أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 20 مايو 2018

مرتجلة 11 ستنبر (11 أيلول)تأليف : تأليف محمد خشلة

مجلة الفنون المسرحية


مرتجلة 11 ستنبر (11 أيلول)تأليف : تأليف محمد خشلة

النفس الأول

عند فتح الستار يظهر المعطي وهو يرتدي لباس لاصق للتعبير الجسدي ، يتمرن على بعض الحركات التعبيرية . يعيد نفس الحركات عدة مرات . تظهر راضية عند باب المدخل الى حين أن ينتبه إليها المعطي ، ترتدي لباسا حريريا يضفي على تقاطيع جسدها الرشيق وعلى وجهها الفاتن تألقا محزنا .
في الجدار الخلفي يوجد بابان متقاربان، أحدهما يؤدي الى الخارج والآخر الى غرفة النوم بين البابين توجد شاشة ضخمة تعكس الحركات التي يتدرب عليها المعطي ، كما توجد صور مختلفة للعربي ولممثلين عالميين بملابس التمثيل .                                                                                                                                                           راضية ـ صباح الخير ... كعادتك تتمرن قبل الذهاب للمدرسة ...
المعطي ـ العربي  يقول...إن التمارين الجسدية يستحسن أن تكون صباحا ... ( وقفة )
راضية ـ بصراحة أنا غبية في المسرح بعض الشيء ... ربما لا أمتلك مخيلة جيدة لادراك
       علاقة هذه الحركات بمحتوى المسرحية ...
المعطي ـ مثلي ... أنا كذلك لا أستطيع ادراك المتعة التي تنتشين بها طوال التصاقك
       بالتلسكوب ... تتطلعين الى السماء ... ( وقفة ) أنت جميلة هذا الصباح ... كل شيء
       فيك يومض بوميض المحبة ...
راضية ـ أنت دائما تخجلني بهذه الكلمات الحلوة...                                                    المعطي ـ أنالا أقول سوى الحقيقة... هذا الصباح مثلا ... جئت لزيارة العربي وأنت بأكثر التبرج إغراء ...
راضية ـ المعطي ... أرجوك ... الذي يستمع اليك ... يقول أنك حتما تغازلني ...
المعطي ـ أنا أمدح خطيبة صديقي ... والذي هو بمقام أخ لي ... ماذا أعمل وأنا أرى كل هذا
       السحر في عينيك ... في يديك ... في وجهك ...
راضية ـ شكرا ... شكرا ... قلي يا المعطي أنت الشخص الوحيد الذي لازالت تربطه بالعربي           علاقة حميمية من دون أصدقاء الطفولة والشباب ... ولاسيما بعد الحادث المؤلم الذي ألم به ... ( وقفة ) تعلم أنني أسعى جاهدة للتخفيف عن العربي ... ولكن بحكم             تكويننا الأكاديمي المتناقض ... لا أستطيع مجاراته في أحاديثه الطويلة عن المسرح ... والتي هي عزيزة على قلبه ... ويرتاح اليها من دون باقي المواضيع الأخرى ..
المعطي ـ إن كل ما أعرفه في مجال المسرح ... أنا مدين به الى العربي ... عند ما كان                   معافى وحتى في الظروف العصيبة التي يمر بها الآن ...
راضية ـ عندما يكون العربي في حالة نفسية مستقرة ... يريد أن يتحدث معي في مواضيع
       تخص المسرح ... وكما تعلم أن تعليمنا لا يهتم بهذا المجال ... فأنا لا أختزل في
       ذاكرتي أي شيء عن المسرح ... فأشعر بكثير من الحرج ... عندما لا أستطيع
       مشاركته في الحديث ... وكأنني أتكلم مع مخلوق من كوكب آخر ...
المعطي ـ ( هازئا ) أنا موجود ... ماذا تريدين أن تعرفي عن المسرح ؟..
راضية ـ شريطة ألا تتكلم مثل العربي ... وأن تبسط الأمور ما أمكن ... ( وفقة ) فهلا                     تحدثنا عن المسرح ريثما يستيقظ ... هل مازال العربي نائما ؟..
المعطي ـ لا ... نهض مبكرا ... وأخد حماما كعادته ...
راضية ـ بالماء البارد ؟...
المعطي ـ طبعا ... وتناول كعادته فطورا خفيفا ... وقدم لي بعض النصائح الاخراجية ...                 وعاد إلى حجرته وهو يردد كعادته عدة أبيات من الشعر ...ومقاطع من مسرحيات متعددة وبصوته الجميل غنى ... ( وقفة ) أما عن تثقيفك في المسرح              فمن الصعب جدا أن أفيدك أنا ... ان لم تستطيعي أن تستفيدي أنت من الموسوعة العلمية التي يحمل العربي بداخله ...
راضية ـ العربي غالبا ما يتكلم بلغة جد مبهمة  كثيرا ... لا أستطيع أن أستشف منها أي         شيء ولكن عندما يكون صافي المزاج ـ وهذا نادر جدا ـ فانني ألتقط بعض                    المفاهيم ...
المعطي ـ لأن الأمية الفنية التي تعانين منها عميقة جدا ... وأنا لست مأهلا لكي ألقنك                   أبجديات الفن المسرحي ...
راضية ـ حاول أرجوك ... اذا كنت فعلا تحب العربي ... وترغب في شفائه ... ( وقفة ) في             هذه الآونة الأخيرة فهو كثير الهديان عن الخطاب المسرحي ... وعلاقته بالعقل
          والمشاعر و ...
المعطي ـ لأنه مشغول حاليا بالعمل الفني الذي نشتغل عليه معا ... فالخطاب المسرحي                 حسب فهمي ... هو نوع من التعبير الفني ... يتوخى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ... في اطارمتعة جماعية تحصل أثناء حالة                 التمسرح ... داخل الفضاء الذي نسميه الركح أو خشبة المسرح ...
راضية ـ يمكن أن أفهم ذلك بحكم محادتثه الطويلة هذه الأيام في هذا الموضوع ... ولكن              الذي يربكني هو كلامه عن الخطاب المسرحي ... وعندما يردفه بالخطاب الحضاري ...
المعطي ـ العربي ليس مثقفا في المسرح وحسب ... ولكنه انسان عالم في المسرح ...                   وأغلب المسرحيين في بلادنا لا يتوفرون على تجربته ولا على علمه ... فأغلبهم يقف عند المستوى الاجتماعي والسياسي للمسرح ... باعتباره وسيلة لاثارة                  بعض المطالب النقابية أو الدفاع عن اديولوجية معينة ... ولكن العربي يرى في المسرح أكبر بكثير من هذا ... لأن الفن عامة أكبر من هذه الاشكاليات الصغيرة ..
  1. راضية ـ هذا الذي لا استطيع أن أستسيغه في حديث العربي   
المعطي ـ لست وحدك ... هذا الخطاب الذي يتبناه العربي ... يستعصى فهمه على كثير من              الناس فالمسرح بالنسبة له هو تجاوز للتجاوز ... لا يمكن أن يختصر في توجه ضيق ... وتحجر فكري ... ينبغي أن يكون للمسرح توق لإدراك المطلق                         والمجهول ... شريطة أن يرتبط بالدفاع عن القضايا الكبيرة المعقدة التي يعيشها الإنسان المعاصر اليوم ...لأننا نعيش عصرا مضطربا ... الانسان فيه قلق ...     ممزق ... يعيش تناقضات فكرية وهزات نفسية عنيفة ... لأنه في بحثه عن تحقيق ذاته يتعرض لحواجز وعوائق تشده إلى الخلف ... لتفرغه وتجتثه من إنسانيته ... فهنالك قضايا الحرية والتحرر والقيم الحضارية والعلاقات الانسانية               ... والتحديات المصيرية التي تهدد في بعض الحالات وجوده في الكون ... وهذا التطوري التكنولوجي الرهيب الذي أضحى يقود مصير البشرية إلى المجهول ... إن هي لم تكبح جناحه ... هذه القضايا ينبغي أن يأخدها المسرح على عاتقه ويخوض فيها من خلال منطق الفنان ... فالفنان له مشروع واحد ...              الإنسان بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد... ولا ينبغي للفنان أن يقتصرعلى جانب ضيق مما يمكن للمسرح أن يستوعبه ... كأن يغرق في السياسة مثلا ... وانما يجب أن تكون السياسة جزءا من تكوين المسرح ...
راضية ـ الفرق بينك وبين العربي هو أنك تتكلم بهدوء وبرصانة ووضوح ... والعربي                  يتكلم بتشنج وقلق ... ويتطرق الى عدة مواضيع في آن واحد ... ( وقفة ) ولكن هذا الذي تتكلم عنه ... صعب المنال بالنسبة الى جمهور من الفصيلة التي أنتمي             إليها أنا ...( وقفة ) كيف يمكن أن تسمو بهذا الجمهور الى مستوى هذا المسرح بدل أن تماشيه في مستوى تذوقه وإدراكه ...
المعطي ـ الجواب الذي من الممكن أن يجيبك به العربي هو كالتالي : أنا أرى أن هذا الطرح
           مغلوط بالأساس ... ليس هناك عملية نزول وصعود ... وإنما هناك علاقة جدلية
           صحيحة ... أو غياب لهذه العلاقة ... فاذا غابت هذه العلاقة غاب التفاعل                       والتواصل ... وإذا وجدت هذه العلاقة وجد المسرح ... وأضيف لتوضيح هذه الفكرة وأقول : يوجد المسرح بأطرافه الثلاثة الأساسية ـ الفنان ، الفضاء                        والمتفرج ـ فإذا كان الفنان يعيش مواطنته بعمق وتجدر وتأصل ومعاصرة ... يعيش بيئته وكونه ... زمانه وواقعه التاريخي ... في هذه الحالة يكون خطابه التعبيري ـ الجمالي في علاقة عضوية مع من يتوجه إليهم بذلك الخطاب في ذلك              الوقت ... وفي ذلك المكان بالتحديد ... ومن هنا يتجاوز المكان والزمان ليعانق في حواره الإنسان أينما كان على مر العصور ...لأن خطابه يأخذ البعد الحضاري ويتجاوز حدود المكان ويقهر الزمان بالصمود أمامه.
راضية ـ تعني مثلما كان الشأن بالنسبة لعباقرةالمسرح على مر العصور ...
المعطي ـ بالضبط ... لأن الفن ليس شيئا يمكن تحديده ... أو تأطيره ... أو قسره ... أو                 حصره في بيئة معينة أو اقليم ... أو فترة زمنية ... انه الامتداد العميق الذي يخاطب الوجدان والعقل والروح في الانسان ...
راضية ـ أنا أرى أنه من الصعب اليوم أن يجد الفنان مواضيع بهذه المواصفات ثتير اهتمام
          المتفرج ...                                                                                       المعطي ـ يجب على الفنان أن يستمد مادته المسرحية من الحياة ... من الواقع المعاش
        بجميع أبعاده ... فمعايشة الواقع وسبر أغواره هي الكفيلة بمده بعناصر الخطاب
        المسرحي ... سواء كانت أسطورية جغرافية خيالية ... أم واقعية مادية طبيعية ...
        أم يومية آنية ظرفية ... أم ثاريخية وثائقية ...
راضية ـ المعطي ... بدأت أفقد التركيز لمجاراتك أنت أيضا ... ( وقفة ) كيف لمعايشة                  الواقع أن تمد الفنان بعناصر الخطاب هاته ؟...
المعطي ـ هذه العناصر يمكن أن يجدها الفنان في الموروث الشعبي ... يمكن أن يجدها في
        صحيفة يومية ... كما يمكن أن يجدها في قضية من القضاية التي تشغل بال الناس .
           باعتبار أن للإنسان إشكاليات وقضايا وهموم ...وطموحات وآمال ... ومآسي                   ورغبات وتطلعات مستقبلية ... فكل ما يعبر عن هذه الاهتمامات والمشاغل نحن مسكونون به في الواقع ... ليس سياسيا أو اجتماعيا فقط ... انما نحن مسكونون             به مسرحيا ـ أي جماليا ـ وحضاريا ... فما بالك بالعالم الافتراضي الذي أخد يحتوي هذا الواقع ويبتلعه ...
راضية ـ مند مدة وأنا أحاول أن أركز معك ... وأكابر في مجادلتك ... ولكن حديثك أتخمني
           وهذه هي طبيعة المكابدة التي أعاني مع العربي ...
المعطي ـ  مادمت تعرفين مكمن الداء ... فاني أنصحك بالمضي في الاهتمام والاطلاع ...                فبعد مضي وقت ليس بالقصير سوف يمكنك مجادلة العربي بكل عزم وقوة ...واسمحي لي بالعودة للتدريب ( تقوم راضية بإشارة السماح ، ويعود المعطي               إلى التمرين . بعد مدة يتوقف بجانب راضية ) السنوات السبع في أمريكا ... وتلك الكارثة المروعة التي حلت به حولته الى كائن غريب .
راضية ـ ترى هل سيشفى ... ويرجع كما كان انسان رائعا ؟..
المعطي ـ ( يتحدث مع راضية وهو يقوم بحركاته التعبيرية ) هكذا تقول تقارير الأطباء
        الأمريكان الذين عالجوه هناك ... وكذلك تقارير الأخصائيين هنا ...
راضية ـ يا ليت ... لكن متى ؟ متى ؟
المعطي ـ الزمن ... الزمن فقط علاجه الحقيقي ... هكذا تقول التقارير ...
راضية ـ ( بحزن ) الزمن ... هذا الزمن الذي يجري و يجري ... ماذا يثرك وراءه لنا ؟..
المعطي ـ ليجري ... ليجري ... مثل الحصان الجامح ... فالعربي ذات يشد رسنه قليلا ...
راضية ـ أريده ولو لشهر واحد وهو بكامل عافيته ...
المعطي ـ لقد كانت اصابته عنيفة عقليا ... وجسديا ... وروحيا ...( وقفة ) ورغم اضطرابه
       الفكري الشديد أحيانا ... فهو ... حمدا لله انسان معافى ... جم النشاط لديه حيوية
       فائرة ... وحب حقيقي لكل ما هو جميل ... ولديه شهية لا بأس بها للعمل ... على
       أي فهو حي ...
راضية ـ نعم حي ... وميت في نفس الوقت ... حي معنا  ... وميت بالنسبة للآخرين ...
المعطي ـ لكل انسان قدره ... انه يا راضية يحتاج إلى عناية رحيمة منك ومني ومن كل                 أقربائه . بل منك بالذات ليرجع كما كان ( يبتعد عنها ) لاتنسي العناية الرحيمة ...
راضية ـ لن يجد عندي سوى العناية الرحيمة ... والحب ... أنت تعرف أنني لم أعرف رجلا
         غير العربي في حياتي ... فهو ماضي وحاضري ... في صغره كان وديعا ... رقيقا             ... حساسا خجولا ... انطوائيا ...يكره الكذب ...  المعطي ـ أعرف ... أعرف ...وهو جدير بحبك الآن ... والدته المرحومة كانت تقول ... انه         مند صغره كان وديعا ... رقيقا ... حساسا خجولا ... انطوائيا ... يكره الكذب ...
راضية ـ أعرف ... لقد عايشته سنوات قبل سفره الى أمريكا لدراسة المسرح ... أعرف كم
        هو مهذب ... وذو حس رائع ... وكم هو نقي وطاهر ... أعرف أدق مشاعره ...
       أعرف عفة نفسه ... تصور يا المعطي ... قبل سفره بليلة واحدة كنا معا لوحدنا ...
       رجوته أن يقبلني قبلة بريئة واحدة رفض ...( بصوت حزين ) عندما أتذكر زمن
       الوشائج الجميلة التي كانت تشدنا ببعض ... وأراه الآن ... ( تبكي بصوت خافت )
المعطي ـ الوشائج أقوى الآن ...
راضية ـ طبعا ... هل انتابته حالة ... البارحة ؟..
المعطي ـ ثلاث مرات ... لكنها كانت قصيرة ... ياالهي ...انها حالات مثل الصرع ... لايمكن
       حزرها ... أبدا ... فترات الصرع تطول ... قد تأتي مرة واحدة في الشهر ... أما حالته
راضية ـ ( تبكي بصمت ) كم يكون حزينا عندما يبدأ الصراع المضطرب في ذهنه ... وجهه
         يفقد ملامحه المتناسقة ... ويصبح كل شيء في ذلك الوجه أشبه بقناع ... ( تبكي )
          لماذا يا ربي ... ماذا فعل ليعاني بهذه الطريقة المؤلمة ... ( وقفة ) كم مضى على
         عودته ؟..                                                                                         المعطي ـ 6 أشهر ... الحزن يا راضية لا يفيد ... لنسلم أمرنا للزمن ... هذا الساحر الذي   يعرف كيف يشفي عذابات الجميع ... ( وقفة ) خديه هذا اليوم الى الخرج ... هواء الربيع حتما سيثير عنده الانتعاش واللذة في المشي ...
راضية ـ   لكنني أخشى أن ...
المعطي ـ  أن ماذا ؟..
راضية ـ  أخدته قبل أسبوع لنتجول قليلا ... ولنحضر عرضا مسرحيا ... اضطرب بعد                   العرض وتقبض وجهه ... وأصبح شاحبا مسحوبا من شدة الانفعال ... وأخذت سيارة أجرة وجئت به فورا إلى البيت ...
المعطي ـ هل سمع شيئا ؟..
راضية ـ لا...بل ... لاأعرف ... لاأستطيع تحرزمتى يضطرب ...
المعطي ـ ماذا فعل في البيت ؟..
راضية ـ غيرت له ملابسه ... وهو يتكلم ... يتكلم عن المسرح بتلك الطريقة اللامنطقية                و أخذته إلى السرير ونام نوما عميقا ... كمن كان يعاني من ارهاق شديد ...
المعطي ـ يحدث ... لاعليك ياعزيزتي ... ان الطرق لمعرفة مشاعره وأفكاره مغلقة حاليا ...
راضية ـ إلى متى ؟..
المعطي ـ لفترة ... لفترة ياعزيزتي ... ( وهو يتدرب ) انظري الى صوره تلك ...كان في
          السادسة عشرة ... ( يقترب من الصور ) كان يقلد حتى ذلك الرائع الذي لا يقلد...
راضية ـ من؟..
المعطي ـ ( يقلد شبلين ) شبلين ... كنا جميعا نروح في ضحك طويل ... وكان يغري بعض
           الأصدقاء بالتمثيل معه ... كانوا عديمي الموهبة ... كانوا يرددون الحوار ببغائية             ... كان يرتجل بتلقائية مذهلة ... كان حبه للمسرح كبير ...
راضية ـ والآن ... بعد أن حصل على الماجستير في الاخراج ... قتلوا كل أحلامه ... فقد كل
           شيء... لا تستطيع بلده أن تستفيد من علمه ... ولا حتى الجمهور أن يستمتع                 بفنه .
المعطي ـ لا لم يفقد أي شيء ... سوف يمتع الجمهور بفنه لامحالة ... بحكم الصداقة                    المتينة التي تربطني به ... فاني أحاول أن تضل صلته بالمسرح مثينة ... لازلنا نشتغل كما الحال قبل ذهابه الى أمريكا ... ( يحاول تغيير الموضوع  ) راضية بالمناسبة ... كيف ولماذا اخترت دراسة علوم الفضاء ؟.. ( مازحا ) عالمة فضاء مع عالم مسرح ؟ أي تناقض ؟ ..                                             راضية ـ كنت أخشى الفضاء ... أخشاه خشيتي من الأفعى ... من منا في كل الأعمار لم ينظر.. ويتأمل السماء في الليالي ... من منا لم تنتابه الدهشة والحيرة ؟ ..من النجوم والنيازك وهي تسقط ؟... وتلك الحكايات الخرافية عن سقوطها؟ ... كنت              في فترة مراهقتي أنظر إلى السماء ... وأستمع في ليالي الصيف الى طير ضل سربه وهو يطلق صوتا حزينا ... وأراقب النجوم وأفكر بالحكايات الخرافية عن النيازك وأبكي بكاء حارا ... ( وقفة ) في الإعدادية أصبح الفضاء أكثر غرابة ... وإثارة ... وفضولا وتلك البرامج التلفزيونية الأجنبية عن الفضاء ... وتخصص            والدي في الفيزياء ... وقصص الخيال العلمي عن الفضاء سحرتني ... وذهبت الى فرنسا لدراسة علوم الفضاء ... ( وقفة ) المعطي لو تقف خلف التلسكوب وتنظر إلى السماء الامتناهية ... إلى زحل والمشتري والمريخ و... والجموعات الجميلة من النجوم البعيدة ... البعيدة جدا عنا ...
المعطي ـ( يرتاح لاندماجها في الحذيث ) حثما عالم رائع ...
راضية ـ جدا ... جدا ..اسمع ... هل تعتقد أن زحل مثلا وهو الكوكب العملاق الثاني في  
         مجموعتنا الشمسية ... يوجد فيه عوض الأكسجين  غاز الأمونياك ...
المعطي ـ ماذا ؟ غاز ... الأمونيا... كيف ؟...
راضية ـ كيف ؟.. في حالة متجمدة تغطي المواد الصخرية ...( وقفة ) أتعرف ما لون زحل؟
المعطي ـ طبعا ...
راضية ـ ( تتكلم بحرارة أكثر ) كيف تتصوه مثلا ؟..
المعطي ـ مثل بقية النجوم ...
راضية ـ ها ها ها ها ... مستحيل ... هذا اللون الذي تراه هواللون العادي ... لو رأيت زحل
       بواسطة تلسكوب ... أتعرف ماذا ترى ؟..
المعطي ـ ( بتعجب ) ماذا ؟..
راضية ـ أولا يبدو باللون الأصفر ... ثم أخضر في بعض المناطق ... وأحمر وردي في                  مناطق أخرى ... اضافة الى ظاهرة مثيرة على سطحه ... حيث يبدو لون قطبه الموالي للشمس أعمق من القطب الآخرالأكثر لمعانا ...
المعطي ـ ( يطلق ضحكة لا ارادية ، وتشاركه في ضحكة حلوة ) الهي ... ما هذه الألوان ؟.
راضية ـ ( بنفس الحرارة ) انها فعلا تشكيلة من الألوان الساحرة ... ثم ان زحل يميزه عن
            بقية الكواكب وجود النظام الحلقي الذي يحيط به ...
المعطي ـ ( ملاطفا اياها وبتعجب ) وما معنا النظام الحلقي ؟...
راضية ـ حلقات منتظمة ... موازية لخطه الاستوائي ... وذات لون رمادي محمر ...
المعطي ـ ( يقلد راضية ) لون رمادي محمر ... حسن ... وما ذا تفعل هذه الحلقات ؟...
راضية ـ لا يعرف عنها العلماء بعد الشيء الكثير ... هكذا هو زحل ... الحلقة ( أ ) لونها                رمادي ... وعرضها 10000 ميل ... والحلقة الوسطى وعرضها 16000 ميل ... وهي أكثر الحلقات لمعانا ( باندماج ) وتدعى الحلقة اللامعة ... آه يا المعطي فقط             لو تراها ؟...
المعطي ـ من أين جاءت هذه الحلقات ؟..
راضية ـ أجسام صلبة ناتجة عن تهشم التوابع بسبب تصادمها ... حلقات تتكون من ملايين
           المواد الصلبة ممزوجة بالأتربة الكونية ...
المعطي ـ ( ضاحكا ) كل هذا الكلام ونحن في زحل ... ( يضحكان ، صمت بينما يعود                    المعطي إلى التدريب . بعد برهة يقترب من راضية ) هل تحتاجين كل هذه المعلومات في عملك ؟...
راضية ـ تعلم انني كنت اريد أن ألتحق بالعربي في أمريكا ... لقد قام بكل الاجراءات اللازمة            لكي ألتحق بأحد المراكز الفضائية هناك ... لكي أشتغل ... وأتمم دراستي ... والكثير من الأبحاث التي كنت أنوي القيام بها ... لكن كارثة 11 شتمبر ... وعودة           العربي الكارتية إلى الوطن ... وجدت نفسي مرغمة على قبول وظيفة في مصلحة النظافة ببلدية المدينة ( يسمع صوت العربي وهو يغني أحد الأغاني الشبابية الرائجة حاليا ... عندما يتوقف الغناء  )
المعطي ـ يعشق الموسيقى العربية بجميع أنواعها ...
راضية ـ صوته جميل ...
المعطي   ـ جدا ...
صوت العربي ـ ( وكأنه يخاطب شخصا )
              ـ أنت متخادل
              ـ أعرف
              ـ وخنوع
              ـ جدا
              ـ ولا تملك من أمر نفسك شيئا
              ـ أبدا
              ـ وأنت تتلدد بالألم والادلال
              ـ انني باختصار انسان ضعيف
              ـ جدا ... لكنني لا أحتقر ضعفي أبدا ...
              ـ لماذا ؟
              ـ الضعف قدري ... وأنا بصراحة لا أستطيع أن أعيش خارج حدود شخصيتي
              ـ ها ها ها ها ... لديك اسهال قوي في قول الحقيقة ...
        ( ينقطع صوت العربي ، راضية والمعطي يتكلمان بصوت هامس )
راضية ـ هل يقرأ في نص مسرحي ؟..
المعطي ـ ( يفتح الباب المؤدي الى غرفة نوم العربي بهدوء ، ثم يعيد غلقها كذلك ) لا ...               انه مستلق يحدق في المرآة ويكلم نفسه...
راضية ـ يكلم نفسه ؟..
المعطي ـ أحيانا يكون مخمورا بغضبه ... آه .. الخيالات تهوي عليه مثل الصاعقة ...
راضية ـ أعرف ... الهي ... كم يكون حزينا عندما يرددعبارات مثل تلك التي رددها الآن .
المعطي ـ لا تيأسي ... سيرجع كما كان ... سيخرج من دوامة اضطرابه ...
راضية ـ ( يائسة ) سيرجع ... سيرجع كما كان ؟...
المعطي ـ لديه إرادة لا بأس بها ...
راضية ـ نعم ... ترى ماذا كان يقصد بتلك الكلمات التي رددها وكأنه يخاطب انسانا ؟...
المعطي ـ لم أنتبه اليها ... انه يتكلم طوال المساء والليل ... يردد أبياتا من الشعر ... يغني
       أعتقد أنه قال كلمات عن الخنوع ...
راضية ـ ( تحاول استرجاع عدد من كلمات العربي )
              ـ أنت متخادل
              ـ اعرف
              ـ وخنوع
              ـ جدا
              ـ ولا تملك من أمر نفسك شيئا                    
           ( وقفة ) لأول مرة أسمع مثل هذه الكلمات
المعطي ـ فعلا ...
راضية ـ ( بتألم وهي تجفف وجهها ، ويظهر تعبير مرتبك على وجهها ) كلمات تثير                  الحزن والخوف ... ترى من يقصد بهذه الكلمات ؟..
المعطي ـ هو وحده يعرف ... العربي مثقف متعدد المواهب ... رأسه مليئ بالأفكار ...                  ( وقفة ) وبسبب حالته الصعبة تهيمن عليه ...أفكار كثيرة ... ويروح عقله ووجدانه في اضطراب ... هذه حقيقته يا راضية ... وعلينا أن نتحمله بصمت ...
راضية ـ لقد أصبح غامضا ...غا ... مضا ... جدا ...
المعطي ـ مجرد أن يسترجع عافيته يرجع شفافا كما كان ...
راضية ـ 6 أشهر مضت على مجيئه وهو يصبح كل يوم أكثر غموضا ...
المعطي ـ لا يا راضية ... لقد كان اضطرابه الفكري مخيفا قبل مجيئه ... هذا ما عرفته من                أصدقائه ... الصدمة كانت مخيفة ... انه الآن أحسن بكثير ... صدقيني انه يتقدم ... يتقدم الى الأحسن ...    
راضية   ـ لم يكلمني سوى مرتين بعاطفة حقيقية ...
المعطي ـ هذا لا يعني أنه لا يحبك ... العاطفة التي كان يكنها لك بعمق ما زالت مخفاة                    بأعماقه ... العربي إنسان نبيل ...
راضية ـ حقا ... مخفات بأعماقه ؟.. يا ليت ...                                                 المعطي ـ يا ليت ... هل تشكين ؟.. انه يلاطفك كثيرا خلال الأسبوع الأخير ... انه يمسك لك
       شعرك أحيانا ... ويزداد حبا عندما يراك ... قبل أيام رأيته كان يريد أن يقبلك ...وأنت
       ترسمين ابتسامة ناعسة على وجهك ... العربي لن يحب أحدا سواك ...
راضية ـ هل كنت تتلص علينا ؟..
المعطي ـ أبدا... أبدا ... رأيتكما بمحض الصدفة من نافدة غرفتي ...( وقفة ) بصراحة                  الطبيب كلفني أن أنقل اليه كل تطور يحدث عليه ...
راضية ـ انه يتقدم ادن ...
المعطي ـ بالمفهوم الطبي نعم ... وأنت لا تلاحظين التقدم ؟..
راضية  ـ ( بحزن ) ألاحظ ... ماذا أقول ... لاأعرف ...
المعطي ـ خطوة ... خطوة ...لاتوجد حلول سحرية في مثل هذه الحالات الصعبة ... يجب أن
           نؤمن بالطب ... وبالزمن ...
راضية ـ ( تبكي ) يالحبيبي المسكين ... الذي لم يحظ بأحلامه الجميلة ...( يسمع    ) صوت العربي ـ أنا جريح انظروا إلي
               بحاجة إلى حيوات كثيرة
              .............................
              أف لمن لم يخرج
              لمن لم يشعر مطلقا بجروح الحياة
              لجريح لم يطمئن في حياته مغتبطا
راضية ـ يا لحبيبي الجريح ... يا لحاجته الى حيوات أكثر ... ( تبكي بصوت خافت بحرارة )
المعطي ـ راضية عزيزتي ... هل بالدموع نعالج مريضنا الحبيب ... ( بلطف ) بدلا من هذه
        الدموع التي لا تفيد ... يجب أن تسمعيه في كل لقاء كلمات بالغة الرقة  والروعة ...
        كلمات كما يقول الشاعر مليئة باللهب ...
راضية ـ ( تتنهد ) وهل تعتقد أنني لا أفعل ... بعد كل هذا الحب العنيف ... أنا مستعدة أن  
        أضحي أكثر من أجله ... ( وقفة ) لكن كلما كلمته في الحب يجيبني مغمغما بشفتين          رخوتين باردتين ... لا يتحمس الا للكلام في مواضيع تهم المسرح ... لا أفهم منها
        شيئا ...
المعطي ـ دعيه يتكلم كما يريد ياعزيزتي ... لديه بقايا إرادة ... يجب أن تقويها ... وأنا أقوم
        بالمثل من جانبي ...راضية... العربي  ليس له أحد يقف الى جانبه ... أبوه مات
        بحسرته ... أخته مشعولة ببيتها وزوجها ... وأنت تعرفين ما أن تدوب الارادة حتى
        تدوب الحياة والانسان معا ... ليقل ما يشاء ... ليتصرف كما يريد ... ليهد ... فقد
        يرتاح نفسيا ...
راضية ـ ( بحزن وبصوت دابل ) وأنت لن تمل يوما من مساندتك لصديقك ؟...
المعطي ـ يا عزيزتي راضية ... لماذا تسأليني سؤالا بديهيا ؟... لكن بالمقارنة مع دورك               فاني أجد دوري صغير جدا ... أنت الأهم ... أنا أقوم بدور زخرفي مقارنة مع دورك ...
راضية ـ (بصوت دامع ) يا للانتظار الطويل ... يا للحياة الرتيبة الباردة التي عشتها وأنا                 أنتظر ...
المعطي ـ هذه لغة بنات أميات ... سادجات يندبن حظهن مثل القرويات ...
راضية ـ أليس من حقي أن أندب حظي ؟...
المعطي ـ حظك ... حظك رائع ... ( مازحا ) عالمك فضاء جميل في حب مع فنان                          مسرحي رائع ... طبعا حظ رائع ...
راضية ـ فنان رائع ... نعم ... لكنه رغما عنه سقط في يأس أسود ...
المعطي ـ يا عزيزتي ... أي يأس أسود ؟... 6 أشهر بعد عودته ... وأنت يائسة ؟...
راضية ـ آآآآآه ...يائسة ...لا لا لا لا ...أرجوك ...
المعطي ـ وأصبحت فزعة ... مضطربة ...
راضية ـ لقد هزتني مصيبته ... الظلم الذي أصابه ... ( وقفة ) لقد عاينت سنوات رتيبة ...
       وعشت علاقات باردة وأنا أدرس بفرسا ... مثل الشاردة أنتظره ... والآن عندما أراه
       على هذا الحال ... آ آه الهي ... ألا يحق لي أن أحزن ... أن أضطرب ... أن أنتفض
       من ألمي ؟... لقد كنت صابرة أكثر مما يجب ... وسأبقى ... المعطي ... لو عاش             العربي مريضا طوال حياته ... صدقني أن حبي له لن يعرف السأم ... إنني أحبه بجنون ...( وقفة ) العربي علمني كيف أحب الحياة ... من أجله أنا مستعد أن أحرق             حياتي وكأنها بلا قيمة ...
المعطي ـ ( برقة ) راضية ... تتكلمين بهذه الحرارة ... وكأنني لا أقدر مشاعرك تجاه                 العربي ... لا لا لا ... ما قلته قبل قليل واضح ونقدره ... ( يمزح ) ما أريد من عالمة الفضاء أن تكون صورة من كوكب عطارد ... وتشكيلة ألوانه ... ومواده الصلبة              الممزوجة بالأتربة الكونية ... ها ها ها ... أقول يا عزيزتي يجب عليك بمهارة المرأة المجربة ... المعتادة على الحنكة والتصرف الكيس ... أي ... مثل السياسي الماهر يجب أن تكوني فنانة في معاملتك ...
راضية ـ أين هو الشيء الذي لم أخاطر بنفسي من أجله ؟..
المعطي ـ أنت فعلا كريمة بتضحياتك ... ( يسمع صوت العربي يكلم نفسه ، ويرددعبارات                 تارة منطقية وأخرى غير منطقية )
صوت العربي ـ مثلما تعرف الجدور اللينة للشجرة كيف تبحث في الأرض عن غدائها ...
       وتمتص العصارة لتنمو ... هكذا حال هذه الانسانة التي تعرف كيف ومتى ولماذا
       ترمي شباكها حولي ....
راضية ـ ( بصوت خافت ) انه يستمع الينا ...
المعطي ـ لا ... ثم ماذا ؟...
راضية ـ ( بخوف ) من يقصد ... أية انسانة ؟... ألا تعتقد أنه يسخر مني ؟... ألا تعتقد بأن             ما قاله جوابا على نصيحتك لي ... كيف يجب أن أتصرف معه ؟...
المعطي ـ يا عزيزتي ... لا لا لا ما هذه الشكوك يا راضية ... ( بصبر ) هذه الكلمات يقولها           بعد واحدة من تلك النوبات التي تنتابه ...
راضية ـ ربما يتصور أنني أرمي شباكي ....
المعطي ـ ها ها ها ...ياخفي الألطاف ... نجنا مما نخاف ... راضية هذه شكوك ...
صوت العربي ـ أنا أحب الجمال ... النضارة والنقاوة ... ولا أتحمل المرارةاليومية ... حتى
        عندما تمر بي حياة قاسية ... فأنا لا أتعمد أوهاما سخيفة ...
راضية ـ ما معنى هذه الكلمات ؟..
المعطي ـ يتكلم بلغة عربية واضحة ... انه يحب الجمال والنضارة والنقاوة ... وهو لا يحب
         أوها ما سخيفة ... انه واضح جدا ... ( وقفة ) الأوهام يا راضية لا تجلب سوى
         الكوارث ... وأنت بصراحة تتوهمين ...
صوت العربي ـ ها ها ها ...انك تدورين حولي ... ماذا تريدين مني ؟... غريب أمرك ... هل
         ستبقين تدورين حولي كما تدور خيول الدارسة حول الدريس ...
راضية ـ ( تنظر إلى المعطي وتبكي بصوت خافت ) انه يطردني ...يطردني ...أ أنا أدور               حوله كما تدور خيول الدريسة حول الدريس ؟... أنا ... أنا ...؟
المعطي ـ ( بلطف ورقة ) راضية ... ماذا حدث لك ... أعرف أن قلب المرأة يرى أكثر من                 عيون عشرة رجال ... أين كياستك ... هذه مجرد كلمات ... انه مريض ...
صوت العربي ـ ها ها ها ...جميل أن يسلم الانسان نفسه الى الأحلام وحتى الأوهام أحيانا ..
       كنت أتصور الحب بسهولة مضحكة ... وكنت أقول أن أية فتاة جميلة ترى شكلي
       الوسيم تأتي متدلهة وتحتضنني قائلة أحبك ...
راضية ـ ما معنى هذا الكلام ؟..
صوت العربي ـ لا لا لا ... أنا فنان ... وأتمسك بهذا الرصيد الذي هو كياني ... وهو الرصيد
       الوحيد الذي يعطي وجودي معناه ...
راضية ـ أسمعت ؟...
صوت العربي ـ أنت على خطأ ... شعرها سواد حبوب البليسان ... شعر يثير قلقا مقدسا ...
       ( صمت قصير ، يغني بعد ذلك أغنية زيديني عشقا لكاظم الساهر )
المعطي ـ اقتنعت الآن ... لاترابط بين الكلمات والأغنية ... وشعر يثير قلقا مقدسا ... انه                يهدي أحيانا ...
راضية ـ يهدي ؟...
المعطي ـ يتكلم كما يريد ... واحيانا بطريقة لايفهمها غيره ...
صوت العربي ـ سمراء ... شهية ... لها أنوثة حقيقية ... وسط جبينها نونة بلون الكهرمان
       وعيون بلون الفحم ... ( بصوت هامس ) تتأبى علي ... تهرب مني ... لكن لا ... ان
       هذا الحاجز الثلجي الذي تضعينه بيني وبينك لا يديبه الا أنا ... أنا ... ( صمت ثم
       يطلق ضحكة قوية مع سيل من الغمغمات ) الأطباء في أمريكا يجيدون استعمال   
       Autoscopic Hallucination ألكلمات الطويلة
         أنا لاارى نفسي غريبا في المرآة ... صحيح أنه أحيانا غريب ومضحك ....



النفس الثاني

بعد صمت طويل يدخل العربي المسرح وهو يحمل ماعونا فيه ثمر ، دقنه بدون حلاقة ، وجهه
حزين ومشوه . يلبس لباسا مسرحيا له علاقة بأمريكا ( مثلا لباس جندي جنوبي إبان الحرب الأمريكية شمال ـ جنوب نهاية القرن 19 ) عندما يرى راضية يضطرب قليلا ، ويقترب منها بخطوات قصيرة ، يبتسم لها ويربث على كتفها وعلى كتف المعطي ، يضع الماعون فوق المائدة . يلاحظ وجود سكين كبير المائدة
العربي ـ ما هذا السكين ؟.. ( يمسك بالسكين وكأنه يريد أن يضرب به أحدا )
المعطي ـ ربما استعملته لحاجة ( ينظر خائفا الى السكين )
العربي ـ ( يلتقط تمرة ويقربها من فم راضية ) كلي ... هذه النعمة العظيمة تجعلك أكثر                جمالا ( يلتفت إلى المعطي ) انظر ياصديقي ... انظر ... شفتاها رقيقتان كجناحي فراشة ... أليس كذلك ... ( يدس التمرة في فم راضية ) كلي يا عزيزتي ... التمر             منشط للعقل والروح ...
راضية ـ كيف حالك يا عزيزي ( وهي تمضغ )
العربي ـ قوي ...( يشير الى صورة الحصان فوق الجدار ) مثل الحصان ... وسعيد جدا ...
       أعيش فترة انشراح لا مثيل لها ...
راضية ـ ( بفرح ) رائع ... يسعدني أنك سعيد هذا الصباح ...
العربي ـ ( يضع تمرة اخرى في فمها ) أنا لا أعرف الكذب ...
راضية ـ أعرف ... دائما فكرة الكذب ... دائما ...
العربي ـ لا أعرف ...
راضية ـ أنت دائما صادق ...
العربي ـ ربما ... لكن من منا لايحمل أفكار حرام ... وكذب ...
راضية ـ كمبدأ ... أنت انسان صادق ولطيف ...
العربي ـ حقا ..
راضية ـ وهل تشك في صدقك ؟... ( وقفة ) ألا تتذكر محاضراتك لي عن حقارة الكذب ...
       وتفاهة الكذاب ... وعدد المسرحيات التي تتناول موضوع الكذب  ...
العربي ـ ذاكرتي متكلسة يا راضية ... لقد كلس النسيان ذاكرتي ...
راضية ـ ذاكرتك رائعة ياحبيبي...
العربي ـ ( يلتفت الى المعطي ) كيف حالك يا المعطي ؟.. أين وصلت مع التداريب ... لكي             تكون فنانا حقيقيا عليك أن تعمل أكثر ... أريني الى أين وصلت بالتعبير الجسدي ... ( يقوم المعطي بتشغيل الموسيقى ثم يصاحبها بالحركات التي كان يتدرب عليها .                ينتهي ، تقوم راضية بالتصفيق بينما يبقى العربي جالسا على كرسي وكأنه مخرج كبير ينظر إلى المعطي الذي لا يتحرك ينتظر ملاحظاته ، ينهض ببطء يقوم بحركات المعطي ببطء شديد وهو ، في نفس الأثناء يبدي بملاحظاته ) نحن ندعو            إلى التفكير هناك أزمة واضحة لاشك ... وهناك دوران في الفراغ ... وهناك استقرار وثبات وسكون ... وبالتالي تقهقر ... هنالك رداءة واضحة ... هناك ترد ... وهناك سقوط واضح ... وعجز فاضح ( وقفة وتفكير ) ما زال ينقصك التدريب        ... الاشتغال كهاو يتطلب وقتا أطول ... ولكن النتيجة تكون أصدق ...
المعطي ـ أنت منشرح فعلا هذا الصباح ... مند مدة طويلة لم تقم بملاحظات عميقة مثل ما             فعلته الآن ...
العربي ـ شكرا ...
المعطي ـ ( يشير إلى راضية ) راضية زهرة دائمة التفتح ...
العربي ـ ( الى راضية ) فعلا ... أنت حزينة ...
راضية ـ أبدا يا عزيزي ... انني سعيدة جدا ... والمعطي  يعرف مبلغ سعادتي ...
العربي ـ آ آ آ ه ...رائع ... اذن كلنا هذا الصباح لدينا فائض فرح ... ها ها ها ها ...
  • راضية ـ ( برقة ) فائض فرح ؟...
العربي ـ أي كلانا هذا الصباح في نقطة الصفر اليونانية ...
راضية ـ ( بتعجب ) ماذا تقصد بالصفر اليونانية ؟...
العربي ـ نقطة الصفر اليونانية ... تعني الرؤية النقية ... الفرح ... الانشراح ... ( يقوم                  بتجسيد نقطة الصفر ، وقفة، بسخرية ) كما تقولين أنت ... الأتربة الكونية ... التراكمات الصخرية الأيونية ... ( يضحكون جميعا ) أليس كذلك ؟..
المعطي ـ اسمحا لي أن أترككما ... وأذهب لتغيير ملابسي ... وقت المدرسة قد حان ...  
        ( مازحا ) أعرف أن لديكما حديث طويل ...
راضية ـ نعم ...
العربي ـ ماذا بك أنت حزينة ...
راضية ـ أنا ... لا ...
العربي ـ ( باضطراب ) انك ...
راضية ـ ( بشيء من الخوف ) انني ماذا يا حبيبي ؟..
العربي ـ ( باضطراب أكثر ) انك أحيانا تتصرفين بطريقة خرقاء ... باضطراب وكأنك غير
        واتقة من نفسك ... كما لو أنك تعانين من أمراض الطفولة ... أو كآبة المراهقة ...
راضية ـ ما هذه الاتهامات يا عزيزي ... لست مضطربة أبدا ... وتصرفاتي طبيعية جدا ...
         وأنني سعيدة هذا الصباح ... وجئت بناء على طلبك ( وقفة ) ومعك يا العربي أنا               دائما مليئة بالفرح وبرغبات كثيرة ...
العربي ـ ورأسك ؟...
راضية ـ ماذا عن رأسي ؟..
العربي ـ هل هو مليء بحجم من الأفكار مثل رأسي ؟..
راضية ـ ( تمزح ) وهل أنا عظيمة مثلك ؟...
العربي ـ ها ها ها ... أنا عظيم ...
راضية ـ أنت فعلا انسان عظيم ...
العربي ـ ( بقوة ) طز ...ظززززز...
راضية ـ الكثير من الأفكار النيرة لا توجد الا في الرؤوس العظيمة ...
العربي ـ ها ها ها ...لا أملك شيئا أقدمه لك سوى حرارة روحي ...
راضية ـ وأنا بدوري أقدس حرارة روحك ...
المعطي ـ ( يظهر بعدما غير ملابسه وهو يحمل محفظة ) سأعود مبكرا هذا المساء ...                 ونتابع التداريب ... حاول أن ترتاح ... وأن تكون في نقطة الصفر اليونانية .
العربي ـ إلى أين ؟..
المعطي ـ إلى المدرسة ...
العربي ـ إلى المدرسة ... أيه يا مقاعد الطفولة والصبا والشباب ... بالمناسبة لازلت تدرس
          الانجليزية ؟..
المعطي ـ لازلت أدرس الأنجليزية ...
العربي ـ آآآه ... وما زلت مستمرا مع تاجر البندقية ؟...
المعطي ـ لازالت دار لقمان على حالها ...
العربي ـ تحياتي ادن لأنطونيو وبسانيو ...                                                        المعطي ـ ها ها ها ...تصل ياعزيزي ...
العربي ـ ولعناتي لذلك اليهودي القدر شيلوك ... ( يضحكون )
المعطي ـ ( وهو يخرج ) تصل يا عزيزي ...
العربي ـ اليهود خنازير لا تعرف الاسترخاء ... في نيويورك تراهم يتدفقون مثل الزنابير
       الهائجة إلى حيث المال في حي منهاتن ... يوم الكارثة لم يحظر معظمهم الى مركز
       التجارة العالمية ... وكأنهم أخدوا خبرا بما سيقع ...
راضية ـ نيويورك ... وعدتني أنك ستكلمني عن دراستك المسرحية بنيويورك ...
العربي ـ ( بدهول ) في المسرح ... هل كنت تذهبين الى المسرح ؟...
راضية ـ لا يوجد في مدينتنا مسرح ... المسارح توجد فقط في البيضاء والرباط ... كنت
       أحضر بعض العروض في دار الشباب ...
العربي ـ ( بدهول أكثر ) بعض العروض ... ( يثوثر) أثناء العرض هل كنت تبقين مشدودة
       الى كرسيك حتى النهاية ؟...
راضية ـ إذا كان العرض جيدا ...
العربي ـ بماذا كنت تشعرين وأنت تغادرين عرضا جيدا ؟...
راضية ـ كنت أشعر بعاطفة غامضة ... بفرح ... أحيانا بألم ... لا أعرف ...
العربي ـ هذا ما يطلق عليه أهل العلم حالة التمسرح ...
راضية ـ حالة التمسرح ؟..
العربي ـ أي نعم ... هذه الحالة ترتبط بواقع كلما يحيط بالعرض المسرحي من جوانب                  أساسية تحدد طبيعته ...
راضية ـ لم أفهم ...  
العربي ـ على سبيل المثال ... لنفترض متفرجا قرويا في ساحةعمومية ... متسلقا شجرة
       لمتابعة عرض مسرحي ... ليس كمتفرج مدني داخل علبة مغلقة ... جالسا في
       الصف الأمامي على أريكة مريحة ... هنا ينبغي على الفنان أن يأخد بعين الاعتبار
       هذه الوضعية ... الخاصة التي تقع في اطار حالة التمسرح لادراك الهدف الأساسي...
       أو الأعلى للمسرح ... ألا وهو ذلك التواصل الذي يمكن أن يكون صداميا وليس
       بالضرورة انسجاميا ...
راضية ـ ادن نوعية الجمهور هي التي تتحكم في عمل الفنان ...
العربي ـ طبعا تتحكم به ... ويتحكم بها ... لأن هناك لقاء ديموقراطي حر ...
راضية ـ ادن يمكن اعتبار هذه الفكرة قاعدة عامة ... وثابثة في المسرح ...
العربي ـ لا... ان لكل عرض مسرحي ... ولكل حالة مسرحية ظروفها وملابساتها                       واشكالياتها الخاصة بها ... هذه الظروف والملابسات والاشكاليات لا تقتصر على نوعية المتفرج وحالته السوسيو ـ ثقافية أوالجغرافية ـ ثقافية ... أو الامكانيات              التقنية والتجهيزات ونوعية فضاء اللقاء المسرحي ... وانما تتجاوز الى سيكولوجية الفنان والمتفرج ... وللبعد الحضاري عموما ( يدرع الغرفة ثم يشرع في غناء إحدى الأغاني الكلاسيكي )
راضية ـ هل مازلت تتذكر هذه الأغنية ؟..
العربي ـ كان يجب أن أقدم لك زهورا كثيرة ...
راضية ـ لماذا ؟..
العربي ـ لأنك تذهبين الى المسرح ...
راضية ـ ماذا ؟.. أنت مندهش من ذهابي الى المسرح ؟..
العربي ـ ( بدهول ) مندهش ... من الذي لايندهش ... أنا بحاجة الى الدهشة ... بل الدهشة
       المستمرة ... ( يضطرب فجاة فيصفع رأسه وتنتابه واحدة من تلك الحالات التي يتكلم
       فيها بلغة لا ترابط فيها أحيانا ، وبلغة منطقية جدا أحيانا . يسلط أثناء حديثه ضوء
       أزرق على وجهه ... في الخلفية نسمع موسيقى إلإكترونية تصاحب تراكيب مناسبة         على الشاشة ) ... هل تسمعين هذه الأصوات ؟.. أنا لا أستطيع أن أتجاهل الضوضاء     ... بينما لا يستطيع الجهاز العصبي الذاتي اهمال الضوضاء كعامل يؤدي
الى اضطراب ... وتسجيل التهيجات ... الضوضاء في المخ ... هل تفهمين الأرق ...
Pscychic conditioned       الأرق ... ثم التهيجات ؟.. في نيويورك الأطباء يسمونه         ها ها ها ... تناقضات في كل شيء ... البروفسور مارتن قي جامعة بنغامتن ... حيث
       كنت أدرس المسرح ... كان يقول : بارمندس يقول ان الواقع يتفرد بالوحدة وعدم
       التغيير ... فكنت أرد عليه ... لكن بروفسور لا تنس أن تلميده لبوس الذي شرع في
       تنظيم النظرية الذرية كسر كرة أستاده الصلبة ... وجعلها تتألف من جسيمات دقيقة
       سماها درات بحيث لا ترى بالعين المجردة ... وكان البروفسور يضحك ويقول : رائع
       أيها العربي الذكي ... أنت على حق ... لنرجع الى اسخلوس مرة أخرى ... راضية أنا
       أتكلم عن التناقض ... والدهشة التي تزلزل المخ ... الدهشة الفعالة التي تخلخل
       المناطق المخية الثلاثية الحسية ... وتشلها إلى درجة الصفر ... وتبدأ الهلوسات في
       التحليلات وسط دخان غلايين الأطباء ... طرق على الأعصاب ... تحليل ... تحليل
       الوظائف الفسيولوجية عند الانسان ... وادخال الطريقة التاريخية في دراسة الحياة
       العقلية للانسان ... كنت أقول للبروفسور مارتن ... اسمح لي أن أقول ان على
       الممثل الجيد أن يصدر أمرا باعتقال داخله ... ويمنع التجول في أعماق شخصيته
       نهائيا عندما يمثل دور شخصية ... وكان يضحك وهو يقول : يا لك من عربي ذكي ..
       ( صمت طويل ) لأن هناك ـ واقع الواقع ـ وهناك ـ ممكن الواقع ـ والمسرح ممكن
       الى ـ ممكن الواقع ـ ولا يمكن أن نتصور ـ ممكن الواقع ـ أو ندرك ما هو ممكن
       الواقع ... وما يمكن تجاوزه الا عن طريق التحقيق في الخيال ... وكذلك الطموحات
       والمطالب التي نتوق اليها باستمرار ... فليس هناك واقع مادي يمكن أن يرضي
       الفنان باعتبار أن الفنان ... هو مشوع بحث مستمر عن واقع مخالف لما هو سائد
       وقائم سواء في ذاته أم في عصره ...أم في ما يتجاوز ذلك كله ... اذن ... لايمكن أن
       نسقط في فخ الواقعية ... أو الطبيعية ... أو الالتصاق بالواقع من منحى الاستقرار
        والتبات والسكون ... انما علينا أن نتخد منحى التحرك والديناميكية والعمل على
       إيجاد البديل باستمرار ...
راضية ـ اجلس يا العربي ... هل تشعر بألم في مكان ما ؟...
العربي ـ هناك ألم صم ... ألم يكوي مثل الأسيد ... ماذا كنت أقول ؟.. هل كنت أتكلم عن
       الخبرات الجمالية والذهنية عند الجمهور ... لا ... كنت أتكلم عن مفهوم الواقع في
       الخطاب المسرحي ... لأنه ليس بالتحديد أن يكون ـ مكونا واقعيا ـ يمكن أن يكون
       مكونا خياليا أيضا ... أو حتى أسطوريا ... خرافيا ... ولكن لابد أن يكون له اتصال
       وثيق ... وله قدرة على التأثير في الواقع ... بالتصاقه بالواقع ...
راضية ـ أنت تتكلم في مواضيع عديدة ... وبطريقة جميلة ...
العربي ـ ( يمسح جبينه ) غريبة هذه الحياة ...
راضية ـ جدا ... جدا ياعزيزي ...
العربي ـ فيها أشد العناصر تباينا ... فيها مفاجأة ...تناقض ... سوء تصنيف ... هي قاسية
          حافلة بالنكبات ... يصعب شرحها ... تفسيرها ...غير منطقية ...
راضية ـ ألا تعتقد ياعزيزي أنك مرهق ... اذهب وتمدد قليلا ...
العربي ـ ( صارخا ) أتمدد ... أرجوك ... أنا أريد أن أتكلم ...
راضية ـ كما تشاء يا حبيبي ... تكلم ...
العربي ـ في جامعة بنغامتن ... حيث كنت أدرس المسرح ... كانت عندي صديقة تدعى                 جيجي ...
راضية ـ هل كانت جميلة ؟..
العربي ـ جميلة ؟... لا ... لكنها كانت موهوبة عظيمة ... ممثلة ساحرة ... ( وقفة ) كانت
        تقول لي ... العربي أنا أعرف كل جوانبك السهلة والطيبة ... بل أنت انسان سهل ...
         لماذا لا تحاول أن تعرف الجوانب المتسكعة ... والبوهيمية في داخلي ...
راضية ـ كلمني عنها ... عن جيجي ...
العربي ـ كانت تقول : حاول ... حاول ... تدوقها مرة واحدة ... وتزداد شغفا ... ماذا ؟..                أنت قديس أم ماذا ؟... كانت تأخدني الى البحيرة ... أنا أتمل البحيرة والأشجار ... وهي تلقي محاضرة في اللدة ...  
راضية ـ في ماذا ؟..
العربي ـ في اللدة ... تقول : العربي أريدك أن تفهم اللذة ... نعم ... اللذة ... هي وحدها                 تنمي الإنسان ... كل شيء يدب على الأرض يبحث عن الذة ...اللذة تعني الوجود ... دائما يهدون باللذة ... ( تأخذه برفق إلى الكرسي ، يجلس مثل المحموم ) كانت            تقول لي : انظر إلى نهدي الناعم كالقطيفة يذوب ألما ولذة لأصابعك العربية السمراء ... ( يقفز من على الكرسي كالملسوع ويمسك رسغ راضية ويجرها إلى الصورة التي يمثل فيها أحد الأدوار في مسرحية ) أنظري ... هذا أنا ... وهذه                 جيجي الحارة الموهوبة في دور ديدمونة ... ( وقفة ) هل أمثل لك مقطعا من هذه المسرحية ... ( يأخذ حقيبة راضية ، يبحث فيها عن شيء يلون به وجهه ) ...
ديدمونة ـ كيف حلك يا مولاي
عطيل ـ حسنا يا سيدتي اكريمة ( انفسه ) ما أقسى الخداع والنفاق ... وكيف أنت يا
        ديدمؤنة ؟
ديدموتة ـ في أحسن حال يامولاي الكريم
عطيل ـ أعطيني يدك ... انها بضة نضرة .
ديدمونة ـ لأنها لم تحس بمرور الأعوام ولم تعرف الحزن والأسى .
عطيل ـ ( ينظر في كفها ) انها دافئة ...وبحاجة الى من يحرس حريتها ... ويحث صاحبتها
          على الصوم والصلاة ... ومزاولة بعض الأعمال التي تساعد على التوبة وتعمق
          التقوى ... أرى فيها شيطانا شابا ينضح بالعرق ويتمرد غالبا ... انها يد طيبة ...
          يد صريحة ....
ديدمونة ـ بامكانك حقا أن تقول ذلك ... لأنها اليد التي أعطتك قلبي ...
عطيل ـ انها يد متسامحة كريمة ... قديما ... كانت القلوب هي التي تعطي الأيدي ... أما في
          أيمنا هذه فتعطى الأيدي دون القلوب ...
ديدمونة ـ هذا أمر لا يمكنني التكلم فيه ... والآن ...أين وعدك ؟...
عطيل ـ أي وعد يا حبيبتي ؟...
ديدمونة ـ لقد بعثت في طلب كاسيو لكي يتكلم معك ...
عطيل ـ أعاني من زكام أصابني ... أعيريني منديلك ...
ديدمونة ـ ها هو ذا يا مولاي ...
عطيل ـ المنديل الذي أهديتك ...
ديدمونة ـ ليس معي الآن ...
عطيل ـ لاتقولي ذلك ...
ديدمونة ـ خقا ليس معي يا مولاي ...
عطيل ـ انها غلطة ...



راضية ـ ( تصفق بحرارة ) رائع ...رائع ... لماذا يريد عطيل المنديل الذي أهداها بالدات ...
العربي ـ ( بصوت مثل الفحيح وهو يشير الى رأسه ) لأنه مريض هنا ... مريض ...                   الخوف ... كل الخوف هنا ... هنا ( وقفة ) ... أتعرفين ما معنى أن يكون الانسان مريضا هنا ؟... هنا الخوف ينشطر ويصبح فجأة ألف ... عطيل مثلي ويحتاج الى              مساعدة ....
راضية ـ أنت لست مريضا ... أنت مرهق قليلا ...
العربي ـ مرهق قليلا ... لا ... ذهبت وأنا في صحة جيدة ... ورجعت ومعي عطب في رأسي
          وروحي ... ( بحزن شديد ) هكذا الانسان يا راضية ... خلق ليجري وراء أمجاد               وهمية ... وهو في الحقيقة لا يحتاج سوى لأشياء بسيطة ليكون سعيدا ... أليس كذلك ؟...
راضية ـ نعم ... لكن الطموح شي جميل ...
العربي ـ أنت الآن مثلا سعيدة ؟...
راضية ـ معك دائما سعيدة ... لأنني أحبك ...
العربي ـ كذابة ...
راضية ـ أقسم ... بكل ما تريد ...  
العربي ـ ( مازحا ) أنت تحبين زحل ... وعطارد ... والزهراء والمريخ ...
راضية ـ ( سعيدة لملاحظتها الانشراح على قسمات العربي ) نكثه حلوة ...
العربي ـ أيهما تحبين أكثر ؟...
راضية ـ الزهراء ...
العربي ـ لماذا ؟...
راضية ـ لأن حرارتها لاهبة ... 470 درجة مئوية ...
العربي ـ أما أنا فأحب أرضنا ...
راضية ـ أرضنا الحبيبة ...
العربي ـ أرضنا الحبيبة ... فوق هذه الأرض فقط توجد الأحزان والأفراح ... والعدابات
       والحروب ... والحب ... والكآبة ... الكآبة ...
راضية ـ أنت تردد هذه الكلمة بكثرة ... لماذا ؟..
العربي ـ في نيويورك انغرست في الكآبة والفزع ... هناك في تلك المدينة المتوجة بالرعب
           والدولار ... كل شيء هناك يعمل على الرعب ... وتضييق الوعي ...
راضية ـ لماذا ... وكيف ؟..
العربي ـ الإنسان مهما كان عظيما يختزل هناك ...
راضية ـ ماذا ؟... يختزل ؟...
العربي ـ نعم هناك يا راضية ... الكثر من الأشياء مسموح بها ... لكن المأسات شيء هام               ... هناك الإنسان ليس لديه بعد ...
راضية ـ لا أفهمك ...
العربي ـ واقع صعب ... لايستطيع الانسان تجاوزه ...
راضية  ـ العربي ... لماذا لاتكلمني عن دراستك للمسرح ... لدي سؤال يحيرني ولم أستطع              أن أجد له جوابا شافيا ... لماذا لازال المسرح مزدهرا في الغرب رغم مضي آلاف السنين على وجوده ... والتقدم التكنولوجي ... بينما خبت شعلته عندنا ...               بعد سطوع محتشم لما يقارب العقدين من الزمن ؟... العربي ـ لأنه ببساطة تابع ، والتابع مولع بالإقتداء بالمتبوع في شعاره ، زيه ، نحلته                  وسائر أحواله وعوائده ، قبل أن يتبين له أنه تابع ، فتخبو حماسته ، فتصيبه الكآبة ...                                                                                   راضية ـ لم أفهم ... العربي ـ مسرحنا أصابته الكآبة ... بعد فترة معايشة هذه الظاهرة ومحاولة الخروج من              دائرة الهيمنة ... راضية ـ كيف أصابته الكآبة بعدما كان ساطعا ومتألقا ؟...
العربي ـ فعلا ... فعلا ... لأن كل مرحلة تقتضي نمودجا ... أو نمطا مسرحيا معينا ... فليس
       كل نمودج أو نمط مسرحي قادر على التعايش مع أية مرحلة يقطعها مجتمع من
       المجتمعات ... أو يدركها انسان في ظرف معين من تاريخ وجوده ... ان تغيير
       المدارس الفنية ... والمذاهب المسرحية ... فكريا وفنيا في الغرب يؤكد هذا ... انك
       لا تستطيعين أن تأخدي قالبا ... أو شكلا ... أو مضمونا ... أو مدرسة أو مذهبا ...
       وتقولين ... ان هذا هو ما ينبغي أن يسود ... لأنه قد يسود لمرحلة معينة ... وكلما
       استجدت تحولات في تاريخ المجتمع البشري فان تلك المتغيرات تفرض ... وتفرز
       نمطا ونموذجا مسرحيا جديدا يكون قادرا على التخاطب وعلى خلق نسيج الحوار
       واطاره ...
راضية ـ فأين هو ادن المسرح العربي من كل هذه التحولات والتغيرات ؟...
العربي ـ المسرح العربي اليوم تابع ... والتابع لا محالة يكل ويعيى ... ولا سيما اذا كان
       يحاول تخطي المراحل ... ( وقفة ) ... كانت هناك محاولات جريئة في البحث عن
       امكانيات جديدة لواقع مسرحي عربي جديد... قادها مسرحيون عرب مثل ... عبد             الكريم برشيد ... سعد الله ونوس ... عز الدين المدني وآخرون ...هؤلاء المبدعون
       بحثوا وجربوا وأنتجوا أعمالا باتجاه البحث عن هوية للمسرح العربي ... ولكن هذه
       التجارب توقفت عند مرحلة معينة ... لم تستطع أن تتطور ... وكانت رهينة معوقات
       وصعوبات تتجاوز المسرح ... وتتجاوز هؤلاء المبدعين أنفسهم ... هي معوقات
       الواقع العربي ككل ... فلا نستطيع أن نجد مسرحا عربيا دون أن نجد اقتصادا عربيا.
       ودون أن نجد تعليما عربيا ... ودون أن نجد ثقافة عربية ...
راضية ـ أنت على وعي بكل هذه المعيقات ... وتذهب لأمريكا ... وتغامر بحياتك ... لتدرس
       المسرح ... لتعود الى وطن لا مستقبل للمسرح فيه ...
العربي ـ أنالا أرى الواقع كذلك ... ولكن أرى فيه حالات وعوامل مساعدة على الخلق ...             هناك عوامل أخرى لا يعيها الكثير من رجال المسرح ... رغم أنها تساهم بالقسط الوفير في  شل عملية الابداع ... هناك احباطات وتحديات لا تعيها الأجيال الشابة . ولكنها دو وقع على حاضرهم ... نحن مثلا  لا يمكن أن ننسى ما فعلته نكسة 67 بالإنسان العربي ... وما نشأ عنها ... أو ما تبعها من احباطات ... مثل لن تنسى               الأجيال الشابة اليوم كارثة 11 شتنبر 2001 التي جاءت لتعمق من جراح هذه الأمة .
       فهزيمة 1967 ليست هزيمة عسكرية فقط ... وانما هي هزيمة حضارية ... هزيمة
       ثقافية وسياسية ونفسانية ... وهزيمة معنوية ... وهزيمة قيم ... انها هزيمة بالكامل
       ونحن لم نكن نتحسس هذه الهزيمة ... بل كنا نعيش نشوة انتصارات حروب التحرير         لتحقيق الاستقلال ... وبعدها تلت هذه النشوة التي كنا نعتبرها صحوة ... فاذا بنا
       نصحو على وهم ... ونستفيق بصدمة عنيفة رجت كيان الانسان العربي أينما كان ...
       ثم ... ان توقف مشروعات التنمية الشاملة بالمفهوم الثقافي والثربوي والعلمي ...
       هناك توقف ... واستقرار ... وثبات ودوران في حلقة مفرغة مند 1967 الى الآن ...
       ونحن لم نستطع تجاوز هذا الدوران حول الداث في هذه الحلقة المفرغة ...
       والمسرح بعدما شهده من انطلاقة واكبت ـ وكانت افرازا حتميا ـ الانطلاقة الشاملة
       التي عاشتها أقطارنا العربية بعد حروب التحرير ... فان هذه الانطلاقة أصبحت
       انكسارا كاملا ... وهي طبيعية اذا ما أخدنا بعين الاعتبار الانكسارات التي تشهدها
       الساحة العربية على جميع الأصعدة ... وفي كل المجالات ... وعلى كل المستؤيات ...
       والمسرح لا يستطيع أن يهرب من محيطه ... ومن الواقع التاريخي بكل مكوناته ...
       فلا يمكن للمسرح أن يخالف طبيعةالأشياء ...
راضية ـ في ضوء هذه الأفكار ... يلزم برأيك نقطة بداية جديدة ؟..
العربي ـ بالتأكيد ..لابد أن تكون هناك مراجعة عامة لواقع الانسان العربي في كل جزء وفي
      كل شبر من هذا الوطن ... هذه المرحلة ينبغي أن تكون علمية ومعاصرة ... يعني أن         تستند الى الأسلحة الحقيقية التي نستطيع بفضلها الوقوف بوجه التحديات ... فنحن
       لايمكن لنا أن نخرج من هذا المأزق أو هذه الأزمة الجادة التي نعيشها مالم تكن لنا
       الشجاعة الكافية ... شعوبا وقيادات ... وفي مستويات البنية التركيبية المجتمعية
       العربية كلها ... لكي نواجه واقعنا بنقد داتي شديد وعنيف ... موضوعي وعلمي ...
       وأن نجد مع بعضنا بالتفكير المعمق والبحث الجاد والدءوب عن السبل والطرق ...
       بالتأكيد أن هناك منافد ... لا يمكن أن يكون الحصار مضروبا علينا الى درجة نفقد
       معها الأمل ... وأنا لم أفقد الأمل رغم هذه الكارثة التي أعيشها ... ولكني أقول : إن
       الواقع الآن مترد الى درجة لم يترد معها الواقع العربي من قبل ... ( وقفة ) لقد
       تكلمت كثيرا ـ ياك ـ ( يفكر ) كلميني أنت عن عطارد ... عطارد ... كلمة جميلة ...
       كيف شكل هذا الكوكب ؟..
راضية ـ تكسوه الشقوق والتصدعات من كل جانب ... يصل قطر البعض منها 1300                  كيلومتر( تتكلم وكأنها أصابها نوع من السأم )
العربي ـ أنت تتكلمين كطالبة مدرسية ... مثل الببغاء ... تكلمي بحرارة ... تكلمي عن                   الزهراء ...
راضية ـ لا توجد في الزهراء  سوى الحرارة ...
العربي ـ بحرارة أكثر ... كم يبعد أقرب نجم عن الأرض ؟..
راضية ـ خمسة وعشرين مليون ميل ...
العربي ـ تكلمي ... لا تتوقفي ... تكلمي عن طريق التبانة ... كيف تبدو ؟..
راضية ـ طريق التبانة فيها ثلاث مئة مليون نجم ...
العربي ـ أي مجنون عد هذه النجوم ؟..
راضية ـ التكنولوجيا الحديثة تحقق أكثر من المعجزات ...
العربي ـ العلماء أيضا يهدون مثل المرضى في المخ ... يقولون أن المسافة بين المجرات
       تستغرق مليون سنة ضوئية لقطعها ...
راضية ـ فعلا ...
العربي ـ كلام ... كلام ... كلام ...
راضية ـ لكنه كلام علمي ومنطيقي ...
العربي ـ ( بعد صمت طويل ) ليتني كنت نجما ... تلك النجوم البعيدة التي تبدو مثل فراشات
          فضية ... أحيانا تبدو مثل ندف الثلج ... أليس كذلك؟...
راضية ـ فعلا ...
العربي ـ وأحيانا مثل فلينات فضية تطفو كما تشاء فوق اللأزورد ...
راضية ـ وتبدو كأنها ناعمة نعومة مثيرة ...
العربي ـ آه ... رائع ... هكذا تكلمي عن النجوم وليس كببغاء ...
راضية ـ ( بضيق ) مجموعة أضواء ناعمة ( تتنهد ) ساحرة ...
العربي ـ تعيش وهي ... ( يضطرب مرة أخرى ) في نيويورك رأيت أفحش حياة الفجور ...
                                   Manipulation الفسق ... هناك فقط تطبيق لكلمة
راضية ـ ما معنى هذه اكلمة ؟..
العربي ـ هناك يا راضية يستطيعون التأثير بطريقة ... بل بأغرب الطرق على الناس ...
       يدفعونهم للقيام بأغرب الأعمال التي تتعارض حتى مع مبادئهم ... هناك قتلة
       محترفون ... هناك وسائل اعلام رهيبة ... هناك الانسان ليس حرا ... نحن في
       أوطاننا نشكو من الأمن الغذائي والصحي والفكري ... هناك يعانون من الأمن                 المعنوي ( صمت ، يصرخ ) أتعرفين كيف بدأ الألم معي ... كيف أصبحت مثل عطيل في المسرحية ؟.. ( يلتقط السكين من على المائدة ويجلس على الكرسي . وأثناء             حديثه تسلط عليه عدة أضواء واحدة تلو الأخرى ) راضية ... ذهبت لمصرف في المركز العالمي للتجارة لأقبض المبلغ الذي كان يرسله لي والدي رحمة الله كل شهر ... مأتى دولار ـ كنت أذهب الى هناك لسحب المبلغ ... رغم أنه كان بوسعي أن                أسحبه من مصاريف أقرب ... وذلك لكي أتفرج على العاملين هناك ـ وضعت المبلغ في جيبي وبدأت جولتي المعتادة والتي كانت تقودني إلى الطابق الأخير ... لكي أتفرج على مدينة نيويورك من أعلى ... (يظهر على الشاشة مقطع من فيديو تحطيم برجي التجارة العالمية ) فجأة رأيت طائرة بوينك
ضخمة تتجه نحوي بسرعة قوية وصوت مدوي رغم زجاج النوافذ السميك ...
       وارتطمت بطبقات البرج الأسفل ... لشدة انبهاري وسرعة الحدث لم أشعر بالعالم
       الذي زلزل تحت قدماي ... ولا بالنيران التي اشتعلت في كل شيء حتى في الاسمنت         والفولاد ... ولا بالشضية الكبيرة الملتهبة التي لطمتني وألقت بي في قفص المصعد    الذي بقي مفتوحا ... فاقدا للوعي ... بعد أسبوعين من هذا الحادث عدت من الغيبوبة ... فوجدت نفسي في أحد المصحات ومعصمي مقيد الى السرير الذي كنت أنام عليه         بقيد للبوليس ... لأنني أثناء غيبوبتي كنت أهدي بالعربية ... عندما فتحت عيناي حظر جميع أنواع المحققين لاستجوابي ... كما حقنوني بجميع أنواع حقن الحقيقة     لكي أتكلم ... لكي أكشف لهم عن أسماء الجماعة ... أي جماعة ... أنا لا أعرف أي جماعة... أنا أدرس المسرح بجامعة بنغامتن ... لكي أغدو مخرجا مسرحيا ... كانت عيونهم تبرق من الغضب ... دام هذا التحقيق أكثر من أسبوعين ... وكنت لا أردد            سوى حكاية المأتي دولار التي يبعث بها والدي كل شهر ... عندما تعافيت جسديا وأصبحت قادرا على المشي ... ثم نقلي إلى سجن كوانتنامو اللعين حيث انفرد بي جلادون لا يعرفون الرحمة ... يتقنون جميع أنواع التعذيب الجسدي والفكري ...    علقوني من رجلاي وألقوا بي في برميل مليء بالماء النتن ... أدسوا قنينات الخمر في مؤخرتي ... ربطوني إلى طاولات ممغنطة ومكهربة ... جعلوني أجر عاريا فوق الحصى حتى دميت كل أطرافي ... ويأخذ الحراس بالتبول فوق جراحي ليوم أو يومين ... وأنا ملقا في العراء بدون ملابس ... بدون أكل ولا شرب ... تفننوا في             التنكيل بي طيلة سنة كاملة حتى أدلهم عن الجماعة التي أنتمي إليها... وعندما تيقنوا من هويتي طلب مني أن أغادر التراب الأمريكي في أسرع وقت ... وتركوني أعود راجلا إلى البيت ... قبل أن أصل الى شقتي يجب أن أمر بعدة أزقة ... فجأة ظهر لي ثلاثة شبان .. صاح بي أحدهم ... أيها المسلم المجرم ... وقال آخر ... رائحة        النفط تفوح منه ... وقال ثالث ... أين فقدت جملك ... في برج التجارة العالمية ...ها ها ها  ... قال آخر اسمع أيها العربي القدر ... ياقاتلة اليهود ... اذا كنت قد استطعت
       أن تفلت من كونتنامو ... فلن تستطيع الإفلات منا ... قلت له : أرجوك احترم نفسك           ... أنا لست قدرا أجابني آخر :أنت القذارة بعينها ... سوف تقر لنا عن أصحابك ... ولصالح من تشتغل ... وصفعني  بقوة ... أردت أن أصفعه ... فاذا بصديقه طعن باطن كفي بسكين كبير مثل هذا ... ( تظهر على وجهه انفعالات حادة ) وطعنني               بسرعة أسفل ذراعي ... شلني الخوف عندما أخرج الثاني مسدسا وضربني بقوة على رأسي ... شعرت بدوا شديد ... وطعنني الثالث طعنة قوية في دراعي وهو             يردد ...لقد شاهدك كل الأمركان على التلفاز أيها القدر ... أنت من حطم أحد البرجين ... وانهالت علي كعوب احديتهم عشرات المرات ... وكذلك عقب ذلك            المسدس إلى أن رحت في غيبوبة ... ( يبكي بصوت خافت ) مند ذلك الوقت وأنا متكلس الذاكرة والمشاعر ... والخوف ... (تنقطع الأضواء )
راضية ـ ( تمسح دموعه ودموعها ) لقد عاملوك بقسوة ...
العربي ـ وأية قسوة ... راضية ... أمس قلت أننا الآن في الربيع ...    
راضية ـ نعم يا عزيزي ... انه نهار جميل ... الشمس مشرقة ورائعة ... الأرض مثيرة ...             هل ترغب في أن تذهب الى الثلال خارجة المدينة ...
العربي ـ الآن ؟..
راضية ـ لم لا ...
العربي ـ لا طال ما تمنيت أن أذهب الى السوق الكبير ...
راضية ـ لماذا الى هناك ؟..
العربي ـ ننظر السوق المزدحم بالناس ... ننظر العربات الكبيرة المحملة بالخضر ... ننظر
           بائعي الملابس المستعملة ... ننظر أكوام الأواني المنزلية البلاستيكية ...
راضية ـ لكنك يا عزيزي بحاجة الى أماكن هادئة ... منطقة الثلال أجمل ...
العربي ـ هل التلال أرجوانية الشكل الآن ؟..
راضية ـ الآن لا ... تكون أرجوانية في المساء ... كانت تبدو ارجوانية هذا الصباح ...قبل
          انقشاع الضباب الخفيف ...
العربي ـ مدينتنا مدينة ناعسة ...
راضية ـ بل ساحرة ...
العربي ـ مدينة مليئة بالرحمة ... تحب الجميع ...
راضية ـ نعم ... الجميع ...
العربي ـ آه ... انها مدينة المدن ... وجهها حالم ...
راضية ـ نارها الأزلية تهلهل ليل نهار ...
العربي ـ كنت أحلم بها كل ليلة وأنا في السجن ... وأنا أعالج من جروحي الكثيرة ... كنت
          أقارن بينها وبين مدينة الفجور والدعارة عندما أسترجع وعيي...
راضية ـ يا لحنانك لها ...
العربي ـ إنها مدينة واضحة كالماء العذب ... ( بصوت حزين ) أشعر أنني في وضع نفسي
         أحسن اليوم ... هل كنت أتكلم بوضوح ... هل كنت أتكلم في مواضيع مختلفة ... هل           اضطربت كثيرا يا راضية ؟...
راضية ـ تابع كلامك عن المسرح ان كان هذا يريحك ...
العربي ـ ينبغي أن نقوم بثورة ... ثورة ثقافية ... لأن الثقافة هي الأساس في أية تنمية
       اجتماعية ... وأي تقدم علمي ... وأية نهظة حضارية ... ولا يمكن للانسان العربي
       أن يعرف سبيله ... وأن يدرك الطريق الموصلة الى الأهداف ... أو لتحقيق الغايات
       والطموحات ... ما لم يستند الى أرضية ثقافية وبرنامج عمل ثقافي ينطلق من فكر
       واضح دي نهايات واضخة ... ماذا نريد للانسان العربي ؟... نريد له أن يكون انساتا         سويا ... قادرا على معايشة الانسان الآخر ... والتفاعل معه ... والوقوف على قدم
       المساوات إلى جانبه ... في هذا العصر السريع التغيرات ... المتقلب ... ان الانسان
       العربي لن يصل الى هذا الا اذا كانت لديه قناعات فكرية واضحة ... وأسلحة علمية
       تكنولوجية ... واقتصاد قوي ... ودفاع قوي ... وحرية ديموقراطية ...وعدالة                  مستقلة ... وإعلام حر وفعال ...
راضية ـ هذا كلام قديم ... كنت تقوله قبل أن تذهب الى أميريكا ... وهاأنت تعيده كالببغاء             بعد عقدين من الزمن ...
العربي ـ وسوف أردده بطرق مختلفة ما دام لم تخول للمثقفين والمفكرين العرب امكانية
         البحث والتفكير مع بعظهم ... لكي يتأملوا في واقعهم ويقدمون بحوثا ودراسات
          تحمل حلولا ... وتفتح آفاق تخرج بنا من هذه الأزمة ... ومن هذا الحصار ...
راضية ـ يجب أن تكون هناك مبادرة من طرف جميع فعاليات المجتمع ... وبالأخص هذا              المثقف العربي أولا ... فالمسئولون والمستفيدون من هذه الأوضاع لن يحركون ساكنا لتغيير الأوضاع ...  فرجل المسرح مثلا وضع أسلحته واستسلم ... ولم يعد يقم بأي مبادرة تذكر في هذا الباب ... فعمله لا ينفصل عن كثير من نقط السلب في          هذا الواقع الذي يدينه ...
العربي ـ لاشك في ذلك ... انه بقدر ما يدين الواقع فهو مؤثر في هذا الواقع ومثأثر به ...            لأنه جزء من هذا الواقع ... ولكن مسؤوليته محدودة باعتبار حجمه ... فرجل
       المسرح لا يمكن أن يعتبر نفسه محورا لهذا الواقع ... ولا مؤثرا فيه ذلك الثأثير
       البليغ والعميق ... لأنه مجرد درة صغيرة من هذا الواقع ... وهذه الدرة بقدر ما
       تسعى الى التأثير في الواقع فهي تتأثر به وبما أن الواقع يتكون من درات ... آلاف
       بل ملايين الدرات ... فانه يتيه ويضيع في هذا الواقع ... ( وقفة ) هل لازلت أتكلم
       بوضوح يا راضية ؟...
راضية ـ بالطبع ... أنت رائع ... أنت عبقري ...
العربي ـ اقتربي مني يا عزيزتي ...                                                                     راضية ـ ( تقترب منه . ظلام . يسلط الضوء عليهما فقط ) نعم يا حبيبي ...
العربي ـ (بطريقة رومانسية) أتعرفين مقدار العاطفة التي يشتعل بها صدري لك يا                      راضية ؟..
راضية ـ أعرفها ... أقدرها ...
العربي  ـ اعذريني ... أولئك الأطباء زلزلوا عقلي بحقنهم ... وأولئك الأشرار زلزلوا روحي
           بممارستهم ...
راضية ـ انك تتحسن كل يوم ...
العربي ـ أريد أن يستجيب قلبي لكل رغباتك ... ولكن ...
راضية ـ وحتى اذا لم يستجب فأنا راضية بك كما أنت ...
العربي ـ سأشفى داث يوم ...
راضية ـ وهل هذا كلام يقبل الغلط ؟...
العربي ـ يا لك من زهرة بشرية رائعة ...
راضية ـ أشكرك ...
العربي ـ ( بصوت حزين ) لماذا تجيبينني بصوت حزين ؟.. لماذا نظرتك ضالة وأنت                    تنظرين ألي ؟.
راضية ـ لأ نني سعيدة ... سعيدة وأنا أستمع اليك وأنت تتكلم بصوت هادئ رقيق يؤثر في               نفسي كثيرا...   العربي ـ لماذا تحبينني الى هذه الدرجة ...
راضية ـ أحبك ... لا أعرف ... دعني ... انني الآن أعيش لحظات حلوة ( تحتضنه ) لحظات
       جميلة ... انني معك أتحرر من كل شيء ... من الذاكرة ... من تاريخي كله ...(وقفة)
       انك يا عزيزي استحودت علي بأفكارك ... بوسامتك وثقافتك ... بحديتك الحلو ...
       العربي ... حتى لو طردتني أجيئك بمجرد اشارة واحدة ... ملغية ... مجردة من كل
       شيء ... مليئة بالحب لأنك زرعت في رغبات جميلة غير مشبعة ... ( وقفة . بصوت
       جميل ومؤتر ) أعني من غيرك أبقى على طعم الرماد ... العربي حبيبي ... لا أريد أن
       تجهض اعترافاتي هذه الأفكار ... وتتركني في نصف الطريق ...
العربي ـ يا للفرق الشاسع بينك وبين صديقتي جيجي ... يا للبساطة ... والنظافة ... وذلك
         الجنون في البحث عن اللذة ... آه لو رجعت سويا ...
راضية ـ أنت سوي ...
العربي ـ أقسم لك أنني انسان غير سوي ... انني أتصرف أحيانا بتهور طفل ...
راضية ـ ثم ماذا ... أنت طفلي المتهور الحبيب ... حالات سريعة وتزول ...
العربي ـ إلى متى هذه الحالات ... مند ما يقرب على السنتين  وأنا إنسان ملغى لساعات طويلة في النهار ... لماذا المصائر عمياء ... حمقاء ؟...
راضية ـ هكذا الحياة ... غريبة ... ثم ان مصيرك رائع ...
العربي ـ رائع ... أين ذاكرتي ؟... أين صفاء ذهني ؟... لماذا أصاب بهلوسات ؟... لماذا
       أتصرف كما لو أن قوة غامضة تحركني ؟... لماذا تاتيني الأفكار تارة واضحة ؟...
       وثارة من غمغمات ثم فجأة تتضخم في رأسي ؟... ( بصوة دامع ) لقد حولني أولائك         الحراس و الأطباء من أجل أفكار عمياء الى انسان شقي ... ان الحقد أعمى عيونهم  ... الحقد الذي أنجبته السياسة ... وتعهدته وسائل الاعلام إلى أن صار وحشا ...
راضية ـ انس ياعزيزي ...
العربي ـ لقد تعبت ... مند طفولتي وأنا أعمل ...راضية ... صديقيني لقد كانت طفولتي ...
       وصباي ... وشبابي عملا متواصلا ... بصراحة لم أدق طعم الطفولة ...
راضية ـ ( بحزن ) يا لحبيبي المسكين الذي لم يحظ بطفولة سعيدة ...
العرب ـ ( يضطرب ) لماذا تشفقين علي ... ( تنباه نفس الحالة النفسية ) انظري ...
       الهزيمة ... الاحباط ... الخيبة ... المسدسات ... الافلاس النهائي لكل الجهود ...
       ( بالقاء مسرحي ، بحركات مضطربة وتعابير وجه مؤلمة ) لقد كانت معركة غير
       متكافئة ... أنا أنظر بنبل وبطولة الى نفسي ... ما كنت أفقد شجاعتي أبدا لو كان
       معي شيء ادافع به عن نفسي ... ماذا بوسعي أن أعمل ضد الأطباء ... ضد الحراس          في السجن ... وأولئك الشباب كانوا مدججين بالسلاح ... لم أكن جبانا ...
راضية ـ طبعا يا عزيزي ... بل كنت شجاعا ...
العربي ـ آه ... لا أعرف ... هل أنا أبرر موقفي ؟...
راضية ـ أبدا ... أنت لا تقول سوى الحقيقة ...
العربي ـ ( يردد ) أشعر الليلة بأن الكلمات
                     مصابة بجروح ميتة
       ( وقفة ) لمن هذه الكلمات ... لاأعرف ...
راضية ـ أعتقد ... يجب أن أتركك لترتاح ...
العربي ـ ( بحزن ) تتركينني ؟... وبصحبة من ابقي الى حين رجوع المعطي ؟... من لي                سواك في هذه اللحظات ؟...
راضية ـ أرى لو تتمدد لساعة أو أكثر ...
العربي ـ هل انتهى النهار ؟...
راضية ـ لا ... نحن في الظهيرة ...
العربي ـ لماذا أتمدد اذن ؟...
راضية ـ لترتاح ... تنام ... تحلم ...
العربي ـ أنا ... أحلم ... جميل أن يسلم الانسان نفسه الى الأحلام ... حتى في منامي خيال
       يخلق لي المصائب ... أستطيع فجاة أن أحلم بغابة من الحقن والمسدسات                      ...والسكاكين والقارورات ...
راضية ـ العربي ... عزيزي ... لماذا تؤديني ؟..
العربي ـ ( بتعجب بذهول ) أنا أؤديك يا راضيتي ؟... أعرف أي عذاب مر أن يؤدي الانسان            غيره ( يزداد اضطرابه ) أتعرفين ماذا تفعل الدراما ؟...
راضية ـ ماذا ؟...
العربي ـ الدراما بكل أنواعها عرض للفعل الانسان ... أقدمه أنا ... وأنت ... وممثلون                  كثيرون نكشف من خلاله عن الفعل الإنساني ... والأفكار ... والأعماق ...
راضية ـ ماذا تريد أن تقول ؟...
العربي ـ إنني أكشف لك نفسي ... أقول عندما تهشمت جمجمتي ... تهشمت معها ذاكرتي ..
           وروحي ...
راضية ـ العربي ... أرجوك ... أر جوك ... ذاكرتك لا زالت قوية ... فأنت تناقش في علم                المسرح كأستاذ كبير ...
العربي ـ ( مستمرا بنفس التوتر في الحديث ) أستاذ ... طبعا أنا أستاذ للدراما ... ( يسلط
       ضوء قرمزي على وجهه ) ألا تريدين أن تعرفي دراما حياتي ؟.. ألا تريدين أن
       تعرفي لماذا غدوت مجرد انتظار ... ( يغمغم ، يردد الحوار المسرحي التالي بطريقة الهلالويا الكنسية )                                                                                                        هؤلاء نساء فلندرز
                        ينتظرن الضائعين
                        ينتظرن الضائعين الذين
                      لن يغادروا المناء أبدا
       ( وقفة ) راضية ...
راضية ـ نعم ...
العربي ـ لمن هذه الأبيات ؟...
راضية ـ لا أعرف ...
العربي ـ لعطارد ... لا لزحل ... ( يصرخ ) أزيحي الستار وافتحي النافدة ... ( يتجه نحو               باب غرفته ، يفتحها ... يترك الباب مفتوحا يتجه إلى وسط الخشبة ... تتغير الإنارة ...  يبدأ في الرقص ... إلى النهاية ... تتغير الإنارة ... ينظر إلى راضية ثم يختفي ويغلق الباب وراءه .تبقى راضية  مرتبكة بعض الوقت وتتجه بدورها الى
( باب الخروج ، تنظر الى الجمهور ثم تنسحب وتغلق الباب )               
 

                                                             ظلام



قراءة في كتاب "الدراما الرقمية والعرض الرقمي " تاليف سباعي السيد

دعوة إلى حضور و تغطية المؤتمر الصحفي للإعلان عن إطلاق مهرجان اليمن الوطني للمسرح

مجلة الفنون المسرحية

دعوة إلى حضور و تغطية المؤتمر الصحفي للإعلان عن إطلاق مهرجان اليمن الوطني للمسرح


تهديكم الهيئة العربية للمسرح أطيب التبريك و التهاني بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل، و يشرفها في إطار تنفيذ مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي،

عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، و التي كلف الهيئة من خلالها بالعمل على تنظيم مهرجانات وطنية للمسرح في الدول العربية التي لا تتوفر على مهرجانات تعنى بالمسرح المحلي؛ دعوتكم لحضور و تغطية المؤتمر الصحفي الذي يعقد في مقر الأمانة العامة للهيئة العربية للمسرح، للإعلان عن اتفاقية تنظيم مهرجان اليمن الوطني للمسرح، بالتعاون مع وزارة الثقافة اليمنية، هذا و سيكون المؤتمر بحضور

الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، السيد اسماعيل عبد الله.
وكيل العاصمة المؤقتة (عدن)، السيد محمد نصر الشاذلي.
الموعد يوم الأحد 20 مايو 2018، الساعة  10:00 مساءً.

المكان مقر الأمانة العامة – الهيئة العربية للمسرح – الشارقة

الجمعة، 18 مايو 2018

فتح باب المشاركة بمهرجان الأردن المسرحي الدورة 25

مجلة الفنون المسرحية

فتح باب المشاركة بمهرجان الأردن المسرحي الدورة 25

المملكة الأردنية الهاشمية- عمان

تعلن وزارة الثقافة / مديرية الفنون والمسرح  بالمملكة الأردنية الهاشمية  عن فتح  باب التقدم  للفرق  الأهلية  والخاصة  والأفراد ، للمشاركة  بمهرجان  الأردن  المسرحي  الدورة 25  والتي ستنعقد في الفترة  من (4 تشرين ثاني  الى 14 تشرين ثاني  2018 )

شروط المشاركة في مهرجان الأردن المسرحي الدورة (25)
أن تكون الفرقة المتقدمة للمشاركة تمارس عملها بشكل احترافي.
  1. يقدم المهرجان عروضا لمسرح الكبار المتنوعة ولا يستقبل عروض المونودراما.
  2. أن يكون العمل المسرحي من إنتاج آخر عامين .
  3. أن لا يزيد فريق كل مسرحية مشاركة  عن (12) شخص، على أن لا يزيد عدد الفنيين والاداريين عن (4) أشخاص والالتزام بالعدد المقرر حين إرسال الدعوة وتوضيح العدد ذكورا وإناثا وارسال أسمائهم من ثلاث مقاطع وكشف بالأسماء الفنية للمشاركين لإدراجها في كتيب المهرجان  .
  4. على الفرق الراغبة بالمشاركة تعبئة هذا النموذج وإرساله بالبريد الإلكتروني متضمنا روابط  فيديو العرض كاملاً ولا يقبل العرض بناءً على الصور الفوتوغرافية أو مقاطع فيديو .ولن يقبل أي عمل مسرحي دون مشاهدته كاملاً من قبل لجنة المشاهدة وضبط الجودة .
  5.  تتحمل الفرقة المشاركة نفقات قدومها من وإلى بلدها وأن تضمن تأكيد مشاركتها .
  6. تتحمل الفرقة المشاركة نفقات شحن الديكور الخاص بها ومستلزمات العرض.
  7. سيكون هناك تحكيم للعروض المشاركة تعلن في حفل الختام وتتنافس الفرق على :ذهبية المهرجان لأفضل عرض والجائزة الفضية والبرونزية ويمكن إستحداث جوائز أخرى بناء على قرارات لجنة التحكيم التي تعتبر نافذة ولا يجوز الطعن بها.
  8. آخر موعد لقبول طلبات المشاركة 1/7/2018 وسيتم إبلاغ الفرق التي يقع عليها اختيار المشاركة فقط قبل موعد المهرجان بشهر  ويحق لإدارة المهرجان إختيار العروض المناسبة لأهداف المهرجان بناءً على تنسيب لجنة المشاهدة وضبط الجودة.
  9. يحق لإدارة المهرجان رفض مشاركة أي عرض لا يتناسب وطبيعة المهرجان دون إبداء الأسباب.
  10. يحق للفرق التي تقدمت للمشاركة في الدورات الماضية  أن تتقدم للمشاركة  ولكن ليس بنفس المسرحيات التي تقدمت بها سابقاً.
  • ملاحظة هامة : لا تعتبر هذه الإستمارة بطاقة دعوة للمهرجان وإنما استمارة معلومات عن العروض وطلباً للمشاركة .
  • للمراسلة :  mohammad.dmoor@culture.gov.jo 
  • موقع الكتروني  : www.culture.gov.jo

  • في حال إرسال أقراص ممغنطة بالبريد العادي أو المسجل وفي حال تم إرسالها بالناقل السريع فلا يتحمل المهرجان أية تبعات جمركية أو تبعات مالية  :
عمان- الأردن- ص.ب 6140 الرمز 11118
مهرجان الأردن المسرحي الدورة (25)
جبل اللويبدة – شارع الأخطل – بناية رقم (5) - مقابل نقابة الفنانين
موبايل 00962799029684 مدير المهرجان :محمد الضمور
موبايل 00962796822049 المساعد     : محمد المومني


  • برجاء تعبئة بيانات العرض في الاستمارة  أدناه.

الخميس، 17 مايو 2018

مسرحية بوابة 7 انتقالة مسرحية مذهلة تقدمها الكاتبة عواطف نعيم

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية بوابة 7 انتقالة مسرحية مذهلة تقدمها الكاتبة عواطف نعيم

الرافدين 

انعطافة مهمة احدثها المخرج ( سنان العزاوي) وكتيبته في مسيرة المسرح العراقي اليوم .. على مدى ساعة ونصف هو الزمن الذي استغرقه العرض المسرحي (بوابة7) تسمر الجمهور الكبير الذي ملأ صالة العرض وممراتها الوسطية والجانبية والذي كان قد حضر منذ وقت مبكر وهو في غاية شوقه لمشاهدة العرض … وعند بدأ العرض صار واضحا انسجام الجمهور مع ما تم اعداده من جو جمالي عكس الدهشة والانبهار من مشاهد الشاشة العملاقة في عمق المسرح مضافا لها جماليات التشكيل البصري لسينوغرافيا العرض التي لعبت دورا كبيرا في تحفيز الفعل الادائي للشخوص بدراما الافعال ضمن الامساك بالايقاع من اللحظة الاولى حتى اخر دقائق العرض . والمغايرة الادائية و الاخراجية فرضت وجودها على منظومة العرض وفق مفاهيم الحركة وتوالياتها تساوقا بين مجموعة العرض بدءا من لعبة الكراسي و انتهاءا بذات اللعبة وبواقعية سحرية منحت الفكرة كل المساحات المتاحة وبمختلف الاشكال الهندسية حيث عكست التقابلات الثنائية نوع الصراع حين بدأت رحلة المهاجرون السبعة الى ما وراء البحار بحثا عن الامان الذي افتقدوه في بلدانهم بسبب احتدام الصراعات المحلية التي فرضت هيمناتها على حياتهم بكل مؤثرات الخوف الناجم عن وحشية الاحداث .. فعراقيان احدهما داعشي ومتهم بقتل شباب سبايكر وشقيقه من مجندي الجيش السابق وتونسي علماني ومصري من الاخوان المسلمين ومغربي مهرب السلاح للدواعش وصحفية فرنسية تعادي التطرف الاسلامي وسورية من الرقة سبيت بعد اغتصابها من قبل الدواعش جميعهم التقوا في محطة (بواب7) في بلاد المنافي زجهم المخرج العزاوي في منطقة الاشتغال الافتراضي ضمن صراعات تفجرت بينهم واتهام بعضهم للبعض الاخر وكأن كاتبة النص ( الدكتورة عواطف نعيم ) قد جمعتهم بكل دراية بنفوسهم الموبوءة بالخوف وفوبيا الذات والشك واحقاد واقعهم المرير وبانقسام قاس شتت في اعماقهم خصوصية البيء التي قدموا منها ..انها مذبحة الدم التي سلبت الانسانية باكملها فتكا واستباحة للحياة بفعل ضربات الارهاب المنظم للنيل من السلم الاجتماعي لكل المجتمعات الانسانية وبتخطيط قوى غاشمة عكستها العناصر السمعية والبصرية والسينمائية المستخدمة سواء على شاشة العرض او في السبوتات التي تزامن الاحداث ورنين الهاتف وكاميرات التصوير التي تسجل تحركات الشخوص وتملي عليهم ارادتها بممارسة رقابية لصيقة وكان المخرج اراد ان يشير الى الاجندات الخارجية المريبة التي تتحكم بالاوضاع وفقا لمصالحها العليا كان تكون حكومات او مافيات او اطراف تستغل اوضاع الشعوب وهي ترزح تحت وطأة الاحتراب الداخلي للبلدان .. هذا ما بثه العرض في منظومته الايقاعية التي استمرت بلا توقف او ان يصيبها اي هبوط ، وكان نظير جواد مبدعا في تجسيد شخصية العراقي فيما ملأ علاء قحطان مساحاته باداء مبهر ثم شاهدنا حيدر خالد بايقاعاته المتصاعدة في غاية الروعة اما ياسر قاسم بسحنته المصرية كان مقنعا حد انبهار الجمهور بادائه السلس وكان وسام عدنان وهو يرسل ملامح الداعشي في قمة عنفوان تعبيراته المقلقة وبات واضحا براعة المخرج العزاوي في صناعة الممثل بتقنية متفردة حين قدم الشابتين اشتي حديد واسراء العبيدي لاول مرة على خشبة المسرح الفكري الجاد فظهرتا باحترافية عالية وسط تعاطف الجمهور معهما بكل حب .






مسرح السعودية تجربة شبابية استقطبت 50 موهوبا

مجلة الفنون المسرحية

مسرح السعودية تجربة شبابية استقطبت 50 موهوبا


سلطان الحارثي - الوطن 


أوضح المشرف على المحتوى في «مسرح السعودية» ياسر مدخلي، أن فكرة إنشاء مسرح وطني في المملكة، بدأت من خلال اهتمام الرئيس التنفيذي لشركة رايتكس عدنان كيال بتبني مبادرة لتهيئة الوسط الفني بكوادر موهوبة، من خلال تدريبها على يد مجموعة من الخبراء في الفنون المسرحية المختلفة من خارج المملكة وداخلها، مما جعله يتواصل مع الناشطين في هذا المجال، وكنت حينها أجهز لمشروع مسرحي مع إحدى المؤسسات الثقافية، وتواءمت الأهداف والتوجهات، وفي أحد الاجتماعات طرح فكرة استقطاب التجربة الناجحة «مسرح مصر» التي يقدمها الفنان أشرف عبدالباقي مع المنتج صادق الصباح، وبالفعل تواصل عدنان معه واستطاع تحقيق تأطير هذه المبادرة الجريئة والمؤثرة، ولذلك لاقت دعما ومساندة من نائب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير بندر بن عبدالله، وتلا ذلك توقيع اتفاقية مع وزارة الثقافة والإعلام والهيئة العامة للترفيه، ليصبح المشروع مبادرة تحت مظلة مجلس مبادرات شباب منطقة مكة المكرمة.

توقيت صعب

أكد الفنان المصري أشرف عبدالباقي لـ«الوطن» أن التوقيت الذي ظهرت فيه فكرة «مسرح السعودية» توقيت صعب، خصوصا مع ظهور السينما والأوبرا، لكن كثافة الحضور وامتلاء جميع كراسي المسرح من مختلف أطياف المجتمع، وتجاوبهم مع الطرح، جعلنا فخورين بنجاح التجربة في مرحلتها الأولى ومستمرين فيها، مشيرا إلى أنه كان متوقعا أن يجد صعوبات في تنفيذ «مسرح السعودية»، وذلك لخصوصية المملكة، ولكنه لم يجد شيئا من ذلك، ووجد مجتمعا عاشقا للمسرح، وكانت الصعوبة الوحيدة التي واجهته هي تنوع اللهجات المحلية السعودية، ولكنه تغلب عليها بمساعدة المشرف على المحتوى ياسر مدخلي، ومع بدايات اختبارات تجارب الأداء كان الهدف اختيار 20 موهبة، ولكن لكثرة المواهب المتقدمين تم اختيار 50 موهبة مع العلم أن كثيرا من الذين تقدموا ولم يحالفهم الحظ في اختيارهم ضمن الفريق كانوا موهوبين في التمثيل.

12 ساعة يوميا

بين عبدالباقي أن كل عرض مسرحي يجهز في 3 أيام، 12 ساعة عمل من البروفات يوميا، مؤكدا أن فريق الكتابة والإخراج يراعون العادات والتقاليد السعودية، والفرق بين اللهجات والحساسية التي قد تكون موجودة بين اللهجات، كما راعينا توزيع الأدوار والشخصيات، بحيث لا يكون هناك إسقاط على لهجة معينة أو منطقة معينة في المملكة، ونوعية المتلقي الذي أمامهم.

الإشراف على المحتوى

أوضح المشرف على المحتوى الكاتب ياسر مدخلي أن العروض المسرحية تعتمد على الارتجال والتدريب المكثف، حيث يتم تجهيز العرض في ثلاثة أيام فقط، لذلك فدوره متنوع في الإشراف على المحتوى من الجوانب الرقابية والاجتماعية والمسرحية، من خلال رصد الملاحظات على أداء المواهب ومساعدتهم في تنوع اللهجات وأداء المحتوى المسرحي المحلي بشكل أفضل.
فالمسرح التجريبي له جمهور محدد يتسم بالتخصص ويهتم النقد المنهجي والصناعة الاحترافية التي تميل للتحديث والتغيير والنزعة الرمزية واللغة الشاعرية والأداء الأكاديمي المميز، والمسرح التجاري ليس أقل أهمية لكنه يستوعب الجماهير بكافة أطيافهم ومستوياتهم الثقافية، ويناقش قضايا المجتمع مهتما أكثر بالقوالب الكوميدية والأساليب التي تجذب الجماهير بشكل عام، وهو ما ننشده في أهدافنا الإستراتيجية ليكون المسرح ضمن أجندة العائلة في المجتمع السعودي.




المسافـــة الجماليــــة والرؤيــــة الفلسفيـــــــة لـ الإخراج المسرحي

مجلة الفنون المسرحية




المسافـــة الجمالية  والرؤيــــة الفلسفيـــــــة لـ الإخراج المسرحي

حمبد صابر

في ضوء تطور الفكر الانساني، واتساع آفاق المعرفة في البحث عن ماهية الوجود والذات وسبر اغوارها في مدى ارتباطها بأحداث عصرها وظواهر واقعها المتغير برزت مفاهيم بعلاقة الفن والفلسفة والمجتمع تحاول الربط بين التجربة الابداعية وفلسفتها وأثر المجتمع والاحداث فيها.
 فثقافة المخرج وفلسفته هي جزء فعال من ثقافة بيئة انسانية وهي في الواقع حصيلة اجتماعية للأفكار والفلسفات والمعتقدات فالتراث الفلسفي له القدرة على الحركة والتطور، ولا بد في مثل هذه الحالة من وجود منهج فلسفي يؤطر التجربة الاخراجية والابداعية، ان نسق العمل الفني  هو في الواقع نسيج التجربة من الناحية الفنية والنسيج هذا هو جزء من خبرة المبدع .... وظهرت دراسات وبحوث تهتم بعلاقة الاثر الابداعي بالمجتمع والمتلقي وبرزت نظريات حديثة منها نظرية جمالية التلقي ومدرسة المتفرج واستجابة القارىء ومفهوم التأويل للعمل والاثر الفني والقراءة المنتجة للنص وتحاول هذه النظريات التمييز بين النص الادبي من حيث هو علاقة ملموسة والموضوع الجمالي مجسماً وقد قادنا هذا الى ولادة مصطلح جديدة هو المسافة الجمالية وهي تلك العلاقة بين المتلقي وفعل التقويم وافق الانتظار ويعني هذا المفهوم البعد القائم بين تقديم الاثر الفني نفسه وبين تلقيه والاستجابات الخاصة للمتلقي. ان تلك المتطلبات هي جزء من الثقافة والمعرفة التاريخية التي تؤسس بنية الاتصال الجمالي بين فلسفة المخرج واسلوبه في العمل وجماليات التلقي ان هناك علاقة بين التجربة الفنية الخلاقة وما يسمى بالفكرة الفلسفية وهذه العلاقة بلا ريب هي محور رئيسي من محاور فلسفة الفن وعلم الجمال ويجب ألا يغرب عن البال ان الحديث عن الفكرة الفلسفية لا يعني ربطها بالمفهوم الخاص الضيق للفلسفة وتاريخها فبين الفلسفة والفن اختلاف يرتبط بالمنهج واللغة والاسلوب والتطور والنتيجة علماً ان هناك توافقاً وانسجاماً ما بين الذهن الفني لدى المخرج والذهن الفلسفي مع حتمية وجود الاختلاف في الوظيفة العقلية والنظرة الى الكون مع ان الفنان يستقي من الفلسفة جوهرها وماهية الجوهر والوجود .
 لاشك ان مثل هذا التوافق والتركيب بين هاتين الذهنيتين هو جزء من الفكرة الفنية الفلسفية التي تبدو جوهرية في اي عمل ابداعي فالتجربة الفنية تعامل التركيب والتحليل والمفاهيم في موضوعات شتى يستمدها الفنان المبدع من تأملاته الخاصة ببيئته واتساع معرفته ونظرته الى الكون والحياة، فهو المخلوق الوحيد الذي يستطيع ان يصوغ ويصور ويجسد بوسائله الفنية مجموعة من الافكار والقيم كفكرة التردد عند هاملت والغيرة عند عطيل والغطرسة عند كريولانس والطموح الدموي والطغيان عند مكبث والحمق عند لير.
 وتخرج هذه الافكار من التجربة احساساً من وجدان خاص لتعانق وجدان المجتمع على شكل عمل ففي دراسي له رموزه الخاصة والمؤثرة في المتلقي فتطور الفكرة في العمل الفني لايأتي الا عن طريق الدراسة والتأمل العميق والانغماس الشديد في اعماق روح التجربة قولاً وفعلاً والتعبير عنها بلغة ذات خصائص فنية متميزة فالحركة في اللغة المسرحية لا تستطيع امتلاك أية دلالة وحدها إلا عن طريق نسق التواصل والاسلوب وبنية العمل وتركيبه اي وضوح الوظيفة الدلالية للعلاقة القائمة بين اللغة والحركة والمعنى اي الكيفية الاخراجية للوحدة الكلية في نسق وانسجام فني فكري دلالي معبر ومؤثر.
 ان العملية الاخراجية هي رؤية فنية للنص أي قراءة جديدة لعملية التأليف وبصورة أدق هي خلق حياة جديدة وجمع مجموعة من المحاور داخل مناخ خاص محدد بزمن معين فهي فعل حقيقي لمعنائية المسرح الذي يحدد وجود اشخاص يتحركون داخل بنية لغوية بحضور محاورين مشاركين وعملية لازمة للنص وملتصقة بأسس التمسرح.
 ان الاخراج كتابة صورية داخل الفضاء فهو حوار حسي، حوار مع النص الادبي وحوار ينتهي في الاخير باعطاء تركيبات ابداعية فيها شيء آخر من الصياغة والصناعة وهو حوار مع الممثل وحوار مع المتلقي فهو شرط العرض المسرحي ووجوده بالفعل فالمخرج مركب للنص لا مجرد مفسر بصري لبنائه وحواره وحركة الشخوص ضمن الحيز الادبي انه جهد استقرائي فالمخرج المسرحي يبدع صورة كلية لاتترجم الحوار الى فعل حركي انتقالي، بل يقوم بعملية كيميائية شاملة لخلق الخطاب المسرحي فالمرور من الادب الى المسرح هو عملية فضائية تسبح في المخيلة حيث يكون لفاعلية الخيال دور في الرسم والبناء الصوري الذي يشغل المساحة الخالية لا بوصفها ساحة للعب بل حيز تتكثف فيه صور العرض كقيم درامية تقود الى بنية وجوهر الصورة باعتبارها علامة تحول ودلالة تتغير في ضوء البعد الفلسفي والجمالي للعرض المسرحي يفجر كوامن النص وتلعب فجواته على رأي (ان اوبر سفيلد) المجال الواسع لفعل المخرج الابداعي لسد وملء اشغال تلك الفجوات وصولاً الى نص العرض، حيث يكون الدور الفاعل لعملية التلقي وفعل الاتصال المسرحي فالاخراج المسرحي هو الصيرورة والانتقال بالأشياء من داخلها وليس من خارجها الى فضاء التصور الخيالي الذي يحيل الواقع الى واقع فني آخر لا يعمل على النسخ والانعكاس للأشياء والعلاقات اذ يؤسس جسر الحلول ويدفع اللغة لتحل في أجساد الممثلين والتشكيل الحركي فالكتابة المسرحية هنا كتابة عبر الجسد والتشكيل أي حالة التمسرح والاسلبة بمنطق يحكم العلاقات المرئية بوصفها ( الكل المعطى) والتشكيل النهائي لصورة العرض المسرحي باعتباره (مفهوم الشيء في ذاته) دون الركون الى مرجعية اللغة ذلك لأن العودة الى ثنائية الشكل والمضمون والنص والعرض تجعل من الاخراج مجرد تابع الى أدبية النص وسلطته فالاخراج في ضوء ذلك يعد خلقاً وتأسيساً يعيد للإخراج المسرحي دوره الفلسفي متجاوزاً المفهوم الحرفي التنفيذي لمكونات النص الادبية وعناصره الدرامية.

الأربعاء، 16 مايو 2018

صبري وعبد الحافظ: مسرح القاسمي رؤية للواقع واستشراف للمستقبل

مجلة الفنون المسرحية

صبري وعبد الحافظ: مسرح القاسمي رؤية للواقع واستشراف للمستقبل

meo

قدم الشيخ د. سلطان بن محمد القاسمي العديد من الأعمال المسرحية التي استلهم من خلالها التاريخ العربي والإسلامي لكي يضيء الكثير من الأحداث التي تجري على الأمة العربية والإسلامية الآن، ويكشف آليات وقوانين الانتصار والنهوض بالأمة وعودتها إلى درب الريادة والتقدم والوحدة، من هذه الأعمال  "كتاب الله: الصراع بين النور والظلام"، "داعش والغبراء"، "علياء وعصام"، "الحجر الأسود"، "طورغوت"، "الإسكندر الأكبر". 
وكانت تجربته هذه محور الندوة التي استضافها جناح مؤسسة بحر الثقافة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 28، وجاءت بعنوان "إعادة قراءة التاريخ في الأدب.. مسرح سلطان القاسمي"، شارك فيها الكاتب د. محمد حسن عبدالحافظ، والكاتب والشاعر عبدالفتاح صبري، حيث ناقشا خلالها إشكالية تحويل التاريخ لأعمال أدبية من دون الإخلال بالنصوص الأصلية.
في البداية قال عبدالفتاح صبري إن إشكالية معالجة التاريخ إبداعيا نالت قسطا واسعا من الدراسات والبحوث، لكن التاريخ له أضابيره وأبحاثه وأدواته ومنهجه الذي يؤطر لكتابته، والأدب من زاوية أخرى ليس معنيا بالتاريخ ولا  تطبيقه ولا نقل القصص الحقيقية للمتلقي، بمعنى أنه لكل محور منهج، فالتاريخ له منهجه العلمي الذي يبحث في الدلالات والأفكار والمقاربات قارئا مختلف المصادر والروايات والوثائق ليصدر بالنهاية معلومة مؤكدة وموثق بأن هذا الملك أو تلك المعركة حدث فيها كذا أو نتج عنها كذا. فالتاريخ منهج أكاديمي يهتم فقط بالتدوين والمعلومة المؤكدة الموثقة، أما الأدب فيقدم رؤية وإبداع صاحبه، ويستلهم لحظة تاريخية أو شخصية أو واقعة أو قيمة أو مفصلا تاريخيا يمكن الاستشهاد به على ما يجري الآن في الواقع، لكنه لا يقدم حقيقة، يقدم قصة أو استشهاد من زاوية إبداعية لها مقاييسها ودراميتها الجمالية والفنية، فالأدب بمختلف أجناسه من رواية أو قصة أو مسرح أو شعر ليس معنيا بأن يقدم الحقيقة التاريخية.   
وأضاف "إذا أخذنا تجربة الشيخ د. سلطان القاسمي فهي تجربة فريدة في استلهام واستقراء التاريخ والمعالجة بمخيلة فنية وجديرة بالتأمل والدراسة لما تحمله من رؤى وأفكار، وبالطبع هذه التجربة تختلف عن أي تجارب أخرى في الإطار ذاته كون الشيخ القاسمي حاكم وصاحب سلطة وله في السياسة، وأيضا لديه الإمكانية لطرح أي قضية بحرية وجرأة دون توجس أو محاذير من المكبلات القانونية والمجتمعية. 
ومن هنا فإن فرادة تجربته تأتي من كونه مبدعا وحاكما في ذات الوقت ويقدم رؤية المؤسسة الحاكمة حينما تكتب، لقد استهلهم التاريخ واستحضره واستطاع أن يقول إن هذه الأمة المنهزمة الآن، نستطيع أن نأخذ لحظات تبصيرية في التاريخ العربي والاسلامي كانت لحظات انكسار وانهزام، نستطيع أن نستحضر هذه اللحظات لإعادة التوازن لهذه الأمة والنهوض بها برؤية تكشف مواطن الخلل وتعالجها، وبالتالي فإن كتاباته تحمل نوعا من الأمل وسعيا إلى إشاعة هذا الأمل سواء في كتاباته المسرحية التي دائما ما تنتهي بالانتصار وإشاعة روح الأمل، ففي مسرحياته العشرة يوظف الرؤية التاريخية في استعادة الأمل والتأكيد على أن هناك من يستطيع أن يقود نحو انتصار الأمة والنهوض بها". 
ورأى د. محمد حسن عبدالحافظ أن الشيخ د. سلطان القاسمي يشكل حضورًا فريدًا على المستويين الفكري والثقافي في العالم المعاصر، وهو، بحكم وعيه وتكوينه وجمعه بين العلم بوصفه مؤرخًا والسلطة بوصفه حاكمًا، يمثل تجربة استثنائية تجسدت ملامحها في مجمل أعماله، لاسيما المسرحية، إذ استهدف بها إنارة المستقبل بضوء الماضي، والكشف عن تحديات العصر ببصيرة، والوقوف على مكامن الضعف والقوة في مسيرة الحضارة العربية والإسلامية. 
وقال انتهج القاسمي مسلك المسرح السياسي، بأقنعة تاريخية، واتخذ منه وسيلة لتحريك الواقع، وإضاءة الراهن، واستشراف المستقبل، وإعادة قراءة التاريخ والإفادة من عبره، على نحو ما جاء على لسان الشاهد في مسرحية "القضية" متحدثًا عن التاريخ: أناس لم يقرؤوه فلم يستفيدوا منه، وأناس قرؤوه ولم يفهموه، وهؤلاء لم يستفيدوا منه أيضًا.. وأناس قرؤوه وفهموه ولم يعملوا به، وهؤلاء لم يستفيدوا منه أيضًا (بل أهدروه عمدًا)، وأناس قرؤوه وفهموه وعملوا به، وهؤلاء يستفيدون من التاريخ..". 
ويستهدف القاسمي بمشروعه المسرحي إيصال رسائل إلى جمهور عريض، بل دفعه إلى التفاعل العضوي لتحريك الواقع نحو مستقبل مختلف عما حدث في الماضي. وتمتد رؤية القاسمي ومشروعه المسرحي إلى وعيه الباكر، منذ شارك في المسرح المدرسي بشخصية "جابر" في مسرحية "جابر عثرات الكرام"، سنة 1955، وكان القاسمي آنذاك في المرحلة الإعدادية، ثم كانت نقلة أخرى في الاتجاه ذاته في فرع آخر هو الكتابة، حيث كتب نص "نهاية صهيون" سنة 1959. وبما أن القاسمي قد قرأ التاريخ قراءة واعية واستوعب معطياته، فإنه قد شكل بذلك ظاهرة أدبية فريدة في التعامل مع التاريخ وتوظيفه دراميًّا، مستندًا على إلمامه بتفاصيل كل واقعة تاريخية تناولها، ومعطيات تلك الواقعة وطبيعة عصرها الذي تنتمي إليه، وبذلك رسخ منهجه في تأصيل المسرح السياسي العربي ومسرحة التاريخ.
وأضاف د. عبدالحافظ أن الشيخ القاسمي ذهب إلى أن حركة تجديد وتأصيل المسرح العربي توزعت بين تيارات عدة: الأول: يرى أن النتاج المسرحي العربي يفتقر إلى الرؤية الدرامية التي هي شرط الإبداع المسرحي، وأن الوعي الدرامي يتعارض مع العقلية العربية الإسلامية، وانطلاقًا من هذا المنظور يرفض المنتمون لهذا التيار الاعتماد على أشكال الفرجة العربية، وعلى المأثور الشعبي، ويعدونها غير كافية لبناء مسرح عربي. 
الثاني: ينفي صفة الكونية عن المسرح الغربي، ويؤكد ارتباطه بحضارة المدنية القامعة للإنسان، ويرى أن المسرح العربي المعاصر هو نسخة شائهة من المسرح الغربي، ويدعون إلى التخلي عن تقليده وبناء مسرح عربي اعتمادًا على أشكال التعبير في الموروث الثقافي العربي الإسلامي مثل: فن الراوي والحكواتي المقتبس من السير الشعبية العربية.
الثالث: يرى أنه من الخطأ البحث عن ظواهر مسرحية في التراث العربي مقننة بضوابط المسرح اليوناني القديم والأوروبي الحديث، وأنه من الضروري إعادة قراءة التراث العربي للبحث عن منطقه الداخلي وعن الضوابط التي تحكم صور الفرجة العربية الممكنة، ولا يرى مدعاة لقطع الصلة بالمسرح الغربي لتحقيق هوية المسرح العربي، ويدعو أصحابه إلى العودة للأصول وإعادة الاعتبار إلى الموروث الثقافي العربي وإلى تقاليد الفرجة الشعبية دون انقطاع عن الروافد الغربية والإنسانية.
وأكد أن الشيخ د. سلطان القاسمي يقف إلى جانب التيار الثالث الذي يرى فيه أنه يشكل الأصلح للعالم العربي، حيث تمثل هذا التيار بنتاجات سعد الله ونوّس المسرحية، وتجارب الفرجة الاحتفالية في المغرب، وتجارب متعددة في المسرح المصري كمسرح الجيب التي ارتبطت بـ سعد أردش و كرم مطاوع، والمسرح المفتوح عند بهائي الميرغني وحازم شحاته وعبده طه، ومسرحة التراث لدى يوسف إدريس وألفريد فرج ودرويش الأسيوطي على سبيل المثال. 
إن التاريخ، في أعمال القاسمي المسرحية، قناع أكبر لرموز دلالية تومئ لأحداث وأشخاص معاصرين، ولا غرابة في أن نجده يستحضر التاريخ ويصطفي مشاهده وفق خطين متوازيين:
الأول: أقنعة الأحداث التاريخية، ويتبدى هذا في مسرحية "القضية" التي ركزت على الأسباب الجوهرية لسقوط غرناطة. ومسرحية "الواقع.. صورة طبق الأصل" التي تسلط الضوء على الأصول التاريخية للقضية الفلسطينية، وتحديدًا ملف القدس، ومسرحية "الحجر الأسود" التي ترصد جذور التطرف خلال فترة الحكم العباسي. 
الثاني: أقنعة الشخصيات التي تنتمي إلى حقب وأزمنة تاريخية مختلفة، كمسرحية "عودة هولاكو" التي تدور حول شخصية هولاكو المغولي، الذي استهل عمليات غزو العالم الإسلامي بدءًا من بغداد عبر إيران، ثم الموصل، ثم الشام، كما وضعت المسرحية يدها على الضعف الداخلي والخيانة الداخلية (العلقمي ثم ابنه) التي سهلت مرور المغول. ومسرحية "الإسكندر الأكبر" التي تدور حول غزوه للعالم، وانتهاء أحلامه عند بوابة بابل في العراق، حيث دفن. وينسحب قناع الشخصية التاريخية على مسرحيات "شمشون الجبار" و"النمرود" و"طورغوت". 
وأوضح أن هناك ما يجمع بين الخطين كمسرحية "داعش والغبراء". وفي لجوئه إلى عالم المسرح كملاذ للكتابة الإبداعية، استند القاسمي على عدد من المرجعيات الفكرية والجمالية النابعة من التاريخ العربي بشكل خاص، حيث وظفها توظيفًا دلاليًّا عبّر عن الواقع العربي الراهن بكل مأساويته، محاولًا إعادة قراءة التاريخ وقراءة الذات الجمعية العربية التي تحفل بالمعاناة والألم.
ولفت د. عبدالحافظ إلى أن الشيخ د. سلطان القاسمي أحكم بنيان نصوصه المسرحية، ورصفها بثقافته العربية الأصيلة وبمعرفته بالتاريخ العربي، فوثق العناصر التي انتقى منها مواضيعه لمسرحة التاريخ، فاختار التاريخ من المعطى الموجود، وإحضار الواقع المنسي بعوالمه المسدودة وإدراجه في الكتابة الدرامية لفهم دروسه وعبره وأحداثه معناه فهم التاريخ وفهم الوجود العربي في هذا التاريخ. 
والقاسمي يجعل من التاريخ في مسرحه عاملًا مساعدًا يعين على كشف الواقع التراجيدي العربي، وما العودة إلى التاريخ العربي الإسلامي إلا لتقديم رؤية واحدة وقضية مشتركة  ترصد تراجيديا التاريخ الاجتماعي العربي، وما يحدث للشعوب المغلوبة من قتل وسلب ونهب واستنزاف. 
وبما أن القاسمي قد وظف في مسرحه وقائع تاريخية اشتملت على أحداث وشخصيات أثرت في حركة التاريخ، فإن أعماله المسرحية تندرج تحت ما يسمى بمسرح الوثيقة السياسية، وتأخذ توصيف "التراجيدي – ملحمي"؛ لأنها تخوض في غمار البحث في موضوعات تاريخية واسعة أفقيًّا وعميقة عموديًّا من أحداث رئيسة مرت في حياة الأمة الاسلامية – العربية، ثم تتوغل هذه التآليف في كشف هذه الأحداث، عبر مراحلها المختلفة، عارضة ومحللة محنها المصيرية وكاشفة بقوة لحظة الانهيار الهائل لمراكز الحضارة العربية الإسلامية. 
وخلص عبد الحافظ إلى أن الشيخ القاسمي اتخذ من التاريخ مادة لبناء جل نصوصه المسرحية، ولم يكن التاريخ غاية في حد ذاته، بقدر ما تعامل معه بوصفه وسيلة ملهمة من شأنها أن تحقق له القدرة على الخلق الدرامي الكاشف عن معاني الأحداث التي يريد أن يتمثلها، ضمن رؤية تنبثق من رؤيته للواقع واستشرافه للمستقبل.

الثلاثاء، 15 مايو 2018

قراءة في كتاب "المسرح الامازيغي"تأليف د. جميل حمداوي

صونيا ..ثائرة المسرح الجزائري

مجلة الفنون المسرحية

صونيا ..ثائرة المسرح الجزائري

  محمد شرشال - الجمهورية 

كنت أتمنى أن أزورك في مرضك الذي طال ، إلا إنني احترمت رغبتك في الابتعاد عن الأنظار كي يحتفظ محبوك و الأصدقاء بصورة المرأة القوية و الممثلة الملتزمة الصامدة..اخترت أن تبقي جميلة فكان لك ذلك حتى في موتك..
كنت أحاول أن أرفض كونك تتعذبين و تقاومين لوحدك ذاك المرض الخبيث، كنت أمنّ نفسي برؤيتك حين تشفين، لقد أبلغتني ابنتك سامية أنك نويت دعوتنا كلنا لبيتك لنحتفل بشفائك. 
كم آنت قوية يا صونيا حتى في موتك.. !!، حتى في طريقة مغادرتك لعالمنا البائس..حين سمعت خبر وفاتك سيدتي أحسست بشيء يتمزق داخل أحشائي. لقد أحسست باليتم كله و بالحزن كله..
وداعا صونيا الممثلة التي أحببنا و صفقنا لها.. وداعا صونيا مديرة معهد برج الكيفان التي كانت لا تنام من أجل أن يكون طلبتها في أحسن حال
..وداعا مديرة مسرح سكيكدة و عنابة التي كان الكل يحبها لشهامتها، انضباطها، حرفيتها و حسن تسييرها.. وداعا صديقتي، سنحتفظ لك دائما بالصورة الجميلة التي أردت لأننا لم نرى لك يوما صورة بشعة و مؤلمة، ستضلين إلى أن نلحق بك تلك المرآة القوية ، صونيا التي نحب..إلى رحمة الله التي وسعت كل شيء. لك الجنة و الخلد ..أنا حزين جدا لأجلك صونيا 

مسرح اللحظة

مجلة الفنون المسرحية

مسرح اللحظة

عز الدين جلاوجي - الجمهورية 


المسرح ابن الفنون المدلل ، لأنه نتاج تلاقح عدد كبير من الفنون التي نشأت قبله، إنه فن يتخلق من هذا التلاحم الجميل و البهي بين الكلمة المبدعة والرقص و الإيقاع و الموسيقى و الرسم و النحت وغير ذلك مما قد يتمرد على الحصر .
ومادامت هذه الفنون هي ابنة الإنسان، وبمعنى أدق هي ابنة الحياة،لأنها ولدت من رحم الإنسان، الحي المتفاعل مع الحياة،فهي فنون حية، وهي إذ تشكل المسرح، تجعل منه النموذج الأرقى للحياة،  فلا مسرح دون حياة، ولا حياة دون مسرح، ونكاد نجزم أن الإنسان مسرحي بطبعه،  وهو أي المسرح أقرب إلى وجوده وحقيقته، ولك أن تتأمل تصرفات الصبيان في لعبهم، فلا يحلو لهم ذلك، إلا إذا تقمصوا الأدوار وتماهوا معها حد نسيان ذواتهم، ولا يعدو أن يكون هذا الكون إلا خشبة مسرح كبرى ونحن فيه ممثلون تارة ومتفرجون تارة أخرى . 
وبمثل أن الحياة كلها هي مسرحية كبرى فإن كل لحظة فيها يمكن أن تكون مسرحية أيضا ، نعم تكاد تكون كل لحظة فعل بشرى مسرحية قائمة بذاتها، إن الإنسان يفكر ويحلم ويندفع للفعل، وهو حينما يفعل فإنما هو يمسرح أحلامه و أفكاره، وقد تقول اللحظة واللحظات القليلة ما لا يمكن أن تقوله الأزمنة الطويلة، كأن هذه مضغوطة في تلك ، وكأن لا بلاغة إلا في الإيجاز على  حد قول أسلافنا . 
من هذا المنطلق راودتني فكرة كتابة ما أسميته" مسرح اللحظة" أو مسرديات قصيرة جدا، المصطلح الأول للفعل ، والثاني للقراءة، حتى نزيل إشكالية مصطلح مسرحية، و الذي يربكنا ويوقعنا في اللبس فلا نعرف أن ننصرف إلى النص المكتوب أم إلى العرض على الركح، مع ما أقمته بينهما من فروق في الكتابة ، الأولى تجنح إلى اعتماد الإرشادات  الإخراجية، مخاطبة الدراماتورج و المخرج و الممثل ، بمعنى أنها ترتبط بالركح، والثانية تنصرف إلى القارئ، وقد سميتها الإرشادات القرائية، ثم استعضت عنها بتوسعة في تقنيتي الوصف والسرد، دون أن أجرح كبرياء المسرح، فكانت المسردية مصطلحا قائما بذاته يجمع بين السرد و المسرح، ويهيئ النص للقراءة ابتداء من المستوى البصري ، إلى استحضار تقنيات السرد، مع مراعاة خصوصية المسرح وبهذا يكسب المسرح أيضا قراءه وقد خسرهم لقرون من الزمن، في ظل دكتاتورية مارستها الخشبة على النص، ومارسها المخرجون على الأدباء.
ولا عجب، فالفنون كالكائنات الحية، بمثلما يمكن أن تعمر طويلا يمكن أن تنقرض سريعا، وعن بعضها تتوالد.
إن الرواية التي صار لها اليوم شأن عظيم ولدت من رحم الملحمة و الحكاية الشعبية، في حين انقرضت الأولى وكادت الثانية، و القصيدة الحرة ولدت من رحم القصيدة العمودية، و معا مازالا تصارعان  البقاء، و المقامة التي أبدعتها عبقرية بديع الزمان الهمذاني وجدت بعده شيوعا كبيرا ودخلت حتى حضارات ولغات أخرى،  ثم انقرضت اليوم كأن لم تكن، ومع الانفجار الإلكتروني الذي حققته حضارة اليوم صار المسرح في خطر، كما السينما قبله، أو على الأقل خبا وهجهما الذي تمتعا به قرونا من الزمن، فلا مانع مطلقا من أن نبحث عن أشكال جديدة للتعبير عن الإنسان و الحياة .
ومن هنا يمكن أن نشير إلى أن " مسرح اللحظة " مسرديات قصيرة جدا دافعان الأول ذاتي وهو رغبتي الملحة والدائمة في خوض تجارب إبداعية جديدة، وهو هاجس كلن له حضوره في كل أشكال الكتابة لدي، قصة ورواية ومسرحا، إيمانا مني أن الإبداع الحق هو ما كان تجريبا أي تجاوزا للمألوف، إنه إضاءة مستمرة للمظلم في مجاهيل التخييل لدى الإنسان، ومساءلة دائمة لجهود الأسلاف في هذا المضمار، كما أن له أسبابه الموضوعية التي منها وجوب البحث عن فتوحات جديدة في فن المسرح، وقد صار مهجورا من أكثر الناس،ليس من المنطقي أن تصرف على مسرحية مئات الملايين ثم تعرض المرة و المرتين ، ويطويها النسيان إلى غير رجعة، الواجب يدعونا اليوم أن نقدم مسرحا يظل مرتبطا بنا ونظل مرتبطين به دون أن يرهقنا ودون أن نرهقه، ومن هنا جاءت فكرة المسردية من قبل، وجاءت فكرة مسرح اللحظة/ مسرديات قصيرة جدا بعد ذلك. 
مسرح اللحظة " هو مسرح يقتنص اللحظة التي يمكن أن تقول الزمن الطويل، محاولا أن يختصر كل ما يقيمه أيضا، إن عل مستوى الشخصيات أو على مستوى السينوغرافيا ،ومعنى ذلك فهو مسرح يتمرد على الخشبة يمكن تقديمه في أي مكان، في الشارع و البيت و المقهى و الشاطئ وحتى القطار و الطائرة، كما يمكن أن يقوم به كل من امتلك شيئا من الجرأة و الموهبة، إنه مسرح الإنسان كيفما كان و أينما كان .
ومعنى ذلك أن من خصائصه التي يجب أن يقوم عليها التكثيف مكانا وزمانا ولغة ومشهدا وعرضا، وشخصيات لا تتعدى الثلاثة في أقصى تقدير مع إمكانية الإستعانة بالمؤثرات الصوتية ، يجب أن يتحول إلى هاجس الجميع، بمعنى لا يفترض مختصين احترافيين أو هواة، إذ يمكن أن يقدمه افراد الأسرة في البيت و الطلبة في مدارسهم وجامعاتهم، و الأصدقاء في تجمعاتهم، وحتى المتعبدون مراكز تعبدهم و المصطافون في مرافقم السياحية،   

الاثنين، 14 مايو 2018

تقنية المنجز المسرحي الحديث .. جمالية البناء وتقنية التقديم

مجلة الفنون المسرحية

تقنية المنجز المسرحي الحديث .. جمالية البناء وتقنية التقديم


د. صفاء الدين أحمد فاضل - مجلة فكر 


للنهوض أسرار وللهبوط أسباب ولكل فن نسيج فكري مأخوذ من فكرة الحياة وتفاعل الإنسان بما حوله، فالحياة ومطالبها تصنع مصانع عدة معتمدة على قاعدة فكرية تنطلق منها ثقافات متلونة ترسم لنا لوحة شاملة معرفية يكون بطلها الإنسان وهو يجول بعالم بيئته ومجتمعه.

يستخدم المسرح الحديث آليات الخطاب المتقدمة الحداثوية لنشر الفكر لدى طبقات المجتمع فيقيم علاقات بين العقل والنقل من أجل المحافظة على الثقافة والفكر أساسها الحوار المعتمد على تقنيات التقديم والعرض والنقد الحضاري الدال على أخلاقيات التفكير الابداعي وإمكانيات التوصيل المعرفي العصري، الذي يصور تفاعل العصر مع الفرد بمسرح أصبح جزءًا من حياة الفرد بصفته وسيلة إعلامية هادفة إلى تحقيق الوعي المعرفي لطبقات المجتمع وهذه الوسيلة الاعلامية تتم على ثلاثة أوجه هي الوجه المرئي والمسموع فضلاً عن النص المكتوب فهذا العمل تبدو فيه المهارة الحرفية واضحة المعالم لتزيد من تلقي الجمهور وتفاعلهم ولا يخفى على القارئ أن المسرح الحديث تقدم تقدمًا ملحوظًا إثر دخول التقنيات الحديثة وإقامة العلاقات المتشابكة في مضمونه، مراجع عدة تناولت حضور المسرح الحداثوي من تلك الدراسات دراسة الأستاذ عبد الفتاح قلعجي في دراسته (المسرح الحديث الخطاب المعرفي وجماليات التشكيل) برغم الانتقادات التي وجهت إلى هذه الدراسة إلا إنها تعد خطوة أكثر تقدمًا في مجال الانفتاح المسرحي الحديث وتسليط الضوء على قواعده الأكثر حضورًا.... فضلاً عن دراسة د. باسم الأعسم (مقاربات في الخطاب المسرحي) الذي ركز فيها على القيم الجمالية المنبعثة من الأنساق البصرية والسمعية والحركية التي يعتمد عليها الشكل المسرحي.

نواحي المسرح وجمالياته كثيرة وآفاقه رحبة وواسعة تستحوذ الأفكار وتبادلها على قيمة المسرح ومن ثم هي قيمة انسانية منتجة ....

هذه القيمة ترتبط بالوظيفة التداولية التي تحدد استعمال النص وآليات توصيلية على وفق لغته المشروعة في المسرح والتي تبني علاقات مركبة داخل المنجز اللغوي أو السياق المقدم على المنصة من تلاحم الوحدات الصغيرة وتشابك مكوناتها اللسانية لتصبح علامة ثقافية واضحة تنطلق من أفعال خارجة من شفاه الممثلين إذ المشاركة الجماعية لإنتاج دلالة معينة لموضوع معين أي علاقة الحضور المرئي. 

الكل يعلم إن المسرح ومشاهديه لديهم مستويات عدة وقدرات متفاوتة للفهم أو بمعنى قدرات الاستيعاب الحدثي فلا بد من الكاتب ان يجسم الصور المشهدية التي تسد الفجوة أو مسافة الترك بين المتلقي والممثل وهي عملية استدعاء مشاهد تطعيمية (ملء الفراغات) ليحقق التفاعل بين الطرفين فلو عدنا إلى الكاتب الإغريقي  ارستوفانيس (444 ق.م – 380 ق.م) لوجدنا مسرحية  (السُّحُب) من أروع النماذج الكوميدية التي تستهوي فكر القارئ من خلال رسم المشاهد المتتالية الواحدة تلو الأخرى بروح كوميدية لا تجد فراغات نصية أو حركية داخلها وقدمت لطبقات المجتمع الاثني آنذاك وهو يتحدث عن شخصية سقراط وتصرفاته .... 

وارستوفانس برغم قدمه وبداياته إلا إنها الشرارة الأولى التي وهجت الروح المسرحية بالآداب الغربية فبنائه الهندسي وأضح وهو يبني أحداثها وصراع شخصياته بحركة ديناميكية متكاملة من الصعب حذف أي مشهد أو حركة من فصول المسرحية إثر التناغم والانسجام والتكامل النصي في أثنائها كما حافظ على الائتلاف المشهدي والتكامل الحركي، تتابع جملي بحركة استعراضية على طول وقت المسرحية زادت من التفاعل مع الجمهور وجمالية البناء لم تنته لهذه النقطة فخصائص البناء المسرحي متعددة وعلى الكاتب أن يحافظ على جوانب المسرح الداخلية والخارجية ويحافظ على جماليات الصوت والصدى والحوار الذي يثير الانفعال التقبلي لدى الجمهور فضلاً عن أسلوب  حداثوي هو محمولات إضافية تطعم النص وهنا لعبة المسرحية.

مسرحيات عدة أجادت بتلقين شخصياتها الأدوار المهارية الحركية الجديدة لتغني آليات المسرح بفن يتناسب مع روح العصر… ومجال المسرح الحداثوي ليس نفسيًا وإنما جسدي وتشكيلي ويرى انثونان ارستو الذي أسس مسرح الفظاظة عام 1932 أن المسرحية تهز بقوة راحة الحواس، تحرر اللاشعور المضغوط وتدفع إلى نوع من الثورة المضمرة، وهذا يحتاج إلى تصرف ضد النص لإثارة تلك الحواس التي توجد الفضاء المسرحي المناسب وهي تروي الأحداث في مسرحية الكلام ثم المشهد الدرامي المؤثر وهو يتطور رويدًا رويدًا يرافقه تغيرات على مستوى الشكل وحسب طبيعة الكلام المتأني الذي صنعته التجربة الجسدية، فالكتابة المسرحية أو العمل المسرحي هو عبارة عن عملية بناء وهندسة وأيضًا عملية توزيع موسيقى وخاصة الشكل الدرامي المستفيد من اليات تقنية التجزئة كالأماكن المغلقة (البيت) (المكتب) والأماكن المفتوحة (الشارع ) (الحديقة ).

الكاتب الحديث يعتمد تقنيات متطورة لمسرحه ويتذوق النصوص ويوفر الشروحات المناسبة النصية فيصبح النص لوحات منقسمة لميادين مختلفة تعتمد على لغة ولهجات مختلفة حسب المواقف التي يحتسبها العرض المسرحي وأهمها اللقطات المأخوذة من واقع الحياة وجوانبها الإنسانية ويبدو لي الكتابة واحدة في العمل الأدبي بأجناسه المتعددة إذ يجب أن يرتبط النص بعضه ببعض كنسيج متداخل واحد وهو يسرد الأحداث ويضفى عليها بعدًا وثائقيًّا نتج من سيناريو متقن وأعمال مسرحية عالمية أثبتت وجودها الحداثوي وهي تمثل مسرحياتها على خشبات عالمية.

الحداثة المسرحية أو المسرح الحداثوي ارتبط بعلم النفس وميادينه الواسعة فمثلاً موضوع التصالح مع النفس أو مع العالم أو مع الأم والأب أو مع هوية الفرد نفسه أو التصالح مع الزمان أو المكان ..ألخ والمونولوج الداخلي الذي يتحدث على لسان الشخصية نقل عالم باطني إلى عالم خارجي تخرج فيه أفكار الشخصية وأحلامها وآمالها وتطلعاتها وكل ما يجيش في داخلها تطعمها الجمل الشعرية الأكثر تعاطفًا مع الحالة النفسية، إذ جوانب علم النفس والعلوم الأخرى ساهمت بهذا التحديث لتقنيات المسرح، فالمسرح في الختام ما هو إلا تحويل المكتوب إلى حركة سينمائية مشهدية وحداثة العصر تطلبت إبداع خطوات متقدمة أكثر مما احتفظ به أصحاب  المسرح التقليدي.

من جديد عودة مسابقة التأليف المسرحي للمركز القومي للمسرح

مجلة الفنون المسرحية

من جديد عودة مسابقة التأليف المسرحي  للمركز القومي للمسرح

أكد المخرج القدير محمد الخولي رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية عودة مسابقة التأليف المسرحي باعتبارها أحد أهم أهداف المركز خلال الفترة القريبة القادمة وذلك أثناء الندوة التطبيقية التي أقامها المركز القومي للمسرح مساء أمس للعرض المسرحي"الساعة الأخيرة"بمسرح الغد،والتي أشاد خلالها الناقد المسرحي باسم صادق بالعرض في كلمته مشيرا إلى الصراع الكلاسيكي بين العاطفة والواجب لبطل العرض وألمح إلى إسهاب البداية وعدم رضاه عن موسيقى النهاية لمشهد خروج الفتاة اليابانية بعد صدمتها من معرفة حقيقة وجود الطيار الأمريكي بجوارها،بينما أكد الناقد المسرحي محمد الروبي على إجادة المخرج ناصر عبد المنعم وقدرته على إظهار اللآلئ المسرحية وتأكيده على الوقتية الحالية للعرض وأشاد بالأزمنة الثلاثة التي حرص المخرج على إظهارها بشكل مقنع خلال الأحداث.

أنطونيو باييخو.. دراما مسرح السلم - بالحُجَّة والدليل

مجلة الفنون المسرحية

أنطونيو باييخو.. دراما مسرح السلم - بالحُجَّة والدليل


 الخليج


في سَنَة 1934 التحق أنطونيو بويرو باييخو بكلية سان فرناندو للفنون الجميلة في مدريد، غير أن اندلاع الحرب الأهلية في يوليو سَنَة 1936، التي استمرت ثلاث سنوات، أجبر باييخو على العودة إلى بلدته للمشاركة مع الجمهوريين بجيشهم المدعوم من قوى اليسار الإسباني والعالمي، وقد كتب «أندريه مالرو» روايته ذائعة الصيت «الأمل» عن مشاركته في المقاومة، دفاعاً عن الجمهورية الوليدة آنذاك، في مواجهة جيش الجنرال فرانكو القائم بالانقلاب على الحكم الجمهوري وكان مدعوماً من قيادات المحور هتلر وموسوليني، حيث دمرت طائرات الأول قرية «جرنيكا» بإقليم الباسك أقصى شمال إسبانيا سَنَة 1937 وخلّدها بابلو بيكاسو في جدارية ضخمة.
انضم باييخو إلى الجيش الجمهوري، ملتحقاً كجندي احتياط لكتيبة مشاة تابعة للجيش، متعاوناً بالرسم والكتابة في جريدة «صوت الشفاء» التي أصدرها الجيش الشعبي للجمهورية، وفي مدينة بني قاسم في بالنيثا تعرف إلى الشاعر ميجيل أرناندث، أحد أبرز رموز جيل 1936، وفي الأيام الأخيرة من سَنَة 1937 وصلت قوات فرانكو إلى الجنوب الإسباني واعتقلت والد باييخو، الضابط المعلم بأكاديمية الهندسة العسكرية وأعدم رمياً بالرصاص، ما دفع الابن إلى الانخراط أكثر في الحرب، فقبض عليه، وقضى نحو شهر في المعتقل، وأفرج عنه، شريطة أن يقدم تقريراً عن تحركاته للسلطات، وهو الأمر الذي لم يفعله.
وفي مايو 1939 تم القبض عليه مرة أخرى، وحكم عليه بالإعدام، ثم تم تخفيف الحكم إلى السجن لمدة 30 سنة، وفي السجن يرسم عدة بورتريهات لزملائه وأصدقائه ورفاقه في السجن، وبعد سبع سنوات أفرج عنه، ونفي إلى العاصمة مدريد، وبدأ نشر رسوماته في أَغْلِبُ المجلات، وعقب ختم الحرب العالمية الثانية، بدأ في كتابة المسرح، الذي يقوم على ركائز تشكل عالمه الدرامي، فالواقعية تتمازج بالرمزية، ويتداخل ماذا تعرف عن وجودي مع ماذا تعرف عن اجتماعي قبل الانتقال لمرحلة الكتابة التاريخية والنقدية في الخمسينات.
مسرحيات باييخو تعود بنا إلى السياق التاريخي كي ندخل منه إلى السياق الثقافي بركائزه الثابتة والمتغيرات التي طرأت عليه، والذي عاشه باييخو وتأثر به وأثر فيه، وحضر بالضرورة في أعماله المسرحية، تأثراً فكرياً وبنائياً بالسياقات الاجتماعية والسياسية التي حكمت المجتمع الإسباني في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، ثم في ستيناته وسبعيناته، وبعدها خَلْف موت الجنرال فرانكو سَنَة 1975 وعودة الملكية للبلاد ودخولها في مرحلة تحول نحو الديمقراطية، حتى استقرت مع سَنَة 1982 بوصول الحزب الاشتراكي الإسباني إلى الحكم.
عُلِيَ الْجَانِبُ الْأُخَرَ تَعْتَبِرُ مسرحيته «حكاية سلم» معلماً بارزاً في مسرح ما بعد الحرب الأهلية، ويمكن تصنيفها بأنها دراما الإحباط الاجتماعي التي سادت المسرح بعد هزيمة اليساريين وتجري وقائعها على «بسطة سلم» صاعد من أدوار سفلية، ومؤد إلى أدوار عليا، ويتناول فيها حال تِلْكَ الطبقة الإسبانية في نهاية أربعينات القرن الماضي، بعد ختم الحرب العالمية الثانية التي مزقت الدول العالمية، عاملاً على الكشف عن الأكاذيب التي سيطرت وقتذاك على هذا المجتمع، آخذاً عينته الإنسانية من شريحة مجتمعية تعيش في بيت واحد كالمجتمع متعدد الطوابق والشرائح، وتلتقي شخصياته ببعضها بعضاً صعوداً وهبوطاً، وتحركاً على «بسطة السلم».
أعمال باييخو تبدو ظاهرياً تعالج موضوعات الانتظار اللامجدي والحلم المحبط والواقع المقيد لحركة الإنسان اعتماداً على واقع إسبانيا القائم بعد الحرب الأهلية، وقد تزامن هذا مع مسرح بدأ يبرز بقوة في دور العرض الفرنسية بتأثير الدمار الذي لحق بفرنسا وأوروبا أَثْناء الحرب العالمية الثانية، وهو مسرح العبث الذي قاده صمويل بيكيت ويونسكو وفرناندو أرابال، غير أن أعمال باييخو كانت تحمل رسالة تفاؤل لمتلقيها، مع رسالة تحفيز بعدم السير في نفس طريق الشخصية الدرامية حتى لا يهلكوا، ومن ثم عليه بالبحث عن مَسَارَاتُ افضل لا تؤدي إلى الموت.
في شهر إبريل سَنَة 2000 رحل باييخو عن عمر يتجاوز الثالثة والثمانين، فقد ولد في سبتمبر سَنَة 1916، وعايش أحداثاً تكاد تعصف بالعالم أُجَمِّعُ، وعاصر توهج تيار الواقعية الأدبية والفنية، وصاغ مسرحاً ذا بناء تراجيدي وأسلوب واقعي، يتخذ فيه موقفاً واضحاً تجاه حرية الإنسان، وقد أنتصر بجائزة سيرفانيتس، التي تعد بمنزلة جائزة نوبل، إذ يتنافس عليها أدباء الدول العشرين الناطقة بالإسبانية، وهو الكاتب المسرحي الوحيد الذي حاز تِلْكَ الجائزة فِي غُضُون تأسيسها سنة 1976 إلى الآن.

السبت، 12 مايو 2018

مُحمّد حنصال يتألق في مسرحية "دَاهَا" باليوم الوطني للمسرح المغربي

قراءة في كتاب عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي

مجلة الفنون المسرحية

من آريك بنتلي إلى عبدالمجيد شكير..

قراءة في كتاب عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي

هايل المذابي – اليمن


"إنني أؤمن بالمستقبل وبحاجة العالم إلى الجدّ في تصرفاته... لقد حان الوقت – و هو ملائم كل الملائمة – لمسرحيات تقوم على التفكير". ألفريد دي فنيي.

بهذه المقولة يصدّر أريك بنتلي كتابه " المسرح الحديث.. دراسة في الدراما ومؤلفيها..".

و في تصديره لكتابه الصادر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة 2013 م و المعنون بــ" عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي" يقول عبدالمجيد شكير  :"... فكانت نتيجة استقرائي للممارسة المسرحية أن وقفت على التحول الذي انتقل بها من ممارسة تعطي الأولوية للمضمون الفكري والبعد الإيديولوجي إلى ممارسة تهتم بالمنحى الفني والجمالي. وآثرت بالتالي، أن أقف على تجليات هذا الانتقال وأرصد تمظهراته بضبط عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي كما اقترحتها بعض تجارب المسرح التي حاولت الانعتاق من هيمنة الطابع الفكري والطغيان الإيديولوجي." وينتهي شكير بمقاربة الجماليات من خلال أربعة مستويات : على مستوى الفضاء المسرحي، على مستوى السينوغرافيا وأدوات الاشتغال التقني، ثم على مستوى عنصر التمثيل، وعلى مستوى الكتابة الدرامية أخيرا..

ومن يقرأ كتاب " المسرح الحديث " لأريك بنتلي الذي أوردنا تصديره لكتابه في بداية هذه القراءة النقدية السريعة، سيعرف مبعث تأليف عبدالمجيد شكير لكتابه " التركيب الجمالي في العرض المسرحي"، وافق شكير أم لم يوافق، ولكن السؤال الذي يمكن طرحه للنقاش هو: ما هي الاشتغالات المسرحية التي كانت تمارس قبل دعوة بنتلي إلى دراما فكرية ومسرح قائم على الإيديولوجيا ليمثل كتابه حينها ما يمثله كتاب شكير من دعوة إلى التغيير والتحديث الآن ؟.

في كتاب شكير نجد أنه يحرص على تصنيف المسرح القائم على الفكر والإيديولوجيا مسرحا قديما بالأربعة المستويات التي حددها في تصديره للكتاب، وعن هذا أورد كلاما هاما لبنتلي في كتابه هو :" فلقد حاولت أن أنظر إلى المسرحية باعتبارها جزءا من حياة مؤلفيها وجزءا من حياة العصر الذي نعيش فيه .." (المسرح الحديث ص: 7) وإذا وافقنا على فكرة كتاب شكير وما طرحه كيف سيمكننا معرفة العصر الذي نعيش فيه وحياة مؤلفه خصوصا اذا ذهبنا إلى الاهتمام بعناصر التركيب الجمالي للعرض المسرحي وأغفلنا الأهم كما يوضحه بنتلي.

إن دعوة بنتلي إلى المسرح الذي يغلب عليه الفكر ويقوم على الإيديولوجيا ظهرت في ظروف كان الإسفاف والسطحية والطابع التجاري هو أهم ثيمة يمكن ملاحظتها عليه في ذلك العصر وهناك سبب آخر مهم جدا هو أن عناصر التركيب الجمالي للعرض المسرحي التي يدعو إليها شكير في كتابه لم تكن متطورة في ذلك العصر الذي يتحدث فيه بنتلي باستثناء المستوى الخاص بفن الكتابة الدرامية أما السينوغرافيا وفضاء العرض والإضاءة فكانت رديئة جدا ومبتدئة على أساس أن حضارة جماليات فن المسرح عمرها لا يتجاوز 70 إلى 80 عاما ولكنها لم تزدهر حقا إلا في النصف الثاني من هذه المدة الزمنية، لذلك لم ينتبه إلى إيلائها أهمية كبيرة رغم ظهور بدايات قليلة بخصوص ذلك يذكرها بنتلي في كتابه لكنها لم تكن سوى ترف فني يقدر شخصية ملك يقدمها العرض المسرحي فيأمر المخرج تقديرا لها بتلوين الإضاءة..

نعي تماما أن الصراع ثابت والثقافة متحولة، وهذا لا ينطبق على المسرح فقط ولكنه يشمل كل المجالات الفنية والإبداعية، وفي كل عصر نجد صراعا بين القديم والجديد وقوى الخلق والتقليد و عليه فإن الثقافة العامة لأي فن هي معتقدات وآراء هؤلاء وأولئك مجتمعة بما في ذلك فن المسرح. فنجد مثلا وكنموذج أن هيمنة النقد الماركسي الذي يولي الفنان وظروفه الحياتية الأولوية القصوى في الممارسة النقدية يوجد تيارا نقديا آخرا هو البنيوية التي تنتصر للنص فقط.. لتكون الثقافة النقدية هي حصيلة آراء ومعتقدات التيارين..

إن الصراع بين الفكر والجماليات الفنية في المسرح وأيهما يجب أن يحظى بالاهتمام الأكبر قد ظهر قديما في شكل آخر هو صراع بين الشكل والمضمون والمبنى والمعنى وشكير في كتابه لا يدعو إلى إلغاء الإيديولوجيا والفكر من المسرح لكنه يؤكد أن العلاقة بين الفكر والجماليات الفنية هي عناق حبيبين وحتى لا ينزلق العرض المسرحي في التقرير والمباشرة حينما نولي الفكر الأهمية القصوى فيه وحتى لا ينزلق العرض المسرحي أيضا في الشكلية الفارغة من المضمون والعمق..

إن حال شكير في دعوته هذه حال من يبحث عن القُبّعة في دنيا العمائم، فالطابع السائد على المسرح العربي هو طابع الفكر والإيديولوجيا والتأليف الدرامي يسعى دائما لإقحام الوضع الاجتماعي الذي ينزلق في دهاليز السياسة في المادة المسرحية وحتما في ظل غياب دعم المؤسسات الحكومية الثقافية بالجانب الجمالي للعروض المسرحية لتكاليفها يجعل من الصعوبة تحقيق المعادلة التي ستجمع بين الفكر والجماليات الفنية للعرض المسرحي، لكن هذه الدعوة والمبادرة التي تقدم بها شكير تصدق عليها قول أحد العلماء " السحر علم المستقبل" وعليه فإن جماليات الفن المسرحي التي تبدو اليوم سحرا في نظر الكثيرين وحظ السحر نعرفه جيدا ستكون بلا شك علما في المستقبل يولى الرعاية والاهتمام قبل أي شيء آخر..

وثمة ما أود نقاشه أيضا بمناسبة الحديث عن كتاب الدكتور عبدالمجيد شكير " عناصر التركيب الجمالي في العرض المسرحي" وهو نظرية المؤلف - المخرج والتي أعتقد أن تحققها قد يبطل عمل المخرج وربما تؤدي إلى تكاسل وركون كبير كما وأنها تحد من تصوراته وتحد من خياله أمام تقديمه للعرض المسرحي ومعالجته فنيا ولعل من المفيد أن نتذكر قول سارتر الذي يصف هذه الحالة :" ليس هناك أسوأ من حالة النكوص عن المسئولية حين تقبل النفس كل ماهو معطى لها جاهزا".

الأمر الآخر بخصوص الممارسة النقدية المسرحية التي تعطي الفكر والإيديولوجيا الجانب الأكبر ويذكرها شكير كممارسة واشتغال قديم يجب أن يتغير وعليه أقول أن هذه الممارسة لا يمكن أن تتغير إلا إذا تغير الطابع الفكري للدراما الموجودة حاليا وطبيعة العروض المسرحية القائمة على الإيديولوجيا التي تتناول ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعندما نجد من يتفهم ويدعم ويولي عناصر التركيب الجمالي للعرض المسرحي الاهتمام الذي يولى للفكر والايديولوجيا وهذا لن يتحقق إلا بوجود العدالة الاجتماعية والحاكم العادل والحكومات النزيهة فوجود الفكر والإيديولوجيا في المسرح مرهون بوجود الظلم والفقر والجريمة والتخلف في المجتمعات..


عباس الحايك: من لا يقرأ لا يستطيع أن ينجز نصا مسرحيا

مجلة الفنون المسرحية

عباس الحايك: من لا يقرأ لا يستطيع أن ينجز نصا مسرحيا

مشرف بيت المسرح بالدمام يؤكد أن مشاهدة العروض المسرحية ترسم التصور الكامل للحوار وتفاصيل النص.

اختتم بيت المسرح مساء الخميس ورشة "الكتابة المسرحية" والتي أقيمت في مقر جمعية الثقافة والفنون في الدمام وكانت الورشة هي أولى أنشطة بيت المسرح التي تهدف دائما إلى تقديم فعاليات وأنشطة فنية مسرحية لتطوير المهارات والمواهب في المنطقة واستقطاب كل المجالات المسرحية من الكتابة إلى التمثيل والإخراج.
وأوضح مدرب الورشة ومشرف بيت المسرح الكاتب عباس الحايك بأن الورشة بدأت بالتعريف بالنص المسرحي ومن ثم أساسيات النص المسرحي ومنها إلى الشخصية والحوار والبناء الدرامي. 
وخصصنا كل يوم لشرح عنصر من العناصر ونستفيض فيها مع تدريب على العنصر المطروح، ولا يخلو الأمر من قراءة النصوص المسرحية ومناقشتها لنتيح للمتدرب تفصيل النص المسرحي، وذلك لوجود أشخاص لم يعملوا سابقا في المسرح فنتيح لهم الفرصة للتعرف على النص المسرحي وكيفية قراءته. 
وعبر الحايك بأن من أهم الصفات التي يجب على الكاتب التمتع بها هي أن يكون قارئا، فمن لا يقرأ لا يستطيع أن ينجز نصا مسرحيا، بالإضافة إلى اطلاعه على كل العلوم التي لها علاقة بالإنسان مثل علم النفس والأحياء وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم التي تتيح للكاتب محاكاة الشخصيات الإنسانية بطبيعتها الحقيقية. 
وأدعو كل الكتاب والمهتمين بالكتابة لمشاهدة العروض المسرحية التي تساعدهم في رسم تصور كامل للحوار وتفاصيل النص ومراعاة الإضاءة والديكور، بالإضافة إلى ملامسة الجمهور في النص المطروح والقرب من قضاياهم ومشاكلهم وتجنب الخطأ الذي يقع به بعض الكتاب من تشابه الشخصيات والنمطية العامة.
وقال إن ضعف اللغة أحد الاسباب المهمة لضعف النص المسرحي، بالإضافة إلى الحوارات المتكلفة بلغة معجمية غير مفهومة أو مستساغة للعامة والتي تخفق كثيرا عند بعض  كتاب المسرح.
وأشاد الحايك على تفاعل المتدربين في الورشة من طرح أسئلة مثرية إلى مشاركة تجاربهم بكتابة النصوص والكثير من التجارب تستحق أن تعرض، متمنياً أن يستمر جميع المتدربين في الكتابة  وإثراء المسرح السعودي بكتابات تشبه بيئته.

انتبهوا أيها السادة.. المسرح الجامعي في خطر

مجلة الفنون المسرحية


انتبهوا أيها السادة.. المسرح الجامعي في خطر


محمد الروبي  - مسرحنا 

«المسرح الجامعي في مصر» عنوان له تاريخ، فهو المكان الذي كان لسنوات طويلة، وما زال، مفرخة للنجوم وحقلا لاكتشاف المواهب في مجالات الفن المختلفة.
وقد عانى المسرح الجامعي الكثير في سبعينات القرن الماضي من تعنت طيور الظلام المنتمين للجماعات المتأسلمة، فكم تحلقوا كغربان سود حول الفرق وانهالوا عليهم بالجنازير والعصي تحت فتوى أن الفن حرام. لكنه وكأي فن حقيقي كان يرفع راية المقاومة ويصر على أن يكون. فقدم من العروض ما يحفظه التاريخ (المسرحي والجامعي) ما يفخر به المشاركون فيه الذين أصبحوا نجوما يشار إليهم بالبنان.
المسرح الجامعي – لمن لا يعرف – كان يتسابق على المشاركة فيه كبار مخرجي مصر من أجيال مختلفة (سعد أردش، كرم مطاوع، سناء شافع، سمير العصفوري، فهمي الخولي، حسين جمعة، حسين عبد القادر.. وغيرهم الكثير)، وكان هؤلاء الكبار لا يمارسون مع أعضاء الفرق الجامعية الفعل المسرحي وفقط، لكنهم كانوا أقرب إلى الموجهين الثقافيين يعلمون أبناءهم الفن والحياة.
وعلى الرغم من هذا التاريخ وهذا العطاء، نفاجأ ونحن في القرن الواحد والعشرين أن بعض مسئولي النشاط في الجامعات انتبهوا إلى أن المسرح الجامعي ليس فقط نشاطا زائدا على الحاجة، لكنه – وهو الأخطر – نشاط يدعو إلى إثارة الفتنة وينشر أفكارا معوجة!
نعم.. هكذا وببساطة مثيرة للدهشة تم إلغاء عدد من العروض المسرحية شارفت على الانتهاء واقتربت من موعد عرضها في كليات مختلفة بامتداد الوطن، ولأسباب تثير الدهشة بقدر ما تثير الخجل. إذ كيف يمكن فهم أن نصا عالميا سبق وأن قدم عشرات المرات على خشبات المسرح المصري وفي القلب منها خشبة المسرح القومي، وهو نص «ميراث الريح» الذي يناقش ويفند التناقض المزعوم بين الدين والعلم؟ هو نص «يثير الفتنة» ويحمل «أفكارا ملغومة»؟ هذا بالضبط ما تم وما قيل عن عرض كلية العلوم بجامعة الإسكندرية وقبيل افتتاح العرض بيوم واحد!
والمدهش أكثر أن أوامر المنع هذه وبالأسباب نفسها وتشابهها، لم تخص كلية واحدة، لكنها امتدت إلى أكثر من جامعة ومن بينها كليات نوعية تضع علوم المسرح على رأس لائحتها الدراسية!
فجأة امتد السرطان وانتشر من آداب المنصورة إلى نوعية طنطا إلى زراعة الإسكندرية إلى تجارة بنها إلى علاج طبيعي القاهرة و.. و.. وأخريات. والأسباب في كل الحالات واحدة، وكأنهم على اتفاق سري غير مكتوب أو معلن: «لإثارة الفتنة» و«احتوائه على ألغام فكرية».
«إثارة الفتنة» وصف لا يليق بالمسرح ولا بالفن عموما، قد يليق بهما أكثر «مواجهة الفتنة» و«مقاومة الأفكار المتطرفة». وهنا نجدنا مدفوعين لتذكرة السادة مسئولي النشاط بالجامعات سواء كانوا رؤساء جامعات أو عمداء كليات أو وكلاء أو موظفين إداريين ببديهية أن المسرح في الجامعة ليس مجرد نشاط فني يمارسه الطلاب، لكنه وبما أنه كذلك، هو فعل ثقافي يغير ويطور عقول ممارسيه. فأن تشارك في عرض مسرحي بما تعنيه هذه المشاركة من قراءة للنص ومناقشته والخوض في بروفات كثيرة والدخول في اختلافات حول الرؤية، وبما أنه عمل جماعي يتيح لك المشاركة مع آخرين تكنس المسرح وترتب قطع الإكسسوار وتنتقي الملابس وتشارك زملاءك في ارتدائها و.. و... فأنت تثري عقلك وروحك ومن ثم تبني جدارا عازلا بينك وأية محاولة لاستقطابك نحو فكرة هدامة أو سلوك فردي لا يرى في الحياة إلا سعيا لخلاص فردي يقوم على الأنانية ولفظ الآخرين.
المسرح الجامعي يا سادة هو المعمل الذي تتشكل فيه النفوس لتخرج إلى الحياة العامة محبة للحياة ساعية لتطويرها ونمائها.. أفلا تعقلون؟
وأخيرا، أدعو السادة مسئولي الجامعات إلى قراءة هذا الخبر: «مصر تستعد لإقامة أول ملتقى دولي للمسرح الجامعي».. وأكرر «ملتقى دولي».. وليقولوا لنا بعدها بماذا سنرد على وفود جامعات العالم عن أسباب منع «ميراث الريح» و«طاعون» ألبير كامي.. وغيرها؟
المسرح الجامعي يا سادة في خطر، فهل ننتبه قبل أن يدركنا الطوفان؟.. أتمنى.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption