أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 5 يونيو 2017

يوحنا يتغنى بسالومي على خشبة المسرح القومي بلندن

مجلة الفنون المسرحية

يوحنا يتغنى بسالومي على خشبة المسرح القومي بلندن

هالة صلاح الدين

المخرجة ييل فاربر تنطلق من موقع النسوية لتنزع الستار عن أسطورة قاتلة الأنبياء وتتفحص موضعَ هذه المرأة في التاريخ في إطار سرديات قهر نون النسوة.

ندعوها “سالومي” رغم أن الكتاب المقدس ترفَّع عن ذكر اسمها، إنها أسوأ امرأة سمعةً في تاريخ الأديان. وقطْع رأس يوحنا المعمدان بطلب منها، وهو النبي الذي بشَّر بالمسيح وعمَّده، هو أشد اللحظات قسوةً ووحشيةً في الكتاب المقدس. لطالما صورته الآداب الغربية فيما انكمشت عن تصويره الآداب العربية هيبةً وتبجيلاً.

في الملحمة التراجيدية “سالومي” على خشبة لورانس أوليفيه بالمسرح القومي بلندن نشْهد على مدار ساعة وخمس وأربعين دقيقة عرضاً لا يتقيد بقواعد المسرح المألوفة مخلخلاً ما درج عليه المسرحيون من مواضيع وتقنيات دراماتوروجية.

المسرحية ناطقة بالعربية والآرامية والعبرية والإنكليزية، وتحوي سطوراً من سفر نشيد الإنشاد بالكتاب المقدس ومونولوجات وغناء باللغة العربية. استعانت فيه المخرجة اليهودية الجنوب أفريقية ييل فاربر بممثلين من مختلف الجنسيات، منهم مغنية الأوبرا السورية الأولى لبانة القنطار التي تشدو بأعذب الأصوات، وعلى رأسهم مؤدي دور يوحنا المخرج والممثل السوري رمزي شقير الفائز بجائزة أفضل ممثل عن دوره في هذه المسرحية بمدينة واشنطن.


مكيدة سياسية

تروي امرأة بلا اسم في العرض الأزمةَ التاريخية على طريقة الفلاش باك. لا توثِّق نزاعاً بين رجل دين وفاسقة، بل تعيد ابتكار شابة أوعزت إليها أمها الملكة هيروديا بطلب رأس يوحنا كمكافأة على الرقص عاريةً في حفل أقامه الملك الداعر هيرودوس أنتيباس وسمعناه فيه متلعثم اللسان من فرط الخمر.

في البداية تظهر الفتاة، وتقوم بدورها إيزابيلا نيفار، بعينين محملقتين وشعر هائج. كما نرى علية القوم يتجمعون حول مائدة طويلة بما يوحي بعشاء المسيح الأخير. وعلى المائدة المشؤومة ذاتها تقف سالومي حافية بالية الملابس كما الشبح وهالات الضوء تتشتت حولها هنا وهناك.

تُبْطن مفارقات طنانة لا تفصح عنها إلا في الوقت المناسب. تحجب وتكشف كيفما بدت وتشي بما لا تستوعبه أذهاننا وهي تخطب فينا أنها “لم الشمل وانفضاض الجمع″. تعلن كذلك أن الخرس سوف يحط علينا على حين يصدح صوتها جهاراً. وبين الحين والآخر نستمتع بالشعائر والطقوس، فالمسرحية تشدد على الروحانيات في لوحات إنسانية حية تُردد أصداء شكسبيرية. وفي الوقت ذاته يداخلها الكثير من النحيب الأوبرالي وستائر الرمال الذهبية تنسدل من السماء كناية عن الجفاف والقحط.



حلم استراتيجي

تتجاوز هذه القصة بصبغتها الثورية تلك النصوص التي تناولت مقتل يوحنا في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ففي معرض مكيدتها ضد “المتعصّب” كما تطلق على يوحنا، تضمر الملكة التاريخية حلماً استراتيجياً. إذ تعتقد أن يوحنا يدمر الدولة ويحرّض الشعب على هدر أخلاقي واقتصادي مستحدث يناصره الملك هيرودوس.

ليس بمقدورها قتله حين تشاء. فالأمة صحراوية لا تملك من أمرها شيئاً غير أنها تبجّل الأنبياء. ويوحنا من سلالة داوود التي أرسلت للبشرية الأنبياء. ولو قتلته لانطلقت الشرارة لرفع السلاح وتقوضت الإمبراطورية على رؤوس الرومان المحتلين.

وفي سياق متصل، لا يكفّ يوحنا عن تأليب الشعب على قبوع الرومان في المملكة. وقد كانوا أكثر حنكة وأدرى بدهاليز السياسية فطلبوا من الملك ألا يقتله كيلا يصنع منه بطلاً وشهيداً وتنشب ثورة بين القوم، ولكن أن يعتقله خارجاً عن القانون فيغيب عن الأذهان.


ناسك الشعب

على حين يطالعنا الرومان في ملابس ملحمية ترفل في الترف، يبدو يوحنّا ناسكاً مرآةً لشعبه وهو يتجوّل شبه عار في أجواء عتيقة موحلة في الشظف. وبالمثل يرتدي العامة ملابس حائلة جديرة بمن لا تسعفهم الحياة بسف التراب.

وهذا الراديكالي ساكن البرية يضرب عن الطعام في محبسه كي ينهي حياته بيديه. وعندما تزوره سالومي، يشير عليها بقتله. تهمس إليه بأنها تسمع صوت الموت بالقصر فينهي إليها بأن الموت قادم من أجله. فيوحنا -رمز الدين في الضواحي والقرى- يدري أن العالم سوف ينتفض احتجاجاً مع أنفاسه الأخيرة. ترُد كلماته إليها عنفوانها بعدما خفق قلبها بحبه غير أن قلب سالومي ملك للأرض، غايته تشييد مفاهيم تبلي أسس البطريركية وتُحرر الشعب من الأغلال.


العسل والجراد

تلعب اللغة العربية دوراً رئيسياً في الفضاء الدرامي لهذا العمل. يقول يوحنا في مونولوج مهيب بلغة الضاد وقد شكَّل حروفها تشكيلاً سليماً ليخلق إيقاعاً جميلاً، “أنا لا آكل أبداً طالما أن قومي يتضوّرون جوعاً. العسل والجراد سيكفيني. لن أتطهر إلا بالمياه الحية العذبة. ولن أدفع لأحد كي أعرف ربي. الأرض حرة عندما تكون موحدة. فماذا ينفع الإنسان إن جنى العالم كله وعانى من خسران روحه”.

ثمة دلالة لكون يوحنا هو الوحيد الذي لا يتحدث الإنكليزية. ربما تعتبرها المخرجة مرادفاً للكولونيالية أو لأنه الوحيد الذي لم ينحن للرومان في مقابل منافع سياسية أو مادية. كانت اللغتان العبرية والآرامية هما السائدتان في عهد يوحنا المعمدان ودخول العربية إلى النص خلَق من العرض توليفةً كوزموبوليتانية لعل مصدرها إدراك المخرجة لأهمية تضحيات المرأة العربية ووجودها الخلاق. كما جاء صوت الرجل العربي في النضال حتى لو بذل رأسه في سبيل تحرر المرأة وقيادة هذا التمرد.


إرث السلطة

سوف يتوقف القارئ قطعاً أمام كلمة “الاحتلال” الرامزة إلى السيطرة بكافة أشكالها. ويحوي العمل إشارة مباشرة إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين حين يشرع اليهود في التلويح بالأسلحة. ولكن الكلمة لا تعني بالضرورة احتلال الأرض، بل تتعداه إلى احتلال القويّ للضعيف أياً كان. وأيضاً جميع السمات والنُسُق التي تنم عن كلمة “هيمنة”، ومنها سيطرة الذكر على مصير المرأة وهويتها أو تعدي دين على دين آخر. أو الاحتلال الروحي، وهو أبشع من المادي وأذل.

لم تسْلم سالومي من عذاب نفسي بعد تعرضها للاغتصاب على يد زوج أمها الملك فصار جسدها رمزاً لدولتها المحتلة. وقد تعمدت أن ترتدي ثوباً أبيض بعد عريها كناية عن نقاء الثورة. ومن موقعها على هامش السلطة، ودت أن تجدد روحها وتنفُض عن وجهها إرث الاحتلال النجس.


أسطورة القاتلة

هكذا تنطلق المخرجة من موقع النسوية لتنزع الستار عن أسطورة قاتلة الأنبياء وتتفحص موضعَ هذه المرأة في التاريخ في إطار سرديات قهر نون النسوة. تسجِّل استنكارها للكاتب الأيرلندي أوسكار وايلد الذي أبرز النساء في مسرحيته “سالومي” على نحو شهواني أو خانع متآمر. لا تجلب إلينا سالومي طيفاً مغوياً يرهبه الرجال، وإنما تنبذ التاريخ لتستعير من الخيال إحالات متتابعة على قوة المرأة وترسمها طامحة في مستقبل يستفزّ انشغالات وأسئلة حول صورة المرأة المتمردة من جانب والمرأة الضحية من جانب آخر.

ولأول مرة لا نراها مجرمة، وإنما رصاصة الرحمة يسددها يوحنا إلى صدره. سالومي هي مثال الأرض التي لا تدجّنها السلطة. ومن امرأة لا تستحق اسماً في النص المقدس إلى أميرة لسفك الدماء في مسرحية وايلد، ظلت المرأة مقموعة الصوت في التراث الديني والفني حتى هذه اللحظة التي غدت فيها عاملاً فعالاً على الحراك المجتمعي.

ولا ريب أنها لا تخذل يوحنا المؤمن بأن كل خير نابع من المرأة وكل خير ينبغي أن يعود إليها. يتغنى بسالومي قائلاً، “أنت السهول والحقول الواسعة المتصلة. أنت المنحدرات، أنت الوديان”. ومقصده أن تستعيد الأرض كرامتها. لا يودّ أن يتواصل احتلال سالومي أو استغلالها “ارجعي تملكِين نفسك”.

وحين يجري السيف على رقبة يوحنا في مِئزره، نتذكر أن شقير الذي ينعتونه بالفنان “العتيق” هو نفسه من زوار السجون السورية. يعتقد أن الثورة السورية كانت في أشهرها الأولى من أنبل ما مرّ على تاريخ سوريا الحديث. وكان قد ذكر أنه استلهم تفاصيل شخصية يوحنا من صور شهداء التعذيب السوريين العراة، والتي سربها المصور القيصر -عسكري منشق عن النظام السوري- إلى الإعلام.

وهذا يعيدنا من جديد إلى سياق غزو الرومان لمنطقة يهودا الفلسطينية، فالمسرحية تقلب الحكاية الشائنة رأساً على عقب لتتمركز سالومي في قلب المقاومة الحرة. ها هو ذكرٌ يبذل رأسه طواعية في سبيل رفعة المجتمع ونصرته. وها هي أنثى تشق عالم الذكورة السلطوي مغتصب الأرض والمرأة والدين تحت دعوى الحماية. وفكرة القتل ذاتها تسمو سالومي بها وتؤطرها في قالب جمالي مرجعيته المثلى هي الثورة.

------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

الانبهار بالتجريب في المسرح

مجلة الفنون المسرحية

الانبهار بالتجريب في المسرح

عواد علي 

التجريب أخذ منحى فنياً وفكريا. ثم ارتبطت حركة التجريب في المسرح بتطور العلوم الإنسانية وتأثيرها على مناهج قراءة المسرح.

ينبهر الكثير من المخرجين المسرحيين الجدد، أو الشبّان، في العالم العربي اليوم، بمصطلح “التجريب”، سواء كانوا يمتلكون القدرة والخبرة والثقافة التي تؤهلهم لخوض غمار التجريب، بمعناه الحقيقي، أو يفتقدون إليها. ويُعزى انبهارهم، في معظم الأحيان، إلى إحساس داخلي يغلفه الوهم بأن حضورهم المتميز في الوسط المسرحي، لا يتحقق إلاّ بتقديم تجارب إخراجية تتفوق على التجارب السائدة، من دون أن يكون لأغلبهم إسهام فعلي في هذه التجارب بما يكفي لاكتشاف مكامن الخلل فيها والتوق إلى التحرر من مواضعاتها ومظاهرها التقليدية. لذلك نادراً ما ينجح بعض هؤلاء المخرجين في صوغ عروض مسرحية ذات طابع تجريبي، تتسم بالابتكار والاجتهاد والمقاربة الخلاقة أو التأويلية للنص المسرحي، وهي من اشتراطات التجريب.

رافق التجريب المسرحي، من الناحية التاريخية، المسرح منذ نشأته في الحضارات القديمة؛ فالممثل اليوناني ثيسبس الذي طور الأناشيد إلى عرض مسرحي يشبه المونودراما كان مجرباً، وأسخيلوس الذي أضاف ممثلاً ثانياً وطور الفعل الدرامي كان مجرباً، وسوفوكليس الذي أضاف ممثلاً ثالثاً كان مجرباً لأنه عمّق عناصر البناء الدرامي ووسع آفاق العرض المسرحي.

وممثلو الكوميديا دي لارتي الايطاليين كانوا مجربين لأنهم أطلقوا للممثلين حرية الخلق والابتكار وقدموا أسلوباً جديداً في العرض الملهاوي. وكانت طريقة فرقة الدوق جورج الثاني المعروف بـ”طدوق ساكس مينينغن”، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، طريقة تجريبية في وقتها لأنها تجاوزت أحلام السابقين حينما حاولت البحث عن حلّ للتناقض بين المناظر المرسومة وحركة الممثل الحي داخلها، وألغت فكرة الممثل البطل أو النجم.

أما التجريب المسرحي، بمفهومه الحديث، فقد تكوّن في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وارتبط بمفهوم الحداثة بوصفها فعالية تقترن بالابتكار ونقض المألوف وكسر المسلمات وهدم الأنموذج على صعيد الرؤية والتقنية. وقد أكد برشت أن كل مسرح غير أرسطي هو مسرح تجريبي.

بيد أن المسرحي والشاعر الفرنسي ألفريد جاري كان أبرز مجرب مسرحي قبيل انتهاء القرن التاسع عشر بأربعة أعوام، حينما عرض مسرحية “الملك أوبو” في باريس، ذلك العرض الذي قال عنه أندريه جيد إنه “الشيء الخارق للعادة الذي لم ير المسرح مثله منذ وقت طويل”، ووصفه الشاعر والكاتب المسرحي الأيرلندي و. ب. ييتس بأنه “علامة أنهت مرحلة كاملة في الفن”. وكان هذا العرض بالفعل ثورة مسرحية كبيرة تمخضت عنها الاتجاهات التجريبية في المسرح العالمي كالتعبيرية والسريالية.

وإذا كان التجريب المسرحي في بدايته قد طال الشكل فإن سمته الأساسية في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي تجلت في محاولة الانفتاح بالمسرح على بقية الفنون، وفي خلق علاقة مختلفة مع المتلقين وتوسيع هامشه. بذلك أخذ التجريب منحى فنياً وفكريا. ثم ارتبطت حركة التجريب في المسرح بتطور العلوم الإنسانية وتأثيرها على مناهج قراءة المسرح.

من خلال متابعتي للمسرح العربي، مشاهدةً وقراءةً خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود، أرى أن العروض التجريبية الناضجة للمخرجين العرب الشبان نادرة، وقد أنتجت في عدد محدود من البلدان العربية، وتجلت تجريبيتها في تقديم أشكال ورؤى وتقنيات أدائية جديدة في المسرح العربي يمكن إدراجها في سياق “الحساسية الجديدة”، وبخاصة تلك التجارب التي جرّدت النصوص التي اشتغلت عليها من مرجعياتها وأقصت مبدأ المماثلة وحاولت الاقتراب إلى صياغات تشكيلية بصرية للخطاب المسرحي وإطلاق العنان للتخييل الحر والانزياح عن الإطار المرجعي، إذا جاز لي استعارة هذا المصطلح من نقد الشعر، وإضفاء منحى تركيبي غامض على شبكة العلاقات بين الشخصيات بجعلها تتداخل بعضها مع بعض، بحيث يجد المتلقي نفسه أمام ضرب من الدهشة والالتباس.

--------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

جوليا قصار: تعاملت مع رواد المسرح منذ بداياتها والخبرة تساعد الممثل لكن الدهشة والاكتشاف الجديد هما الأساس

مجلة الفنون المسرحية

جوليا قصار: تعاملت مع رواد المسرح منذ بداياتها والخبرة تساعد الممثل لكن الدهشة والاكتشاف الجديد هما الأساس

حاورتها :ضحى عبدالرؤوف المل 


تضحك الفنانة «جوليا قصار» وتخفي خلف ضحكتها ثقافة فنية عالية تفاجئ بها من يحادثها لما تمتلكه من مرونة في التمثيل وفي التعاطي مباشرة مع الناس، وتدهشك ببساطتها الواقعية وانسجامها مع الجميع وبتواضع لا تستطيع فصله عن أدوارها التي تتميز بالسهل الممتنع، وكانها خرجت من الحياة ودخلت الشاشة، وهذا ما قاله الكثير من الناس الذين تابعوا فيلمها الأخير أو تواصلوا معها مباشرة من خلال مهرجان طرابلس للأفلام.
بدأت الدراسة سنة 1983م كطالبة في الجامعة، وكان من حسن حظها انها بدأت مع أستاذها «ريمون جبارة» في عمل مسرحي بعنوان «صانع الأحلام» والذي منحته «أيام قرطاج المسرحية « جائزة الإبداع، فبدأت مع الأستاذ «ريمون جبارة» كاول عمل مسرحي ومع الفنان «شكيب خوري»، كما ان أول مسلسل تلفزيوني شاركت فيه بعنوان «مبارك» للكاتب الراحل «يوسف حبشي الأشقر»، وفي السنة ذاتها بدأت بتقديم مجلة السينما أو نادي السينما أيضا مع أستاذها «إيميل شاهين».
وهكذا بدأت مع رواد المسرح والفن الذين منحوها من خبرتهم ما صقل خطواتها الفنية، مثل كميل سلامة وجواد الأسدي جوزيف بو نصار يعقوب الشدراوي نضال الأشقر، خاصة في المسرح حيث كانت كل خطوة ثابتة اتصفت بها هي من خلال أساتذتها وأصحاب الخبرة الفنية في بداياتها.
تقول جوليا قصار «حين اعود بالذاكرة لبداياتي اقول حظي كان جيدا ان يمنحوني من خبرتهم كل ما هو مهم لي، كالفنان روجيه عساف وكل من اشتغلت معه في بداياتي من مخرجين كبار وممثلين، لان الممثل ان لم يمتلك الحياة المهنية القوية مع أساتذة كبار لا يتطور، لهذا كنت أسعى ان اختار الأشخاص وبانتقاء شديد لمن استطيع التقدم والتطور معهم، فكنت احرص جدا على ان أتعامل مع كبار الفنانين لاكتسب من خبراتهم ما يجعلني أتطور وارتقي فنيا.» ومع الفنانة جوليا قصار أجرينا هذا الحوار..

– بساطة في التمثيل لا تخلو من صعوبة تبرز في سلاسة الشخصية التي تلعبينها، كيف تسخرين هذا وتمنحينه من جوليا الشيء الكثير؟
كما قلت لك سابقا كنت حريصة على التعلم وأسعى لتكوين خبرة متينة، فالممثل أداته جسده، صوته، وجهه، من المؤكد ان «جوليا قصار» هي التي تلعب الدور لكن قمة التمثيل ان الممثل لا يمثل أو ان لا يشاهد الآخرين أدواته، فالموسيقي يعزف بسلاسة ويمنحك نشوة موسيقاه التي نشعر بها ببساطة، إلا أنها جاءت نتيجة مجهود كبير وليال طويلة وتدريب مستمر، ليشعر بها الآخر بكل هذه الجودة والبساطة، طبعا الموسيقي ينفصل عن الآلة بينما الممثل لا ينفصل عن الشخصية، لكن ليصل الممثل الى البساطة في التمثيل يجب ان يختبئ خلف شخصيته، وتبرز البساطة الشديدة بعيدة عن البهلوانيات، وعليه ان يفتش ويبحث على النوتة الصحيحة ليجد اللحظة البعيدة عن النشاز في الدور الذي يلعبه، وتأتي هذه البساطة أيضا من القراءات والاهتمام بروائع الأعمال المسرحية العالمية ومشاهدة الكثير من الأفلام، إذ على الممثل ان يتغذى من كل ما يحيطه، ومن الموسيقى التي تعطي الممثل الانفعالات المبدعة وبصمت.
برأيي على الممثل ان يهتم بما حوله وحضور كل شيء جميل ويغذي الخيال بروائع الأدب والأعمال الفنية، لأن كل ذلك يمنحه الخصوبة في المخيلة الأساسية والضرورية للمثل، وتحويل كل ما اختمر في ذهنه من قراءات وسواء ذلك الى عناصر مهمة تخرج ببساطة وعفوية، لأنه يستطيع تسخير ذلك في خدمة الأدوار المركبة وغيرها لتكون مميزة وتصل بسلاسة وبساطة.

-ضحكة مبطنة وفهم عميق للدور، هل هذه من خبرة مسرحية أو درامية أم هي دراسة معمقة في الفن؟
من يشاهد الممثل يظن ان سهولة التمثيل تلقائية ولحظية ولا تحتاج لدراسة او خبرة، لكن من يشاهد التمرينات او التصوير يتساءل هل يعقل انه صعب؟ نعم هو يحتاج للكثير من التعب والتدريب ولساعات مستمرة حتى ننهي تصوير مشهد او كم دقيقة، لان كل دقيقة إبداع تحتاج للكثير من ساعات العمل. ومن المؤكد وجود فهم عميق للدور إضافة الى الخبرة، لكن كلما قارب الممثل الدور كأنه أول مرة يقوم بالتمثيل، يصاب بالدهشة أي دهشة الطفل، وعليه ان لا يرتكز على الخبرة التي يمتلكها كي يتجنب تكرار الذات، لهذا توجد دهشة، كأننا نكتشف شخصية جديدة ونحاول معرفة الشخصية اكثر، ونستطيع الوصول لنعيش الدور كأنها شخصية فريدة من نوعها.
إضافة الى اكتشاف الشخصيات الأخرى في العمل، والتعاون مع فريق العمل، لان التمثيل تواصل مع الآخرين، لهذا من الضروري فهم الشخصيات الأخرى ورؤية المخرج لنفهم الى اين يريد ان يصل في العمل. أيضا الممثل يمتلك الجزء الابداعي الذي يضعه بين يدي المخرج الذي يمتلك النظرة الشمولية، بينما الممثل عنده النظرة الخاصة للشخصية التي يلعبها، فالعين الخارجية للمخرج تصقل كل ذلك وبثقة كاملة بين المخرج والممثلين من خلال الفعل وردة الفعل.
طبعا الخبرة تساعد الممثل، لكن الدهشة والاكتشاف الجديد في كل مرة هما الأساس في نجاح أي دور وفيه متعة أيضا، اضحك عندما اكتشف شخصية تذكرني ببعض من التقيتهم في الحياة، وأفكر كيف استطيع أن أعيد بناء هذه الشخصية الواقعية التي التقطتها في أول انطباع أحسست فيه.
– في فترة قصيرة جذبت الجمهور فأحبك، الى أي مدى يصعب الحفاظ على ذلك؟
هذا عمر بكامله اكثر من ثلاثين سنة في فن التمثيل، وهو عمل بطيء وممتع وشاق، والاهم الصدق في التعامل والعمل والدور. لان الممثل ينقل أحاسيس الشخصية وانفعالاتها الحقيقية التي يمررها للناس بصدق مع الذات، وبتماهٍ وتعاطف مع الشخصية التي نلعبها بمصداقية. هي فترة طويلة والحمد لله رافقوني منذ البداية اضافة الى محبة الناس، وهي المشجع الاول، لان مهنة الممثل هي مهنة الشك او السؤال، عندما يوجد الاستحسان والرضىا والقبول من الناس يدفعنا ذلك نحو الاستمرارية بقوة.

– أين تجد جوليا قصار نفسها في أي دور لعبته؟ وما هي ابرز الأعمال التي تأثرت بها؟
جوليا موجودة في كل الأدوار التي لعبتها، المهم كيف نخفي جوليا خلف كل شخصية. التأثر بالأدوار ملك الجميع لأننا نتفاوت بالانفعالات، فالإنسان كتلة مشاعر وتناقض بين المر والحلو والجميل والقبيح، ونحن في سعي دائم نحو الأفضل، ربما لهذا اخترنا التمثيل او الفن لأن الفن هو السعي نحو الجمال والكمال، لهذا لو كان الدور يتميز بالشر هناك بعض التماهي معه ببعض النواحي لتستطيع الدفاع عن هذه الشخصية.
ودائما المواضيع الكبيرة في الادب والمسرح والسينما تتناول قضايا انسانية مهمة وتؤثر بنا لهذا «طقوس الإشارات والتحولات» لسعدالله ونوس، او مؤمنة الماسة التي تحاول إزالة الأقنعة عن وجهها او عن وجه المجتمع او الخادمتان لجان جينييه او الاسكا لهارولد بينتر او شتي يا دنيا عن قضية المخطوفين اللبنانيين للمخرج بهيج حجيج او فيلم محبس مع صوفي بطرس او شخصية تيريز والكثير من المسرحيات الكوميدية احبها، لانها مربوطة بساعات من العمل مع فريق اضاف الكثير من الافكار الجديدة وكل هذا مرتبط بذاكرتي .

– الى اي مدى تؤثر الصورة الإعلامية على الفنان بشكل عام؟
ضروري جدا للإعلامي ان يلقي الضوء على الجمال من حولنا خاصة الفنان، فكل ابداع يجب تسليط الضوء عليه، لان الإعلام يلعب دورا مهما في ابراز الصورة الجميلة للبلد وللفنانين وللمهرجانات كي يخفف عن الناس التي عاشت الحروب والمصاعب، وهذا يعطي نفحة من الايمان والثقة والتفاؤل بهذا البلد، مثل مهرجان طرابلس الذي راينا من خلاله بهجة المشاركة فيه، طبعا صورة الاعلام مهمة للفنان ولسواه.

– متى نراك في أعمال كوميدية تساهم في لمس الجرح الاجتماعي تلفزيونيا؟
ابتعدت عن التلفزيون لأنه لم يقدم لي اي عمل يشجعني لاشارك فيه، اما كوميديا ففي السينما شاركت في فيلم «محبس» الذي لاقى الاقبال من الجمهور لبساطته الشعبية التي تميز بها ويصعب تحقيقها دون ابتذال، وأنا مع هذه الأعمال التي تطال اكبر عدد من الناس لتكون مرآة للناس التي تشاهده، دائما نتفاءل بالخير نجده.

– كلمة أخيرة للمرأة؟
بكل بساطة تحقق نفسها وتؤمن بمجال العمل الذي تختاره وان تبدع فيه، نحن نؤمن بالمرأة الأم والزوجة وهذا الدور المهم والأساسي لبناء المجتمع، لكن ايضا ان تكمل هذا الدور وتكون المرأة العالمة والعاملة وبذلك تساهم اكثر في بناء المجتمع، وان تحقق ذاتها وقد أثبتت انها قادرة على الاهتمام بالبيت والعمل، لانه اهتمامها بالثقافة والعلم يجعلها تتطور ويمنحها القوة في هذه الايام، وتحية لها اينما كانت وفي كل المجالات وهي قمة في العطاء والموهبة والعلم ونفتخر بالكثير من النساء.

-----------------------------------------------
المصدر : جريدة عمان 

الأحد، 4 يونيو 2017

"الثقافة" تنظم ورشة إعداد الممثل المسرحي بمركزها في أبوظبي

صدور عدد جديد من فصلية "المسرح"

مجلة الفنون المسرحية

'تحول' عرض سوري يستعيد بالضوء والرقص قصة الخلق

مجلة الفنون المسرحية

'تحول' عرض سوري يستعيد بالضوء والرقص قصة الخلق

نضال قوشحة

في تجربة جديدة وبمغامرة مسرحية جريئة يقدم عرض “تحول” شكلا مسرحيا غير مألوف في تجارب المسرح السوري، وهو المندرج تحت مسمى فنون الأداء المعاصر باستخدام تقنيات الكمبيوتر والرقص في فضاء واحد، والتي تظهر بكثرة خاصة في أوروبا، على خلاف حضورها النادر في العالم العربي إجمالا.


يتناول العرض السوري “تحول” للمخرج أدهم سفر موضوعا قديما، بل موغلا في القدم -وهو علاقة الذكر بالأنثى- بشكل جديد وبفرضيات جديدة، تعتمد على إلغاء الحوار تماما، واستخدام الموسيقى والعرض البصري الضوئي الذي يشكل خلفية بصرية في فضاء سينوغرافيا المشهد المسرحي والفعل الدرامي عامة.

ومن خلال تموجات ضوئية وتواتر بصري يقوم مقام الحوار في ربط الأحداث ببعضها البعض، جمعت هذه المغامرة الشابة بين العديد من الطاقات الفنية المسرحية السورية، التي أرادت إيصال أفكارها بلغة عصرية فيها الكثير من الجدة والجرأة في آن واحد.

ويؤكد مخرج العرض أدهم سفر، أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية، قسم السينوغرافيا بدمشق، لـ”العرب” أن لديه رغبة أكيدة في تفعيل دور الإضاءة في العرض المسرحي، حيث جرت العادة أن يصمم المخرجون إضاءة عروضهم ويكون للمختص في فن الإضاءة تنفيذ ذلك فقط، إلا أنه في عرض “تحول” فعل ما هو أبعد من ذلك.

ويقول المخرج الشاب موضحا “على الرغم من شح التقنيات، استطعنا الوصول إلى حالة مثلى من التعاون بيني وبين الكوريغراف والراقصين، لا ندعي أننا قدمنا ما هو مبهر وغني، وهذا الشيء مطلوب في مثل هذه العروض، لكننا قدمنا شيئا مختلفا تماما، والخطوات القادمة ستحمل تطويرا لهذه الأفكار”.

عرض "تحول" يقدم عبر الجسد الراقص دلالات إنسانية كبرى في توليفة فنية غريبة عمادها ضوء وموسيقى ورقص
و”تحول” كعرض أداء بصري راقص، لا يعد جديدا من حيث طرحه البصري الصرف، إذ سبقه منذ سنوات عرض “دون تعليق” للسوري أيضا وليد قوتلي، لكن الجدة هنا أنه اعتمد لغة الرقص، ليقدم العرض عبر الجسد الراقص دلالات إنسانية كبرى في توليفة فنية غريبة عمادها ضوء وموسيقى ورقص، خلال مساحة زمنية تقارب الـ35 دقيقة، لم يدخل فيها النص بتفاصيل العلاقة الأزلية بين الذكر والأنثى، بقدر ما كان الهدف إلقاء الضوء على بعض الثيمات التي تربط بينهما في العلاقة الإنسانية المتجذرة في القدم.

المهدي شباط -وهو من قدم جهد الدراماتورج للنص، واضعا الخطوط الدرامية للمحكي عنه في العرض- وضع خطوطا عريضة لما يريد الوصول إليه، بحيث جنح للخيال في مداه الأقصى، كون هذا النمط من المسرح كما يقول “لا يعتمد على الطريقة السردية التقليدية للوصول إلى طرح أفكاري”.

ويقول الكوريغراف محمد شباط “بالتعاون بيني وبين الموسيقي رامي الضللي الذي أعد موسيقى العرض، توصلنا بعد العديد من البروفات بالتنسيق مع مخرج العرض إلى تحديد هويته النهائية التي ظهرت على الشكل الذي عرضت عليه”. وقُدم العرض في مسرح الحمراء بقلب العاصمة السورية دمشق، وقد أدى الرقصات فيه كل من مها الأطرش ونورس عثمان.

ويقول عثمان عن العرض “هو فرصة لتأكيد أن العمل الجماعي يصل بالمنتج الفني إلى النجاح، حيث أن الحدود كانت ملغية في عملنا معا، فتعاونا كلنا على صياغة كل أفكارنا، من المخرج إلى الكاتب، إلى مصمم الرقصات وكذلك معد الموسيقى وصولا إلينا نحن المؤديّين للرقص، إلى أن وصلنا إلى حالة من الانسجام التام. كان طموحنا تقديم عرض مسرحي جديد ومغامر، وأرجو أن تكون فكرة العرض قد بلغت الجمهور”.

و”تحول” اختبار بصري يستحق التحية لجهة المغامرة في تحقيق فرجة بصرية تنهض على المزج ما بين حركة الجسد ومقترحات الصورة، على خلفية قصة الخلق، أو الرحلة العسيرة لآدم وحواء ومكابداتهما الطويلة لردم المسافة الفاصلة بين الذكر والأنثى، والتحوّلات التي أصابت هذه العلاقة تحت وطأة المحرّمات والأسوار المنيعة.

-------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

معد الجبوري مسرحي وأديب مصلاوي يبخل الزمان العراقي بمثله

مجلة الفنون المسرحية

معد الجبوري مسرحي وأديب مصلاوي يبخل الزمان العراقي بمثله

عواد علي 

الشاعر المسرحي معد الجبوري يعتبر من أبرز كتاب المسرحية الشعرية العربية الحديثة يتميز بشديد الخصوصية يسحر القارئ بقوة لغته وتماسك صوره.

 رغم معاناته الشديدة، طوال ثلاث سنوات من احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدينته الموصل، فقد حال عشقه الكبير لها دون مغادرتها “باقٍ، ولا ظلّ لي إلا هواكِ/وما سواكِ للجرحِ من حضنٍ ومحتضنِ”. وكيف يفعل ذلك وهو يحمل اسمها “شاعر أم الربيعين”، ويرى أنها “درّة المدن”، فضلا عن كونه إنسانا رهيفا، حساسا، متدفقا بروح الشعر، مفعما بالحياة، مشتعلا بالرغبة والكبرياء؟

لم يمهله الموت ليرى الموصل متحررة، فرحل مهموما مغموما من هول ما جرى لها. وفي آخر مكالمة له مع أحد أصدقائه الشعراء، قبل أيام قليلة من رحيله في الأول من أبريل الماضي، قال له “قتلوا الأمنيات ولم تعد صنعاء تحلم في حلب”.

ولد معد الجبوري في الموصل عام 1946، وأنهى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، ثم حصل على بكالوريوس آداب وشريعة من جامعة بغداد عام 1968، وعمل بعدها في التدريس والصحافة، ومدرّسا للغة العربية في العاصمة الصومالية مقديشو بين عامي 1976-1977، وكتب مجموعة من أعذب القصائد عن تلك التجربة وشغل بعد عودته منصب مدير للنشاط المدرسي في مديرية تربية محافظة نينوى، ثم صحافيا في جريدة “القادسية” العسكرية خلال أدائه خدمة الاحتياط في الجيش، ومديرا لفرقة نينوى للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح، ومديرا للمجمع الإذاعي والتلفزيوني في نينوى. وانقطع عن العمل الوظيفي بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ثم أحيل إلى التقاعد بطلب منه.

حصل على جائزة الدولة “الإبداع في الشعر” في العام 2001 عن مجموعته الشعرية “أوراق الماء” من وزارة الثقافة في العراق. وصدر له 13 ديوانا و4 مسرحيات شعرية، ومجموعة مسرحيات غنائية كتبها بالاشتراك مع الشاعر عبدالوهاب إسماعيل، إضافة إلى كتاب يتضمن مختارات من قصائده، وآخر يضم الأعمال الكاملة. وكان آخر دواوينه يحمل عنوان “وقت لحرائق الكلمات” نُشر عام 2014.


منصة المسرح الواسعة

أصدر أول مجموعة شعرية بعنوان “اعترافات المتهم الغائب” عام 1971، وكتب أول نص مسرحي شعري “آدابا” في العام نفسه، ثم نشره في كتاب عام 1977، تلاه بثلاثة نصوص مسرحية هي “شموكين”، “الشرارة” و”السيف والطبل”، استوحاها من الموروث الأسطوري والتاريخي للعراق القديم، وقد أُخرجت هذه النصوص مرات عديدة داخل العراق وخارجه. وهو في هذا الجانب من أوائل من كتبوا المسرحية الشعرية الحديثة في العراق، مستثمرا شخصيات أسطورية وتاريخية ذات أبعاد درامية لإسقاطها على الواقع المعاصر.


القصيدة لدى الجبوري، كما وصفها نفسه ذات مرة، تبدأ من شرارة تقدح فجأة لسبب ما، فتشعل حرائقها في كيانه، عندها يصاب بحمّى لحظات الخلق، ولا يهدأ حتى تبين ملامح الجنين، فيعمل بخزين رؤاه وتراكم خبرته على تعميق قسمات تلك الملامح، فيما يسمح للقصيدة أحيانا، بعد ولادتها، أن تطل على المتلقي بدفئها وشوائبها، ثم يدير ظهره بانتظار شرارة أخرى.

ويرى النقاد أن الجبوري شاعر شديد الخصوصية والتميز، خطابه الشعري مديني، وهو يكتب عن سيرة المكان والإنسان معا، ويقبض على تموج اللحظة الشعرية بروح وثّابة تتجلى فيها العفوية والرحابة والكثافة والعذوبة والخصب. يسحرك بقوة لغته وتماسك صوره، وقابليته على بعث الدهشة والإحساس المتدفّق بروح الشعر ولذة نكهته وفرادة تشكلاته، وقلقه الرهيف، ومطره المشتعل بالرغبة والكبرياء منذ اللحظة الأولى التي تباشر فيها -بمتعة متناهية- المغامرة بقطف ثمار قصائده.

ولزميلته الشاعرة الموصلية بشرى البستاني رأي في شعره، إذ تقول “إنه شعر زاخر بالخصب والمكابدة والرؤيا، هائم بتدفق إيقاعي، مدهش، ومتّسم بكثافة حيوية تجعل قصيدته قادرة على التشظّي من خلال تعدد الإحالة وطلاقة الدلالة”. والى شيء من هذا القبيل يذهب شاعر آخر قائلا “إن ما أبقاه قابضا على راية الشعر هو قدرته الفنية، ووعيه العميق بأهميّة الصورة وإخلاصه لها”.

يُعدّ الجبوري من أبرز كتاب المسرحية الشعرية العربية الحديثة، إلى جانب صلاح عبدالصبور وعبدالرحمن الشرقاوي ومعين بسيسو ونجيب سرور ومحمد الفيتوري. وقد نالت مسرحيته “آدابا” شهرة واسعة، وتُرجمت إلى اللغات الإسبانية والكردية والإيطالية، وهي تتناول أسطورة بابلية قديمة ملخّصها أنه على بوابة الخليج، في جنوب العراق القديم، قام الإنسان آدابا، مخلوق الآلهة، صياد السمك، بكسر أجنحة الريح الجنوبية، وانحاز إلى الطبقات الكادحة، من المُذلين والمُهانين والفقراء والعبيد، حينما دار الصراع العنيف بينهم وبين الكهنة والإقطاعيين، وأصحاب المصالح والنفوذ المادي والمعنوي.

ويحقق آدابا نصراً عظيماً بعمله هذا، مما يغضب “أنليل” إله العاصفة الذي يطرح الأمر أمام كبير الآلهة “آنو” ومجمع الآلهة الذين يقلقون من قوة آدابا ونفوذه وقيادته للناس فيعمد “آنو” إلى محاولة كسبه وشرائه، ويدله علي طريقة، لكي يصبح هو الآخر إلها، وينضم إلى مجمع الآلهة، وبذلك يتحول من كونه بشراً، يساند ثورة الفقراء، إلى إله يساند تخطيط الآلهة، في إبقاء سيطرتهم على البشرية. لكن آدابا يرفض ذلك، مفضلاً التضحية بنفسه في سبيل ثورة الإنسان، وانتصاره على جلاديه. وحين يختفي من أحداث الفعل المسرحي في نهاية المسرحية يتحول إلى وجود جماعي منظم يحقق الانتصار علي الكهنة والإقطاعيين.

في مسرحية “شموكين” طرق الجبوري موضوعا حساسا في صيغة شمولية، وبطابع فلسفي شعري. لقد أبصر برؤية فكرية-درامية الجدل الحي بين التاريخ وعصرنا الحالي، فقدم، من خلال حادثة تاريخية بسيطة، تجسيدا نابضا بالحياة للمصير المأساوي الحتمي الذي ينتظر كل انفصالي يرتبط بالعدوّ الأجنبي.

المسرحية في حقيقتها ليست صوت الشاعر “دنجر أدامو”، الذي بلغه نداء يستنهضه لكي يروي لأحفاده، بوصفه شاهدا على ما حدث، وإن لم يظهر في خضم الأحداث مشاركا لشموكين، وعرّافا تكلم وعلى لسانه جمرة، وفوق رأسه سيّاف، وإنما هي صوت الشاعر الدرامي معد الجبوري، إلى الأجيال الحالية والقادمة، لأن وراء الصمت الذي يحيط بأضراب الانفصالي “شموكين” زماننا (دما يحتج وتحت رماد الخيبة جمرا يتوقد). ومن أجل أن يسكت (أي شموكين) نبض الدم، أو يطفئ جمر الرفض فإنه لا بد أن يجعل الأرض خرابا.


الشرارة

أسقط في مسرحيته الثالثة “الشرارة”، جانبا من أحداث التاريخ العربي على الحاضر، على نحو أكثر جلاء. وقد قسمها إلى تسعة مشاهد وخمسة فضاءات هي “إيوان كسرى”، “حانة فارسية”، “مجلس النعمان”، “خيام العرب”، و”خيمة هاني بن مسعود الشيباني”، قائد العرب في معركة “ذي قار” مع الفرس.


شعر معد الجبوري يزخر بالخصب والمكابدة والرؤيا
جعل لكل فضاء دلالة ووظيفة درامية، فالمشاهد الخمسة، التي تدور أحداثها في إيوان كسرى ذي الطراز الفخم والملامح الإمبراطورية، تحيلنا إلى مدلولات معاصرة، حيث الدسائس التي يحيكها بعض الشخوص والعنجهية والحقد والاستخفاف والأطماع التوسعية لكسرى وخيانة زيد بن عدي لقومه وارتمائه في أحضان كسرى، لا يمكن إلاّ إسقاطها على حيثيات الحرب العراقية الإيرانية.

لقد صاغ الجبّوري الصراع الدرامي في المسرحية على رؤية قومية واضحة، لكنها في الوقت نفسه رؤية إنسانية، فالنعمان بن المنذر ملك الحيرة لا يجد في ذكر محاسن قومه غضاضة، ولا يرى في الحديث عن سجاياهم الخيّرة وصفو نفوسهم أمام كسرى أي إشارة للانتقاص من الفرس أو الأمم الأخرى، بينما يشيد كسرى، في رده على النعمان، بفضائل قومه الفرس بوصفهم السادة، ويثني على حكمة الهند وصناعة الصين ومدائن الروم، أما العرب فيسمّيهم “عرب الصحراء” ولا يرى ير فيهم خصلة خير.


السيف والطبل

وفي سياق دلالي/إسقاطي مقارب استوحى الجبوري أحداث مسرحيته الرابعة “السيف والطبل” من الصراع الذي كان دائرا بين الدولة العيلامية والدولة الآشورية في القرن السابع قبل الميلاد، في 15 مشهدا، موظفا إياه توظيفا دراميا للكشف عمّا يكنّه العيلاميون من حقد ومكر تجاه بلاد ما بين النهرين. فعلى حين غفلة يهاجم الملك “تيومان” جزءا صغيرا من جنوب العراق بجيش كبير، لكن الملك الآشوري يتصدّى له ويوقع به هزيمة منكرة ويقبض عليه، ويستعيد الجزء المغتصب.

هذا هو المحور الأساس الذي تقوم عليه المسرحية، وثمة محوران آخران هما محور التفكك والسلب الداخلي في بلاد عيلام، ومحور البناء والتطور والتماسك في بلاد ما بين النهرين. معد الجبوري، صديقي الذي قضيت شطرا من حياتي بصحبته في الموصل وبغداد، سيظل ساكنا في وجداني وذاكرتي. وسأكون ممتنا للزمان إن جاد على العراق بكاتب مسرحي شعري مثله من الآن حتى نهاية هذا القرن.

---------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

السبت، 3 يونيو 2017

المسرحية الفلسطينية "تمويه" في لندن

صدور مسرحية "خيانة آينشتاين"عن سلسلة المسرح العالمي

إدوارد ألبي.. مغادرة مسرح بثلاث أذرع

مجلة الفنون المسرحية

إدوارد ألبي.. مغادرة مسرح بثلاث أذرع

نوال علي 

"الناس تنام في الليل لأنها تخشى الظلام"، تقول أغنيس، الشخصية الرئيسية في "توازن دقيق"، إحدى مسرحيات الكاتب الأميركي إدوارد ألبي (1928 - 2016)، الذي رحل الجمعة الماضي.
معظم أعمال ألبي يلفّها الظلام، تدور بعد أن ينتهي كل شيء، فالظلام بالنسبة إليه أوضح لحظات الحياة، وهو كذلك بالنسبة لشخصياته، سنجد تعبيراً يقرّبنا من هذه الفكرة في "ثلاث نساء طويلات" (كُتبت عام 1990)، حيث امرأة في التسعين وأخرى في الخمسين وثالثة في العشرين، تحاول كل واحدة تحديد "أسعد لحظات حياتها"، ليُترَك أمر الإجابة الأصدق لتلك التسعينية التي ستعلن "حين ينتهي كل شيء، حين نتوقّف، حين نستطيع أن نتوقّف". ربما من هنا يصل الشعور لقارئ مسرحيات ألبي بأنها قصص تبدأ حين تقترب من نهايتها.
حتى حين يستخدم ألبي النهار، يوظّفه كلحظة منبوذة تسبق الليل، لحظة يُنتظَر انتهاؤها، ذلك واضح في "صندوق الرمل" (كُتبت عام 1959)، فجأةً ستخاطب الجدّة في المسرحية أحد المشتغلين في المسرح، لتقول له: ألا ينبغي أن يحلّ الظلام الآن؟"، فيختفي ذلك النهار الشديد، وتعتم الخشبة على الديالوغ الأخير بين الجدّة والحفيد (ملك الموت).

يضع جانباً كل ما أضافته الحضارة إلى الإنسان المعاصر

يدير ألبي معظم حوارات شخصياته في وقت متأخّر، حيث لا انهماكات سوى تلك العاطفية والجنسية والنفسية، الليل ضروري بوصفه مكاناً تترعرع فيه العلاقات الزوجية ويُسمَح للذكريات بأن تتنفّس وتتشاجر مع الحاضر وتكشف حقيقته وتخرّبه.
في مسرحيته الأبرز "من يخاف فرجينيا وولف؟" (كُتبت عام 1961)، تبدو الشخصيتان الرئيسيتان، مارثا وجورج، وكأنهما نسخة أولى من أغنيس وتوبي في "توازن دقيق" (كتبت عام 1966). وفي كلا العملين، تمتد ثلاثة فصول من الحوارات الغرائبية لشخصيات شبه مجنونة من الليل حتى الصباح.
مارثا وجورج، زوجان في الخمسين من الطبقة المتوسّطة (صفات معظم شخصيات ألبي)، كل منهما على حافة الانفجار. تدعو مارثا الزوجين الشابين نيك وهوني، ويتسبّب اللقاء الرباعي في تفكيك العلاقات وتعقيدها في آن.
ثمّة وهمٌ وكذبة في كل علاقة، مارثا وجورج لا يستطيعان الإنجاب فيتفقان على تخيّل ابن، شرط أن يحتفظا بالوهم لنفسيهما. هوني تدّعي أنها حامل، لتدفع نيك إلى الزواج منها، وبعد الزواج يختفي الحمل. ثمّة أمومة وهمية إذن، هي الحامل الوحيد للشراكة هذه، التي تنتهي مع إعلان جورج أن ابنهما قد مات، وتُطلِق مارثا صرختها "لا يمكنك فعل ذلك"، لا يمكن قتل الابن، لا يمكن إنهاء الزواج.
العلاقة الاجتماعية بين الشخصيات الغريبة عن بعضها، لا تختلف عن العلاقة بين الأقرباء في أعمال ألبي، لذلك يلجأ إلى حيلة واحدة تقريباً في غالبيتها، ثمّة عائلة وضيوف عليها؛ ينسج الكاتب من علاقة العائلة/ الزائرين شبكة صيد كبيرة تلتقط عيوب العلاقات، الأحقاد القديمة والمسكوت عنها والرغبات.

يُقدّم تجارب الفرد مع الخوف والرفض والفرص الضائعة

هناك عدائية واستفزاز دفين في كل شخصية تجاه الأخرى، الأزواج في "من يخاف فرجينيا وولف؟"، والضيوف في المسرحية نفسها، والأم والابنة في "توازن دقيق"، وجيري وبيتر الغريبين في "قصة حديقة حيوان"، والجدّة وزوجة الابن في "صندوق الرمل" و"الحلم الأميركي". الأمر يتعلّق بمنطقة اشتغال ألبي وهي العائلة وتعقيداتها وأسرارها وخداع أفرادها والشعور بالاغتراب فيها وعنها.
ما يفعله ألبي هو تجويف الإنسان من الداخل، إفراغه ممّا فيه، إخراج كل شيء أضافته الحضارة إلى الإنسان، كأنه يستعرض ما يحتويه كيس مشتريات. لينتهي الأمر بشخصية بدائية، تظهر الجوانب الحيوانية منها. من هنا، يمكن فهم تسمية نصّه المسرحي الإشكالي "قصّة حديقة الحيوان".
في هذا العمل، يجلس بيتر على مقعد في حديقة ويلتحق به جيري، بيتر هو شخصية ألبي المفضّلة، زوج وأب مستقر في وظيفة، في الخمسين من العمر، من الطبقة المتوسّطة، نموذج لرب العائلة الأميركية. بيتر متشرّدٌ مزعج يبدأ في استفزاز جيري.
المدهش في هذه المسرحية هو القدرة على بناء علاقة قوية صدامية وحميمة في آن، بين غريبين يلتقيان في مكان عام، وألبي يحقّق ذلك من خلال أسئلة بيتر التي تتسلّل شيئاً فشيئاً إلى حياة جيري الخاصة، وتكشف عن سخط هذا على حياته.
من الواضح أن بيتر يتحدّث إلى جيري بهدف التنمّر عليه ومضايقته، يبدأ في دفع جيري إلى حافة المقعد، يقول له "دافع عن منطقتك"، يخرج سكّيناً ويلقيها أمامه، يلتقطها جيري فيرمي بيتر نفسه عليها منتحراً ومجبراً رجل العائلة العادي على إظهار حقيقته؛ على التحوّل إلى قاتل. أين هي حديقة الحيوان؟ هل هي في "سنترال بارك" نيويورك، حيث مقعد عمومي يجلس عليه بيتر وجيري، هل هي هذه المسرحية، أم أنها في بيت جيري، حيث الزوجة والبنتان والقطتان والببغاوان؟
هذه هي أول مسرحية كتبها ألبي سنة 1958، وكانت من فصل واحد. بعد ثلاثين عاماً، سيقوم الكاتب بإعادة كتابتها في فصلين، الأول بعنوان "في البيت" والثاني "في حديقة الحيوان"، معتقداً أن إظهار زوجة جيري وعائلته أمر جوهري كان أغفله. يقول ألبي إنه لطالما شعر أن شخصية بيتر كاملة، وأن جيري عظام لم يكسُها باللحم.
سيحتجّ النقّاد، فالمسرحية بنسختها الأصلية من كتابة شاب مندفع في التجريب، والنسخة الثانية كتبها رجل مسن وناضج أفسد "قصة حديقة الحيوان". سيمنع ألبي، في رد فعل صادم على منتقديه، أي تمثيل للنسخة الأولى من المسرحية؛ لقد انتهت "قصة حديقة الحيوان" كما عرفها ملايين القرّاء في العالم. في "تمارين إطالة لعقلي"، كتابه الذي يضمّ مجموعة مقالات، يقول ألبي "لا شي أفعله يفاجئني، بعض منه يثير اهتمامي، وبعضه لا. لكن أياً منه لا يفاجئني".
رغم أن "قصة حديقة الحيوان" هي أولى مسرحياته، لكنها تبدو مثل خلاصة منجزه بموضوع يمكن تعميمه على بقية أعماله؛ تفكيك الإنسان المتحضّر، وفضح لحظات الزلل إلى الغرائز الأولى، والمشاعر الانتقامية والكراهية المتوارية بين أفراد العائلة الواحدة وبين العائلة والمجتمع.
"الحلم الأميركي" (كتبت عام 1960) مثال مرعب على هذا النموذج، حيث لا شيء يقف وراء الحلم ويبقيه حياً سوى العنف. في هذه المسرحية، بدأ ألبي يظهر ككاتب محترف، وظهرت مادته الخام التي سيصنع منها مستقبله المسرحي، سيتعمّق موضوعه فيها ويتسّع، ومن هذه المسرحية بدأت لغته تميّز نفسها وتتفرّد.
تفتح المسرحية على "مامي ودادي" ينتظران السيدة باركر، هناك الجدّة التي تسيء ابنتها معاملتها وتهدّدها بالتخلص منها، إنها نفس الجدة في مسرحية "صندوق الرمل" التي تُترك لتموت فيه على الشاطئ.
نفهم من كلام الجدّة أن الزوجين تبنّيا طفلاً قبل عشرين عاماً ليجلب لهما الفرح، لكنه فشل في ذلك فقاما بتعذيبه وتشويه أعضائه والتنكيل فيه إلى أن مات، والآن يريدان استرداد نقودهما عبر السيدة باركر مسؤولة مؤسسة التبني التي باعت لهما طفلاً معطلاً، لا يشتغل، لا يجلب الفرح كما كان الغرض منه (ألبي نفسه كان متبنّى وهرب/ طُرد من عائلته، وفي إحدى مقابلاته يقول: "لم يعرفا كيف يكونان أبوين ولم أعرف كيف أكون ابناً"). مرة أخرى يضع الكاتب علاقة البنوّة والأبوة والأمومة ضمن العلاقات الاستهلاكية المنحرفة.
من "الحلم الأميركي"، يقول ألبي، أنه استخرج الكثير من شخصيات مسرحياته الأخرى، سنعثر على مامي ودادي في "مشهد بحري" (1974)، نانسي وشارلي، زوجان من الطبقة المتوسطة في أواسط العمر جالسين على الشاطئ، تستشكف الزوجة شعورها بعد عقود من الزواج، وتعقد أن الحياة الزوجية الجيدة التي عاشتها كانت محدودة، كذلك الزوج لديه نفس الشعور لكنه ينكره.
يلجأ ألبي إلى الحيلة المفضلة لديه، لا بد من زوّار للزوجين ليفقأ العلاقة ويخرج كل القيح الذي فيها. لكن زوّار مسرحية "مشهد بحري" ليسوا بشراً، بل سحليتين (زوجين) خرجتا من البحر، كل واحدة بحجم إنسان (سارة ولزلي)، يدور بين الأربعة حوار سريالي بين بشر وسحالي بمنطق "برمائي" مزج فيه الكاتب الحيواني بالإنساني.
يُلزم ألبي نفسه دائماً بثلاثة عناصر في النص. إنه مثل شخصية "هو نفسه" في عمله "الرجل الذي كان له ثلاثة أذرع"، نحتاج إلى رجل وامرأة وعنصر ثالث، نحتاج إلى ثلاثة فصول عادة، نحتاج إلى الفرد والعائلة والمرآة.
مسرح ألبي هو تجارب الفرد مع الخوف والرفض والفرص الضائعة والشعور العميق بالوحدة، أو تلك الأمور الكثيرة التي يلعنها هاري في "توازن دقيق": "هناك الكثير، الكثير جدّاً من خيبات الأمل، الكثير من التهرّب، الكثير ممّا نتذكّر أننا أردنا، والقليل الذي اكتفينا به، أحياناً نتحدّث عنه، ومعظم الوقت لا نفعل".

----------------------------------------------
المصدر : العربي الجديد 

الخميس، 1 يونيو 2017

«تخاريف» مسرحية عبثية تهجو العنف

مجلة الفنون المسرحية

«تخاريف» مسرحية عبثية تهجو العنف

جمال عياد 

من النصوص المسرحية الجاذبة لتناولات المخرجين، ما كتبه يوجين يونسكو (1909-1994)، أحد أبرز رموز مسرح اللامعقول»تخريف ثنائي»، والذي مسرحه مؤخراً كاشف سميح بعنوان «تخاريف» على مسرح جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا، المسرحية الكوميدية.

أفاد سميح من الأسلوب البسيط المفعم به تكنيك يونسكو العبثي في السخرية من الأحداث المعاشة، ومن الوحدة التي بدأت مع جريان الأيام تتعمق أكثر في حياة الإنسان المعاصر، لا بل لتغدو مصيره المحتوم وفق آليات النمط الرأسمالي السلعي في الإستهلاك، التي تفرض على الإنسان المستهلك، ليغدو هو نفسه في النهاية سلعة تتحدد قيمته بالسوق.

يونسكو في «تخاريف ثنائي» كما في سائر أعماله، يسخر من النظام العام للرأسمالية وبخاصة من بنيته الفوقية، بقيمها التي تقسم المجتمع إلى طبقتين، إحداها وهي الأقلية، وتمتلك جُل ثروات المجتمع، وأخرى الأكثرية وهي الأكثر عطاءً، لا تمتلك شيئاً من ثرواته، وبالتالي يجيء الفرد في هذه الطبقة الأخيرة ضحية للأخرى في مختلف فضاءات حياته.

فتغدو الشرائح الأكثر فقراً في هذه الطبقة، الأكثر جهلا، والأقل حظاً في التعلم، لذا تغدو تائهة ليس لديها القدرة على إحداث اي تواصل اجتماعي إيجابي تنموي، في ظل الحروب غير العادلة التي تفتعلها الطبقة القليلة للسيطرة على الثروات، أوفي سياسات الإفقار التي تكون الشرائح الفقيرة ضحية لها؛ وهذا ما حاولت مجريات مسرحية سميح من أن تطرحه في أحداثها.

وتدور أحداث هذه المسرحية، التي يشرف على نشاطها الفني عز الدين العيسى، أداءً حوارياً وتمثيلياً بين زوجين محتجزين في إحدى المناطق الجغرافية، يمضيان وقتهما في جدل حواري عقيم، لاجدوى منه، تؤشر دلالاته إلى اللاجدوى من مقترحاتهما لكيفية إمضاء حياتهما معاً.

كما حاكى المخرج سميح، في لوحات هذه المسرحية، تقنيات مسرح العبث لدى يونسكو، بابتعاده عن الحبكة المسرحية الواحدة التقليدية من تمهيد وتطور وصولاً للحبكة والنهاية، مستعيضاً عنها بحبكة ناتجة عن الإيقاعات المتسارعة، والتكرارات الدورية، غير المترابطة، فظهرت الشخوص كالدمى التي تنطق بلغة ركيكة وبلا منطق.

مما راكم ذلك الجهد إنشاء فضاء عبثي، يهجو الواقع المعاش، الوالغة جغرافيته بحروب داخلية، فضلاً عن تعرض إنسانه إلى انتهاك دائم لحقوقه التي كفلتها الشرائع السماوية، من قبل القوانين الاقتصادية والسياسية والاجتماية السائدة.

برع الطلبة: ليان كوساية، ورامي الناصر، ومحمد خبازة، في تقديم ذلك النمط العبثي من الشخوص المسرحية.

يذكر أن فرقة جامعة الأميرة سمية تأسست العام 2005، وعرضت ما يزيد على 25 عرضًا، وحازت على جوائز قيمة من خلال مشاركتها الدورية في مهرجان فيلادلفيا للمسرح العربي.


------------------------------------------------
المصدر : الرأي 

مسرحية "زواج سعيد " .. كوميديا إجتماعية هادفة

تجربة مسرحية جديدة تعتمد "ثلاثية الأورستيا " في مشروع عراقي فرنسي

صدور طبعة ثانية من كتاب "ذكريات" لسيدة المسرح العربى سميحة أيوب

المخرجة المسرحية جوانا سيتل تنضم لهيئة تدريس جامعة نيويورك أبوظبي

مجلة الفنون المسرحية

 المخرجة المسرحية جوانا سيتل تنضم لهيئة تدريس جامعة نيويورك أبوظبي

أعلنت جامعة نيويورك أبوظبي عن تعيين جوانا سيتل كأستاذة مشاركة في كلية الفنون المسرحية في "قسم الآداب والعلوم الإنسانية"، وستنضم سيتل إلى فريق برنامج المسرح في جامعة نيويورك أبوظبي بدءاً من 1 سبتمبر 2017، حاملةً خبرتها التي تصل إلى 20 عاماً في مجال التعليم، بالإضافة إلى مسيرتها الفنية الحافلة كمخرجة مسرحية.  

أخرجت سيتل مؤخراً العرض العالمي الأول من الاستعراض الموسيقي الجديد (ذا توتال بينت The Total Bent) لستيو وهيدي رودوالد، والذي تم تمديد عرضه مرتين في مسرح نيويورك العام؛ وتشمل نجاحاتها المسرحية العامة الأخرى عرض (إن دارفور In Darfur) للكاتبة وينتر ميلر والعرض الأخير لـ (365 مسرحية/ 365 يوم 365 Plays/365 Days) للكاتبة سوزان لوري بارك، كما أخرجت العرض العالمي الأول من (ناين بارتس أوف ديزاير Nine Parts of Desire) للكاتبة هيذر رافو في "مسرح مانهاتن انسامبل" والعديد من العروض اللاحقة في العديد من المسارح والمتاحف الفنية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وتعمل جوانا حالياً على عدد من العروض العالمية البارزة المزمع عرضها عام 2018 مثل (نورا NOURA) للكاتبة هيذر رافو، وهو عمل مسرحي جديد تدور أحداثه حول عائلة عراقية مهاجرة تعيش في نيويورك سيتم عرضه في مسرح "شكسبير ثياتر كومباني" في العاصمة الأمريكية واشنطن شهر فبراير 2018، وعرض أوبرا جديد مع "أوبرا فيلادلفيا" من المقرر عرضه لأول مرة شهر سبتمبر 2018.

وتعليقاً على تعيينها في منصبها الجديد، قالت جوانا: "قادتني كل محادثة خضتها خلال فترة تكوين وجهة نظري حول هذا المنصب إلى العثور على رابط عميق بين مهمتي في جامعة نيويورك أبوظبي والعوامل الدافعة التي توجه عملي كفنانة وأستاذة.. أنا أسعى إلى اكتشاف المزيد من البيئات الجديدة في عملي الفني الخاص وداخل الفصول الدراسية، الأمر الذي يؤدي إلى فتح آفاق جديدة للاستكشاف بالاستفادة مما هو غير متوقع. وتضم جامعة نيويورك أبوظبي توجهات وأصوات متميزة من أجيال متعددة من جميع أنحاء العالم من طلاب ومدرسين وموظفين يتواصلون فيما بينهم للوصول إلى فهم أعمق للعالم من حولنا".

وصرح روبرت يونغ، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة نيويورك أبوظبي: "يسرني أن أرحب بجوانا إلى أسرة جامعة نيويورك أبوظبي، حيث إن مساهمتها في تطوير منهج محلي للأداء المسرحي سيخدم الفنانين والجماهير على المستويين المحلي والعالمي تعد إضافة مثيرة لبرنامج المسرح في الجامعة."

وقالت كاثرين كوراي، رئيس برنامج المسرح والأستاذ المشارك في كلية الفنون الجميلة في الجامعة وقسم المسرح التجريبي في فرع مدرسة تيش العليا للفنون التابع لجامعة نيويورك: "يعتبر انضمام الأستاذة جوانا إلى برنامج المسرح في جامعة نيويورك أبوظبي إضافة واعدة لتحقيق توسع منتظر فريد في المناهج الدراسية، ولا سيما في مجال الإخراج؛ وستتمكن جوانا من تقديم آفاق غنية في عالم المسرح لطلاب الجامعة نظراً إلى التدريب الذي تلقته كواحدة من خريجي الدفعة الأولى من قسم الإخراج من ’مدرسة جوليارد‘، بالإضافة إلى خبرتها المكتسبة في الإخراج والتعاون لتطوير عروض عالمية متميزة من المسرحيات الكلاسيكية والجديدة والمسرحيات الموسيقية، فضلاً عن التعاون متعدد التخصصات في مجال الأوبرا والأعمال الموسيقية الفنية."

وشغلت جوانا منصب مديرة فنية في "ديفيجن 13 برودكشنز" بشيكاغو بين عامي 1998 و2004، كما أخرجت وتبنت 15 مشروعاً من أصل 17 مشروعاً للشركة بما في ذلك العرض المسرحي (بلود لاين BLOOD LINE: The Oedipus/Antigone Story)، والعديد من الأعمال القصيرة لصامويل بيكيت مثل (كاسكاندو Cascando) و(بلاي Play)، كما شغلت منصب المدير الفني لشركة "شكسبير أون ذا ساوند" بين عامي 2009 و2012، حيث قامت بإخراج عدد من أعمال شكسبير تم عرضها في الهواء الطلق، وهي "حلم ليلة منتصف الصيف" و"عطيل" و"جعجعة بلا طحن" و"روميو وجولييت" أمام جمهور من الحضور وصل إلى 2,000 شخص في الليلة الواحدة.

وأتمت جوانا دراساتها العليا في "مدرسة جوليارد" وتحمل شهادة بكالوريوس في الإخراج المسرحي والتصميم من "كلية هامبشاير"، وعملت كمدرسة ومخرجة ضيفة في برامج الدكتوراه في كل من "كلية بارد" و"كلية ويليامز" و"جوليارد" و"كورنيل" و"جامعة ستانفورد"، كما عملت كمخرجة في "مدرسة آيرا بريند للفنون المسرحية" في "جامعة الفنون" بين عامي 2014 و2016.

ويشارك برنامج المسرح في جامعة نيويورك أبوظبي في ممارسة ودراسة المسرح وفنون الأداء للقيام بتقييم نقدي واستعراض العلاقات الاجتماعية والثقافية التاريخية والمعاصرة في جميع أنحاء العالم، وكما هو الحال بالنسبة للشبكة العالمية لجامعة نيويورك، يستخدم هذا التخصص في جامعة نيويورك أبوظبي المسرح العالمي وممارسات فنون الأداء لتصور وعرض طرق لتوضيح هذه العلاقات بشكل مختلف وعلى نحو أفضل، انطلاقاً من اعتقاد الجامعة الراسخ بكون المسرحيات والعروض فعاليات تساهم في تحقيق هذا التغير لجميع المشاركين فيها.

-----------------------------------------------
المصدر : العين 

الأربعاء، 31 مايو 2017

رجل يخطب ثلاث نساء في وقت واحد.. وتبدأ الحكاية

مجلة الفنون المسرحية

رجل يخطب ثلاث نساء في وقت واحد.. وتبدأ الحكاية

حققت المسرحية المغربية “ثلاثة باركة” للمخرج أحمد حمود حضوراً مميزاً هذا العام من بين العروض الكوميدية الكثيرة التي قدمت في المغرب على غرار “ضيف الغفلة” إخراج مسعود بوحسين عن مسرحية طرطوف لموليير، و”ميعادنا لعشاء” إخراج هشام الجباري، و”قنبولة ” من إخراج سعد التسولي، وغيرها.
مفارقات المسرحية المغربية الكوميدية “ثلاثة باركة” التي عرضت في مسرح المركز الثقافي محمد المنوني بمكناس مؤخراً جاءت من طرافة المواقف التي تعرضت لها شخصية سي لمنور، الذي اتَّخذ ثلاث خطيبات في وقت واحد.

المسرحية قدمتها فرقة مسرح الشامات المغربية بدعم من وزارة الثقافة المغربية. وأعدَّها بوسلهام الضعيف وأخرجها أحمد حمود ومثلها كل من زينب الناجم، وسارة الحمليلي، وكريمة الخاطوري، وشيماء الجبيري، وياسين أحجام وسعيد الهراسي، ونفذ السينوغرافيا لهذا العمل رضا العبدلاوي.


بوينغ بوينغ

تدور أحداث مسرحية “ثلاثة باركة” حول شخصية سي لمنور، مهندس معماري شاب يعيش بشقة بالدار البيضاء ويؤمن بتعدد الزوجات، ويعتبر ذلك حقاً من حقوقه كرجل، وقد ظن نفسه ذكيّا، فخطب ثلاث فتيات دون علم إحداهن بالأخرى، وفي وقت واحد، مما جعله هدفاً لـ”الغارات المفاجئة”، التي تقوم بها كل واحدة منهن، وقد علمت كل واحدة منهن بغريزتها الأُنثويّة، أنَّ فتاة أخرى في حياة خطيبها، لا تعرفها. فبذلت كل منهن الجهد الكبير لاصطياده، وهو يخونها مع تلك الفتاة المفترضة.

عنوان المسرحية “ثلاثة باركة” هو في الأصل مثل مغربي ويعني ثلاث زوجات في البيت برَكة. وهي مقتبسة من مسرحية “بوينغ بوينغ” للكاتب الفرنسي الراحل مارك كاموليتي (1923 ــ 2003). كتبها في الستينات من القرن الماضي، واعتبرت بعد عرضها من أكثر مسرحيات الفودفيل الفرنسية نجاحاً، منذ مسرحيات موليير الاجتماعية الكوميدية.

نجاح المسرحية يعود أساسا إلى حيوية النص المعد عن الأصل الفرنسي، وإلى الجهود الكبيرة التي بذلها الممثلون والمخرج
تحكي المسرحية الفرنسية المفارقات الكوميدية، التي يعيشها مهندس معماري مستهتر يدعى برنارد، أوقع في حبائله ثلاث مضيفات طيران يعملن في ثلاث شركات متنافسة. لعب دور برنارد وسي لمنور في المسرحية المغربية، الممثل ياسين أحجام، ومثل سعيد الهراسي دور صديقه سعيد الأبيض، الذي جاء ليسكن معه في شقته لأسباب قاهرة يمر بها، فصار جزءا من لعبة الخداع التي مارسها صديقه للنساء الثلاث.

وقد مثلت الفنانة زينب الناجم دور الخادمة أو الحاجبة في النسخة المغربية، ومثلت الفنانة سارة الحمليلي دور صوفيا ألا وهي جاكلين في العمل الفرنسي وهي مضيفة فرنسية، وكريمة خاطوري أدت دور الزوهرة، وهي في الأصل شخصية جانيت المضيفة الأميركيّة، لكنها في المسرحية المغربية تعمل مع الخطوط التركية، فيما تقمصت شيماء الجبيري دور فاتن وهي شخصية المضيفة جوديث الألمانيّة في الأصل. وفي العرض استبدلت الخطوط الألمانيّة بالخليجيّة.

وقد واجه المُعِدُّ صعوبات جمة لوضع نص مسرحي كوميدي ملائم للنص الفرنسي، لاختلاف الواقعين الفرنسي والمغربي، كما أنَّ ما يمكن عرضه على جمهور فرنسي يختلف تماماً عن ملاءمته لجمهور مغربي بسبب اختلاف القِيَم والعادات بين مجتمعين عريقين، لكل منهما رؤيته ووجهات نظره بما يعيشه الشباب، وما يراه مناسباً لحياة هؤلاء الشباب.

وما يكون مضحكاً لدى الفرنسيين في العادة ربما سيستدر الدموع لدى مجتمع آخر كالشعب المغربي، خصوصاً في مسائل شائكة، طرحتها المسرحية، كالحب والخيانة، والخطوبة والزواج. واختلاف مفهوم الحياة الزوجية، وعلاقة الزوجين في المجتمعين مع الآخرين، وحدود حرية العاشقين قبل الزواج.

ومن الصعوبات الأخرى التي واجهها مُعِدُّ العمل بوسلهام الضعيف والمخرج أحمد حمود تقديم عرض كوميدي اجتماعيّ دون الوقوع في فخ الكوميديا الهابطة. والمعروف أنَّ هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين مسرح الفودفيل، الاجتماعي الكوميدي، ومسرح التهريج، الذي يُسخّرُ فيه المخرج والمؤلف والممثلون كل طاقاتهم لإضحاك الجمهور من دون هدف آخر غير الضحك.


مسرحية تلهم الجمهور قيم الحق والجمال والفضيلة، وتنبذ الخداع والحيلة والانتهازية التي يسلكها البعض

كوميديا ناقدة

بلغت المسرحية ذروتها حين توحدت شركات الطيران، التي توظف هؤلاء المضيفات في شركة واحدة، ولذلك يصير سفر المضيفات الثلاث في الفترة نفسها، فيقصدن شقة خطيبهن سي لمنور في إجازتهن الأسبوعية. ويحاول سي لمنور أن يتدارك خطر اكتشاف خطيباته لخيانته لكل واحدة منهن، فلا يجد غير صديقه، سعيد الأبيض، الذي أقام معه في شقته. وبالرغم من بذل الصديق جهوده لحماية صديقه، فإنه بسبب حماقته وبراءته وأجوبته العفوية عرّض صديقه للفضيحة، فتكتشف الخطيبات حقيقة الخداع الذي تعرضن له من قبل سي لمنور.

إنَّ عناصر الرؤية المسرحية في النص تركزت حول مهارات كل ممثل وممثلة، دون الاعتماد على سينوغرافيا مؤثرة. فقد استخدم المنفذ عدداً محدوداً من الكراسي ومنضدة صغيرة، ولوحات جدارية تجريدية، وأخرى تمثل بورتريهات نسائية. وفي عرض المسرحية الفرنسية بدبي، استخدم ديكورا فخما لغرفة النوم، والاستقبال، وصالة المطار أضافتْ للمشاهد رؤية بصرية أغنت النص المسرحي، وجعلته أكثر حيوية.

وذلك ما فعلته مجموعة دبي للدراما، التي سبق لها أن قدمت المسرحية الفرنسية الأصليّة “بوينغ بوينغ” في كورتيارد بلاي، هاوس ــ دبي في مايو عام 2015. ويعود هذا النجاح في الأساس إلى حيوية النص، المُعَدّ عن الأصل الفرنسي، وإلى الجهود الكبيرة التي بذلها الممثلون والمخرج لإنجاح العرض الكوميدي، وجعله من الكوميديا الراقية التي تلهم الجمهور قِيَم الحق والجمال والفضيلة، ونبذ الخداع والحيلة والانتهازيّة التي يسلكها البعض للوصول إلى أهداف غير مشروعة.

ويمكن اعتبار ” ثلاثة باركة” من العروض الكوميدية التي اهتمت كثيراً بنقل مشاكل تعدد الخطيبات في وقت واحد، ورغبة الشباب في حياة مترفة سعيدة. وعرّت استهتار الرجال بعواطف الفتيات، واستغلالهم لطموحهن إلى الزواج والاستقرار مع شاب ناجح يوفر لهن الحياة السعيدة، ويبادلهن الحب الصادق.

--------------------------------------------------
المصدر : فيصل عبدالحسن - العرب 

حبيب غلوم ممثل ومخرج إماراتي يجمع ما بين الموهبة والتخصص الرفيع

مجلة الفنون المسرحية

حبيب غلوم ممثل ومخرج إماراتي يجمع ما بين الموهبة والتخصص الرفيع


المسرحي حبيب غلوم رجل عصامي بما تعنيه الكلمة، اجتهد كثيرا ليصل إلى ما هو عليه الآن من مكانة فنية راقية ومستوى علمي رفيع.

 يعرض في الموسم الرمضاني لهذا العام المسلسل الكوميدي “دار الزين” والذي تدور أحداثه خلال فترة الستينات من القرن الماضي. وهو من تأليف جمال سالم وإخراج عارف الطويل وبطولة حبيب غلوم وعدد من الفنانين الكبار.

حبيب غلوم رجل عصامي بما تعنيه الكلمة. اجتهد كثيرا ليصل إلى ما هو عليه الآن من مكانة فنية راقية ومستوى علمي رفيع. يمتلك طاقة كبيرة بداخله تجعله مشحونا بالأفكار المتجدّدة تجاه عمله، فهو دائم النشاط من أجل التواجد على الساحة الفنية. ممثلاً ومخرجاً ومنتجاً فنياً يعتبره الكثيرون عراب الدراما الإماراتية لما لديه من إصرار وإرادة وعناد.

ورغم جميع الصعوبات التي واجهها في حياته فقد أصر غلوم على مواصلة تعليمه العالي، ليكون أول إماراتي يحصل على شهادة الدكتوراه في مجال الفن، واستطاع أن يساهم في إحداث نوع من الحراك الفني على مستوى دولة الإمارات.

ولد غلوم عام 1963 في فريج السوق القديم الواقع بقلب إمارة رأس الخيمة، وكان الثاني بين سبعة إخوة. وكان والده غلوم حسين العطار المعالج الوحيد في رأس الخيمة، وكان الأهالي ينادونه بالدكتور لأنه كان يعالج الناس من الأمراض بالوصفات الشعبية.

عشق غلوم كرة القدم منذ صغره، وكان يقضي أغلب وقته في لعبها بالحي الشعبي الذي كان يقطنه، مما جعله يتأهل فيما بعد للمشاركة في منتخب شباب الإمارات بعد أن لعب في عدة أندية أهمها “رأس الخيمة”.


من لاعب كرة قدم إلى مسرحي

من المعروف أن لعبة “كرة القدم” تستلزم بنية جسدية قوية، تمكّن اللاعب من تحمل شدة الإصابات في المستطيل الأخضر، ولكن غلوم لم يكن يملك البنية الكافية لإكمال حلمه الكروي، كما يقول. حيث تعرض لإصابة دخل على إثرها المستشفى وأجرى عملية جراحية لإزالة الغضروف، وتحتمت عليه مهاجرة الملاعب إلى غير رجعة.

لملء الفراغ الكروي الذي طرأ في حياته، ذهب غلوم مع رفاقه في المدرسة الذين كانوا أعضاء في فرقة “صقر رشود” إلى المسرح، حيث كانوا يعملون على مسرحية استعداداً لعرضها، حينها اقتحم غلوم المسرح مستندا على عكازه ولم يغادره حتى يومنا هذا، أغرم بهذا الفن العريق الملقب بـ”أبو الفنون”، اكتشف أن هناك عالما ينتظره مفعما بالحياة يعوضه عن كرة القدم، ليقرر المضي إلى دراسة الفن بشكل أكاديمي في الكويت.

نال غلوم عام 1987 درجة البكالوريوس في التمثيل والإخراج بتقدير امتياز من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، وحصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا في الإخراج الدرامي من أكاديمية الفنون بالقاهرة.

ولم يتوقف عند هذا الحد الأكاديمي حيث نال درجة الماجستير في علوم المسرح من أكاديمية الفنون بالقاهرة، وختم سيرته الأكاديمية عام 1999 بحصوله على درجة الدكتوراه في الأدب المسرحي من جامعة مانشستر البريطانية.


حكاية لم تروها شهرزاد

المسرح هو البيت الكبير الذي يفضله غلوم، عمل فيه ممثلا ومخرجا ومدربا، ومن الأعمال المسرحية التي شارك فيها كممثل “المهرجون”، “الخوف”، “الطوفة”، و”حكاية لم تروها شهرزاد”، وكان غلوم أول من قدم المونودراما في المسرح الإماراتي، وهي المسرحية التي تعتمد على الممثل الواحد.


لدى غلوم قدرة إخراجية عالية بالمحافظة على إيقاع العرض المسرحي ويجيد تحريك الممثلين على خشبة المسرح، بالإضافة إلى تميزه في اختيار الإكسسوارات والديكور والإضاءة، ومن أهم المسرحيات التي أخرجها غلوم هي: “المنديل”، “لحظات منسية”، “الأغنية الأخيرة”، “ثلاث صرخات”، “المصير” و”أغنية الأخرس”.

أراد غلوم أن يتيح خبرته ومعرفته المسرحية لكل الشباب الإماراتي فقدم عدة دورات مسرحية تأسيسية، منها دورة تأهيل الكوادر المسرحية الأولى في مسرح الفجيرة القومي، ودورة تأهيلية لمنشّطي المسرح المدرسي في منطقة رأس الخيمة التعليمية، كما كان مشرفا على دورة “دراما تورج الممثل” لصالح دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة، ودورة في التصنيف الدولي للمواصفات برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.

ويشهد له أنه عمل بطريقة غير تقليدية، فقدم مسرح العبث أو مسرح اللامعقول، كما أنه خرج عن إطار الخشبة وعمل في هذا المجال مسرحية “لحظات منسية”، وقدم العرض حينها في المهرجان التجريبي للمسرح الذي أقيم في مصر.


غلوم نصير المرأة

الأديب نجيب الشامي صديق غلوم منذ أيام الطفولة، يعتبره من الكفاءات المتميزة في مجال المسرح، ويضيف الشامي “يعدّ غلوم من أوائل الخريجين على مستوى الدولة من المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، وأنا ككاتب مسرحي أعود له في كتاباتي المسرحية وأستشيره لأنني أثق كثيرا في رأيه، ونحن سويا نؤمن بأن للمسرح رسالة مسؤولة، فنحن نشأنا وتربينا في بيئة ثقافية مشحونة بقضايا وهموم هذا المجتمع، وأنا كمؤلف وهو كمخرج نسعى إلى تسليط الضوء على القضايا ذات العلاقة والتي تمس مجتمع الإمارات”.

ركّز غلوم على قضايا مهمّة في كتاباته المسرحية تتناول أغوار الشخصية نفسها سواء كان رجلا أو امرأة، لكنه حرص أن يعطي المساحة الأكبر للمرأة والبعد الإنساني لها، وهذا ما أشارت إليه الفنانة القديرة سميرة أحمد في أحد لقاءاتها الصحافية، حيث قالت “تكلم غلوم عن واقع المرأة في الإمارات تحديدا، مؤمنا بأن المرأة هي التي يقع على عاتقها تنشئة الجيل القادم، وإذا كانت التربية جيدة وهي كذلك بالفعل سيكون المستقبل جيدا ومشرقا”، وأضافت سميرة أحمد أنها بدأت العمل معه عام 1985 في مسرحية “حكاية لم تروها شهرزاد”، ومنذ البداية وجدت أنه يمتلك قدرا كبيرا من الحب والاندفاع والنشاط والوعي والخبرة. ولهذا تواصل تعاونهما الفني في العديد من الأعمال.

غلوم يعتبره الكثيرون عراب الدراما الإماراتية، لما لديه من إصرار وإرادة وعناد. فرغم جميع الصعوبات التي واجهها في حياته، أصر غلوم على مواصلة تعليمه العالي، ليكون أول إماراتي يحصل على شهادة الدكتوراه في مجال الفن، واستطاع أن يساهم في إحداث نوع من الحراك الفني على مستوى الدولة
وعلى المستوى الإنساني قالت عنه سميرة أحمد “غلوم شخص متعاون يحب زملاءه و يتبنّى قضايا الآخرين، يتسم بسعة الصدر وطول البال وهو من المخرجين الذين يتعاملون مع الفنانين بسلاسة”.

عام 2010 فاجأ غلوم الوسط الفني والجمهور أيضا بإعلان زواجه الثاني من الممثلة البحرينية المتألقة هيفاء حسين، وصرح حينها أن ارتباطهما جاء بعد فترة تعارف بحكم عملهما في نفس المجال، ويُذكر أن هيفاء حسين شاركت في العديد من المسلسلات الخليجية المتميزة، وكان من أشهر الأعمال التي شاركت في بطولتها مسلسل “اللقيطة”، إذ استطاعت تجسيد دور الفتاة التي تعاني من ظلم أقرب الناس لها، كما شاركت في العديد من المسلسلات التلفزيونية، منها “القدر المحتوم”، “ليلى”، “نيران”، “حكم البشر”، “يوم آخر”، “نجمة الخليج”، “قيود الزمن” و”أزهار”.


تمثيل الإمارات في المحافل

خبرة غلوم المهنية الطويلة ودرجته العلمية جعلتاه يتقلد عدة مناصب منها مدير إدارة المسرح بوزارة الإعلام والثقافة، ورئيس اللجنة الفنية لتطوير المراكز الثقافية، بالإضافة إلى كونه عضوا مؤسسا لمسرح رأس الخيمة الوطني وعضو شرف في مسرح العين الشعبي، وعضو اللجنة الدائمة للثقافة الخليجية وعضو اللجنة الثقافية العربية.

وهذا ما يجعله طوال الوقت في سفر دائم إلى دول عربية وأجنبية ممثلا لبلده، وعن ذلك يقول غلوم “هذا كله عمل من أجل الإمارات وثقافتنا، أنا وغيري نجتهد في تقديم ما نستطيع تقديمه، ونشارك في ندوات وملتقيات ومهرجانات، وكوني مدير الثقافة فكلّ ما يخصّ تلك الدعوات ثقافياً وأدبياً وفنياً نحاول أن نتواجد فيه، وأنا بطبعي أحب العمل، فإذا كانت قياداتنا تبذل كل هذا الجهود، فالأولى بنا نحن أبناء الإمارات أن نحذو حذوها، ونمشي على خطاها كلنا، وأن نسعى كي نكون مثل قيادتنا ونظهر حبنا للإمارات مثلها”.


خيانة وطن وأمانة وطن

قائمة الأعمال البصرية التي شارك فيها غلوم تطول، ففي جعبته حوالي خمسين عملا ما بين التلفزيون والسينما، وكان من أكثر الفنانين الإماراتيين الذين أتيحت لهم فرصه العمل مع العديد من المخرجين الكبار أمثال المصري محمد فاضل والكويتي محمد الدحام والتونسي شوقي الماجري وغيرهم، مما وفر له التنوع في الأدوار الفنية.


حبيب غلوم يعتبر من أكثر الفنانين الإماراتيين الذين أتيحت لهم فرصة العمل مع العديد من المخرجين الكبار
في العام الماضي قدمت الإمارات تجربة درامية مميزة حملت رسالة وطنية هامة للغاية ساهمت في نشر الوعي حول وقائع حقيقية حصلت في دولة الإمارات، وكانت جرس إنذار لمخاطر قد تدق الأبواب في أيّ وقت، التجربة كانت مسلسل “خيانة وطن” الذي أنتجته مؤسسة أبوظبي للإعلام وشارك فيه أكثر من 80 ممثلا من الإمارات والكويت والبحرين وعُمان، في مقدمتهم غلوم وجاسم النبهان وهيفاء حسين ولطيفة المجرن ومرعي الحليان وعبدالله بهمن وفاطمة الحوسني وبدرية أحمد وأحمد إيراج.

المسلسل الذي يعتبر العمل الوطني السياسي الأول في تاريخ الدراما الإماراتية تناول موضوع التحقيقات التي تمت في الإمارات مع الخلايا الإرهابية والمتطرفة التي تم القبض عليها، معتمدا على رواية “ريتاج” للدكتور حمد الحمادي، التي كتب لها السيناريو والحوار الكاتب القدير إسماعيل عبدالله، وتولى عملية إخراج العمل المخرج البحريني الكبير أحمد يعقوب المقلة.

غلوم كان من المشرفين على العمل الدرامي، وأوضح في تصريح صحافي أن مسلسل “خيانة وطن” حظي بدعم لوجيستي كبير من قبل كافة الجهات الرسمية، وفي مقدمتها الجهات الأمنية التي أمّنت الخبرة في هذا المجال على وجه الخصوص، وهو أمر منح العمل بعداً إضافياً على صعيد الإنجاز الفني والموضوعي.

ولفت غلوم إلى أن أحد مكاسب الدراما المحلية هو أنها تمكنت من توضيح حقائق لفئة يمكن أن نعتبرها الأقل احتكاكاً بوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل آراء الكثيرين.

يبتعد غلوم في الوقت الراهن عن قصص الحب التي أشبعتها الدراما تفصيلاً حسب تعبيره، فهو يبحث عن أعمال متميزة تحاكي واقع الوطن أو تلك التي تروي تاريخ الإمارات.

ويعمل اليوم مع صديقه الكاتب إسماعيل عبدالله على مشروع درامي جديد بعنوان “أمانة وطن” وهو امتداد لمسلسل “خيانة وطن”، وأفصح حبيب في حديث صحافي عن قصته قائلا “المسلسل يحكي عن أبناء الإمارات الشهداء الذين لم يبخلوا عليها بدمائهم، حملوا الوطن أمانة في أعناقهم وقدّموا في سبيله حياتهم، بدون أن نسقط طبعاً الجانب الآخر حيث نسلط الضوء على الفكر الإرهابي والتنظيمات التخريبية وكل من ينتمي إليها”.

--------------------------------------------------------
المصدر : فادي بعاج - العرب 

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption