أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 12 مايو 2018

مـن أهـــدر مـسرح الــهـواة المغربي ؟؟

مجلة الفنون المسرحية

 مـن أهـــدر مـسرح الــهـواة المغربي ؟؟


 نـجــيب طـلال

هــيـــهـات !

في بعـض اللحظات وبعـيدا عن أعـين البصاصين والنمامين وذوي الإشاعات وصناعها ! هناك ذوي الإحساس المرهـف والنفوس الأبية والنوايا الصادقـة؛ تـذرف دموعهم خلسة؛ أوبعْـضهم يتفـوه بكلام الحُـرقة الممزوج ببكاء نابع من ثنايا الأسى والـحـسرة؛ على ضياع صـرخ إبداعي/ فني/ فكري/ جمالي/

إنـه : مسرح الهُــواة !

ولكن هـيهات أن يعود الفارس لصهوة جـواده؛ بعْـدما اندحر في دماء حربه ؛ وأطاع اللئام على مصارعـة حقيقة وجوده. مما ساد صمت مطـلق للمشهد المسرحي ؟ وربما صمت مـدان ؟ من لدن من كانوا فوق صهوته وجوانية الصرخ أو من مكوناته الأساس؛ هـذا ما لمسته من صرخات بعـض المسرحيين في إحـدى اللقاءات - بمؤسسة الشريف الإدريسي-  بمراكش الحمراء.

إذ فـعلا هناك صمت مطلق؛ وعَـدم اهتمام أولفت انتباه كتابة أو نقاشا حتى؛ جَـوانية النسيج الاجتماعي والثقافي وحتى السياسي حول ضياع [مسرح الهـواة] ببلادنا؛ ضياع إرث لا يـعَـوض مهما اختلفنا حول معياره وتقييمه ؛ ضـياع بالـكاد يفرض علينا أن نتساءل بكل تلقائية وبصوت مرفوع :

هل أمسـى جُـثة : فــــــــــمن قـتـله ؟

هل أضحى مومياء: فمن حَـــــنطـه ؟

هل تحول لشبح: فمن ضيع ملامحه ؟

هل فقد معناه وذكراه: فمن نسف معنى المعنى وحنط ذكراه ؟

تساؤلات كثيرة ؛  وغائرة في جـرح المسرح المغـربي. ولكـن حـبذا لو تتعدد الإجابات وتم طرح جملة أو بعض من الرؤى والأفكار حول سبل مواجهة: من أهدر دم مسرح الهـواة ؟ بـدل ترك مياه المسرح الهـاوي راكدة في بركة يعلوها الوحل والطين؛ ليبقى سجـله ووضعـه بعيدا عـن المناولة والنقاش وينمحي السؤال الثابت والمطروح ؟ وكم من موضوع انمحى ليس بالتقادم بل  بالنكران وعـدم النبش فيه ؛وبالتالي ما أراه أصوب : فـمسرح الهواة الذي (كان) لم يـعـد مومياء أو شـبحا أو حـتى جثـة ؛ نتمسح بها أونشخص سقـوطها في براثين دمها المسفـوك ؟ الجـل تبرأ منه كـأنه لم يكن  ذاك الكائن؛ الذي كـوَّن وأنشأ ذاك الكائن الذي يتبرأ منه ( الآن ) كأنه لم يكـن شيئا مذكورا ؟ أو كائن نجـس !  أوبمثابة رجـس !  ولاسيما أن مسرح الهواة في المغرب؛ كان يعـد استثناء في بنيته ومنظومته وتنظيمه ؛ عن تجارب العالم ؟ بمعنى أن المفهوم الشائع بأن الممارسة الهواياتية، تكون أقـل خبرة وكفاءة من الممارسة الاحترافية. وبالتالي فهو كان بمثابة مؤسسة يتخرج منها (المحترفون) وسيخرج مسرح المستقبل!



مـــــفــارقــة !!



لكن في حالة – المغـرب- فمسرح الهواة هـو الاحتراف بشكل من الأشكال؛ ولكن من الناحية الإبداعية والجمالية كانت أغلب الجمعيات – محترفة – في صنعـتها ؛ ولاسيما أن مفهوم الاحتراف ( المهنية/ الفرقة) لاوجود لها في بلادنا؛ فحتى مسرح الناس أو فرقة البدوي أوالقناع الصغير مسرح الحي أومسرح البرَّكة أوالوفاء المراكشية أومسرح اليوم أو مسرح الشمس... إن هاته أو تلك التجارب وغيرها تبقى تجارب ليست إلا ؛ ويمكن أن نطلق عليها ( تجارب تجَمُّعـية) لأن الفرقة ( الاحترافية) لا تنهار و لا يتوقف عـطاؤها بعـد سنة أو سنتين؛ لأنها – مؤسسة فنية لها بُعْـدهـا واستراتيجيتها ومنظورها تدبيري في الإنتاج وتـرويج منتوجها الإبداعي....: لأن تجربة الاحتراف المسرحي في المغرب لم تؤسس بعد، فقط يوجد متفرغون يشتغلون على هواهم، وان بطاقة الفنان مكسب للفنان المسرحي، وأن الهواة طبعوا البهاء على المسرح المغربي (1)                                                     

والمفارقة أن تلك [ الفرق ]التي كانت ولازالت تؤطر انوجادها في صف ( الاحتراف) وفي واقع الأمر؛

هي جمعيات؛ خاضعة للظهير الشريف لتأسيس الجمعيات ؛ وليس لظهير قانون الشغل ! وبالتالي فهـذا الشق لم يــتـأسس بعْـد؛ بـل فقط يوجـد متفرغـين يشتغلون على مـزاجـهم الفني ، وحتى تلك التجارب التي تصنف نفسـها( احترافية) لم يتم قراءتها بشكـل علمي ومعقلن في إطار دراسات جادة،

لفـهم أنسـاق اشتغالها وأسباب تعـثرها أو فـشـلها ؟ ففي غياب ذلك لا يمكن تأطيره من خلال محموله ( الاحترافي) الـذي يـبقى مجـرد توصيف بدون مدلول عملي/ قانوني/ تنظيمي/.../ والأنـكى أن أصحابها لم تكـن وليس لديهم الجـرأة في كشف وتوضيح الأسباب الرئيسة في انتهاء مشروعهم؛ بحيث الغموض والضبابية في تفـسير أسباب النهاية التي آلت إليها تلك التجارب ؟ 

وبناء عليه : فـرواد تلك التجارب؛ لم يكونوا كما أشرنـا [محترفين] بمعـناه اللوجستيكي والإبستمولوجي؛ لأن [ المِهنية = الاحتراف] لا تموت ! ولا تـندثر ! ولهـذا فالمـسرح يولد من رحم المجتمع ومؤسساته وكـذا من حالاته الفنية ؛ التي تعتبر أيقونـة لوجوده كوجود معقد ومملوء بالمتناقضات والانقلابات بالمشاكل التي حيرت حلولها عقول الفلاسفة والمفكرين؛ لكن عوالم المسرح تختزل كل هـذا في حبكة درامية ؛ فعاليتها ومبدعوها هواة ببلادنا؛ لكن أهـدر دمه و نحن أحياء. لكي يموت المقدس الذي كان يحتويه...نعَـم والإنسان لازال موجودا ومسرح الهواة اغتيل ليعـيش موتتـه الأبدية .



التنظيـــم الـخـفي!!!



وإذا كان المسرح من خلق الإنسان ؛ لكي يتبرأ من كل عنصرية كوجود مجرد ولإبراز صراعه ؛ مع القوى الطبيعة أو قوى الشـر وقوى تخريب الإنسانية .فلقد انطفأ بريقه ولمعان تلك الإبداعية التي كانت روح عطائنا ووجودنا ! فبين أرواحنا وروح الفعل المسرحي تداخل مهيب؛ فالمسرح الهاوي؛ كان منزوع الذاتية؛ ليصبح نفسه موضوعا لأرواحنا؛ والعـكس مثبوت كذلك؛ فبالرجوع بالذاكرة قليلا؛ وذلك لاختزال تاريخه؛ فالملاحظ أن ممارسوه وعشاقه كانوا أكثر اتزانا وتوازنا؛ في العطاء الفني والإبداعي ؛ وفي تحقيق عمق الممارسة خصوبة وثراء فنيا.

وذلك إبان الحضور في الملتقيات والتظاهـرات الإقليمية والوطنية. ولعل أبرزها وقـتئذ[ المهرجان الوطني لمسرح الهواة] بغض النـظـر عَـلى كـَواليسـه والمتلاعبين على احتكاره وتكريس مفاهيم مضللة؛ يبقى تظاهَـرة وطنية ؛ مأسوف على اغـتياله وسـفك دمـه بدون مشروعـية ؛ وفي انعـدام المشروعية؛ هـل حقيقة المسرح هو جوهر عصره، لأنه يستمد وجوده من ذات الممارسة الاجتماعية ؟

بدهي أن المسرح كيـنونة كائنة ؛ رغم بعض التحفظات؛ التي كانت تتمظهر في بعض المحطات التاريخية ؛ والتي تتلاقى بـنسق مجتمع محافظ/ منغلق؛ الغالب فيه هَـيمنة مؤسسات التحريم، التي تمارس خطابها بأشكال مختلفة ومتعددة في مجتمعنا.

ورغم ذلك ظل مسرح الهواة؛ صامدا في مشهده والمشهد الثقافي عموما؛ بحكم الحِـسّ النضالي لفعالياته وشبابه؛ وكذا رافدا أساسيا للممارسة المسرحية؛ لأنـه كان منجذبا لسيكولوجية ممارسيه ؛ ومنظوم مجتمعه . ومن ثمة فممارسـوه كانوا يتحَـدون النسق الاجتماعي ؛ للتعبير عما ينبغي أن يتجاوزه المجتمع للانتقال : كمطمح لعصر آخر. فمن هاته الزاوية ؛ استجلب أو تماهى مع العَـديد من التجارب المسرحية عالميا؛ ذات منطلقات فلسفية وفكرية وسياسية ؛ بمعنى كان [مسرح الهـواة] يعيش تطلعاته .

ومن هـذا التفاعل كان الإقصاء تارة واضحا وتارة أخرى ملتويا؛ زئبقيا ؛ وخاصة تجاه المسرح – الجاد والملتزم- مما ظلت لفظة / صفة ( الهواة) تقزيمية لكل ممارسيه !  فرغم الوعي الضمني لمفهوم (التقزيمية) أمست فعاليته في اتزان وتوازن ؛ نتيجة العِـشق التوحدي الذي ساهَـم في تداخل الذات بالموضوع الذى هو توأم الشرط الـذاتى ؛ فـبدونهما معا أوعَـدم اندماجهما فى آن. لـن يتحقق الفعل الإبداعي؛ ولكن وعي الهواة بذلك؛ أفرز تداخلا من الصعب تمييز بين الموضوعي/ الذاتي؛ في الممارسة المسرحية الهاوية؛ نتيجة الدمج وشحْـذ جماع خبرتها وخيالها لخلق إبداع ؛ في بعْـده الأعـم (كان)  يقف موقفا معارضا مغايرا. رغم التوجهات القبلية في تأطيرالممارسة المسرحية واحتوائها تحت يافطة سياسة ؛ تؤطر نفسها في [الثقافة الشعبية ] : وتنظيم خاص يجعل منها جزءا لا يتجزأ من التنشيط المهيأ والموجه لما كان يسمى في عهـد الاستعمار((جمعيات الشباب الثقافية)) التي يؤخـذ فيها بعين الاعتبار لا المقاصد الفكرية والفنية؛ ولكن حاجة المراهـق الشاب إلى تحقيق وتأكيد ذاته في إطار تجمع يصرف فيه مقتضيات نـموه النفسي والعقلي وأحلامـه الطموحة(2) فهـذا منظور؛ والتي عملت الشبيبة والرياضة كقطاع حكومي على الاهتمام بها؛ وذلك  في ميدان سياستها المتبعة. ومحاولة تصريفها عبر مذكرات تنظيمية للمشاركة في المهرجان؛ وعبر تحريك وضبط  - رواد- دور الشباب ولكنه عمليا لا يقاس على ممارسي مسرح الهواة( آنذاك) لأسباب تندرج في طبيعة المشتغلين في نسيجه ؛ بحيث أن أغلب ممارسيه وفعالياته ؛ كانوا خارج  مرحلة ( المراهقة) علما أنه لم يكن امتدادا لمسرح الحركة الوطنية ؛ ورغم ذلك حاولت الأحزاب  بشتى الطرق؛ استقطاب الجمعيات المسرحية ؛ كدرع ثقافي وفني لها ؛ مما كانت تنشط وتقوم بتداريبها المسرحية في بعض المقرات الحزبية أو المكراة أو هبة من لدن عشاق المسرح ؛ بمعنى أن أغلب الممارسين كانت تجمعهم بدور الشباب سوى التنظيم القانوني ( فقط).

مما كان الوجه الحقيقي لفن الاحتراق المسرحي ، احتراق من أجل الآخرين ؛ وذلك من خلال تضحيات رجالاته وشبابه وارتباطهم بالقضايا الإنسانية والوطنية والقومية. والتزامـهم الفعال بقضايا الإنسان والمواطن المسحوق ،عَـبرالكـَلمة الجادة والجمالية المدهشة، لذات المسرح ولروحه؛ وليس حُـبا في الظهور والدعم المادي..

وبالتالي فالجمعيات المسرحية كانت ولا زالت في بعض المحطات؛ الرافـد الأساس في الدفع بالحركة المسرحية  لتطوير جـديتها وعطاء إبداعيتها؛ مما كان رواد مسرح الهواة ، أكثر حماساً وإخلاصا ؛ للفـن والإبداع . ويدفعـون دم قلوبهم ! ومن صبيب عرقهم ! ليس من أجل هوايتهم؟ بل من أجل المسرح ككائن في كينونة فـعله وتماهـيـه ؛ باعتباره من بين الوسائل التثقيفية والاعلامية ؛ ومساهـم بفعالية في تفعيل الوعي السياسي والاجتماعي؛ وذلك من خلال الفرجة والمتعة؛ المبنية على فكر خالد وجمالية خلاقة . علما أن الجمعيات المسرحية ؛ استطاعت أن تنمو وتتقوى بذاتها وتدبير إنتاجها المسرحي / الفني من ذوات أعضائهـا؛ دونما الاعتماد على الـدعـم ؛ بل عَـبرالتضحيات والاكتتاب والمساهمات من لدن أشخاص ذاتيين واعتباريين ، فتلك الحقائق عشناها؛ ولا يمكن للممارسين الذين تخلوا عن شقـهم إنكارها؛ فمن خلال التآزر والتفاعل المادي والمعنوي ؛ أفرز مستويين من التحقق العياني وليس النظري:



1/ تحقـق الاندماج الاجتماعي والتواصلي بين جل المسرحيين، فكان هنالك تعاون ومساندة؛ وتضحيات سيزيفية ؛ ربما سيزيف لن يستطيع لها صبرا ! إذ كيف نفسر تلاقي ومشاركة جمعيتين أو ثلاث في عمل واحـد؛ علما أن كل جمعية من مدينة؟ فكيف نفسر أن: بعضا من المسرحيين ضحوا بوظيفتهم ومصدر عيشهم من أجل إتمام عمل مسرحي في مدينة أخرى؟ أو فنان يقـدم عـرضا مسرحيا؛ متزامنا ووفاة أحـد أصوله أو أقاربه ؛ أو ازدان فراشه بمولود؛ تلك حقائق وليست مجرد توهُّمات أو حـشو كلام ...

2/ التحقق العملي في الإنتاجية؛ بحيث أغلب الجمعيات  الهـاوية ؛ أنتجت ممثلين لهم طاقات خارقة جدا ومؤلفين ومخرجين ؛ دونما إغفـال أفراد أبدعوا و مارسوا التقنيات وإنجاز ديكورات؛ فكان بـحَـق أفراد كل جمعية لحمة واحـدة؛ رغم بعض الاختلافات والمناوشات؛ وهـذا طبيعي . ولكنهم أبدعوا وأنتجوا وأنجزوا أعمالا نوعية ، خالدة ؛ طبعت البهاء والرونق  على المسرح المغربي، حيث كان للمسرح قدسيته و للركـح هيبته وسحره الأخاذ؛ فرغم التغيرات والتوجهات السياسية وفق التحولات الداخلية والتي تفرض جَـدلا تغيير وتغير التعبيرالفنى من واقعه الفكري والعملى الذى كان فيه؛ إلا واقعه الآني الذي أفرزته التقلبات  الخارجية التي ثؤترعلى الوجهة الوطنية والقومية ؛ لكن المسرح الهاوي؛ لم يـغير روح كلمته وعطائه وتوهجـه؛ بل ازداد قوة بتعـدد الجمعيات المسرحية حتى في المداشر والقرى؛ التي قدمت تجارب و أسماء رائدة .



نــقـطة الــتحـــول  ؟



لكن التحول المفصلي؛ تمظهر (1 في مئة) لخلق انتعاشة لشق المتفرغـين؛ ومحاولة تذويب العطالة الموسمية للفن؛ لكن شق الهواة ؛ فعاليته وممارسوه، هرولوا نحـوها بدون وعي متزن؛ ليتحول ذاك المسرح / الكائن المتمرد والمشاغِـب والعَـصي عن المطاوعة ؛والذي لعب دورا مهما في صناعة الأجيال وطارحا أسئلة مقلقة ؛ خارج عنق الزجاجة ، إلى كائن شبحي(جوانية الزجاجة) وتبعي :سياسيا واقتصاديا و ثقافيا؛ نـحو( الدعم) فهل هـذا المعطى سبب مباشرأومساهم في إهَـدار دَم مسرح الهواة ؟ لتتكسر قلوب مريديه وممارسيه وعشاقه الكـثر ؟ أم الإدارة أوالجهة الوصية ؛ هي التي أهْـدرت دمه ؛ حتى لا يبقى متجذرا في تربته الأصيلة ومتطلعا إلى مستجدات مسارح العالم ؟ وما أعتقد أن يكون الأمر كذلك؛ لأن المشرف الرئيس عن مسرح الهواة( كان) هو مركز الأبحاث المسرحية؛ الذي من شأنه حماية الناشئة وتوجيهها تجاه (الثقافة الشعـبية ) التي غـرسها الفرنسيون آنذاك ؛ ومسرح الهواة فعاليته لم تكن من الناشئة ؛ بل من شباب ورجال لهم مسؤوليات أسرية ومهنية ( آنذاك) ؟ رغم أن المسؤولين على القطاع حاولوا بتوجيهات الأجانب الذين ظلوا في قطاع الشبيبة والرياضة بعيد الاستقلال؛ ممارسة توجيهه نحو شرنقة ( الثقافة الشعبية) كما أشرنا؛ ولكن هل مسرح الهواة ( وقتئذ) حقق استقلاله فعـلا؟

لآن هناك صورة أخرى طرحت في أواسط السبعينيات من القرن الماضي ؛  من لدن من عاش معمعان الممارسة نقدا ومواكبة ولكن لم تناقش ؟ ومفادها: ... ويوهمنا بأن مسرح الهـواة حقق استقلاله الفكري والسياسي؛ قبل أن يتحقق ذلك على صعيد الأمـة كلها، ولكنه في الحقيقة يعمق تورطه في لعبة تخديرية لحساب مجموعة من (( رجال أعمال المسرح)) الذين يتـقنون تنظيم (( بورصاتهم الفنية)) ليكونوا على علم بأخبار السلع الفنية وحركاتها وقيمها وما في بطونها من إمكانيات الربح والحصول على الامتيازات والجوائز، وتلك أمور لا يتحكم في ناصيتها إلا الراسخون في الحبك المسرحي المخلوط بالإتجار غير البريء؛ كل ذلك باسم الفـن وثورة الشباب(3) أكيد أن الطرح فيه نوع من الغموضية ولبس الفهم؛ لكن من عاش صراعه وإقصاءه وتهميشه في فضاء مسرح الهواة؛ يستنتج ما كان يقصده صاحب الطـَّرح ؛  و في عمقـه استخلاصا؛ بأن مسرح الهواة كانت بمثابة واجهة للمتاجرة سياسيا واقتصاديا ؛ عند بعض من هم محسوبين على القطاع تنظيميا وإداريا وحتى ممارسة؛ وبالتالي فهؤلاء ومن تربى في أحضانهم؛ ألم يكونوا سببا في إهـدار دمه ؟

هل التنظير المسرحي ومحموله نحو وَهـْـم التأصيل؛ كان سببا في إستئصاله من الداخل؛ نتيجة صراعات جوفاء وهامشية ؛ تلك عـصفت بكل أحلامه العتيدة، فتم إهـدار دمه بالتدريج ؟

هل التحولات نحو العولمية ؛ والاحتكام لمنطق السوق؛ سبب من الأسباب الرئيسة في إهْـدار دمه؛ لينحو المسرح نحو- الماركوتينك والاقتصاد بدل الضجيج والروح القتالية والنضالية المزعجـة لرجال المال والأعمال ؟

هل هنالك أيادي خفية آثـمة تكالبت عليه ، لإفراغه من محتواه واستنزاف طاقاته الإبداعية ؟ حتى يصبح المبدع المسرحي – سيكوباتيا-  نرجسيا- انتهازيا -  بدون روح إنسانية ؛ تضفي على القلوب روح الأمل المشرق والحب الصادق بين الإنسان والإنسان.

أسئلة وتساؤلات متعَـددة تتناسل؛ عمن أهدر دم مسرح الهواة (؟) وتوارى خلق قناع الحياة( ؟ ) وحول ممارسته وممارسيه إلى ذكرى بدون إحساس( ؟ ) لأن العـديد ممن كانوا منتسبين إليه؛ بدورهم اغـتالوا ذكرياتهم بصمت مريب؛ وعَـدم تأطير وجودهم فيه؛ أثناء أحاديثهم ؛ لأنهم لم يقتلوا النوستالجية التي تسكنهم بل قتلوا روح الإحساس الفني من روحهم ؛ لينقطع خيط النور المسرحي الذي أضاءهم وأضاء عقودا من الزمن ! زمن رغم عـدم تقـادمه : أمسى غابرا في سجل المسرح المغـربي !!



الإحالات :


1-/  قول المسرحي: عبد المجيد فـنيش في نـدوة الرباط حول المسرح – انـظر- التغـطية - في موقع

       كلامكم أو في  مطبوع  صحيفة الحقيقة نيوز03/03/ 2016     

2- /  وجهات نظر حول واقع مسرح الهواة لمصطفى القباج مجلة الفنون س6 ع1 نونبر1979 ص5

3- / نــــفســـــــه ص 5/6

الجمعة، 11 مايو 2018

المسرح الرحال وتجاوز المسافات

مجلة الفنون المسرحية


المسرح الرحال وتجاوز المسافات 

الإعلامية غادة كمال - الحدث 

ضمن برامج مجموعة المسرح ثقافة اختير موضوع شيق يحمل أبعادًا فنية ونقدية مهمه شارك فيه مجموعة متميزة من المسرحيين العرب كلًا في مجاله ولكن من خلال تجربتي كإعلامية تعمل في مجال المسرح حيث قدمت مع زميلي وائل الدمنهوري برنامج “مسرح الشباب” الذي استعرض على مدار سنتين العديد من التجارب المسرحية في وطننا العربي بالإضافة إلى تجربه رائدة في مجال “مسرح الفرجه ” أو المسرح الرحال والذي تمنيت كثيرًا أن أشاهده وعندما شاهدته وجدت أنه فاق كل توقعاتي “سأموت في المنفى” للفنان والكاتب والمخرج الفلسطيني غنام غنام المسرحية التي جابت عواصم العالم وفي كل عاصمة تترك أثرًا يختلف عن سابقتها وأذكر عندما عرضت في سلطنة عمان أن أحد المشاهدين ترك مقعده وتوجه إلى أستاذ غنام مشاركًا إياه في الوقوف على أرض العرض.
أكتب رأيي هنا كمشاهدة وأنا أعلم أن العديد من النقاد كتبوا عنها ولكن بالتأكيد ستكون كلماتي مختلفه لأني هنا كمشاهدة و لست بناقدة.
“سأموت بالمنفى ” جاءت تتويجًا للعديد من الأعمال التي تنتمي إلى المسرح الرحال ومنها “عائد إلى حيفا” وغيرها ولكن هذا العمل استوقفني كثيرًا ودفعني إلى أن أتأمل ما أحاط به من عناصر فنية بداية من مكان العرض وهو حجرة مربعة لا يوجد بها أي ديكورات سوى مصباح معلق في سقف الغرفة البيضاء وكراسي المشاهدين والتي وضعت في شكل مربع يتناسب مع طبيعة الحجرة كما لم يكن هناك أي شكل من أشكال الإضاءة ولا الديكور مما دفعني للتساؤل ؟؟ كيف يمكن لفنان أن يحمل على عاتقه أداء عمل يختزل كل العناصر الفنية في شخصه فقط مهمه صعبة.
جاء أستاذ غنام حاملًا كل أدواته في حقيبة صغيرة يحملها على كتفة وواضعًا كوفية على عنقه وهناك وكرسي وحيد في منتصف الغرفة وكان هو كل أدوات العرض المستخدمة.
بدأ العرض وسط سكون الجمهور الذي تحول بعد لحظات إلى إنبهار يزداد تدريجيًا مع كل لحظة تمر علينا ونحن نتابع العرض.
بطل العرض استخدم كل إمكانيات الفنان الشامل من صوت رخيمًا يحمل عده طبقات تارة يأخذك إلى ماضي مؤلم وطفولة في الذاكرة الحية تباين في الصوت يحمل الألم كل مرحلة على حدة ومرونة في الأداء تجعلك منبهرًا بالمتابعة لأنها لم تنفصل عنه ولو لحظة ولم يترك لنا مجالًا طوال العرض للخروج من دائرة المتابعة.
أنت تنفصل تمامًا عن العالم الخارجي وتنغمس في هذه الدائرة التي أصبحت جزءًا منها ومنتميًا إليها.
الحكي هذا هو سر هذا العمل والذي تفوق فيه الفنان غنام غنام ببراعة يحسد عليها.
أصبحت أنت جزءًا لا يتجزأ من هذه الحكاية التي تربطك بخيوط الخيال إلى الفنان الإنسان الذي يقف امامك تعيش معه التجربة تقفز من مرحلة تاريخية إلى أخرى دون أن تشعر ويظل صوته يترد في ذهنك بكل ما يحمل من ألم ومعاناة.
قضيت وقتًا تمنيت أن يتكرر عشرات المرات رغم ما شعرت به من حزن لمعاناة الأب والابن والوطن وأنا واثقه بأنني في كل مره سأكتشف بعدًا جديدًا وإضافة جديدة في هذا العمل الذي أدعوكم لمشاهدته نقلت لكم بعيون المشاهد جزءًا بسيطًا من رؤيتي التي ستكتمل مؤكدًا ولكن بعيونكم.

(نزهة في ميدان المعركة ) مسرحية من فصل واحد تأليف : فرندنادو اربال ترجمة نامق كامل

مجلة الفنون المسرحية

(نزهة في ميدان المعركة ) مسرحية من فصل واحد تأليف : فرندنادو اربال 
ترجمة نامق كامل



الشخصيات 

زابو جندي 

السيد تيبان والده 

السيدة تيبان والدته 

زيبو جندي من الأعداء 

الممرض الأول 

الممرض الثاني 

ترفع الستارة أرض جرداء. في وسط المسرح أكياس من الرمل. فترة صمت طويلة متصلة, تقطع فقط مرة خلال أصوات طلقات متفرقة. 

بعد نصف دقيقة على رفع الستارة يدخل الجندي زابو. يحمل زابو بندقية, تليفون ميدان, منظار ميدان وكيس ظهر مملوءا غير منتظم, يبدو عليه ممكنا أكثر مما هو في الواقع, يظهر على زابو انطباع خجول, غير حاذق, متبلد إلا أنه انطباع حسن. 

زابو يدحرج على الأرض لفة من الأسلاك الشائكة بحركة تنم عن عدم معرفة. 

يتوقف. 

يضع اللفة على الأرض. 

يقيس كل عرض المسرح بدقة تامة يتوقف. 

يفكر. 

يتطلع الى السماء. 

يفكر. 

يتجه الى أكياس الرمل ويضع عليها البندقية والتليفون وكيس الظهر. 

يفكر. 

يفحص بدقة أكياس الرمل. 

يتطلع حوله 

يفكر 

يبلل أصبع سبابته بلسانه ويرفعه في الهواء. يفكر. 

فجأة يخرج من كيسه أشياء مختلفة : قنابل يدوية, صحيفة, مسدسا، كببا من الصوف, بلوزة حياكة نصف منجزة الى جانب إبرة حياكة, غليون, مرآة, فرشاة أسنان, وأخيرا كتابا فيه تعليمات عن المواضع التي يجب عليه تثبيت الأسلاك الشائكة عليها. 

يتوقف عن عمله. 

ينظر بامتنان في الكتاب. 

يتصفح الكتاب بسرعة من المقدمة الى المؤخرة فيما يبلل خلال ذلك سبابته بلسانه, ثم يكرر ذلك بسرعة من المؤخرة الى المقدمة, لم يجد شيئا، يحار. يتصفح الكتاب مرة أخرى بسرعة من المقدمة الى المؤخرة ثم من المؤخرة الى المقدمة. 

يتوقف, يبدو عليه السرور: لقد وجدها : يقرأ. يفكر. 

يتفحص فيما حوله بعناية. 

يتناول المنظار وينظر خلاله فيما حوله. يبدو عليه الارتياح. 

يثبت المنظار على الأرض.. 

ثم يتحول بعد ذلك مباشرة الى الجد. 

يتناول الكتاب وينظر الى موضع الأسلاك الشائكة. يستمر في 

القراءة بشكل مشتت (الفصل الذي يدور حول " طريقة تثبيت الأسلاك الشائكة "). 

يبدأ بنشر الأسلاك الشائكة. يجرب بكل القياسات على ضوء ما هو موجود في الكتاب ويبدو عليه الجد والاهتمام. يتقدم خطوات الى الأمام. يضع بواسطة كعب جزمته علامات على الأرض. 

يرجع خطوتين الى الوراء ويضع إشارة, ثم خطوتين الى الجانب : علامة وهكذا. 

الآن هناك علامات مختلفة على الأرض. 

يفحصها كلها. 

يفكر. 

يعود الى الكتاب. 

يستمر في تفحصه للعلامات 

يفكر. 

ينظر في جميع الجهات ويمسح فجأة بضحكات خائفة قصيرة مكتومة كل العلامات. 

ثم يمد بحزم الاسلاك الشائكة بشكل مائل على خشبة المسرح. 

يتأملها مندهشا.يتجه اليها ويمسدها بيديه. 

بغتة يبدو عليه انطباع حزين : على أي جانب من الأسلاك الشائكة يجب عليا أن يقف ؟ 

يتناول البندقية ويتخذ موضع المقاتل على أحد جانبي الأسلاك الشائكة, ثم يذهب الى الجانب الآخر ويفعل نفس الشيء. 

يتردد. 

يتجه الى كيس الظهر ويخرج منه بعجلة كل الأشياء المختلفة. أخيرا يعثر على خارطة عليها خطة, يبسطها، انها هائلة يحاول تثبيت الموضع. 

يفكر. 

يزداد حزنه وعدم حزمه أكثر مما قبل. 

ينتقل من أحد جانبي الأسلاك الشائكة الى الجانب الآخر. يتردد أكثر من السابق. 

أخيرا تفصح امارات وجهه عن شيء ما. 

يتناول قطعة نقود ويرميها في الهواء: يبقى عند أكياس الرمل مبتهجا! 

استراحة 

يتناول البلوزة غير المكتملة وكبة الصوف. 

يضطجع على أكياس الرمل ويبدأ بالحياكة. 

يحوك لفترة من الوقت. 

ينهض. 

يجرب البلوزة. 

يرتديها بشكل غير منتظم ويتأمل نفسه. 

يذهب الى كيس الرمل ويخرج المرآة. 

يضع المرآة عل الأسلاك الشائكة. 

يتأمل نفسه ويمسك بالبلوزة قبالة ملابس القتال. 

ينظر في المرآة. 

يضحك ضحكة مكتومة. 

صمت. 

يضحك عاليا، ويشعر بالخوف فجأة ويتوقف عن الضحك. 

يتطلع حوله. 

تسقط منه كبة الصوف. 

يبحث عنها بين الأكياس, يبحث عنها بإلحاح ملحوظ. 

يتلمس الأرض بين الأكياس دون أن يردها 

يبدو عليه السرور. 

يعثر على شيء كروي. 

يتأمله : انها قنبلة يدوية. 

يندب نفسا بصوت خفيض " غبي! انها ليست مما تبحث عنه!" يرميها بإهمال تنفجر مدوية ينبطح فورا على الأرض ويتمدد بهلع بين الأكياس. 

يدق تليفون الميدان. 

يرفع زابو السماعة بتعابير وجه مرتعبة. 

زابو : هالو.. هالو... أمرك أيها القائد.. 

نعم, انني في نوبة حراسة القطاع السابع والأربعين.. لا جديد أيها القائد... عفوا أيها القائد، متى نواصل القتال ؟.. والقنابل اليدوية ؟ ماذا أفعل بها؟ أرسلها الى الخلف أو المقدمة ؟ ليس عن قصد أيها القائد، لم أقصد سوءا.. أيها القائد، أشعر حقا بالوحدة, الا يستطيع سيدي القائد أن يرسل لي وفيقا؟ حتى ولو كانت معزة.. - يبدو ان القائد قد وبخه بشدة - أمرك أيها القائد، أمرك. ( يعلق زابو السماعة متذمرا). 

صمت. 

)يأتي السيد والسيدة تبيان بسلال الفطور كما في نزهة.يكلمان ابنهما الذي يجلس وظهره اليهما ولا يراهما). 

تبيان (بابتهاج) : انهض يأبني وقبل والدتك في جبينها! 

(ينهض زابو مباغتا ويقبل والدته بجلال في جبينها، يريد أن يقول شيئا لكن والده يقاطع كلماته ) 

والآن أمنحني قبلة !. 

زابو : ولكن يا أبي الحبيب, يا أمي الحبيبة, كيف تجرأتما على المجيء الى هنا؟ الى سلا هذا المكان الخطر؟ ارجعا حالا الى البيت !. تبيان : ماذا ؟ هل تريد أن تعلم أباك ماذا تعني الحرب والخطر؟ ان كل هذا لا يعدو أن يكون بالنسبة لي أكثر من لعبة أطفال. كم من مرة, على سبيل الذكر فقط, قفزت من قطار يسير تحت الأرض ! 

السيدة تبيان : كنا نخشي أن تشمر بالملل. لذا أردنا زيارتك زيارة قصيرة. أخيرا يجب على هذه الحرب أن ينالها التعب والانهاك ! 

زابو : سيحصل ن لك فيما بعد. 

تبيان : أعلم ولكن كيف. ان المكانس الجديدة تكتسح جيدا. في البدء يبتهج المرء للقتل ورمي القنابل اليدوية ووضع الخوذة على الرأس. ذلك لطيف, ولكن بمرور الوقت يصبح الأمر مقززا. عليك أن تعيش فا كان في زمني! آنذاك كان المسير في مثل هذه الحرب بهجة. وبخاصة الخيول. كانت هناك خيول كثيرة ! يا لها من متعة خالصة ! عندما كان الآمر يأمر: هجوم, وكنا جميعا نرتدي البدلات الحمراء. حالا! يا له من مشهد! ثم هجوم عاصف, السيوف في اليد وفجأة يظهر العدو أمامنا، وكان أيضا على مرتفع, ومعه خيول - كانت الخيول موجودة دائما، أكوام هن الخيول لها مؤخرات مكورة جميلة - وكان للأعداء جزعات لامعة وبدلات خضراء. 

السيدة تبيان : كلا، ان بدلات العدو لم تكن خضراء وانما زرقاء أتذكر ذلك جيدا: زرقاء كانت. 

تبيان : وانا أقول لك انها خضراء. 

السيدة تبيان : كم من مرة كنت أقف على الشرفة حينما كنت صغيرة كي أشاهد المعركة وأقول للفتي الجار: " أتراهن معك على عود عرق سوس على أن الأزرق سينتصر!». * 

تبيان : ليكن ! : أسم لك بذلك. 

السيدة تبيان : كانت المعارك دائما تأسرني، حينما كنت صغيرة وددت أن أكون قائدة في سلاح الفرسان, لكن ماما لم تكن تريد ذلك. انت تعلم جيدا تزمتها الشديد! 

تبيان : ان أمك وزة بلهاء. 

زابو : لا تغضبا، يجب عليكما أن ترحلا. ان لم يكن المرء جنديا عندئذ يجب علية الا يتواجد في أرض المعركة. 

تبيان : نحن هنا لنتذوق معك الخلوة والتمتع بيوم أحدنا. 

السيدة تبيان : : وقد أعددت خصيصا غداء فاخرا : نقانق, بيض مسلوق الذي تحبه جدا ! خبز مع شرائح لحم, نبيذ أحمر، سلطة وكاتو. 

زابو: جميل,كما تريدان, ولكن اذا جاء الآمر عندئذ ستقع المشكلة,... انه لا يريد اطلاقا زوارا على الجبهة. انه يحثنا باستمرار قائلا " في الحرب نحتاج الى نظام وقنابل يدوية وليس زوارا! ". 

تبيان : دعك من ذلك : دعك : سأهمس ببضع كلمات في أذن السيد آمرك. 

زابو : واذا ما بدأت ثانية ؟ 

تبيان : وهل تظنني سأخاف ؟ لقد عشت أشياء أخرى تماما! آه, لو كانت معركة فرسان ! لكن الأحوال تغيرت, وهذا ما لم تفهمه. 

(صمت ) لقد جئنا على دراجة بخارية ولم يسألنا أحد عن شيء. 

زابو : ربما اعتبروكما حكاما. 

تبيان : لم يكن من اليسير التقدم مع كل هذه المؤن. 

السيدة تبيان : وهل تعلم كيف تعطلت كل حركة عند وصولنا بسبب مدفع ؟ 

تبيان : على المرء أن يتوقع كل شيء في الحرب. 

السيدة تبيان : حسنا لنبدأ في تناول الطعام. 

تبيان : لك الحق, انني جوعان كالذئب, ربما كان ذلك بسبب غبار البارود. 

السيدة تبيان : لنجلس على الدكة ونأكل. 

زابو : هل احتفظ بالبندقية أثناء الأكل ؟ 

السيدة تبيان : دعك من البندقية, لا يمكن الأكل مع البندقية, انها قلة أدب (صمت). 

ولكن انظر ! إنك متسخ مثل الخنزير! كيف وصلت الى هذا الحال ؟ أرني يديك ! 

زابو : لم يريها يديه بخجل ) كان علي أثناء التمارين ان أزحف على الأرض 

السيدة تبيان : والأذنان ؟ 

زابو : لقد غسلتهما صباح هذا اليوم. 

السيدة تبيان : لا بأس. والأسنان ؟ (يريها اسنانه ). جيدة جدا ! والآن من هو الذي يريد أن يقبل ابنه قبله جميلة لأنه غسل أسنانه جيدا، (لزوجها): تعال, إن أبنك غسل أسنانه جيدا، قبله (تبيان يقبل ابنه ) لأنك تعلم : بأنني لا أصبر على أن تتحدث أثناء الحرب ولا تغسل نفسك ! 

زابو : أجل, ماما. 

(يأكلون ) 

تبيان : والآن يا بني،كم حلقة أصبت ؟ 

زابو : متى ؟ 

تبيان : في الأيام الأخيرة. 

زابو : أين ؟ 

تبيان : الآن هنا، انك في معركة. 

زابو : لا بأس. لم أصب الكثير من الحلقات. وتقريبا. 

لم أصب الدائرة السوداء. 

تبيان : وما هو أفضل ما أصبت ؟ 

زابو : ليست الخيول. لم تعد هناك خيول بعد. 

تبيان : اذن جنود ؟ 

زابو : ربما. 

تبيان : " ربما" الا تعلم بالضبط ؟ 

زابو : لأنني... لأنني أطلق بدون هدف.. (صمت ).وبعد ذلك أصلي الصلاة الربانية للرجل الذي أصرعه. 

تبيان : يجب أن تكون أشجع,مثل أبيك. 

السيدة تبيان : سأضع اسطوانة على الغرامافون (تفعل ذلك. إنها اسطوانة رقصة باسا دويله. يجلس الثلاثة جميعا على الأرض ويستمعون الى الاسطوانة (. 

تبيان : انني اسمي هذا موسيقى، أجل سينورا! 

(تستمر الموسيقى. يظهر جندي من الأعداء: زيبو. يرتدي ملابس شبيهة تماما بملابس زابو، عدا لونها المختلف : بدلة زيبو خضراء وبدلة زابو رمادية. زيبو يستمع للموسيقى فاغر الفم. يقف خلف العائلة التي لا تشعر بوجوده. الاسطوانة تنتهي، زابو ينهض ويكتشف زيبو. الاثنان يرفعان أيديها الى الأعلى. السيد والسيدة تبيان ينظران اليهما بدهشة(. 

تبيان : ما الذي يجري هنا؟ 

(يبدي زابو ردود فعل : يتردد. يتناول بندقيته ويسددها الى زيبو بملامح جدية(. 

زابو : ارفع يديك ! 

(يرفع زيبو يديه أكثر علوا ويبدو عليه الخوف " لا يعلم زابو ما الذي يفعله. فجأة يجري باتجاه زيبو، يربت على كتفيه برقة ويقول : 

زابو :انت رهن الاعتقال (الى والده بانتشاء) : هكذا لقد أسرت جنديا! 

تبيان : جميل.وماذا ستفعل معه, الآن ؟ زابو لا أدري، ولكن ربما سأمنح رتبة ملازم. 

تبيان : حاليا أوثقه. 

زابو : أوثقه ؟ لماذا؟ 

تبيان : الأسير يوثق. 

زابو : كيف يتم ذلك ؟ 

تبيان : اربط يديه معا! 

السيدة تبيان :صحيح يجب أن توثق يديه. هذا ما شاهدته دائما. 

زابو : حسنا (الى الأسير)مد يديك رجاء! 

زيبو : لا تؤذني! 

زابو : كلا. 

زيبو : أوه ! إنك تؤذيني! 

تبيان : لكن, لكن, ينبغي الا تسي ء معاملة أسيرك. 

السيدة تبيان : أهذه تربيتي؟ كم مرة قلت لك بأن على المرء أن يعامل أقرباءه بأدب واحترام ! زابو : لم أفعل ذلك عن قصد. (الى زيبو): وهكذا؟ هل يؤذيك أيضا؟ 

زيبو : كلا، لا يؤذيني هكذا. 

تبيان : قل بصراحة كن متأكدا، لا تخجل منا. زيبو : هكذا أفضل. 

تبيان : والآن الأقدام. 

زابو : الأقدام أيضا ؟ سوف لا ننتهي من هذا! 

تبيان : ألم يوضحوا لك التعليمات ؟ 

زابو : أجل. 

تبيان : إذن. 

زابو : (باحترام شديد للأسير) هل تتفضل رجاء وتجلس على الأرض ؟ 

زيبو : أجل ولكن لا تؤذني! 

السيدة تبيان : هل رأيت ؟ ستثير غضبه نحوك ! 

زابو : كلا, كلا, هل أؤذيك ؟ 

زيبو : كلا, اطلاقا. 

زابو : (فجأة ) بابا، ماذا سيكون لو التقطت لنا صورة ؟ الأسير على الأرض وأنا بقدمي على بطنه ؟ 

تبيان : أجل. سيكون ذلك جميلا. 

زيبو : كلا, ليس هذا. 

السيدة تبيان : قل نعم, لا تكن عنيدا! 

زيبو : كلا قلت " كلا"وسأبقى كذلك. 

السيدة تبيان : فقط هكذا، صورة صغيرة ! ماذا يضيرك ؟ وسنعلقها في غرفة الطعام جنب ميدالية الإنقاذ التي نالها زوجي قبل ثلاثة عشر عاما. 

زيبو : كلا، لا يمكن اقناعي. 

زابو : ولكن لماذا لا تريد؟ 

زيبو : لأنني مخطوب. واذا ما شاهدت خطيبتي الصورة ذات يوم فإنها ستقول انني لا أعرف أن أحارب. 

زابو : ولكن بامكانك أن تقول لها بأنها ليست صورتك وانما صورة فهد. 

السيدة تبيان : والآن ؟ قل " نعم "! 

زيبو : ليكن. ولكن فقط من أجل أن أدخل السرور الى قلبكم. 

زابو : تمدد! 

(يتمدد زيبو. يضع زابو قدمه على بطن زيبو ويتناول بندقيته بملامح وجه حربية.) 

السيدة تيبأن : أبرز صدرك أكثر! 

زابو : هكذا؟ 

السيدة تبيان : أجل. هكذا ولا تتنفس. 

تبيان : ليكن مظهرك كالبطل. 

زابو : كيف يمكن أن أظهر كالبطل ؟ 

تبيان : ببساطة. كن مثل القصاب عندما يتحدث عن حكايات النساء. 

زابو : هكذا ؟ 

تبيان : أجل,هكذا. 

السيدة تبيان : وقبل كل شيء الصدر الى الخارج ولا تتنفس ! 

زيبو : هل سينتهي ذلك قريبا ؟ 

تبيان : قليلا من الصبر. واحد.. اثنان... ثلاثة. 

زابو : آمل أن أبدو جيدا. 

السيدة تبيان : بالتأكيد. كنت تبدو محاربا كبيرا. 

تبيان : كنت تبدو بالشكل الصحيح تماما. 

السيدة تبيان : (الى تبيان ) أود أن أصور معك. 

تبيان : فكرة حسنة. 

زابو : جميل. اذا أردتما سألتقط لكما صورة. 

السيدة تبيان : أعطني خوذتك كي أبدو مثل الجندي! 

زيبو : لا أريد أن أصور بعد.. مرة واحدة كثير علي. 

زابو : لا تقل هذا! ماذا يضرك ؟ 

زيبو : هذه كلمتي الأخيرة. 

تبيان (الى زوجته ) دعك من هذا، دعك, الأسرى دائما حساسون. 

اذا استمررنا على ذلك فسينزعج ويفسد متعتنا. 

زابو : جميل ماذا نفعل به بعد؟ 

السيدة تبيان : نستطيع أن ندعوه الى الطعام مار أيك ؟ 

تبيان : انني لست ضد هذا. 

زابو : (الى زيبو)ما رأيك في تناول الطعام معنا؟ 

زيبو : أوووخ 

تبيان : لقد أتينا بنبيذ فاخر. 

زيبو : اذن, هيا. 

السيدة تبيان : تصرف كما لو كنت في بيتك. شمر عن ساعديك. 

زيبو :سأفعل. 

تبيان : وماذا عنك انت الآخر؟ هل أصبت كثيرا من الحلقات ؟ 

زيبو : متى؟ 

تبيان : في الأيام الأخيرة. 

زيبو: أين؟ 

تبيان : الآن, هنا، انك في حالة حرب. 

زيبو: لا بأس. لم أصب كثيرا من الحلقات. أم أصب في المنطقة السوداء إطلاقا. 

تبيان : وما هو أفضل ما أصبت : الجنود الأعداء ام الخيول ؟ 

زيبو : ليست الخيول, لم تعد هناك من خيول بعد 

تبيان : اذن جنود؟ 

زيبو : ربما. 

تبيان : «ربما" الا تعرف بالضبط ؟ 

زيبو : لأنني... لأنني بالذات أطلق بدون هدف.. (فترة صمت ) وأثناء ذلك أصلي صلاة القديسة ايفا - ماريا والرجل الذي أصرعه. 

زابو : القديسة ماريا؟ كنت أظن الصلاة الربانية. 

زيبو : كلا دائما صلاة القديسة ماريا. (صمت ) انها أقصر. 

تبيان : الجرأة أيها الصديق القديم, شجاع, شجاع ! 

السيدة تبيان : (الى زيبو) ان أردت نستطيع أن نحل وثاقك. 

زيبو : كلا، دعكم من ذلك, لا يهم. 

تبيان : لا تحتاج عندنا لأن تتكلف. اذا أردت أن نحل وثاقك فما عليك إلا أن تقول لنا ذلك ! 

السيدة تبيان : خذ راحتك. 

زيبو : اذا كنتم تصرون إذن حلوا وثاق قدمي ولكن ليس هذا الا نزولا عند رغبتكم. 

تبيان : زابو, حل وثاقه ! 

(يفعل زابو ذلك ) 

السيدة تبيان : الا تشعر الآن بشكل أفضل ؟ 

زيبو طبعا. لكنني لا أريد أن أثقل عليكم. 

تبيان : لا عليك تصرف كما لو كنت في البيت. واذا أردت, نستطيع أن نحل وثاق يديك أيضا، ما عليك إلا أن تقول. 

زيبو : كلا، ليس اليدين, لا أريد أن أتمادى في احسانكم. 

تبيان : كلا أيها الصديق كلا. أقول بأنك لا تثقل علينا كثيرا. 

زيبو : جميل... اذن حلوا وثاق يدي أيضا، ولكن فقط لكي أتناول الطعام, موافقون ؟ لا أريد أن تظنوا بأني ذلك الشخص الذي إذا مد اليه أصبع تناول اليد بأكملها. 

تبيان : حل وثاق يديه أيها الشاب. 

السيدة تبيان : والآن : وبما أن السيد الأسير إنسان محبوب فسوف نقضي في الحقل يوما رائعا حقا. 

زيبو : لا تقولوا : السيد الأسير! قولوا ببساطة : الأسير،. 

السيدة تبيان : الا يزعجك ذلك ؟ 

زيبو : كلا, ولا أدنى ازعاج. 

تبيان : انك حقا انسان متواضع. يجب قول ذلك. 

(تسمع أصوات طائرات ) 

زابو : طيارون. سيقصفوننا بالتأكيد. 

(ينبطح زابو وزيبو على الأرض ويخفيان نفسيهما بين أكياس الرمل). 

زابو : (الى والديا) أخفيا نفسيكما! 

ستسقط القنابل على رأسيكما. 

(غطت أصوات الطائرات على كل شيء. وسقطت أولى القنابل على مسافة قريبة ولكن ليس على المسرح. ضوضاء كامنة. زابو وزيبو تكورا بين أكياس الرمل. السيد تبيان يتحدث بهدوء الى زوجته التي كانت تجيبا هي الأخرى بهدوء أيضا. لا يسمع من الحوار شيء بسبب القنابل تذهب السيدة تبيان الى أحدى السلال وتخرج منها مظلة. تشرعها ويحتمي الزوجان بظلها كما لو أن السماء تمطر. يظلان واقفين, يميلان بايقاع متسق من قدم الى أخرى وهما يتحدثان عن شؤونهما الخاصة. يستمر القصف. أخيرا تتفوق الطائرات هدوء. (السيد تبيان يمد أحدى يديه خارج المظلة ليتحقق ان كان لا يزال ذلك الشيء يسقط من السماء). تبيان : (الى زوجته ) يمكنك غلق المظلة. (تفعل السيدة تبيان ذلك لم يتجه الاثنان الى ولديهما ويضربانه بالمظلة بضع ضربات على مؤخرته ) هيا! اخرجا. انتهى القصف. 

(زابو وزيبو يزحفان في مخبئهما) 

زابو : ألم يحدث لكما شيء؟؟ 

تبيان : ماذا يمكن لأبيك أن يحدث ؟ (بكبرياء): أمثل هذه القنابل الصغيرة ؟ شيء مضحك. (يظهر من جهة اليسار جنديان من الصليب الأحمر وهما يحملان محفة ). 

الممرض الأول : هل هناك من قتل ؟ 

زابو : كلا، ليس هنا. 

الممرض الأول : هل تفحصت جيدا، أمتأكد أنت ؟ 

زابو : متأكد جدا. 

الممرض الأول : ولا قتيل واحد؟ 

زابو : أقول لك كلا. 

الممرض الأول : ولا حتى جريح ؟ 

زابو ولا جريح ! 

الممرض الثاني (للأول ) : فتش جيدا، ربما تجد جثة هنا أو هناك. 

الممرض الأول : دعك من ذلك لقد قالوا لك لا يوجد قتلى. 

الممرض الثاني : يا للقرف ! 

زابو : يؤسفني جدا، ليس في اليد حيلة. المرض الثاني : كهم يقولون ذلك. لا يوجد قتل, وليس في وسعهم ما يفعلون. 

الممرض الأول : دع السيد وشأنه ! 

تبيان : (باهتمام ) : لو كنا نستطيع ساعدتكم حسب, لكان ذلك من دواعي سرورنا، فنحن رهن اشارتكم. 

الممرض الثاني : إذا استمر الأمر على هذا الحال فسنواجه مشكلة مع القائد! 

تبيان : ولكن ما المسألة ؟ 

الممرض الثاني : ببساطة لأن الآخرين قد أنهكت سواعدهم لكثرة ما نتلوه من جثث وجرحى، أما نحن فلم نعثر على شيء رغم بحثنا المتواصل. 

تبيان : انه شيء مزعج حقا ! (الى زابو). هل انت واثق من عدم وجود قتل هنا ؟ 

زابو : طبعا بابا. 

تبيان (بحنق ) : قل الأفضل بأنك لا تود مساعدة السادة رغم أنهم مهذبون. 

الممرض الأول : لا تؤنبه هكذا! دعة. نأمل ان نجد في الخنادق الأخرى حظا أفضل وان يكونوا جميعا قتلى. 

تبيان : عندئذ سأبتهج طربا. 

السيدة تبيان : وأنا أيضا انها لفرحة حقيقية في أن يقوم المرء بمهمته بشكل جدي. 

تبيان : (يصيح مستنكرا عبر الكواليس ) : والآن ؟ الا يريد أحد أن يؤدي خدمة لهذين السيدين ؟ 

زابو : لو كان الأمر يتعلق بي لأديتها قبل ذلك بوقت طويل. 

زيبو : وأنا أيضا. 

تبيان : أجل, قل, الا يوجد بينكم أيضا جريح واحد؟ 

زابو (بخجل ) : كلا, ليس بيننا. 

تبيان : (الى زيبو) : وانتم ؟ 

زيبو : (بخجل ) : وأنا أيضا. انني دائما عاثر الحظ. 

السيدة تبيان ): (بقناعة ) : لقد راح عن بالي, صباح هذا اليوم الباكر جرحت أصبعي أثناء تقشيري للبصل هل ينفعكم هذا؟ 

تبيان : بالطبع (بحماس ) سينقلونك في الحال ! 

الممرض الأول : كلا، لا يمكن, لا يمكن مع السيدات. 

تبيان : نحن الآن كما في البداية. 

الممر ض الأول : لا يهم. 

الممرض الثاني : ربما نختصر المسألة في الخنادق الأخرى 

(يقومان بحركات معينة ). 

تبيان : لا يهمك من ذلك. اذا وجدنا قتيلا فسنحتفظ به لكما. لا تقلق فسوف لا نعطيه إلى شخص آخر. 

الممرض الثاني : أشكرك كثيرا. 

تبيان : لا شكر غلى الواجب يا صديقي، انها مسألة بديهية. 

(يودع الممرضان الأشخاص الأخوين يحييهما الأشخاص الأربعة جميعا. ينصرف الممرضان ). 

السيدة تبيان : انه شيء ممتع أن يلتقي المرء في نزهة يوم الأحدبأناس لطيفين. (صمت ) ولكن لماذا انتم أعداء حقا؟ 

زيبو : لا أدري. أنني لست من المتعلمين جدا. 

السيدة تبيان : هل أنتم أعداء منذ الولادة أم حصل ذلك فيما بعد؟ 

زيبو : لا أدري، لا علم لي بذلك إطلاقا. 

تبيان : اذن كيف ذهبتم الى القتال ؟ 

زيبو : ذات يوم, حينما كنت أصلح مكواة والدي، جاء سيد وقال : " هل انت زيبو؟" - " أجل " - "حسنا، عليك أن تذهب الى الحرب !» بعد ذلك سألته : «ولكن الى أية حرب ؟» ثم قال : " ألا تقرأ الصحف, يا أيها المغفل ؟" أجبته بأنني أقرأ بعضا منها ولكن ليس قصص الحرب... 

زابو : هذا ما حدث معي تماما, بالضبط. 

تبيان : أجل, لقد أحذوك أنت أيضا. 

السيدة تبيان : ليس بالضبط, في ذلك اليوم لم تكن تصلح المكواة بل العربة. 

تبيان : كنت أعني بقية الحديث (الى زيبو) وبعد ذلك ماذا حدث ؟ 

زيبو : قلت له لدي خطيبة ويجب أن أصحبها الى السينما يوم الأحد والا ستنفجر من الغضب. وقال لا شأن لذلك بالحرب. 

زابو : تماما, هذا ما كان معي أيضا, بالضبط. 

زيبو : ثم جاء والدي وقال بأنني لا أستطيع الذهاب الى الحرب وذلك لعدم امتلاكي حصانا. 

زابو : تمإما مثلما قال أبي, 

زيبو : ثم أشار السيد الى أن المرء بحاجة الى حصان, وسأله ان كنت أستطيع اصطحاب خطيبتي معي قال كلا، وان كنت استطيع اصطحاب عمتي لكي تصنع لي يوم الخميس الحلويات التي أحبها جدا. 

السيدة تبيان : (تلاحظ بأنها قد نسيت الحلويات ) أخ, حلوياتك ! 

زيبو : وقال مرة أخرى «كلا" 

زابو : تماما مثل أمي! 

زيبو : ومنذ ذلك الوقت وأنا تقريبا وحيد في الخندق. 

السيدة تبيان : ( الى زيبو) : انت وسيدك الأسير متقاربان جدا واذا شعرتما بالملل, أقصد تستطيعان أن تلعبا معا بعد الظهر. 

زابو : كلا، ماما، انني أخاف كثيرا.. انه عدو. 

تبيان : مهلا, مهلا, لا عليك أن تخاف. 

زابو : لو كنت تدري بما حدثنا به الجنرال عن الأعداء! 

السيدة تبيان : مذا قال اذن ؟ 

زابو : قال بأن الأعداء أناس شريرون جدا. فحينما يأسرون أشخاصا يضعون في جزماتهم حصاة حتى يتألموا عند السير. 

السيدة تبيان : يا للقسوة ! إنها وحشية ! 

تبيان (بغضب الى زيبو) وأنتم الا تخجلون من الخدمة في جيش من المجرمين ؟ 

زيبو : لم أقم بعمل مؤذ. ليس عندي من إساءة ضد أحد. 

السيدة تبيان : إنه يريد أن يخدعنا بملامحه المنافقة ! 

تبيان : كان علينا الا نحل وثاقه. لا نحتاج إلا لحظة واحدة لندير ظهورنا له حتى يملأ جزماتنا بالحصى. 

زيبو : لا تسيئوا الي ! 

تبيان : ماذا تعتقد ؟ ما الذي على المرء أن يفعله ؟إنني غاضب ! إني أعلم ماذا سأفعل : سأذهب الى القائد وأرجوه قبولي في الحرب. 

زابو لن يقبلك.. انت رجل طاعن في السن. 

تبيان : إذن سأشتري لي حصانا وسيفا وأشن حربا على طريقتي الخاصة. 

السيدة تبيان : مرحى! لو كنت رجلا لفعلت ذات الشيء. 

زيبو : رجاء لا تكونوا هكذا معي! يجب أن أخبركم بشيء ما: إن جنرالنا قال نفس الشيء 

عنكم. 

السيدة تبيان : كيف يجرؤ على النطق بهذه الكذبة.! 

زابو : هل قال حقا نفس الشيء؟ 

زيبو : نفس الشيء. 

تبيان :هل يمكن أن يكون نفس الشيء الذي حدثكما به انتما الاثنين ؟ 

السيدة تبيان : ولكن ان كان قد حدث نفس الشيء فالأولى به ان يكون حديثه مختلفا على الأقل. فهل مثل هذا الاسلوب هو أسلوب لائق لقول نفس الشيء لأحد ما! 

تبيان : (في لهجة مختلفة الى زيبو) : قدح صغير آخرا؟ 

السيدة تبيان : هل راق لك ؟ 

تبيان : على أية حال كان أفضل يوم الأحد الماضي. 

زيبو : كيف ؟ ماذا كان هناك ؟ 

تبيان : لقد قمنا بنزهة وبسطنا معدات طعامنا على قطعة قماش وعندما أدرنا ظهورنا, التهمت البقرة كل شيء، حتى مناديل الطعام. 

زيبو : أبهذه الصورة كان هذا الوحش الملتهم, هذه البقرة ! 

تبيان وكعقوبة لها التهمناها بعد ذلك. 

(يضحكون ) 

زابو : (الى زيبو) : ماذا تفعل في الخندق لكي تزجي الوقت في الواقع ؟ 

زيبو : أقوم بصنع أزهار من القماش, لكنني مع ذلك أشعر بملل كبير. 

السيدة تبيان : وماذا تصنع بالأزهار؟ 

زيبو : في البداية كنت أرسلها الى خطيبتي، وذات يوم كتبت لي بأن الحديقة الشتوية والقبو قد امتلآ بها ولم تعد تعرف ماذا تفعل بها، وتفضل أن أرسل لها شيئا أخر إن لم يثقل علي هذا الأمر. 

السيدة تبيان : وماذا فعلت بعدئذ؟ 

زيبو : كنت أود أن أصنع شيئا آخر لكنني لم استطع. لذلك تابعت صنعي لهذه الأزهار تزجية للوقت. 

السيدة تبيان : وبعد ذلك أكنت ترميها؟ 

زيبو : كلا. لقد وجدت لها حلا، وذلك بأن أمنح كل رفيق يموت زهرة منها، حتى أصبحت لا أستطيع أن أعمل ما يكفي من هذه الأزهار على الرغم من أنني كنت أصنع أعدادا كبيرة منها. تبيان : اذن لقد وجدت لها حلا مناسبا. 

زيبو : (بحياء) : أجل. 

زابو : وأنا أخوك بالملل. 

السيدة تبيان : ولكن أسمع, هل ان كل الجنود يشعرون بالملل مثلكم ؟ 

زيبو : انها تعتمد على كيفية ترجيتهم للوقت. 

زابو : انها نفس المشكلة معي. 

تبيان : اذن لنتوقف عن هذه الحرب. 

زيبو : ولكن كيف ؟ 

تبيان : ببساطة. قل لرفاقك بأن الأعداء لا يريدون الحرب. وانت (لابنه ) قل نفس الشيء لرفاقك أيضا ثم يذهب الجميع الى بيوتهم. 

زابو : رائع ! 

السيدة تبيان : ويهذه الطريقة تستطيعون أن تتما اصلاح المكواة. 

زابو : كيف يمكن الا يخطر بذهن أحد حتى الآن مثل هذه الفكرة العظيمة ؟ 

السيدة تبيان : والدك فقط ممن يمكن أن يخطر بذهنه مثل هذا، لا تنس انه قد أكمل تعليما عاليا، وهو جامع طوابع بريد أيضا. 

زيبو : وماذا يتبقى اذن للمارشالات والضباط بعد ؟ 

تبيان :سيمنحونك قيثارات وصنوجا ويرتاحون. 

زيبو : فكرة حسنة. 

تبيان : أترون. كم هي بسيطة ؟ كل شيء تم ترتيبه. 

زيبو : سنحقق نصرا هائلا. 

زابو : سيبتهج إذن رفاقي! 

السيدة تبيان : ماذا ترون ؟ الا نضع لهذا الاحتفال اسطوانة باسا دوبلة الراقصة. 

زيبو : هذا صحيح ! 

زابو : أجل ماما, ضعي الاسطوانة. 

(تفعل ذلك, تفتح الفونوغراف, تنتظر, لا شيء يسمع ) 

تبيان : لا نسمع شيئا. 

السيدة تبيان : (تذهب الى الفونوغراف ): لقد توهمت فبدلا من الاسطوانة وضعت بيريه 

باسكية. 

(تضع الأسطوانة. يسمع صوت عزف مقطوعة باسا دوبلة مفردة زابو يرقص مع زيبو، والسيدة تبيان مع زوجها الجميع في غاية الفرح. يدق تليفون الميدان. لا يسمعه أي واحد من الأربعة. يستمرون على الرقص بحماس شديد. يدق التليفون مرة أخرى. يستمر الرقص. تبدأ المعركة مجددا بانفجار قنابل. إطلاق رصاص, ونيران بنادق رشاشة. ضجيج وضوضاء. الاشخاص الأربعة لا يلاحظون شيئا ويرقصون بجنون, وابل من رصاص بندقية رشاشة يحصد الأربعة جميعا. يهوون قتل على الأرض. رصاصة تخترق الفونوغراف. يعيد الفونوغراف نفس المقطع في الرقصة بشكل مستمر كما لو أن الأسطوانة قد تصدعت. تسمع موسيقى الاسطوانة المتخدشة حتى النهاية. يأتي من جهة اليسار نفس الممرضين وهما حاملان محفة فارغة وفي الحال : 

ستار

العراق يحصد الجائزة الذهبية في مهرجان تبريز الدولي للمسرح

مجلة الفنون المسرحية

العراق يحصد الجائزة الذهبية في مهرجان تبريز الدولي للمسرح

حصل المسرح العراقي على أفضل عمل مسرحي على الجائزة الذهبية لمهرجان تبريز الدولي للمسرح في ايران
لمسرحية حلم في بغداد من اخراج الفنان المبدع انس عبد الصمد بمشاركة دولية ايطاليا / اذربيجان / استراليا / طاجكيستان /ايران/تركيا / العراق ... وفرق عديدة من مختلف دول العالم .

 والمخرج  انس عبد الصمد رئيس فرقة مسرح المستحيل ومدرب لفرق عالمية وهو فنان مسرحي  يتميز عن غيره من خلال  مايقدمه بلغة الجسد الصعبة بأسلوب مسرحي متفرد .

باحثة عراقية تكتب عن رائدة مسرح الطفل في الكويت

مجلة الفنون المسرحية

باحثة عراقية تكتب عن رائدة مسرح الطفل في الكويت

كتاب نجاة صادق الجشعمي يحتوي على شهادات ويسرد مشوار الرائدة عواطف البدر.

صدر فى القاهرة كتاب جديد بعنوان عواطف البدر رائدة مسرح الطفل فى الكويت بقلم الناقدة والباحثة العراقية دكتورة نجاة صادق الجشعمي تقديم الكاتب الكبير السيد حافظ.
الكتاب يقع فى 120 صفحة من القطع الكبير لا يحتوى على صور ولكن يحتوى على شهادات ويسرد مشوار رائدة مسرح الطفل فى الكويت عواطف البدر. 
والكتاب يعطي خلفية كبيرة للدور المهم الذي قامت به مؤسسة البدر من خدمة الحركة الفنية والثقافية في الكويت وكانت بمثابة انطلاقة لمسرح الطفل في الخليج. 
ويذكر السيد حافظ فى مقدمة الكتاب أن عواطف البدر هي رائدة مسرح الطفل فى الخليج قد يبدو هذا العنوان فضفاضاً، لكنه الحقيقة الثابتة التى لا جدال فيها والتي اتفق حولها الأصدقاء والأعداء لهذه المرأة الرائدة، ولأن مسرح الطفل أصبح الآن ظاهرة مادية وأصبح رصيده في الكويت والخليج كماً هائلاً من الأعداد يصل الى خمسين مسرحية قدمت مؤسسة البدر منها عشر مسرحيات فقط وظهر العديد من الأعمال، أن شباب اليوم يجد نفسه فى مواجهة بدائل عديدة لمسرح الطفل خاصة وأن عواطف البدر توقفت عن الانتاج منذ سنوات.
-    ترى لماذا توقفت ؟
-    ما سبب عملية الانتقال المسرح لمسرح الطفل للعديد من الفرق المسرحية.
-    ولماذا اختارات الباحثة عواطف البدر لتقلب في أوراقها ونعطيها حقها التاريخ.
أولاً : لأنها تؤمن بما يلي:
أن مسرح الطفل هو وظيفة لنقل التراث الثقافي والأدبي الى أبناء الجيل الجديد على أساس من الاختيار الواعي الذكي من اجل الحفاظ على القيم الراسخة الصالحة والعادات الجيدة والأعراف الصالحة من أجل بناء المجتمع الكويتي وتحقيق استمراره، وكذلك الخليجي والعربي.وكان الاهداء الى روح عبدالعزيز العيسى رجل الاعمال الذى دعم هذه التجربة. 

غنام غنام: أعلن موتي بالمنفى لأنني لا أرى أفقا متاحاً للعودة إلى فلسطين

مجلة الفنون المسرحية

غنام غنام: أعلن موتي بالمنفى لأنني لا أرى أفقا متاحاً للعودة إلى فلسطين

حاورته: فاطمة بدري - meo



يتفق أغلب رواد المسرح على أن مهمة أبي الفنون تكمن في إنتاج صور حية لأحداث حقيقية حدثت بين الناس باستخدام تقنيات تجعل المتلقي يستغرب الواقع المألوف الذي يعرفه. هذا المفهوم الرائج والسائد قام المخرج والفنان غنام غنام ببتر نصفه الثاني عندما قدم صورة حقيقية حدثت وتحدث دون توقف لكن دون أن يحتاج في ذلك إلى أي تقنيات أو مكملات للإضاءة أو الصوت أو غيره. كان زاده كرسي بلاستكي وشال فلسطيني ليحفر بعمق في الجرح الفلسطيني الغائر بطبعه، ليعلن للعالم أنه غنام صابر غنام الفلسطيني شأنه شأن ملايين اللاجئين الحاملين لذات الهوية سيموتون في المنفى. وعلى وقع عرض مسرحيته "سأموت في المنفى" طرقنا باب غنام غنام فأشرعه على مصراعيه وكان هذا الحوار.

غنام غنام اثناء عرض سأموت في المنفى غنام غنام لحظة اعتراف باستحالة العودة
 "سأموت في المنفى" عمل تطهري أمارس فيه المكاشفة مع الذات و مع الآخر
 الشتات واللجوء عنوانا عربيا وليس فلسطينيا فقط
 حياتي العملية والعائلية هي بدل فاقد عن حياتي التي كان يفترض أن أعيشها على أرض وطني

يقول غنام إن مسرحية "سأموت في المنفى" عمل تطهري أمارس فيه المكاشفة مع الذات و مع الآخر، الآخر الذي قد يكون قريباً، و قد يكون بعيداً، قد يكون صديقاً وقد يكون خصماً وعدوا. سأموت في المنفى محاولة لترتيب غرفتي، وصورتي، وهويتي، كل هذه الأشياء التي تشوش ترتيبها، ووضعها في نصابها الحقيقي، قبل الرحيل النهائي إلى المنفى الأبدي (الموت)، لكي لا ينتهي سؤال المنفى بموتي، بل كي يظل معلقاً حتى يموت المنفى و يعود المنفي.

ولدى سؤاله عن سبب اختياره تقديم العمل كموندراما (مسرح الشخص الواحد) وعدم تشريك نجوم آخرين معه لخوض التجربة في وقت أصبح فيه الشتات واللجوء عنوانا عربيا وليس فلسطينيا فقط، شرعي، يقول المبدع الفلسطيني في معالجتي للعرض، أتعمد أن لا أكون أنا، لأسرد سيرتي، بل أكون آخر يسرد سيرتي، ولا ضير فيما لو أراد ممثل آخر ومخرج آخر أن يقدم العمل، وسيكون ذا بعد وعمق مختلفين عمّا أفعل، وهذا لا يعني أن ما أقدمه سيكون أفضل، لكنه سيكون ذا خصوصية لن يمتلكها عرض الآخرين للنص، لقد أردت تسجيل سابقة فارقة في تقديم هذا النوع من المونودراما، على الأقل في منطقتي، تلك التي يبوح فيها المسرحي بتفاصيل حياته، و يسجل بكل شفافية الشأن الشخصي، كسجل عمومي، كمجلة حقوق شعبية وطنية، ليسجل أبطالاً عاديين، هم من يشكلون الجسم الأكبر من حجم معاناة الفلسطيني.

ويضيف غنام صحيح أن الموضوع صار سورياً، وعراقياً، ويمنياً وليبياً و.. و.. لكن يظل الموضوع الفلسطيني هو أصل الحكاية، وهو سبب أساس لكل ما حدث ويحدث في المنطقة العربية، المنطقة التي تشكلت سياسياً بتقسيم سايكس بيكو لضمان الظروف الملائمة لقيام الكيان الصهيوني الغاصب المسمى (إسرائيل)، وما الأمر الآن إلا أعادة لتقسيم المنطقة، لضمان ديمومة هذا الكيان الغاصب وتحقيق ما لم يحققه في سبعين سنة من قيامه، وهكذا قد تبدو الفوارق في بعض التفاصيل، لكن فعلا يبقى الجانب الإنساني من المعاناة واحد و له نفس الألم و الوجع.




وأما عن سبب اختيار هذا التوقيت تحديدا لمثل هذه التجربة يقول المسرحي الفلسطيني إنه الوعي، تراكم التجربة، الإحساس بتقلص الفرصة، في الثالثة والستين يصير خط النهاية أقرب على بعد خطوات معدودة، فيما يكون الظل ممتداً على مسافة الزمن الذي انقضى. إنه الوعي والإدراك، فإن كنت قد أدركت عام 1992 للمرة الأولى سر شواهد قبور الفلسطينيين في مقبرة "سحاب" حين رأيت شاهدة قبر أخي فهمي وقد حمل اسم بلدتي التي هُجّر أبي وشُردت عائلتي عنها عام 1948 (كفر عانا) واكتشفت أن الفلسطيني في المنفى يكتب اسم بلدته الأصلية في فلسطين على شاهدة قبره، وإذا كان السؤال قد باغتني عام 2011 في مطار رفيق الحريري ببيروت وأنا في طريق عودتي إلى عمان، فأدركت أنني عائد إلى بلدي الأردن الذي هو بدل فاقد عن بلدي الأصلي فلسطين، و أن بيتي في عمان هو بدل فاقد عن بيتنا في كفرعانا بفلسطين، وأن حياتي العملية والعائلية كلها رغم اعتزازي بها، هي بدل فاقد عن حياتي التي كان يفترض أن أعيشها على أرض وطني.

التحم هذا مع شاهدة قبر أخي، و فجر سؤال الهوية وحقيقة الانتماء الذي كان يعذبني ودفعت من أجله سنوات من عمري، هذا الوعي أنجب نصاً حراً بعنوان (سأموت في المنفى – بدل فاقد) هذا النص صار واحداً من أهم مكوناتي الفكرية والنفسية، وظل يتفاعل في داخلي من 2011 حتى بدأت العمل عليه أواسط 2016، وكأنه حملٌ قد اكتمل ولا بد من ولادته، مع العلم أن سؤال الهوية لم يغب يوماً عما أعيش وأفعل في المسرح، إلا أن شروط الوعي وضرورة تثبيت الموقف صارا واجبين.



الفلسطيني في المنفى يكتب اسم بلدته الأصلية في فلسطين على شاهدة قبره

أعلن هويتي
وفي تعليقه عما إذا كان بهذه المسرحية قدر أقر باستحالة عودة اللاجئين، وعما إذا كان سيسبب خيبة أمل للكثيرين، يرى ممثل ومخرج العمل أن العمل يطرح الوجع ويشخص الجرح ليشير إلى الحل الكامن في كل ذلك، صحيح أنا أعلن موتي في المنفى، لأنني و بكل موضوعية لا أرى أفقاً متاحاً للعودة إلى فلسطين ضمن ما تبقى لي من العمر، لكنني في الوقت ذاته أعلن هويتي، وإعلانها يمنحني الحياة حتى بعد الموت الفيزيائي، إن هذه الصورة القاتمة بعض الشيء، تحمل في ثناياها حثاً شديداً على تمسكنا بحقنا، وهذا فعل حياة، وإن طرح سؤال ( حين أموت، من الذي يموت، غنام الأصلي أم غنام بدل الفاقد؟) هو السؤال الذي يؤشر إلى أهمية أن يحافظ كل منا على جوهره، وأصله، حتى لا يضيع، وهكذا لا تقع العودة في خانة الاستحالة، بل تقع في خانة التمسك بها والعمل من أجلها، إن العمل يشكل حالة مشاكسة صادمة توقظ الوعي.

ويضيف غنام أن التفاعل الكبير الذي حظي به العمل في دول عربية مختلفة أكد الشحنة العالية تجاه القضية من ناحية والانحياز لخياري الفني بشكل العرض وأسلوبه من ناحية ثانية. وأثبت أن القضية ما زالت جذوتها حية في النفوس، إن دموع الناس العاديين الذي حضروا العرض بالصدفة المحضة، هي ذاتها دموع المثقفين والرفاق الذين تقاسمت معهم التجربة النضالية والحياتية.. أعتز بكل الذين حكوا حكاياتهم، وأولئك الذين لم يملكوا سوى قصيدة يلقونها، وأولئك الذين التقطوا الفيديو والصور بعد العرض وأرسلوها لأهلهم وأصحابهم في المهاجر..كل هذا جعل عملي المسرحي هذا عبارة عن مفتاح للوجدان والحنين والسؤال.

وفي سياق حديثه عن مدى اتساع المسرح بعد لطرح المشاكل الكبيرة الراهنة في زمن طغيان الصورة، يقول متسائلا هل لي أن أقول أنه لم يعد كذلك؟ وأنا الذي لم يغادره منذ ما يزيد على أربعين عاماً، وما زلت مؤمنا به سبيلاً، إن الصورة موجودة في كل شيء، حتى في الكلمة، وإن الكلمة موجودة في كل صورة، وإن الخيار الفني وإجادته هو الأصل، المهم أن تحسن الاختيار،  وأن تمتلك أدوات التنفيذ الجيد لهذا الاختيار.

 ويضيف إن من يختار مسرح الصورة، عليه أن يتقن هذا الخيار ليبدو وكأن العمل لا يمكن أن يقدم إلا هكذا، ومن يتوسل التكنولوجيا فعليه أن يتفنن في استخدامها لتكون الأمثل، ومن يريد أن يتجرد كما فعلت في سأموت في المنفى، حيث قدمت العمل كما وصفته (بعدين 2D ) وليس 3D فعليه أن يتقن فنون البساطة حتى تبدو للمتلقي وكأنها الخيار الأمثل. لذا فالمسرح مسلحاً بكل شيء حديث، وبوعي، أو التخلي عنه بوعي أيضاً كخيار فني وفكري وجمالي، يظل فضاءً ملائماً لطرح كل القضايا.

تونس مازالت تشكل الحالة الأبرز مسرحيا

وعن أسباب تراجع المسرح في أغلب الدول العربية يرى أن لكل بلد عربي ظروفه، وتقدم أو تراجع المسرح رهن بظروف البلد ومسرحييها. و لكن سواء تحدثنا عن التقدم أو التأخر فإن السبب وراء ذلك في الحالتين هو وجود أو عدم وجود سياسات إستراتيجية للمسرح وللثقافة بشكل عام. فمثلاً تونس ما زالت رغم كل الظروف تشكل الحالة الأبرز مسرحيا لأن المشروع الثقافي الذي أطلقه بورقيبة في الستينيات ظل ينمو ويتطور ويتطور معه المسرح ويتطور هو بالمسرح. إن وجود إرادة سياسية مع وجود وعي لدى المسرحيين أنجز ما حصن المسرح التونسي في السنوات التي تشهد حالة من عدم التوازن. ومثال آخر هو المنعطف الذي أحدثته المغرب إذ طورت القوانين الناظمة والخطط المنبثقة عنها، فأنجزت التوطين والدعم للفرق المسرحية مما أحدث فارقة ملموسة في مستوى العروض وفي مستوى تنظيم الفرق. ولكن بالمقابل نجد أن المسرح في دول عديدة ما زال رهينة قوانين وسياسات متخلفة.

ويستدرك غنام متسائلا، لكن ماذا عن دور الفنانين أنفسهم؟ إن المسرح إذا لم يكن مهمة نضالية في جوهره فسيكون خاسراً في منتهاه، لذا فإن التطور الذي أشرنا إليه لم يكن فقط نتيجة توفر إرادة سياسية، بل لأن الفنانين كانوا قادرين على دفع الإرادة السياسية إلى هذا المكان، وهذا الدفع لا يأتي بدون الوعي، الوعي بما لدي، وبما يتوجب علي، الوعي بالمسافة التي تفصلني أو تجمعني مع المؤسسة الرسمية، وبالفضاء الحر الذي أناضل من اجل توسيعه لصالح التعبير، شخصياً أحمل الفنان أولاً مسؤولية التقدم والتخلف في نفس الوقت.

ويشدد على أن كل رقابة على المسرح والإبداع هي فعل ضد الحياة، سواء كانت هذه الرقابة سياسية أو دينية أو اجتماعية، المسرح حالة استئناف، ولذا فهو سيبقى في حالة تحدٍ والرقابة التي شهدها في عقود الأحكام العسكرية والعرفية القمعية، كانت تهدد وجوده كيانات وأفراداً. لكن أعود إلى فكرة أن المسرح استئناف، لذا حتى أمام الأنظمة الديمقراطية المتطورة، سيجد أنه يذهب أبعد منها، وسيجد أنه في مواجهتها، فالقوانين صناعة القوى المتنفذة والمتحكمة السلطوية، والمسرح والإبداع عامة، خيار اجتماعي، جمعي أحياناً، فردي أحيانا، وحر في كل الأحيان.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption