أختيار لغة الموقع
أخبار مسرحية
آخر المنشورات في صور
الاثنين، 16 ديسمبر 2019
الأحد، 15 ديسمبر 2019
10عروض مسرحية في مهرجان السودان الوطني للمسرح الدورة الثانية 21–27 ديسمبر2019
مجلة الفنون المسرحية
10عروض مسرحية في مهرجان السودان الوطني للمسرح الدورة الثانية 21–27 ديسمبر2019
اعلنت إدارة مهرجان السودان الوطني للمسرح الدورة الثانية دورة ” الفاضل سعيد ” عن تأهل 10عروض مسرحية من 36 في المنافسة التمهيدية في الفترة من 1-9 ديسمبر الجاري على المسرح القومي بـ أم درمان برعاية وزارة الثقافة والإعلام السودانية والهيئة العربية للمسرح .
وأعلن د. سعد يوسف عبيد مدير مهرجان السودان الوطني للمسرح أنه قد تمت مشاهدة أكثر من 40 فرقة بولايات السودان المختلفة، وقد أشادت إدارة المهرجان بصبر ونزاهة لجنة المشاهدة، مثمنة الجهود الفكرية والفنية بكافة العروض التي تقدمت و شاهدتها اللجنة على مسرحي الفنون الشعبية والمسرح القومي خلال الفترة من 1 إلى 9 ديسمبر الحالي، قد تكونت لجنة المشاهدة من د. اليسع حسن أحمد رئيسا وعضوية مصطفي الخليفة وايمان ابراهيم ، وتجري الاستعدادات لانطلاق الدورة الثانية في الفترة من 21–27 ديسمبر بالمسرح القومي أم درمان .
وقد جاءت العروض المختارة كالتالي :
من ولاية الخرطوم عروض “زنزانة 89″ تأليف سفيان محمد إبراهيم وإخراج محمد عبد المنعم، لفرقة أهالينا، ” سيد الرصة” تأليف أحمد دفع الله، وإخراج عبد الإله محمد المهدي، لفرقة سيد الرصة ، ” بنات نعش ” تأليف وإخراج هدى مأمون لفرقة ماريا مانو، ” لحن النساء” تأليف السر محجوب، إخراج أميرة أحمد إدريس، “علامة فارقة” تأليف وإخراج طارق بكري، لفرقة المختبر، “V.I.P ” تأليف وإخراج مصطفى عبد الكريم ، “العم تية ” تأليف عمر الحاج وإخراج محمود عبد اللطف لفرقة ميلاد، ” حق المشوار دبل ” تأليف وإخراج محمد جبريل لفرقة أضواء، ” جبال تورو” تأليف وإخراج عمر عقال لفرقة الأجاويد – غرب دارفور، ” نداء النقارة ” تأليف وإخراج ربيع يوسف لفرقة رابطة الجوالة ورابطة الأدب والدراما بورت سودان – البحر الأحمر .
10عروض مسرحية في مهرجان السودان الوطني للمسرح الدورة الثانية 21–27 ديسمبر2019
اعلنت إدارة مهرجان السودان الوطني للمسرح الدورة الثانية دورة ” الفاضل سعيد ” عن تأهل 10عروض مسرحية من 36 في المنافسة التمهيدية في الفترة من 1-9 ديسمبر الجاري على المسرح القومي بـ أم درمان برعاية وزارة الثقافة والإعلام السودانية والهيئة العربية للمسرح .
وأعلن د. سعد يوسف عبيد مدير مهرجان السودان الوطني للمسرح أنه قد تمت مشاهدة أكثر من 40 فرقة بولايات السودان المختلفة، وقد أشادت إدارة المهرجان بصبر ونزاهة لجنة المشاهدة، مثمنة الجهود الفكرية والفنية بكافة العروض التي تقدمت و شاهدتها اللجنة على مسرحي الفنون الشعبية والمسرح القومي خلال الفترة من 1 إلى 9 ديسمبر الحالي، قد تكونت لجنة المشاهدة من د. اليسع حسن أحمد رئيسا وعضوية مصطفي الخليفة وايمان ابراهيم ، وتجري الاستعدادات لانطلاق الدورة الثانية في الفترة من 21–27 ديسمبر بالمسرح القومي أم درمان .
وقد جاءت العروض المختارة كالتالي :
من ولاية الخرطوم عروض “زنزانة 89″ تأليف سفيان محمد إبراهيم وإخراج محمد عبد المنعم، لفرقة أهالينا، ” سيد الرصة” تأليف أحمد دفع الله، وإخراج عبد الإله محمد المهدي، لفرقة سيد الرصة ، ” بنات نعش ” تأليف وإخراج هدى مأمون لفرقة ماريا مانو، ” لحن النساء” تأليف السر محجوب، إخراج أميرة أحمد إدريس، “علامة فارقة” تأليف وإخراج طارق بكري، لفرقة المختبر، “V.I.P ” تأليف وإخراج مصطفى عبد الكريم ، “العم تية ” تأليف عمر الحاج وإخراج محمود عبد اللطف لفرقة ميلاد، ” حق المشوار دبل ” تأليف وإخراج محمد جبريل لفرقة أضواء، ” جبال تورو” تأليف وإخراج عمر عقال لفرقة الأجاويد – غرب دارفور، ” نداء النقارة ” تأليف وإخراج ربيع يوسف لفرقة رابطة الجوالة ورابطة الأدب والدراما بورت سودان – البحر الأحمر .
![]() |
| جدول عروض المهرجان |
عرض سرحية حقيبة سفر SUITCASE في إمباكت IMPACT 19
مجلة الفنون المسرحية
عرض مسرحية حقيبة سفر SUITCASE في إمباكت IMPACT 19
أيلول \ سبتمبر- 25 \ 2019
كتشنر، اونتاريو ، كندا
تأليف: احمد ميرعي
إخراج: مجدي بو مطر
د. عبد الفتاح مرتضى البصري :
حينما يكون البيت الذي تعيش فيه محفوفا بالخطر من كل الجهات " او من لا جهة محددة" ، وليس لديك لحظة واحدة لتؤجل التفكير في مكان آمن آخر، فالرحيل الى الغربة هو القرار الاخير.. لكن اذا ترددت، فمن يدري ماذا يمكن ان يحصل ؟!!!..
كأنك تعيش في الغاب وقانونها الذي لا يرحم... البقاء للأقوى.. وانت تقف عاريا لوحدك وعليك ان تقرر: البقاء ام النزوح؟!! وحتى في القرار الذي ستتخذه، مصيرك مجهول بين الحياة والموت.. فألأمر ليس بيدك الآن، انه بيد * ألأقوى* ..
زوجان شابان في مقدمة حياتهما الزوجية واذا بالحرب تندلع فيقررا الهجرة ( النزوح) عن الوطن – ألأم الى بلاد الغربة، وكان آخر مرحلة لهما هو الوداع العائلي .. وكل مايتذكرانه هو صوت قوي مرعب..بعدها خيَّم صمت عميق .. ينهضان باحثين المكان الذي هما فيه وإحساس غريب بهذا الصمت والهدوء وتساؤلاتهما عن سبب كل هذا الصمت وماذا حصل وهل هما من الاحياء ام الاموات؟؟
فلا المكان يشبه بيت العائلة ولا مخيمات النازحين ولا اي مكان آخر، انهما عالقان في فضاء محدود وتحت الكثير من الضغط والترقب..!!
ثم بدأت مرحلة النبش في الذاكرة لأحداث مضت مع عائلتيهما( اشقاء وشقيقات وألأقارب والأصدقاء) وصولا للوضع السياسي ، الذي فـجَّر بركان ألأسرار فيما بينهما وكاد ان يوصلهما لمفترق طرق لكنهما عندما عادا لمتابعة ماجرى لهما حين زيارتهما للأهل قبل الرحيل ، توقفا برهة وهما مندهشين.
وعند محاولة الإستذكار لما جرى وهل نسيا شيئا لم يحضراه معهما فيكون سيلاً من البساطة في التفكير والعفوية التي اصطبغت بهما حياتيهما كأي فردين من المجتمع وقع عليه(م) ضغوطات سلطوية كبيرة لا قدرة لهم بتحملها او حتى هضمها. وعندما يستذكر ( سامر ) – اسم الرجل – حادثة القاء القبض عليه من قبل رجال الأمن ( الشرطة السرية) كعنصر ( معادٍ للنظام) واثناء التعذيب ساوموه بتسليمهم قائمة بأسماء المجموعة السرية التي تعمل ضد النظام اذا اراد إطلاق سراحه، ولأنه لم يكن مرتبطا بجهة سياسية معينة ولا يهتم لمثل هذه الامور فقرر ان يسلمهم قائمة باسماء اصدقائه ظنا منه انهم سيخلون سبيلهم لعدم وجود اي علاقة بينهم وبين المعارضين للنظام، وفعلا سلمهم قائمة باسماء العدد المطلوب واطلق سراحه.. هنا سألته حبيبته: اذكر لي اسماؤهم . فذكر ست اسماء من اصل سبعة ولما سألته عن الاسم السابع ذكر لها اسم شقيقها!! وكانت الصدمة.. فهي مسيحية ولا علاقة لها بالحركات الاسلاموية، ثم ان هذا شقيقها فكيف إرتأى ان يفعل ذلك خصوصا وان شقيقها قد اعدم مع كل الاسماء التي في القائمة!!!
الصدمة التي حصلت كادت تودي بعلاقتهما لكن (رزان) وهذا اسمها تحدثت عما حصل معها وكيف ساومها ( ألإرهابيين) على شرفها إن ارادت الخلاص وكان ما كان ..انفجر سامر لهذه الواقعة وكيف لم تصرح له بها فردت عليه واخي الذي اعدم بسببك، انت اوصلته للإعدام بيديك بينما انا لم تكن لدي فرصة للنجاة، فوصلا الى نقطة محددة : دع الماضي مع ناسه ولنبحث عن مستقبلنا وزواجنا فذكرت ( رزان) كيف ان التقاليد في مجتمعهم لا يسمح بزواج المسلم من المسيحي وهذا ما عقّد موضوع زواجهما رغم كل العشق المتأجج في داخليهما، لذا عندما قررا الهجرة كان ايضا بسبب هذه التقاليد وللتخلص منها في بلاد الغربة.
وفي لحظة الرحيل يقلبان حقيبة السفر العائدة لهما فإذا هي فارغة وفيها فقط تاريخ ذكرياتهما ومدينتهم واهاليهم ، فقررا تركها والرحيل بدونها.
إعتمد ( احمد ميرعي) في كتابة النص على فكرة اساسية هي ليست الهجرة والاغتراب بل حب الوطن والتمسك به حتى آخر لحظة ، وان موضوعة اللجوء والنزوح كان مجبرا عليه بسبب الحرب والارهاب المتعدد (الجنسيات) الذي حاق بالوطن، رغم تركيزه على إرهاب السلطة سواء في سلطتها القمعية او في وحشيتها مع الشعب اثناء الحرب واستخدامها كل انواع الاسلحة الفتاكة ضد ابناء الشعب.
رغم ان ذروة الحدث الاساسي كان في المشاهد الاولى ( كنت اتأمل ان يكون في ألآخر) ذلك ان فكرة النص مبنية على هذه الذروة ، ولأهميتها كنت افضل ان تكشف في نهاية العرض كي يبقى الجمهور متشوقا اكثر لمعرفة ماذا حدث، ورغم ذلك فإن هذا التسلسل الحكائي للنص كان ناجحا ولم يضعف بنيته الدرامية.
مع المخرج مجدي بو مطر
لهكذا نص يحوي الفانتازيا كعامل اساس للسرد الدرامي الواقعي المليء بألأسرار والمفاجآت، إستخدم المخرج( بو مطر) ديكورا فانتازيا هو عبارة عن ستائر كبيرة تغطي الفضاء المسرحي كله وبلون الالومنيوم فهو لا مكانية المكان ولا زمانه، فهو اللازمن واللامكان في آن واحد. وكان للبقع الضوئية دور كبير حيث أثـْرَتْ مشاهد العرض في التركيز والتأكيد على الحدث اللحظوي وكان اكثرها "سخونة" حين يعترف "سامر" و"رزان" بما حصل معهما في مراكز الأمن.
مثل هكذا نصوص فهي بأمسّ الحاجة لإضاءة مركبة ومرنة وسريعة ألإنتقالات، وتستخدم (البقع) بتركيز شديد كون اللاعبين على الخشبة هما شخصيتان فقط ، والخشبة تحوي( إضافة للستائر ) كرسيين وظـِّـفا بشكل جيد وحقيبة سفر في اسفل يمين المسرح والمايكرفون في اسفل يسار المسرح" والذي استخدم اثناء اعتراف العشيقين بما حصل معهما في مراكز الامن" ، فإن توظيف الاضاءة جاء منسجما مع كل حدث يمر به احدى الشخصيتان بإنتقالات متناسقة والفعل الحاصل على الخشبة.
إستغل "بو مطر" اجزاء الخشبة بشكل فعّال ومثمر وديناميكية عالية ولم يهمل اي زاوية او موقع على الخشبة "رغم صغر مساحة الخشبة" حيث لو كان تقديمها على مسرح كبير فسيؤثر حتما في شكل الفضاء الواسع على المتلقي ، لكنه رغم ذاك قد نجح في تقديم عرض مسرحي متميز وفعّال .
اللاعبون
احمد ميرعي، المؤلف والممثل : اثبت قدراته الابداعية في اداء شخصية "سامر" واجاد فيها كثيرا حيث الاداء العفوي وعرض الحكايا بسلاسة وهذا يدل على امكانياته الفنية العالية
ندى ابو صالح، ادت شخصية " رزان" بكل إنفعالاتها وتحولاتها وتطورها وكأنها قد عاشت الاحداث في الواقع فعليا ، فقدمت شخصية "الفتاة رزان" بكل ما يعتمل في افكار وسلوك الفتاة الشرق اوسطية . وكان لأدائها المبدع دليل على قدراتها الفنية الابداعية والمتمكنة من ادواتها كممثلة ، وارى ان مزيدا من الخبرة والاستخدام الامثل لهذه القدرات سيجعلها في الصف الاول كممثلة
ختاما فإن العرض الذي قدمه " مجدي بو مطر " واللاعبان " احمد ميرعي و ندى ابو صالح" كان مؤثراً ومبدعا ساهم الجميع في ذلك
الجمعة، 13 ديسمبر 2019
باب ما جاء في عناوين الاحتفالية / نــــجـيب طـــلال
مجلة الفنون المسرحية
باب ما جاء في عناوين الاحتفالية / نــــجـيب طـــلال
مِـفتــاح الباب:
مبدئيا من أصعَب ما يعانيه أي مؤلف/ كاتب/ صحفي/ طالب/.../ في صياغة موضوع ما؛ اختياره لعنوان مناسب والدال على مرامي النص الرئيس؛ وصعوبته تكمن بأنه يُـعَـد من أهمّ مرجع يتضمّن بدواخله الرّمز و العلامة وكذا تكثيف المعنى، فمن خلاله يحاول / مؤلف/ كاتب/ أن يثبت مقصده برمته، بوصف العنوان النّواة المتحركة التي خاط عليها نسيج نصه. فمن هنا فهو في حد ذاته نص/ محيط أو موازي( paratexte ( حسب تعبير جيرار جنيت(Genette) ولكن لما لا نسميه النص المجاور الذي لا يمكن تجاوزه للنص/ المتن أثناء تحليله أوتفسيره أو تأويل النص ؛ لأنه يحمل شبكة دلالية عميقة جدا؛ في إطاره يعْـتبر حقلا خصبا للتفكيك والتحليل . ولاسيما أنه منفلت من عمق النص الأساس وروحانيته ، وبالتالي فهو بنية وظيفية دالة . يعلن منذ البداية كأول اتصال نوعي بينه وبين المشاهد/ القارئ يؤسس نقلة نوعية في وعيه ،وذلك من خلال مشروعيته القرائية وبحكم بروزه كإشارة أو علامة بارزة بشكل مادي محسوس أمام القارئ/ المتلقي ليجعله مبدئيا يقتحم عوالم النص وفضاءه الرمزي وشخوصه الدلالية ؛ ليسهل عليه مسك بالخيوط الرئيسة للعمل المشاهَـد أو المقروء ؛ يساهم إلى حد بعيد في بناء تصور أولي عن حمولة النص من خلال النص المجاور- علما أنه: ليس هناك قاعدة ولا وصفة لإيجاد عنوان جيد للمسرحية؛ ولا حتى دراسات عامة عن اختيار العناوين. العنوان هو نص خارج عن النص الدرامي بحد ذاته. إنه ولهذا السبب عنصر توجيهي( فوق أو إلى جانب النص) لكن معرفته الإجبارية مازلنا نذهب إلى المسرح بسبب عنوان المسرحية (1) وبالتالي فاختيار العنوان وتدوينه واستقرار رأي الكاتب عليه ، ليس مسألة اعتباطية أو مزاجية بل هُـوعَـتبة أو مفتاح إجرائي يمدنا بجملة من المعطيات والمعاني الدالة تلك التي تساعدنا على فك شيفرات النص والدخول لمجاهليه وتشعباته . لأنه أساسا يحمل رؤية المبدع / الكاتب ومدى حدسه الإبداعي ؛ وحسب رؤية - لوران بارت- في المغامرة السيميولوجية ؛ بأن العنوان في حد ذاته عبارة عن أنظمة دلالية سيميولوجية يحمل في طياته قيما أخلاقية واجتماعية وإيديولوجية . ومن تمة فـهو: يشكل مرتكزا دلاليا يجب أن ينتبه إليه فعل التلقي؛ بوصفه أعلى سلطة تلق ممكنة؛ ولتميزه بأعلى اقتصاد لغوي ممكن ولإكتنازه بعلاقات إحالة : مقصدية – حرة إلى العالم وإلى النص وإلى المرسل (2) فالمقصدية أساسا هي مقصديات مختلفة ومتنوعة بتنوع الأطراف والمبتغى . فالاختيار في حد ذاته قصدية ؛ لأنه عملية تخاطبية تواصلية في الحّـد الفاصل بين النّص والعالم، ونقطة تقاطع يمرّ من خلالها النّص إلى هذا العالم، مقابل هذا تعد خطا أو قنطرة واصلة بين النّص والكاتب والمتلقي .لأن الأصل في الكلام القصد كما يعَـبربذلك طه ع الرحمان (3) وبالتالي : فالعنوان بما هو إشارة سيميائية تأسيسية ، قد يدفعك إلى أن تعيد قراءة شيء كان مألوفا لديك بل هو جزء من ثقافتك؛ ولكنه يغريك بإعادة قراءته لآنه يفجر فيك طاقات جديدة ؛ وكأنه مع العـنوان يبدأ فعل القراءة ومن ثم فعل التأويل ( 4) لكن من الملاحظ أن عناوين النصوص المسرحية تحْديدا؛ لم نوليها اهتماما؛ وهذا يتحمله البحث الأكاديمي. رغم أن الدراسات الأدبية والنظريات النقدية اهتمت اهتماما متزايدا دراسة العنوان تفكيكا وتحليلا ( علم العنونة / La titrologie ) فمن هنا كاد درسه يندرج ضمن سياق تطبيقي ونظري؛ وذلك استهدافا لمقاربة النصوص. بغية فهم خصوصيتها وتحديد جوانب من مقاصدها الدلالية والرمزية ؛ وإن كانت العملية معقدة جـدا: فثمة عناوين لا تسلم نفسها بسهولة؛ وإنما تظل متحجبة ومتمنعة عن الظهور، إلا باستخدام نظام تأويلي أو سيميائي يفـُك شيفراتها( 5) باعتباره العتبة الأساس والتي تفرض على الناقد أو الباحث أن يستنطقها ويفككها ، ذلك قبل الدخول لأعماق النص. بحكم أن العنوان هو الذي يسم النص، ويعينه، ويصفه، ويثبته ويحقق للنص كـَذلك اتساقـه . مما اعتبره – جنيت: من أهَـمِّ عناصر النص الموازي (paratexte )على اعتبار أنه لا اعتباطية في العنوان؛ ولاسيما أن الكاتب يجهد نفسه في اختياره لكي يلائم مضمون إنتاجه .مما يعطيه الكثير من الوقت والتفكير ليختاره بشكل ينسجم من حيث التركيب والدلالة نسبيا مع النص، لكي يجذب إليه الأنظار. وذلك لاعتبارات إما نفسية أوفنية أو جمالية أو مذهبية أو تجارية حتى . لتمكن من تحريك شهيّة القارئ/ المشاهِـد ، فيُجلب بذلك اهتمامه والإيقاع به ، من خلال تفخيخ خطابه بنوع من الإثارة أو الإغراء لأنه : ففي العنوان مقصدية من نوع ما، ربما تقود هـذه المقصدية إلى مرجعية إما: ذهنية أو سياسية أو مذهبية أو إيديولوجية. فالعنوان في الوقت الذي يقود القارئ إلى العمل هو من زاوية يخبرنا بشيء ما(6) وبالتالي فالإخبار لا يتأتى استيعابه أو التحقق منه ؛ إلا بالدخول لعوالم النص بحثا عن إجابات مقنعة للتساؤلات التي فرضتها العتبة النصية على المشاهِـد/ القارئ.
مـتاهــة العُـنوان :
فمثلا – [عطيل الخيل والبارود] عنوان تركيبي يبعث عن الغـرابة والدّهشة ؛ مما يثير في ذهن المتلقي/ المشاهد ، عِـدة تساؤلات واستنهاض رغبة الفضول هذا إن كانت له مرجعية أدبية / ثقافية ؛ تساعده على فهم مقاصد المؤلف من خلال [نظرية التلقي](:) ما علاقة (عطيل) كشخصية شكسبيرية ب (الخيل والبارود)؟ وفي سياق عطف ومعطوف فـهو يحيل للفنتازيا أو من خلال التقطيع لكل مفردة ذات دلالة حسب المرجعية الثقافية أو حتى الإجتماعية ( الخيل ) للشجاعة والعروبة ( البارود) للحرب والدمار؛ وبالتالي فالتركيب مفخخ بالدلالة والمجاز مما يفرض اقتحام أغوار النّص؛ لفهم التركيب النصي بحكم أن العنوان في حَـد ذاته سلطة توجيهية إغرائية إلى عالم النص داعية إلى الفضول لمعرفة واكتشاف مضامينه النص الفكرية والإيديولوجية. وبالتالي فالعلاقة بينهما تفرض علينا نفسها . وبالتالي فموضعته ( العنوان) يـعَـد واسطة مركزية في عملية ربط الخطاب الموجّه إلى القارئ/ المشاهد، وبالأساس هو تـَوجُّـه قصدي لجمع شَتات تأويلاته في دائرة محكمة لإنتاج المعنى . لأنه جزء هام من الإنتاج الإبداعي ، بل إنّه يهيمن على القيمة الخطابِية والتّاريخية للمؤلَّف. وأبعد من هذا يعطينا انطباعا ونظرة حول مضمونه ، لكونه مرآة عاكسة وذلك باعتباره علامة سيميائية تمارس التدليل. هنا فالمتمعن في العنوان[[عطيل الخيل والبارود]] سيجـده مزيفا كيف؟
لأن هناك تمظهر مكشوف لتناص بينه وبين (ست شخصيات تبحث عن مؤلف )/ للإيطالي – بيرانديلو- فهذا الأخير يقدم لنا حكاية أسرة مكونة من ست شخصيات تبحث لنفسها عن مؤلف؛ من أجل أن يكتب دراما حياتها ؛ في حين الأولى تقدم لنا كذلك ست شخصيات تبحث عن مخرج لكي تعمل معه. ما الفرق هنا مادام الخيال والمتخيل هو سيد الإبداع ؟ لا شيء ! سوى قلب (المؤلف لمخرج ) وإقحام شهريار والبوهو/المسيح كإحدى شخصيات فرجة البساط أو التفكه؛ والملاحظ أنها وظفت كشخصيات( ثانوية) فقط. هل ليأخذ النص طبيعته ( الإهتبالية ) وليس (الإحتفالية / le carnavalisme) كمفهوم له جذوره التاريخية، باعتباره ظاهرة عامة يعيشها المجتمع الإنساني على مر العصور. وكل منا يستفيد منها، حسب موقعه وفي أي موقع كان. وبالتالي فهذا التناص كذلك مرتبط أساسا بعملية توظيف مفهوم (الحلقة) كشكل من أشكال الكتابة والتحكم في تقنيـة الحكي التي وظفها- بيرانديلو- أي لعب داخل لعب؛ ولكنها لم تخرج عن الفضاء المغلق [ القاعة المسرحية ] بدل [الساحة العمومية ] مما يجعل (عطيل والخيل والبارود( مزيفا حتى على مستوى المتخيل فهل كان عطيل شخصية ( فلكلورية) وفي النص تمظهر كشخصية لها القدرة على القيادة والثقة في النفس لموجهة (المخرج/ ياغـو) إضافة لحضور ( البـوهو/ المسيح) كما قلنا كشخصية ثانوية غير مؤثرة في سياق الحدث/ الصراع بين [عُـطيل/ المخرج] ربما بنى تصوره الواهم على النص الأصلي لشكسبير(7): حينما اعترفت - ديدمونة - لأبيها أن "عطيل" لم يستعمل معها أي سحـرأو عنف كما اعتقد في بداية الأمر بل (هي ) قـد أغـْرمت وأعجبت به عندما كان يأتي إليه ليقص عليه بعض المغامرات التي عاشها في صغره. ففي هـذا الباب لا يعني أن ( عطيل) قاص ( شعبي) / راوي حكايات. وإن علما أن التيمة الأساس تتمحور حَـول ( الخير والشر) وما ورد في النص ( عطيل الخيل والبارود) يتمركز حول ( الحقيقة والوهم) تلك التيمة التي نقبض عليها في كل نصوصه المسرحية ؛ موظفا بذلك دائما لعبة الأقنعة التي تخفي الحقيقة؛ لتحقيق البعـد – الكرنفالي/الإحتفالي / مهرجاني/ العيدي/le cérémonial / le festival / ) ولكنها ظلت حبيسة العلبة ( الإيطالية) ؟
وللإشارة في هـذا الباب ؛ فالفنان الطيب الصديقي هو صاحب الدعوة الحقيقية بتحقيق البعْـد الكرنفالي/ الإحتفالي/ للمسرح؛ بناء على تصور وطلب [ روسو] بالعودة للحفل الجماعي من خلال المسرح لتحقيق المشاركة الجماعية في الحفل الجماعي كوسيلة للتواصل بين أفراد المجتمع؛ وإن كانت جملة من الفعاليات العالمية انتهجت هذا الطلب: ك / جاك كوبو/ أدولف أبيا/ كردج كريج //..../ والباحث الفرنسي ألفريد سيمون ومن خلاله نادى بذلك" جـان فيلار" : والذي أخرج المسرح من علبته إلى الهواء الطلق؛ والذي أعاد للمسرح وظيفته المنسية، وجعل منها احتفالا يقام من أجل الأعداد الكبيرة (8) وهذا تم تطبيقه عمليا في (أفينيون) للخروج من العلبة الإيطالية . وذلك لتحقيق ما طرحه ميخائيل باختين - أن فكر الفرد والجماعة في الأجواء الاحتفالية يتحرر من القيود والمواضعات الاجتماعية، فهي الفضاء الذي يعكس حقيقة الثقافة والفكر لأن الاحتفال هو الصنف الأ ول والأبدي للحضارة الإنسانية ، هذا الصنف الذي نرى فيه جوهر الثقافة الشعبية وحقيقتها(9) وبناء على هذا فجوهَـر الطقس الاحتفالي في نصوص – برشيد- بقي غائبا أو بالأحرى منعَدما؛ بحكم شكلانية الشكل التي تمارس تأثير الغرابة والدهشة؛ من هنا لعب (صاحبنا ) عليه من أجل تدويخ وليس إدهاش المتلقي/ المتفرج . وبالتالي فلماذا تم تغيير عنوان( عطيل والخيل والبارود)إلى( لعبة الوهم والحقيقة ) ؟ وهذا نفسه نجده في تيمة نص
(فاوست والأميرة الصلعاء) التي تحول عنوانها إلى (الحفل التنكري) فمنذ البداية والنص يدعو إلى تعرية وكشف شخصيات خلال أقنعة يلبسونها؛ لتحقيق مسرح داخل مسرح؛ ليقع التجاذب بين ( الوهم والحقيقة ونفس التيمة في ( منديل الأمان) الذي تحول عنوانه إلى( لعبة الوجوه والأقنعة ) التي تحكي عن رحلة لسبع شخصيات داخل قطار تتقنع بأقنعة مختلفة ومتنوعة،، فاتفقت لتختصر زمن الرحلة على أن تلعب لعبة الاعتراف . فنكتشف بأن كل شخصية تنطوي على الوهم والحقيقة ( أي ) تعيش واقعا و تحلم في الآن ذاته بالهروب و التخلص منه. نفس التيمة نجدها مسرحية [ حمار الليل] هناك سبع شخصيات رغبتها في الهجرة ، هذا إذا لم ندخل الراقصة ( دلال) التي كانت شخصية عرضية فقط. تلتقي في بَـهو (ميناء بحري) في انتظار الباخرة التي يحلمون بها للسفر. يبدأ البوح لتكشف كل شخصية عن نفسها،. فنكتشف كذلك أن كل شخصية تنطوي على الوهْـم والحقيقة . فهاته الثنائية الضدية المرادفة لثنائية ضدية أخرى ( الوجه/ القناع) واردة في أغلب النصوص؛ بحيث الاختلاف نجده في الشخصيات وفضاءات الحدث وهـذا (التناسل النصي) يبرره البيان الثالث الذي يقول : إن النص المسرحي لا يعَـد مسرحية بقدر ما يعتبر مشروعا لمسرحية أو مسرحيات متعـددة .
وبما أن النص عند- برشيد- يعَـد مشروعا فلماذا تم تغييرعنوان النص الذي كنا بصدده إلى (عطيل دوميل ديزناف )؟هل نحن أمام غموض عنواني حقيقة لخلق جمالية خاصة ؛ إيمانا بتصور "إمبرتوإيكو/ U. Eco" حول العنوان حين قال: إن شأن العنوان أن يبلبل الأفكار لا أن يرتبها .فأي بلبلة أحْـدث والنص نفسه . فلوكان عكس ذلك لتمت الإجابة على سؤال ورد جدارية المخرج إبراهيم وردة بالقول((ما سبب تغيير العنوان هل من جديد في المسرحية القديمة)) (10) فالمؤسف لم يجبه أحـد؛ ولم ينتبه إليه أحَـد كذلك ؟
تغـييـر الـعـنوان :
مبدئيا فالعنوان حق أصيل للمؤلف؛ لأنه وُلد من تفكيره ومعاناته ؛ وذلك لتحقيق القصْدية القابعة وراء ذلك الاختيار؛ لأنه أولى عتبة القارئ التي يقيس به دلالته على جميع مضامين النص( بمعنى) : فهُـو مفتاح الدلالة الكلية التي يستخدمها القارئ الناقد ومصباحا يضيء به المناطق المعتمة (11 ) هنا هل يحق تغيير العنوان من نصه الأصلي؟
فإذا ابتعدنا قليلا عن التحليل الأدبي / الفني؛ ونظرنا للعنوان الشخصي للفرد؛ فهو أساسا هويته ولا يمكن تغييره/ استبداله، إلا بمقتضيات قانونية . وبعـلـَّة معقولة تتحدد أساسا في استبدال المكان/الحي/ المدينة/ الموطن؛ تدون في طلب. فحتى تغيير موضوع الأطاريح والبحوث تحتاج لطلب مذيل بسبب مقبول لتغيير العنوان. فإذا عدنا لموضوعنا ؛ فطبيعي أن الإبداع لا يحتمل البيروقراطية وتعقيداتها ؛ولكن هنالك مسالك فنية تقتضي تغيير عنوان النص الأصلي ، والمُمثلة في الاقتباس والإعـداد التي هي بالأساس ظواهر إنسانية حضارية.
إذن فالاقتباس : هو عملية نقل أو تحويل أثر أدبي من نوع إلى آخر( من رواية إلى مسرحية مثلا) اٌلإقتباس أو المسرحة ( dramatisation) يستند إلى المحتويات السردية ( القصة والحكاية المثبتة بأمانة نوعا مـا... غالبا ما استعملت كلمة اقتباس بمعنى "ترجمة" أو بمعنى نقل أمين نوعا ما، من دون أن تسهل دائما رسم الحدود بين التطبيقين. المقصود ....(12) فهل نصوص – برشيد- المدونة باللغة الفصحى والتي ليست روايات أوقصص تحتاج إلى اقتباس ( تحويل) الذي يبيح للمقتبس حرية التصرف في النص الأصلي ؛ حتى يمكن تغيير عناوينها. مع العلم أن العنوان له حمولة فكرية دالة ؛ يسمح لنا بتفسيره من خلال النص ؛ وهذا الأخير من خلال العنوان؛ وفي هذا السياق يشير- ميشال هاوسر- (M. Hausser ) قبل النص هناك العنوان، وبعْـد النص يبقى العنوان. هنا [مثلا] أي عنوان سيبقى مادام (صياد النعام ) تحول إلى ( على قيد الحياة ) و ( أبو الغرائب في بلاد العجائب) إلى(رحلة أبو الغرائب )
و ( الدجال والقيامة ) إلى (سيرك الدنيا ).... ؟ هنا لاوجود لعملية اٌقتباس؛ ولا لعملية الإعـداد الذي هو: بالمعنى الواسع للكلمة هو عملية تعْـديل تجري على العمل الأدبي، أو الفني من أجل التوصل إلى شكل فني مغاير يتطابق مع سياق جديد(13) كما حَـدث [مثلا ] مع مسرحية ( حكاية العربة) تحولت إلى (الدائرة) مع جمعية الشهاب البيضاوية وإلى( العربة93) مع جمعيه نادي المرآة بفاس. ومسرحية (شهرزاد) إلى (شهرزاد المراكشية) لجمعية دراما / مراكش و(على بابا الوزير) إلى ( شابكة) لجمعية الأوركيد/بني ملال... إذ ربما هنالك خلل في بنية النص المسرحي؛ أو أنه لا يتلاءم مع وجدان المجتمع الذي يقدم على إنتاجه . مما يدعُـو لممارسة الإعداد عليه ( دراماتورجيا ) لتحقيق تمسرحه . هذا إذا ما تعمقنا في مفهوم الإعداد الذي هو: إعادة صياغة نص مسرحي ليتلاءم مع وجدان المجتمع الذي يقدم على إنتاجه؛ أو ليتلاءم مع فكر المخرج؛ أو لسبب قد يظنه المعد ركاكة في الصياغة الأصلية – بحق أو بغير حق- ويتخذه ذريعة لإضافة أو لحذف بعض فكر وأسلوب النص الأصلي ، وإبدالها من عنده بما يوافق مجتمعه ويوافق فكره وحالة مزاجه (14) وبالتالي فالملاحظ أن - برشيد- ( كان) يدافع باستماته على ( اٌلإحتفالية/ الإهتبالية) صانعا بذلك حروبا ورقية. غير أنه أمام نصوصه لم نشاهده يوما يفعل ذلك ولا يبدي تحفظاته رغم أنه يقول بالحرف: ولقد عبرت دائما عن رأيي الواضح والصريح في الاقتباس والاختلاس، وفي الإعداد والتوليف، وفي الترجمة الخائنة، وفي تهريب النصوص المسرحية، خصوصا منها تلك التي فقدت الصلاحية في أوطانها الحقيقية، وأصبحت مضرة بالصحة النفسية والوجدانية والعقلية والأخلاقية (للمستهلك)(15) ألا ينطبق هذا على نصوصه مادام الإعداد والتقطيع واستبدال العناوين مسألة مباحة إما نتيجة ترسيخ استحضار وجوده الفعلي/ العملي في الساحة الثقافية/ المسرحية؛ وإما نتيجة التعويضات( المالية ) التي كان يتقاضاها من الجمعيات؛ ولتفعل تلك ( الجمعية) في النص ما شاءت كما وقع في مسرحية (أبو الغرائب في بلاد العجائب) مع إحْدى الجمعيات( محترفة/ فاس) أوفي قرارة نفسه أن الإحتفالية ونصوصها هي خواء في خواء؛ لأن نصوصه الأخيرة.../ المقامة البهلوانية/ الحكواتي الأخير / أبو الغرائب في بلاد العجائب /شكوى المهرج الحكيم/.../هي بمثابة لواعج ومناجاة الذات للذات ؛ بحكم أنها لا تبتعد عن تجربته وحياته الخاصة والإبداعية ؛ ولنتمعن في هذا الحوار:
قارئة الكف: تسألني لماذا؟ لأنه .. غير موجود ..
أبو الغرائب: وكيف عرفت أنتِ هَـذا؟
قارئة الكف: (وهي تنظر إلي كفه) يسألني كيف عرفت؟ كفك قال كل شيء .. أنت ليس في كفك إلا هذا الذي أقول، وتأكد بأنك لن تجد شيئا أبدا.. هل تعرف لماذا ؟
أبو الغرائب: لماذا ؟
قارئة الكف: لأنك لا تبحث إلا عن الخواء .. أنت الآن ضائع وتائه.. قـُلها ولا تخجل .. اعتبرني مثل أمك .. (16) ومثل هذا يتكرر في نصوصه ؛ لأنه ربما وصل للنتائج التي كانت تواجه مشروعه ( الوهمي مثل ما قيل: فالمسرح الاحتفالي عند الاخ الصديقي أو الآخ برشيد لم يستفد من الارث المسرحي المغربي؛ وبالتالي افرغ من تعامله المضموني من قضايا تلتصق بهموم الانسان المغربي؛ وسقط ضحية تقنية الديكور...واللغة الفضفاضة...( انبهار في الاخراج - انبهار في اللغة = احتفالا بعيدا عن هموم وقضايا الانسان المغربي) ومن هنا ابتعد عن جمهرة المتلقين(....)..وهـذا يضيع أهمية التركيز على الصراع وفـضح التناقضات... فيصبح النص الاحتفالي كتابة مغرية على الماء (17)
الإحــــالات:
1) معجم المسرح لباتريس بافي - ترجمة ميشال ف. خطار ص571 المنظمة العربية
للترجمة - ط 3/1980
2) مبادئ ألسنية عامة لأندري مارتنيه ترجمة ريمون رزق ص 223 دار الحداثة
بيروت/ لبنان 1990
3) انظر لكتاب : اللسان والميزان - لطه عبد الرحمان المركز الثقافي العربي المغرب / 2002
4) سيمياء العنوان لبسام موسى قطوس- ص 36 --عمان/ الأردن2001
5) نـفســــــه ص 41
6) نــفســـــه ص31
7) انظر: نص عطيل – لوليم شكسبير- تعريب خليل مطران دار مرون عبود – بيروت- ط 8/ 1974
8) المسرح وقرينه لأنطوان أرتو– ترجمة - لسامية أسعد ص87 - دار النهضة العربية
9) Voir/ Alfred Simon : Les signes et les songes, Essais sur le théâtre
et la fête- éd, seuil- Paris/1976 -2pp 169-170
10) سؤال طرحه الفنان عبدالمجيد سياع في جدارية المخرج إبراهيم وردة بتاريخ – 09/07/2019
11) دينامية النص: تنظير وإنجاز لمحمد مفتاح ص72 المركز الثقافي العربي- ط2/ 1990
لبنان/بيروت
12) معجم المسرح لباتريس بافي - ترجمة ميشال ف. خطار ص-69/70- المنظمة العربية للترجمة -
ط 3/1980
13) ماري إلياس / حنان قصاب حسن(في) المعجم المسرحي ص 44: مكتبة لبنان ناشرون/1997
14) حيرة النص المسرحي :لأبوالحسن عبدالحميد سلام ص-71- ط2/1992 مركز الإسكندرية للكتاب
15) بيان عبد الكريم برشيد بخصوص مسرحية (ديالها) موقع هسبريس بتاريخ 04/07/2012
16) نص: أبو الغرائب في بلاد العجائب مجلة مسرحنا- في- 20/10/2013
17) المسرح الهاوي بالمغرب والخطاب الفكري :للمسكيني الصغير مجـلة المدينة ع 6/ 1981 ص41
تحميل إستمارة المشاركة في جائزة عصام السيد للعمل الأول للشباب - النسخة الثانية ضمن فاعليات الدورة الخامسة مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشباب
مجلة الفنون المسرحية
اضغط لتحميل الاسمارة:
تحميل إستمارة المشاركة في جائزة عصام السيد للعمل الأول للشباب - النسخة الثانية ضمن فاعليات الدورة الخامسة مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى
جائزة عصام السيد للعمل الأول للشباب - النسخة الثانية - ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى " 1-7 ابريل 2020 "
تشجيعا لحركة المسرح الشبابى ودعما للمخرجين أصحاب التجارب الأولى يعلن مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي برئاسة الفنان و المخرج / مازن الغرباوي ، والذي ستعقد دورته الخامسة في الفترة من 1- 7 إبريل 2020 بمدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية , يعلن عن جائزة العمل الأول للشباب بالتعاون مع المخرج الكبير / عصام السيد ، وذلك حرصا وبحثا عن المخرج المسرحي الشاب صاحب التجربة الأولى التى تحمل دليل تميز لإستكمال طريقه فى عالم الإخراج المسرحى ، ودعما للطاقات الصاعدة والمخرجين والمخرجات الشباب بجمهورية مصر العربية " شمالا وجنوبا –شرقا وغربا " المتسلحين برؤية علمية ترنو للتقدم بهم بنزوع تفاؤلي يرتكز على طاقاتهم الشابه الواعده
الجوائز
المركز الاول 5000 جنيه مصرى
المركز الثانى 3000 جنيه مصرى
المركز الثالث 2000 جنيه مصرى
مع حضور فعاليات الدورة الخامسة للمهرجان والتكريم بحفل الختام
اضغط لتحميل الاسمارة:
تحميل إستمارة المشاركة في جائزة عصام السيد للعمل الأول للشباب - النسخة الثانية ضمن فاعليات الدورة الخامسة مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى
![]() |
| لجنة التحكيم |
الخميس، 12 ديسمبر 2019
قراءات في بانوراما الوجع العراقي إنتظارات مرّة دراسة ايساغوجية مسرحية
مجلة الفنون المسرحية
![]() | ||
| الكاتب كاظم اللامي |
قراءات في بانوراما الوجع العراقي
إنتظارات مرّة
دراسة ايساغوجية مسرحية
ليس المسرحُ حدثاً عابراً بل هو اسلوب حياة.. اوغيستو بوال .. مخرجٌ مسرحيّ برازيلي
كاظم اللامي :
القراءة الاولى
تسيد فقرة التأليف مصطلح "التناص" كما هو مثبت في بروكرام العمل (كتابة.. تناص مع "الصوت الإنساني" لجان كوكتو) هذا المصطلح الحديث الذي توقف عند عتباته الكثير من المفكرين والادباء والفلاسفة ولزمن ليس بالقصير .. ففي مقتبل ستينيات القرن الماضي شهد المنبر الادبي اجتهادا كبيرا بين أهل الإبداع في أجناسه الجمالية المختلفة غايته الوقوف على تلّة وصفية واحدة، موحدين رؤاهم باتجاه مصطلح (التناص) واخراجه سالما من الغرق في بحر الضبابية وعدم الفهم واللبس الذي شاركه فيه مصطلح (السرقة الادبية والفكرية) وإضفاء الشرعية عليه بشروط يمكن لنا استخراجها من أصل التعريفات الواضحة للنقاد والمفكرين للتناص والتي سنأتي على تفصيلاتها في خضم القادم من المقالة.
كما هو معلوم في بيبلوغرافيا التاريخ المسرحي ومنذ مائة عام أنّ "الصوت الإنساني" هو عمل مسرحي مونودرامي من تأليف الكاتب الفرنسي جان كوكتو مثلته النجمة المسرحية "بيرت بوفي" وهي صديقة حميمة لـ "جان كوكتو" كُتب العمل لها ومن أجلها، مع ملاحظة أنّ "الصوت الإنساني" حظي باهتمام المخرج السينمائي والسيناريست الإيطالي "روبرتو روسليني" حيث حوّله فيلماً، وكذلك المخرج الإسباني بيدرو إلمودوفار الذي استثمره في فيلمه "قانون الرغبة". مما يؤكد عالمية هذا العمل المسرحي الذي أغرى الكثيرين لإعادة تقديمه واستثماره فنيا فحققوا من خلاله نجاحا متميزا على مدى قرن من الزمان، واليوم أتى الدور العلمي والفني والجمالي على الدكتورة عواطف نعيم لتقيم تناصّا مع هذا النص السمين فكريا والمرادف لجوّانيات النفس الإنسانية والذي سجلت من خلاله تجربة فريدة لخصت لمرحلة مهمة مفصلية من تاريخ العراق نعيش تفاصيلها الآن بريادة اعترف بها الجميع للدكتورة بأنها أول من استلهم مسرحيا التظاهرات المشروعة للمواطن العراقي في مواجهة مميتة مع الفساد والظلم وكبت الحريات.
تجلى التناص هنا بمقاربات سيميائية ذات دلالات اجتماعية معينة مع بعضٍ من خطوطِ (الصوت البشري) الدرامية لا جميعها .. وللامانة لمسنا هذا التناص في خصوصية جزئية غاية في المحدودية أطرتها حقيقة انفراط الأحبة مبعثرين في المنافي .. في الغياب .. في الموت .. في العزلة .. العزلة التي أسست لعزلة أكبر سيدتها المرأة التي أضحت وسط ذلك الإنفراط أنينا يحز رقاب الطمأنينة.. مع تواجد علامة تناصية واضحة الدلالة متعلقة بالهاتف الذي تمثل كخيط نسيج محكم تحاك به الفرضيات الواقعية بأناقة درامية واضحة وله تناصه المثمر في جسد وبنية العرض عموما .. وبالتالي ليس هناك أكثر من هذا التناص ممكن لنا تأشيره في عمل "انتظارات مرّة" أما الحكاية وحركتها التصاعدية، والبوح الظاهر والمخفي المعبر عن واقع مُعاشٍ لا افتراضي، وكذلك اجتهاد الكاتبة في تفكيك الشخصية الواحدة وجعلها ثلاث شخصيات فاعلة، وأيضا مشهد الختام الذي لامس بل استحوذ على أناتنا في التواطئ النفسي مع اللعمل والذي اجاب عن كم التساؤلات الهائلة المستترة في اعماق العرض والتي قام المتلقي بتفكيكها الى عناصرها الاولية كعلامات بسياقات دلالاية تركيبية كشفت المعنى بتشكيل معنى اضافي متوالد نتيجة لاختلاف القراءات التي اكد عليها سوسير، كان كل ذلك وغيره صناعة محلية سيدتها الدكتورة عواطف نعيم.
قد يعتقد البعض أن ذكر جان كوكتو ضمن مفصليات الدعاية للعمل من خلال البروكرام غاية مبطنة اعتملت فكر الدكتورة بأنه أحد الإيجابيات المغرية لمتابعة العرض المسرحي من قبل الجمهور لما لصنيعة جان كوكتو العالمية "الصوت الانساني" من تعالق قوي مع الذاكرة المسرحية وهالة جمالية كبيرة لدى المتلقي تبرر استثمار إسم جان كوكتو من قبل فريق العمل.. لكن هذا السبب قد يجوز على غير عواطف نعيم التي كونت إسما مشعا كالذهب في كل أعمالها السابقة مع ما لها من جمهور كبير تجاوز المحلية. وليس هي من يتعكز على أسماء عالمية بهذه الخصوصية الدعائية لأنها هي بالذات إسم عالمي تسيد الجمال المسرحي منذ ان وطأت قدماها أول خشبة مسرحية إبّان شبابها ولن تحتاج لمثل هذا السلوك .. من لا يعرف الفنانة القديرة عواطف نعيم؟ التي شهدت لها الخشبات وشاشات التلفاز بعلو الكعب فكريا وجماليا ..
لو لم يذكر الصوت الانساني كنص متناص لتبادر الى الذهن أن التناص المقصود في حقيقته هو التناص الواقعي مع الهم العراقي العام.. وقد يكون تناصا مع أعمال أخرى لعواطف نعيم تميزت بسلسلة أوجاع احترفها المواطن العراقي في اجترار الأنين.. تناص مع تاريخ المسرح العالمي التثويري الذي أخذ على عاتقه تأصيل التغيير في الواقع راديكاليا .. ووفقا لما مر يتجلى التناص الذي قصدته الدكتورة عواطف نعيم كتداخل وتعالق سيميائي لا لفظي مع مقتربات تعنى بجنس الفجيعة التي اجتمع العالم تحت سقفها والتي صنعها الفقد والغياب .. كل ذلك ممكن له ان يفتح لنا أبواب تفسير وتأويل هذا المصطلح (التناص) الذي فتح بدوره الأبواب مشرعة أمام اللسانيين ليغوروا عميقا في طبقاته منذ ولادته في ستينيات القرن الماضي متناولين اشكالياته وما رافقها من رؤى تمثلت احداها بموت المؤلف والغاءه لكنهم في النهاية اتفقوا على مشروعية التناص المتوالد من سيميائيات الملفوظات المحاكة بنيويا ودلاليا، باعتبار ان كل نص هو مخلوق توالدي تفاعلي وتواصلي لم يخلق من عدم.. والفضل في شيوع التناص الحقيقي المشروع يعود لتبادل التجارب الادبية فيما بين الشعوب وبما اصطلح عليه في زمن ما بعد الحداثة بــ "العولمة" والتي تقودنا للمطالعة المكثفة لمنتجات الاخرين وازدحامها في تلافيف الذات الانسانية وذوبان البعض في الكل مما خلق تعالقَ النصوص فيما بينها بتوالد اميبي. وتعضيدا لكلامنا بمشروعية التناص المنافي للسرقة نورد هنا بعض الرؤى والأطاريح لكبار فلاسفة واساطين الأدب.
التناص في رؤية المفكر والناقد الفرنسي "رولان بارت" بمثابة البؤرة التي تستقطب إشعاعات النصوص الأخرى متحدة مع هذه البؤرة لتؤسس النص الجديد "المتناص" ومن ثم يخضعان في الآن نفسه إلى قوانين "التشکل" أو البناء وقوانين "التفكك" أي الإحالة إلى مرجعية ما أو إلى نصوص أخرى.
أما "جوليا كريستيفا" وهي أديبة بلغارية وعالمة لسانيات وهي مؤسِسة جائزة سيمون دي بوفوار فقد اعتبرت التناص أحد مميزات النص الأساسية التي تحيل على نصوص أخرى سابقة عنها معاصرة لها. واردفت قولها بعدم وجود نص خال من مدخلات نصوص أخري وقالت عن ذلك: إن کل نص هو عبارة عن "لوحة فسيفسائية" من الاقتباسات وکل نص هو تشّرب وتحويل لنصوص أخرى. ومن وجهة نظر "ميخائيل باختين" أن الکاتب يتطور في عالم مليء بکلمات الآخرين فيبحث في خضمها عن طريقة لايلتقي فکرة ما إلا بالکلمات التي تسکنها أصوات أخرى. ويري "فوکو" بأنه لا وجود لتعبير لايفترض تعبيراً آخر ولا وجود لما يتوالد من ذاته.
لنخلص في النهاية ان التناص عملية وراثية للنصوص بمجملها وهو ملتقى نصوص کثيرة بحيث يعتبر قراءة جديدة وهو ما نسميه بالتداخل والتعالق الروحي او التوارد التوأمي السيامي والفاصل بينهما بلا شك هو زمن الكتابة.. وللامانة ووفقا لقناعتي الشخصية لم يكن هناك تناصا بين الصوت الانساني وانتظارات مرة سوى الجو العام المتحدث بلغة الفقد والغياب.
القراءة الثانية
وفقاً لما للمسرح من سلطة روحية وقدرة تأثيرية سحرية هائلة لإنتاج قوى معرفية تعيد الفكر الى جادته ليأخذ مداه في إعادة صياغة الحياة بشكل جديد شهد العرض المسرحي }انتظارات مرّة { تجليات غامرة وعامرة بالجمال والمعرفة والدفع بتأويلات المتلقي باتجاههما فكريا بتبنيات فلسفية راديكالية رائدها البحث عن مظاهر الجور والظلم والفساد والقهر في المجتمع واجتثاثها نهائياً بمعية البحث عن مظاهر الالم والوجع ونكوص الانسان وانحساره كصانع للحياة في نفس المجتمع لاجتثاثها هي الاخرى من اجل مجتمع سليم معافى ،،، كل ذلك كان مصدره : د.عواطف نعيم المعروفة بنزعتها الدرامية الشعبية المنتقاة بواقعية سحرية من خلال رسمها الدقيق لمكونات الشخصية المسرحية التكاملية بمرجعياتها المختلفة الاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والتاريخي ودور هذه المكونات في البناء الهرمي لإنضاج الحدث من خلال انفعال وتفاعل الشخصيات الخالقة والمكونة له وهي تبوح مسترسلة بحوارات مونولوجية فردية بصيغة مونودرامية وبدائرة تواصل لفظي تطهيري ضمن تواصل وجودي تحريضي مداره الأنا المستلبة،، هذا في الظاهر المفترض أما في الباطن الحقيقي فهي تجلد بعضها اي الشخصيات وبالتعيين بحواراتها بسياط لفظية تنتج خطوطاً من الإهتمام والإصغاء المشترك فيما بينها، وبتقاطع تشتبك فيه الهواجس في دائرة صراع موحدة، وتنحاز فيه العلامات باتجاه تذكية هذا الصراع المُنْتِج لزمنٍ، ومكانٍ مغايرين، لهما واقعية واضحة بمقتربات لا تغادر الذاكرة الجمعية الشعبية لتكون مُخْرَجات هذا الصراع في ختام العمل عرضٌ للمشكلة بمعية حلها .. لتؤكد الدكتورة عواطف نعيم في نهاية المطاف رغم استقلالية هذيان الشخصيات عما يحيطها بسرد فردي مؤكدة أي د.عواطف نعيم على ذوبان الفرد في الجميع لوجود مشتركات متعددة بين الشخصيات من جانجانب، وبين كل شخصية وذاتها، وبين الشخصيات عموما والجمهور الذي يجلس متسمرا وهو يتابع حياته مجسدة بالصوت والصورة .. وبشاعرية تنطلق من الهمس المشترك ولا غير الهمس لتحدث وتتفجر علامات ودلالات ابستمولوجية إثر ذلك مجالها ذات المتلقي الذي يكون على عاتقه ترجمة الفعل المسرحي بواقعية هو بطلها بمعنى رمي الكرة في ملعبه وعليه أخذ المبادرة في التغيير المرجو من المسرح باقتران مع لعبة (400بريد) في الاستلام والتسليم في مسابقات العاب القوى.
دأبت الدكتورة عواطف نعيم منذ ان عرفها الجمهور كأحد الركائز الاساسية في صيرورة المسرح العراقي دأبت على تبنيها بوعي منتشي، ومتحرر للمسرح السياسي باحتجاجية جريئة وشجاعة، تضع من خلاله النقاط فوق الحروف معلنة رفضها الواضح لكل ما يأكل من جرف إنسانية الإنسان وكرامته مع انحياز واضح الى فلسفة مسرح المقهورين وهي تبلور جهدها المسرحي الخلاق كعلامة فارقة منتقلة برشاقة المفكرين، هذا الإنحياز الذي أكدته أعمالها الكبيرة وهي تطرق بشدة على وعي المتلقي الإنسان (تحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر) هي مراهنة واثقة وليست يائسة من قبل المخرجة على طاقات الإنسان المعرفية ومكنونات روحه المبدعة في القدرة على التغيير الإيجابي والذي من أجله وجد المسرح، مع إدانة واضحة للقوى الظلامية مصدرها قلمها الفذ وقدراتها الإخراجية والتمثيلية في جميع أعمالها من خلال سلسلة الوجع المهيمن على الروح كنتيجة فعلية للحروب المتعاقبة لبلدها العراق وهي تراه متخذاً لوناً خاكياً إشارة الى عسكرة المجتمع التي أكلت من جرف جماله وإبداعه وحياته وحريته. والأجمل من كل ذلك أنّ الدكتورة عواطف نعيم وإنْ أظْهرت شخصياتها وهي تنحني في خطواتها داخل بنية العرض نتيجة ضغط الهَمِّ المتراكم.. وقسوته.. والوجع المستدام.. ونكباته التي أرهقت الشخصيات واقعيا وافتراضيا.. وكذلك وإنْ بدت مفعولاً بها ومغيبة بشكل قسري،، لكنّ الدكتورة جعلت تلك الشخصيات اللاافتراضية تتجلى قافزة كحمم البراكين من رحم السكينة والاستسلام لتكون جبلاً يمازح النجوم متحولةً من مفعول به الى فاعل مؤثر قوي نشيط نتيجة الذي ذكرناه آنفا في مراهنة عواطف نعيم على حقيقة الإنسان التكوينية والكمالية والإرادة التي وهبها الله له في تحويل الخسارات والهزائم الى انتصارات مخلدة وهذا ما هو متحقق في تبني الإتجاه المسرحي السياسي والبريختي بمقتربات فلسفية مسرحية مع مسرح المقهورين لتخلق لنفسها واسمها وتاريخها مسرحاً أوسع فكراً واشمل معنى وأكثر جمعاً لعناصر التأثير وأبلغ قدرة على التغيير بمسمى حداثوي واقعي أسميته (مسرح الضوء) الذي يبدد كل الظلامات بمختلف اتجاهاتها بدءً من أصل الفعل المسرحي الجمالي الطارد للقبح الذي تسيد الكثير من العروض الهامشية للغير وانتهاءً بفكرها الإبداعي المحرض على زحزحة كل ظلامات الواقع المر الذي يعيشه الفرد والجماعة على حد سواء .. وهي في كل ذلك تنحو منحى الإصلاح التدافعي بطريقة تدافع كتل الضوء لطرد الظلامات ، ونزولا عند العقيدة العرفانية (الحسنات يذهبن السيئات) والجيد يطرد الرديء.
القراءة الثالثة
هوية العرض عنوانه والعتبة الاولى في اختزال كل المعاني والدلالات السيميائية الذاهبة باتجاه بلورة الانطباع العام وتمفصله في الذهن الكاشف عن بنية العرض وموضوعه وهذا ما شكله عنوان العرض من توهجات فكرية ساهمت في تهيئة المتلقي للغور اركيولوجيا في بنية العرض الدلالية مولدا معانِ مهمة ساعدته على تقبل ما شاهده بيسر دون لبس او تأويل مضاد.. هناك انتظارات مريرة تشكلت كفأر خرافي يأكل منسآت ارواحنا نتيجة لفصول القهر العديدة التي ألمت بذواتنا حيث كان يتسرب من بين فجوات اسنان هذا الفأر الخرافي ثمة تساؤلاتمن صنع آلامنا: وماذا بعد هذا الانتظار؟ مالذي سيحدث؟ مالذي سيتغير؟ لذا ياتي الجواب من أصل مرارة الانتظار باللاشيء باللاجدوى .. ولشدة هذه المرارة ولانها لم تعد تستساغ مطلقا كان لابد لها من مواجهة بالرفض والقول (لا) لا للانتظار مقعيين في خانة الخوف والوجل ننتظر نهايتنا مستسلمين لقدر يصنعه الاخرون لنا وفينا .. وبمجرد أخذ المبادرة في الرفض ذابت كل الموانع التي كانت تحجرنا في خانة القطيع الراضي بقسمه والمتحول نتيجة لهذا الرفض الى ذات انسانية حقيقية تمج كل هذا الفساد المستشري وكل هذا الجبروت الخانق انها ثورة العنوان المسرحي التي تبنتها توجهات الكاتبة والمخرجة الدكتورة عواطف الفذة نعيم.
القراءة الرابعة
بوهج فلسفي تمردي وتحريضي على تبني الجمال في الطرح المسرحي والثورة الجادة في تأصيل تفاصيل وتقنيات هذا الطرح مع تأكيد قصدي على حقيقة مطلقة مفادها ان المسرح ليس وسيلة للترفيه فحسب بل هو مجالا واسعا للتغيير نحو الافضل والاجمل في كل مرافق الحياة .. ووفقا لما قلنا آنفا أطلّ العرض المسرحي (انتظارات مرّة) علينا محملا بالرصيد المتراكم من التجارب النوعية في المسرح، على مستوى الكلمة، النص، والمعالجة المسرحية، وما تقتضيه خشبة المسرح من متلازمات فكرية ومادية متلاقحة بنيويا متخذة تشكيلة بانورامية تستعرض التجربة العراقية المجترّة لتراكامات الآلام باستثمارها كتوهجات وتوجهات فلسفية برزت كحجرِ زاوية في تمظهرات العرض المسرحي "انتظارات مرّة" مقتضاها : أنه تأتي علينا ساعات خارج أسوار الخوف نُقَشِّرُ فيها صورنا المُقَمَّطَة بقماط سلطوي لا يبدو منه رأسٌ للحقيقة سوى شيء مبهم، لننفض بقوة غيبية هذه الأقمطة بعيدا ونعلن وبشجاعة عن زئبقية الفرح الذي ما إن تمسكه بقلبك حتى تنبري الحرب منزلقة تتسيد واجهة الحياة بسلسة مواجع بتواطئ مع عقيدة : "أنّ خشبة العرض هي صيرورة وجودنا في الماضي والحاضر والمستقبل" لينفعل هذا الوجود بمراجع : سـوسـيولوجية،، ســياسية،، ايديولوجيـة،، تاريخيــة،، تلتحم مع بعضها لتشكيل التجربة الذاتية للرباعي المتجانس (الكاتب،، المخرج،، الممثل،، الجمهور) ومن علق به ابداعيا من فنيين وغيرهم.. هذا الرباعي الذي عُرِفَ بتجربته الذاتية المرّة في معايشة قسرية الحرب ولبس رداء مأساتها، فهم كانوا حطبها المتوهج وجربوا وتعايشوا مع خساراتها التي أكلت من جرف وجودهم كذوات مثمرة.
لو أنّ احدهم صفعنا بسؤال هو في حقيقته كمزمار الحاوي لإخراج رأس الأفعى من السلّة واستلال ألسنتنا من مخابئها، بالتأكيد سينفجر بركان الحكي من افواه يابسة ستحكي وتحكي وتحكي حتى ينقطع النفس، مع سيل من دموع ساخنة تلسع حرارتها ضمائر الانسانية .. ولكن ما هو هذا السؤال الذي سيفجر ذوات الحكواتية اصحاب التجربة؟؟؟
- ماذا تعني لكم الحرب؟؟؟
الحرب اسد هصور لاك بين فكيه اعمارنا الغضة.. وقتل احلامنا وهي تتوسل تحقيقها على ارض الواقع بوطن تصنعه ضمائرنا وسواعدنا لا وطن تصنعه (حلاوة النصر) التي شبعنا من أكلها فأمرضتنا وهي تُقَدَّمُ لنا نهاية كل هزيمة مسلفنة بأوهام الإنتصارات حيث لا عبارة تتسرب لوعينا الجمعي سوى ((يا محلى النصر بعون الله)).
أي نصر هذا الذي يخسر المنتصر فيه كرامته، شخصيته، ثرواته، اعمار ابناءه، أخلاق مجتمعه، مكتسباته التاريخية والحضارية .. الحرب بنت كلب كما قالها صغيرنا وكبيرنا ولم نعرف معنى الانتصار فيها طيلة حروب القرن العشرين وحتى الان في 2019 إلا في الشعارات والخطابات الحماسية للزعيم الأوحد المؤيد المسدد بالله. لنخرج في نهاية المطاف بحقيقة أحادية متفردة أن النصر في مفهوم الأنظمة الشمولية محصور بدلالة واحدة، وهي بقاء هذا القائد مبتسما بفم اشدق، متسيدا رقابنا حتى قيام الساعة ملوحا بيد كالساطور وهو يحيي ذواتنا المنحنية امام سلطانه أن لم نهتف له بالروح بالدم فالنهاية أثرٌ بعد عين.
هناك اقمطة حاكت عراها حول الانسان ارادت الدكتورة عواطف تعريتها ازاحتها مسرحيا طلبا للحرية من خلال ثلاث قصص لثلاث نساء الخطيبة والزوجة والجدة وهنا نُؤشر انقلاب فكري اخراجي على سمة الشخصية الواحدة في "الصوت الإنساني" حيث جَزأت الشخصية الواحدة في منتج جان كوكتو الى ثلاث شخصيات في منجزها "انتظارات مرة" وهو سلوك اخراجي يشي بعمق الفلسفة المسرحية لضخ الدم المنفعل في شرايين العمل بخلق حبل سري يجمع الوجع المتعدد للنساء الثلاثة هذا اولا ولقتل رتابة الشخصية الواحدة ثانيا ولبث الحياة في الحبكة وهي تدور على الشخصيات الثلاثة مع بعد باتافيزيقي يتمثل بحكاية داخل حكاية وبمسرح داخل مسرح اشارة الى تفاعل الشخصيات الثلاثة بشروط الشكل والهيئة العامة للمسرح كوجود مكتمل من خلال الممثل والجمهور وتحت شعار "احكي واشاهد" باعتبار الانسان كائن ناطق ومستمع ومتفاعل مع محيطه العام.
هؤلاء النسوة اللاتي نقلْن صورة المرأة العراقية التي لا يمكن تمثلها الا وهي بثوب حداد يخفق في المدى .. حيث استطاعت الدكتورة عوطف نعيم ككاتبة ومخرجة للعمل ان تزيح هذه الاقمطة الثقيلة المتمثلة بالخوف وحيرة الإنتظار هاتان الصفتان اللتان لازمتا الشعب المستكين طيلة عقود فارهقت ما به من قوة، حيث سافر بنا العرض عبر الزمن من خلال ثلاثة اجيال او ثلاثة مراحل زمنية رائدها الحروب العوراء .. السفرة الاولى كانت مع فتاة شابة مقبلة على الزواج من خطيبها حسن الذي تكرر اسمه مع المرأتين الأخريين كعلامة ودلالة على وحدة الموضوع في توجهات الحسنيين الثلاثة كرجال جعلهم القدر في موقع المسؤولية للدفاع عن ارض الوطن .. أطلت علينا الخطيبة الشابّة التي ادت دورها شيماء جعفر وهي تتواصل بحديث شيق محاك بيد من حرير عبر الهاتف مع حسن والذي وعدها بمجيئه وعودته من ارض المعركة قريبا لاتمام الزواج لكن الاتصال انقطع عند نقطة درامية متوهجة عدت كحبكة داخلية لمشهد ضمن مجموعة مشاهد وهو مايميز انطلاقات عواطف نعيم المسرحية التي لا تنتهي.. حيث تَعْمَد الى خلق مجموعة حبكات موزعة في بنية النص تبني وتؤسس للحبكة الرئيسية في العمل كل ذلك من اجل الحفاظ على الايقاع بتصاعد لذيذ يغني الحدث ويقوّم الشخصيات ويعطيها الفرصة لفرض وجودها بفاعلية مهيبة مع وخزات تنشيطية للمتلقي للإحاطة بما يجري أمامه.
هذا الانقطاع في الاتصال الهاتفي فتح سجلا كبيرا لمراجعة الخسائر التي تحدثنا عنها والتي هي من ثروات الحرب الطبيعية.. ومما اغنى هذه اللحظة واججها دراميا هو هذا القلق الذي صورته الفنانة شيمياء جعفر بمعية صمتها المتقطع بين حيرة سؤال وحيرة توقع قاتل لجواب يعد كالقاضية لها وهي تستعلم عن حسن ليأتيها الجواب من عامل البدالة بقول فصل ينهي اجترار الاسئلة "اين حسن .. لم انقطع الاتصال .. مالذي جرى لحسن .. لماذا لا يرد على سؤالي .. متى يكون زواجنا .. هل فعلا سيتزوجني حسن" واتى الجواب المنتظر باستشهاد حسن بشظية اخترقت رأسه واستقرت فيه .. لحظات الصمت هذه التي رسمتها عواطف نعيم واتقنت تجسيدها شيماء جعفر اثناء اتصالها الهاتفي وانقطاعه أغنت مفهوم الدراما الذي انتقل ايساغوجيا في هذا العمل في سياقات تركيبية من الدلالة على الحركة فقط إلى الدلالة على الحركة والسكون ومن الدلالة على الكلام والحوار والصوت فقط الى الدلالة على الصمت مع انفعال عكسي بدلالة السكون والصمت على حقيقة مفهوم الدراما.
كان لجواب عامل البدالة باستشهاد حسن بشظية اخترقت رأسه تشكيل حقيقي لشظية اخرى من صنع الجواب او الخبر وهي بطولة معهودة لعامل البدالة في كل اتصالاته ابان الحرب وهو يبعث اخباره المميتة على الدوام ونتيجة لذلك تخترق شظية الخبر رأس الخطيبة ليكون سياميا مع رأس خطيبها .. هذا الرأس الذي رفضت تلك الفتاة ان يحتض داخله غير صورتها وحقيقتها كحبيبة وخطيبة مما ولد لديها خيبة كبيرة وعتب لذيذ لخطيبها حسن....
- كيف هان عليك ان تشاركني مكاني ومملكتي في رأسك بقطعة حديد ساخنها اسمها شظية ..
اااه كم استفزتني هذه الغيرة الأنيقة التي احكمت عراها في قلب هذه الفتاة وهي تُشكل عليه استقبال رأسه هذه الشظية الغبية التي اتخذت من النعت المؤنث صفة لها وكأنها تقول أي الفتاة
- انت لي وحدي انا ..من تكون هذه الشظية؟ حتى تفتح لها رأسك لتستقر فيه
وفي رأيي المتواضع ان الدكتورة عواطف كانت ذكية في تناص (الغيرة) لبطلة جان كوكتو مع بطلتها الخطيبة المكلومة في جزئية الشظية.
حسنا فعلت المخرجة باستثمار الوسادات وخاصة مع شيماء جعفر من خلال تعاملها معها بوضعيات مختلفة اغنت الموضوع حيث اعطت فكرة ما بعطش نسوي للحظات حميمية مع الحبيب لحظات سرقتها الحرب وداسها قطار العمر .
كان للهاتف المستخدم في اتصالات شيماء جعفر وهو من النوع القديم بسماعة وسلك ومزول للارقام وبشكل متعارف معهود دلالات مشرقة بالعزلة والوحدة والجنون تلمسنا نحن المتلقون جانب من هذه العزلة بحق وحقيقة ونحن نمسك هواتفنا الخلوية، كما أعطى دلالة زمنية معينة وان اشتبكت فيها المسميات الزمنية المترادفة مع حروب مختلفة لكنها ومن خلال السياق والنسق الدرامي وطبيعة الحوار وسيميائياته تم تحديد الواقعة حيث كانت في حرب الخليج ذات الثمان سنوات. وما ميز هذه الفتاة هو عشقها للسلام وتأكيدها على تبني الحوار في فض كل ازمة يمر بها الوطن بعد ان انقطع الاتصال بخطيبها مما دعى المخرجة لاستثمار هذا الانقطاع والذهاب باستراحة جميلة بتمرير بعض الانطباعات والرؤى لمجمل الحياة التي نعيشها باشارة من شيماء جعفر لبعض التفجيرات الحاصلة هنا وهناك وتواجد الاختلاف السياسي والاجتماعي والذي كان رأيها فيه بقولها (ليش ما تكعدون وتتفاهمون وتحلون مشاكلكم بهدوء) وهو الامر الذي يحيلنا بتداخل زمني ومكاني تميز به العمل بين الشخصيات في حواراتها وكأنها شخصية واحدة عاشت كل هذه الاحداث المختلفة بنفس واحد لكن باقنعة مختلفة على اعتبار ان الخلافات بين ابناء الوطن الواحد مازلت تدب فيها الحياة ويتوهج لظاها مع كل تغيير سياسي.
بعد ان عجزت شيمياء جعفر عن تكذيب عامل البدالة وخبره بشأن خطيبها حسن وبعد تمام يقينها باستشهاده احتالت على نفسها بكذبة مفضوحة تعتاش على كذبة اخرى تواطئها في الحلم وتختلف عنها في التقنيات من صنع ذاتها المكلومة مفاد هذه الكذبة ان حسن لازال على قيد الحياة وهي اشارة الى رغبة مستدامة عند الجميع بان العراق بخير وسيكون بخير وسيبقى بخير رغم نيران الفجيعة التي أكلت الاخضر واليابس فلجأت الخطيبة الى مواصلة القبض على سماعة الهاتف وهي تنزوي في اقصى عمق المسرح متبنية الانتظار كحل لكل هذا الوجع وهو برأيي فعل اتخذته نتيجة الخوف .. الخوف من سلطة اكبر ربما او الخوف من الاعتراف بانها فقدت خطيبها والذي سيقود الى وصفها بزوجة شهيد هذه الصفة الثمانينية التي لوثت سمعة نساء الشهداء كاجراء نفذته الحرب وسياسة الدولة وهو مازال اجراء حقير يقوض المجتمع ويقتل جدوى الشهادة. هذا الخوف الذي جعلها ان لا تتصارح مع الجمهور وترفض وجعها ومن كان له الدور الاساس في صناعته،، ولقدراتها كأنثى بلا حول ولا قوة،، ونتيجة لتفاهة سنن المجتمع عمدت الى الخنوع في اعماق الذاكرة الانسانية معللة قلبها بالانتظار .. في هذا السياق الدرامي الذي نطالعه عند عتبة شيماء جعفر يقفز امام رؤانا تساؤل لا يخلو من قصدية تعنى بالجنس البشري.. اين صوت الرجل وما حقيقته على الطرف الاخر؟ اراه مخنوقا يمتهن الغياب ...هل هو حقيقة متشحة بالظلال ام وهمٌ مخادع من صناعة نون النسوة؟ ما مدى ايمان الدكتورة عواطف نعيم باهمية صوت المرأة وهو يعلو خانقا صوت الرجل .. بروز صوت المرأة وغياب صوت الرجل بهذا الشكل يدعونا للاعتقاد بان خير من يتحدث عن الالم هو المرأة وهي خير ممثل للمآسي وتفاصيلها .. لكن غياب صوت الرجل يجعلنا ننتفض بالقول ان الحكاية ربما كانت كذبة اختلقتها المرأة لتقضي على اخر انفاس الزمن والوقت الثقيل الذي تصارعه في وحدتها بابتداع حكايات مزيفة تتلوها على اسماع الجمهور الذي وجدت به خير شريك لمؤامراتها بقتل الوقت وهو يصيخ السمع بانشداد ملحوظ.. ونزولا عند هذا الاشكال اجد ان اكبر الكاذبين هم اصحاب الصوت الواحد الصوت المونودرامي احادي النغمة لذلك تراها أي الخطيبة بعد تعبها وارهاقها تكف عن الكذب بحواراتها الاحادية فتعمد الى الانكفاء على نفسها بنظرات حزينة في اللاشيء لكنها تبقى تتابع بوعي آخر لما يدور حولها داخل اسوار الخشبة متحولة كمشاهدة ومتفرجة على حوار تلفوني آخر لشخصية اخرى وهذا ما درجت عليه الشخصية الثانية التي مثلتها الفنانة سوسن شكري بعد ان تلقت خبر استشهاد زوجها من قبل عامل البدالة ومن خلال الهاتف الذي كان من نفس النوع السابق المرافق لشيماء جعفر باشارة الى تقارب تقني وزمني بينهما بتوقع ان تكون الاولى في حرب الثماني سنوات والثانية اما في حرب الخليج الثانية ابان الواحد وتسعين او في حرب داعش.. اختلفت الوانُ الهاتِفَيْن وتعدد الألوان في هذه الجزئية اشارة الى تعدد جهات الوجع وتعدد مصادره وتعدد شخصياته وكذلك اشارة صريحة لفسيفساء الوطن من المكونات المختلفة من الشمال الى الجنوب والتي اعتصرها القهر بتناسخ عجيب لادواته القمعية..
تجاورت حيثيات حياة الخطيبة والزوجة بنفس لغة المأساة لكن بتمايز معين، كانت عواطف نعيم في اشاعة هذا التمايز في جسد العرض ذكية بمراعاة عمر الشخصية ووجودها الاجتماعي من خلال طبيعة الشخصيات وما تناثر عنها من افعال حيث لاحظنا تمايزا بين شيماء جعفر وهي تتحدث مع خطيبها بحركات وافعال فيها بعض النزق الشبابي وبايحاءات جنسية تؤكد عمر الشخصية وعشقها للحياة وبين الشخصية الثانية التي وجدنا فيها اعتدادا ورصانة وقوة مع تأكيد للعمر من خلال اسقاطها عند دخولها الخشبة لاواني الطبخ وهو دليل عظم المأساة التي ارهقتها مع تقدم بالعمر ناسبته كثيرا ممتلكات سوسن شكري العمرية والجسدية والادائية.. ومع هذا الاختلاف في العمر وطبيعة الشخصية وأناتها واختلاف طريقة الاستشهاد لزوجيهما الاول بشظية والاخر نتيجة لتفكيكه قنبلة موقوتة الا انهما اتفقتا على نفس الحل بتواطئ له مبرراته النفسية والوراثية نتيجة للخوف المهيمن على الروح والذي هو الحالة العامة التي كان يعيشها الفرد .. فلم تكذب الشخصية الثانية "سوسن شكري" خبرا فلجأت الى عمق المسرح ممسكة بسماعة الهاتف مواصلة الاتصال بشخص لا وجود له "عامل البدالة" ربما استشهد هو الاخر لذا لن يكون هناك جواب في قابل الايام سوى الووو .. الووو .. الووو .. طوووط .. طوووط .. طوووط.
وهنا احب ان اذكر معرجا على فكر المخرجة الكبير واستثمارها لجغرافية المسرح الذي احتضن العرض رغم محدوديته وعدم وجود الفضاء المناسب له وهي حالة عامة يعاني منها الكثير من مسارحنا كما يعرف الجميع لكن المخرجة قفزت بأريحية فوق هذا الاشكال مستثمرة ذلك الحيز الجغرافي المتواضع بإقعاء الشخصيتين المنتظرتين في عمق المسرح وهي علامة سيميائية بدلالة ثقافية اجتماعية حاذقة بانزواء المجروحين في خانة النسيان وان بدتا ظاهرتين امامنا تحت انوار المسرح.. مع اشراقة يجب ان لا نغفل عنها باتجاه ادانة المجتمع للمجتمع ادانة ذاتية من جنس الفعل هذا المجتمع الذي لم يتحمل مسؤولياته بتخفيف كم الالم الذي نال هذه الشريحة من النساء المثخنات بالفقد مع حقيقة لازمت الشخصيتين مفادها الهروب المستمر بمعية اخر ذكرى لمن فقدوا وهو الهاتف.. الهروب من مجتمع اعلن قسوته مع اول كلمة الله اكبر واول شهيد قاتلَ بالنيابة في حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل وهو القاسم المشترك الاوحد في كل حروبنا والذي اعلن عن نفسه كحقيقة ثابتة .
الانتقالة الكبيرة للحدث والمفارقة الدرامية للعرض بشكل عام والثيمة العالية القيمة التي طفت على السطح كإعلن وجود هي لحظة دخول شخصية الجدة التي جسدتها الفنانة الكبيرة سمر محمد والتي رتبت اوراق العرض المبعثرة حينما تلقت خبر وفاة حفيدها وابن بنتها التي ماتت بين يديها لحظة ولادة طفلها الذي كبر واصبح بعمر السابعة عشر حيث أُبلغت باستشهاده في ساحة التحرير مطالبا بالحرية ونبذ الفساد والظلم .. وهنا لابد لنا من الاشارة الى زمن الكتابة للشخصية الثالثة الذي واطأ زمن السرد والذي بدوره واطأ زمن العرض وهذا دليل على تلاحم المسرح مع قضايا الجمهور واستجابته لهول الأنين الشعبي برفض الظلم والفساد وتجسيد هذا الانين مسرحيا مع ملاحظة دقيقة يجب الالتفات اليها وهي تحمل على اجنحتها فكر الدكتورة المتقد حينما جزأت الشخصية الواحدة وجعلتها ثلاث شخصيات راعت في ظهورهم انسياب الزمن "العمر" بخط قطري متخذا شكلا بيانيا بمعادلة رياضية (الفرق بين مربعين) عندما جعلت الاولى خطيبة جندي تطورت بعدها لتصبح زوجة ضابط ثم تطورت عند الذروة لتصبح جدة ثائر مما يدل على ذكاء الدكتورة الدرامي الذي يرمم الشخصية بإقناع مميز.
الملفت للنظر بتميز الشخصية الثالثة عن الشخصيتين الاوليتين يتجلى بسياقات عدة توزعت ما بين الفكري والواقعي والنفسي عكست اختلاف التوجهات العامة لعراقي الامس عن عراقي اليوم وعكست طبيعة الولاءات الذاتية للرجل وسبب استشهاده فيما مضى عن سبب استشهاده في الزمن الراهن كما عكست عن طبيعة نون النسوة وتوجهاتها الوطنية واختلافها عمن سبقها. هذه الاختلافات بين الماضي والحاضر استقيناها من التالي من المفارقات وكأن العرض وضع امامنا كما تفعل المجلات بصفحتها الترفيهية لاكتشاف الفوارق بين صورتين معروضتين للجمهور تحت عنوان جد الفروقات السبعة بين الصورتين.
تواجدُ الهاتف النقال بيد الجدة عكس الهاتف القديم بيد الخطيبة والزوجة كعلامة زمنية تقنية وضعتنا في الزمن المناسب المحصور بالعشر سنين الاخيرة والذي سيتحدد بالزمن الحالي المعاش من خلال استشهاد الشاب في التظاهرات في ساحة التحرير مع بروز علامة مهمة مكثفة المعنى مجالها أن خطيب الاولى وزوج الثانية كانا يقاتلان دفاعا بالنيابة عن مسميات مختلفة بلا وعي بلا رغبة تم جرهما لحماقات لا ناقة لهما فيها ولا جمل ، كان الموت لديهم قسري مجبرين عليه مع رغبة مؤكدة بان يكونوا في استشهادهم اخر القتلى عكس الحفيد الذي انتفض من اجل المطالبة بحقوقه المسلوبة واحلامه المنهوبة وحرياته المذبوحة على محراب الديمقراطية المزيفة مع رغبة حقيقية لاسترجاع حقوق الجندي والضابط اللذان سبقاه في الموت المجاني ، فكان موته رغبة حتمية بنيل الاستشهاد طالبا اياه يريد به وان علا تل الجماجم ان تحقن دماء من يأتي بعده.. وان تُحفظ كرامة جدته بعيش كريم وان ينتهي مسلسل الموت لكنه استشهد برصاصة قناص بإشارة ذكية ومهمة لخسة القتلة مع توثيق لحقيقة استشهاد اغلب الشباب في ساحة التحرير بهذه الطريقة الجبانة.. والامر الاخر والمهم وهو الذي نصب نفسه كخيمة حافظة لجماليات العرض مع تمتعه بالإحاطة بهدف وغاية العرض عموما.. تمثل هذا الأمر بخروج الجدة عن المألوف وتحررها من الخوف والانتظار اللامجدي وادانتها للاستسلام المذل الذي لازم الخطيبة والزوجة فيما مضى مستقية موقفها من طبيعة استشهاد حفيدها الذي ناقض استشهاد من سبقه لذلك اعلنت ولائها للوطن بكلمتها المدوية " جايه.. بعد ما انتظر.. جايه لساحة التحرير"هذه الكلمة التي استحوذت على مناهج الثورات العالمية بأسرها مع استحواذها آذان وظمائر النسوة المقعيات في عمق المسرح مما فجر فيهن الفعل الثوري الذي كان يؤكد عليه بريخت بتعبيره "الشرارة الاولى" مما دفعهن للخروج وبنفس الطريقة وبنفس العبارة الدرامية الثورية الخالدة والتي عجز الكثير من المقعيين عن قولها "جايه.. بعد ما انتظر.. جايه لساحة التحرير" .. انتقلت الشرارة من الجدة الى الزوجة الى الخطيبة بتتابع عكسي لظهورهن الاول مع تحفيز الاجيال الماضية بأثر رجعي وبالتالي انتقال تلك الشرارة الى القاعة والى الجمهور الذي اندفع متفاعلا وهو يعلن اعجابه بالعرض الذي ارخ لحقبة مهمة من تاريخ العراق الحديث والذي زج بنا روحا وجسدا في خضم ساحة التحرير حاملين اعلامنا مترنمين بهتاف "سلمية .. سلمية .. نريد وطن.. نريد وطن" .
القراءة الخامسة
حسنا فعلت المخرجة باختياراتها التمثيلية حينما اشركت الفنانة الكبيرة "الجوكر" سمر محمد سر نجاح ايما عمل تشارك به لانها اضافة حقيقية كحضور مثمر له ثقله الواضح دراميا لما تمتلكه من ادوات تمثيلة مميزة تشي بالحميمية مع المشاهد الذي يأنس بصوتها ذي النكهة المحببة المختمر في الذاكرة كعلامة ابداعية ارخت لنجاح العديد من منجزات الفن العراقي.. وكذلك كان لتقاطيع وجهها الحادة قدرة لخلق كاريزما امرأة قوية تحملت كل جنون الحياة وبوؤسها حيث طابق واقع دورها تلك الكاريزما المتحولة مع كل دور تتقمصه.. اما الفنان القديرة "سوسن شكري" ذات التاريخ المتوهج ابداعيا لم تقل قدرة وفاعلية على انضاج العمل بدور مهم يسجل لها فيه كعلامة وايقونة جمالية رغم كم الحزن الذي علا تقاطيعها وهي تطل علينا باتصالها الهاتفي مع زوجها .. وايضا هنا حسنا فعلت المخرجة بإسنادها هذا الدور المهم للفنانة سوسن شكري لما له من سيميائيات رومانسية هادئة وواضحة ولما له اي الدور من مساحة كبيرة في التشكل وصناعة المعنى لدى المتلقي من خلال اداء كبير متجدد فاجئني وفاجأ الجمهور رغم تقدم العمر والذي استطاعت فيه سوسن شكري ان تنافس وبقوة الممثلتين الاخريين من اخذها على عاتقها مسؤولية اعادة المتفرج لسني وجعه الاول من خلال تشكيلاتها الحركية التي نقرت على صندوق الذاكرة الجمعية ومنها غنائها الاغنية المحفورة في ذاكرتنا الحربية "واحنا مشينا للحرب" مع مسيرها العسكري الذي اوقعنا في حيرة كبيرة دعانا لدعك عيوننا للتأكد من ان الذي امامنا الممثلة سوسن شكري ام جندي عراقي متدرب عسكريا بشكل محترف وعلى يد امهر العرفاء .. اما الممثلة الثالثة الشابة شيماء جعفر والتي اعدها بحق مفاجأة العرض وسر نجاحه لما ابلته من بلاء حسن تمثل في بثها العديد من العلامات وهي تنزاح بدلالات ثقافية واجتماعية حاضرة في خبايا فعلنا الخيالي والمؤولة لدينا بمعاني شاهقة اججت فينا الرغبة بمشاركتها فعلها الجمالي على نفس الخشبة وهي تتحدث وتتحرك بانفعال مع السينوغرافيا بمختلف عناصرها برشاقة الطيور فعشقنا كل ما لامسته يداها من الهاتف الى الوسادة الى الضوء المتساقط فوق عينيها لتحثنا جماليات فعلها اللغوي والجسدي والنفسي الى تبنيات واقعية عند مثابات الحدث وهو يتمحور بين الشخصية وفضاء المسرح كالوجود الاخر الغير مرئي لخطيبها او الوجود الاخر لعامل البدالة حيث دفعت بنا لاحداث لغط في صالة المتفرجين كردود افعال على ما قدمته من اداء يستحق التصفيق لسنين حتى تأتي عواطفا اخرى لتصنع مجدا اسمه شيمياء جعفر. حقيقة واقعة لا غبار ولا لبس فيها ان الميزانسين الضابط لعناصر العرض بمختلف اشكالها ومهمامها اتى نتيجة حتمية للرسم الدقيق للمخرجة لما هو متوفر لديها من عناصر مسرحية بنسبة معينة وبنسبة مهمة لما عكسه ابداع الممثلات وهن يتنقلن بإداء انفجاري وانفعالي مكتنز مشفر وبرشاقة واضحة دليل لياقة بدنية لها قولها الفصل في نجاح اكثر الاعمال المسرحية فضلا عن اللياقة اللفظية الانتقالية بين حدث واخر..وتعضيدا لما قلنا نورد خطاب ستانسلافسكي (ينطلق خط الميزانسين من تحت قدمي الممثل) كتشكيل حركي متعارف على اعتبار انه أي الممثل مجمع الرؤى والافكار للمؤلف والمخرج وهو سيد العرض وصيرورته الحركية هي ما نعنيه بالتنظيم المعماري للمشهد او الميزانسين ونضيف نحن (ينطلق خط الميزانسين من تحت قدمي الممثل أي نعم ومن بين شفتيه ايضا ومن خلل احساسه نزولا عند كون الممثل كائنا فاعلا ومتفاعلا مع المحيط وهو المسؤول الاول والاخير عن خلق العلاقة التنظيمية بين عناصر العرض المسرحي ونخلص للقول ان الميزانسين حقيقة الممثل اولا واخيرا.
القراءة السادسة
بالتعريج على سينوغرافيا العرض لابد ان نشير الى حقيقة مهمة لازمت الادوات المسرحية للمخرجة بؤرتها حقيقة أخرى تشكلت اوتوماتيكيا بعرفانية الحلاجين بعبارة "اسقاط الاضافات من الكمال" فكان كل شيء على المسرح باطنا وظاهرا يتصف بالاناقة انطلاقا من الديكور الشحيح الذي لازمه الكمال بعراقية صادقة عكست البيئة المناسبة للحدث كما كانت المخرجة حاذقة في توظيف الاليات الدرامية الحديثة في تضمين رسائلها المشفرة كنوع الهاتف في التسلسل الزمني مثلا مع لُمعات نفسية ارتكزت في البساط الشعبي والوسائد الملغزة بإيجاء رمزي لطلب الراحة بعد زمن ارهق الارواح قبل الاجساد .. مرورا بالأزياء العادية الجميلة المسترسلة ببساطة ممتعة بتناسب واضح مع طبيعة وعمر الشخصية .. فضلا عن الموسيقى التي استوحيت بقصدية إغراقية من الموروث الشعبي العراقي الذي عَلَتْ فيه نغمات الوجع وهو فعل جمالي ودرامي درجت عليه المخرجة عواطف نعيم في جميع اعمالها لما له من تاثير فلسفي واضح في بلورة الحدث مع مزاج ذاتي انيق تميزت به روحها العراقية الاصيلة في التبنيات المحلية للموروثات الغنائية. اما الاضاءة التي كانت متوهجة يكاد ان يكون بدرجة فيضية مع كثافة لونية في اغلب اوقات العرض والتي دفعت بنا سيميائيا نحو اليقين بوضوح توجهات العرض بلا مواربة في اعلان الرفض التام لكل سلبيات هذا الوطن والرغبة الكبرى في جعله وطنا امنا يحتضن الجميع لا وطنا لفئة على حساب فئة اخرى كل ذلك باضطراد رياضي فيزيائي نفسي ايحائي كمية الضوء مدعاة للوضوح والقائدة لوضوح الهدف والغاية في اعلان الرفض لكل سلبيات الوطن المستحدثة.
الأربعاء، 11 ديسمبر 2019
مسرحية نورية.. تقطف الإعجاب في مهرجان للمسرح النسائي
مجلة الفنون المسرحية
مسرحية نورية.. تقطف الإعجاب في مهرجان للمسرح النسائي
مسرحية نورية.. تقطف الإعجاب في مهرجان للمسرح النسائي
محمد جاسم - المدى
شاركت الفرقة القومية للتمثيل في مهرجان مرا للمسرح النسائي في تونس، بمسرحية نورية وهي من تأليف واخراج الفنانة "ليلى محمد" واداء الفنانة "هناء محمد"،
وحققت المسرحية حضورا فنيا وجماهيريا طيبا انعكس على تجاوب الجمهور بطريقة مدهشة. وشارك في المهرجان اضافة للعراق، عرض مسرحي واحد من الجزائر، وعرضان من تونس.
كما جرى تكريم الفنانة ليلى من المهرجان بشهادة تقدير وتثمين لمسيرتها الفنية في المسرح العراقي، ودعمها للمهرجان في كل دوراته السابقة من خلال مشاركتها الفاعلة فيه. ليلى قالت للمدى:- ان المسرحية مونودراما عراقية تتجسد بامرأة واحدة، رغم ان هناك اكثر من امرأة عراقية. وهي نموذج للمرأة التي تمر بظروف القحط والحروب والمعاناة الشخصية وهموم الوطن الاخرى. نورية التي تتصدى للموت وتحاول ان تحافظ على الامل في ظل كل امواج الموت التي تحيط بها، حيث تلوذ بمغتسل للموتى خوفاً من الموت وهربا منه. وهي تتحدث عن امرأة تحمل هموم الوطن الذي تكالبت عليه قوى العدوان خارجيا وداخليا.. كتبت المسرحية سنة 2000 واعتز بها جدا لرمزيتها العالية عن المرأة. كتبتها باللغة الفصحى ودائما تتحمل ادخال الجديد عليها. واضافت الفنانة ليلى:- ادت الشخصية الرئيسة في المسرحية التي هي نورية الفنانة القديرة "هناء محمد" وقد تألقت كثيرا وحظيت بالتصفيق والاعجاب والتفاعل طوال فترة العرض. لانها كانت تحكي عن الهم الانساني والواقع الذي نعيشه بالعراق بعيدا عن الاسفاف، والطرح لم يتناول من قبل، امرأة تتحدث مع ملك الموت.
واشارت:- استخدمنا الطقس عندما قدمناها في تونس، لان العرض اختلف كثيرا عن عرض بغداد في عام 2015، ففي بغداد شاركتنا مجاميع من الممثلين لكن في تونس قدمناها بعدد قليل جدا، كما استغنينا عن المسرحة وحولناها الى طقس عراقي، لان المسرح الوطني في بغداد كبير ويستوعب ذلك، اما مسرح تونس فكان صغيرا. وكسرنا الجدار الرابع الذي هو الجمهور فاشركناه معنا في العمل، لاسيما انه جمهور يمثل المغرب العربي عموما، وكان يأنس كثيرا للفنان العراقي وهو يؤدي دوره باللغة الفصحى. كما اعطت الموسيقى والسينوغرافيا طقسا رائعا للفكرة والاداء على نحو كبير ومدهش دعم الفكرة والاداء على نحو مبهر، ساعد في ذلك ان فكرة المسرحية تتلاءم مع الاحداث وما يمر به العراق اليوم.
الثلاثاء، 10 ديسمبر 2019
“أمكنة إسماعيل” رؤية مسرحية تخوض في جدل الأمكنة وحافات الجنون والعقل
مجلة الفنون المسرحية
“أمكنة إسماعيل” رؤية مسرحية تخوض في جدل الأمكنة وحافات الجنون والعقل
وات :
"أمكنة إسماعيل" واحدة من المسرحيات الأربعة عشر المبرمجة ضمن المسابقة الرسمية والمتنافسة على أحد جوائزها، تابعها جمهور الفن الرابع بقاعة "الريو" عرض لم يتخلّف عنه ضيوف المهرجان والنقّاد وطلبة المعاهد ونقّاد الفن المسرحي.
هذا العمل أنتجته دائرة السينما والمسرح والفرقة الوطنية للتمثيل في العراق ، كتبه هونشك وزيري وأخرجه إبراهيم حنون وقام بأدواره كل من رائد محسن، باسل شبيب، كاترين هاشم، شوقي فريد، طه علي، حيدر الخياط، سيف مؤيد، علي العذاري وماجد لفته.
كلّ المجانين غادروا المستشفى لم يبق سوى الطبيب وابنته الممرضة، ومريض واحد يرفض المغادرة رغم إصرار هذين الأخيرين على أنه عاقل ورغم كرهه لهذا المكان المقيت البائس.
إسماعيل وهو بطل العمل اتخذ من مستشفى المجانين بيته وعالمه هاربا من العقل المدمر والموت والدمار والجنون الموجود في الخارج، هناك حيث العاقل هو المجنون الحقيقي، في ذلك العالم وجد إسماعيل نفسه مطحونا بإيقاع الحرب وإرهاصاتها فاختار الجنون بإرادة مطلقة ليحافظ على انسانيته... فهو السجين السياسي والمُعنّف الذي وجده الطبيب متورّما أمام باب المستشفى وهناك استقرّ يخاطب الطبيب خطاب الأب والممرضة خطاب الزوجة ياسمين ولا يحتاج للعقل ليعيش، هذا العقل الذي لا يفعل شيئا سوى إصدار الأمر بقتل الانسان وتشريده وتدمير المنشئات، صار إسماعيل جبانا يؤدّي دور المجنون ليكون في أمان، يرى العالم مليء بالشياطين... "العاقل مجنون"، هي صرخة إسماعيل المطحون بآلة الحرب التي دمّرت كل شيء وحولت الإنسان إلى حطام.
لا أحد يستطيع إقناع إسماعيل بأنه عاقل "الجنون قرار وخيار يتخذه العقل بكامل إرادته" حكمة لا تستقيم في منطق العقلاء وتلك مفتاح الحكاية في المأساة التي عاشها إسماعيل، وهي حكاية كل عراقي لم يقبل المنطق الذي فرضته آلة الحرب الطاحنة.
"أمكنة إسماعيل" خطاب فلسفي كتب بشاعرية عالية يحاول تحديد الشعرة الفاصلة بين العقل والجنون لكنّه في تحديد المفاهيم يخذله الواقع ويصدم بتداخل العالمين: عالم الخارج حيث العقلاء مجانين حرب وعالم الداخل/مستشفى حيث المجانين يرفضون الحرب ويحتمون بالجنون... في منتصف هذا الطريق ضيّع إسماعيل البوصلة بين الاتجاهين.
خمسة عشر عاما استعمل إسماعيل عقله ليلغي العقل (بالمفهوم العام) ليقنع الكل بالجنون... لعبة قاسية ضيّع في ثناياها الزوجة والإبنه والبيت وضيّع إنسانيته التي ادعى أنه حصّنها بالجنون ليجد نفسه من جديد في المستشفى (المبنى البائس المهجور) وحيدا بعدما غادره الكل لمواجهة مصائرهم في الخارج... يصرخ وحيدا: "أنا اسمي إسماعيل" مسرحية تخوض في جدل الأمكنة وحافات الجنون والعقل الخارج والداخل... ينتهي العمل ويحيي الممثلون الجمهور ثم يعودون وقد وضعوا أقنعة على أنوفهم وأفواههم رافعين إشارة النصر... وتلك وسيلتهم ليقولوا " عندما تحيط بنا الغازات السامة، نلوذ بالمسرح بوصفه أوكسيجين الحياة".


























