قيمة الا بما ستتركه من اثر في المجموعة  فالمسرحي بشكل عام قيمة  انسانية اجتماعية حتى لوتقاطعت مع ارادة الانظمة الظالمة  وهناك امثلة عديدة  في تاريخ المسرح الروسي (بوشكين وعدم رضا القيصر على مسرحياته منع العديد من مسرحيات  فرق المسرح الفني الحديث بالعهد الملكي وحكم حزب البعث.. الخ. محاولة الانظمة الظالمة شراء مسرحيين ومحاولة توضيب عروض مسرحية ومخرجين لصالح الحاكم.....الخ) كما حصل مع مسرحيات: الفرس وزبيبة والملك.... وغيرها...


الكاتب والمخرج المسرحي.. علاقة متوترة

مجلة الفنون المسرحية

عندما يتناول مخرج ما مسرحية لعرضها، ما الذي يمنع الكاتب من حضور البروفات المسرحية؟ وعندما يحضر الكاتب سيجد المخرج نفسه في موقف حرج لأنه قد يغيّر بعض الجمل أو يعدّلها وفق خطته الإخراجية. لكن لماذا الحرج طالما هو الذي يقود السفينة إلى فضاءات النجاح عبر توزيع الأدوار على الممثلين رغم وجود الكاتب الذي لن يكون ربان هذه السفينة الآن على الإطلاق ولا هو صاحب السلطة المطلقة التي يجب أن يكون فاعلاً فيها بطرق مختلفة؟‏‏ اذا كان الكاتب المسرحي شخصاً معروفاً مثل ديفيد ماميت أو نيل سيمون أو توم ستوبارد، فسلطته وفاعليته محصورة في كثير من الأحيان بمناقشات مستمرة بينه وبين المخرج حول ما يحتويه النص من إشارات وحوارات ومواقف وحالات وحتى إرشادات إخراجية متفق عليها والتي يمكن للمخرج الاستفادة منها أو لا، وإذا كان المخرج يتعامل مع كاتب جديد، عندها قد يفكر في ترتيب المشاهد واستبدالها بحيث تكون أكثر فعالية في العرض.‏‏ أول شيء يدركه المخرج هو أن العديد من الكتاب المسرحيين الجدد لا يفهمون العملية التي تحول النص المسرحي إلى فن العرض المسرحي عبر مجموعة من الناس الموهوبين، مثل الممثلين والمصممين السينوغرافيين والدراماتورج وما إلى ذلك، والذين يعيدون تشكيل المادة الأصلية إلى فعل وأداء حركي ومناظر مسرحية. في بعض الأحيان، قد يجري المخرج تغييراً في رؤية الكاتب الأصلية ومقولته لتحقيق أمر ما يكون لصالح العرض، ما يؤدي إلى استياء الكاتب، لكن هناك بعض الكتاب يجدون صعوبة التخلي عن صورة مسرحية في النص والذهن، إن لم نقل استحالة التخلي عنها، والذين يصرون على توالد الصور التي تشكلت أول مرة في خيالهم عند كتابة النص بشكل ملموس.‏‏ أنا لا أرى أن فقدان الصورة/ المشهد يتطلب تغيير طبيعة العمل الأصلية وروحه، إلا أن فعل التفسير/ التأويل يفتح الأبواب على مفاهيم جديدة وإثارة أسئلة عن ماهية الكاتب وإبداعه. لكن إذا كان الكاتب يعترف أن نصه يتحول من نوع أدبي إلى نوع آخر فني/ مرئي، فلكل نوع أدواته وشروطه ومتطلباته تنجر إلى حالة الفوضى في بداية الأمر ثم تنتظم في إطار رؤية المخرج.‏‏ من الضروري أن يحضر الكاتب العديد من بروفات القراءة مع الممثلين والجلوس معهم إلى الطاولة الحوار لقراءة النص المقترح معاً، وبدوره يقدم الكاتب أكبر كمية من الاستفسارات والمعلومات والمعرفة للمجموعة كما أنه يمكن أن يقدم لكل حركة معان متعددة ومفتوحة، وأن يكون لديه فرصة للرد على الأسئلة بحيث يقدم للممثلين معاني واضحة من دون غموض، وينبغي أن يمنعهم من حضور البروفات الخاصة بينه وبين المخرج، قد يبدو هذا غير مستساغ، لكنها عملية ناجحة.‏‏ يبدأ الممثلون البحث عن الخطوط الدرامية وأفعال الشخصيات تبريراً لصياغة تحركاتهم على الخشبة، ولا يستطيعون اقتراح أي شيء إذا كان الكاتب موجوداً لأنهم ليسوا متأكدين فيما إذا كانوا يدركون أن حالة الفوضى أو التشكيل الحركي مؤقتة أم لا، وستتغير هذه الحالة كلما استمرت البروفة، ومن الضروري التأثير على جزء من عملية البحث والعثور على طريقة وأسلوب التمثيل، وهم مدركون بشكل مؤلم لحقيقة أن كل شيء في حالة فوضى، حالة الفوضى تسبق خيارات حاسمة من قبل المخرج الذي من شأنه أن يضبط العمل ويطبع عليه بصمته الإبداعية الخاصة.‏‏ ذات مرة كانت المسرحية جاهزة للعرض، وكان ينبغي دعوة الكاتب المسرحي إليها لحضور البروفة الأخيرة «الجنرال» ومشاهدة العمل في حالته البدائية، في هذه الحالة ستتكون لديه فكرة بالطريقة التي يتحرك فيها الممثلون واستخدام مكونات العرض الأساسية، وإذا كانت لديه اعتراضات قوية على هذه الطريقة، فمهمة المخرج شرح وجهة نظره له باعتباره الصوت المدافع عن العمل للتعبير عن الرؤية الإخراجية وتحركات الممثلين عندها سيحصل المخرج على انطباع حول كيفية الانتقال من حالة المسرحة إلى حالة الإبداع.‏‏ إن غياب الكاتب عن البروفات يعطي مبرراً قوياً لاستكشاف الموضوعات والمواقف التي لا تقدر بثمن والتي ربما تكون على خلاف مع مقولة الكاتب، وتكون ردود أفعاله وثيقة الصلة بتلك المرحلة، ويتعين على المخرج النظر فيها في هذه اللحظة، حيث يلهم الكاتب نفسه لتغيير وتعديل أو حذف أو إعادة النظر فيما كتبه عندما يقدم المخرج فرصة لمواجهة المشاكل مع النص، ومن ناحية أخرى تكون فترة البروفة غير واردة في الزمن.‏‏ إن المخرج والكاتب يقيمان العمل بصراحة بحيث يتفقان أو يختلفان على تحويل مقترحات النص الأدبي إلى عرض مسرحي منسجم أو متقارب في رؤية واحدة لتصور الشكل النهائي للمنتج. فصدق المشهد من قبل الطرفين قد يوفر فرصة كبيرة لتقديم عمل مشترك وناجح بينهما، وفي الوقت نفسه يقدم كل واحد البراهين والمبررات لمعالجات النص في محاولة لاستيعاب الطريقة الجديدة في الكتابة والتمثيل وشكل العرض.‏‏ ورغم انتقادات الكاتب المسرحي على العرض ودفاع المخرج عنه، يجب أن تنتقل هذه المناقشات والانتقادات إلى الممثلين ليتمكنوا من معرفة تأثير العرض على المتفرج بأسلوبهم الخاص. لا يستطيع الكاتب تعزيز عدم ثقة المخرج بنفسه وبالآخرين من اكتشاف فجائي عندما يستجيب الممثلون لملاحظات الكاتب بدلاً من الاستجابة لملاحظات المخرج، وهذا ليس غروراً بقدر ما هو تحدٍ، فالكاتب ببساطة لا يملك لغة العرض وليست لديه خبرة تقنية وقد لا يعرف معالجة المشاكل التي تظهر أثناء البروفات مع الممثلين والمصممين، بعكس المخرج الذي تكون لديه الجرأة في معالجة الإشكاليات ومتابعة الخطوط الدرامية والمشهدية البصرية/ السينوغرافية، وبالتالي فالكاتب المسرحي يجب ألا يتدخل في عمل المخرج ولا في آلية التواصل ويبقى متفرجاً لأن هناك مهمات منوطة لكل فاعل في العرض بالاتفاق مع الجهة المنتجة.‏‏ ربما يكون الكاتب المسرحي على معرفة بإبداء الملاحظات للممثلين حول خطأ الأداء وصوابه وليس حول أسلوب الأداء أو طريقة التعبير، فهو عادة لا يستخدم المفردات العادية ولا خلفية مسرحية لمعرفة كيفية تصحيح ذلك. باختصار لا ينبغي أن يقدم سلسلة من الأوامر في عملية الإنتاج، وفجأة يتم تدمير كل ما قدمه المخرج كما أنه يبث القلق إلى الممثلين السينمائيين والمخرجين الجدد وحصول نتائج عكسية واضطرابات مميتة لنوايا الكاتب المسرحي والمعالجة الخاصة به.‏‏ عندما أخرجت الثلاثية التي كتبها موراي تسيغال في لندن «في الواقع كان هذا أول إنتاج احترافي للكاتب» كان الكاتب متوتراً يصعد ويهبط في الممر الخلفي للخشبة يفرك يديه ويتمتم في قلق وتهيج مع ممثليّ العمل، لدرجة أن الممثلين أنفسهم اشتكوا لي بأنهم لا يستطيعون معرفة ما يجري والقيام بالبروفة لأن الكاتب منزعج جداً من أدائهم، فشرحت ذلك للكاتب للمحافظة على الروح المعنوية للممثلين ثم منعته من حضور البروفات اليومية حتى يجهز العرض تماماً. كان هذا في بداية مهنة السيد تسيغال الكتابية بلا شك. أعتقد أن هذا التصرف لا يشجع أي مخرج على تقديم مسرحيته على الخشبة، ولكن كان خياري بسيطاً، إما أن يبقى الكاتب والممثلون ليتحول العرض تدريجياً إلى حالة فوضى سيئة أو أن يخرج الكاتب من المسرح ثم أستأنف العمل، لم يكن لدي أي تردد في اتخاذ قراري الثاني.‏‏ دُعيت إلى إخراج مسرحية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. كنت أعرف الكاتب ومسرحيته، وكانت المسرحية بحاجة إلى إعداد، فجهزتها للعرض بشكل جدي، وكنت أعرف مشكلة الكاتب لأن لي تجربة سابقة معه، فاضطررت إلى إجراء تعديلات وحذف بعض المقاطع بسبب الإنتاج. ولتفادي تكرار هذا الوضع اتفقت معه أن هذا الإجراء بسبب قلة التمويل فوافق مباشرة من دون تذمر. وأنا من جانبي جعلت البروفة في وضع مريح، وذلك بعد القراءات الأولى التي من شأنها أن يترك البروفة على أن يعود إليها عندما يتطور العمل، يتقبل الكاتب أخلاقيات العمل على مضض.‏‏ أثناء البروفات عملت على اقتصاديات الدلالة من النص لحماية العرض من حالة الفوضى المفرطة من قبل الممثلين الذين كانوا حريصين على المحافظة على سير البروفة كما يجب أن تسير. يمكنني القول إن العرض لاقى قبولاً من قبل الكاتب والجمهور على حد سواء، لكن تلك كانت حالة فريدة من نوعها، عادة، تبدأ البروفات مع اختصار النص بالفعل وصولاً إلى الخشبة، في هذه الحالة، كان الأداء مع بعض التجاوزات بحاجة إلى ضبط التشكيل الحركي الذي يتعين تقييمه بعناية قبل اتخاذ قرار الاختصارات والتعديلات بحيث يكون العمل الفني مغلفاً من الخارج بوشاح النجاح.‏‏ العمل مع الكاتب المسرحي الذي اختاره المخرج لتقديم مسرحيته على الخشبة هو دعوة إلى وليمة فاخرة، بشرط ألا يفسد هذا التعاون البروفات والتي تنعكس سلباً على الجهة المنتجة وعلى الجمهور الذي دفع ثمن البطاقة.‏‏

-------------------------------------------------------
المصدر : تشارلز مارو/ ترجمة: سناء عرموش

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption