أختيار لغة الموقع
أخبار مسرحية
آخر المنشورات في صور
الخميس، 18 يوليو 2019
التنمية المعاصرة ترخي بظلالها على مسرح خيال الظلّ في الصين بعد ألفي سنة
مجلة الفنون المسرحية
التنمية المعاصرة ترخي بظلالها على مسرح خيال الظلّ في الصين بعد ألفي سنة
يشكّل سلفًا لفنّ السينما الذي يُشار إليه بـ "ظلّ كهربائي"
التنمية المعاصرة ترخي بظلالها على مسرح خيال الظلّ في الصين بعد ألفي سنة
يشكّل سلفًا لفنّ السينما الذي يُشار إليه بـ "ظلّ كهربائي"
لا يزال مسرح خيال الظلّ يجذب الكبار والصغار في الصين بعد أكثر من ألفي سنة على انطلاقه، غير أن تحوّلات المجتمع المعاصر ترخي بظلالها على هذا الفنّ المسرحي.على شاشة شفّافة، يواجه طفل ابن الملك التنين مصوّباً رماحه في اتجاهه، في مشهد يثير حماسة التلامذة الذين يتتبّعون مجرياته في قاعة الدراسة في إحدى مدارس بكين، ويتحكّم به فنانون من خلف الشاشة يحرّكون الشخصيات الصغيرة بواسطة عيدان.ولا تزال قصص مسرح خيال الظلّ في الصين تتمحور حول الأساطير الشعبية، وما زالت مسرحياته تحقق نجاحاً كبيراً في الريف، لكنها لم تعد تلقى إقبالاً شديداً في المدن الكبرى في العقود الأخيرة.اقرأ أيضا:إضافة 8 مبان أميركية إلى قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي وشهد مسرح خيال الظلّ الذي يعود إلى أكثر من ألفي سنة عصره الذهبي حتّى الستينات. وتأثّر بشدة بـ "الثورة الثقافية"، قبل أن يشهد نهضة في مطلع الثمانينات. وهو مدرج منذ العام 2011 في قائمة التراث الثقافي غير المادي للـ "يونيسكو".وفي نظر الصينيين، يشكّل هذا المسرح سلفاً لفنّ السينما الذي يشار إليه باللغة الصينية بكلمة "ظلّ كهربائي".غير أن موجات التحديث المتسارعة في البلاد، تلقي بظلالها على هذا المسرح، الذي لم يعد وحده وسيلة الترفيه المفضّلة في ليالي الشتاء الطويلة، في ظلّ انتشار السينما والتلفزيون وألعاب الفيديو. وباتت مسرحيات الدمى المتحركة تفقد جمهورها وفرق المسرح تخسر مصدر رزقها.يمسح لو باوغانغ، وهو آخر فناني الدمى المتحركة من الجيل القديم، العرق عن جبينه بعد عرض مسرحي. شهد باوغانغ على التحولات التي طرأت على هذا الفنّ المسرحي الذي ورثه أبا عن جدّ في عائلة ابتكرت أحد أبرز التيارات في مسرح خيال الظلّ في بكين.وأكثر ما يخشاه هذا الرجل البالغ من العمر 55 عاما هو ألا يجد من يكمل مشواره. ويقول بأسف: "لا يمكننا أن نقدّم ظروف عيش لائقة للشباب المتدربين".صحيح أن مسرح خيال الظلّ لم يعد يجذب الشباب، إلا أن فرقة خاصة جدّا تشكّلت في ضواحي بكين تجمع نحو 60 فناناً متوسّط أعمارهم 22 عاماً وطول قامتهم 1,26 متراً، كما يعرّفون عن أنفسهم.ومن بين أعضائها، جين تشينتشون الذي جدّ للعثور على عمل وانتقل إلى بكين قبل سنوات للانضمام إلى الفرقة التي اكتشف وجودها عبر الانترنت.ويقول الشاب لوكالة "فرانس برس": "يسعدني كثيراً أن أصقل قطعاً بالية من الجلد لأصنع منها دمى متحركة جميلة. هي بمثابة أولادي".أسست وانغ تشي، فنانة الدمى المتحركة، هذه الفرقة مع زوجها في عام 2008 إثر لقاء مع الجمعية الوطنية للأقزام.وهي تعتزّ جدّا بهذا التعاون وتقول: "كان يصعب عليهم إيجاد وظيفة. أما نحن، فكان يصعب علينا أن نجد من يخلفنا".وباتت الفرقة تقدّم اليوم عروضا مسرحية بانتظام في المدارس.غير أن وانغ تشي لا تخفي قلقها على مستقبل هذه المهنة وتول: "معلّمونا تخطّوا جميعاً الثمانين من العمر وسيتعذّر عليهم الاستمرار في هذا المجال بعد عشر سنوات".وبالنسبة إلى لو باوغانغ، يرتدي دعم الدولة أهمية كبرى. وهو يقول إن "الحكومة تدرك أهمية الثقافة التقليدية. ونحن في أمسّ الحاجة إلى تدابير ملموسة. ولا مستقبل لهذا الفنّ إن لم نزرع الأمل في نفوس الشباب".
---------------------------------------
المصدر : العرب اليوم
الأربعاء، 17 يوليو 2019
مهرجان الصعيد المسرحي يفتح باب التقدم لمشاركة الفرق الحرة في دورته الرابعة بأسيوط
مجلة الفنون المسرحية
مهرجان الصعيد المسرحي يفتح باب التقدم لمشاركة الفرق الحرة في دورته الرابعة بأسيوط
مهرجان الصعيد المسرحي يفتح باب التقدم لمشاركة الفرق الحرة في دورته الرابعة بأسيوط
احمد مصطفى
أعلنت جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين عن فتح باب التقدم للمشاركة في مهرجان الصعيد المسرحي للفرق الحرة في دورته الرابعة والمقرر أن تنعقد بمحافظة أسيوط خلال الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر القادم، جاء ذلك في بيان صادر مساء أمس من الجمعية الذي اوضح أن مهرجان الصعيد المسرحي هو نشاط سنوي تتبناه الجمعية بهدف القاء الضوء على ثقافة الجنوب والعمل على إثراء الحركة المسرحية والثقافية في الصعيد بالإضافة إلى خلق بيئة داعمة للإبداع فضلاً عن اكتشاف المواهب الواعدة في المسرح من أبناء الصعيد.
تقول نوران فايد مدير جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين إن جميع فرق المسرح الحر من محافظات الصعيد مدعوة للتقدم برغبة المشاركة خلال الفترة من منتصف يوليو وحتى الأول من أغسطس القادم، بينما تقوم لجان مشاهدة المهرجان بزيارة مختلف محافظات الصعيد لمشاهدة عروض الفرق المسرحية داخل محافظاتها ويعقب هذه المرحلة اختيار أفضل العروض للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، وستقوم جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين بمنح العروض المشاركة دعماً مالياً لإنتاج العروض المسرحية ومشاركتها في شهر أكتوبر، كما ستتحمل إدارة المهرجان نفقات الاقامة والانتقالات للفرق المسرحية المشاركة.
الجدير بالذكر أن الدورة الثالثة من المهرجان عقدت في شهر أكتوبر من العام الماضي وحملت اسم الكاتب المسرحي الراحل نعمان عاشور، وتسلم نجله سعد نعمان عاشور درع المهرجان تكريمًا لجهود الاستاذ نعمان عاشور في اثراء الحركة المسرحية في مصر والوطن العربي، كما تم تكريم الكاتب المسرحي درويش الأسيوطي تقديرًا لمجهوداته ودوره في الحركة الثقافية بالصعيد، وتضمنت فعالياتها 8 عروض مسرحية و6 ندوات فنية ونقدية وورش تدريبية في مجالي التأليف والإخراج المسرحي.
كيف أصبح وليام شكسبير الخاصية المُشتركة للأدب الألماني؟
مجلة الفنون المسرحية
كيف أصبح وليام شكسبير الخاصية المُشتركة للأدب الألماني؟
ترجمة عن الألمانية: بشار الزبيدي
لم يؤثر شاعر آخر مثل تأثير ويليام شكسبير (1564-1616) الحاسم على الأدب الألماني. ولذا يُمكن القول بأن العلاقة بين شكسبير وألمانيا علاقة تتمتع بالخصوصية. منذ حوالي 250 عامًا اكتشف الألمان الكاتِب المسرحي الإنجليزي العظيم ومنذ ذلك الحين ابتكروا صورة شكسبير الخاصة بهم. فقد استحوذ الأدب الألماني على شكسبير بطريقة ما منذ عام 1770من قبل الكُتاب المسرحيين والرومانسيين لحركة العاصفة والاندفاع منهم جورج بوشنر وكريستيان وديتريش غرابه، انتقالاً إلى كتاب القرن العشرين مثل برتولت بريشت أو هاينر مولر.
كيف حدث هذا الاكتشاف أو “اختطاف الشاعر الإنجليزي” ، كما يُسميه مُترجم شكسبير الألماني فرانك غونتر في كتابه الأخير (شكسبيرنا)؟ كان اسم شكسبير مجهولًا تمامًا في ألمانيا حتى بعد 100 عام من وفاتهِ وكانت مراحل المسرح الألماني في العديدِ من الدويلاتِ الصغيرةِ تعتمد على المسرحيات الفرنسية. حتى أن يوهان كريستوف غوتشيد فضل الدراما الكلاسيكية التي قدمها الفرنسيون على “المسرح القومي الألماني”. لقد عارض غوتفريد إبرام ليسينغ بوضوح الكلاسيكية الفرنسية ورفع اسم شكسبير كنجم مسرحي جديد وقالَ: ” لو تُرجمت روائع شكسبير مع بعض التغييرات المتواضعة إلى الألمانية فأنا مُتأكد ستكون نتائِجُها أفضل من تلك الأعمال المسرحية الذائعة الصيت لبيير كورني وجان راسين. ” ويرى ليسنغ أن شكسبير شخص عبقري وشاعر من الرتبة الأدبية العالمية وبهذا يجب أن يكون النموذج الأدبي للبرجوازية الألمانية الطموحة.
كان شعراء حركة (العاصفة والاندفاع) مُتحمسين جدًا لشكسبير من بينُهم الشاب يوهان فولفغانغ غوته. ففي كلمته التي ألقاها في عام 1771 لمناسبة يوم شكسبير قالَ: “ليس هُناك ما يُضاهي طبيعة شخصيات شكسبير” وفي أعقاب هذا الحماس وهذه الحركة نشأت الترجمات الأولى. فقد نقلَ كريستوف مارتن فيلاند بين 1761- 1766 ما مجموعه 22 مسرحية لشكسبير والتي ظهرت تحت عنوان (الأعمال المسرحية). كان هذا أول نقل مُهم لأعمالِ البريطانيين العُظماء إلى اللغةِ الألمانية. وكان يُعتبر إنجاز ريادي لأن فيلاند لم يكُن لديه نقص في المهاراتِ اللغوية فحسب, بل كان أيضًا يفتقر لنماذجٍ موثوقةٍ وقواميس مُناسبة وأدوات لغوية مُساعدة. وباستثناءِ (حُلم ليلة منتصف الصيف) ترجمَ فيلاند مسرحيات شكسبير بشكل نثري وأحيانًا يجمع كل المشاهد ويُترجم مضمونها. بالإضافةِ إلى ذلك قام بشطبِ التعبيرات الخشنة و “المُثيرة للاشمئزاز” من النص الأصلي. وعلى الرغم من هذا النقص في الإخلاصِ فإن ترجمات فيلاند كانت مُتجانسة مع نموذج الأدوار الكبيرة وكان لها تأثيرٍ كبير على دراما حركة العاصفة والاندفاع التي كُتبت أيضًا بأسلوبٍ نثري (بما في ذلك الدراما المبكرة للأديبان غوته وشيلر).
تمكن المُؤرخ الأدبي يوهان يواخيم إيشينبورغ من تطويرِ أدوات أفضل في مكتبةِ فولفنبوتلر وقامَ لاحقًا بتصحيحِ ومواصلةِ تَرجمات فيلاند لأعمالِ شكسبير (13 مُجلدًا 1775/1782). ونقل شعراء آخرون خلال هذا الوقت قُطع شكسبير الفردية فقام مثلاً ياكوب ميخائيل راينهولد لينتس بنقل عمل (كوريولان 1775) أو نقل غوتفريد أوغست بورغر لمسرحيةِ (ماكبث 1783).
وهكذا وصل اسم شكسبير إلى ألمانيا لكن كانت لا تزال الترجمات تفتقر إلى ايقاعها وقافيتُها الأصلية. كانت هذه الخطوة مُخصصة للشاب أوغست فيلهلم شليغل الذي كرس دراسته سلفاً لمسرحياتِ شكسبير كطالب في جامعة غوتنغن. ثم درس علم اللاهوت قبل أن يتحول إلى دراسة فُقه اللغة الكلاسيكية حيث كان غوتفريد أوغست بورغر أحد مُحاضريه الخاصين. تناول كلاهما (بورغر كمدرس ذي خبرة وشليغل كطالب له) في شتاءِ 1788-1789 ترجمة عمل شكسبير (حُلم في منتصف الصيف). ربما كانت حصة بورغر في الترجمة صغيرة إلى حد ما لكنها تحمل بوضوح توقيع مبادئ الترجمة (الإخلاص والصدق والشعبية والكمال). اتبع شليغل بشكلٍ جميل هذا المبدأ وقدم “ترجمة ألمانية مفهومة “. لقد ترجم الشعر المرسل الأصلي على شكلِ أسطار خماسية مترية بينما ترجم الحوارات المقفاة ألى نظام “إسكندرينة” (ابيات شعر سداسية التفاعل).
انقطع شليغل في صيف عام 1791 عن العملِ مع بورغر بسبب انتهاء إقامته في جامعة غوتنغن. وعمل خلال السنوات الأربع التالية مُدرسًا في بيت تجاري في أحد متاجر أمستردام التجارية الفخمة حيث كان لديه القليل من الوقت لأعماله الأدبية. كانت تربطه مراسلات مع (فريدريش شيلر) حيث عَملَ على تقديمِ النقدِ والمُراجعات في مجلة “Die Horen” وأعلن في عامِ 1796 عن نشرِ تراجمه الخاصة بأعمال شكسبير. وبعد مُغادرة شليغل لأمستردام تم تعيينه برغبة من شيلر كأستاذ خاص في مدينة (يـنا)،حيث عمل مع مجموعة صغيرة من الأكاديميين الشباب بين اعوام 1796- 1801/1802 وهم يوهان غوتليب فيشته وإلاخوين اوغوست فيلهلم شليغل وفريدريش شليغل وزوجتيهما كارولين ودوروتيا ( وفي وقت لاحق أيضا لودفيج تيك ونوفاليس) وتشكلت بما يُسمى “رابطة يـنا” – وتُسمى أيضا “المدرسة الرومانسية”.
لقد تأثر شليغل كثيراً بجوهان غوتفريد هيردر في يـنا مما أثر أيضًا على أسلوبه في الترجمة, فلم يعد نقل النص حرفياً من أولوياته بل اتجه للنقل الشعري التقليدي. كانت دراما شكسبير كائنًا فنيًا حياً بالنسبة لشليغل ،حاول اختراقه لرؤية ما في داخله من شعر وإيقاع موسيقي. وكتب يومها لشيلر: ” أتأمل أحياناً لساعات طويله في بيت شعري واحد”. أتاحت الترجمة لشليغل فرصة أن يفرض نفسه عن طريق ترجمة الشعر الأصلي. نشر مبادئه الجديدة في مقالتين لمجلة (هورن Horen) فيهما: “شيء عن ويليام شكسبير لمناسبة رواية فيلهلم مايستر (1796) وكتب أيضاً عن قصة روميو وجوليت لشكسبير (1797). وكانت المقالتين المنشورتين تحتويان على برنامج مشروعه الترجمي المخطط له مع دافع وضح فيه: “إذا كان من الممكن استنساخ النص بأمانة وشاعرية وإتباع حسية الحروف خطوة بخطوة إضافة إلى جزء من الجماليات التي لا تُحصى والغير موصوفة وموجودة في الحروف المكتوبة والتي تحوم فوق الحروف مثل نفحة روحية!, فيمكن عندها اعتبار هذا الأمر محاولة للترجمة. ” وبهذا أتخذ شليغل نوعاً ما خياراً مجهولاً. فهل سيكون على مستوى المهمة؟
ترجم شليغل مابين 1797- 1801 وبمجهود هائل أربعة عشر دراما لشكسبير والتي ظهرت في ثمانية مُجلدات في دارِ نشر يوهان فريدريش انغر. نشر في المجلدِ الأول قُصة روميو وجولييت ومسرحية حُلم ليلة منتصف الصيف التي شَرعَ بترجمتِها في غوتنغن مع أستاذهِ غوتفريد أوغست بورغر. وفي تتابع سريع ظهرت المُجلدات الأخرى. إلى جانب ذلك ساهمت كارولين زوجة شليغل بشكل كبير في التراجم حيث قامت بتهيئة نسخها للطباعة. إلى أي مدى أجرت تصحيحات وتغييرات صغيرة في التراجم؟ ما زال هذا الموضوع يُناقش على نطاقٍ واسعٍ بين عُلماء الأدب. ونظرًا لأن شليغل (المُسمى بــ (المُدقق الصادق), لم يستطع وهو في يـنا مُراقبة عملية الطباعة في برلين, جائت الطبعة الأولى لكتابهِ مُثقلة بالأخطاءِ والعيوبِ. وعندما ذهب شليغل لاحقاً إلى برلين في نهاية عام 1800 ،نشأ نزاع بينه وبين الناشر اونغر عام 1801 بسبب إصدار للكاتب نوفاليس مما أدى إلى توقف مشروع شكسبير الخاص به وأيضًا انفصاله عن زوجته في عام 1803. قبل أن ينشر المجلد 9.1 الخاص بمسرحية ( ريتشارد الثالث) في عام 1810.
وبعد مُضي ثلاثة عقود على تراجم فيلاند تحسنت الشروط الأساسية في تراجم شليغل- لأعمال شكسبير بشكلٍ كبير. وظهرت في هذه الأثناء نسخة رئيسية مشروحة لشكسبير من تأليف صامويل جونسون وجورج ستيفنز (1773-1785) وطبعة نقدية من أحد عشر مُجلدًا (مع تعليقات توضيحية وتعليقات وملخصات مختلفة) للناقد الأدبي الإيرلندي إدموند مالون (1790). بالإضافةِ إلى ذلك كان شليغل قادراً على الوصولِ إلى القواميس الحديثة كما كانت مهاراته في اللغة الإنجليزية أفضل من فيلاند. وعلى الرغم من هذه المُتطلبات، كان مُدهشاً أن ينجز شليغل تراجمه الضخمة في غضون بضع سنوات.
هذه الأحداث كانت في السنوات التي بدء فيها يوهان فولفغانغ فون غوته بتدوين الجزء الأول من كتابهِ فاوست و انتهاء فريدريش شيلر من عمل ثُلاثية فالينشتاين. بمعنى آخر كانت هذه الحقبة تُمثل ذروة الكلاسيكية الألمانية (فايمار). ولكن ما هو الاقتراح الذي ظهرَ عندما أصبحت ترجمات شليغل لشكسبير جزءًا من هذه الكلاسيكية الألمانية؟
كان هناك نقاد مثل فيلهلم فون هومبولت الذي بدورهِ نصح شليغل بكتابة أعمال خاصة به بدلاً من تقديم نفسه في فن الترجمة الذي حسب رأيه لا يُمكن للمرء أن يحقق فيه نجاح مرضٍ تمامًا.
انطلاقاَ من عام 1804 عمل فيلهلم شليغل مُستشارًا أدبيًا وسكرتيراً للسيدة مدام دوستايل ومُعلماً لأطفالها. لقد رافقهم في رحلاتهم الطويلة إلى جانب ذلك الف العديد من الأعمالِ الأدبية والفنية التاريخية والسياسية والفلسفية وأعمال الفن الجميل بحيث لم يعد يُفكر بمواصلة ترجمة اعمال شكسبير. وبهذا بلغت في عام 1810 اعمال شكسبير المُترجمة من قبل شليغل 17 عمل فقط. ومع ذلك فقد حثه ناشره الجديد جورج أندرياس رايمر الذي تولى حقوق النشر بعد إفلاس اونغر على مواصلة عمل الترجمة “الذي كانت ألمانيا تأمل فيه لفترة طويلة”. تردد شليغل لأنه كان يعلم بأنه سيتعين عليه تكريس نفسه حصريًا لهذهِ المُهمة لفترةٍ طويلةٍ . وفي عامِ 1819 أخبرَ رايمر أخيرًا أنه لا يرى “أي إمكانية لذلك في الوقتِ الحالي” لمواصلة ترجماته لشكسبير. ثم وَضحَ أيضًا (على الأقل في رسالة) بأن صديقه لودفيج تيك تولى ترجمة مسرحيات شكسبير المفقودة. ومع ذلك رفض شليغل التعاون مع تيك الذي لم يكن مُقتنعاً بمهاراتِ الترجمة لديه. ولم يرد شليغل على طلبِ رايمر للتحقق من إصداره الأول بحثًا عن أخطاءٍ مطبعية بينما وافق الناشر على طلبِ تيك لمُراجعة ترجمات شليغل. كانت هُناك خلافات حادة بين الزميلين الشاعرين. واصل رايمر الخُطى لأن في ذلك الوقت كان هناك اهتمام حقيقي بترجمة أعمال شكسبير للألمانية. إذ بدأ الشاعر والمُترجم يوهان هاينريش فوس في عام 1818 بمُساعدةِ ابنيه هاينريش وإبراهام على ترجمة أعمال شكسبير والتي اصبحت منسية إلى حَدٍّ كبيرٍ اليوم.
ومع ذلك استغرق الأمر حتى عام 1825 قبل أن يتم تنظيم كيفيات إصدار تعاقدي جديد وبدأ تيك بالترجمات حيث كان مُهتمًا بشكلٍ أساسي بالتفسيراتِ. لقد تَركَ عمل الترجمة الفعلي كما كتب في رسالةٍ إلى رايمر ليعطي الفرصة للأصدقاء الصغار الذين يُمكنهم تكريس وقت فراغهم لهذه الدراسة.” كان هؤلاء “الأصدقاء الأصغر سناً” ابنته الوحيدة دوروتيا البالغة من العمر 25 عامًا ( ترجمت 6 قطع) و فولف هاينريش جراف فون باوديسين (ترجمَ 13 قطعة). بالنسبةِ للناشرِ كان من الأفضل له أن يبيع التراجم بأسماء “شليغل” و “تيك” ، بحيث كان يُطلق عليها “شليغل تيك Schlegel-Tieck” وفي سنوات 1830-1833 كانت لا تزال النسخة الألمانية لأعمال شكسبير تُسمى كذلك من دون ذكر المساهمات الجزئية لـ دوروتيا تيك وغراف باوديسين قبل أن يتم الاعتراف وتقدير مُساهمتهم الحاسمة في ترجمة أعمال شكسبير. هذا “الشكسبير الألماني” كان يُنظر إليه على أنه أجمل من الإنجليزي الأصلي.
واجهت جميع الترجمات اللاحقة صعوبة في كسر هيمنة ترجمة Schlegel-Tieck على المسرحِ وسوق الكُتُب في ألمانيا. ففي المائتي عام الماضية على سبيل المثال كان لكل جيل ترجمة لشكسبير الخاصة به – منها تراجم: فرانز فون دينجلشتيت وفريدريش فون بودينشتيت وفريدريش غرونداولف ورودولف ألكسندر, شرودر وهانز روته ،تراغلين ورودولف شالر ، إريش فريد ، توماس براش أو فرانك غونتر. وعلى الرغم من كُل هذه الترجمات التي حاولت تكييف شكسبير ومفاهيم المسرح في ذلك الوقت ، إلا أن كلاسيكية “Schlegel-Tieck” الرومانسية بقيت (التي لم تكن عملاً مشتركًا للمترجمين شليغل وتيك) حتى اليوم هي النسخة الألمانية التي يُعتد بها وما زالت تحدد وجهة نظرنا عن اعمال شكسبير.
وباختصار: أن تراجم أوغست فيلهلم شليغل (وكذلك كل من تيك وغراف بوديسين) لُغتها مُتقنة. وهكذا أصبح شكسبير الخاصية المُشتركة للأدب الألماني – وهي عملية فريدة من نوعها في الأدب العالمي. أو كما قال عالم اللغة الألمانية غيرهارد شولتس في عام 1983: “عبر ترجمته لأعمال شكسبير وهب (شليغل) الألمان كاتبهم المسرحي الأكثر شعبية حتى اليوم”. ففي القرن الحادي والعشرين تصدر اسم شكسبير خشبة المسرح الألماني. وتحولت العديد من المقاطع من أعماله إلى أقوال مأثورة- مثل “لقد كان العندليب وليس القُبرة” أو “هناك شيء فاسد في دولة الدنمارك”.
والويل للمُخرج الذي يأتي بنسخةٍ مُختلفة لهذه التراجم. فيمكن أن يؤدي ذلك إلى خطر مُغادرة نصف الزوار المسرح أثناء الاستراحة.
-------------------------------------
المصدر : الناقد العراقي
الثلاثاء، 16 يوليو 2019
الهيئة العربية للمسرح تعد الفريق المحوري العربي الثاني : اسماعيل عبد الله : نعمل على تنمية المسرح المدرسي كأساس متين لتنمية المسرح بشكل عام.
مجلة الفنون المسرحية
الهيئة العربية للمسرح تعد الفريق المحوري العربي الثاني :
اسماعيل عبد الله : نعمل على تنمية المسرح المدرسي كأساس متين لتنمية المسرح بشكل عام.
المتدبون المشاركون يرفعون برقية شكر لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
صرح الأمين للعام للهيئة العربية للمسرح اسماعيل عبد الله، بأن التدريب والتأهيل ضمن استراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي مستمر، تبعاً لحاجة كل منطقة وخصوصياتها، فبعض وزارات التربية وضعت منهاج المسرح في حقيبة طلابها لكافة الصفوف، وبعضها سائر بهذا الاتجاه، وبعضها يضع برامج لمنح المعلمين والمعلمات دبلوم التربية المسرحية، وبعضها عزز مهرجاناته المحلية، وبعضها سيطلق مهرجانات جديدة، والبعض ما زال يطلب تأهيل القوى البشرية، وكل ذلك يتم بتعاون وشراكة مع الهيئة العربية للمسرح، التي انطلقت عام 2014 بتوجيه من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي للعمل على تنمية المسرح المدرسي كأساس متين لتنمية المسرح بشكل عام، وإننا سائرون على الدرب من أجل إنجاز هذا المشروع التاريخي.
جاء هذا التصريح في ختام فعاليات الدورة التدريبية التي نظمتها الهيئة العربية للمسرح لتأهيل وتدريب الفريق المحوري العربي (2) لتنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي، التي نظمت في الشارقة من السادس وحتى الخامس عشر من يوليو 2019، لفائدة خمسة عشر متدرباً من الجنسين، وقد حرصت الهيئة على اختيار مدروس لهذه المجموعة التي ستتحمل مسؤوليات التدريب في الدورات التي ستنظم في الوطن العربي خلال السنتين القادمتين، وبذلك ينضم هذا الفريق إلى أعضاء الفريق المحوري العربي (1) الذي يقوم بمهمات جديدة بناءً على تطور العمل في المشروع كما أشار الأمين العام في حديثه.
الفريق المحوري العربي (2) تلقى التدريبات الخاصة على تنمية وتفعيل المسرح المدرسي انطلاقاً من استراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي التي أنجزتها الهيئة عام 2015 والدليل الذي تضمنته بكل محتواه العلمي والعملي، وستشهد السنوات القادمة مزيداً من البحث ووضع الوثائق اللازمة خدمة للمعلمين والمنشطين بمختلف المراحل.
تكون الفريق المحوري العربي (2) من مجموعة من ذوي الاختصاص والتجربة، منهم من تلقى تدريبات في دورة إعداد الفرق المحورية الوطنية التي نظمتها الهيئة عام 2015 في الشارقة، ومنهم من شارك في مؤتمراتها وملتقياتها التي خصصت لوضع المناهج وآفاق تدريس المسرح، وهم الفنانات والفنانين (عبد اللطيف خمولي ومصطفى استيتو من المغرب، د. زهير بنتردايت وخولة الهادف وأماني بلعج ومنير العماري من تونس، دعاء طعيمة من مصر، وجدان ترعاني من الأردن، فيروز نسطاس ورياض صوالحة من فلسطين، جوسلين طنوس وعجرم عجرم من لبنان، صبحي يوسف من السعودية، وعبد الله سويد من البحرين، وزينب غانم من سوريا.
أطر الدورة وأشرف على التدريب فريق من المدربين ذوي الخبرات العالية عربياً ودولياً، الدكتور محمود الماجري (تونس) والبروفيسور فائق الحميصي (لبنان) والأستاذ نبيل ميهوب (تونس).
وفي نهاية الدورة رفع المشاركون برقية شكر وتقدير إلى مقام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، هذا نصها:
إلى مقام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، حفظه الله.
نحن ابناؤك وبناتك، المنضوون تحت ظلال حكمتك في أنبل المشاريع التي تعمل لتمتين وتمكين أساسات المسرح في الوطن العربي من خلال تنمية وتطوير المسرح المدرسي، هذا المشروع الذي تحمله الهيئة العربية للمسرح بكل ثقة وامانة، وتنثر الأمل بالمستقبل من خلال العمل الجاد، والذي اثمر منهاج مسرح هنا، ومهرجان مسرح هناك، ودورات تدريب لا حصر لها من المحيط إلى الخليج.
نحن الذين شرفتنا الهيئة العربية للمسرح باختيارنا لنكون الفريق المحوري العربي الجديد، الذي يحمل مشعل العمل والأمل، لنكمل المسيرة التي تمت حتى الآن وغيرت واقع المسرح المدرسي في الوطن العربي، وجعلته موضع الاهتمام في كل مكان من وطننا الكبير، سنحمل بكل الاعتزاز رؤاك لجراح الأمة بلسماً، ولطريق العمل علماً، ونحقق بإذن المولى الأهداف النبيلة التي لخصتها حين قلت “فيا اهل المسرح، تعالوا معنا، لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية”.
دمتم سلطاناً للثقافة والمسرح والإنسانية، بوابة للود والرحمة والأمل.
بناتك وابناؤك
المشاركون في دورة إعداد لفريق المحوري العربي الثاني لتنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي.
الاثنين، 15 يوليو 2019
مجدي بو مطر :النص هو المسرح الإنكليزي والأوروبي المستعمِر
مجلة الفنون المسرحية
مجدي بو مطر :النص هو المسرح الإنكليزي والأوروبي المستعمِر
مجدي بو مطر :النص هو المسرح الإنكليزي والأوروبي المستعمِر
منى مرعي
بنى المخرج اللبناني الكندي، مجدي بو مطر، تجربته المسرحية، مستنداً على سلسلة من التجارب، مراكماً ما تعلمّه في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية،
وفي الجامعة اللبنانية الأميركية من ناحية، وما اكتسبه من المركز العربي الإفريقي للتكوين والبحوث المسرحية، الذي أسسه المسرحي التونسي الراحل عز الدين قنون من ناحية أخرى. يسعى بو مطر إلى تحويل خشبته وورش عمله الى مساحاتٍ للتساؤل. هذا الرجل العملي، الذي لم يوفر مخرجاً مسرحياً في كتنشنر في كندا إلا وقابله ليأخذ بمشورته وليطلب منه ثلاثة أسماءٍ أخرى كي يقابلها ليقدم لها عمله، مشغول بالصورة وبالمشهدية. تعنيه المسرحة أكثر من أي شيء آخر. أتى الى بيروت ليشارك في مهرجان "ربيع بيروت"، ليقدم مسرحية "الشقف" وهي عبارة بالتونسية تعني الطوافة في إشارة الى قوارب اللجوء. التقت "المدن" بو مطر للإضاءة على مجمل عمله، وكان معه هذا الحوار.
- من أين ينبع شغف مجدي أبو مطر بالمسرح، وكيف اختاره مهنةً له؟
عندما كنت طفلاً أردت أن أصبح طبيباً بيطرياً. كنت أقضي معظم الوقت في القرية أربي الدجاج والأرانب. حين حصلت الحرب، عُزلت غالبية المناطق اللبنانية عن بعضها بعضاً. ثم انطلقت مهرجانات بيت الدين، وكنت في الكشاف التقدمي الاشتراكي، واقتصرت مهمتي كعنصر كشفي، في الثانية عشر من عمره، على التنظيم وإرشاد الحاضرين الى مقاعدهم. شكّل المهرجان أول احتكاك لي بالمسرح والرقص والموسيقى والفنون الشعبية أيضاً... منذ اللحظة الأولى، أصابني الذهول وصرت مغرماً بالمسرح. حينها قرّرت أن هذه هي مهنتي وبت أتابع مسرحيات على شرائط مسجلة، منها مسرحيات دريد لحام منها "غربة" أو "كاسك يا وطن" اللتان حضرتهما أكثر من خمس مرات، كذلك الأمر مع مسرحيات أخوت شانيه، "عرس الأخوت" أو "أخوت حتى الحرية"... وبات لدي شغف أن أصبح كدريد لحام أو كنبيه أبو الحسن. هاتان الشخصيتان الشعبيتان أثرتا فيّ كثيراً. وطبعاً سمعت مسرحيات الرحابنة وحفظت مسرحيات زياد الرحباني، وكان هذا التراث المسجل مرجعاً لي، الى أن عُرضت مسرحية "كاسك يا وطن" في بعقلين على خشبة مسرح فخرالدين الذي تأسس العام 1987 على ما أعتقد. قبل ذلك، لم أكن أعرف المسرح الا من خلال شرائط التسجيل ومهرجانات بيت الدين. ثم لاحقاً قدمت مسرحية "مرسيلييز العربي" التي مثلها وأخرجها أنطوان كرباج. أذكر أن كرباج، قدّم مونولوجاً يحدّث فيه جدته في القرية، أقتبسته وقدمته في امتحان الدخول في معهد الفنون العام 1991 وقُبلت في الامتحان.
- قبل معهد الفنون، بنيتَ رؤيا معينة عن المسرح، مبنية على مشاهداتك وعلى الثقافة الشعبية، بينما كان لمعهد الفنون مقاربة مختلفة ورؤيا مغايرة، فإلى أي مدى تبدل منظورك للمسرح بعد انضمامك الى المعهد، وثم الى الجامعة اللبنانية الأميركية؟
بالتزامن مع انضمامي الى معهد الفنون، فزتُ بمنحة جامعية تتيح لي اختيار أي جامعة أريد على الأراضي اللبنانية. المنحة أتت نتيجة مشاركتي في مسابقة حول فكر كمال جنبلاط، وهي عبارة عن كتيّب يتضمن عشرين سؤالاً فكرياً حول كتب كمال جنبلاط. كنا نأخذ الكتيّب الى البيت، نقرأه ونجيب على تلك الأسئلة. نلتُ المرتبة الثانية في هذه المسابقة، وكنتُ قُبلت في الجامعة اللبنانية. حينها قال لي والدي "لن تفوّت عليك هذه المنحة، يجب أن تنضم الى جامعة خاصة". قدمت على الجامعة اللبنانية الأميركية بعد فترة وجيزة، وصرتُ أدرس في الجامعتين. عندما انضممتُ الى معهد الفنون، وجدتُ أن مشاهداتي كمراهق ليست هي المسرح. في المعهد، هناك نظرة دونية للمسرح الشعبي، لكني في الوقت نفسه، وجدتُ نفسي في بيتي. مع معهد الفنون، بنيت فصلاً جديداً من حياتي، علمني كيف أقف على الخشبة وكيف أتمكن من أدواتي كممثل وبدأت أفهم كيفية العمل على الجسد، والبناء وتركيب الشخصية والعمل الجماعي وكنت أصاب أكثر فأكثر بالذهول. حينها كنت مقتنعاً أنه كلما كان المسرح ذهنياً ومعقّداً واختبارياً كلما كان أكثر أهمية. وكنا نتطلع لعروض مثل "الجيب السري" لسهام ناصر ونقول لأنفسنا "هذا هو المسرح"... وهو المسرح الجدّي، الاختباري، التجريبي الأسود، العنيف، المبني على ملَكات الجسد. في معهد الفنون تعلمت التمثيل، كيف أقف على الخشبة، كيف أفكر... وفي الجامعة اللبنانية الأميركية، كنت أملك الفضاء والتقنيات لاستعمال خبرات معهد الفنون. كان هنالك فرصة لممارسة ولتطبيق ما كنت أتعلمه في المعهد.
- ما الذي دفعك إلى الإخراج تحديداً؟
كنتُ في البداية أرى نفسي ممثلاً، لكني حين قدمتُ مسرحية التخرج "نجنسكي ساعة زواجه بالرب" للكاتب الفلسطيني جليل القيسي، أدركت أني سأكون مُخرجاً. جمعت في هذه المسرحية عمر راجح، باسم مغنية، كارول عبود، رينيه ديك.. كان يهمني كثيراً إدارة حركة جسد الممثلين وعلاقتهم ببعضهم البعض وأهمية الصورة والمشهدية. لاقت المسرحية استحساناً، وطلبت نضال الأشقر أن تُعرض بشكل احترافي في مسرح المدينة. وفي العام 1999، قدَّمتُ مسرحية "الآنسة" مع زي خولي في زيكو هاوس. والمسرحيتان لاقتا استحساناً في الصحف. صرت مصراً أنه علي كل عام، أن أقدّم مسرحية وأن أفرض وجودي في البلد. فقدمت العام 2000 مسرحية "شي متل ماكبث" كتبها، عمر أبي راجح وكنا آنذاك زمن ما قبل التمويل. كنا نقوم بحسابات مالية ونقول هذا هو عدد البطاقات التي وجب بيعها لتغطية تكاليف العرض والممثلون لا يقبضون أو يقبضون مبلغاً رمزياً وكل التكاليف تدفع من بيع البطاقات.
- بمَن تأثرتَ من الناحية الفنية؟
أعتقد أن مشاهدتي لـ"عشاق المقهى المهجور" للفاضل الجعايبي، كان محطة مؤثرة لي. وقلت لنفسي أن هذا هو المسرح الذي أود القيام به. شاهدتها خمس مرات وأحببت إيقاع اللهجة التونسية كثيراً. ثم تعرفت على المخرج التونسي عز الدين قنون في بيروت، وقال لي سنؤسس المركز العربي الأفريقي للتكوين والبحوث المسرحية، وانضممت لورشة عمل الممثلين. أمضيت بين العامين 2001 و2002 في تونس، ثم ذهبت الى كندا العام 2003 وعدتُ خلال هذه السنة لأنهي الدراسة في المركز. العمل مع عز الدين قنون، كان نقطة مفصلية في حياتي. هو يشبه نوعاً ما العمل في معهد الفنون، لكنه عشر مراتٍ أكثر تكثيفاً وصعوبة. الارتجال كان مهماً وأساسياً وصعباً، نذهب الى ورشة العمل في الصباح من دون أن نعرف أي ساعة سننتهي. الأمر الأساسي الذي تعلمته عند قنون هو ما يسمى بالـ"كتابة الركحية": كيف نخلق مسرحية من الخشبة الى النص وليس من النص إلى الخشبة. وهذه الطريقة التي ما زلت أعتمدها حتى اليوم. أمر آخر تعلمته منه هو المسرح العضوي- أي كيف تخرج الحركة بشكل عفوي منك دون أن تمثلها، يجب أن تكون نتيجة رد فعل دون افتعال وادعاء. كان يحثنا قنون أن نثق بأجسادنا... على الحركة أن تأتي من الجسد وليس فعل إملاءٍ من الرأس. أتذكره وهو يقول لنا "جسدكم هو الذي يعرف، هو الذي يتذكر...لا تفكروا". وما هو عظيم عند قنون هو اعتماده هذه التعددية الثقافية في بناء فريق الممثلين بين العرب والأفارقة. كلٌ منا كان يتحدث بلغة، ولم نكن قادرين على التفاهم في ما بيننا في يومياتنا الا على الخشبة. وهذا رائع.
- اعتمدتَ الأسلوب ذاته عندما انتقلت الى كندا وخلقت MT Space العام 2004، وهي مؤسسة تركز على مسرح قائم على إبراز الأصوات المهمشة وعلى التعددية الثقافية؟
المسرح يتعدى اللغة. الاختلاف الثقافي يُعتبر مصدر غنى للمسرح لأن كل ممثل يحمل في جسده حكايات وتاريخ وإيقاعات وأحاسيس خاصة بثقافته، وعندما تحتك عبر ارتجال مع ثقافات أخرى ينتج عنها فعل، ورد الفعل يخلق المسرح. عندما وصلتُ الى كندا، عرفت أني لن أوظف في المسرح الكندي. كنت قد جهزت "بورتفوليو" متقناً وترجمت المقالات التي كتبت عن عروضي في بيروت، وكلما التقيت بمخرج أو مدير فرقة كندي يقول لي "جميل ولكن لا نعمل بهذه الطريقة". كمخرج، لن يثقوا فيّ لأني لا خبرة لدي بالمسرح الكندي، وكممثل كانت لديّ لكنة والمسرح الكندي ما زال متمركزاً حول أوروبا. شاركتُ في برنامج ماستر جامعي في الإخراج وهو برنامج صارم جداً، يُعلن عنه كل سنتين ولا يأخذون فيه الا أربعة طلاب. وصلتني رسالة حينها تفيد بأني الخامس في اللائحة -أي لم أُقبَل- وأنهم يشجعونني على العمل مع مخرجين كنديين كي أتأقلم مع مفردات ولغة الممثلين الأميركيين الشماليين. انتقلتُ من تورونتو الى كتشنر في مقاطعة واترلو. خلال أربعة شهور، تعرفتُ على كل من يعمل في المسرح هناك، واكتشفتُ أن أحداً لن يعطيني وظيفة في المسرح، عليّ أن أخلق فرصتي بيَدي. فلمعت في رأسي فكرة قيام مسرح متعدد الثقافات، وأتى اسم MT Space بالصدفة أثناء محادثة لي مع عمر راجح... وفي تلك التسمية أيضاً تيمناً بكتاب Empty Space "آلفضاء الفارغ" لبيتر بروك. وتأسست المؤسسة العام 2004، في البداية توليت مهام سبع وظائف. هكذا حملت اكتشاف وميزة عزالدين قنون معي الى كندا.
- متى بدأ اسمك يلقى اهتماماً في كندا؟
عبر مسرحية "مواسم الهجرة"، ثاني مسرحية قدمناها كـMT Space وهي تقدّم مشاهد متفرقة عن مواقف كوميدية يواجهها المهاجرون في كندا، وكان بديع بو شقرا أحد ممثلي المسرحية. قدمتُ المسرحية لخمس سنوات. كان واضحاً انه علينا أن نضحك على أنفسنا كمهاجرين وأن نضحك الكنديين معنا. بالنسبة اليّ، كانت هذه التجربة محاولة لفهم أن المسرح الذي تعلمته في بيروت لن ينفع في كندا في المرحلة الأولى، ولا يجب أن يكون سياسياً، يجب أولاً أن أدخل الى قلوب الناس.
- ثم قدمتَ مسرحية "آخر 15 ثانية" (2009-2010)، وهي مسرحية تقارب موضوعة الإرهاب والتطرف الديني، تحديداً عمليات التفجير في عمان التي طاولت المخرج مصطفى العقاد بين عدد كبير من الضحايا... ما الذي دفعك الى هذا التوجه؟
قبل هذا العرض، كنتُ قد قدمتُ مسرحية "Exit Strategy" حول حرب العراق. وفي اليوم الأخير للعرض، كنت أقول لبديع أبو شقرا الذي كان يمثل معي، ما رأيك لو قمنا بمسرحية حول مصطفى العقاد. وهكذا كان. مصطفى العقاد بالنسبة إليّ، كان ملهماً وأول فيلم سينمائي شاهدته في حياتي فيلم "الرسالة" ثم حضرت فيلم "عمر المختار". تأثرت كثيراً عندما قتل مصطفى العقاد العام 2005. والدي كان قد توفي العام 1995 والطريقة التي قتل بها العقاد مع ابنته استفزتني. أعتقد أن هذا ما دفعني لتقديم المسرحية: ما حفزني فعلاً هو خسارة والدي، كنت أرى في مصطفى العقاد صورة الأب الذي خُطف في عز عطائه. والدي أيضاً توفي في عز عطائه... ذهبتُ الى الأردن وقمت ببحث ميداني في الأردن وتحدثت مع أهالي الضحايا وعمال الفنادق الثلاثة، وقابلت أما فقدت كل عائلتها في التفجيرات. بدأنا الاستعداد للعرض في أوائل العام 2008. جعلني هذا العمل محبطاً. لم أكن راضياً عن النتائج وكنت أسأل نفسي دوماً "كيف أستطيع أن أقوم بمسرحية عن الإرهاب وأقدّم مسلماً وأنمطّه كإرهابي؟". ساورتني شكوك كبيرة حول طرح هذا الموضوع: كيف سأتحمّل مسؤولية تقديم حكاية حول الإرهاب وكيف سأقدّم إرهابياً على الخشبة وكيف أطرحه كإنسان؟ حاولنا كثيراً وكلما جربنا، وجدنا أن ما نقوم به خطأ. كما لو أنني أمشي في حقل ألغام. جمعت الممثلين في منتصف مراحل التحضير وقلت لهم لن نكمل هذا العمل. إما أن نلغي العروض أو نطلب من الجمهور أن يحضر العروض بشكل شبه مجاني، ونقول له: لدينا مشكلة في هذا العرض ساعدونا على حلها. لكن الممثلين رفضوا الاقتراحين وهم الذين أنقذوا العرض.
- كيف قاموا بذلك، وكيف تمكنت من الهروب من فكرة تنميط صورة العربي أو المسلم الإرهابي؟
لا أعتقد أنني تمكنت من ذلك بشكلٍ واعٍ. لقد وثقت بمجموعة الممثلين وبمن كان يحضر العروض، وقد دعيت الكثير من الناس والخبراء لآخذ بنصيحتهم. عندما قدمنا عروضاً قيد التطوير كان واضحاً أن خوفي لم يكن مبرراً. بطريقة ما، تمكننا من سرد الحكاية من دون أن نقع في فخ التنميط الغربي. يعدّ هذا العمل الأكثر شهرةً بين أعمالي، وغالباً ما كانت تكون ردود افعال الجمهور عاطفية ومؤثرة جداً أينما ذهبنا. ولكنني قدمت بعدها عرض "Body 13" وهو يتطرق الى الجنسانية وتقاطعها مع شتى أنواع الاختلافات: السن، العرق، الجندرة، المثلية الجنسية الخ... أحببت هذه المسرحية كثيراً وعُرضت كثيراً، لكن بقيت مسرحية "آخر 15 ثانية" الأكثر رواجاً والأكثر طلباً. أحسستُ لأنني أنتمي الى الهوية العربية والمسلمة ولأنني أقدّم حكاية عن الإرهاب، كل الناس تتوق لأن تراها، وأنا العربي المسلم حين أقدّم مسرحية عن الحب ليس الأمر بالأهمية نفسها. بقيت دائماً أكثر فخراً بعرض Body 13 لأنه عبر هذا العرض تحديتُ مجتمعي، تحديتُ واقعي الاجتماعي. تحدثتُ عن الجسد المقموع في ثقافتي، تحدثتُ عن المحرّمات...
- قدمتَ أيضاً عملاً بعنوان "أمل" وهو يتطرق الى الربيع العربي..
استغرقت عملية بناء هذا العمل ست سنوات لأننا توقفنا كثيراً لأجل أعمال أخرى كُلّفتُ بها وحين قررنا تقديم "أمل" العام 2018، كان كل شيء قد تغيّر حول الربيع العربي. لم يعد هنالك من ربيع عربي. كان لدينا ارتباك حول الربيع العربي والارتباك مادة من مواد اشتغالنا كممثلين ومبدعين. هذا ما نعمل به: الإرتباك، التوتر، النزاع.... في كل صباح، قبل التمارين، أجري حواراً مع فريق العمل وأسأل دوماً لماذا نحن هنا؟ ما الذي يجري سياسياً وشخصياً اليوم؟ ونحاول دوماً أن نربط ما نقوم به بما يجري من حولنا في المجتمع وفي العالم على حد سواء. ما مسؤوليتنا ولماذا هذا العمل مهم الآن... الممثلون يحملون حكايا وصراعات إنسانية. كل فرد في العرض يمثل أيضاً نوعاً ما حكاية شعبه وتاريخه وحكايته الشخصية. المسار مسيّس جدا هنا، ومن الإرتباك والتوتر ننطلق لبناء علاقات بين الممثلين مبنية على ارتجال.
- يبدو أنك تتخذ مساراً لعملك وتتبع منهجاً أثناء تحضيرك لأي عمل. ما مكونات هذا المسار؟
نقوم أولاً بورشات عمل متعددة ومقسمة الى مراحل. المرحلة الأولى تتضمن ورش عمل استكشافية، والثانية ورش خلق العرض حيث يتاح للجمهور حضور العرض بصفته عملاً قيد التطوير، ويلي كل عرض في هذه المرحلة نقاش مع الحاضرين لأخذ ردود أفعالهم وآرائهم، ثم نصل الى المرحل النهائية حيث نأخذ بملاحظات المرحلة الثانية، وتعدّ هذه مرحلة التدريب النهائي تحضيراً للعرض النهائي.
- هل اختلفت منهجية العمل في مسرحية "الشقف"، كونها فكرة المخرج الراحل عز الدين قنون، وكونك عملت على إخراج مشترك مع ابنته سيرين قنون؟
أستطيع القول إنني أخذت منهجية قنون في العمل واعتمدتها في أعمالي المسرحية العشرة في كندا. لكن المنهج الذي شرحت بعض تفاصيله منذ قليل هو منهجي أنا. عندما أرسل إلي قنون، قال لي: "أريدك أن تمثل في عملٍ مسرحي، ستقدم لدى افتتاح أيام قرطاج المسرحية العام 2015". تحمستُ للأمر. بعد عشر سنوات، ستتاح لي فرصة أن أعمل معه مرة أخرى. في آذار 2015 توفى قنون. شكّل هذا الأمر صدمة لنا جميعاً وأتى الأمر كالصاعقة على كل الناس. سُميّت آنذاك دورة أيام قرطاج المسرحية العام 2015 بدورة عز الدين قنون، وقدمنا قراءات لمدة عشر دقائق كتكريم له. والتزمت لجنة المهرجان بأن تنتج العمل للعام 2016... حينها وقعت المسؤولية على كاهل سيرين، أن تتولى إخراج العرض في البدء، ثم طلبت مني أن أشاركها الإخراج وزارتني في كندا وتناقشنا. أصرت سيرين على فكرة الإخراج المشترك، وكان مهماً لها ألا تكون هناك تنازلات وأن نصارع بعضنا بعضاً حتى النهاية لصالح جودة العرض. عندما عدتُ الى تونس للتمارين، كنت أحمل خبرة طويلة وطريقة عمل واضحة، وكنت أعرف تماماً الأمور التي يجب القيام بها كي أنجز عملاً مسرحياً في غضون ثمانية أسابيع، وفريق عز الدين قنون أيضاً لديهم طريقتهم في العمل، كانت هناك جلسات أديرها أنا وحين أشعر بالتعب، كنت أخرج وكانت سيرين تكمل العمل عني، والعكس صحيح. كنا نجتمع مسبقاً ونحضّر ماذا سنفعل في الجلسات المقبلة، بينما أنا شخصياً لا أحضّر لجلسات البروفا. كان هنالك الكثير من نقاط التلاقي: فكلانا ينطلق من الإرتجال، كلانا يبحث عن الغير الاعتيادي وعن الغرابة، وكلانا يبحث عن الصورة الجسدية وكلانا لا يحب كثرة الكلام، لكن لسيرين طاقة للعمل على النص وأنا أكره النص. لا يهمني ماذا يقول الممثل من خلال الكلام، بل يهمني ماذا يقول من خلال الفعل المسرحي الذي يقوم به. النص عند سيرين عنصر أساسي بل هي تنحت النص نحتاً. كانت سعاد بن سليمان، التي تولت دراماتورجيا العرض على سبيل المثال، تقدّم اقتراحات والممثلون كذلك وكانت سيرين تعيد نحت النص من جديد. وهذه من عناصر الإختلاف في ما بيننا. بينما الصورة والإيقاع عندي هما أمران أساسيان. لكننا تكاملنا في النهاية.
- لم يمنعك كرهك للنص من القيام بعملين لكاتبين مسرحيين في كندا؟ متى تعود الى النص ولماذا تكرهه أساساً؟
أنا حرَفي وأسعى الى تطوير مهاراتي. اذا طُلب مني أن أعمل كمخرج على نص وإن وجدت أنه لا يتعارض مع مبادئي وقناعاتي أقوم بذلك، لكني لا أقصد أن أبحث عن نصوص مكتوبة مسبقاً. إن طُلب مني أقوم بذلك بكل بساطة. لماذا أكره النص. ليس الأمر عبثياً. لأنني أرى أن النص في كندا هو وسيلة استعمارية وقمعية، لأن النص هو المسرح الإنكليزي، الأوروبي الغربي، المستعمر... ثقافة السكان الأصليين في كندا هي ثقافة شفوية، محيت عن الخريطة. أنا أتعاطف معهم لأن ثقافتي العربية قبل الإسلام أيضاً هي ثقافة محكية، ثقافة الشعر المرتجل، ثقافة الحكواتي. النص المسرحي في كندا هو وسيلة استعمارية قمعية... لربما أكره النص انطلاقاً من هذا المكان وإذا استخدمت النص، أستخدمه كثورة على هذه العقلية الغربية الاستعمارية، وإن أردت أن أدخل النص سأدخله بأوجهه المتعددة. المسرح الإنكليزي السائد في كندا يستخدم النص بصفته العامود الفقري للمسرح بينما تعلمت مع قنون أن النص عنصر مهم كالإضاءة والسينوغرافيا وجسد الممثل هو العامود الفقري للعرض.
- هناك اتجاه، في عدد من أعمالك التي قُدّمت في كندا تحديداً، الى اعتماد أنماط متعددة من السرد، منها الحكواتي والمونولوجات التي تحكي الحكاية وهنالك حضور قوي لتراث المنطقة، في مسرحية "الشقف" هناك مشهد يا ظريف الطول، في مسرحية آخر 15 ثانية، قد يتم تصنيف بعض المشاهد على أنها تنتمي الى المسرح الإثنوغرافي... هنالك حضور قوي لثقافة المنطقة وتراثها. الى أي مدى أصبحت كل هذه العناصر أكثر تجذراً تحديداً لدى انتقالك الى كندا؟
عندما كنتُ في لبنان، ابتعدتُ قدر الإمكان عن التراث والمسرح الشعبي، ومع قنون تعلمتُ أهمية الحكاية، ثم درست مع الفاضل الجعايبي الذي علمنا على المراوحة بين السرد والفعل. عند الجعايبي، تكمن قمة المسرح في الما بين، أي ما بين السرد والفعل، الحكاية ومن يخبر الحكاية. وهذا ما ربطني مجدداً بالحكاية وبالحكواتي وبسوق عكاظ والشعر العربي والكربلائيات... أذكر أن جليلة بكار قالت لي: "مجدي، أنت تعرف كيف تحكي حكاية"، وهذا أجمل الاطراءات بالنسبة اليّ، رغم أنه كان لديها بعض التحفظات على مسرحية الشقف. هذه هي محطة وصول بالنسبة اليّ. لم أكن أعرف أنني سأعود الى المراوحة بين هذا السرد... ما أقوم به الآن هو أبعد ما يكون عن الواقعية النفسية. لا يعنيني تحليل الشخصية نفسياً ولا يعنيني ما يفكر به وما يحس الممثل من الناحية النفسية. ما يعنيني هو المسرحة.
- هل من الممكن أن تنتقل الى محطة وصول أخرى مغايرة؟
ليس لدي ثوابت في المسرح. لدي طريقة تخدمني وأستعملها طالما هي تخدمني. أنا أملّ بسرعة وأنا من الناس الذين لا يحبون بعض مشاهد مسرحياتهم كمُشاهد ولا أغيرها لأنني أعلم أنها تخدم العمل ولا أملك حلاً آخر.
---------------------
المصدر:المدن
حكايا سطح سيدي بلعباس
مجلة الفنون المسرحية
![]() |
| الكاتب نجيب طلال |
حكايا سطح سيدي بلعباس
نـجيب طــلال
سنوات عـدة لم أستمتع بمشاهدة عروض مسرحية للفرق الهاوية الجزائرية التي تحمل نكهة خاصة ؛ لكن شاءت الصدفة في مهرجان وجدة لدورته (6) أن نشاهد عملا لتعاونية فن الخشبة لمدينة سيدي بلعباس. عمل موندرامي تحت عنوان( أنا والسطح) كتابة وإخراجا ل- محمد الشواط – الذي تمرس على الكتابة الموندرامية رفقة الفنان- قندسي بومدين – بحيث يحاول أن يعكس الواقع الاجتماعي و المعيشي الحيّ على المسرح؛ وإن كان المسرح ليس هو الواقع في تجلياته الفيزيائية . ولكن المسرح الجزائري من خصائصه أنه يستند على الوقائع الآنية والأحداث الواقعية ؛ وإن كانت بعض الأعمال تحاول ترسيخ الترميز وتوظيف الإشارات والرموز وليس [ الرمزية ] كاتجاه إبداعي. يظل العرض كاشفا واقعيته ؛ وهناك عروض تغرق نفسها في واقعية الواقعية ؛ مما تتيه في المحلية وتتلخبط أثناء خروجها من فضائها الخاص؛ وهـذا ما وقـع للعرض ( أنا والسطح) بحيث حاول الممثل الشاب- محمد بن رمضان- استنزاف كل طاقته وقدراته من أجل خلق تواصل فعال بين العرض / المتلقي. وإقحام بعض الإشارات ذات بعْـد( خاص) أكيد لا وجود لها في النص الأصلي ك:موازين/ النيبت/ شباب الزلطة/ الرقية /..../ وإن كان العرض فعلا حاول أن يحقق تواصلا معه جمهوروإن كان قليل العـدد؛ فذاك التواصل نتيجة عاملين أولهما سياسي: محاولة التواصل الحميمي بين الشعب الجزائري / المغربي؛ وهذا تجلى قويا في المقابلات الإفريقية ( مؤخرا ) والعامل الثاني التركيب الدرامي للحكايات؛ بطريقة جد ذكية . بحيث تم سرد ها انطلاقا من ملابس الشخصيات المنشورة فوق السطح ؛ وهذا توظيف دلالي عميق جدا ؛ ساهم في بناء سينوغرافيا العَـرض بجمالية خاصة رغم بساطتها . وتحكمت في حركية وتموقعات - الممثل- والتلاعب بالإيقاع المسرحي ، حسب قوة كل حكاية . كل حكاية تكشف عن واقع الشريحة الإجتماعية لمجتمع سيدي بلعباس . والسؤال الذي يطرح نفسه بعْـد انتهاء العرض هل سطح/ واقع : سيدي بلعباس يتركب إلا من البسطاء والمهمشين( فقط) أليس هناك أغنياء / بورجوازيون/ رجال السلطة/ مسؤولين لهم وعليهم حكايا ؟ لأن ( السطح ) كسطح يبدو ظاهريا كأيقونة فوق الركح، من خلال الغسيل المنشور؛ لكن الوجه الحقيقي هو ( الواقع) الذي تم نشر غسيله بشكل سطحي دونما تعمق في حقيقة من أنتج تلك الحكايات ؛ وإن كانت هنالك إشارة حول ماهية تحسين الوضعية ،من خلال اللعب بأصابع اليدين ( هذوا يبغو هذوا... هذوا وهذوا يتأمروا على هذوا ... هذوا ضد هذوا.... .الله يخلينا هذوا وهذوا) كإشارة إمـا للمسؤولين / احزاب/ لوبيات/ عصابات/ التي وردت في سياق حكاية الشخص ( الزاي) حول التعليم ؛ والتي تقمصها – الممثل – ذاك القاطن في السطح والذي يروي حكاية واقعه ، كاشفا أنه كان بطلا معروفا . ومن خلال قميصه الرياضي( الأخضر) والحامل لرقم [(3) ] يتبين ضمنيا أنه كان ضمن فريق[ اتحاد سيدي بلعباس لكرة القـدم ] ولكن لعفته/ أنفته فالزمان بقساوته غـدر به ؛ مما ارتمى في ركن من أركان أحد السطوح؛ وهذه مأساة العَـديد من الرياضيين والمبدعين [ الشرفاء] في الوطن العربي؛ وليس في سيدي بلعباس ( وحدها ) رغم أنه تعلم؛ ونال قسطا من الدراسة ؛ والتي توضحها حكاية تكشف عن واقع التعليم الطبقي حسب جغرافية المنطقة؛ هنا كان الإلقاء مضطربا بحيث حاول تغيير الإيقاع الصوتي؛ فانخرط في لغة المخمرين/ السكارى؛ وأسلوب هذا الإلقاء يتكرر في بعض الحكايا؛ وتلك مسؤولية ( الإخراج) وليس للممثل – محمد بن رمضان- الذي بدل أقسى جهده في تلوين الخطاب والإلقاء لكل شخصية على حـدة بدء من حليمة الشوافة ؛ وإن كان لباسها يوحي لإحـدى الراقصات؛ ولكن باقي الألبسة لها علائق وطيدة بشخصيتها ك (المعطف ) بالمقاوم ( عمي سعيد) الذي لم ينل حقه ونصيبه من الثورة ؛ كباقي المستفيدين والذين لم يقاوموا الاستعمار .فـظل يصرخ باحثا عن ( إنصافه) ؟ مرورا ب (رباطة العنق )كإحالة ل(عمي الطاهر) الذي يتقدم في كل دورة للانتخابات . ولم يفرح بفوز ولو مرة واحدة ؛ رغم تبذيره وصرفه لمئات وألاف الدينارات على شباب الحي ؟ أما ( الجلباب) فكان إحالة طبيعية للفقيه ( عمي علي) صاحب الرقية الشرعية. الذي اعتقل ثم سجن وبعدها أصيب بجنون ؛ بعْـدما توفيت فتاة على يديه ، محاولا إخراج ( الجن ) من جسدها ! وحسب ما أذكر أن هذا الحدث وقع سنة 2016 بسيدي بلعباس فعلا لسيدة في اواسط العقد الرابع ماتت في المستشفى؛ ففتح تحقيق بعد وجود علامات وكمدات وضرب مبرح على جسدها. فهاته الحكاية كانت من أقوى حكايا سطح سيدي بلعباس والتي تقابلها حكاية (عمي بوعلام) الذي تم توظيف ( العباية/ الدراعية / الرزة) كإحالة أنه من شيوخ ( القصبة/الأغنية البدوية) الذي تعامل مع أغلب شيوخ سيدي بلعباس بدء من الشيخة حبيبة والشيخة ريتمي والجنية ....؛ في الأعراس والحفلات وغيرها لكنه لم ينل حظه ؛ وظل ممنوعا من الظهور؟ مرورا بشخصية غامضة لها علاقة ب ( الصاك/ حامل للأمتعة الرياضية) المنشور في السطح . فكل ما هو معروف عنه يعتقل باستمرار؛ كأن السجن مكان للفسحة عنده : فهل الصاك إحالة كتاجر للمخدرات أم الخمورأم ممارسة العنف...؟ فالمسرحية لم توضح ذلك .هنا تظهر حكاية المواطن/ السلبي/العاطل- البطال- الذي يعيش اللامبالاة والاستسلام معتبرا أن الوضع طبيعي ؛ وذلك من خلال ترديده ( الحمدلله /الدعوة راها رايحة) تجاه كل ما يقع من أحداث . لكن الإشكالية مرة أخرى تكمن في الإلقاء هل ذاك المواطن عادي أم مخمور ؟ ولكن المثقف يدعو لليقظة والاستيقاظ بنوع من الهيسترية مهرولا بين الأزقة والشوارع؛ مما نسمع بشكل مفاجئ أغنية [ يا ويح من طاح في البير وصعاب عليه طلوعو ...] كإشارة أن الوضعية الإجتماعية للشريحة المهمشة والفقيرة والبسيطة ؛ لن تتبدل وستزداد تفاقما؛ هنا سلبية العرض تتجلى ! وفي هذا السياق تأتي مكالمة هاتفية ( مجهولة) للمقيم في ( السطح) بأن ( السطح ) سيهدم وسيرحل للمجهول؛ لتزداد سلبية الواقع المجتمعي .فهذا الخبر وإن حاول – الممثل- التفاعل معه لحَـد الاندماج الكلي؛ لكن طاقته استنزفت وظهر نوع من الفتور وشبه عياء؛ وله عـذره بحكم صعوبة التشخيص ( المونودرامي) والإخراج لم يترك مساحات بيضاء كتقنية لكي يتنفس - الممثل- وإن كانت هناك مقاطع غنائية ؛ ولكنها مرتبطة بالفعل الدرامي؛ الذي فرض التعامل معها حركيا ؛ وليس استراحة . وفي إطار المقاطع الغنائية؛ أعتقد بأن إقحام الموسيقى الكناوية ( سيدي حمو) بمثابة حيرة النص ومخرجه من النهاية؛ بمعنى كيف يمكن إنهاء العرض ؛ لأن المقطع لم تصاحبه الإضاءة الحمراء لتحقيق الترابط الجمالي والفكري بالموسيقى؛ وجذبة – الممثل- التي كانت بشكل مفاجئ وبالأحرى بشكل عفوي، وهو يحمل الشخصيات/ الملابس/ على كتفيه لم يتضح مدى أهمية تلك الجذبة / الموسيقى هل هي إشارة لبقاء الاستعباد أم الانعتاق منه ؟
ومهما حاولنا ملامسة بعض الهفوات أو النقائص الجمالية والفكرية لمسرحية ( أنا والسطح) يبقى عملا له نكهته الخالصة من حيث تفعيل بانورامي لواقع الإجتماعي لفضاء سيدي بلعباس الذي هو جزء من الوطن العربي؛ وإن كان العمل غارقا في محليته .
السبت، 13 يوليو 2019
ثمانية عروض تونسية و3 دولية في الدورة 42 لمهرجان جربة أوليس الدولي
مجلة الفنون المسرحية
ثمانية عروض تونسية و3 دولية في الدورة 42 لمهرجان جربة أوليس الدولي
وات :
تنطلق الدورة 42 لمهرجان جربة أويس الدولي يوم الخميس 18 جويلية لتتواصل إلى غاية يوم 7 أوت 2019 وتتضمن 11 عرضا منها 8 تونسية و3 عروض دولية بحسب ما أفاد مدير الدورة مراد ريحان في ندوة صحفية التأمت يوم الجمعة.
وتستهل الدورة بعرض 24 عطر لمحمد علي كمون الذي كان افتتح مساء أمس أيضا مهرجان بنزرت الدورلي في دورته الخامسة والثلاثين، ويختتم على غرار المهرجانات الكبرى بحفل فني يحييه أمير الطرب الفنان صابر الرباعي.
وقال مدير الدورة إن العروض المبرمجة تتنوع بين موسيقية وفرجوية منها عرض موجه للأطفال بعنوان الحورية الصغيرة ميار وعروض أخرى ذات طابع موسيقي راقي مثل عرض الفنانة السورية فايا يونان الى جانب مجموعة من العروض المسرحية التي تحضر بقوة في هذه الدورة مثل مسرحية “دوبل فاس” لكريم الغربي وبسام الحمراوي وعرض “ولد شكون” لجميلة الشيحي وعرض “لا هكا لا هكا” لنضال السعدي، ويأتي ذلك في إطار تلبية أذواق كلّ الجماهير بحسب تعبيره.
ومن جانبه أشار الناطق الرسمي باسم المهرجان إحسان الوكيل إلى أن الدورة الحالية حافظت على البرنامج التنشيطي للجزيرة وشوارعها عبر فرق فنية شعبية عالمية على غرار بقية الدورات، وقال إنه “لا يمكن مقارنة مهرجان جربة أوليس الدولي ببقية المهرجانات نظرا لضعف موارده المالية مقارنة بالعديد من الجهات التي توجد بها مؤسسات كبرى تساهم في تمويل الأنشطة الثقافية بها وهو ما لا يتوفر بجزيرة جربة”. وفي هذا السياق أضاف مراد ريحان أنّ الميزانية الجملية للمهرجان لا تتجاوز ال900 ألف دينار.
الجمعة، 12 يوليو 2019
مسرحية كحل عربي.. الهجرة من السواد
مجلة الفنون المسرحية
مسرحية كحل عربي.. الهجرة من السواد
حاتم محمودي
مسرحية كحل عربي.. الهجرة من السواد
هل يمكن للمسرحي نثر الجمال وهو يحيا في أتون الجحيم؟ كيف يمكنه زراعة الحب في برك الكارثة؟ كيف يتجاوز سقوطًا مدويا، لمهرجان مسرحي شرده، حتى يخصب فيما بعد وجوده الإبداعي ببهاء الآلهة وحكمة الفلاسفة؟ كيف له -وهو الذي وجد نفسه حافيًا ينتعل الأشواك- أن يبذر دمَه طاقة بركانية هائجة وجدت اشتغالها في عرضه المسرحي الذي سنشاهده فيما بعد؟ كيف يقيم المسرحي عراكًا ضد المستحيل، ويحول كل واقعة تفصله عن تقديم عمله الإبداعي إلى تقنية عناد من أجل تشغيله، كما لو أن ظروف العرض برمتها جاهزة؟
طبعًا، نحن هنا سنتحدث بشكل سافر عن العرض المسرحي (كحل عربي) الذي كتبت نصه وأخرجته سوزان علي، بينما كان الأداء لـ روجينا رحمون. أين تمّ التحضير له وكيف وفي أي ظروف؟ من أين جاء وكيف كانت إقامته هنا في تونس؟ كيف مزق بمنجل العناد وريد العجز الذي اعترضه؟ كيف حول إمكانية فشله، نتيجة الظروف الكارثية التي وضعه فيها مهرجان المونودراما، إلى عرض يحقق الاستثناء؟
جاء العرض من رحم الحرب، منفلتًا عن أشداق الطاعون الذي ضرب سورية. تشكّل هناك كما يتشكل الجنين في بطن أمه خارج الأنظار، ولكن منذ مولده كان عليه أن يحترف لعبة الهجرة إلى الضوء، كي لا يموت.. أن يراوغ الفراغ الذي سلط ضده: هي لعبة خطرة تضع في اعتبارها صيد القدر وتحطيمه، بل فريه فريًا. حُرم العرض من اشتغاله في الصالونات الرسمية، فإذا به يحقق انتصاره في فضاء هامشي بدمشق القديمة. من هناك، حملت المجموعة المسرحية كحلها العربي وجاءت مرورًا ببيروت إلى هنا.. ثمة سردية سياسية حزينة وجدت اشتغالها في انقطاع خطوط السفر بين دمشق وتونس، كما ثمة في الأثناء ضرب من التراجيديا المرة خارج أفق المسرح: لقد تم تغيير إقامة الفريق أكثر من أربع مرات، وتم تغيير فضاء العرض أربع مرات، وتم تغيير توقيت العرض أكثر من مرة أيضًا. في كل ذلك، كان على الكحل أن يهرب نجاحه في كل مرة، وأن يتحول إلى حجر كريم ويقاوم، وأن يعتنق الهجرة دينًا كما لو أنه قدر سُطرَ له بشكل فظيع، وأن يكون لينًا كي يمتص الدمع، وأن يتبع نبوءة نصه المسرحي:
كانت ستي تقول إنو الكحل بيخبي الدموع جوات العين.
هاجر الكحل مثل طائر جريح يسطر بقطرات دمه الطريق إلى مكان العرض، وصل أخيرًا إلى محرقة الركح، في قاعة (ابن خلدون) منهك القوى، لا أحد كان يعلم حينذاك أن هذا الطائر سيحلق من جديد، لا أحد كان يعرف أن هذا الطائر من سلالة عنقاء الرماد، لا أحد كان يصدق ما يراه على الركح، لقد أشعل ابن العنقاء نار وجوده من جديد. ورّطنا نحن الكتاب والنقاد في العجز، فعلها وترك مصيرنا في الكتابة حوله محفوفًا بعشرات الأسئلة: نحن الذين صار يتعبنا كثيرًا وضع عرض مسرحي على طاولة التشريح، إذ أول سؤال يعترضنا، وهنا مقام الصعوبة: من أي زاوية سنتناوله. لقد ارتبط مصيرنا بالكتابة على نحو يجب أن ينجينا من تفاهة من يشاركنا هذا المصير عينه. على هذا الأساس يجب أن نحترس بالقدر الذي يجعل استنطاقنا لعرض مسرحي ما خاليًا من الجريمة.
كحل عربي: رب عنوان لن يفصح بشكل نهائي عن مضامين العرض إلا في آخر مشهد من مشاهده. لا دلالة جاهزة ولا معنى مسبقًا لهذا الكحل. إنه مرتبط تمام الارتباط بكلمات أخرى، وكأنه يحترف لعبة تغيير مصيره على أن يخترع أخيرًا معناه الخاص. لقد كانت دلالته الأولى مرتبطة تمام الارتباط بالدمع؛ إذ من سمات كل منهما الإقامة عند حدود العين: دمع امرأة شطبت الحرب أهلها من الوجود، ودفعت بها دفعًا إلى التفكير بالهجرة واتخاذ قرار السفر، دمع امرأة لم تفصح الممثلة روجينا رحمون -وهي قربان الركح آنذاك- حتى على اسمها. احتكم فيما بعد إلى الدم كضرب من ضروب الإقامة في لعبة الألوان الداكنة: ليس الدم هنا نتيجة الجثث المعلقة على واجهات البيوت، وليس الدم هنا نتيجة سلخ الآدميين ودهس الأطفال وذبح النساء في أزمنة الحرب، إنه دم الغدر، بعد أن فقدت تلك المرأة بكارتها على يد حبيبها الذي ترك جمرة تشتعل في رحمها وغادر مع أخرى، دم يدين سطوة الذكورة ويسعى إلى إسقاط الله التوحيدي لأنه “مذكر هو الآخر”، دم نكتشفه حين ترفع روجينا رحمون على صدرها قماشًا أبيض ملطخًا ببقعة حمراء وتتقدم في اتجاه الجمهور، بينما شرار الغضب ينداح من نظراتها. لم يستقر الكحل عند حدود الدمع والدم، لقد هاجر أخيرًا إلى الماء، ماء ماسورة البيت المعطوبة الذي يضخ من حين إلى آخر، وقفت الممثلة عند نهاية العرض في آخر الركح، لينزل الماء على جسدها برمته، وفي تلك اللحظة المقدسة من التطهر امتزج فيها الكحل بالدم والماء والدمع.
لقد تحول جسد الممثلة، وهي واقفة بشكل جامح، إلى ما يشبه تجاويف النهر، تحول الكحل إلى نهر من الرماد يغزو رقبتها وصدرها وبطنها وساقيها.
هذه التحولات الدلالية التي شهدها الكحل هي التي حددت إيقاع العرض، من خلال انتقال الممثلة من وضعية إلى أخرى، حيث تفصح كل منها عن حالة ما. يبدأ الإيقاع بطيئًا جدًا، وفي اللحظة التي نصاب فيها بالملل من متابعة العرض تأتي المفاجأة؛ إذ يصعد الحدث الدرامي إلى ذروته الأقصى، ومن ثم يعود إلى البطء مجددًا، كي يربط انتقاله ببداية الحدث الموالي؛ حيث يجد اشتغاله في رقعة من فضاء العرض الذي تم تقسيمه وفقًا لوظيفة الديكور، حيث لا وجود إلا لبيت موصدة أبوابه.. أين يسكن الجحيم، تلفزيون يخبر بنبأ موت أهل المرأة، فساتين وصور معلقة وسرير وكرسي ومرآة، أما الموسيقى فقد راوحت بين دلالتين: الأولى كقادح للحب والرقص، والثانية كقادح للنواح والندب والصراخ.
ليس الكحل هنا ما يوضع في العين. إنه واقعة دلالية تفجر ما يحدث الآن في راهننا العربي، إنه جسد تلك الشخصية التي لعبتها روجينا رحمون، وكتبتها سوزان علي، نصًا وفرجة. وليست تلك الشخصية (التي تفتقر إلى اسم) امرأةً بعينها، لقد تحولت بدورها إلى مجاز يحيلنا إلى نهر الرماد العظيم والمرعب والمخيف، هذا الذي تخطى سورية إلى معظم البلدان العربية، كحل عربي: كذا يفصح العنوان.
يأتي قرار الرحيل الذي استقر عليه العرض مرتبطًا بحركة الرماد في ذلك النهر الذي يسيل.
كأن قدرنا أن نتطهر من الكارثة بالسباحة في الظلام والسواد، أو لماذا تمّ تشويه هذا النهر؟
إنها الحرب التي جلبت دمعًا من سماته الملوحة والجفاف. إنها الخيانة الذكورية وأجهزتها الأخلاقية المرتبطة بالدم، ومن سماتها إجهاض الحب، إنها البيوت التي هجرها سكانها فتعطلت تقنية السكن في تفاصيلها، ومن سماتها الثقوب كماسورة الماء. يهاجر النهر في مجرى تفاصيل الجسد الأنثوي للشخصية، مشطوبة الاسم، فتقرر بدورها الهجرة كما لو أنها النهر عينه.
كذا كانت هجرة العرض -كحل عربي- محفوفة بالصعاب منذ أول عرض له، ومنذ مجيئه إلى تونس، وكذا كانت رسالته ومواضيعه: ليس عليه إلا أن يتحول إلى سائل يمتد بسواده على الجميع: ألم نكن نعرف أن الأسود تحن إليه كل الألوان مثل ثقب يمتصها؟ أليس البدء، بدء التكوين ونشأة البشرية، كان وليدًا من الظلمات؟
ليس الكحل واقعة سوداوية تشرع ليأسنا، إنه إشارة إلى مولد النور من رحم العماء.
--------------------------------------
المصدر : شبكة جيرون الإعلامية
الخميس، 11 يوليو 2019
تسعة نصوص مسرحية عربية في ثلاثة كتب جديدة ضمن إصدارات الهيئة العربية للمسرح رؤى و جماليات ستثري المحتوى و المشهد المسرحي العربي
مجلة الفنون المسرحية
تسعة نصوص مسرحية عربية في ثلاثة كتب جديدة ضمن إصدارات الهيئة العربية للمسرح رؤى و جماليات ستثري المحتوى و المشهد المسرحي العربي
إعلام الهيئة العربية للمسرح:
ثلاث مجموعات من النصوص المسرحية العربية (النصوص الفائزة في مسابقة تأليف النص المسرحي للكبار في الأعوام 2015 و 2016 و 2017) صدرت عن منشورات الهيئة العربية للمسرح، و ضمت هذه الكتب النصوص التالية:
• أمكنة اسماعيل الفائز بالمرتبة الأولى 2015 للكاتب العراقي هوشنك وزيري.
• ترسيخ الفائز بالمرتبة الثالثة 2015 للكاتبة الأردنية إيمان سعيد محمد.
• زمن اليباب الفائز بالمرتبة الأولى 2016 للكاتب الأردني هزاع البراري.
• أريد رأسي الفائز بالمرتبة الثانية 2016 للكاتب المصري سعيد شحاتة.
• غائب لا يعود الفائز بالمرتبة الثانية (مكرر) 2016 للكاتب المصري محمود القليني.
• آلهة العرب الفائز بالمرتبة الثالثة 2016 للكاتب الليبي البوصيري عبد الله
• النافذة الفائز بالمرتبة الأولى 2017 للكاتب العراقي مجد حميد.
• الأقنعة و الحمال الفائز بالمرتبة الثانية للكاتب المصري درويش الأسيوطي.
• حارس أحجار الجنوب الفائز بالمرتبة الثالة للكاتب الفلسطيني خالد خماش.
إن الهيئة العربية التي تعتز بتقديم هذه الكوكبة من الكتاب العرب و هذه الباقة من النصوص المسرحية، لواثقة بأن هذه النصوص ستكون إضافة هامة للمحتوى العربي من النصوص المسرحية، و ستثري العروض العربية بما حملته من رؤى و جماليات الكتابة و حداثة المعالجات و تنوع لافت في مذاهب كتابها فكرياً و فنياً.
صدور كتاب جديد ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح د. موسى فقير يحفر في الفرجة الشعبية في منطقة الغرب بالمغرب
مجلة الفنون المسرحية
صدور كتاب جديد ضمن منشورات الهيئة العربية للمسرح د. موسى فقير يحفر في الفرجة الشعبية في منطقة الغرب بالمغرب
صدر كتاب جديد ضمن سلسلة دراسات عن الهيئة العربية للمسرح كتاب بعنوان "حفريات في الفرجة الشعبية بالمغرب. أنثربولوجيا الثقافة الشعبية و أشكال الفرجة بالمغرب. منطقة الغرب الشراردة بني احسن نموذجاً. مقاربة سوسيو ثقافية"؛ ، من تأليف د. موسى فقير.
يتناول الكتاب الواقع في 152 صفحة الحفر في ذاكرة الأشكال الفرجوية و تجلياتها الدلالية و الرمزية، ليستخلص أن الثقافة الشعبية المغربية لها روابط تاريخية مندمجة مع أشكال فرجوية عربية و عالمية، و هاجسه في كتابه، رد الاعتبار للأشكال الفرجوية التي تمتلكها منطقة الغرب من المغرب، لأنها تمثل جزءًا من الثقافة الشعبية المغربية و العربية، لذا صمم الكتاب ليتضمن مدخلاً و أربعة فصول، حيث يعرّف المدخل ببعض المفاهيم الإجرائية، و تناول في الفصل الأول مونوغرافية المنطقة المدروسة لأصول أشكال الفرجة، مستعرضاً فيه مظاهر الفرجة في منطقة الغرب، و درس في الفصل الثاني دور الأنساق الاجتماعية و الأنثربولوجية المساهمة في صناعة الفرجة، أما الفصل الثالث فقد خصصه للحديث عن الفرجات الشعبية و خصائصها في المغرب، فيما ركز في الفصل الرابع على أهم الفرجات الاجتماعية المتساكنة مع المجتمع المدروس.
يشكل هذا الكتاب إضافة هامة لدراسات الفرجة و لكل من يهتم بها.
والمؤلف د.موسى فقير حاصل على شهادة الدكتوراه تخصص "المسرح وفنون العرض" جامعة ابن طفيل القنيطرة المغرب. وعلى دبلوم الدراسات العليا في الأدب المغربي بكلية الآداب جامعة مولاي إسماعيل مكناس المغرب.







































