أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 23 فبراير 2017

قسم النشاطات الطلابية بجامعة ذي قار يقيم مهرجاناً مسرحياً لطلبة الجامعة في آذار المقبل

مجلة الفنون المسرحية

قسم النشاطات الطلابية بجامعة ذي قار يقيم مهرجاناً مسرحياً لطلبة الجامعة في آذار المقبل

 يقيم قسم النشاطات الطلابية بجامعة ذي قار مهرجاناً مسرحياً لطلبة الجامعة على قاعة المؤتمرات في المدينة الجامعية في آذار المقبل .
وقال مدير قسم النشاطات الطلابية بجامعة ذي قار الأستاذ المساعد الدكتور ربيع لفتة داخل " ان الجامعة ستقيم مهرجانها المسرحي الأول لطلبة كليات الجامعة في الثالث عشر من شهر آذار المقبل ولمدة يومين ، برعاية الأستاذ الدكتور رياض شنتة جبر وإشراف مدير المسرح الجامعي الدكتور ياسر البراك .

ويأتي إقامة هذا المهرجان المسرحي لطلبة الجامعة لخلق حالة من التواصل الثقافي والفكري بين فئات المجتمع وكشف المواهب الطلابية وتطويرها في هذا المجال بما ينسجم مع دور الجامعة في تنوير المجتمع والارتقاء به إلى مراتب متقدمة في العلاقات الإنسانية .

----------------------------------------------------
المصدر : اعلام الجامعة - عمار حمد الحجامي

دورة السينوغرافيا المسرحية تفيد أكثر من 25 طالباً في النشاط المسرحي بجامعة الملك خالد

مجلة الفنون المسرحية

دورة السينوغرافيا المسرحية تفيد أكثر من 25 طالباً في النشاط المسرحي بجامعة الملك خالد

 ضمن فعاليات وأنشطة وبرامج المهرجان المسرحي الثالث والذي تقيمه جامعة الملك خالد ممثلة بعمادة شؤون الطلاب في هذا الفصل .

نفذ النشاط المسرحي  بالجامعة دورة سينوغرافيا المسرح  وذلك

لطلاب النشاط والتي أستمرت لمدة خمسة أيام , حيث تعتبر دورة

تخصصية في مجالات السينوغرافيا المسرحية والتي قدمها المدرب والمخرج المسرحي زكريا لمؤمني ، وشملت الإضاءة و عن كيفية رسمها و اختيار الألوان المناسبة في الإضاءة و

كيفية تأثيث المسرح بمجموعة من العلامات السمعية والبصرية بقصد توضيح معاني النص الدرامي وتفسير مؤشراته . 

حيث بين الأستاذ محمد الكعبي أن النشاط المسرحي حرص على تقديم كل ما

يفيد الطالب وذلك بدعم من عميد شؤون الطلاب الدكتور مريع الهباش  ، والتي استفاد منها أكثر من 25 طالباً من

المهتمين في المجال المسرحي . الجدير بالذكر أن هذه الدورة هي إمتداد للعديد من الدورات التي يقدمها النشاط المسرحي بالجامعة على هامش المهرجان المسرحي الثالث . 


مكتبة سعد الله ونوس الخاصة في الجامعة الأميركية في بيروت

مجلة الفنون المسرحية

مكتبة سعد الله ونوس الخاصة في الجامعة الأميركية في بيروت

عُقدت في قاعة محاضرات معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) طاولة مستديرة عن الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونوس لمناسبة تبرّع عائلته بمكتبته إلى الجامعة الأميركية في بيروت.

وسعد الله ونوس (1941-1997) يبقى أحد أبرز كتّاب المسرح السوري ومفكّري عصره، وأحد أبرز مجدّدي الدراما العربية الحديثة. كما أنه كان قارئاً نهماً وشغوفاً بتجميع الكتب. والآن، بعد عشرين عاماً من وفاته، تجد مكتبته الرائعة مقراّ يليق بها، في الجامعة الأميركية في بيروت.

وتضم مكتبة ونوس حوالي 4500 كتاب في الأدب الحديث، والشعر، والسياسة، والفلسفة، والمسرح، والرواية.

وفي افتتاح الطاولة المستديرة، قالت أرملة ونوس السيدة فايزة أنه تساءل عمّا ستؤول إليه مكتبنه بعد وفاته. فأكّدت له: "لا تقلق. أنا سأهتم بمكتبتك. وأعدك أنها ستكون في مكان جميل جدا". وأضافت السيدة فايزة: "اليوم، في عيد ميلاده الخامس والسبعين، أقدّم له هدية ثمينة جداً: مكان جميل جدا لمكتبته."

وقد استُهلّت الطاولة المستديرة بمداخلة من الدكتورة إليزابيث سوزان كساب، من معهد الدوحة للدراسات العليا، وهي خريجة الجامعة الأميركية في بيروت. وقد دعت كساب الجامعة الأميركية في بيروت ليس فقط إلى حفظ مجموعة سعد الله ونوس، بل أيضاً لإدراجها في المناهج الدراسية. وقالت: "أجيال من الطلاب من لبنان والمنطقة العربية تخرّجت من دون أن تعرف هذه الشخصيات الأدبية الكبيرة. إذا كنا لا نعرف سعد الله ونوس وغيره، فإننا نواجه فراغا فكرياً".

ولاحقاً، في فترة أسئلة وأجوبة، أكّد الدكتور بلال أورفلي من دائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى أن أعمال ونوس سوف يتم إدراجها في المناهج الدراسية في الجامعة الأميركية في بيروت.

المداخلة الثانية كانت لفاروق مردم بك، وهو كاتب وناشر عاصر سعد الله ونّوس. فتحدث عن سنوات ونّوس ودراسته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في باريس، حيث تعلم عن المسرح الغربي، ليس لتقليده بل لخلق مسرح عربي جديد وفريد.

ثم تكلمت ديما ابنة ونوس عن والدها وتفانيه للكتب. وقالت: "جدران بيتنا لم تكن بيضاء بل فقط رفوفاً مليئة بالكتب، وهذه الكتب كانت تضيّق عليّ لكنها كانت تجعل والدي يتنفس بشكل أفضل".

حماية تراثنا الثقافي

وفي كلمتها الافتتاحية، تحدّثت عميدة كلية الآداب والعلوم الدكتورة ناديا الشيخ عن الأهمية القصوى لاحتضان مجموعات مثل مكتبة ونوس في الجامعة الأميركية في بيروت.

وقالت: "نظرا للنهب والتدمير الذي لحق بذاكرة التاريخ للمنطقة وتراثها، يقتضي تكثيف التعاون بين مختلف هذه الدوائر والأقسام اليوم أكثر من أي وقت مضى". وناشدت مكتبات الجامعة ودوائر كلية الآداب والعلوم لعب دور استراتيجي في جمع وحفظ ونشر التراث الفكري الإقليمي.

وستتم في مكتبات الجامعة فهرسة مكتبة ونوس. وهي ستودع في هذه المكتبات. وقالت مارييت عطا الله عبد الحي، رئيسة قسم التجميع والاستحصال في مكتبات الجامعة الأميركية في بيروت، عن عمل هذه المكتبات في البحث عن مجموعات مثل مكتبة ونوس من أجل الحفاظ على التراث الثقافي والفكري لهذه المنطقة وجعله متاحاً للطلاب والمعلمين والباحثين.

ثمّ تكلم البروفسور روبرت مايرز، من مبادرة المسرح في الجامعة، فوصف العمل الدؤوب في الجامعة لتعريف جمهور جديد وعريض، محليا ودولياً، على مسرحيات ونوس بمساهمة نشطة من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت.

واختتمت رئيسة دائرة اللغة الانكليزية في الجامعة صونيا مجشر أتاسي الندوة بوصف موجز لأهمية إبقاء مجموعة سعدالله ونوس في الجامعة الأميركية في بيروت. وقالت: "كتب سعد الله ونوس عبرت الحدود إلى لبنان من سوريا كلاجئين مختبئين في شاحنة، جنباً إلى جنب مع لاجئين آخرين هم كتب الدكتور فؤاد محمد فؤاد". وأملت أن يكون لكتب ونّوس حياة جديدة في الجامعة الأميركية في بيروت، وأن تكون هذه الكتب متيسرة لأجيال حالية ومستقبلية من الطلاب. وختمت: "ليست كتب ونوس هي التي ستدب فيها الحياة في الجامعة الأميركية في بيروت، لكن الجامعة هي التي ستحيا من خلال هذه الكتب".

يُذكر أنّ الطاولة المستديرة حول سعد الله ونوس كانت من تنظيم دائرة اللغة الانكليزية، ودائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى، ومركز الدراسات العربية والشرق أوسطية، ومبادرة المسرح، والمكتبات الجامعية، في الجامعة الأميركية في بيروت.

------------------------------------------
المصدر : لبنان 24

الأربعاء، 22 فبراير 2017

هاملت شكسبير تحليل لشخصيته وتردده

مجلة الفنون المسرحية

هاملت شكسبير تحليل لشخصيته وتردده

قاسم حسين صالح 

تتعدد النظريات السيكولوجية في تفسير " الشخصية " ، وكثرة عددها قد لا تشكل مفارقة ، ولكن المفارقة هي انك حين تقرأ نظرية منها تقتنع بها ، فانك ما أن تنتقل الى نظرية أخرى مناقضة لها حتى تقتنع بالأخرى المناقضة لها...
أفيكون الإنسان هو ملتقى كل التناقضات ؟!
لقد فعل ذلك شكسبير في هاملت .و شكسبير ـ هذا العقل الحاذق المبدع ـ سبق علماء النفس في طرحه لمفهوم أن " الشخصية " لا يمكن تفسيرها بنظرية سيكولوجية واحدة . ولهذا يمكن القول إن أحد أسباب خلود شكسبير هو مسرحيته " هاملت " . وان أحد أسباب خلود مسرحيته هذه هو قدرة شخصية هاملت على استيعاب عدد قد لاينتني من التفسيرات المتشابهة ضمن سياق فكري واحد ، والمتباينة في سياقات فكرية مختلفة . فمسرحية " هاملت " ــ كما يصفها الشاعر والناقد وأستاذ الأدب البولندي ، جون كوت ــ أشبه بأسفنجة من شأنها إن تتشرب كل مشاكل عصرنا .
في حالتنا الابداعية هذه ـ " هاملت " ـ سنتقدم مسحا" مكثفا" لأهم الاجتهادات التي حاولت تفسير شخصية هاملت وتردده على وجه الدقة ، ثم ننتهي بطرح وجهة نظرنا في شخصية هاملت وتردده بالذات . وهي وجهة نظر جديدة قد يجد فيها القارئ أنها تشكل إضافة للتفسيرات القائمة . 
أولا. هاملت شكسبير في اجتهادات المفسرين 
برغم تعدد وتنوع هذه التفسيرات فانه يمكن وضعها على محاور رئيسة بتصنيفات مختلفة . على أن التداخل بينها يبقى قائما" في أي تصنيف محتمل . وسيجري فرز أهم التفسيرات لشخصية هاملت وتردده الى ثلاثة أصناف هي : تفسيرات سياسية ، وتفسيرات فنية وأخلاقية ، ثم تفسيرات سيكولوجية . 
على أن هذا سيتم بعد إن نتعرف بشكل منفصل ومكثف على وجهات نظر متميزة لستة من النقاد والباحثين هم : كولردجColeridge ، هازلت Hazlitt ، برادلي Bradley، كليمن Clemen ، ماك Mack ، واورنستين Ornstein .
أ‌. كولردج:
يتساءل كولردج بدءا" فيقول : ماذا كان يقصد شكسبير حين رسم شخصية هاملت ؟ ويضيف : إن شكسبير لم يكتب ابدا" بدون تخطيط دقيق مسبق ، فماذا كان تخطيطه حين اخرج هذه المأساة ؟
ويجيب : باعتقادي، هو انه كان يتمعن في القصة قبل كتابتها كما يتمعن الرسام موضوعه وادواته قبل أن يرسم . ولقد قصد شكسبير في هاملت تصوير وجهة نظر الإنسان بالعالم الخارجي، في أن كل حوادثه وموضوعاته هي ، نسبيا"، مظلمة وغامضة ولا رغبة له فيها بحد ذاتها . وان الاهتمام بها يبدأ فقط حين تنعكس تلك الحوادث والموضوعات الخارجية بنفس الطريقة التي ينظر بها الرجل ذو الخيال المفعم بالنشاط، الذي يغمض عينه ليرى أشياء سابقة تركت انطباعاتها فيه. 
لقد وضع شكسبير هاملت في ظروف مثيرة للغاية نادرا" ما يتعرض لها البشر . فهو الوريث المفترض للعرش . ووالده كان قد توفي في ظروف غامضة، ووالدته ابعدته عن العرش بعد أن تزوجت من عمه . وكان شبح والده يظهر ليؤكد له بأنه قتل من قبل أخيه الذي اصبح الآن ملكا" وزوجا" لمن كانت في السابق زوجته. 
وكان تأثير ذلك على الابن هاملت ليس فقط حثه على اخذ الثأر بل ، وأيضا" ، تساؤلات لا نهاية لها ... عزم وتصميم وإلحاح وقلق العقل من اجل الفعل، ورغبة ملحّة مضادة من اجل الهرب من ذلك الفعل. ونوم وتوبيخات متواصلة لنفسه على كسله وإهماله. فيحدث ان تتبخر كل طاقته على التصميم بفعل هذه التوبيخات. وهاملت ليس جبانا"، فقد اعتبر واحدا" من شجعان زمانه، ولم يكن تردده بفعل الرغبة في التدبير وبعد النظر، ولم يكن توانيه من اجل فهم وإدراك اعمق ، ولكنه كان فقط يكره ويمقت ذلك الفعل.
انه لا حيرة ولا تردد حول هاملت بقدر ما يتعلق بشعوره هو وإحساسه تجاه واجبه انه يعرف جيدا" ماذا يجب عليه أن يفعل. وكان كثيرا" ما يعمل فكره لأن يفعل ذلك . ولقد انشطر على نفسه فكان شطره الثاني ثورة غاضبة وهذيانا" وانفعالا" ضد نفسه على إهماله تنفيذ واجبه المهيب الذي أوكل إليه.
لقد أراد شكسبير أن يترك فينا انطباعا" حول حقيقة : إن الفعل هو النهاية الحاسمة للوجود. وان القدرات الفائقة للعقل وحدّة الذهن وألمعية الفكر لا قيمة لها. وأنها ــ لسوء الحظ ــ اذا سحبتنا وجعلتنا نتخلى عن كرهنا لفعل معين ، فإنها تقودنا لأن نفكر ونفكر في ذلك الفعل حتى يكون الوقت قد مرّ وفاتت اللحظة التي كان بالإمكان أن نفعل فيها شيئا" مؤثرا".
وفي تنفيذ هذه الحقيقة الأخلاقية، فان شكسبير اظهر كامل براعته. فكل شيء ذو هدف ورائع بطبيعته كان في شخصية هاملت. باستثناء خاصية واحدة، هي انه كان رجلا يعيش التأمل والتفكير دعي لأن يفعل وبكل دافع إنساني والهي ، لكن شاغله العظيم في حياته كان يلهيه في اتخاذ قرار دون فعل. 
ب. هازلت:
هاملت هو مجرد اسم ، وكل أقواله وخطبه وحتى صياغاته الساذجة هي من عقل الشاعر شكسبير، فهل يعني هذا إنها غير واقعية ؟. إنها واقعية كواقع أفكارنا الخاصة.. إننا نحن هاملت، وهذه المسرحية لها صدق النبؤة إضافة الى كونها تاريخا".
ومهما كان هاملت منهمكا" في التفكير وسوداويا" طوال حظه العاثر، أو حظوظ الآخرين، وانه كان عليه أن يشق طريقه في عتمة قاتمة ، ووجد في نفسه انه كثير عليه أن يكون هو الشمس. وآيا كان هو الشمعة الذهبية في نهار معتم يتصاعد فيه الضباب حتى ليخنق أنفاسه، ووجد في العالم خواء ولا شيء يستحق الذكر. ومهما كان قد خبر " أوجاع الحب الذي استخف به " ، فانه هو الذي أحس بأن عقله يغوص في داخله، وان الحزن يعتصر قلبه كالمرض، وانه لم يكن مقتدرا" على التحرر من القلق في وقت يرى فيه الفساد يحوم حوله كالشبح، وحيث قوته للفعل كانت تأكلها أفكاره. انه هو الذي كان يبدو الكون أمامه مطلقا" لا نهاية له ، ورأى في نفسه انه لا يساوي شيئا". وهو الذي أحالته قساوة آلامه الى إنسان غير مبال بما يحدث، فمضى يمثل بسخرية، لأنه وجد في التمثيل الساخر افضل مصدر له في فضح فساد الحياة. هذا هو هاملت الحقيقي .
إن مسرحية هاملت واحدة من مسرحيات شكسبير التي نفكر فيها كثيرا"، لأنها تزخر بانعكاسات حادة للحياة الإنسانية. ولأن هموم هاملت قابلة الانتقال لأن تكون هموما" عامة على الصعيد الإنساني . فكل شيء يحدث لهاملت نطبّقه على أنفسنا، لأنه يطبّقها على نفسه كوسائل عقلانية عامة. انه أخلاقي عظيم . وما يجعله جديرا" بالحضور انه يسمو بأحاسيسه وخبراته دون تحذلق أو مساومة. وإذا كان " لير" قد تميز بآلامه الكبيرة، فان هاملت يتميز بعبقريته وأصالته وشخصية متطورة غير قابلة للدراسة.
وشخصية هاملت تقف معتدة بنفسها لا تميزها قوة الإرادة ولا حتى الألم . لكنها تتميز بتصفية وتنقية الأفكار والوجدان . انه بطل على افضل ما يمكن إن يكون الإنسان . ولكنه كان شابا" وأميرا" مبتدئا"، مملوءا" بحماسة عالية وحساسية سريعة. وهو يبدو غير قادر على فعل سريع، ومع ذلك اقدم على أفعال متطرفة بصورة ارتجالية حيث لم يكن لديه الوقت لأن يعكس ذلك في فكره، كما في مشهد قتله لبولونيوس.
وفي أوقات أخرى ، وحين يكون متجها"، يبقى متحيرا"، غير قادر على اتخاذ قرار. شكوك، يتوانى حتى تفوته لحظة الفعل، فينتكس نحو الكسل والتراخي والتفكير بعمق مّرة أخرى .
انه أمير الفلاسفة التأمليين . ولأنه لم يفعل شيئا" فانه كان يفكر في عجزه. وكان تفكيره في هذا العجز والتواني يوفر له فرصة أخرى للتكاسل. ولم يكن مقته للجريمة سبب تباطؤه، ولكن ولعه في أن ينغمس بخياله في تجسيد فداحة وشناعة الجريمة وتنقية خططه للأخذ بالثأر اكثر من وضع هذه الخطط موضع التنفيذ الفعلي . إن علته الأساسية هي أن يفّكر لا أن يفعل. وكان يجد في اتفه الحجج ذريعة لأن يفكر فيها، فتلهيه عن هدفه الرئيس .

جـ . برادلي:
إن احدا" لا يمكنه أن يحكم على مزاج هاملت بأنه " الميلانخوليا ــ السواد " بالمعنى السائد للكلمة. فلا يبدو ما يشير الى ذلك . ولكن يمكن أن يحكم من خلال مزاج هاملت بأنه يميل الى عدم الاستقرار العصبي، من خلال تقلّبه السريع، وربما تطرّفه في تغيرات الإحساس والمزاج. وقد أطلق الاليزابثيون على هذا النوع من المزاج " الميلانخوليا" ويبدو إن هاملت كان نموذجا لها.
إننا لا نكون مخطئين حين نعزو لهاملت، في أيامه الأولى الحساسية الحادة. ويمكن أن نطلق عليها " أخلاق" اذا كانت هذه الكلمة تدلل على المعنى . وفي حساسيته الأخلاقية هذه يكمن الخطر دون شك . فكل هزّة عنيفة يتلقاها تثير حساسيته الأخلاقية بأقصى حدتها. وهزّة كهذه يمكن أن تنتهي بنتائج مأساوية. ولهذا فان هاملت تستحق فعلا" عنوان " مأساة الأخلاق المثالية ، أو " مأساة الفكر ".
ومع هذا المزاج وهذه الحساسية، نجد في هاملت، في أيامه الأولى وفي أيامه الأخيرة، العبقري المفكر. وهذه هي الصفة الرئيسة التي جعلته مختلفا" عن كل المحيطين به، الطيبين والرديئين على السواء، وهي التي تميزه أيضا" عن معظم أبطال شكسبير الآخرين . 
إن تظاهر هملت بالجنون يمكن أن يكون، جزئيا" ، بسبب خوفه من الواقع ، وبسبب غريزة الحفاظ على الذات، وإدراكه المسبق بأن تظاهره هذا سيمكّنه من أن يتكلم لينّفس عن هول العبء الثقيل الذي يضغط على قلبه وعلى عقله،فضلا على خوفه من كونه غير قادر على كبت أقواله.
وإذا كان المتخصص بالأمراض العقلية يسمى هذه الحالة " ميلانخوليا" ويقرر دقائقها، فليس لدي أي اعتراض . وسأكون ممتنا" له حول تأكيده من أن حقيقة " ميلانخوليا ـ سوداوية " هاملت هي ليست مجرد كبت عام للنفس . ولا يوجد لدي أدنى شك من أن الكثير من قرّاء المسرحية سوف يفهمونها بشكل افضل اذا اطلعوا مسبقا" على " الميلانخوليا" في كتب الأمراض العقلية . وإذا كنا نميل الى استخدام كلمة " مرض " فان حالة هاملت هي في حقيقتها حالة مرضية ، لا طاقة إرادية قادرة على إنهائها .
غير انه ليس من العدل أن نطلق على هاملت " دراسة في الميلانخوليا" برغم أنها تتضمن هذه الدراسة.
إن " ميلانخوليا" هاملت شيء مختلف عن الجنون . برغم أنها يمكن أن تنتهي الى الجنون . إن الرغبة الشديدة في الموت تصبح دافعا" لا يقاوم لتدمير الذات. واضطراب المشاعر والإرادة يمكن إن يتوسع ليشمل العقل . والوهم يمكن أن يتصاعد ، والإنسان يمكن أن يصبح، كما يقال ، غير قادر وغير مسؤول . ولكن " ميلانخوليا" هاملت تختلف عن هذه المواصفات، وتختلف كلية عن الجنون الذي يتظاهر به. وهو قطعا" حين يكون وحيدا" أو بصحبة هوراشيو، يظهر علامات هذا الجنون .
إن الرجل الذي يعاني كما يعاني هاملت- وآلاف يعانون في أعمالهم بدرجة اقل أو اكثر ـ يعدّون غير مسؤولين، لا من قبل الآخرين ولا من قبل أنفسهم . ويبقى ذلك الشعور الحاد تجاه المسؤولية.
إن حالة هاملت هي ليست من الحالات التي لا يمكن للعقل السليم أن يتصورها. إنها حالة عادية. وليست أكثر صعوبة من الإدراك للآلام والمآسي العظيمة لعطيل وانطونيو، وما كبث.
د. كليمن:
إن مخيلة هاملت تكشف عن خلفية ثقافية واسعة لبطل يمتلك مدى واسعا" ومتنوعا" من الخبرات. والاستعارات المجازية المأخوذة من العلوم الطبيعية توظف بلغة هاملت الخاصة وتؤكد قدرته على الملاحظة وحذاقته في النقد. ومن جهة أخرى يشكل هاملت " أسطورة إغريقية ". فهو ليس متألقا" مع المسرح والتمثيل حسب ، بل ومع الفنون الجميلة أيضا"، مع الصقور والصيد، مع استراتيجية العمل العسكري، مع طريقة البلاط في الحياة.
كل هذه المجالات تكشف شخصية هاملت " كرجل بلاط" وجندي وباحث على حد تعبير أو فيليا. وتستحثه مخيلته في أن يحّول خيالاته هذه الى اعتبارات حياتية بتطبيقات مناسبة للمواقف والأشخاص والأمزجة.
إن أوامر هاملت لها مستويات متعددة من التعبير. وهو ينفرد بقدرته على التساوق ووزن الأمور طبقا" لمخيلته وتبعا" للموقف والشخص الذي يخاطبه. وقابليته على التكيف وبراعته خاصية أخرى في استخدام هاملت لمخيلته اللغوية.
إن هذا المدى الواسع للمخيلة يمكن أن يخدمه ليكون عونا" له على أمزجته المتصارعة ووجوده الممزّق بين تناقضات ومزاج لا يستقر . هذه الخاصية التي أكد علها بشكل خاص، وعزيت، جزئيا" الى " الملانخوليا" تكشف عن نفسها في التغير المفاجئ للّغة، وبوضع عبارة بجانب أخرى تتباينان في البيان والأسلوب.
إن مخيلة هاملت، التي تسمي الأشياء بمسمياتها، تستلزم حرية خاصة كان لا بد أن يحصل علها عن طريق تظاهره بالجنون. فهاملت يحتاج الى الخيال " لمزاجه الغريب" وهو سيفضح نفسه لو أنه أستخدم لغة مباشرة واضحة. ولهذا كان عليه أن يتكلم بغموض ليخفي المعنى الحقيقي تحت ستار المراوغات والتلاعبات اللفظية والخيالات والحكايات الرمزية. والذي يحدث إن الشخوص الآخرين يعمّقون اعتقادهم بأنه مجنون، غير أن جمهور المشاهدين يستطيع النفاذ الى حقيقة الموقف. فمن خلال ذلك القناع من " المزاج الغريب" يقول هاملت الكثير من الأشياء اللاذعة . وهكذا نجد أن مخيلة هاملت تلعب دورا" جديدا" في دراما شكسبير لا يشبهها في وظيفتها سوى مخيلة الملك " لير".

هـ . مــاك:
إن الصفة الأساسية التي تميز مسرحية هاملت هي الغموض. ونحن كثيرا" ما نسمع بأن كل عمل فني لا بد أن يكتنفه الغموض، ولكن الغموض في هاملت شيء آخر. فنحن نشعر بوجوده في عدد لا يحصى من التعبيرات المتعلقة بتردد هاملت: بجنونه، بشبحه، بمعاملته لبولونيوس، أو أو فيليا ، أو أمه. وبالمجالات التي ما زالت قائمة حول ما اذا كانت المسرحية هي " الفشل والإخفاق" ــ على حد تعبير اليوت ــ أو إنها أعظم فرحة نصر فني . وفيما ــ إن كانت هي فرحة النصر ــ تنتمي الى أعظم نظام تراجيدي؟. وان كانت هي تراجيديا، فهل يعتبر بطلها رجل الإحساس الأخلاقي الرفيع التهذيب ــ وجهة نظر برادلي ــ أم انه أناني ومغرور ــ وجهة نظر ماد أريجا -؟.
إن هاملت شخص ليس مجنونا" لحاله فقط. بل أنه السبب الذي يجعلنا ندرك بأن الجنون يكمن فينا أيضا".؟
وهاملت يبدو قريبا" من منطق اللامنطق في الحياة أكثر من باقي تراجيديات شكسبير. ولا نعلم فيما كانت أسباب ذلك تكمن في أن شكسبير نقّح وأعاد قراءة المسرحية مرات حتى جاءت دوافعها أنيقة معتدّة بنفسها ، أو أن مشاكل هاملت قريبة من قلب شكسبير . على أننا ــ بوصفنا نقادا ــ تهمنا النتائج وتأثيرها أكثر من الأسباب.
إن عالم هاملت هو عالم الاستفهامات. فالمسرحية مليئة بالأسئلة، بالتنبيهات للخطر، بالآلام، وبالتأملات. وعالم هاملت هو عالم الألغاز. فلغة البطل الخاصة هي لغة ملغزة. وهو حين يتلاعب بالألفاظ يصل الى أعماقها. وطريقة كلامه في حالة جنونه، حتى لو كانت متهورة وفيها لف ودوران، فهي حبلى . حتى جنونه نفسه هو لغز، كم منه واقع ؟ كم منه تظاهر؟ ماذا يعني: عقل أم جنون؟!. إن عقل هاملت يلعب دون توقف بعالمه، من لغز الى لغز آخر . وغموض عالم هاملت هو جزء مهم تريد المسرحية أن تطلعنا عليه بدءا" من كلمتها الأولى في مشهدها الأول الذي يلفّه الغموض في منتصف تلك الليلة الباردة.
إن عظمة المعنى الأخلاقي في هاملت تصلنا بثلاث طرائق :
الأولى : تأكيد المسرحية على الضعف الإنساني ، وعدم استقرار أهداف الإنسان، وخضوع الإنسان الى الحظ والقدر. وكل هذا يمكن أن نطلق عليه جوانب الإخفاق في الإنسان.
الثانية: تتعلق بمسألة العجز الإنساني، من حيث توكيدها على التلوث والفساد : القرحة والخراج الخفي والتمشدق بالسعادة والسلام .
إن مشكلة هاملت هي ليست مشكلة الإرادة والعقل " العقل الفلسفي أو الطبيعة المزاجية التي لا تقدر على الفعل السريع " . كما أنها ليست مشكلة فردية قطعا" ز إنها ، بالأحرى، شرط أو ظرف يكون فيه الفرد نفسه غير مسؤول بشكل واضح أكثر من كونه رجلا" مريضا" يلام على فساد وتلوث يتفشى ليفترسه فيبيد نفسه والآخرين، الأبرياء والمذنبين، على حد ما ترى "Spurgeon" .
إن مشكلة هاملت ــ ببساطة ــ هي مشكلة المنتقم المطالب بالثأر، تحتم عليه تنفيذ أمر الشبح بقتل الملك. غير أن المشكلة تصاغ بلغة عالم خاص . فأمر الشبح يصبح بالنسبة لهاملت فعلا" لا مناص منه، وفي عالم يريد كهذا الفعل أن يحدث ، وان يتوصل الى تفاهم مع نقيضين .
إن العجز الإنساني يزود المشكلة بجانبها الثالث فهاملت لم يكن عليه أن يقبل فقط لغز وضع الإنسان بين الملائكة والبهائم. وليس عليه أن يفعل فقط في عالم معقد ورديء ، بل كان عليه، أيضا"، أن يفعل ضمن حدود قدرة الإنسان " بمعتقدات رثّة فاسدة " على حد تعبير اليوت.

و. اورنستين
إن مشكلة هاملت هي ليست مشكلة حيرة المفّكر. إنها تنشأ بسبب أن المسرحية تخلق شعورا" مدهشا" ومفاجئا" لحياة لا نجد فيها منطلقا" ولو بسيطا" لأفعالها المتشابكة . ولأننا غير قادرين على فهم أو تقبل تعقيدات البطل الشكسبيري المتعدد الجوانب، فأننا نبحث عن هاملت الأكثر انطلاقا وثباتا" وصفاء"، غير الذي تقدمه المسرحية.
إننا نحاول أن نصل الى الأفكار الأخلاقية الشكسبيرية عن طريق قراءتنا للسمات السيكولوجية والفلسفية الأخلاق الاليزابيثية. ولا شك أن براعة شكسبير في تصوير هذا الجانب تجعلنا نفهم لماذا يبدو البطل لنا هو الأعظم نبلا" والعقل الخالص.
إن ما يكون غير قريب من ضمير هاملت، لا يكون أيضا" قريبا" من ضمائرنا. انه صدق الإحساس الأخلاقي النقي الذي يجعلنا، من خلال المسرحية ، نتوحّد فيه فنكره ما يكره ونعجب بما يعجب به. وكما يقول النقاد، فنحن لا نتهم هاملت بأكثر مما يتهم هو نفسه: التواني في أخذ الثأر .
إن انطباعاتنا الأخلاقية عن شخصية هاملت تشتق أساسا" من أقواله أكثر مما تشتق من أفعاله. تشتق من معرفته البديهية بالجمال، بالعمق، وبنقاء طبيعته الأخلاقية .ومن خلال إقحامه بمهمة همجية هي الانتقام والتحرر من الوهم . وإذا كانت شخصيات وهمية خلقها دراما بارعة التكوين ، فان ما نحبه في هاملت هو الوهم داخل الوهم .
لقد خلق لنا شكسبير تعاطفا" مع هاملت تحول لأن يصبح قريبا" من فعل جعلنا نتقبل فظاظة هاملت تجاه أو فيليا وردود فعله تجاه موت بولونيوس، ورفضه السا ذج لقتل كلوديوس حين كان يصلي .
إن الحياة في هاملت غامضة وغير قابلة للتنبؤ، فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائج أفعاله. ولهذا فان هاملت، وليس النقاد الرومانتيكيون، الذي خلق مشكلة المتباطئ في أخذ الثأر . فمنذ ظهور هاملت أول مرّة كان منشغلا" في خفي مع المشكوك بأمره: كلوديوس. ولا نشعر طوال المسرحية أن هاملت قد تخلى عن الفعل .
ومشكلة الفعل في هاملت هي أنها تطرح سؤالا" مباشرا" عن تلك القضية الفلسفية التي تجبر الإنسان لأن يتأمل قيمة الوجود . ولأن موت أبيه قد جعل الحياة بنظره لا معنى لها، فانه كان طوال المسرحية يواجه تلك المشكلة الفلسفية القديمة :" أن يتعلم كيف يموت" ، كيف يعيش مع الحقيقة ومع فكرة الموت.
إن مشكلة هاملت هي ليست مسألة أن يتقبل موت أبيه، ولكن أن يتقبل عالما" أصبح الموت فيه بلا معنى وفقد رسالته من أجل الحياة. ولهذا كانت مسألة الانتقام ، بالنسبة له أمرا" ملزما" لكي يعطي من خلاله معنى وقيمة لوجود فارغ . وسواء أكان هاملت محقا" أم لا فانه كان يكيل الاتهام لنفسه مرة بعد أخرى لفشله في تنفيذ هذا الالتزام .
انتهت وجهة نظر اورنستين وبها تنتهي وجهات نظر ستة من النقاد المتخصصين بمسرح شكسبير ، قدمناها بشكل مكثف للغاية . وننتقل الآن لطرح مكثّف آخر لوجهات نظر أخرى ، مع إشارات لبعض من قدمنا لهم على وفق الصيغة التي أشرنا إليها في بدء حديثنا بفرز وجهات النظر هذه الى ثلاثة أصناف.
1ــ تفسيرات سياسية :
في عام 1595 أصدرت الملكة اليصابات مرسوما" يقضي بمنع عرض أية مسرحية :
" تمس من قريب أو بعيد أي أمر يتصل بالدين، أو يتعرض بنظام الحكم السائد في الدولة. لأن هذه الموضوعات ــ كما ورد المرسوم ــ لا يجوز أن يعالجها العلم والحكمة ولا يجوز عرض مثل هذه الموضوعات على كل جمهور. بل أن لا يتجاوز عرضها نطاق من يجمعون بين الحكمة والوقار" .
وبموجب هذا المرسوم قامت السلطات في عام 1597 بإغلاق جميع المسارح ،لأن واحدا" منها عرض مسرحية بعنوان " جزيرة الكلاب" تتناول الاستبداد والرشوة.
وبموجب المرسوم نفسه منعت في عام 1601 مسرحية شكسبير " ريكاردوس الثاني" لأنها تتناول موضوع خلع هذا الملك من العرش . ويشير النقاد الى أن شكسبير كان يهتم بالسياسة التي تتجلى بصورة واضحة في مسرحياته. وان شكسبير استطاع معالجة الموضوعات السياسية، برغم القرار أعلاه، بعد أن شعر بتسامح من الملكة التي فهمت المسرحيات التاريخية لشكسبير على أنها تهدف الى تشبيه الدولة بالسفينة المبحرة في بحر هائج تحف به الأخطار ، وبرغم ذلك تصل السفينة الى حيث الهدوء والاستقرار في عصر الملكة.
ويرى عدد من النقاد إن شكسبير استغل هذا الوضع واستطاع أن ينجح في الجمع بين إرضاء الملكة وبين أفكار ظهرت ثمارها بعد سنين في الثورة الفرنسية .
وإذا كان الأمر واضحا" في عدد من مسرحيات شكسبير، فان الأفكار والمضامين السياسية في شخصية هاملت قد لا يبدو للجميع واضحة وضوحها في شخصيات هنري الرابع وهنري السادس وادوارد الثاني وريكاردوس الثاني .
ومع ذلك فان شكسبير ، من وجهة نظر تفسيرات سياسية ، استطاع بمهارة أن يتولى في شخصية هاملت قضية سياسية مهمة هي الطبيعة الجدلية للتحولات السياسية التي تلحق بها التحولات الأخرى المرتبطة بطبيعة ذلك العصر، وكل عصر مماثل. ذلك أن المجتمع الإنكليزي في عصر شكسبير كان يعاني ، كما يشير أر نولد تويني ، من تصدّع على مستوى الدولة، حيث التناقض في النظام الإقطاعي، والتصّدع في الروح بمواصفاتها البرجوازية الناشئة. وأن شكسبير القادم من الريف حيث أبهة البلاط، ، حدد القوى التي يجب على البرجوازية أن تحركها اذا ما رغبت في قلب الملكية. وبما أن شكسبير مرتبط بالبلاط وبعادات القصر بحكم مهنته، فقد وجد نفسه مقسوما" بين الأثنين على حد تعبير جورج طومسون: بين الإقطاع وبين البرجوازية الناشئة. ويحسم الأمر هنا بأن شكسبير كان مرآة البرجوازية في عصره ، وان التردد هو السمة الرئيسة للشخصية البرجوازية. وأن هاملت حين سعى للقضاء على عمه ، فانه كان يريد القضاء على النظام الإقطاعي لكونه عجز عن تلبية حاجات عصر النهضة.
ويرى المخرج المسرحي العراقي ، سامي عبد الحميد ، أن تردد هاملت يرجع الى انغماسه في البحث عن مكامن الفساد في مجتمعه، ومحاولته إيجاد الطرق المناسبة للكشف عن مواضع الخيانة الأخرى التي وقف عليها أعداؤه. ويرى في هاملت أنه مصدر الرؤية وبؤرتها ، وهو تجاوز للواقع في حين يمثل الآخرون الواقع الذي لا يمتلكون القدرة على تجاوزه.
2. تفسيرات فنية وأخلاقية :
يقول فكتور هوجو إن شكسبير يمثل قمة شعراء الفن المسرحي . وان عبقريته تتجلى في عناصر الغرابة والتناقض في كسره لعمود أرسطو. وحين شاهد اسكندر توماس الأب عرضا" لإحدى مسرحيات شكسبير هتف قائلا" : " أن الشاعر الاليزابيثي هذا أعظم خالق بعد الله ".
ويرى بعض النقاد أن تراجيديات شكسبير التزمت بوحدة الموضوع ، إذ يشكل الموضوع البؤرة التي تتجمع فيها خطوط المأساة متوازية ثم مشتبكة أحيانا" ومتعارضة أحيانا" أخرى . فلكل مأساة فكرة أو موضوع يعالج على عدد من المستويات وفي عدد من الحبكات تقوم بينها حبكة أساسية تدعمها، وقد تعارضها أو تسخر منها حبكات ثانوية.
وعلى رأي هؤلاء النقاد فان الموضوع في هاملت هو الموت. والعلاقة بين ألاب الميت أو الذي يموت أثناء المأساة، تنتظم الحبكات الثلاث في المسرحية : خط هاملت وأبيه الشبح ، وخط لايرتس وأبيه بولونيوس ، وخط فورتنبراس الأمير الشجاع المطالب بعرش أبيه الميت. والخطان الثاني والثالث ثانويان يخدمان الخط الأول.
وفي هذا السياق يعزى تردد هاملت الى أسباب فنية. فجورج سانتيانا يرى السبب يكمن في ضرورة إطالة المسرحية، حيث إن المأساة لا بد إن يمهد لها لتصل الى قمتها، في مشهد القتل الذي يحدث عادة في نهاية المسرحية.
لكن وجهة النظر هذه تنقضها وجهة نظر لـ " هانمر " الذي يرى عدم وجود أي مبرر يمنع هاملت من قتل عمه. ولا ضرورة أن يكون عدد القتلى في المسرحية ثمانية في حين كان موضوع المسرحية يهدف الى قتل شخص واحد.
ويبدو هاملت من وجهة نظر " مركيد " الروح التي تفتش عن الحقيقة والوصول الى الحقيقة ليس سهلا" . ويمثل كلوديوس نموذج الشر، وتمثل اوفيليا الدين والكنيسة، ويمثل بولونيوس مذهبها المطلق، أما فورتنبراس فيمثل الحرية، واما الشبح فهو صوت المسيحية. 
وهذا التفسير يلتقي مع تفسير ذي مضمون ديني لـ " فيجيز " الذي يعدّ هاملت هو الشاب المؤمن بالمثل والقيم المسيحية . وان قتل العم ، في حكم التعاليم المسيحية ، يعدّ تعديا" على صاحب السلطان الشرعي في المملكة ، من أجل طمع شخصي دنيوي .
وثمة التقاء بين هذا التفسير وتفسير اجتماعي واخلاقي آخر يرى إن مهمة هاملت لم تكن مجرد قتل عمه، بل إقناع الشعب بجريمة قتل لا يملك لأثباتها ما يكفي لتبرير الثأر، سوى دليل غير مادي هو شبح أبيه. وأنه لو قام بقتل عمه لأتهم الشعب بجريمة قتل ، ولتحول العم " كلوديوس " الى بطل ضحية وهاملت الى مجرم غادر لفّق تهمة ليتخذها ذريعة للوصول الى العرش .
غير إن التفسير الأخير هذا، من جهة أخرى مضادة ، ليس له ما يدلل على إن هاملت كان قد وضع الشعب في حساباته ضمن هذا التصور. وبافتراض ذلك فان هاملت كان قادرا" بتعاون صديقه هوراشيو على تدبير أمر ، أو بدون أي تدبير حين سنحت له الفرصة في مشهد الصلاة .
ويرى أحد الصحفيين النقاد أنه في الموقف الذي واجه هاملت رأى أن العدالة كقيمة عظيمة لا يمكن أن تتحقق بالثأر لأبيه والانتقام من القتلة . وفي الوقت نفسه بدت عملية القتل هذه من خلال ثقافته ورقته وشفافية وجدانه وحساسيته فعلا" بشعا" لا يمكن الإقدام عليه .
وقد ناقش " برادلي" التفسيرات المختلفة التي تفسر إحجام هاملت عن الثأر لأبيه بضميره الخلقي ، وخلص منها الى أن الضمير وحده لا يكفي لتفسير هذا الإحجام . وأن في المسرحية نصوصا" تدلل على أن هاملت كان يحس أن التفكير على هذا النحو الأخلاقي ليس إلا لونا" من التفكير غير المجدي ، وان مسألة الضمير هذه ليست إلا عذرا" من أعذاره الكثيرة التي يبرر بها توانيه.

3. تفسيرات سيكولوجية: 
يعتقد " برادلي" أن هاملت مصاب بمرض السوداوية، وهي محور المأساة والمسؤولة عن الحقيقة الأساسية في تقاعس هاملت. لأن السبب المباشر لهذا هو شعوره بالاشمئزاز من الحياة ومن كل ما فيها دون استثناء لشخصه. ويكون الاشمئزاز متباينا"" في شدته. إذ يصل أحيانا" مستوى التبلد. ومثل هذه الحالة من الشعور تنفر من أي عمل حازم .
ويذهب "بيرتون" الى أبعد من ذلك ، إذ يرى إن المزاج السوداوي كان عقدة سائدة في عصر شكسبير أعطى هاملت ،عن قصد ، مزاجا" سوداويا" غامضا".
وعلى غرار هذا التفسير يطرح آخر رأيا" مشابها" فيعزو تردد هاملت الى داء العصر الجديد والشعور بالتمزق ينتاب الشاب كروح الهزيمة التي سادت ما بعد الحرب العالمية 1918 وأحساس الشباب بالبعث.
ويرى " فولسن نايت" إن روح هاملت مريضة، وأن العالم بنظره سجن كبير مليء بالقذارة. وهو ـ هاملت ـ رجل مسلوب الإرادة واهن العزيمة يعاني من السوداوية.
وهناك نمط من التفسيرات تنطلق ممن القدرة العقلية عند هاملت . من بينها تفسير "دريدان " الذي أقامه على مقولته " العقول الكبيرة شديدة القرب من الجنون ". ففي رأيه إن عقل هاملت الراجح عجز عن أن يدفعه الى العمل برغم تلك الحوافز القوية. لأنه لم يكن بعيدا" تماما" عن الجنون .
وباستثناء التشخيص الأخير " الجنون " ـ الذي يلتقي مع تشخيص " تيرش" و "سجمسمند " و " استنجر " الذين يرون إن هاملت مصاب بمرض عقلي في نوع من الجنون ـ فان تفسير " دريدان " يلتقي مع تفسير " شليجل ـ وكولردج " اللذين يريان إن سبب تواني البطل هاملت هو التردد، وسبب هذا التردد هو أدمان الذهن على عادة التفكير والتكهن . وأن هاملت ينافق إزاء نفسه. وما شكوكه وتوجساته إلا الاعتذار يقصد منها تغطية حاجته الى التصميم . وانه لا يؤمن أيمانا" ثابتا" بنفسه، ولا بأي شيء آخر . انه يضع نفسه في متاهات الفكر.
ويطرح "بوس" نفس التفسير إذ يعزو تواني هاملت في الثأر لأبيه الى نشاطه العقلي والعاطفي الزائد ."وهذه إضافة من بوس" الذي يؤدي الى ضمور الإرادة .
ويرى كل من " جوت وكولردج " إن هاملت يمثل انموذجا" للعقل اللامع والذكاء المتوقد ، ولكن هيمن عليهما الضعف البشري والإرادة المشلولة. وأن هاملت يمثل انموذج العقل الأكاديمي الذي يغوص ويحلّق ولا يكاد يفعل شيئا".
وهذا الرأي يتفق مع تفسير بريشت لمسرحية هاملت التي اعتبرها تراجيديا التناقض بين العقل والعمل ، حيث يستخدم هاملت بصورة غير مجدية المفهوم الجديد للعقل الذي تعلمه في جامعة وتنبرغ .
ويطرح كل من " فرويد وارنست جونز " تفسيرا" قائما" على عقدة أوديب. فأرنست جونز يعتقد إن هاملت كان ، خلال حياة أبيه، مرتبطا" بأمه كطفل يحبها حبا" آثما" لا يقّره المجتمع، فكان يغار من أبيه ويشعر بالأثم شعورا" عميقا". وكانت النتيجة تغطية مصطنعة تبدو في إعجابه الشديد بصفات أبيه. ولما قتل أبوه أحس لا شعوريا" بفرح واغتباط إذ تخلص هاملت من منافسه العتيد. ولأن هاملت كان عاجزا" عن التخلص من أبيه ، فهو عاجز أيضا" عن التخلص من عمه لنفس الأسباب.
ونختتم هذه التفسيرات بالرأي التالي لفرويد:
" ما هي أسباب هذا التردد؟ . ذلك ما لا ينبس النص بحرف عنه، وبذلت في تفسيره محاولات لا تحصى فما أتت بطائل . فهاملت في نظر " فيلهم ما يشتر " اصلها "جوته" ولا تزال لها الغلبة حتى اليوم بمثل هذا الطراز من الرجال الذين شلت عندهم القدرة على العمل المباشر بفعل نمو العقل نموا" مفرطا". وفي نظرة أخرى ، إن الشاعر أراد أن يصور لنا مريضا" مذبذبا" شارف النوراستانيا. بيد إن المسرحية ترينا أن هاملت بعيد كل البعد عن أن يصور في صورة إنسان فقد كل قدرة على العمل. فنحن نراه يعمل مرتين، الأولى في ثورة مباغتة حين يطعن المستّرق من وراء الستار. والثانية فعن قصد مبيت، بل في مكر جم ، وذلك حين يرسل برجلي لبلاط الى الموت الذي كان مدبرا" له هو . مبديا" في ذلك كل التحلل الخلقي الذي يمكن أن يتصف به أمير من أمراء عصر النهضة. فما الذي يوقفه على هذا النحو في إنفاذ التي كلفه بها شبح أبيه؟.
الجواب ــ والحديث لفرويد ــ نجده مرة أخرى في الطبيعة الخاصة لتلك المهمة . إن هاملت يستطيع أن يأتي كل شيء إلا أن يثأر من الرجل الذي أزاح أباه ، واحتل مكانه عند أمه. الرجل الذي يريه ـ اذن ـ رغباته الطفلية وقد تحققت .
وأنا ــ فرويد ــ إذ أقول ذلك أترجم في عبارة شعورية ما كان مقررا" بقاؤه لا شعوريا" في نفس البطل . فإذا أراد البعض أن يدعو هاملت هستيريا" ، لم أجد إلا أن أسلّم بأن تلك النتيجة تخرج من تفسيري . ويتسق وذلك أحسن الاتساق ما يعرب عنه هاملت مع اوفيليا من نفور من الحياة الجنسية. وهذا النفور الذي كان مقدّرا" أن يزيد على الدوام تمكنّا من نفس الشاعر من مستأنف سنواته حتى بلغ التعبير عنه أقصاه في " تيمون الاثيني ". فما يطالعنا في هاملت بالطبع هو الحياة النفسية لشكسبير. وأني ـ فرويد ـ لألحظ في كتاب " جورج براندس 1896" قوله : " إن شكسبير كتب هذه المسرحية فور موت أبيه 1601 ، أي حين كانت وطأة الحزن في أشدها، وحين بعثت في نفسه من جديد ـ كما يحق لنا افتراضه ـ مشاعره الطفلية نحو والد ه. ومن الأمور المعروفة كذلك أن أبن شكسبير الذي مات في سن مبكرة كان يحمل أسم " هامنت " وهو يطابق هاملت " .

ثانيا. وجهة نظر جديدة 
تطرح شخصية هاملت نموذجا" متفردا" في الشخصية الإنسانية، تتجلى فيه القدرة الإبداعية المتميزة للشاعر الخالد شكسبير. وحين يكون الحديث عن الشخصية ، فأن علماء النفس يطرحون تعريفات متعددة لها، ونظريات ووجهات نظر متباينة. لكن المتفق عليه هو أن الشخصية تعني : أساليب أو طرائق الفعل Acting والتفكير Thinking والإحساس Feeling التي يوصف بها الفرد وتميّزه عن الآخرين . أي أن الشخصية هي :الأفكار والمشاعر والتصرفات التي تميز طريقة الفرد في تعامله مع الناس والأحداث .غير أن بعض المنظّرين يؤكدون على الطفولة المبكرة، ويعدّونها هي العامل الحاسم والوحيد في تقرير سلوك الإنسان، كفرويد الذي فسّر سلوك هاملت وفقا" لعقدة أوديب التي تنشأ حوالي السنة الخامسة من عمر الطفل، وبالتالي تكون الشخصية غير قابلة للتغير ، بعكس وجهة نظر مضادة تؤكد على أن العناصر اللاحقة المؤثرة في الأفراد في سن متأخرة قد يكون لها نفس تأثير عوامل الطفولة.بمعنى ، أن أحداثا تقع للفرد بعمر الشباب مثلا قد يكون لها تأثير في الفرد أقوى من تأثير أحداث وقعت له في طفولته (عكس ما يقوله فرويد ).
إن ما يقوم به هاملت هو سلوك. وما لا جدال فيه أن وراء كل سلوك " دافع ". لكن الجدل والاختلاف يكمنان في تفسير الدافع . والمتفق عليه هو أن الدافعية Motivation حالة داخلية تنشّط أفكارنا ومشاعرنا وأفعالنا ، وتعمل على توجيهها نحو أهداف معينة . والدافعية تحديدا ، هي التي توضح لنا : لماذا يتصرف الناس ، ويفكرون ، ويشعرون بالطريقة التي يعتمدونها . هذا يعني أن الدوافع Motives حالات في داخل الفرد تعمل على استثارة سلوكه وتحدد اتجاه هذا السلوك وإدامته من عدمها . واستطرادا نضيف : إن الدوافع في الأصل أفكار"عملية معرفية " تتفاعل مع مشاعر"انفعالات وعواطف" تظهر في سلوك" أفعال " توجهه نحو هدف معين .
ويختلف علماء النفس حول " قوة الدافع" . فبعضهم يرى أن قوة الدافع تكون ثابتة بثبات المواقف، وبعضهم يرى أن قوة الدافع تقوى نتيجة الخبرة والممارسة ومواجهة المواقف المتنوعة.
ويختلف علماء النفس حول " هدف " الدافع هل هو : الحصول على المتعة والشعور بالزهو ... اختزال المنبهات القوية ... توسيع مجال التأثير في الآخرين ... تصعيد الإثارة ... خفض التوتر ... المحافظة على الذات ... تحقيق الذات .. احترام الذات ..أم هذه الأشياء وأشياء أخرى ؟ وهو موضوع شائك لا نريد الخوض فيه بقدر ما نريد التنبيه إليه، ونحن نتقدم باتجاه طرح تفسير جديد لتردد هاملت.
تقوم وجهة نظرنا ، في تقديم تفسير لتردد هاملت ، على ما نسميه " خصوصيات المواقف". وخصوصيات المواقف هذه مشروطة بافتراض أن شخصية هاملت تتميز بالصفات الآتية :
* أنه مثقف بمواصفات المثقف البرجوازي بخصوصيات عصر شكسبير . وانه متميز يشكل استثناء" إيجابيا" بكونه منحازا" بشكل ثابت الى الحقيقة. 
* وأنه ذكي ، ويستخدم المكر أحيانا بذكاء .
* وأنه شجاع .
* وأنه ليس مجنونا". ولكنه يمر بلحظات من التأزم النفسي الحاد، يبدو فيها للآخرين وكأنه مصاب بمس من الجنون أو الهوس . 
* وأنه نبيل ، ولديه ومضات من الحس الديني .
* وأنه وضع فجأة أمام امتحان في الحياة العملية، وإزاء مهمة غير عادية لم يمهد لها بمهمات أهون في حياته التي تلقى فيها ثقافة غزيرة تطلبت منه تكريس طاقته باتجاه الجانب الفكري في حياته الجامعية العامة، وقادته الى اشغال فكره في الإنسان والحياة والموت . 
* وأنه أكتشف فجأة إن الواقع الحي، المعاش يضم مجتمعا" يعاني من التبّرم . وهذا الاكتشاف " الصدمة ــ الهزّة " يتناقض مع النقاء الذي كان يتصوره .
* وأن الأم تلعب الدور الرئيس في وضعه السيكولوجي . وأنها تنفرد بتميز خاص بكل اعتبارات الأم وإمتداداتها .
وكمحصلة لهذه الصفات الأساسية المستقطبة بصيغة تفاعلية في شخصية هاملت، نعود الى خصوصيات المواقف. ونعني بها أن الإنسان حين يكون في موقف يقتضي فعلا معينا"، فانه يتصرف بموجب خصوصية ذلك الموقف.
وهاملت وضع أو وجد نفسه في عدد من المواقف. وضمن هذه المواقف جميعها هناك عوامل ثابتة وهناك عوامل متغيرة . والذي يحسم الأمور " الفعل " هو العوامل المتغيرة اذا كانت باللحظة النفسية المقررة تشكل تعزيزا" للعوامل الثابتة.
إن العوامل الثابتة هنا ضمن المواقف جميعا" هو هاملت كشخص موجود في سلسلة من مواقف. ثم مجمل تعليمه وتنشئته وسلوكه المكتسب، بكل المواصفات الرئيسة المذكورة آنفا".
وهذا يعني إن طرحنا لخصوصية المواقف مشروط بثلاثة أمور أساسية هي :
* طبيعة الوجود الاجتماعي القائم .
* محصلة علاقة الفرد بالآخرين .
* ثم تاريخ حياته بدءا" من لحظة ميلاده حتى اللحظة التي تشكل زمن الفعل أو عدم الفعل في موقف محدد بخصوصيته.
أما العوامل المتغيرة فهي : نوع وكم ودرجة شدة المثيرات التي تكتنف ذلك الموقف. وهي متغيرة من موقف الى موقف آخر.
وحين يكون الإنسان في لحظة تقرير عمل معين، فانه يكون تحت تأثير قوتين: قوة دافعة باتجاه التنفيذ، وقوة ساحبة باتجاه المراوحة " التردد " أو السحب المضاد . فحين تكون المثيرات في موقف معين من حيث النوع والكم والدرجة لصالح القوة الدافعة، عندها يفترض حصول التنفيذ " الفعل " في هذا الموقف. وبالنسبة لهاملت حدث ذلك مرتين، الأولى حين وجه هاملت طعنته القاتلة الى " بولونيوس " المختبئ وراء الستارة، ظنا" منه أنه الملك : " كنت أحسبك سيدك ". وذلك لأن خصوصيات هذا الموقف كانت لصالح القوة الدافعة. أي إن العوامل المتغيرة هنا والمتمثلة بالمثيرات شكلت تعزيزا" للقوة الدافعة عند هاملت. فوجود الحركة خلف ستار في مكان هو خاص بالملك والملكة، وله دلالة سيكولوجية عميقة، ودلالات هذه الحركة المتعارضة مع قيم هاملت. ووجود الملكة الأم ... الذي يشكل الانتقام من زوجها الملك في خصوصية هذا الموقف اعدل وأقسى عقاب يستحقه كلاهما الملك العم والملكة الأم بكل إمتداداتها.
وحصل التنفيذ مرة ثانية في المشهد الأخير حين انكشفت خديعة الملك، فتناول هاملت السيف المسموم وطعن به كلوديوس الملك فقتله. ولسنا هنا بحاجة لتحديد خصوصيات هذا الموقف. فكل العوامل المتغيرة في هذا الموقف، أي كل مثيراته التي جسدت بشاعة رداءة الإنسان المتمثلة بعمّه الملك ، شكلت تعزيزا" للعوامل الثابتة في شخصية هاملت، وحصل التنفيذ.
وحين تكون المثيرات، في موقف آخر، موزعة بين القوة الدافعة والقوة الساحبة بشكل قريب من التكافؤ، أو تكون لصالح قوة السحب المضاد، عندها يفترض حصول تلكؤ أو تردد في التنفيذ . ويحصل هذا عند الأشخاص من نمط هاملت حين يتعرضون الى مواقف غامضة. فعند كل إنسان توجد قوتان أساسيتان هما قوة التفكير وقوة التنفيذ. وحين تكون قوة التفكير هي المسيطرة فإنها ، في المواقف التي لا تكون فيها العوامل المتغيرة لصالح تعزيز العوامل الثابتة ، تأخذ اتجاها" آخر هو حساب الاحتمالات. وحين تتعدد الاحتمالات فإنها تقود بالتبعية الى حسابات نتائج كل احتمال، وينشأ بسببها نوع من تداخل النتائج والأسباب، تتعداها الى حسابات مستقبلية. فتكثر الاحتمالات وهاملت ــ بالمواصفات التي أشرنا إليها ــ لا يقبل باحتمالين في موقف القضية فيه هي الحقيقة. لأن وجود احتمالين يعني أحدهما ضياع الحقيقة واندحار الباحث عنها. وهذا ما حصل في كل المواقف التي اتسمت بالتردد، وأهمها الموقف الذي كان فيه كلوديوس يصلي لوحده. فخصوصيات هذا الموقف "عوامله المتغيرة " لم تكن في صالح القوة الدافعة، بل كانت موزعة بين القوتين الدافعة والساحبة فحصل التردد : 
" بإمكاني أن افعلها، كذا ، وهو يصلي . وسأفعلها الآن ويذهب
هكذا الى السماء ، أفاكون قد انتقمت؟ كلا فلأمحّص الأمر . نذل
يقتل أبي غيلة ، ولذا فأنا أبنه الوحيد أرسل هذا النذل الــــى
السماء، لكان ذلك خدمة ومكأفاة لا انتقاما " .
وهكذا في كل المواقف التي حصل فيها التردد. فخصوصيات هذه المواقف تشير الى أن العوامل المتغيرة فيها موزعة بين القوة الدافعة والقوة الساحبة، ولوجود أكثر من احتمال، فيما لو حصل التنفيذ في هذه المواقف ، وهو أمر يتنافى وشخصية هاملت المطروحة بالمواصفات التي أوردناها. لأنه يريد الفعل في الموقف أن ينتهي الى نتيجة واحدة لا تقبل تعدد الاحتمالات ... هي انتصار الحقيقة وخلودها.


المصادر
1. فرويد، سيجموند . تفسير الأحلام ، ترجمة مصطفى صفوان . دار المعارف بمصر 1969.
2. Bradley, A. C.Shakespearen Tragedy. London: Macmillan& Co. Ltd, 1904.

3. Clemen, Wolfgang M. The Development of Shakesperes Imagery. Cambridge, Mass, Harvard University press, 1951.

4. Coleridge, S. T. Shakespearen Criticism. London: j. M. Dent & Sons, Ltd, 1961.

5. Elliott, George Roy. A Study of" Hamlet" as a Tragedy of Revengefulness and justice Durham, N. C: Duke University press; London: Cambridge University press, 1951.

6. Hazlitt, William. The Characters of Shakespear s play. 2nded _ London: Taylor & Hessey, 1959.

7. Jones, Ernest. Hamlet and Oedipus. New York: Doubleday & Company, Inc. 1954.

8. Mack, Maynard. The Word of "Hamlet". Yale University press, 1952

9. Ornstein Robert. The Moral Vision of Jacobean Tragedy. The University of Wisconsin press, 1960.

المسرح الحديث يستعد بـ«حلم وردي» و «دبي الأهلي» بـ«خفيف الروح»

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الحديث يستعد بـ«حلم وردي» و «دبي الأهلي» بـ«خفيف الروح»

في إطار التحضير لاستقبال الدورة الـ27 لأيام الشارقة المسرحية التي تنظم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هناك مجموعة فرق مسرحية تستعد للمشاركة بالحدث الذي تنطلق فعالياته 18 مارس المقبل، والتي تتنافس لتقدم الإبداع والابتكار من خلال الأفكار والسيموغرافيا والرؤية الإخراجية المبتكرة.

خفيف الروح

وقال الفنان جمال مطر لـ«البيان» الذي قام بتأليف وإخراج عمله لهذا الموسم بفكرة ورؤية جديدة: عرضنا المسرحي من إنتاج مسرح دبي الأهلي ويحمل عنوان «خفيف الروح» وهو من بطولة جمال السميطي وطلال محمود.

إضافة إلى المخرج المساعد محمد صالح، وفكرة العرض هي صراع ما بين الحركة والثبات والحياة والموت وهي عبارة عن صراع بين شخصيتين، واحد يبحث عن التجديد والحياة المثالية والثاني راضٍ بمكانه وجلوسه على الكرسي وعدم التغيير وهو ضد عجلة التطور. وأضاف: العرض هو باللغة العربية الفصحى البسيطة السهلة، ونتطلع إلى أن المسرحية تثير أسئلة لدى المتفرجين ويكون عملاً مدهشاً، ويخلق جواً مختلفاً.

حلم وردي

كما تواصل فرقة المسرح الحديث بالشارقة تدريباتها واستعداداتها للمشاركة في الأيام، من خلال تدريبات يومية مكثفة على نص مسرحية «حلم وردي» للكاتب المسرحي السعودي عباس الحايك، يقودها مخرج العمل الفنان أحمد الأنصاري ونخبة من نجوم المسرح الإماراتي.

ولا تختلف كثيراً حكاية المسرحية عن حكاياتنا المعاصرة، رغم أنها تدور في زمن بعيد ومتخيل، لكن ظروفها وواقعها تحمل إسقاطات على الواقع المعيش وتتشابه مع ظروفنا وواقعنا، من خلال حكاية قرية بسيطة بناها المؤلف، تعاني من تسلط زوجة الوالي في قالب كوميدي ساخر، حتى جاء التغيير الذي لم يقدم لأهل القرية شيئاً، باستثناء استبدال الأسماء والوجوه.

كما يشير مرعي الحليان مدير فرقة المسرح الحديث إلى أننا نتعاون ولأول مرة مع الكاتب المسرحي السعودي المتميز عباس الحايك، في نص مسرحي يجتهد طاقم العمل على تقديمه بأبهى صورة، ويشارك في تمثيل أدوار المسرحية كل من الفنانين عبدالله صالح وأشجان حميد فارس وعليا المناعي وأحمد ناصر وآخرون.

مشاركون

العروض المشاركة «في انتظار غودو»و«خارج العلبة» لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث، و«البوشيه» لمسرح رأس الخيمة و«هواء بحري» لمسرح أبوظبي و«التهافت» لمسرح خورفكان للفنون و«خفيف الروح» لدبي الأهلي، و«بين الجد والهزل»لفجيرة الوطني و«ونين الغبيشة» لجمعية كلباء للفنون والمسرح، و«حلم وردي» و«غصة عبور» للشارقة الوطني.

-------------------------------------
المصدر : وفاء السويدي - البيان 

وزير الثقافة : الاصلاحات الثقافية هي مشروع يعتزم انجاحة وبتعاون كل موظف نزيه وسيكون لمدة ثلاثة اشهر حصرا في دائرة السينما والمسرح

مجلة الفنون المسرحية

وزير الثقافة : الاصلاحات الثقافية هي مشروع يعتزم انجاحة وبتعاون كل موظف نزيه وسيكون لمدة ثلاثة اشهر حصرا في دائرة السينما والمسرح

في تصريح لوزير الثقافة فرياد راوندزي اكد لـ العراقية نيوز ان الاصلاحات الثقافية هي مشروع يعتزم انجاحة وبتعاون كل موظف نزيه وسيكون لمدة ثلاثة اشهر حصرا في دائرة السينما والمسرح 
واعطى الورقة الاولى للاصلاحات الثقافية التي اعتمدت على صلاحياتيه 
- اعفاء جابر الجابري من الادارة العامة لدائرة السينما والمسرح وتعيين د.اقبال نعيم سلمان مدير عام لدائرة السينما والمسرح
- اقالة قحطان عبد الجليل ابراهيم مدير قسم السينما من منصبه وتعيين فارس طعمة التميمي
- اقالة غانم حميد مدير قسم المسارح ولاحقا سيتم تحديد المدير الجديد ومن يدير شؤون القسم معاونه 
- اقالة فؤاد ذنون مدير قسم الفنون الشعبية وتعيين عادل لعيبي بدلا عنه 
- تعيين احمد حسن موسى بمنصب معاون مدير العام لدائرة السينما والمسرح
- اعفاء وفصل كل المتورطين بجريمة وفساد الفيلم السينمائي محمد رسول الله

 وفي وقت سابق طالبت لجنة الثقافة والاعلام النيابية سروة عبد الواحد  وزارة الثقافة بتشكيل لجنة تحقيق في ايرادات عرض فيلم محمد رسول الله ، فيما اتهمت وكيل الوزارة جابر الجابري بالتورط في شبهات الفساد لعائدات عرض الفيلم .

وحملت عضو اللجنة سروة عبد الواحد في بيان لها  ، مسؤولية الفساد في موضوع عرض فيلم محمد رسول الله الى وكيل الوزير جابر الجابري، وقالت انه " مسؤول عن هذا شبهات الفساد المتعلقة بايرادات الفيلم  ، وعليه ان يعلن رسميا وامام الرأي العام اين تذهب اموال هذا الفيلم الذي يعرض يوميا في بغداد ".

واشارت الى ان "هناك عدد من مسؤولي دائرة السينما والمسرح والفنانين قدموا استقالاتهم احتجاجا على ذلك ".

وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق من قبل وزارة الثقافة للتقصي عن موضوع عرض الفيلم وعائداته "، كما دعت وزير الثقافة لان يكون له رأي في الموضوع ،ولا ان يكون جابر الجابري هو من يتلاعب بمصير الوزارة

مسرحية عراقية تحصل على لقب افضل عمل مسرحي في مهرجان المحروسة الدولي في القاهرة

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية عراقية تحصل على لقب افضل عمل مسرحي في مهرجان المحروسة الدولي في القاهرة


حصلت مسرحية عشتار العراقية التي قدمتها فرقة مؤسسة سنتر فن النعمانية للإنتاج السينمائي والمسرحي في واسط والمنضوية تحت خيمة الاتحاد العربي للإعلام الإلكتروني فرع العراق، على لقب أفضل عمل في مهرجان المحروسة الدولي في القاهرة بمشاركة فرق من السودان والسعودية والإمارات وتونس ومصر وليبيا. 
وقد نال العمل المسرحي الذي كتبه وأخرجه الفنان عباس العبودي وتمثيل محمد صبيح وعلي القريشي على إعجاب واستحسان المشاركين في المهرجان الذي استمر ثلاثة ايام وتضمن إقامة عدة فعاليات فنية وثقافية.
وقال المخرج عباس العبودي ان "الفعاليات اكدت على أهمية الهوية العربية وتعزيز مفهوم الوحدة العربية بين شعوب الدول الشقيقة من خلال تبادل الزيارات وإقامة المهرجانات".
وأضاف ان "المشاركين في المهرجان أشادوا بالدور البطولي للشعب العراقي في مواجهته للإرهاب وطرده من الأراضي التي اغتصابها".
وتابع انه "تم تكريم أعضاء الوفد العراقي الذي ضم إضافة إلى الفرقة المسرحية الكاتب والمخرج صباح رحيمه والصحفي باسم الشمري رئيس فرع الاتحاد في واسط بدرع المهرجان". 
وبين انه "تم استضافة الوفد في مدينة الإسكندرية من قبل المؤسسة العالمية للسلام والتنمية إذ تم الاحتفاء بالوفد وبحضور كبار الشخصيات الأدبية و الفنية والمدنية حيث قدمت فعاليات فنية أكدت على عمق التلاحم الوطني بين الشعب المصري والعراقي كما تم مناقشة سبل تعزيز التعاون بين الجانبين في جميع المجالات".

------------------------------------
 المصدر : الغد برس

'ألهاكم التكاثر' حكاية الإنسان من الولادة إلى العبودية

مجلة الفنون المسرحية

'ألهاكم التكاثر' حكاية الإنسان من الولادة إلى العبودية

محمد ناصر المولهي

من أصعب أشكال الفنون التمثيل الصامت أو ما يسمى “البانتومايم”، حيث يعتمد هذا الفن كل العناصر المسرحية من مؤثرات وحتى من وقفات الصمت المقصودة، غير أنه يخلو من الجانب الحواري والملفوظ عدا الآهات، ولكنه يقدم خطابا فنيا يحث الجمهور على تتبع عناصره وتمثّل معانيه.

على مدى يومي السبت والأحد 11 و12 فبراير الجاري قدمت قاعة الفن الرابع بالعاصمة التونسية عرضا مسرحيا راقصا بعنوان “ألهاكم التكاثر”، من إنتاج المسرح الوطني التونسي، كوريغرافيا وإخراج نجيب خلف الله.

بداية لا يمكننا الحديث عن محتوى العرض قبل الوقوف على عتبته، ألا وهي العنوان المثير الذي اختاره خلف الله لعمله؛ “ألهاكم التكاثر”، وهو مقتبس من النص المقدس؛ القرآن. وسنكتشف في ما بعد عمق العنوان وارتباطه الوثيق بمحتوى العرض، وحتى بالسياق الذي وردت فيه أولى آيات السورة “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ/ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ”.

يفتتح العرض بنص بالعربية، يقدم مدخلا إلى اللوحات الراقصة التي ستعقبه، نص نثري قريب من الشعر، يحكي باقتضاب مسار الإنسان الذي يشق أكداسا من الأيام، وما تخلفه الحياة اليومية فيه وفي جسده وروحه، من فوضى وعبودية، من ألم وفرح، هذا الإنسان الذي يتوقف هو نفسه عن إنتاج آلامه ومسرّاته.

ثلاثة ممثلين وأربع ممثلات، ولا ندري هنا ربما كان اختيار تقديم العرض من خلال سبعة عناصر له صلة بما تسرده الأجساد عن يومياتها، يوميات تقودها الخطوات والأيدي أمام موسيقى تبدو رتيبة، أو أريد لها ذلك، حيث يهيمن على موسيقى العرض مقطع قصير من عدد ضئيل من النوتات يتكرر مهما تغيرت الرقصات، ولا يتغير إلا في مفاصل العرض التي تحمل تحولا، ولكن حتى التصفيق والضرب على الخشبة والأنفاس والآهات، كلها من باب الموسيقى التي أعطت للعرض مسحة أخرى من الوحدة.

من خلال أجساد الراقصين يمكننا أن نقرأ الحكاية، حكاية الإنسان؛ ذكرا كان أم أنثى، في محاولة تحرره وفي استكانته، في فوضاه، في خطواته وهو يمضي إلى “أين”، حيث يتحرك الراقصون بداية بشكل منتظم ثم تغزوهم الفوضى، ليتقدموا بعد ذلك في كتلة واحدة تتمزق، لتلتئم، وفي بعض اللوحات الأخرى نجد عددا أقل من الراقصين، ونجد حتى الثنائيات خاصة بين الذكر والأنثى.

حكاية الإنسان ليست حكاية واحدة بل هي متشعبة ومتداخلة ومتضاربة أحيانا، وهذا ما وجدناه في العرض؛ التعانق والذوبان والحب، الخصام والسقوط والموت، الخوف أيضا، والانبعاث، المرأة التي تقحم رأسها في ظهر رجل، لا ندري إن كانت تتأمله من الخلف وتعلم أسراره أو أنها تكتشف ما بداخله أم أنه هو من يحجبها ويبقيها في ظهره، تأويلات كثيرة لمعانٍ كثيرة حاول العرض تقديمها بشكل أو بآخر.

ربما كانت أكثر حركة تكررت في العرض هي أن يضع أحد الممثلين أذنه على بطن إحدى الممثلات، بعد لوحة سابقة تكون أشبه بالالتحام، لتليها حركة النبض التي تنطلق باليدين من البطن إلى أعلى، أعلى حيث لا يتوقف الراقصون عن النظر، أعلى حيث فكرة السماء والخلق.

هو التكاثر الإنساني في ظل أيام تتفاقم وتجعل من كل عمق سطحا، وتجعل من الحياة البشرية فوضى ناعمة، بلا عمق أو رؤيا، كما أن التكاثر هو الزاوية التي وقع حشر الجسد البشري فيها، ليكون استهلاكيا وحيوانيا في إنتاجه، لا عنصر إبداع وتحرر بل عنصر يدور بين الولادة والاستهلاك، والاستعباد، والموت.

نجح العرض المسرحي الراقص “ألهاكم التكاثر” في تقديم لوحات راقصة مميزة نقلت حكاية الإنسان المعاصر ويومياته في قالب رمزي عميق، ولكن لاحظنا تفاوتا في مستوى أداء الممثلين الراقصين وتباينا في إتقانهم للحركات خاصة في اللوحات الجماعية، ولكننا لا ننسى أن نلفت إلى النجاح في الإضاءة التي جاء أغلبها خطوطا متقاطعة أعطت العرض أبعادا أخرى مختلفة، في تقسيماتها وتداخلاتها.

----------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب

مسرحية 'زيتون': صراع مفاهيم حول الوطن والألم والأمل

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية 'زيتون': صراع مفاهيم حول الوطن والألم والأمل

يتحدث العرض المسرحي “زيتون” الذي يقدمه المسرح القومي السوري التابع لوزارة الثقافة السورية، عن الواقع السوري الساخن الذي يعيشه المواطن البسيط في ظل حالة العنف وكذلك الاستقطاب الديني والسياسي الذي يعم سوريا حاليا.

تقدم المسرحية السورية “زيتون” التي كتبها طارق مصطفى عدوان وأخرجها مأمون الخطيب نموذجا لأسرة ذات منبت ريفي، أشقاء أربعة؛ شقيق وشقيقة يعيشان في المدينة، والآخران لم يغادرا القرية، وفي ظل حالة الحرب التي تحل في البلاد والصراع والاستقطاب العنيف الذي يجتاحها، ينقسم الأشقاء، ويتخذ كل منهم موقعه في ضوء آرائه ورؤاه.

يتأجل الصدام في المسرحية لحدث مستقبلي، حينما تدعو إحدى الشقيقات بقية أفراد الأسرة للاحتفال بيوم ميلادها مع توأمها في بيت العائلة الريفي، فيحدث التصادم في ما بينهم، عندما يعلم اثنان منهم أن هناك صفقة خفية قام بها الشقيقان الآخران لبيع البيت والمزرعة لمغترب سوري غني يعيش في أوروبا.

يتعالى مستوى الصراع بين الأشقاء الأربعة، بين فريق يريد أن يسافر بماله إلى خارج الوطن، أو يريد نصيبه من المال لصرفه على حياته اللاهية، وفريق آخر يريد البقاء في الأرض متشبثا بالأصالة والجذور.

ويقوم بأدوار البطولة في مسرحية “زيتون” التي تعرض حاليا في دمشق، كل من: رنا جمول، وئام الخوص، ميريانا معلولي، غسان الدبس، مازن عباس وإبراهيم عيسى، وفيها كشف للصراع الفكري الذي يعيشه كل بيت في سوريا وسط محيط تتقاذفه مصالح دول وتوازنات قوى عالمية.

وعن المسرحية ومدى محاكاة الواقع من خلالها، وتحديدا موضوع الهجرة التي كانت هاجسا لدى الكثيرين، يقول مخرج العرض مأمون الخطيب “كما في عروضي المسرحية السابقة، كنت أرى أنه يجب الحديث عن ألم الإنسان السوري، هنالك مشكلة طارئة في حياتنا السورية، وهي السفر وترك البلد، ومن واجبنا كمثقفين الاعتناء بهذه التجربة المريرة والنفاق الذي مارسه البعض من خلالها، فشخوص المسرحية وصلوا إلى قناعة نهائية من خلال صراعاتهم، تفيد بأنه لا مانع من السفر لمن يريد، إلا أنه في المقابل من غير المسموح لهم التعرض للمقدسات الروحية التي تعني أشخاصا غيرهم في أوطانهم، كالأرض والبيت والشهداء والزيتون بحد ذاته الذي هو رمز للأرض”.


مأمون الخطيب: الصراع في المسرحية على المفاهيم وليس على الميراث


ويضيف الخطيب “من أراد أن يهاجر فليفعل، ولكن ليتركوا قيمنا الوطنية العليا في مكانها، فالصراع هنا على المفاهيم وليس على الميراث”.

وعن نهاية المسرحية التي جسدت احتفال البعض من هذه الأسرة بحفل عيد الميلاد وتوجهه لخلق نهاية مشرقة، قال الخطيب “نحن نعيش على الأمل، والشباب الذين بقوا في البلاد سيكون لهم غد مشرق، وسوف يبنون وطنا لهم، في قمة الأزمات يجب أن نبشّر بالأمل، لأنه لا يمكن لشيء أن يستمر أبدا، هنالك نهاية لهذا الألم، والغد مشرق أكثر”.

شهد أحد العروض الحية للمسرحية انقطاع التيار الكهربائي، ومع ذلك واصل فريق العمل العرض في ظروف استثنائية، عن هذا الوضع المتكرر بيّن مأمون الخطيب “نحن اخترنا أن نبقى هنا ونعمل في الظروف الموجودة، وعلينا تحمل نتائج هذا الخيار، كما على الذين غادروا تحمل نتائج سفرهم، نحن مثل أي شخص يعمل بصدق، علينا أن نعمل مهما كانت الظروف سيئة، لأن هنالك رسالة نريد أن نوصلها مهما كان الثمن”.

ومأمون الخطيب مخرج مسرحي سوري تخصص في فن المسرح من جامعة الثقافة في روسيا البيضاء، وتخرج منها عام 1994، ثم عاد إلى سوريا وعين في مديرية المسارح والموسيقى، وشغل هناك العديد من الوظائف في مناصب مختلفة، كما أنه مدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، وشارك في أكثر من مهرجان مسرحي.

وقدم الخطيب العديد من المسرحيات، منها: “بئر القديسين” عن نص لجون ميلنغتون سينغ، و”الأقوى” للسويدي أوغست سترندبرغ، و”خواطر” الذي هو مشروع ارتجال جماعي، و”تلاميذ الخوف” عن نص لإيفون وولف، و”ليلة القتلة” عن نص لخوسيه تربيانا، و”كلهم أبنائي” عن نص للأميركي آرثر ميللر، و”زنوبيا” عن نص للإسباني كالديرون دي لا باركا، و”هدنة” عن نص لعدنان الزراعي .

------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

الكوميدي فرانسيز يجمع المسرح بالسينما في 'قانون اللعبة'

مجلة الفنون المسرحية


الكوميدي فرانسيز يجمع المسرح بالسينما في 'قانون اللعبة'

ابو بكر العيادي 

مرة أخرى، يقع الجمع بين المسرح والسينما في عمل فني، ليس باستعمال الأدوات التقنية للفن السابع فحسب، وإنما أيضا بإعادة صياغة شريط من كلاسيكيات السينما الفرنسية، هو “قانون اللعبة” لجان رونوار، وعرضه على خشبة الكوميدي فرانسيز، في شكل عمل مسرحي وسينمائي في الوقت ذاته، جاء بتوقيع البرازيلية كريستيان جاتاهي.

عُرفت المخرجة البرازيلية كريستيان جاتاهي بأسلوب يقوم على الربط بين المسرح والسينما، بين الواقع والتخييل، ومساءلة العلاقات التي تصل الممثل بالشخصية التي يتقمصها.

بدأت حياتها الفنية ممثلة في ريو بالبرازيل، حيث رأت النور عام 1968، ثم انتقلت إلى التأليف والإخراج، مع ميل واضح إلى السينما، فأنتجت عام 2004 شريطا وثائقيا بعنوان “كونجوغادو” (مترافق) عن الوحدة في المدن الكبرى، ويجمع شهادات لنسوة برازيليات، بثته المخرجة على الركح مع مونولوغ مسرحي كانت الغاية منه خلق عمل تخييلي عبر الواقع المعيش.

وانتقلت منذ عام 2008 إلى مرحلة تجديد المعطيات المسرحية باستعمال السينما على غرار البريطانية كاتي ميتشيل، في عمل جبار دام أربع سنوات عنوانه “النقص الذي يحرّكنا”، كان منطلقه “جيل الكوكا كولا”، كما تقول، أي الجيل الذي رزح تحت استبداد الطغمة العسكرية، وكانت الشابة البرازيلية قد أدخلت الكاميرا إلى الخشبة، لتبدع شريطا يختلط فيه التوثيق بالتخييل، دام

عرضه في بضع قاعات البرازيل عشرة أسابيع، على غير عادة استقبال الأشرطة التجريبية هناك.

بعد تلك التجربة، مرت مع فرقتها “قمة المسرح”، إلى بعض الأعمال التي تعد من كلاسيكيات الفن السابع، فأنتجت “جوليا” عن المسرحية الشهيرة “الآنسة جوليا” التي ألفها السويدي أوغست سترندبرغ عام 1888، وأخرجها للسينما آلف شوبرغ عام 1951، ثم “وإن ذهبن إلى موسكو” عن مسرحية الأخوات الثلاث” لتشيخوف.

ولا تنفك جاتاهي تبتكر صيغا من الفن جديدة، كأن تدمج في النص حوارات أجرتها مع المهاجرين الفارين من ويلات الحروب والمجاعات، أو تصور فيلما أثناء العرض المسرحي ثم تعرضه على الخشبة في موازاة العرض.

بعد سترندبرغ وتشيخوف، اختارت جاتاهي عملاقا آخر هو السينمائي الفرنسي جان رونوار في عمله “قانون اللعبة” الذي استوحاه بدوره من “نزوات ماريان” لألفريد دو موسيه و”زفاف فيغارو” لبومارشيه، وهو العمل الجديد للكوميدي فرانسيز، وكعادتها قامت بإلغاء الحواجز بين الأجناس الفنية لتضع الممثلين في قلب عمليات الربط، كتعميق حقل الرؤية، وتغيير زوايا النظر، وتقريب الكاميرا لالتقاط الانفعالات وأثر المباغتات على وجوه الممثلين، لخلق تناسق درامي وحيوية شكلية أقرب إلى الفنتازيا، على غرار رونوار الذي صرح عام 1939 أن ممثليه كانوا يرقصون فوق بركان.

المسرحية تنزل الأحداث في سياق التحولات المجتمعية الراهنة، فجاءت الحوارات بلغة اليوم، والشخصيات بملامح اللحظة
وحرصت المخرجة البرازيلية على تنزيل الأحداث في سياق التحولات المجتمعية الراهنة، فجاءت الحوارات ناطقة بلغة اليوم، والشخصيات حاملة لملامح اللحظة، فرغم محافظتها على الحوارات الأصلية، حاولت أن تجعل عملها أكثر التصاقا بالمرحلة الراهنة.

فكريستين زوجة الماركيز روبير لم تعد من أصول نمساوية، بل عربية، والحارس شوماخر صار أسود، وأندري جوريو لم يعد ذلك الطيار البطل الذي عبر المحيط الأطلسي، بل غدا بحارا ينقذ المهاجرين المغامرين بأنفسهم في عرض المتوسط… غايتها أن تنزل الدراما في ظرف يبين تفسخ شريحة من البورجوازية المستهترة ليس في قصر بسولونيا، كما في النص الأصلي، بل في مبنى الكوميدي فرانسيز نفسه، حيث يتحول بيت موليير إلى فندق خاص يستقبل فيه الماركيز ضيوفه.

ولما كان مولعا بالسينما، فقد عمد إلى تصوير الحفل قبل بدايته، ثم اضطر إلى ترك الكاميرا لغيره فكشفت تلك الكاميرا نفسها علاقته بالحسناء جونفييف، ووقوع زوجته هو في هوى البحار.

منذ ما يزيد على ثلاثة قرون، هذه هي المرة الثانية، بعد إخراج فان هوف لـ”ملاعين فيسكونتي”، التي تقتحم فيها السينما الكوميدي فرانسيز، ذلك أن ثلث العرض الذي اقترحته جاتاهي كان سينمائيا، إذ يبدأ العرض بفيلم يدوم ستا وعشرين دقيقة، يبث على شاشة ضخمة تحتل الخشبة طولا وعرضا مثل جدار أبيض، إضافة إلى كاميرا تصور الأعمال التي تتم في زوايا مخفية وتبث بدورها على الشاشة، وكذلك كاميرا صغيرة طائرة بجهاز تحكّم عن بُعد تُصوّر القاعة والجمهور من فوق، مع مشاهد ارتجالية وسط الجمهور يتخلله رقص وأغان فولكلورية.

تقول جاتاهي “أنا على يقين أن بالإمكان صياغة عمل تجريبي لا يكون غامضا حدّ الإغلاق، وهدم الجدار الذي يفصلنا عن الجمهور”، ولكن النتيجة جاءت دون المؤمل، فرونوار عندما صوّر “قانون اللعبة” عام 1939 كان واعيا بأن الكارثة وشيكة، وأن جانبا من المجتمع الفرنسي سادر في لهوه لا يعي الخطر المحدق، والشريحة التي صورها في شريطه كانت بحق تمثل تلك الطبقة اللامبالية، وتعكس مخاوفه العميقة.

ورغم نية المخرجة البرازيلية تحذير العالم من حرب أخرى تهدده اليوم كما قالت، إلا أنها لم تفلح في تمرير ذلك الخطاب، ولكنها في المقابل نجحت في تصوير خواء المتع التي ترتمي فيها تلك الشريحة بكل اندفاع، وهذا هو الجانب الذي تفاعل فيه الجمهور مع عرض أرادت المخرجة من ورائه إزالة الحواجز بين الواقع والتخييل.

---------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

الثلاثاء، 21 فبراير 2017

تحميل كتاب: المسرح الهولندي المعاصر

مجلة الفنون المسرحية

تحميل كتاب: المسرح الهولندي المعاصر

مجموعة مسرحيات لكتاب هولنديين مرموقين ترجمة وتقديم: ميادة مصطفى سامح
إصدار: دار أدب فن للثقافة والنشر والإعلام 2015


مسرح الستين كرسي في هولندا

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الستين كرسي في هولندا

قاسم حسن

في عقد السبعينات من القرن الماضي شهد العراق استقرار ثقافيا نسبيا وانتعشت الثقافة والفنون امتدادا لعقد الستينات في الشعر والادب والمسرح وباقي الفنون الاخرى .. وأزدهر معها المسرح وتطورت حركته وازداد عدد الفرق المسرحية .. اضافة الى قدوم بعض الفنانين المبدعين من الخارج ، بعد اكمال دراستهم الاكاديمية في فن المسرح ، والتحاقهم بزملاءهم من الفنانين وانضمامهم الى الهيئة التدريسية في المعهد أو الأكاديميه ، واجتهاداتهم نظرا للخبرة التي اكتسبوها من تجربتهم ودراستهم ، واقبال الطلبه على الدراسة في معهد واكاديمية الفنون الجميلة ، اضافة الى كثرة اعداد الذين يرتادون المسرح ونضوجهم وتنوع اختياراتهم ...ماجعل من الضروري البحث عن مسارح وقاعات جديده تتسع لهذا الكم من الفنانين الباحثين عن الجديد ، مما حدا بفرقة المسرح الشعبي والتي كان يترأسها الراحل الفنان جعفر السعدي .. وباقي اعضاءها من الشباب آنذاك .. والذين كانوا قد إستاجروا مقرا لهم في شقة في الطابق الثالث من عمارة الاخوان في شارع السعدون ... حيث كانت تدريباتهم الأوليه لعروضهم المسرحية تبدا هناك في ذلك المقر .. ,اخذ منتسبوها يصفون الكراسي حتى وصل العدد الى الستين كرسيا .. وفي مقدمتها مساحة كافية وخشبة تتسع لعدد من الممثلين ... من هنا جاءت فكرة عروضهم في هذا المكان .. وأسموه حينذاك مسرح الستين كرسي .

ذاع وانتشر خبر تأسيس هذا المسرح الصغير بين الجماهير الثقافية وجمهور المسرح بالذات ، وتوالت العروض المسرحية على خشبته الصغيرة حيث تخصص في المسرح التجريبي آنذاك.. واستمر عطاءه في تلك المرحلة ..، .. حيث قدمت عليه مسرحيات جاده وجديدة وتتميز بنوعيتها وجديتها في ذلك الوقت .. ومن خلال ذلك المسرح قدم العديد من المبدعين عروضا يتذكرها المهتمين في المسرح ومتابعية.الى يومنا هذا... حيث لا يمكن ان يذكر تاريخ المسرح العراقي دون المرور على ما قدم على هذا المسرح الصغير من عروض مهمه ... ومع الزمن اصبح من اهم وأرقى المسارح في بغداد على بساطته وصغر حجمه وتقنياته البسيطة ... حيث تمتاز العروض المقدمة على خشبته بالجدية والتجديد ..

بعد كل هذا النجاح الكبير .. والعروض المميزة وسمعته الجيدة بين الاوساط الثقافية وجمهور المسرح الواسع ..أصبح هذا المسرح مخيفا بالنسبة للسلطة الثقافية الحاكمة آنذاك .. وبعبعا كبيرا لايمكن تركه يتسع اكثر وأكثر لانه خطر على ثقافتهم ووعيهم .. من هنا أصبحت المضايقات على المسرح والفرقة وأعضاءها .. والمطاردات البوليسية على من يرتاد هذا المسرح من مسرحيين وفنانين وحتى الجمهور .. وخرج وهاجر مرغما من العراق غالبية الممثلين والممثلات والعاملين فيه... الذين ساهموا في تأسيسه وتقويمه ونجاحاته المهمه .. وانتهت تلك التجربة في اوائل الثمانينات .. وانتهت معها قصة ذلك المسرح الكبير بعطاءه والصغير حجما ومكانا ذلك هو مسرح الستين كرسي في بغداد ....

أغنياء يتبرعون بفللهم او بيوتهم القديمه ...وهواة مسرح يحيونها وينتجون ابداعا
في هولندا تنتشر المسارح والقاعات والمراكز الثقافيه وتكاد لاتخلو مدينة كبيرة ام صغيرة منها ... وهذه المراكز مدعومة من الدولة دعما كاملا ... ويديرها طاقم متخصص ينسق نشاطاتها وفعالياتها ودائما ببرامج سنويه وشهريه وماعلى الفنان المسرحي مخرجا كان ام ممثلا او لديه فكرة.... سوى تقديم مشروعه وعرضها كما يشاء وفي اي وقت ... ولكن ماهو الملفت للنظر (وهنا بيت القصيد) .. أن هناك مسارح في قرى نائية لايتجاوز عدد سكانها ضمن الحدود الادارية لهذه القرية اوتلك العشرات او الآلاف وتتباعد بيوتها الواحده عن الاخرى مئات الأمتار... وغالبيتهم من المزارعين والفلاحين والعاملين في مجال تربية الحيوانات ..

في قرية ( ايكاهار) والتي تبعد عن اقرب مدينة صغيره بخمسة كيلومترات أو أكثر هناك بيت واسع كان في يوم ما مخزنا كبيرا للمنتوجات الزراعية والأدوات يمتلكه رجل وزوجته .. كانوا وطوال حياتهم من عشاق المسرح ومتابعيه حيث لايخلوا برنامجهم الاسبوعي من مشاهدة مسرحية هنا او هناك وحتى اسفارهم وعطلهم الصيفية أم الشتوية خارج البلد يغتنموها في مشاهدة المسرح اي بمعنى أنهم من رواد المسرح وعشاقه ... 
الرجل (هاري كومان) وزوجته (آلي فينما كومان) تعدى عمرهما الثمانين عاما الآن .. وبعد تقاعدهما فكرا بتأسيس وبناء مسرح صغير في المكان الذي كان مخزنا لمنتوجاتهم.. وانها مجرد هواية ليس إلا ..،.. وفي العام 1988 تم بناء هذا المسرح الذي يتسع الى ( ستين كرسيا )..
يقول الرجل (هاري كومان) أنا من عائلة فلاحية كان والداي يعملان في الزراعة وتربية الدواجن وكنت أهوى التمثيل في المسرح ، بالذات ، وكنت لا اقبل بهدية في أعياد ميلادي بغير بطاقة دخول الى مسرحية ما وأتابع ذلك بالرغم من بعد المسافة بيننا والمدينه وكان حلمي ان أكون ممثلا او مخرجا .. ولكني فشلت في الأختبار الذي يؤهلني أن أدرس المسرح في معهد الفنون الجميلة وحاولت على مدى سنتين .. بالرغم من كوني ممثلا ومبدعا (كما يقول وهو يبتسم) وأساهم في نشاطات القرية هنا تمثيلا واخراجا وتقنيات أخرى ، كما يشهد سكان القرية هنا ، .. والذين فوجىء الجميع بعدم نجاحي في الأختبار ، ولكن وبنظر الأساتذه الذين اختبروني هذا لا يكفي ... فشلت بالالتحاق في المعهد كطالب ولكن واصلت دراستي ومازلت ليس بعيدا عن المسرح حيث درست في معهد آخر.. (تقنيات المسرح) في الإنارة والصوت ..... وفي نفس الوقت كنت أعمل في مسرح صغير في مدينه ( آسن ) مساعدا وعاملا لتنفيذ الديكور تارة وتنفيذ الأنارة والصوت تارة أخرى أي لم ولن ابتعد ... عن المسرح وكنت سعيدا بأنني داخل عوالم المسرح ....الى أن جاء اليوم الذي عينت فيه موظفا دائما ( كتقني في احد المسارح الكبيرة في أمستردام ) وبعدها تنقلت في عدة مسارح وفي عدة مدن ... وحتى تقاعدي في العام 1988 .. عدت الى هذه القرية التي كنت اتردد على والداي بين فترة وأخرى وكان حلمي أيضا أن اجعل من هذه المساحات هنا في بيتنا القديم ان يكون مكانا للعروض المسرحية ..... شرعنا في المشروع وبمساعدة زوجتي التي شجعتني ودعمتني بهذه الفكرة ... وخططنا أن يكون المكان اضافة الى قاعة بستين كرسيا وخشبه تكفي لحركة الممثلين ... الى جانبها مقهى صغير يجلس فيه الجمهور قبل الدخول وأعددنا أن يكون الطابق العلوي مكانا لأستضافة الفرق الفنية والمسرحية القادمة من خارج المدينة ... او خارج البلد .. والتي تستمر عروضها المسرحية لأكثر من يوم ليكون لهم مكانا للنوم والمبيت هنا بدلا من المدينه ... وعملنا على ذلك وبنجاح كبير منذ اليوم الاول .. لبدء نشاطنا ... وها نحن اليوم لنا برنامجنا السنوي ومواسمنا التي لم تنقطع .. وإتسعت جماهيرنا لتشمل القرى والمدن المجاوره .. علما اننا نادرا مايكون لدينا حفلات موسيقية او غير ذلك حيث هناك قاعة اخرى لذلك ... هنا مسرح الستين كرسي مسرحا جادا استقدمنا فرقا من كافة المدن الهولندية وكذلك من بعض الدول الاوربية كفرنسا وبلجيكا والمانيا وغيرها ... ولابد أن أشير أن العروض المسرحية التي نتعاقد أوة نتفق على استقدامها لها مواصفات خاصه من حيث أعداد الممثلين وحجم الديكور إضافة الى أهمية الموضوع آخذين بنظر الاعتبار دائما حجم المسرح وإمكانياته... ولم يكن بأذهاننا أن يكون المشروع ربحيا حيث أننا نعيش من مداخيلنا الخاصة ... ولكن هناك جمهور يعي وضعنا وشجعنا كثيرا بل هناك متطوعون يشاركون ويساهمون في ادارة المسرح والمساعدة في متطلبات كل عرض مسرحي وكل حسب اختصاصه ... يتم توزيع العمل بيننا بشكل موسمي ... حتى أصبح للمسرح مداخيل سنويه ومصروفات لادامته وسد احتياجاته ... والمسرح الآن بحالة جيدة وتقنياته وأجهزته لا تختلف عن المسارح الكبيرة ... وبرنامجنا يمتد حتى نهاية السنة القادمة .
وتقول السيدة ( آلي فينما كومان ) وهي الزوجة الثانية له تقول .. ( اننا ورثنا هذا الصرح من أهلنا وشيدناه من اموالنا ونجحنا الى حد كبير بمشروعنا .. واكيد سيستمر من بعدنا .. لأن غالبية العاملين في هذا المكان هم اهلنا واصدقاءنا ومن سكان القرية وأصبح هذا المسرح صرحا تمتاز به هذه المنطقه.. والجميع حريص على هذا المكان لما له من اهمية كبيرة... )

علما هذا المكان ليس الوحيد في هولندا .. وليس هو المشروع الفريد من نوعه حيث توجد عوائل من الأغنياء الذين يتبرعون أو يؤسسون مشروعا ثقافيا (ليس الهدف منه ربحا بل هواية) ببيوتهم القديمه ( وهي فلل بضواحي المدن او في قرى نائية ) يتبرعون بها لمشاريع اجتماعية ( دورا للعاجزين والايتام والغرباء او اللاجئين ايضا ) وثقافيـــة ( للمعارض التشكيلية والمتاحف) لمن لديه مقتنيات قديمه يرغب بالحفاظ عليها وعرضها على الراغبين بذلك .. 

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption