أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 13 أكتوبر 2016

“القسوة”تقنية جديدة في الثقافة العراقية

مجلة الفنون المسرحية

بسبب القسوة المفرطة التي يتعرض لها العراقي في كل مكان يكون فيه بعد الحروب الكارثية التي تعرض لها البلد، بدأت الثقافة العراقية تتمظهر بأشكال جديدة لم تكن معروفة في هذه الثقافة التي تعرضت للتصدع والتفكك خلال الخمسين سنة الماضية. من بين هذه المظاهر التي بدأت تشكل ثيمة أساسية في الكثير من الأعمال الإبداعية الآن ظاهرة “القسوة أو الإزعاج” الموجه إلى الجمهور الذي يتابع أعمال المثقفين والفنانين العراقيين.

استخدام المؤثرات

يستطيع الفنان استخدام هذه التقنية في المسرح وفي الفن التشكيلي والموسيقى بشكل كبير، وفي الفنون الكتابية بشكل أقل لأسباب كثيرة أقلها أن الكاتب أو الشاعر سيكون بعيدا عن متلقيه لأن مجاله في الصحف أو المجلات أو الانترنت، أنها تورية تؤدي أكثر من غرض على أكثر من صعيد، لكن المسرحي يستطيع أن يخترق جمهوره، ويمكن أن يشركه في العمل المسرحي أيضا من دون إرادة هذا الجمهور، كما يمكن للفنان التشكيلي أن يستخدم اللعبة ذاتها عن طريق استخدام المؤثرات الصوتية والفيلمية إلى جانب لوحاته. الموسيقي يمكن إن يفعل ذلك أيضا عن طريق آلته التي يتحكم بمفاتيحها وأوتارها.

تقنية “آرتو”

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الان هو لماذا بدأ الفنانون العراقيون يستخدمون هذه التقنية في هذا الوقت بالذات مع إن الذي تعرضوا له أيام النظام الدكتاتوري السابق لم يكن أقل قسوة مما يحصل في العراق الآن؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أقول أن هذه التقنية جديدة على الثقافة العراقية والعربية بشكل عام وأن رائد هذه التقنية هو الفنان المسرحي والشاعر الفرنسي “آرتو” العبقري المجنون الذي قضى نصف حياته في المصحات.

ببساطة شديدة يمكن أن نجيب عن هذا السؤال ونقول أن الفنانين العراقيين لم يكونوا بحاجة إلى استخدام هذه التقنية قبل 2003 ليس لأنهم لا يعرفونها، بل لأنهم كانوا في أتون القسوة ذاته، لأنهم كانوا غارقين في الكابوس ذاته، وبالتالي ليس هناك من داع لتكرار الفعل نفسه لأنه سيصبح اجترارا. وحينما انتهى الكابوس انتبهوا إلى أن أصواتهم اختفت ولم يعودوا قادرين أو في واقع الأمر لم يعد أحد يستمع إليهم في ضوء المتغيرات الجديدة التي جاءت بكل ما هو غريب وطارئ ومشوه عليهم.

العدو الواضح

لقد كان النظام السابق هو العدو الواضح والأوحد لهؤلاء الناس، وكان بإمكانهم أن يوجهوا رفضهم له بطرق كثيرة لا تحتاج إلى تقنيات خاصة، اما الآن وقد أصبح العدو يتناسل ويتقنع بأقنعة كثيرة فقد اختلط الأمر على هؤلاء الفنانين ولم يعودوا يعرفون من هو العدو الحقيقي. وسط هذا التيه الكامل حاولوا الالتجاء إلى هذه التقنية التي قد يكون بإمكانهم من خلالها استرجاع أصواتهم التي ضاعت في هذه الفوضى العارمة.

الملاحظة الجديرة بالانتباه أن هؤلاء الفنانين هم من المستقلين الذين لم ينتموا إلى حزب أو حركة سياسية وأغلبهم مازال يعيش في منفاه، على العكس من الكثير من الفنانين أو المثقفين الذين انضووا تحت خيام الأحزاب والحركات السياسية الجديدة التي وفرت لهم غطاء سياسيا أو طائفيا أو قوميا لا يحتاجون معه إلى البحث عن تقنيات جديدة مثل هذه التقنية، إذ أنهم أصبحوا “صوت” هذه الأحزاب.

نماذج التقنيات

في هذا المجال ومن خلال معايشتي لبعض أعمال الفنانين العراقيين الذين يعيشون في أوروبا يمكنني أن أقدم بعض النماذج التي استعارت هذه التقنية في الأعمال التي قدمت في السنوات الخمس الأخيرة بعد الاحتلال وكيف استثمر كل فنان هذه التقنية بطريقته الخاصة. في بلجيكا قدم المخرج العراقي المعروف حازم كمال الدين مسرحية “مدينة السلاح” وهي من تأليف كاتب هذه السطور وقدمت في هولندا وبلجيكا باللغة الهولندية، استخدم المخرج تقنية “القسوة” حين جعل الممثلين يحدقون بالجمهور بطريقة مباشرة واستفزازية ويروون له حكاية لا تعني شيئا يكررونها بطريقة فجة مع حركات عنيفة. يشعر الجمهور في مثل هذه اللحظات بالتوتر ويفكر بمغادرة القاعة لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك لان الممثل لا يمنحه هذه الفرصة. في المجال الموسيقي قدم الموسيقار العراقي أحمد مختار في أمسية لندنية مجموعة من القطع الموسيقية من عمله “الطريق إلى بغداد” ومن خلال قطعة اسمها “رثاء النخيل” عزف مختار بعض الحركات الموسيقية التي شعر معها السامع بالأصوات الحادة التي تنطلق من آلة العود، تلك الأصوات التي لم تعتد عليها الأذن العربية.

في هذه القطعة التي تتكون من ثلاث حركات وفي المقطع الثاني استخدم مختار الموضع الثالث من العود والطبقات الحادة جدا مع نوطات كروماتيكية لا مقامية. أما التقنية التي استخدمها الفنان التشكيلي صادق كويش فاعتمدت الرسم والفيديو آرت حيث يقوم المعرض على التكامل بين تقنية الرسم وتقنية الفيديو . إلى جانب اللوحات المعروضة يظهر عرض الفيديو رجلا يرتدي كفنا أبيض وهو يستعد لرحلة الموت مع صوت يردد جملة واحدة فقط وتتكرر باستمرار لإزعاج المشاهد وإجباره على التركيز على مناخات الأعمال. هذه الجملة تقول: عزيزي ريلكه، نحن كلنا مسافرون..

في المجال الشعري يمكن أن نختار الشاعر الراحل سركون بولص الذي لم يكن منشغلا بأي شيء سوى الألم، كانت له حياة قديس مركبة على هيئة شاعر يجوب البراري والمدن المهجورة من أجل إكسير لهذا الألم الذي أصبح الخبز اليومي له وللناس الذين تجشم من أجلهم هذه المهمة الرسولية التي كان مدفوعا إليها دفعا كقدر غير مردود (رجل أراد أن يعزف/على قيثارة الآلهة/سقطت أصابعه في البار بين أقدام العاهرات). القسوة هنا غير مرئية وملطفة إلى أقصى حد ويعمل اللاوعي على تخفيف حدتها لكنها تبرز إلى السطح مخترقة كل الحواجز النفسية بسبب ديناميكيتها التي تخلق صورا لا يمكن للوعي أن يمحوها.

------------------------------------
المصدر : صلاح حسن - الشبكة 

مسرحية " تفل قهوة" مسرحية لبنانية في دمشق

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية " تفل قهوة" مسرحية لبنانية في دمشق

تستضيف خشبة مسرح القباني، يوم الأحد القادم العرض المسرحي اللبناني “تفل قهوة” من تأليف هيثم الطفيلي وإخراج الدكتور هشام زين الدين.

ويستمر العرض الذي تنظمه مديرية المسارح والموسيقا بوزارة الثقافة حتّى العشرين من الشهر الجاري وهو مونودراما من بطولة الفنانة مروة قرعوني.

وقال عماد جلول مدير عام مديرية المسارح والموسيقا: في المسرح لا وجود للمسافات فهو الذي يقرّب بين المبدعين مهما باعدت بينهم الجغرافيا، كثيراً ما احتفت دمشق بالمسرح العربي والعالمي وظل المبدعون المسرحيون ضيوفاً عليها بين حين وآخر يقدمون عصارة فنهم وإبداعهم لجمهور المسرح السوري الذّواق.

وأضاف جلول: تحتفي دمشق هذه المرة بالفن المسرحي العربي من لبنان عبر عرض “تفل قهوة” الذي سيكون ضيفاً عزيزاً علينا في وطننا منطلقين في ذلك من رؤية أن سورية هي الوطن لكل المبدعين العرب.

بدورها، قالت بطلة العرض مروة قرعوني: “مريم” بطلة المسرحية تعلن عن عجزها وخيبتها فتسجن نفسها بين جدران تخيلاتها وأوهامها وذكرياتها تهلوس لعلها تجد أجوبة عن تساؤلاتها تصرخ فلا تسمع سوى ترددات صوتها في سماء المستنقع الملوثة بالكذب والفساد ولا ترى سوى انعكاس صورتها المشوّهة على وجه مياهه الآسنة.

ويبدأ العرض يومياً عند الساعة السادسة.


يوسف العاني.. "فنان الشعب" العراقي

مجلة الفنون المسرحية

يوسف العاني.. "فنان الشعب" العراقي   

أحد أبرز فناني المسرح والسينما في العراق منذ أربعينيات القرن الماضي، يكنى بـ "فنان الشعب"، أعد ومثل العديد من المسرحيات، وهو مؤسس فرقة "الفن الحديث" عام 1952.

المولد والنشأة
ولد يوسف العاني يوم 1 يوليو/تموز 1927 في منطقة عانه بمحافظة الأنبار غربي العراق، وجاء في الموقع الرسمي لدار السينما والمسرح التابع لوزارة الثقافة في العراق أن العاني ولد في الفلوجة.

انتقل للإقامة في العاصمة الأردنية عمان منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

الدراسة والتكوين
درس في معهد الفنون الجميلة فرع التمثيل لمدة أربع سنوات، وفصل في السنة الأخيرة عام 1952 لمواقفه الوطنية.

تخرج العاني في كلية الإدارة والاقتصاد بـبغداد، وقد شهدت دراسته الجامعية بدايات انطلاقته الفنية عندما أسس أول فرقة مسرحية إبان حياته الطلابية.
الوظائف والمسؤوليات
شغل منصب معيد في كلية الإدارة والاقتصاد في بغداد (1950ـ1951) للإشراف على النشاط الفني في الكلية، ثم عين مديرا للبرامج في مديرية الإذاعة والتلفزيون بعد ثورة يوليو/ تموز 1958 .

قضى عاما كاملا (1957 و1958) في عدد من مسارح الاتحاد السوفياتي سابقا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الديمقراطية وقتها، وهناك تعرف العاني على مسرح بريخت، وقضى أيضا أشهرا في مسارح فيينا.

كما شغل منصب أول مدير عام لمصلحة السينما والمسرح عام 1960، فرئيس فرقة المسرح الفني الحديث، والسكرتير العام للمركز العراقي للمسرح التابع للمركز العالمي. وكان أيضا عضوا في اللجنة التنفيذية للمركز العالمي للمسرح للفترة من 1983-1985.

ونظرا لخبرته الطويلة، تولى رئاسة هيئة تحكيم مسابقة الدراما في المهرجان العالمي للتلفزيون ببغداد 1988، ورئيسا لهيئة تحكيم مهرجان التمثيلية التلفزيونية الأول في تونس 1981، وعضو لجنة تحكيم مهرجان الشباب السينمائي في دمشق 1972.

ومارس العاني أيضا النقد السينمائي والمسرحي منذ عام 1952، وكتب في مجالات النقد والمتابعات الفنية لا سيما المسرحية السينمائية، داخل العراق وخارجه. 

التجربة الفنية
عرف عن العاني أنه كان يتبع منهجية واقعية في أعماله المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، حيث كان يعالج هموم ومعاناة الفئات المسحوقة من المجتمع العراقي، إضافة إلى أسلوبه النقدي والساخر في تناول الموضوعات.

والعاني هو الذي أسس فرقة "الفن الحديث" مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين المثقفين الشباب العراقيين يوم 3 أبريل/نيسان 1952.
وكتب خلال مسيرته الفنية أكثر من خمسين مسرحية، منها مسرحيات اجتماعية قصيرة قدمها في سياق المسرح السياسي في الخمسينيات مثل "رأس الشليلة" 1951 و"حرمل وحبّه سودة" عام 1952 و"آني أمك يا شاكر" عام 1955.

كما ظهر تأثره بالمسرح الملحمي لدى بريخت في بعض أعماله مثل "المفتاح" و"الخرابة"  و"الشريعة" و"الخان".
وزيادة على الكتابة المسرحية، مثّل العاني في العديد من المسرحيات من بينها "مسمار جحا" عام 1952 و"الليلة البغدادية مع الملا عبود الكرخي" عام 1983 وغيرهما. كما كانت له إسهامات كبيرة في السينما العراقية، ومن أبرز أفلامه "سعيد أفندي" عام 1958 و"وداعا لبنان" عام 1967 و"بابل حبيبتي" 1987.

شارك أيضا في العشرات من المسلسلات العراقية أبرزها "يوميات محلة" و"الحضارة الإسلامية" و"الجراح"، وشارك عربيا في فيلم "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين عام 1986، إضافة إلى مشاركته في العديد من المهرجانات العربية والدولية.

ونظرا لرصيده الواسع، وصفه الناقد المصري علي الراعي في كتابه "السينما والمسرح في الوطن العربي" بأنه "ضمن لنفسه شرطي توفيق الحكيم: الموهبة والاستمرار، وزاد عليهما شيئا آخر مهما وهو التمثيل، فهو أقرب من غيره إلى رجل المسرح".

المؤلفات
ترك العاني مؤلفات عديدة عن المسرح والسينما منها: "المسرح بين الحديث والحدث" عام 1990 و"بين المسرح والسينما" عام 1967و"التجربة المسرحية معايشة وحكايات" عام 1979 و"سيناريو لم أكتبه بعد" عام 1987 و"شخوص في ذاكرتي" عام 2002.

الجوائز
حصل العاني على تكريمات عدة منها جائزة رائد المسرح ورائد في التأليف المسرحي، أفضل ممثل للأعوام 1981 و1983و1984، وأفضل كاتب سيناريو، ورائد مسرحي للمسرح العربي والأفريقي في مهرجان قرطاج بتونس عام 1985.

وبراءة تقدير من نقابة الفنانين السوريين 1979، وتقدير خاص من دائرة الإذاعة والتلفزيون في العراق لمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس التلفزيون العراقي عام 1976.

الوفاة
توفي العاني يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2016 في مستشفى بالعاصمة الأردنية عمان عن عمر ناهز 89 عاما بعد صراع مع المرض.

ووصف الرئيس العراقي فؤاد معصوم الفنان الراحل في برقية تعزية لعائلته بعميد المسرح العراقي والشخصية الديمقراطية الوطنية والفنان الكبير الذي نال لقب "فنان الشعب" باستحقاق كبير بفضل الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية الرائعة التي قدمها طوال سبعة عقود.

---------------------------------------------
المصدر : الجزيرة نت 

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

تأجيل إعلان نتائج مسابقتي تأليف النص المسرحي تعلن نهاية شهر أكتوبر 2016

مجلة الفنون المسرحية

تأجيل إعلان نتائج مسابقتي تأليف النص المسرحي تعلن نهاية شهر أكتوبر 2016


تعلن الأمانة العامة للهيئة العربية للمسرح عن تأجيل إعلان نتائج مسابقتي التاليف المسرحي للعام 2016 لمدة أسبوعين، لأسباب تقنية تتعلق بكثافة المشاركات، و عليه ستعلن قائمة العشرين في يوم 22 أكتوبر على أن تعلن قائمة الفائزين بالمراتب الثلاث الأفضل يوم 30 اكتوبر 2016، و عليه اقتضي التنويه و الإعلان

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

"العنف" صرخة مدوّية خرقت الصمت وانفجرت في "مسرح المدينة"

مجلة الفنون المسرحية

"العنف" صرخة مدوّية خرقت الصمت وانفجرت في "مسرح المدينة"

هل باستطاعة الانسان المنفي في عزلة جنونه، وتيهه عمّن كان، أن يشتاق إلى الحب ويتذكّر أنه إنسان؟ ألا تكون الصحراء الجافة المتقوقعة فيه، تفسيراً للتخلي الذي أصيب به أو أصاب نفسه به؟ أسئلة لا بد ان تجتاح الخارج من المسرحية التونسية، "العنف"، لكاتبتها جليلة بكّار ومخرجها الفاضل الجعايبي، وكنت مع كل خطوة على رصيف المدينة تتوسّع آفاق تفكيري، لتشمل مآسي البشرية كلّها، إلى أية بقعة من العالم انتمت.

"ثورة الياسمين" التي ظن العالم فيها، السلام الموعود والنموذج لسعادة الانسان التائق إلى الحرية والاستقرار، حوّلت الزهرة الفواحة، إلى غرائز جماعية، تفوح برائحة الدم والموت والقتل والتعذيب. خرجت من "مسرح المدينة" مكفهرة الروح، محبوسة في جسد بدأ يضيق على ذاكرتي وفكري وكينونتي منذ اللحظات الطويلة الأولى التي دخل فيها الصمت أرجاء هذا المكان المحاط بجدران عالية، العاري سوى من مقاعد خشبية على أرض مسطّرة بالكلس الأبيض. إمرأة تسدّ تنفّسها بمحرمة، تدخل متردّدة، تسير بتؤدة، تجلس، تقف، تنتظر، في حنجرتها صراخ مسجون سوف يعلو بعد حين، ويعم فضاء المسرح.
"العنف"، كيف كان باستطاعة نزلاء هذا السجن، أو هم بحسب مخيّلتنا، نزلاء مختبر للتعذيب، لمن فقدوا الذاكرة وأصبح الهذيان لغة وبوحاً يشي بجنون ما صنعته الثورة بهم، وحوشاً كاسرة في بشرة إنسان هزيل، أن يتخاووا في أجساد ثمانية ممثلين وممثّلات، فاطمة بن سعيدان، نعمان بن حمدة، لبنى مليكة، أيمن الماجري، نسرين المولهي، أحمد طه حمروني، معين مومني، وجليلة بكّار التي إن كتبت، حرّكت المشهد التونسي في كتاباتها، وبأدائها في مسرحية "العنف" تماهت في المرأة الكاتبة، ممثلة في دور امرأة مسرح، سجنت في هذه الثورة لأسباب غامضة، وقد تكون هي تلك الكاتبة الكبيرة التي رفضت أن تأتيها براءتها من باب الرئاسة التونسية العالي.
المسرح لغة حياة، وخير ما فيه في هذه الليلة، أنه نقلنا عن مقاعدنا لا بالخيال بل بالمعنى الفج، الدعر، إلى أحشاء الحقيقة المبقورة، فأبدع الممثلون في إحيائها. شبّان وشابّات، حقنهم مسرح جليلة بكّار بدمها الثائر، بفكرها الحرّ، بإيمانها بالمسرح، فنّاً مرادفاً للغة الحياة، فتعمّدوا في طقوسه. رأيناهم يدخلون إلى الساحة من هذا المعبر الضيّق بين الجدران العالية، بملابسهم العادية، أو بعريهم الراسم حدود أجسامهم خطاً لا مرئياً، يرشح برائحة العدم والزوال.
مسرحية "العنف"، هكذا شاءها المخرج الفاضل الجعايبي، خشبة عبور إلى جسر يتواصل مع وقائع ما حدث، ولا يزال يحدث كالورم الخبيث الذي لا يبقى خفياً. من بين الممثلين جليلة بكّار، هي الأقل كلاماً، عبارة ألبر كامو "الانسان... للامتناع" اختارتها ضوءاً على قائمة النص. الامتناع الذي يحمي الانسان من الانزلاق في البربرية فيغدو وحشاً كريهاً.
التيه في الذاكرة، الجرائم التي اقترفت، البشاعات التي ذكرت كوثائق سوف لا تمحى من سجل الانسان التونسي، كشفت عن غريزة الانسان الحيوانية حين يتعرّى من وجدانه ويطلق لحرّيته التي ما عاد عليها رقيب، مخزون آفاته وأحقاده الدفينة.
سجناء هم في هذه الساحة المغلقة بجدران عالية؟ مجانين في هذه العزلة المحكوم عليها بالموت؟ أمامنا مجرمون يتبادلون سلسلة من الأهوال والجرائم اقترفوها من دون أن يعاد النظر فيها. في وجوههم الشاحبة نقرأ علامات الموت الجماعي، الذي تبرع البلدان الديكتاتورية في التفنن به. اللوحات المتحرّكة ببطء أمامنا على إيقاع صوت خفيض مدوزن بأصابع قيس رستم على ملامسه الألكترونية، أعادت إلى ذاكرتي لوحة المساجين لفان غوغ المعروضة في متحف بوشكين في موسكو. مطأطئي الرؤوس يدورون في حلقة حياتهم الفارغة، مزنّرين بجدران رمادية عالية. المسجون يغدو بفعل انحباسه مجنوناً عنيفاً.
الثنائي جليلة بكّار والفاضل الجعايبي أدخلا فن المسرح منذ بدايات عملهما معاً في زمن المأساة البشرية وكوابيسها الديكتاتورية. فبعد ثورة 14 كانون الثاني من العام 2011، شرّعا دراستهما على وضع تونس ما بعد الثورة والنضال ضد تأثير الإسلاميين المتشددين على حرية الانسان التونسي. عبارة ألبر كامو "الانسان للامتناع" جعلا منها المقصلة لتطهير الفكر التونسي. دفاعهما عن الحرية هي رسالتهما التي لا يساومان عليها.

----------------------------------------
المصدر : مي منسي  - النهار 

في رحيل يوسف العاني اسماعيل عبد الله : لا كلمات تكفي للعزاء، وعزاؤنا بموروث الجمال والحب الذي صنعه العاني لنا

مجلة الفنون المسرحية

في رحيل يوسف العاني.
اسماعيل عبد الله : لا كلمات تكفي للعزاء، وعزاؤنا بموروث الجمال والحب الذي صنعه العاني لنا.

عندما يرحل يوسف العاني، فإن خبرة مسرحية استثنائية ترحل، ورجلاً كرس عمره للعطاء يرحل، وقلباً محباً لكل ما هو جميل يرحل، لكن أثر المبدع يبقى، في مسرحه، في تلاميذه، في محبيه، في جمهوره، في نصوصه، في أدوراه التي لعبها، في مقترحاته الإبداعية مخرجا، في أوراقه التي خطها رسائل وقناديل درب.
يوسف العاني الكبير الذي كان يهزم كل وهن بمجرد أن تخطو قدمه على المسرح لينطلق مثل حصان جامح راقصاً مبتهجاً ومبهجاً، هو نفسه الذي يهزم الغياب بكل تأكيد.
اليوم ترحل عن عالمنا، وتبقى بيننا، لا كلمات تعزينا بفقدانك ولا كلمات تكفي للعزاء، عزاؤنا بموروث الجمال والحب الذي صنعته لنا، لن نرثيك بل  نقتفي أثرك يا يوسف الجمال والروح، نشد العزم بك، ونستذكر تلك الرسالة الشاملة التي ألقيتها في اليوم العربي للمسرح، في افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العربي والتي عقدت في بيروت في العاشر من يناير 2011 والتي قلت فيها:
رسالة اليوم العربي للمسرح
10 يناير 2011
كتبها: يوسف العاني (العراق)

ما أحلى وأبهي.. وما أعمق وأنبل وأكرم حين يجمعنا المسرح موحدين به.. منتمين إليه.. من أكثر من موقع عربي..
أرى اليوم أمامي لبنان بمسرحه والخليج بمسارحه ومصر بمسرحها العريق والعراق بإصرار مسرحييها على العطاء وسوريا بتواصل عطائها ومسرح الأردن بنشاطه، أرى فضاءات المغرب العربي المتعددة لأعود إلى مشرقه.. أراه كله موحداً تحت شعار مبارك: المسرح العربي..
ولكن أرجو ألا يستفزكم تساؤلي: هل لدينا حقاً (مسرح عربي)؟
لا تفكروا بالرد على هذا التساؤل الآن.. فتتعبوا أنفسكم منذ سطور رسالتي الأولى.. أو ترددوا بصوت هامس أو عال وبعجالة نعم.. أو لا ..!
فأنا ما جئت لأقدم رسالة الهيئة العربية للمسرح فحسب.. بل لأعيش أيام فرح معكم وبكم .. نتبادل الهموم المرة ممزوجة بحلاوة هذا الفرح.. وتظل عيوننا وقلوبنا متطلعة إلى الأمل.. فنحن كما قال سعد الله ونوس. محكومين به.
**********
اليوم 10/1/2011.. وأنا بينكم أبا أو أخاً وزميلاً لن أعيد ما تضمنته الرسائل التي قُرأت في يوم المسرح العربي في الأعوام الثلاثة الماضية ولا سيما ما يتعلق بما يجب علينا أن نعمله جميعاً لأنني أؤيد ما ورد فيها جملة وتفصيلاً.. وقد أضيف إليها توصيات أخرى.
في صغري كنت أحلم بالوحدة العربية.. أهتف لها وأسير في مظاهراتها الصاخبة معتقداً أن صراخي وصراخ أخواني سيفتح أمامي حدود البلاد العربية كلها أتنقل فيها وكأنني أتنقل من بيت إلى بيت آخر لجاري أو شقيقي.
**********
وكبرنا ودخلنا مراكز الشرطة والمعتقلات أكثر من مرة وصار مسرحنا منذ بدايته يشكل جريمة يعاقب عليها القانون لأنه مسرح معارض، ودرست القانون ومارست المحاماة زمناً ولم أجد مبرراً لما اتخذ أو يتخذ ضدنا. وجاءت أنباء من البلدان العربية الشقيقة أن هناك مسرحيين مثلنا.. لكننا لم نكن ندري ماذا حل أو يحل بهم.. وبعد زمن قصير اكتشفت أن الوحدة التي هتفت لها.. والمسرح الذي بدأنا به صدقاً وإخلاصاً وشرفاً .. لن يكتمل أو ينمو ويقوى أثراً وفرحاً وضوءاً في النفس إلا بالتعارف الحقيقي لكل منا ومسرح كل منا.. وصارت السياسة التي تُعنى بالإنسان في كل مكان جوهر مسرحي.
لقد أقمنا المؤتمرات والمهرجانات وصار من حسن حظي أو سوئه – لا أدري – أنني حضرت وشاركت فيها منذ عام 1957 حتى بلغت 58 مؤتمراً ومهرجاناً للمسرح.
ونحن في كل مرة نبحت عن مسرح يكون جسراً ثقافياً واحداً وان اختلفت جغرافية المكان الذي يصب فيه من كل بلد عربي.
كنا نصدر القرارات عسى أن نخطو خطوة ليكون لنا التأكيد على مسرح عربي متقارب له جذوره وبُعده الأصيل.. سيما وهناك محاولات جادة ومخلصة في أكثر من بلد عربي، لكنها ظلت في نفس الخطوة التي انطلقت منها.. كما ظلت قراراتنا في أدراج المسؤولين متكدسة مع آلاف الأوراق والسطور الملتوية الأخرى: دون أن ينفذ لها بصيص ضوء أو نسمة ريح لتتحول إلى فعل جاد مخلص.
وتتجدد العروض المسرحية بمهرجاناتها في أكثر من بلد فلا نجد جديداً إلا في العدد لا بالعدة حيث يكون الهدف إرضاءً (للفوق) بأن الكم قد زاد وأن النوع قد تراجع أو ظل مقلداً أو قريباً من مدارس مسرحية تعلمناها أو استنسخناها وجئنا بها وما استطعنا إلا بالقليل والنادر لأن نلائمها مع مسرحنا الذي نريد..
عام 1973 تمت لنا محاولة جريئة في بغداد لأن نقدم مسرحية (بونتيلا وتابعه ماتي) لبرتولد برشت، تبنى إخراجها المرحوم (إبراهيم جلال) لتقدم بعنوان (البيك والسائق) دون تبديل أو تعديل في النص.. وعرضناها في بغداد ثم في دمشق والقاهرة والاسكندرية..
بعد عرض المسرحية بدمشق جاءنا مدير فرقة فايمار الألمانية وهو أحد مديري مسرح برتولد برشت.. ومن الذين اشتركوا في مهرجان دمشق نفسه.. جاء مهنئاً بنجاح العرض.. ثم قال:
                     لقد شاهدت اليوم مسرحية عربية .. أعني ليست ألمانية بكل ما شهدت وبلا تقليد أو استنساخ لما نقدمه نحن.. مع ذلك كان برتولد برشت موجوداً.
                     قلت له: لقد استضفنا برشت فصار ضمن مسرحنا.
                     قال: هذا صحيح.
**********
هذه المحاولة ومحاولات عديدة أخرى وفي أكثر من بلد عربي  - إذا ما استبعدنا واستثنينا المسرح الطارئ على الفهم الحقيقي لفن وثقافة المسرح – أكدت وما زالت تؤكد أن ما نقدمه في مسارحنا ليس (عالة) على مسارح الغرب أو الشرق بل هي بمصافها بوعي وبقدرات ما عادت في غفلة من الزمن الحضاري.. لكن الكثير من مسرحيينا لا زال يتوجس من أن يثبت حضوره وإبداعه الأصيل النابع من عمق وأصالة عطائه..
**********
إننا ورغم ما أشرت إليه علينا أن نعيد النظر في تجاربنا نحو الإيجاب والسلب.. وأن نؤكد على أهمية تعاون وتبادل الخبرة في البلد العربي الواحد أولاً. بين المسرحيين المبدعين أنفسهم لا أن تقف كل مجموعة ضد أخرى من أجل إلغاء عطاء الآخر وحتى المبدع فيه! بل أن يكون في منافسة شريفة نحو الأفضل.
الاستفادة من الرعيل الأول بما اغنوا وبما أبدعوا.. وأن نتبنى الشباب بصدق حماستهم المثقفة.. بما يقدمون من محاولات إبداعية مطورة لما كان.. وألا نقف موقف المتعالي على الكفاءات الجديدة .. فهي مفتاح المسرح الآتي..
لا بد أن نكون أمناء في اختيار ما نعرض في كل مهرجان عربي أو دولي.
أن تكون هناك تجربة جديدة مضافة إلى تجارب أخرى لنتوحد فيها ونسير معها على درب المسرح الذي نريد.
لقد صار العالم صغيراً لكن الأمل الذي كان يحكم فنان المسرح قد اتسع واتسع حتى صار حلماً.. يحكم الشباب والشيوخ.
فأنا وعمري المسرحي الآن قد بلغ السابعة والستين بسنواته الطويلة وتجاربه الكثيرة والتي تنوعت وتغيرت وتناقضت وتآلفت.. جعلتني محكوماً بالحلم بعد أن اجتزت مرحلة الأمل وصار علي أن أنقل حلمي إلى كل المسرحيين العرب.. وإلى الهيئة العربية للمسرح بالذات لتعمل أو تحاول أن تعمل وأقول: تحاول أكثر من مرة لإزالة السدود والحدود.. وأكرر تحاول لكي يتحقق المسرح العربي الواحد: مدرسة وفناً وفكراً.. دون عزلة عن مسارح العالم بل بتميز جدير به وأصالة عريقة فيه بعد أن نتواصل بيننا ونصل إلى أفضل ما يقدمه أشقاؤنا في هذا البلد أو ذاك.. أن نتبادل الرأي ونكتشف الرؤى سواء ماكان جديداً منها أو التي مازالت تبحث عن السبل الخلاقة للمسرح الآتي لنا وأن تظل الصراحة في الطرح أساساً صادقين مع أنفسنا أولاً .. كي نصل – مهما طال الزمن – إلى سمات وملامح وجذور في الشكل والمضمون ليكون مسرحنا بعد هذا (مصدراً) مسرحياً جديداً لا على صعيد مسارحنا وحدها.. بل على صعيد المسرح العالمي كله.
حلمنا الذي نريده أن يتحقق حاجة نعيش مرارة فقدانها.. ألا يُسأل فناننا إلى أين أنت ذاهب مادام حاملاً رسالته النبيلة الشريفة يجوب بها خشبة المسرح العربي الواحد، فهي هويته وجواز سفره.

لنرفع هذا الشعار المخلص بثقة وإصرار ونخرج به من لقائنا هذا في يوم المسرح العربي ونحاول ونحاول ونحاول تحقيقه على مختلف السبل والمستويات.. واعلموا أيها الأصدقاء.. إن هذا الحلم ليس ابن اليوم.. بل هو حلم عدد كثير من مسرحيينا الأوفياء الباسلين الذين فارقونا وغادرونا إلى الأبد.. وهناك من ينتظر.. وأنا أولهم..

الهيئة العربية للمسرح تنظم دورتين لتأهيل مدربي المسرح المدرسي في فلسطين.

مجلة الفنون المسرحية

·      توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العربية للمسرح ووزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية.
·      الدكتور صبري صيدم يشيد بدور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي التنويري.

نظمت الهيئة العربية للمسرح ضمن خطة عملها الاستراتيجية لتنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي دورتين  لتأهيل مدربي المسرح المدرسي في فلسطين، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي وبرعاية الدكتور صبري صيدم وزير التربية والتعليم العالي، في الفترة من 26 سبتمبر إلى الأول من أكتوبر، لفائدة 60 معلمة ومعلماً من مختلف محافظات الأراضي الفلسطينية.
د. صيدم وفي كلمته التي ألقاها في في افتتاح الدورتين، وجه التحية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، مشيدأً بالدور التنويري الذي يلعبه، مؤكداً على عمق العلاقات الفلسطينية الإماراتية، ومعلناً تصميم وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية على أن تكون المؤسسة التي تصنع أجيال النصر، كما أعلن في كلمته أن الوزارة ستنظم واعتباراً من العام الدراسي الحالي أياماً للمسرح المدرسي من باب التأكيد على أهمية المسرح في حياة المجتمع المدرسي الفلسطيني، آملاً أن يحمل المستقبل مزيداً من التعاون بين الوزارة والهيئة.
من جانبه أكد مسؤول النشر والإعلام في الهيئة العربية للمسرح خلال كلمة الهيئة في الافتتاح  أن العمل على تنمية المسرح المدرسي في الوطن العربي انطلق من توجيهات ورؤية ثاقبة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حيث انجزت الهيئة استراتيجية وخطة عشرية لتنمية المسرح المدرسي،  كما نقل تحيات الأمين العام الأستاذ اسماعيل عبد الله ومجلس أمناء الهيئة للشركاء في تنظيم هذه الدورات والتي تعلن شارة انطلاقها عربياً، إذ سيشهد العام الدراسي الحالي عقد عديد الدورات في مختلف الدول العربية، كما أكد استعداد الهيئة للمزيد من التعاون المثمر لصالح المسرح المدرسي في فلسطين التاريخية من خلال التعاون بين المؤسستين.
هذا وقد وقع الطرفان خلال الافتتاح مذكرة تفاهم بين الوزارة والهيئة الأمر الذي يؤسس لفتح آفاق تعاون في مشاريع التأهيل والتدريب والنشر والبحث ووضع دليل للمسرح المدرسي خاص بفلسطين.
استهدفت الدورتان تأهيل 30 مدرباً في المسرح المدرسي لمرحلتي الروضة والإبتدائي أشرف عليها الأستاذ غنام غنام من الأردن، وتأهيل 30 مدربا لمرحلتي المتوسطة والثانوية أشرف عليها الأستاذ نبيل ميهوب من تونس.
بعد ختام الدورتين كرم الدكتور صيدم المدربين المشرفين مشيداً بالنتائج المثمرة التي أكتسبها المتدربون وما سينعكس نتيجتها على ارتقاء المسرح المدرسي.



الاثنين، 10 أكتوبر 2016

دنيس كيلي يواجه العنف والعنصرية المتجددة بنص مسرحي مرعب

مجلة الفنون المسرحية

دنيس كيلي يواجه العنف والعنصرية المتجددة بنص مسرحي مرعب

أبو بكر العيادي

عن نص مرعب للإنكليزي دنيس كيلي يعالج قضية العنصرية “العادية” والعنف اليومي الذي يمكن أن يعتري شرائح شبابية، متفتحة في الظاهر وهادئة الطباع وذات سلوك طبيعي، تقدم فرقة “هيرو ليميت” مسرحية “أيتام” على خشبة مسرح “رون بوان” بباريس في إخراج للفرنسية كلووي دابير.


تدور مسرحية “أيتام” عن نص للإنكليزي دنيس كيلي وإخراج للفرنسية كلووي دابير في فضاء عائلي مغلق، يسوده جوّ مرح قبل أن يتحول إلى مناخ قابض تحتدّ فيه المواقف وتتصارع لتكشف عمّا تنطوي عليه النفس الإنسانية من ضيق بالوافد الغريب، وكره للآخر المجهول، فتفسّر ما لا يقبل التفسير وتجد له الأعذار.

وتبدأ بسهرة عائلية بين هيلين وزوجها داني المجتمعين إلى مائدة العشاء، حين يُقبل ليام، أخو هيلين وقميصه ملوث بالدماء، دون أن يبدو عليه أثر الانفعال، إذ اكتفى بالاعتذار على القدوم دون استئذان، ودعوة الزوجين إلى مواصلة تناول عشائهما، وتهوين ما يبدو على هندامه بالزعم أنه حاول إغاثة شاب باكستاني عثر عليه طريح الأرض مضرّجا بدمائه.

ومع ذلك يشي اضطرابه وتشوش أجوبته ووفرة الدم على ثوبه بأنه عائد من مجزرة، وسرعان ما يعمّ الضيق، وتتغيّر نبرة الكلام، ويتحول الحديث إلى استنطاق لمعرفة ما جرى بالضبط، والشابّ يتهرب، ويجيب أجوبة مفككة متقطعة مبتورة شبيهة بأبطال مسرحيات بيكيت، توحي بالشيء دون أن تسميه.

لا يلبث المتفرج على مسرحية “أيتام”، التي تعرض حاليا على خشبة مسرح “رون بوان” الباريسي، أن يدرك أن هيلين وداني يعيشان في حيّ متواضع يزداد الإحساس بالخطر داخله يوما بعد يوم، والأخ، ليام، لا ينفك يدعوهما إلى تركه في أول فرصة، والنقلة إلى حي آخر أكثر أمانا، بعد وفود جاليات مهاجرة ذات تقاليد ولباس ومعتقدات مغايرة، وأن حبّها لأخيها يفوق حبّها لأبي أطفالها، وهي مستعدة لأن تدافع عنه بالمخلب والناب حتى ولو ثبت أنه أذنب.

فليام لم يكن مجرما بطبعه وإنما انساق إلى الجريمة بتأثير الظروف المهيئة، وهيلين، حينما تتأكد من ضلوع أخيها -وكذلك زوجها- في تلك الجريمة الفظيعة، لا تلبث أن تنحاز إليه وتدافع عنه دفاعا أعمى لا يخضع لمنطق، أي أن الإنسان لا يولد شريرا، ولكنه يغدو كذلك، ويكفي أحيانا أن يحوز نوعا من التعاطف الأخوي أو التضامن العائلي اللذين يوضعان في غير محلهما كي ينساق إلى الجريمة والفظاعة.

تلك الشخصيات التي لم تعد تعرف في ما تفكر، ولا من تدين، تغلف عجزها ذاك بحوار يبلغ أقصى حدود العبثية، ويغتلي في ذلك الفضاء المغلق مثل قِدر محكمة السدّ توشك على الانفجار، وقد اختارت المخرجة أن تكون الخشبة وسط الجمهور الجالس حولها في شكل حلقة، خشبة تحدّها حواجز من خشب، للإمعان في خلق جوّ يفيض عليه التوتر والانغلاق.

مؤلف المسرحية لا يدين ولا يبرئ، بل يقدم صورة عن المشهد الاجتماعي والسياسي الراهن، الذي ينطبق أيضا على ما تعيشه فرنسا
كيف تكون الحياة بِحارة يحس فيها المرء بأنه مهدد جسديا في أي لحظة؟ وكيف تتحول القيم السامية، كالتسامح مثلا، إذا مُسّت العشيرة أو الشّلة بسوء؟ هل ليام مجرد فتى مريض نفساني ارتكب جريمة عنصرية، أم هو، كما تقول أخته هيلين، ضحية جانبية لتصدع اجتماعي بالغ العنف يكشط ذلك الحي المتعدد الإثنيات في إحدى ضواحي لندن؟ أليس ذلك العنف وليد تعفن الوضع الاقتصادي والاجتماعي؟ بعبارة أخرى: هل نبرر إذ نفسّر؟

المؤلف لا يدين ولا يبرئ، بل يقدم صورة عن المشهد الاجتماعي والسياسي الراهن، الذي ينطبق أيضا على ما تعيشه فرنسا، حيث تصاعد الشعور بالانتماء إلى جالية محددة، والضغينة الطبقية، وحصر الأفراد داخل هوية، وإنكار الآخر، وتردي الطبقات الوسطى، أي أنه، خلال هذا العرض الذي يستغرق ساعة وثلاثين دقيقة، يلخص الإشكاليات الكبرى التي يتنازع حولها المفكرون والمثقفون على مدار العام في وسائل الإعلام، دون البحث عن أجوبة أو الانحياز إلى شق دون آخر.

كل حقيقة تُطرح سرعان ما تتحطم إثر بضع كلمات، بل هو يقترح تأملا جماعيا وتجربة مشتركة عبر ثيمات تهز إنسانيتنا وتوقظ غرائزنا الأكثر بدائية، في نص شبيه بسيناريو فيلم بوليسي، ذي حبكة متينة، تزخر بالتشويق والتصعيد والتقلبات، ويطرح قرينة أخلاقية قديمة يرجع عهدها إلى أنتيغونة، بأسلوب مثير، يحذقه كيلي، وهو المتمرس أيضا بكتابة سيناريوهات مسلسلات تلفزيونية ناجحة مثل “بولينغ” و”يوتوبيا”.

هي مسرحية تصور كيف يمكن أن يقتحم العنف الأشد دموية أكثر العائلات استقرارا، فداني، رمز الاستقامة والنجاح داخل الطبقة الوسطى، سوف يتخلى عن اعتداله ليساهم هو أيضا في تعذيب شاب مسلم بريء داخل مستودع، وإذا كان هذا الهبوط إلى الجحيم -على طريقة سكورسيزي- ناجحا فنيا، فبفضل أسلوب الحوار الذي يجعل المتفرج منشدا إلى أحداث تجمع بين “الثريلر” السيكولوجي والكوميديا السوداء، بحثا عن التبليغ أو عدم التبليغ كما في مسرحيات هارولد بنتر.

وقوة النص تكمن في حبكته المضغوطة وعمقه السيكولوجي، ودراسته الدقيقة للسلوك البشري، وتحليله لتغير التفكير الذي يذكر بتجربة ميلغرام، باسم عالم النفس الأميركي ستانلي ميلغرام، الذي أثبت بالدليل العلمي مدى ما يمكن أن يقترفه الفرد من فظائع حين يكون خاضعا لسلطة ما، ينفذ أوامرها دون نقاش، رغم قناعاته الشخصية.

--------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

ملتقى الشارقة للبحث المسرحي يسلط الضوء على جمال الصورة

مجلة الفنون المسرحية

ملتقى الشارقة للبحث المسرحي يسلط الضوء على جمال الصورة

ناقش تأثيرات العولمة الثقافية

ضمن فعاليات مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة عقد، الأحد، ملتقى الشارقة الرابع للبحث المسرحي، والذي سلط الضوء على أطروحتين لباحثين من المغرب العربي، ناقشا فيهما تأثيرات العولمة الثقافية على المسرح، وفلسفة الجمال في مسرح الصورة.

عقدت إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، الأحد، ملتقى الشارقة الرابع للبحث المسرحي، والذي شكّل منذ انطلاقته منصة مهمة لاستكشاف ومناقشة النتاجات البحثية العلمية الرصينة في مجال المسرح من مختلف الدول العربية. 

واحتفى الملتقى في دورته الجديدة بأربعة باحثين من الجزائر والمغرب وتونس والعراق، وتناولت أبحاثهم أسئلة تتعلق بالتمثيل والكتابة والإخراج والتأثير الجمالي على المسرح، فيما تم تكريمهم من قبل أحمد بو رحيمة مدير إدارة المسرح، مدير المهرجان في ختام الملتقى. 

وشارك في مناشط الملتقى الذي أداره الرشيد أحمد عيسى المدير الفني للمهرجان، الدكتور صديق جوهر أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الإمارات، ومصطفى آدم أستاذ الأدب الإنجليزي بأكاديمية الشارقة للعلوم الشرطية، إلى جانب عدد من النقاد والمسرحيين من بينهم الدكتور خليفة الهاجري، ويحيى الحاج، ومحمد لعزيز.

المسرح في سياق العولمة الثقافية 

كانت البداية مع عرض لأطروحة الباحث المسرحي الدكتور محمد زيطان أستاذ الأدب الحديث في المغرب، وهي تحت عنوان "المسرح في سياق العولمة الثقافية-دراسة في تحولات الفرجة المغربية". 

وتعرض زيطان في أطروحته إلى التداخل الحيوي بين المسرح كفن إنساني قديم، وسياقات الحداثة وما بعدها من متغيرات ثورية وغزو للعولمة لكافة المجالات بما فيها المجال الفني والثقافي، واعتبر أن المسرح في ظل تلك التعقيدات أصبح في مفترق طرق يقوده نحو تحولات متشعبة تفتح الباب إلى اجتهادات وتجارب بها الكثير من الحوار الثقافي والتبادل المعرفي. 

وأوضح أن أطروحته تعتمد على مقاربة لحاضر المسرح من خلال تحولاته المتعددة على مستوى الشكل والمضمون، مع التركيز على مفهوم ما بعد الدرامي، طارحاً سؤالاً جوهرياً عن ماحققه التوجه المسرحي الجديد من تعايش ثقافي وحضاري في ظل عالم يشوبه الصراع. 

أطروحة زيطان فتحت الباب أمام الكثير من التساؤلات لدى الحضور من الباحثين والمتخصصين في مجالات المسرح، وتمثلت في مدى تأثير العولمة على الأقليات الثقافية، وأحاديتها وما خلّفته من سيادة نمط ثقافي واحد مع إقصاء للثقافات الأخرى.

فلسفة الجمال ومسرح الصورة 

وكان المحور الثاني للملتقى، مناقشة مستفيضة مع الباحثة التونسية صفاء غرسلي، والحائزة على درجة الماجستير عن أطروحة بعنوان "العروض المسرحية متعددة الوسائط"، ودرجة الدكتوراه عن رسالة بعنوان "مسرح الصورة". 

غرسلي من الباحثات المهتمات بجمالية المسرح، ولعل تخصصها المرتبط بالفن التشكيلي له التأثير الكبير على خياراتها البحثية، حيث درست بالمعهد العالي للفنون الجميلة بمدينة سوسة، وتخصصت في الفنون التشكيلية والمرئية. 

وتحدثت الباحثة التونسية عن مفاهيم انتقال مسرح الصورة من الإبصار إلى الإدراك، مستعرضة أبعاد دراسة الصورة وما تضمه من مكونات حسية وجمالية وعاطفية ومكونات لها علاقة بالإدراك الداخلي والخارجي، واستعانت في أطروحتها عن مسرح الصورة، والصادرة باللغة الفرنسية بالعديد من التجارب العالمية في هذا السياق، خاصة في فرنسا وإيطاليا. 

وتناولت غرسلي الحديث عن مقومات الصورة المعكوسة، ومفهوم الصورة الصوتية وما لها من تأثير في فن السينما وضرورة أن يصل تأثيرها لفن المسرح، في صورة جزئية لمفهوم أشمل مفاده التغذية المتبادلة بين المسرح والسينما، علاوة على ضرورة إيجاد جسر بين الفن التشكيلي من ناحية، والمسرح من ناحية أخرى. 

وخلصت الدكتور صفاء غرسلي في رسالتها إلى نفي الاعتماد الكلي لمسرح الصورة على الفيديو، فيما أدرجت عناصر جديدة لهذا المسرح ومنها الصورة الذهنية والصوتية والتشكيلية وثلاثية الأبعاد.

----------------------------------------------
المصدر :وليد الشيخ - الشارقة 24


الأحد، 9 أكتوبر 2016

مهرجان أفينيون السبعون... تجريب بلا حدود

مجلة الفنون المسرحية

مهرجان أفينيون السبعون... تجريب بلا حدود

صبري الحافظ 

انطلقت  فعاليات مهرجان أفينيون المسرحي Festival d’Avignon في دورته السبعين تحت شعار عشق الاحتمالات أو الممكنات L’Amour des Possibles وهو عنوان دال لأنه ينطوي في تقديم مديره أوليفييه بي Oliveir Py على وعي بدور المسرح في الثورة المنشودة والمبتغاة للخروج بعالمنا من حالة الخلل السياسي والاجتماعي الرهيب الذي يعيشه.
ينطلق تقديم مدير مهرجان أفينيون أوليفييه بي من تأكيد أن «الفرد لا يستطيع أن ينهض بالثورة وحده، لأن التغيرات الكبيرة والثورات دائما ما تنجزها القوى الجمعية التي تحابيها رياح التاريخ. لكن كيف نحيا إن لم تهب تلك الرياح؟ كيف نعيش حينما تفتقد السياسة الأمل، وقد تغاضت عن المستقبل؟ كيف نعيش حينما تفقد الأفكار قيمتها، وحينما يتشتت المجتمع وينتابه الذعر، ويُجبر على الصمت؟ كيف نعيش حياة كريمة ولم تعد السياسة غير أكذوبة في يد السياسيين؟ وحينما تصبح الثورة مستحيلة يبقى لنا المسرح. حيث تتحين اليوتوبيا اللحظة المواتية، وتخترع قوى التغيير والتجديد المستقبل من جديد. لأن تواصل التعبير عن التوق للسلام والمساواة لا يضيع هباء. فحينما رأى هاملت استحالة الثورة، استدعى المسرح ليخلق ثورته المسرحية التي تؤكد أن كل الاحتمالات لاتزال ممكنة. ولهذا علينا أن نبلور تلك الرغبة في أيام مفتوحة على المستقبل". 

ويوشك انفتاح أيام المهرجان على المستقبل بكل ممكناته أن يكون هو نغمة القرار في كثير من عروض مهرجان هذا العام، التي أسعدني الحظ بمشاهدتها منذ بداية أيام المهرجان. وأكدت أولى المسرحيات التي شاهدتها فيه وهي (أحزان Tristesses) للمسرحية الدنماركية آن سيسيل فانديليم Anne-Cecile Vandalem مقولة أوليفييه بي الافتتاحية تلك في تقديمه لمهرجان هذا العام. فقد جئت إليه من بريطانيا الغارقة في بلبال الخلل السياسي الذي أدى إليه تصويت الشعب البريطاني بأغلبية بسيطة للخروج من الاتحاد الأوروبي. وهو الخيار الذي لم يكن الداعون إليه يتصورون إمكانية حدوثه، ناهيك عن التخطيط لما عليهم فعله إذا ما نجح الاستفتاء في تحقيق ما دعوا الشعب البريطاني للتصويت له. 
فخلال الأيام العشرة التالية لتحقيق هذه النتيجة التي وصفها الكثيرون بالزلزال السياسي، استقال رئيس الوزراء البريطاني وحده، والذي دعا مع حكومته للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وكان عليه كأي سياسي يحترم نفسه ناهيك عن ناخبيه أن يستقيل لأنه لا يستطيع أن يقود السفينة في الاتجاه الذي حذر الشعب منه، ودعاهم للتصويت ضده، وإنما كل الزعماء السياسيون الذين دعوا، كل لأهدافه السياسية ومطامحه الشخصية، إلى التصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وقد بدأ الأمر بأن طعن الرجل الثاني (مايكل جوف) في زعامة حمله الخروج من الاتحاد الأوروبي زعميه (بوريس جونسون) في ظهره، وأعلن عدم ثقته فيه. فدمر بذلك حملته لنيل زعامة حزب المحافظين، وترشح بدلا منه لهذا المنصب فتم استبعاده، لخيانته السافرة والتي لا يمكن الثقة فيه بعدها. وهكذا خرج أهم زعيمين لتلك الحملة عبر الخداع والخيانة إلى مزبلة التاريخ. وسرعان ما أعقبهما زعيمها الثالث (نايجيل فرج)، وهو رئيس حزب استقلال المملكة المتحدة المعروف بالحروف الأولى من اسمه UKIP، زاعما أنه حقق بذلك التصويت هدفه في استقلال المملكة المتحدة، وهو زعم مكذوب. ليس فقط لأنه لا يملك، كغيره من زعماء حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، أي خطة يمكنها أن تحل مشاكل الواقع البريطاني بعد الخروج 
"
تدور المسرحية في جزيرة صغيرة في شمال الدنمارك اسمها نفسه يعني «الحزن Sadness»، بمعنى أن العنوان الذي يتحدث عن (الأحزان) ومشاعر الحزن العميق والكظيم في حالتنا هذه، هو أيضا اسم مكان

" من الاتحاد الأوروبي، ولكن ايضا لأنه في الواقع أدرك أنه وضع بفعله ذاك المسمار الأول في نعش المملكة المتحدة ذاتها؛ بعد إصرار كل من اسكتلندا وشمال إيرلندا، وقد صوتتا كلاهما بأغلبية كبيرة للبقاء في الاتحاد الأوروبي، على الخروج من المملكة المتحدة، والتي يضعها راية لحزبه UKIP. 
ودون الدخول في تفاصيل هذا الخلل السياسي الذي تعاني منه بريطانيا ولا تزال لعام قادم على الأقل، وقد تعرضت أحزابها لضربات لشعبيتها وشرعيتها معَا، نتيجة لهذا التصويت الاحتجاجي في المحل الأول، علينا العودة للمسرحية الأولى التي شاهدتها. لأن مسرحية (أحزان) رغم وفودها من الدنمارك، واتسامها بكثير من سمات الأعمال الاسكندينافية عند بيرغمان وستريندبرغ وحتى إبسن والمترعة بتبكيت الذات والهموم الوجودية القاتمة، توشك أن تكون مسرحية كاشفة لما قام به حزب استقلال المملكة المتحدة UKIP من تزوير وتلاعب بآلام الناخبين، حيث تعري ما يدور في دهاليز أروقته الداخلية. إذ تدور المسرحية في جزيرة صغيرة في شمال الدنمارك اسمها نفسه يعني «الحزن Sadness»، بمعنى أن العنوان الذي يتحدث عن (الأحزان) ومشاعر الحزن العميق والكظيم في حالتنا هذه، هو أيضا اسم مكان. وتبدأ الأحداث بمشهد بين أفراد أسرة يلعب أفرادها لعبة معروفة تعتمد على تخمين الكلمات، ولكن لعبهم يكشف عن درجة عالية من التوتر بين أفرادها. وسرعان ما تصحو هذه الجزيرة الصغيرة التي تعيش فيها ثلاث أسر، ويتكون مجموع سكانها من ثمانية أفراد، على خبر انتحار «إدا هيجر»، زوجة عمدة الجزيرة، كار هيجر، وقد تدلى جسدها الملفوف بالعلم الدانماركي من سارية العلم فيها. وحينما يدور النقاش حول إنزال جسدها يخبرنا أحد سكان الجزيرة بأن ابنتها «مارثا» وهي زعيمة «حزب الصحوة الشعبية» قد طلبت عدم إنزالها حتى تجيء. ونعرف أن حزبها من أحزاب اليمين الأوروبي الشعبوية التي تغازل النزعة الشوفينية العنصرية الضيقة، التي أخذت تنتشر في شمال أوروبا في السنوات الأخيرة. 
وما أن يبدأ الجدل بين سكان الجزيرة حول ما يتوجب عمله، وخاصة أن «إدا» قد أوصت بحرق جثمانها وهو أمر جديد على الجزيرة وغريب عليها، فليس بها إمكانيات تحقيق مثل هذا العمل، والدخول في خلاف حول كيفيه احترام وصية المنتحر، أو تجاهلها لاستحالة تنفيذها، حتى نكتشف أن الجزيرة كلها تعاني من ضائقة اقتصادية خانقة نتيجة إغلاق المذبح بها. فقد كان المؤسسة الوحيدة في الجزيرة التي كان يعمل فيها كل المقيمين بها، بدءا من العمدة هيجر مديرا له، إلى مسؤول الجزارة فيه سورن باترسون، وأمين الصندوق جوزيف لارسون. فقد كانت حياة أفراد الجزيرة تعتمد على المجزر الذي نعرف أنه بدأ يحقق خسائر مما أدى إلى إغلاقه، وحرمان سكان الجزيرة من دخلهم الذي كان يوفر لهم بالكاد حياة كريمة. لكن ما أن تفد «مارثا» ويبدأ تنظيم الجنازة، والذي يصاحبه طلبها توقيع أفراد الجزيرة على وثيقة بيع حصة كل منهم في المجزر الذي تريد تحويله لاستوديو سينمائي لإنتاج أفلام دعائية للحزب، حتى تتكشف لنا حقائق ما دار ويدور في عالم هذه الجزيرة، وحتى تتحول تلك الجزيرة الصغيرة إلى استعارة للوضع الأوروبي الراهن برمته في عالم يزداد فيه الأغنياء غنى والفقراء فقراً. 
فنعرف أن ما أدى لإغلاق المجزر هو عملية استنزاف مستمرة لموارده، عبر تواطؤ كل من مديره هيجر وأمين صندوقه لارسون على تزوير الحسابات لصالح تمويل حزب مارثا هيجر وتدعيم زعامتها له. وأن حزبها في تحالف أو تواطؤ مع «رابطة الدفاع الدنماركية» ذات الميول النازية. وأن الحزبين معا يستغلان فقر الفقراء وغضبهم من وضعهم المتردي دوما في عالم يزاد فيه الأغنياء ثراء، من أجل تحقيق أحلام زعمائهما. وكلما تكشفت لأبناء الجزيرة حقيقة ما يدور، وكيف أن «مارثا» تريد مواصلة استغلالهم بعد انتزاع ملكية مبنى المجزر منهم، في أفلام الاستوديو الدعائية، حتى تتكشف لنا المزيد من الحقائق. وأولها أن انتحار «إدا» لم يكن سوى قتل مدبر قام به لارسون الغاضب من استغلاله في عمل دمر به حياته وحياة جيرانه، مما أجاب عن سؤال طفلة المسرحية الذي ظل معلقا: كيف استطاعت أن تصعد بجسدها الملتف بعلم الدنمارك إلى أعلى السارية؟ وهو سؤال طالع من جعبة طفل هانز كريستيان أندرسون الذي كشف أن الإمبراطور عارٍ. ثم تنفتح بوابة العنف والدمار، ويبدأ القتل الذي ينتهي بأغلب سكان الجزيرة قتلى مضمخين بدمائهم على خشبة المسرح، بينما تمضي «مارثا» بالوثيقة الذي جمعت عليها توقيعات كل سكان الجزيرة على تنازلهم عن حقهم في ملكية المجزر، كي تحوله إلى ستوديو لإنتاج أفلام البروبغندا اليمينية. بينما يرصد لنا الشريط الإخباري أعلى الشاشة صعود اليمين، وفوزه بالأغلبية في انتخابات عام 2018. 
وقد استطاعت آن سيسيل فانديليم أن تقدم عملا مسرحياً جيدا يستخدم أدوات السينما والمسرح في تجسيد موضوعها، فقد استخدمت الكاميرا التي كانت تصور المواقف مباشرة، وتعرضها على شاشة علوية في خلفية المشهد، في تقديم ما يدور داخل بيوت الجزيرة الثلاثة من ناحية، أو في التعبير عن دخائل الشخصيات والتركيز على مشاعرهم من خلال لقطاب «كلوز آب» المعروفة من ناحية أخرى. بينما تركت الباحة التي تطل عليها بيوت الجزيرة وكنيستها الصغيرة التي دارت فيها وقائع الجنازة التهكمية لتقديم ما يدور في المجال العام. وقد خلق هذا التجاور والسيولة جمالياته الحركية والبصرية، ودفع المشاهد للتفكير بشكل مستمر في الدلالات العريضة لما يدور أمامه. وهذا ما جعلني أشعر بأنها تكشف عما يدور في دهاليز أغلب أحزاب اليمين الأوروبي التي تتناسل في كل مكان. وبأن ما تقوله عن الدنمارك يوشك أن يكون طالعا من معمعة الخلل السياسي الذي يدور في بريطانيا عقب الاستفتاء الأخير. 


المسرح مرآة لخلل العالم وخيبته 
وما أن شاهدت في اليوم التالي مسرحية (من يغلطون لا يكونون على خطأ Ceux Qui Errent Ne Se Trompent Pas) حتى تأكدت لي قدرة المسرح الاستشرافية وكأنه زرقاء اليمامة التي تحذر قومها من عواقب القادم. وهي مسرحية قدمتها فرقة (مفترق الطرق Crossroad) وكتبها كيفين كايس Kevin Keiss مع مخرجتها مايللا بوسي Maelle Poesy واعتمدا في كتابتها أساسا على نص مهم لخوزيه ساراماغو هو (La Lucidite) كتبه لأهمية المفارقة عام 2004، لكنه يضيء لنا بشكل خطير ما دار في بريطانيا عام 2016، بل وأزعم من خلال ما تلقيته من مستويات المعنى المتعددة فيه في هذا العرض الجميل أنه تنبأ بالكثير مما دار منذ ذلك الوقت، لا في أوروبا وحدها ولكن في كثير من بقاع عالمنا المعاصر، وهو الأمر الذي سنتأكد منه بعد عرض سريع للمسرحية. وتبدأ المسرحية في لجنة من لجان الاقتراع في انتخابات عامة، كتلك التي تدور عادة في البلاد الأوروبية. يستعد فيها أعضاء اللجنة ويفتحونها في الموعد المحدد في الثامنة صباحا، وينتظرون، ولكن لا يفد إليها أي من الناخبين حتى الواحدة والنصف ظهرا، حيث يفد ناخب واحد. ويتعلل بعض أعضاء اللجنة أو من يتصلون به من رؤسائهم بالمطر الغزير الذي أغرق العاصمة، وربما حال بين الناخبين والاقتراع، فقد كان اليوم شديد المطر، وإن كان المطر لا يمنع الناس عادة من مواصلة أعمالهم في أوروبا. ولكن المطر الذي يصفه بعض أعضاء اللجنة في المسرحية بأنه سيول أو حوائط من المطر، يتحول بالتدريج، مع تصاعده، بعد ذلك طوال عملية الفرز وما أعقبها من جدل، في كريشيندو دال طوال المسرحية إلى نوع من الاستعارة. 
وما أن ينتهي موعد الاقتراع، وننتقل مع اللجنة إلى قاعة فرز الأصوات حتى تتكشف الانتخابات عن زلزال سياسي، لأن 80% من الناخبين على امتداد البلد كله قد أعادوا أوراقا 
"
المطر الذي يصفه بعض أعضاء اللجنة في المسرحية بأنه سيول أو حوائط من المطر، يتحول بالتدريج، مع تصاعده، بعد ذلك طوال عملية الفرز وما أعقبها من جدل، في كريشيندو دال طوال المسرحية إلى نوع من الاستعارة

" بيضاء؛ وهو أمر أشد قوة وفاعلية ودلالة من مجرد مقاطعة الانتخابات. لأنه يحمل رسالة إيجابية، أم تراها سلبية، واضحة؛ لا تخطئ المؤسسة السياسية دلالاتها، وإن حاولت التعامي عنها. لكن ما يعزز درامية المسرحية هو هذا الارتباك الذي انتاب المؤسسة السياسية وأزعجها، والذي استغرقت تفاصيله جل أحداث المسرحية. ومما أرهف استمتاعي بالعمل أنني أحسست وكأنني أشاهد على المسرح تقطيرا لما تركته ورائي في بريطانيا. وقد تحول هذا الكابوس التصويتي الأبيض، أو الذي يدعوه البعض في المسرحية بالطاعون الأبيض إلى نوع جديد من (العمى) الجمعي الذي جسدته رواية جميلة أخرى لساراماجو تحمل هذا العنوان. ولا تعرف المؤسسة السياسية كيف تتعامل مع هذا الموقف الجديد، وقد انتقل المشهد الآن بعد انتهاء الفرز إلى أروقتها الداخلية. وقد بدأت في التخبط والارتباك، وأخذت الاتهامات والاتهامات المضادة تتطاير في غرف الاجتماعات، مع تطاير رزاز المطر وضبابه. فأن تكون هناك بعض الأوراق البيضاء، فإن هذا يعتبر بسهولة نوعا من الخطأ. ولكن لا يمكن أن يكون 80% من الناخبين على خطأ وعلى امتداد الوطن كله، وهذه هي دلالة العنوان الذي أفضل ترجمته (إذا أخطأ الجميع فإنهم لا يكونون على خطأ). 
ومع تصاعد التخبط السياسي، وهرب بعض الزعماء السياسيين يتصاعد كريشندو المطر وتشارك حوائطه في تعميق العزلة حول الجميع. ويصبح المطر استعارة مسرحية تتسم بالسيولة وتعدد الدلالات على الموقف الذي يزداد أمامنا تعقيدا؛ وقد امتلأت به خشبة المسرح، التي تحولت بالتدريج إلى مخاضة من الماء، وقد تم تجهيزها بحيث تحولت إلى حوض واسع امتلأ تدريجيا بالماء تتخبط فيه الشخصيات، ويتطاير رزاز تخبطها فيه كي يصيب الجمهور، وكأنه يقول له إنه جزء من الموضوع المطروح، وليس مجرد مشاهد سلبي له. فإذا كانت نتيجة الانتخابات تنزع الشرعية عن المؤسسة السياسية التي تقاوم نتيجتها، وتبحث عن مبررات لما جرى بعيدا عن رسالته الواضحة بأن الجمهور قد فقد الثقة في اللعبة كلها، وأنه لا يريد مواصلة إضفاء الشرعية على مؤسسة نخرها الخلل والفساد حتى العظم؛ فإنها تكشف بهذا الرفض عن وجهها القبيح حينما تبدأ في استجواب الناخبين واستخدام آلة عنف السلطة ضدهم. وكان ممثلهم هو هذا الناخب الوحيد الذي هلّ ظهرا على لجنة العاصمة التي بدأنا بها المسرحية، في نوع من إغلاق دائرة التخبط والعنف وفقدان الشرعية. 

مرثية تحذيرية للسلام الموءود 
أما آخر العروض التي أود تناولها هنا لأنها تتصل إلى حد ما بموضوع الخلل في عالمنا المعاصر، وتعد في الوقت نفسه أحد أعمال محور مهرجان هذا العام الرئيسي وهو «نظرة على الشرق الأوسط» فهي عرض (اسحق رابين: وقائع اغتيال Yitzhak Rabin: Chronique d’un Assassinat) لعاموس جيتاي Amos Gitai والذي جاء إلى مهرجان هذا العام من حيفا. وقد استضافه المهرجان، لليلة واحدة فقط، في أهم فضاءاته، ألا وهي ساحة الشرف في القصر البابوي، وأكبرها حيث يتجاوز عدد الجمهور فيها الألفي مشاهد. وهو عرض كما يقول عنوانه يتناول عملية اغتيال اسحق رابين، رئيس وزراء دولة الاستيطان الصهيوني في فلسطين، في 4 نوفمبر عام 1995. وقد سبق لمخرج العرض أن أخرج العام الماضي فيلما بعنوان (اليوم الأخير لإسحق رابين). أما العرض الذي قدمه هنا في أفينيون، فإنه يقدم فيه تنويعا آخر على فيلمه ذاك، ولكن وفق قواعد المسرح وجمالياته الفضاء الرحب المغايرة. وقد لجأ هنا إلى تجنب أي محاولة للتجسيد الدرامي لما جرى على خشبة المسرح، وإنما لجأ إلى البساطة وجماليات الحد الأدنى من الحركة بالصورة التي استحال معها العرض إلى قراءة درامية وحوارية معا. 
حيث يعتمد العرض على مذكرات زوجته، ليا رابين، التي روت فيها وقائع اليوم الأخير في حياته بالتفصيل، وقد وزع النص على ممثلتين تقرأ كل منهما مقطعا منه بالتتالي، ومعهما عازفتان تعزف إحداهما على التشيللو والأخرى على البيانو. وبالإضافة إلى النسوة الأربع هناك كورس من 16 رجلا يقوم بالحركة الكاشفة عن التخبط أحيانا وبالتراتيل الجنائزية التي ترثيه أحيانا أخرى. بينما استخدم العرض عددا من لقطات الأفلام الوثائقية التي تسجل تزعم بنيامين نتانياهو عملية التحريض على قتله، بعد توقيعه لاتفاق أوسلو المشهور أو المشؤوم، ووقائع مظاهرة السلام وأحداث قتله وقد تم عرضها على حائط القصر البابوي المرتفع المهيب. وقد كشف العرض عن حقيقة أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين رافض للسلام من حيث الجوهر. وأن السلام عنده ضد مبادئ المشروع الصهيوني نفسه، والذي يمثله بحق عتاة المتشددين، وعلى رأسهم نتنياهو وأمثاله. لكن ما جعل هذه الرسالة المهمة حول حقيقة المشروع الصهيوني مؤثرة وفاعلة هو اهتمام عاموس جيتاي بالتوقيت والإيقاع وجماليات العرض. فقد كانت إحدى الممثلتين ترتدي ثوبا أحمر (لون الدم) والأخرى ثوبا أسود (لون الحداد) وهو الأمر الذي تكرر مع العازفتين حيث ارتدت عازفة البيانو ثوبا أحمر، بينما ارتدت عازفة التشيللو الذي جسد النواح على القتيل ثوبا أسود. وقد اهتم العرض كذلك بجماليات الحركة، وبطريقة استخدام تحركات الكورس كي تعزز المتعة البصرية الرسالة الفكرية للعمل. 
ولايزال في جعبة المهرجان الكثير، وخاصة في محوره الخاص بمسرح الشرق الأوسط سنعود له في مقال قادم. 


تداعيات

مع أن مسرحية "من يغلطون لا يكونون دائما على خطأ" استدعت في داخلي الكثير من أصداء العنف الذي يتخبط فيه العالم العربي بعد ثورات الربيع العربي، التي توشك أن تكون نوعا من إعادة أوراق الانتخابات البيضاء التي لا تمنح أيا من الحكام ما يزعمونه من الشرعية، ومع ذلك مازالوا يحكمون بالعنف والدم؛ فإن أكثر المسرحيات التي شاهدتها حتى الآن تجسيدا للعنف الناجم عن خلل العالم هي مسرحية الإسبانية أنجيليكا ليديل Angelica Liddell المعنونة (ماذا تراني أفعل بهذا السيف Que Hare Yo Con Esta Espada). لأنها مسرحية تنتمي إلى ما يمكن دعوته بالمسرح العضوي الذي يستخدم لغة الجسد، تربط بين أحداث العنف التي راج ضحيتها أكثر من مئة شخص في تفجيرات باريس في نوفمبر الماضي، وبين ما قام به التلميذ الياباني إيساي ساجاوا الذي قتل زملاءه في الصف وأخذ في أكل أجسادهم، تجسيدا لأعلى درجات العنف في أكل لحوم البشر. وكأنها تريد من خلال تركيزها على تصاعد العنف الدموي الذي تمتد خيوطه من طوكيو إلى باريس أن تكشف لنا عن وجود خيوط تصل بين تجليات العنف المختلفة في العالم. وأن ثمة خللا بنيويا في عالمنا أدى إلى تراجع القيم الفاضلة من الحق والعدل والخير، وصعود قيم الجشع والظلم والقهر والدمار.

-------------------------------------
المصدر : العربي الجديد 
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption