المسرح السياسي عند بريشت *
مجلة الفنون المسرحية
المسرح السياسي عند بريشت *
وضاء قحطان حميد
كان للواقعية الجديدة أثر على المسرح الملحمي من خلال ملامحها السياسية (( كانت التعبيرية في ألمانيا المتمثلة ب(فرانك ديكند)و(جورج بوشنر)الأثر الواضح على (بريشت)فقد شكلت ثورة على الإشكال والقوالب التقليدية إذ فتحت مسرحية (موت دانتون) ل(بوشنر)الطريق أمام (بريشت ) وكذلك تأثرب(بيسكاتور) لتلمس نظريته حول المسرح الملحمي كما تأثر(بريشت)ب(ادجر*)الذي فتح الطريق امام بريشت للمسرح ،وتأثر(بريشت) ب(رامبو)و(بودلير) شعراء وكتاب الرمزية اللذان شكلا قطبا جاذبية إضافة إلى ميله لشاعر عاش في القرن الخامس عشر هو (فرانسوافيون*))(1).
وقد حاز( بريشت ) على جائزة كلايست في الأدب عن مسرحية (طبول في الليل ) واعتمد في كتابة النص على العنصر السردي والحكائي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بريشت *(1898_1956): كاتب ومخرج مسرحي ألماني ،وضع نظرية المسرح الملحمي ،وأسس فرقة برلين المسرحية
كتب مسرحيات تعليمية عديدة، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأستقر فيها لفترة طويلة بعد أن جاب عددا من دول
أوروبا بسبب عدائه للنازية قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية 0عاد إلى برلين عام 1948وأعطي مسرحاً خاصاً به من قبل
الدولة0كتب للمسرح ما يقارب من ثلاثين مسرحية ابرزها(أوبرا القروش الثلاث)و(الاستثناء والقاعدة)و(غاليلو غاليليه)
و(الام شجاعة )و(الانسان الطيب من ستزوان)و(دائرة الطباشير القوقازية)و(أيام الكومون في باريس)،وكتب عددا من
القصائد لكن غالبيتها لم ينشر0
ادجرالن بو*(1809_1894)شاعر وقاص امريكي درس بجامعة فرجينيا وفصل منها بسبب ادمانه الخمر 0عمل محررا في
عدة مجلات فنشر اشعاراً وكتب قصصاً وحاز على شهرة واسعة0وقد أهتم بالاسلوب أكثر من المضمون ،وأعتنق مذهب الفن
للفن 0ومن أشهر قصائده :الغراب ،اما قصصه فقد جمعها تحت عنوان:قصص الخيال الجامح0مجدي سيد عبد العزيز،ص045
فرانسوافيون*1431م هو شاعر وشخصية لا تنسى في الادب الفرنسي في القرن الخامس عشر، وقد كذب وسرق وقتل
ومن أهم قصائده العهد الكبير _ الانلشيد _مرثية الجميلة صانعة الخوذات 0
(1)فردريك أوين،بريتولد بريشت: حياته فنه وعصره ،ترجمة: إبراهيم العريس،(بيروت: دار ابن خلدون،1981)،ص094
وعند (بريشت ) يقاس العمل بمدى إنتاجه في حل المشكلات الاجتماعية و السياسية ويقوم مذهب (بريشت)على فكرة أن المشاهد هو العنصر الأهم في تكوين العمل المسرحي ومن أجله تكتب المسرحية فيقول :
((لا أطالب أن تخلد أعمالي ، ولكن أحب أن تهضم جميعها وتنقل وتستعمل والخالد هو المنتج ))(1) 0
وله مقولة يصف حالة الإحباط والظلم الاجتماعي والقهر السياسي ودعوته الى أن
يسود العدل وتعم الراحة وينتهي قلق البشرية ،فيقول :
((إنني مؤلف مسرحي
إني أعرض ما قد رأيته في أسواق الناس
رأيت كيف يشري الناس ويباعون
هذا ما رأيته أنا المؤلف المسرحي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عبد الفناح قلعجي ،المسرح الحديث ، (دمشق : منشورات اتحاد الكتاب العرب ،2012)،ص064
كيف يلج الواحد منهم غرفة الآخر بناءاً على خطط سابقة
أو بهراوات من المطاط ، أو بالنقود
كيف يقفون وينتظرون في الشوارع
كيف يعد كل منهم الأحابيل للآخر ))(1).
وله مقولة تبين واقعية (بريشت)في العمل المسرحي ومدى حبه للمسرح والعاملين
في المسرح ، فيقول :
((أرفعوا ستار مسرحي
لا تخفوا خشبة مسرحي وراء ستار
دعوا المشاهد وهو مضطجع في مقعده يرى الاستعدادات النشطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)المصدر نفسه ،ص063
التي تجري من أجله ببراعة ودهاء!
دعوه يرى قمراً من صفيح يتدلى من أعلى بأسلاك رفيعة0
أو سقفاً يحمله العمال
إلى خشبة المسرح
لا تدعوه يرى أكثر مما ينبغي ،
ولكن دعوه يرى أكثر مما ينبغي ،
ولكن دعوه يرى شيئاً ،
وحتى يدرك إننا لسنا سحرة بل مجرد عمال يا أصدقاء ))(1).
ويقول (بريشت) يشجع مهندس الإضاءة للقيام بأعماله على أتم وجه فيقول :
(( أعطنا المزيد من الضوء يا مهندس الإضاءة !
لأنه كيف يتسنى لنا نحن كتاب المسرح وممثليه أن نقدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)شفيق مقار ، دراسات في الأدب الأوروبي المعاصر ،(بغداد:مطبعة الأديب البغدادية،1972)،ص0155
رؤيتنا للعالم في العتمة والظلال ؟
إن ضوء الغسق الخابي يجعل النوم يتسلل إلى الجفون ،
ونحن في حاجة إلى يقظة مشاهدينا ، بل تحفزهم لمراقبتنا ، وحتى إذا ما أصروا
على أن يحملوا فليحملوا في ضوءٍ غامر ))(1).
ويجد الباحث ان ( بريشت ) لم يكن مؤلفاً أو كاتباً مسرحياً أو مجدداً أو منظراً وصاحب نظرية المسرح الملحمي بل انه شاعر كبير وهذه بعض النماذج من
أشعاره0يقول( بريشت): في مسرحية الاستثناء والقاعدة :
(( نحن نناشدكم على الدوام ألا تقولوا :
((هذا أمر طبيعي))
ففي زمن يسوده الاضطراب ، وتسيل فيه الدماء ويدين بالفوضى :
ويقوم العسف والطغيان فيه مقام القانون ،
وتفقد الإنسانية إنسانيتها ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2)المصدر نفسه ،ص0154
لا ينبغي لكم أن تقولوا :
((هذا أمر طبيعي ))
حتى لا يستعصي شيء على التغيير والتبديل ))(1)0
ومن أشعاره :
أريد أن أمضي مع من أحب كم سيكلفني ذلك لا أريد أن أحسب هل هو خيرٌ لي
لا أريد أن أعرف هل يحبني لا أريد أن أعرف فقط أن أمضي مع من أحب0
وصية الصباح والمساء ***
أخبرني حبيبي انه يحتاجني ومن أجل ذلك أنا أرعى نفسي جيداً أرقب خطواتي
أين تذهب وأخاف أن تسقط علي قطرة من مطر فتقتلني.
أبعث لي ورقة ***
ابعث لي بورقة شجرة من الغابة التي تبعد عن بيتك نصف ساعة أو أكثر أذهب
إذن وسوف تكون قوياً وسوف أشكرك لأجل تلك الورقة الجميلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)بريشت ، ترجمة : عبد الغفار مكاوي ، مجلة المسرح ، القاهرة ، فبراير ، 01964
لم أحبك أكثر ***
أختاه لم أحبك أكثر مما أحببتك تلك الليلة حين سرت بعيداً عنك وابتلعتني الغابة الزرقاء _ الغابة الزرقاء وفوقها نجوم الغرب الشاحبة 00لقد تركتك بلا شيء وإلا بصحبة الطيور الكبيرة وصرخاتها الجائعة في ظلمة سماء الليلة .
بدأ بريشت حياته المسرحية بتأثره بالمسرح التعبيري فكتب ثلاث مسرحيات تعبيرية هي (بعل _طبول في الليل_القائل نعم والقائل لا ) ومسرحية (طبول في لليل تنبأ بواقعية سياسية وهي ((تتحدث عن مأساة جندي عائد من الحرب يعجز عن الانصهار في مجتمعه مرة ثانية ))(1).
وبريشت حاله حال زميله بيسكاتور كان يحمل أفكاراً سياسية وهي أفكار ماركسية وكان مثل صديقه في البداية مرحباً بالحرب لكنه وصل الى نتيجة أصبح مثل زميله بيسكاتور مناهضاً للحرب حتى انه أختلف مع قادة الفكر الماركسي وأحزابه شأنه شأن زميله بيسكاتور (( وفي عام 1926بدأ بريشت يدرس الماركسية في معهد برلين العمالي ))(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د0سامي عبد الحميد ، مصدر سابق ، ص0180
(2)المصدر نفسه ،ص0180
ومن الجدير بالذكر إن (مارتن أسلن) يقول عن اعتناق (بريشت )للماركسية ((إن بريشت الذي كان يعتنق الماركسية بحماس شديد كان شديد النقد لنظرية الحزب وكان يعارض المذهب الرسمي للواقعية الاشتراكية... ))(1).
وفي عام 1926يكتشف بريشت لأول مرة اسم المسرح الملحمي ، وفي عام 1928 يهجر بريشت البناء الدرامي الأرسطي ويدخل في مرحلة بحث تقوم على فلسفة أخلاقية مستوحاة من الفكر السياسي الماركسي ، وقمة هذه المسرحيات التعليمية مسرحية (الاستثناء والقاعدة ).
والمسرح الملحمي أراده بريشت حسب (برناردورت) في كتابه (قراءة بريشت) ((هدف بريشت أن يشترك الجمهور في صراع يدور داخل مكان مغلق ولا ينتهي إلى رضى عام ، وإنما هدفه أن يبين كيف يظهر الصراع في حقيقة تبرزه من كافة الجوانب ))(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عبد الفتاح قلعه جي ، مصدر سابق ،ص066
(2)برنار دورت ، قراءة بريشت ، ترجمة : جورج الصائغ ،(دمشق : منشورات وزارة الثقافة ،1997)،ص070
كان بريشت يكتب مسرحيات سياسية متأثرة بالفكر الماركسي وهذا ما يؤكده الكاتب (بيتي نانسه فيبر) صاحب كتاب (بريتولد بريشت النظرية السياسية والممارسة الأدبية )(( كان بريشت كاتباً سياسياً على الأقل الأعمال بعد عام 1927 ومن الممكن الإعجاب بروعة سهولة لغته ولينها دون الإقرار بمعتقداته ومقاصده السياسية لكن من المستحيل فهم مسرحياته دون معرفة شكل تأثير الفكر الماركسي الذي أستمده من دراسته ومن تأثير أصدقاءه أمثال كارل كورش ))(1).
المسرح الملحمي يمزج الموسيقى بالغناء والرقص والأسكتشات الفكاهية والتعليق النقدي اللاذع على الواقع الاجتماعي والسياسي وهو مسرح يحقق المتعة ويثير الفكر يجدد عيون المتفرج فيدفعه للتفكير لأنه يرى المألوف غريباً .
إن كتاب ((الاورجانون الصغير ) هو نظرية (بريتولد بريشت )في المسرح الملحمي))(2)0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)بيتر نانسه فيبر وهيوبرت هالين ، برتولد بريشت النظرية السياسية والممارسة الأدبية ،ترجمة: كامل يوسف حسين ،ط1،
(بغداد : وزارة الثقافة والأعلام ،1986)،ص031
(2)برتولد بريشت ، الاورجانون الصغير ، ترجمة : فاروق عبد الوهاب ،(الشارقة : هلا للنشر والتوزيع ،د0ت )ص08
وان نظرية المسرح الملحمي التي جاء بها بريشت تحمل أفكاراً وأيديلوجيات تختلف عن ما جاء به سابقوه من مؤلفين وحتى ناقض (أرسطو)وسمى مسرحه بالمسرح الدرامي أو الأرسطي وهذا ما يؤكده (بيتي نانسه فيبر)في كتابه (برتولد بريشت النظرية السياسية والممارسة الأدبية )(( إن ممارسة بريشت لتحطيم الايديولوجيا والفكر التدخلي تعد تطبيقاً لمبدأ كورش الخاص بنقد الايديولوجيا والعمل الفكري ، وهكذا نظر كل من (كورش*) وبريشت إلى العمل الفكري وكذلك النظرية الجمالية بوصفهما لحظات في الممارسة الثورية جنباً إلى جنب مع العمل الاقتصادي والسياسي ))(1).
إن الملحمية في مسرح (بريشت ) كان يحب أن يسميها جدلية نسبة الى (هيجل*) الفيلسوف الألماني صاحب نظرية الجدل وكانت داخل هذه الملحمية فيها صفة التغريب والتغريب حسب بريشت تخليص الحادثة من كل ما هو بديهي أو مألوف وإثارة الدهشة والفضول على الحادثة نفسها ووضع المتناقضات امام بعض للوصول
الى حالة من الوعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كارل كورش * (1886_ 1961) هو منظر ماركسي الماني انظم الى الحزب الشيوعي الالماني وشارك في الاحداث الثورية
في المانيا أوائل العشرينات وكان وزير العدل في الحكومة الاقليمية في ثورينغن عام 1923، وبعد هزيمة الثورة الالمانية
عكف على دراسة أسباب الهزيمة ، وأصدر عام 1923كتاب (الماركسية والفلسفة )الذي يعد خروجاً عن الفلسفة الماركسية 0
(2)بيتي نانسه فيبر ، المصدر نفسه ، ص050
هيجل *نشأ من أسرة ترجع إلى أصول نمساوية ، ولد سنة 1770م وتناول فكره الفلسفي فلسفة التاريخ وتاريخ الفلسفة
وفلسفة الدين وعلم الجمال ، ويتألف مذهبه الفلسفي من ثلاثة معاني رئيسة(الفكرة ،الطبيعة ،الروح ).
والتغريب كما يرى (عبد الفتاح قلعة جي ) في كتابه (المسرح الحديث) هو (( الخروج من البديهية إلى التاريخية وأن يكون المتفرج معطل التفكير مستلباً وفي أقصى درجات التوتر النفسي وفي أقصى درجات اليقظة والمراقبة وإبداء الرأي وما هو على الخشبة ظاهرة اجتماعية تتطلب من المتفرج إرادة التنبه والتفكير لوعيها ودراستها ، ان مهمة المسرح تنحصر في احضار الظاهرة الاجتماعية أو السياسية إلى خشبة المسرح ونزع البديهي منها وإثارة الاندهاش والفضول حولها بغية فهمها ومساعدة المتفرج على اتخاذ موقف ثوري منها ، ومن الخطأ عد التغريب مسألة شكلية ، انه وسيلة لتعميق الوعي وتنشيط مواقف الجمهور الثورية تجاه العالم ، وتطبيق التغريب ليس مقتصراً على السائد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إنما على الأشخاص والمواقف أيضاً، فالتغريب يتحقق في أسلوب الأداء التمثيلي وفي النص المكتوب وفي عناصر التنفيذ الأخرى))(1).
وكان بريشت مستلهماً مصادره من المسرح الشرقي ولاسيما المسرح الصيني والياباني ، وتأثر بريشت بمسرح النو الياباني وقد أعجبته المسرحيات اليابانية لأنها تقدم في حيز خالٍ من المناظر المسرحية وأداء الممثل فيها مؤسلباً ووجهه خال من أي تعبير وقطع الديكور قليلة ولها دلالات مباشرة وهذه المسرحيات تتميز بالبساطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عبد الفتاح قلعة جي ، مصدر سابق ، من ص 73_ص74.
وترى (د.نهاد صليحة) في كتابها (المسرح بين الفن والفكر) في معرض حديثها عن نظرية (بريشت ) (( إن نظرية بريشت الماركسية قامت على مبدأ هدم الايديولوجيا السائدة والدعوة لايديولوجيا جديدة ، وأصرت أن يشارك المتفرج ايجابياً في العرض لإيقاظه نحو الفعل الثوري بهدف التغيير ، وأستن بريشت مجموعة من القواعد الفنية في العرض من( ديكور وأسلوب تمثيل وشكل درامي ) هدفها هدم الإيهام والتعاطف الأرسطي وإثارة وعي المتفرج لتغيير واقعه تغيرا جذرياً شاملاً ، فكان فيلسوفاً للمسرح خلق نظرية فكرية متكاملة تغطي أوجه العرض سواء من ناحية النص أو التمثيل أو الديكور أو الأغاني والموسيقى ، وأفرز مسرحه الملحمي فروعاً كثيرة ً مثل المسرح الفقير في أمريكا اللاتينية والمسرح الوثائقي في أوروبا والمسرح البديل في انكلترا وأمريكا ))(1).
إن بريشت استخدم نهج جديد في مسرحياته الملحمية للوصول إلى الصياغات المسرحية الملحمية وهذا ما يؤكده (سعد أردش ) في كتابه (المخرج في المسرح المعاصر) بأن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د0نهاد صليحة ، المسرح بين الفن والفكر ،(بغداد : القاهرة ،مشروع النشر المشترك ،1985)،ص94_ص095
((بريشت ربط المسرح بالقضايا السياسية والاقتصادية وجعل بريشت يراعي في مسرحياته الملحمية بتغذيتها بالشعر وهذا ما نسميه المصالحة بين العلم والفن في الصياغة المسرحية الملحمية))(1).
وفي عام 1947في الولايات المتحدة تبدأ مرحلة النضج السياسي الحقيقي فيكتب مسرحياته الملحمية الطويلة دائرة الطباشير القوقازية والأم شجاعة والأم عن قصة ل(مكسيم غوركي) ومغامرات الجندي البطل شفايك في الحرب العالمية الثانية ومسرحية أنتيجونا عن (سوفوكليس) والقديسة جو ل(شو ).
ويرى (سعد أردش ) في كتابه (المخرج في المسرح المعاصر )أن هناك اختلاف بين هدف بيسكاتور وهدف بريشت ((فهدف بيسكاتور ايقاظ النبض السياسي عند الجماهير بينما بريشت يثور الجماهير من خلال تعليمها وتوعيتها وكشف الحقائق المستفادة من الواقع ومن التاريخ لا بقصد الخروج بحكمة من هذه الحقائق بل بقصد استفزازها للثورة على الواقع المفروض والتصدي عملياً لتغيير هذا الواقع ))(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)سعد أردش ، مصدر سابق ، ص0209
(2)المصدر نفسه ، ص0211
ويجد د(0سامي عبد الحميد )في كتابة (ابتكارات المسرحيين في القرن العشرين ) أن هناك ((أختلافاً بين بيسكاتور وبريشت 1_ كان بيسكاتور يبتغي تاريخية لموضوعاته وجعل
أعماله معاصرة مثلاً (عاصفة على غوتلاند ) فليس هناك فرق بين صياد من القرون الوسطى وثائر روسي حديث وهذا على خلاف مع بريشت.
2_ أراد بيسكاتور أن يشمل المتفرجين عاطفياً ، بينما بريشت أبعدهم عن العاطفة.
3_ كان بيسكاتور يستخدم الوسائط والمسطحات الهندسية والصور المنعكسة بينما مسرح بريشت أبسط من مسرح بيسكاتور 0
4_ مسرح بيسكاتور مسرح مخرج بينما مسرح بريشت مسرح مؤلف مسرحي))(1).
ويجد الباحث إن الملحمية التي استخدمها بريشت في مسرحياته وفي نظريته (المسرح الملحمي ) تعود في أصولها الى الملاحم في بلاد اليونان والشرق القديم أي إلى ملحمة الإلياذة والأوديسة عند اليونان وملحمة الخلود عند جلجامش أو حرب بولوف الضروس مع التنين في ملحمة بولوف أو ملحمة المهابهاراتا والرامايانا الهنديتين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)د0سامي عبد الحميد ، مصدر سابق ، ص178_ص0179
آمن بريشت بأن الإنسان ضحية القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية وهذا ما أكده (شكيب خوري ) في كتابه ( الكتابة وآلية التحليل ) (( ان مسرح بريشت يبتعد فيه المتفرج عن العناصر التخديرية والإيهام والتعاطف ، وان الإنسان العادي ضحية القوى السياسية0
والمدنية والعسكرية والطغيان الاقتصادي ومنذ عام 1949عندما عاد من المنفى كرس أعماله لمسرح سياسي تعليمي وكان المسرح الملحمي بديل عقلاني عن سحر المسرح القديم الذي خدر المشاهد ، وأراد مسرحياته شحنة _ تحريض _ أمل _ دواء تطهر الإنسان العادي من سموم المسارح التي تجنبت ولقرون محاسبة الفساد وسلطان الطغيان ، وكانت عروضه دعوات تحريض على الأوضاع اللاإنسانية وفضح الظلم ويدعو المشاهد إلى مناقشة أوضاعه واتخاذ القرار لينتقل من حالة سلبية إلى طاقة ايجابية فاعلة ومغيرة على الصعيدين السياسي والاجتماعي ))(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شكيب خوري ، الكتابة وآلية التحليل ، ط1 ، (بيروت : بيسان للنشر والتوزيع ، 2008)، ص214،ص215،ص0217
1 _ مسرحية الأم 1930
إن السمات العلمية فقد توضحت في أجلى صورها في مسرحية ( الام ) المقتبسة عن رواية لـ (غوركي ) ، وهي مسرحية تعليمية أعدها عن قصة ل (مكسيم غوركي) بطولة زوجته (هيلينا فايكل ).
2 _ مسرحية دائرة الطباشير القوقازية 1933
((المسرحية في خمسة فصول عنوان الأول الطفل النبيل والثاني الفرار إلى الجبال الشمال والثالث في جبال الشمال والرابع حكاية القاضي والخامس دائرة الطباشير وهذه التقسيمات تخدم الهدف الأساسي للراوي لتوصيل مسألة أساسية التي طرحها ( بريشت ) على مستويين الأول في امتلاك الأرض على وفق المبدأ القائل ( الأرض لمن يزرعها ) والثاني (الأمومة لمن يرعاها ويؤدي واجبها من غير رابطة دم ) فطالب القاضي أن ترسم دائرة من الطباشير ويوضع الطفل في المنتصف والوالدتين تقومان بسحب الطفل والتي تجرها إليها هي الأم فحكم القاضي (ازداك ) لصالح الخادمة ( جروشا ) التي تبنت الطفل ورعته بينما أمه الحقيقية هربت أثناء حصول الثورة وقتل زوجها في إحدى المدن ، وتبدأ المسرحية بنزاع
فلاحين حول الحقل فيفصل في هذا الأمر لزارعي الحقل لأنهم الأكفأ على صعيد الإنتاج ،
وهنا تظهر ايديولوجيا الماركسية ل بريشت من خلال الصراع الاجتماعي للعامل الاقتصادي ونظام الملكية الذي تبناه بريشت ما بين حضانة الطفل وصراع الفلاحين على الأرض 0وتتضمن المسرحية قسمين : الأول هروب الخادمة (جروشا) من الجنود والثاني وصول (ازداك ) إلى منصب القضاء وأحكامه التي لا تتطابق مع القانون إن بريشت تهيمن عليه فكرة الحرب وأدب الحرب التي هي أحد أركان المسرح السياسي وهذه الفكرة أي فكرة الحرب بسبب دراسته للطب والخدمة في المستشفيات العسكرية خلال الحرب.
وشخصية (جروشا ) تبين حق الأم في تبني الطفل من أجل بناء مجتمع سليم وهي تلاقي لانتقاد من زوجة أخيها في طلبها بأن تترك الطفل وهي متمسكة فيه لحد النهاية))(1) المسرحية فيها تقنية المسرح داخل مسرح التي ترجع أصولها إلى الكاتب الايطالي(( لويجي بيراندللو ) الذي أستخدمها كثيراً في مسرحياته مثل مسرحية (ست شخصيات تبحث عن
مؤلف ) و ( الليلة نرتجل ) و (كل شيخ له طريقة ) وهذه التقنية أي المسرح داخل مسرح ترجع إلى مسرحية ( هاملت ) ل (شكسبير ) و( كالديرون ) في مسرحية (الحياة حلم )) (1).
وفي (دائرة الطباشير القوقازية ) حيث يقوم أحد أعضاء الجمعيات التعاونية الزراعية بتمثيل قصة الملكة التي فقدت ابنها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر : بريشت ، مسرحية : دائرة الطباشير القوقازية ، ترجمة : عبد الرحمن بدوي ،( القاهرة : الدار القومية للطباعة والنشر،
سلسلة روائع المسرح العالمي ، 1965)0
3_ مسرحية الاستثناء والقاعدة 1934
إن مسرحية (القرار) و( الاستثناء والقاعدة ) هما عملين تدريبيين مدرسيين يحملان عناصر أساسية من المسرح الدعائي التحريضي.
إن الشخصية الرئيسة في مسرحيته التعليمية والسياسية هي شخصية التاجر القاتل والمسرحية هذه قبل النازية لفضح السياسات الرجعية والتنبيه من خطر مجيء الفاشية والحديث عن الصراعات الطبقية وأن الفكر الاشتراكي هو الحل .
التاجر هو (كارل لونجمان ) يذهبان هو والحمال في رحلة والحمال يعطش فيشرب
الماء من الجرة وإذا يتخيل التاجر بأن الحمال يحمل حجراً لقتله فيمسك بالمسدس ويقتل الحمال ويرديه وترفع قضية للمحكمة وترفع زوجة الحمال دعوة قضائية فيبرر التاجر بأنه فعل ذلك دفاعاً عن النفس ، إن النظام له قوة قانون وهذه هي القاعدة القوية التي تدير كل اللعبة والاستثناء الذي تبتكره أنت على قاعدتهم تكون أنت خاسر لا محالة ، هذا هو المنطق التعليمي التحريضي الذي يوضح أن الحمال هو الشعب الألماني الخاضع للطبقات التي تتحكم به أما التاجر هو النموذج للنازي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ماري الياس ود0حنان القصاب ، المعجم المسرحي ، ط2 ،(بيروت : مكتبة لبنان :2006) ، ص0346
4 _ مسرحية حياة غاليلي 1934
الشخصية الرئيسة هو (غاليلي ) هو مؤسس الفيزياء الحديثة كعالم ويتخاذل أمام محاكم التفتيش ، لكنه يتابع عمله للتخلص من قوة الدكتاتورية وهو ينوي الوصول إلى الحقيقة وترويجها ، وفي المسرحية أدرك ( بريشت ) مدى خطر العلم إذا أستمر بمعزل عن التطور الاجتماعي. وهذه المسرحية منع عرضها في أمريكا ويقرر ترك أمريكا بسبب هذه المسرحية وغيرها من المسرحيات التي ينتقد فيها سياسياً واجتماعياً الأوضاع التي تعيشها تلك الدولة.
كان بريشت يقصد من هذه المسرحية الاشارة الى ((طغيان وديكتاتورية هتلر وما كان يستخدمه من عداء ووحشية وقتل ضد العلماء والادباء حيث كان يستخدم سياسة القتل مع أي أحد حتى لو كان بختاف معه بالرأي أو القول))(1) 0
5 _ الأم شجاعة وأولادها أو الأم كورج وأبناؤها 1939
وهي مسرحية ملحمية سياسية ، فيها شخصية الأم مع أولادها الثلاثة( ايليف) الأكبر و(جورج )الطيب وابنتها (كاترينا )الخرساء ولها عربة تبيع بها الغذاء على الجنود يموت الحصان فيجر الأولاد العربة وتنصح أبنائها الثلاثة فتنصح (ايليف ) أن يبتعد عن القسوة وتنصح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بنيحيى علي عزاوي، فن المسرح والانسان الحديث،(بغداد:دارميزوبوتاميا،2014)،ص079
(جورج) أن يبتعد عن الطيبة وتنصح (كاترينا ) أن لا تكون حنونة ف( ايليف) ينظم إلى الجيش ويتهم بالخيانة ويعدم و(جورج) يسرق صندوق المال فيعدم أما ( كاترينا ) تستمر في قرع الطبول ويلقى عليها قذيفة وتقتل أما الأم تبقى تبيع الغذاء وهي غير مهتمة بما يجري لها ولأولادها ، فأن الشجاعة في نظرها في الاستمرار بالزراعة والبناء وإنجاب الأطفال في زمن
الحرب وهذه المسرحية تنتمي إلى أدب الحرب وهي جزء من المسرح السياسي.
وفي النهاية من المسرحيات السياسية التي تنتمي إلى أدب الحرب0
6 _ مغامرات الجندي شفايك في الحرب العالمية الثانية عام 1942
وهي تحكي قصة جندي عائد من الحرب يعجز عن الانصهار في مجتمعه ويرى زملاءه قد انخرطوا في المجتمع ومارسوا حياتهم الطبيعية .
إن بريشت استفاد من المسرح الياباني والصيني والهندي والملهاة اليونانية واستخدام العنصر السردي الحكائي وتطوير تقنيات العرض في الديكور والإضاءة والموسيقى فطالب أن يكون الديكور شكلياً وبسيطاً والإضاءة قوية وواضحة للمشاهد وفرقة الموسيقى تظهر أمام الجمهور وهدم الجدار الرابع أن يجري تبديل المشاهد أمام الجمهور.
إذا كان المسرح السياسي عند كل من بيسكاتور وبريشت يعد استجابة تلقائية من رجل المسرح لأحداث ما بين الحربين وبوجه خاص للأحداث التي مهدت الطريق للحرب العالمية الثانية الفاشية الايطالية والنازية الألمانية فقد تجاوز مسرح بريشت هذا الهدف واستشراف التناقضات الأساسية بين رأس المال والإنسان ويحتضن قضية الاستعمار بالمعنى الواسع قديمه وحديثه ))(1).
إن السياسة لدى (بريشت ) مكاناً شاغراً ومشهداً فارغاً يتم فيه التبادل الاقتصادي الايديولوجي (( إن السياسة التي يشير إليها بريشت على أنها مكان القرار تظل لديه مكاناً شاغراً ، إن السياسة تبدو لديه بصورة أكثر جذرية على أنها أمر غير مفكر فيه ومجرد مكان للتناقض ومشهد فارغ يتم فيه التبادل الاقتصادي والايديولوجي والعلم والأخلاق والمحبة الفردية والعدالة الطبقية ))(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سعد أردش ، مصدر سابق ، ص0218
(2)جاك رانسير، سياسة الادب ، ترجمة : سهيل أبو فخر ،(دمشق : وزارة الثقافة ،2011)،من ص124_ص0125
إن سبب الانهيار المسرح السياسي عند بيسكاتور و بريشت والعالم عموماً يرجع لأسباب سياسية ، حيث ازدياد الوعي السياسي قد اصطدم بتنامي الرجعية السياسية في ألمانيا ، ومن ثمة أزمة في ميدان علم الجمال .
اضطر بريشت عام 1933 إلى مغادرة ألمانيا بسبب ورود أسمه في اللائحة السوداء التي وضعها النازيون فغادر إلى الدنمارك إلى عام 1939ثم إلى السويد إلى عام 1940ثم إلى
فلندة حتى عام 1941ثم إلى الاتحاد السوفيتي والى الولايات المتحدة الأمريكية في كاليفورنيا في مرحلة المنفى ناضل ضد الفاشية الهتلرية مستخدماً المسرح والسينما والإذاعة والصحافة ومنابر الخطابة في عام 1947غادر الولايات المتحدة الأمريكية عبر سويسرا إلى برلين وأسس فرقة (مسرح البرلينر انسامبل )عام 01949
ويبقى بريشت واحداً من كبار كتاب المسرح ومنظريه في القرن العشرين بل حتى في تاريخ المسرح ككل.أما المسرح في أمريكا فقد تأثر بطبيعة الحال بالمسرح السياسي وذلك نظراً لوجود أهم وأكبر أثنين من زعامات المسرح السياسي في العالم ألا وهم (أيرفن بيسكاتور)و (بريتولد بريشت ).