أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 20 يونيو 2017

وليم بتلر ييتس والمسرح الأيرلندي

مجلة الفنون المسرحية

وليم بتلر ييتس والمسرح الأيرلندي

علي عقلة عرسان

” دخل ييتس معركة التحرير الأيرلندية، وكان لاتصاله بمودجان الثائرة، وحبه الفاشل لها، أثر كبير في شعره وأعماله المستقبلية. وقد خدم بلاده وحركة التحرير، حين أسس جمعية، وساعد في إنشاء مسرح الأبي.. بل كان عماد هذا المسرح، ودعا الكتاب – ومنهم سينج، وقد قابله مرة في باريس- دعاهم إلى الكتابة للمسرح، والدعوة للحركة التحريرية في إيرلندا.”

في المسرح الأيرلندي، تجربة لابد أن يتعرض لها المرء، ولو بشيء من الإجمال. فكتَّاب المسرح الذين أنشأوا مسرح”الأبي”وخدموه، وجعلوا لإيرلندا هوية خاصة في هذا الفن، وفي مقدمتهم وليم بتلر ييتس وليدي جريجوري وإدموند جون سينج، لم يؤثروا كغيرهم من الكتاب في مجرى المسرح العالمي بحيث يحققون انعطافاً.. ولكن إضافتهم ملموسة وجديرة بأن نقف عندها. وعلى الرغم من أن بعضهم شارك مع حركة التحرير الإيرلندية، بزعامة الجمهوري “دي فاليرا”، ومن خلال حزب “السين فاين أو الشين فاين”، وسجلوا جميعاً مواقفهم ونضال مواطنيهم في أدبهم، إلا أن الاتجاه الصوفي غلب على إنتاجهم.
لقد أخذوا شخصياتهم من الفلاحين، ومن بسطاء الناس وسُذَّجهم، وجعلوا حوادث مسرحياتهم تدور في بيئات بسيطة.. في أكواخ، وبيوت فلاحين وعمال، وفي طرقات عامة. ومواضيعهم هي المواضيع ذاتها التي استخدمها الواقعيون والطبيعيون، فمصدر المادة واحد تقريباً، ولكن طريقة المعالجة تختلف عند كل من الطرفين. وشتان بين ما توصل إليه كل منهما من نتائج وإنتاج.
انقسم كتَّاب المذهب الصوفي الأيرلنديين إلى فريقين، فريق “ملحد”يتزعمه ييتس، وفريق مؤمن تمثله ليدي جريجوري.. واختلف اتجاههم الصوفي ذاته عن الاتجاهات الأخرى في أوروبا. فعندهم نفَس روحاني تكاد تحس بشرقيته، وعندهم توظيف للحادثة والشخصية لأغراض إنسانية، انطلاقاً من تثبيت الطابع الوطني، ثم تحقيق ما يمكن من الشمولية له.
وليم بتلرييتس ” 1865- 1939″يشكل جسراً بين قرنين، عاش تطور المجتمع الصناعي، الذي كان يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.. وشهد تحوّل القيّم من الرّوحية إلى المَادية، بتدرج تزول معه القيمة أحياناً. كما وقف على ما سببه انتشار الآلة من بطالة، ومن تقدم تقني أيضاً.. وأحسَّ بانعكاسات هذا التطور كله، على الذوق الفني والأدبي الذي لاحظ تدهوره. وكنتيجة لتقدم العلم أخذ سلطانُ الدين يضعُف، ومقومات الثقافة القديمة تهتز.. الأمر الذي جعل رجال الفكر والأدب يدافعون عن الثقافة، ويدعون للعودة إلى الأخلاق، واعتناق القيّم الروحية، ونبذ المادية السائدة، والبعد عن الاضطراب والنوَسان بين المادية والروحية، بين العلم والدين، والتيارات الفكرية المختلفة.
ونستطيع أن نستشف روح العصر، والشخصية التي ستكون لوليد مرهف الحس، عاش وشبَّ في هذا الجو المشحون بالمتناقضات والاضطرابات، وعايش محنة مواطنيه، الذين كانوا يعانون من سوء النظام الاجتماعي، ومن نظام الأراضي، والنظام السياسي، في ظل السيطرة الإنجليزية على بلدهم إيرلندا.
كان ييتس أول من عمل، ونظَّم، وكتب في سبيل تحرير إيرلندا، وجمع كلمة شعبها، وتوحيد نضال مواطنيها ضد إنجلترا، ولكنه في حياته الأدبية كشاعر، كان له الفضل على اللغة الانجليزية وعلى المسرح، بإعادة الشعر إلى الميدان المسرحي. لقد كان شاعراً عظيماً لقبه الشاعر والناقد توماس ستيرنز ايليوت بشكسبير القرن العشرين. مرَّ ييتس في حياته الأدبية بعدة مراحل، فقد تأثر أولاً بفلسفة والتر هوراشيو بيتر، وكان يقول من وحي تعاليم أستاذه:”الشعر والتصوير والموسيقى هي الوسائل الوحيدة، للاتصال بالأبدية التي تبقّت للإنسان على الأرض.”وأنتج ييتس في ظل الفلسفة الجمالية، والرمزية، شعراً قوياً يستقي موضوعاته من الأساطير الشعبية، والخيال الحي، والمناظر الطبيعية.. وهو يفيض بالأشواق.
وقد أدى تعلقه بالرمزية إلى مشارَفة شعره على خطر عدم الوضوح، لاسيما أن ييتس نبَذ الدين الذي كانت موضوعاته- لو تناولها الأديب أو الشاعر- تقربه إلى الإفهام، لشيوع المواضيع الدينية بين الناس، ومعرفتهم برموزها. ويقول د. مصطفى بدوي: حدثنا ييتس عن ديانته فقال “إنني شديد التديُّن بطبعي، ولكن هكسلي وستندال، اللذين أمقتهما، قد حرماني من الديانة الساذجة التي كنت أؤمن بها في طفولتي. لذلك اضطررت إلى أن أخلق لنفسي ديانة جديدة، وكنيسة تكاد تكون معصومة، تتألف من تقاليد شعرية، وجمهرة من الأقاصيص، والشخصيات، والعواطف.”وبذلك وصل ييتس إلى قمة الجمالية التي تقول: إن غاية الإنسان هي التجربة ذاتها، وليس ما تعطيه التجربة من ثمرات، وإن “الحقيقة ليست سوى مجموعة من الانفعالات.”. ونحن حينما نقول إن ييتس صوفي ملحد، لا نقصد أنه ينكر وجود الله، ولكنه يرفض الطريق التي استنَّتها الشرائع لمعرفة الله وعبادته. إن ييتس يريد أن يتصل بالله عن طريق ذاته.. بتجربته ومعاناته وسعيه الحثيث وراء المعرفة، وتعمّقه في سرّ الحياة والموجودات، إنه يرفض الكنيسة، ويحب أن يسلك الطريق البِكْر إلى الذات العليا. وأكاد أقطع هنا بتأثر ييتس بالمتصوفة المسلمين والزهاد الهنود، وبتعاليم سورين كيركجردKierkegaard الفيلسوف الوجودي “المؤمن”، الدانمركي المتصوف. وليس من الضروري، أن تؤدي تعاليم كيركجارد إلى الوجودية عند ييتس، يكفي أنها علمته الذوبان في المطلق، والكشف عن حقيقة الوجود، بطريقة خاصة.
وبعد المرحلة الرمزية، دخلَتْ في حياة ييتس مشكلة إرلندا وشعبها، بصورة جدية، فنقلته إلى عالم المشكلات الشعبية، ووضعته في خط المعركة الحقة، المادية الصلبة، بكل قسوتها وواقعيتها، فبدأ يعبر عن آلام شعبه.. ويدافع عن حقه في الحياة والحرية، وثار على تعاليم الجَمَاليّين وقال :”لا شك أن فكرة الثقافة، كما عبر عنها بيتر لن توجد إلا نفوساً مخنَّثة”.. وبلغ به ذلك إلى حدِّ أن أعتقد، أنه لم يكن رجلاً سوياً، يخدم الحياة والإنسان في سابق عهده. ويُستشفُّ ذلك من قوله في عام 1906″إن الذي يحرك مشاعر الرجل السوي في الفنون، هو نفس الشيء الذي يحرك مشاعره في الحياة.”. وهذا الاتهام الذي وجهه ييتس، سواء لمرحلة سابقة من عمره، أو لأتباع هوراشيو بيتر من الجماليين الذين كان هو منهم.. لا أظنه أصاب مقتلاً فيهم، لأن فنهم كان من الحياة وإلى الحياة بصورة ما، وكل ما يحرك مشاعر الإنسان الشاعر في الوجود، ويدفعه إلى القول، يكون من الحياة، ويخدم الحياة، ويعبّر به عن حقيقة على نحو ما.. إنها لدكتاتورية في الرأي، واستبداد في الفكر، أن نفرض على الآخرين مفاهيمَنا التي نعتبرها، صَلَفاً، حقائق ثابتة عن الحياة، وعما ينفع الإنسان، وما هو إنساني. وليس معنى هذا أنني أفسح المجال أمام المجانين والشواذ ليجعلوا من جنونهم وشذوذهم حقائق، ولكنني أقول: كل ما يصل إليه الإنسان الحي العاقل، بالتجربة والتمرس بالحياة، هو مستوحى من الحياة ومستَمد منها، ويخدم عنصراً حيوياً في الإنسان، لا بد من الاهتمام به وإروائه وإمتاعه.
دخل ييتس معركة التحرير الإرلندية، وكان لاتصاله بمودجان الثائرة، وحبه الفاشل لها، أثر كبير في شعره وأعماله المستقبلية. وقد خدم بلاده وحركة التحرير، حين أسس جمعية، وساعد في إنشاء مسرح الأبي.. بل كان عماد هذا المسرح، ودعا الكتاب – ومنهم سينج، وقد قابله مرة في باريس- دعاهم إلى الكتابة للمسرح، والدعوة للحركة التحريرية في إيرلندا.
وقد استفاد ييتس من ذلك الاتجاه الذي طرأ على حياته، فغزُرَت تجاربه، وعَمُقَ غور معانيه، وعبَّر عن تجارب متنوعة بأسلوب جديد.. ولكن لم تفارقه الرمزية، التي خلدت في أسلوبه، خلود فنه في عالم الشعر والأدب.
ومن أهم المواضيع التي شغلت قصائد ييتس العظيمة، في آخر أيامه، قضايا الروح والجسد، ومحاولة الوصول إلى حل لها،إذ أنه رفض حل الديانة المسيحية لتلك القضايا المعقدة. ومن خيرة قصائده في ذلك “الرحلة إلى بيزنطة”، التي عمق فيها المعنى تعميقاً مدهشاً، ونبذ فيها عالم الفَناء في سبيل عالم الخلود.. عالم العقل الذي لا يشيب، ودّ لو يتحرر من الطبيعة، ويسمو إلى ما فوق الطبيعة.. ولكن أيّ خلود يبغي ييتس؟”إنه خلود الفن.. فالشاعر يودّ أن تتحول روحه ذاتُها، إلى عمل فني، والأبدية التي يسعى إليها هي صنعه.. أي إنتاج الفن”. وهكذا خلد ييتس روحه في فنه، بأسلوب خلاق ممتع خالد.
أعاد ييتس المسرحية الشعرية بأسلوب أصيل، ولغة سهلة رشيقة لا تجافي متطلبات المسرح، فكانت مسرحياته الشعرية، كأنما كُتبت لتمثل لا لتقرأ، وكان متمكّناً وخبيراً بالفن المسرحي. وسنشير إلى خصائص المسرح الايرلندي الصوفي، المتجلية في مسرحيات ييتس. ونحب أن نثبت إشارة الأستاذ دريني خشبة إلى “أن ييتس كان يهتم بالتعبير عن جوهر الفكر الأيرلندي، ولُباب المشاعر الأيرلندية”.. لنرى مدى تمثل ذلك في مسرحه.
لنأخذ مسرحية “لا شيء”، التي تظهر فيها خصائص المسرحية الصوفية، من نبذ للعقدة، وتمركز للحوادث حول البطل وصدورها عنه. بطل المسرحية “بول” واعظ عادي في دير. وقد كان قبل انضمامه إلى فئة الرهبان، يشتغل “سَمْكرِياً”في بيته. حوادث المسرحية بسيطة عادية لا تعدو المواعظ، التي تدعو إلى نبذ القانون المادي الذي مصَّ إنسانية الإنسان، ونبذ المدنية الزائفة، والكنيسة، والإغراق في الزهد والتقشف المطلقين. مما أدى إلى غضب الكنيسة على الواعظ بول، الذي كان يلقي هذه المواعظ.. فطردته، وخرج يتجول في الطرقات، ويجمع حولـه العامة من أهل مهنته السابقة ومن الفقراء، ويدعوهم لتعاليمه، فتبعوه وساروا وراءه في صحراء زهده. فهدَّهم الجوع، وأخذوا يعملون، فنهاهم عن العمل فلم ينتهوا..وأخيراً رجموه بالحجارة، وانفضوا من حوله، ونبذوا دعوته.
وما أشد الشبه بين موقف الواعظ بول من أتباعه عند ييتس، وموقف القس براند من أتباعه عند هنريك إبسن، فبول واعظ وبراند قسيس – بول سار بأتباعه في طريق الزهد، وكذلك فعل براند – بول هجره أتباعُه والشيء ذاته حدث مع براند – بول صوفي زاهد من وحي كيركجارد ومن تأثيره على ييتس، وبراند ما هو إلا كيركجارد نفسه وضعه إبسن ليرد على تعاليمه من خلال مسرحية، بل ملحمة رائعة. ولكن رائعة إبسن أعمق وأقوى وأكثر نضجاً فكرياً، من مسرحية ييتس هذه.
في هذه المسرحية “لا شيء” تتمثل ثورة ييتس على العلم، وعلى نظام الآلة، والمدنية الزائفة. ويظهر فيها إيمانه بأن العلم لا يقود إلى النجاح في الحياة السّوية، وتصويره لتوق الإنسان للعيش في حضن الطبيعة.. فما بول إلا الناطق بلسان ييتس، نقل تجاربه وتجارب شعبه في الحياة، كما نقل تعاليم ييتس الصوفية وأفكاره. وفي المسرحية يظهر بوضوح روحُ عصر ييتس والنزعة القومية، كما أنها تعبر بجلاء، عن أفكار ييتس ورؤاه.
أما المسرحية الثانية “كاتلين ابنة هوليهان”فمسرحية رمزية جميلة، تدور حوادثها في كوخ لفلاح إيرلندي هو بيتر، يريد أن يحتفل غداً بزفاف إبنه ميشيل، والأسرة مشغولة بهذا الحدث السعيد، والأب والأم يتحدثان عن المكاسب المادية التي ستعود على ابنهما من هذا الزواج. ويدخل ميشيل، وقد جلب الثروة من بيت خطيبته داليا، فيفرح الأب بذلك.. وبينما هم في ذلك الجو المرح، وميشيل يستعد لارتداء ملابس عرسه، تظهر في الطريق تلك المراة العجوز المُجلَّلة بالسواد، التي تجوب الطرقات، كلما أشرف أن يقع في البلاد خطب جلَل.. وتدخل بعض الدور ثم تدخل بيت بيتر، ومن حديثها مع أفراد الأسرة، يتضح لنا، برمزية جميلة رائعة واضحة الدِّلالة، أن تلك العجوز ما هي إلا إرلندا المنكوبة، تستنهض همم الشباب من أبنائها، ليذودوا عنها، ويستعيدوا حقهم وحقها السليب. ونجدها تدور وتلف حول الشاب ميشيل، الذي لا يلبث أن يطيعها، ويلبي دعوة الوطن، ويترك عرسه وينضم إلى الفرنسييين الأصدقاء، الذين يشاركون في تحرير إيرلندا.
ولا نلمس جمال الأسلوب الرمزي في هذه المسرحية من هذا الملخص، ولا من الترجمة، لأن الترجمة تفسد شعر ييتس الجيد.. ولكننا سننقل جزءاً من هذا الحوار الرائع، الذي دار بين بيتر والعجوز، وهو يلبي الغرض، ويطلعنا على مأساة أيرلندا، وينقل لنا سعيها الحثيث للتحرر:
بيتر: هلى أتيت من بعيد؟
العجوز: لقد أتيت من بعيد. . قليلون من سافروا. . وكثيراً من لا يرحبون بي. أحدهم له أولاد أقوياء، وكنت أظنهم أصدقا لي، ولكنهم كانوا يذبحون خرافهم، فلم يستمعوا إليّ.
بيتر: من المؤسف حقاً ألا يكون لك مكان خاص.
العجوز: هذا صحيح، وقد طال بي التجوال في الطرقات، من اللحظة التي بدأتُ فيها التجوال.
بريدجت: عجيب أنك لم تهلكي، على الرغم من كثرة طَوافك.
العجوز: في بعض الأحيان تتعب قدماي، تكل يداي، لكن قلبي لا يكل. وحين يراني الناس هادئة، يظنون أن الشيخوخة حلَّت بي، وأن حيويتي قد ذبُلت، ولكني حين أفيق، لا بد أن أحدث أصدقائي.
بريدجت: ماذا حدا بك إلى الطواف؟!
العجوز: لقد ازدحم البيت بالغرباء.
بريدجت: الواقع أن المآسي قد تركت طابعها على وجهك.
العجوز: نعم لقد قاسيت كثيراً.
بريدجت: وما سبب ذلك؟
العجوز: لقد أخذوا أرضي مني.”.
من هذا الجزء البسيط، نلمح أسلوب ييتس الذي جرى عليه في هذه المسرحية، للتعبير عن سعي أيرلندا للتحرر، واستثارتها لهمم الشباب الفلاحين من أبنائها. وقد صوّر ييتس أيرلندا في صورة عجوز طال بها المسير، تدور على البيوت وتتغنَّى “بدنوا”الأشقر، رمز نضال أبنائها.. وتذكر عشَّاقَها الذين ماتوا من أجلها، أي المناضلين الوطنيين، وتستنهض همم أصدقائها، ليهبوا لنجدتها.
وبذلك صوّر ييتس تخليد البلاد لمعاني البطولة والأبطال والشهداء الوطنيين، وتذكّرها لهم في الأفراح والأتراح، وفي كل المناسبات، لتجعل منهم أمثولة وقدوة للأجيال الصاعدة، ولتثير ببطولاتهم وذكرهم، نخوة الشباب فيهبوا للذود عنها، إن ألمَّت بها مُلمة، طامعين بالخلود، وبلقب البطولة، مدافعين عن حق شعبهم في الحرية والعدالة.
ونستطيع أن نجد في هذه المسرحية، أو أن نقف منها على، كل خصائص مسرح ييتس: الرمزية في أسلوبه، شخصياته البسيطة التي تحولت هي ذاتها إلى رموز، ميدان حوادثه.. الأكواخ وبيوت الفلاحين والطرقات وريف أيرلندا، وبساطة حوادثه وتمركزها حول الشخصيات وانبثاقها منها، والاتجاه الواضح لمزج الغناء المسرحي بالحدَث.. وأستطيع تسميته بالاتجاه “الأوبرالي” في المسرح. ويظهر ذلك في أناشيد العجوز وأغانيها، في مسرحية كاتلين ابنة هوليهان.وتظهر كذلك الحاسّة المسرحية القوية الواضحة، في ربط الحوادث بحركة النضال في أيرلندا كلها، واستعداد الشعب للتضحية، وتضامن جيران أيرلندا معها. ويتضح كل ذلك في أذهان المتفرجين، ولا يفارقهم أبداً..من خلال طلقات الرصاص، والجلبة، وربط المنظر بحركة الميناء حيث نزل الفرنسيون أصدقاء أيرلندا. كل ذلك يُكسب المسرحية أبعاداً، ويجعلها أعمق من ظاهرها المكشوف، ويربط المتفرج بواقع البلاد.
وقبل الانتهاء من التعرض لهذه المسرحية، أحب أن أشير إلى نقطتين، من الممكن اعتبارهما نقطتي ضعف فيها، وهما:
عدم إظهار الصراع الداخلي في نفس الشاب ميشيل، الذي انضم إلى الجيش، وترك عرسه. وعدم التمهيد، أو عدم تحديد أبعاد هذه الشخصية، أو الإشارة إلى خصائص أو مواقف ماضية لها، تؤهلها، بنظرنا كمشاهدين أو قراء، إلى أن تتحول هذا التحول المفاجئ، أو تستجيب هذه الاستجابة بلا تردد.
لقد كان ييتس منساقاً بانفعال قومي شبه خطابي، لم يعمَّق ولم يدرس دراسة كافية، ولم يذوَّب في المسرحية بما يدعم البناء الفني العام فيها. فتصرف ميشيل تصرف أراده ييتس، ولم تفرضه مقومات الشخصية، ميشيل، وملامحها، وأبعادها، فكان هدف ييتس واضحاً، أو بالأحرى موقف الشباب كموقف ميشيل، إذا دعاهم الواجب الوطني. ولكن هذه نبرة خطابية تعليمية حماسية، لا تبلغ مبلغ التقرير الواعي عبر بُنية فنية للحدث، فيما لو أتاح ييتس لبطله أن يمرَّ بذلك، ويمارسه. فلو أن ميشيل قلَّب الأمور وعاش الصراع الذي لا بد منه – لأن ميشيل إنسان – في مثل هذه المواقف، ثم خرج، بعد صراعه مع نفسه على الأقل، بقرار مبنيٌّ على أسس، لكان وقع تضحيته أفضل في نفوسنا، ولأَكسَب ذلك الصراعُ المسرحيةَ قوة ومتانة وعمقاً وإنسانية.. ولكن ييتس وقف موقف الشاعر الأخوذ بالحماسة، والخطيب الذي يدعو الناس إلى النضال.. ولم يقف موقف الكاتب المسرحي، الذي يعالج الشخصية من جميع جوانبها الإنسانية المتكاملة، في هذه المسرحية.
2- التصريح، في آخر المسرحية، بمضمون الرمز.. حين قال على لسان باتريك :”إن الرجال جميعاً يهرعون من التلال، لينضموا إلى أصدقائهم الفرنسيين، حتى يطردوا الانجليز جميعاً من إرلندا”. وهذا التصريح، أضعف المسرحية فنياً، ولم يدعم البناء الدرامي فيها، وهو ضعف لا مسوِّغ له، جعل المسرحية من النمط التوجيهي الحماسي المباشر، بعد أن اتبع ييتس في نقل مراميه، رمزية جميلة بسيطة.
وعلى الرغم من هذا، يظل ييتس، من أعظم شعراء الإنجليزية في القرن العشرين، وكاتباً مسرحياً له جولاته الموفَّقة على خشبة المسرح، وله أسلوبه، ورمزيته، ومذهبه الخاص به. فهو من أولئك الرجال المبدعين، الذين تميز شخصيتَهم معالمُ واضحة، تجعل لأدبهم نكهة خاصة، ولأفكارهم منافذ إلى العقول، ولفنهم سحراً وجمالاً.

المخرج حسين علي صالح : (مساج الخير) مسرحية شعبية كوميديا هادفة تليق بالعائلة العراقية

مجلة الفنون المسرحية


المخرج حسين علي صالح : (مساج الخير) مسرحية شعبية كوميديا هادفة تليق بالعائلة العراقية

تعرض ابتداءً من اول ايام عيد الفطر المبارك والايام التالية في المسرح الوطني
المخرج حسين علي صالح : (مساج الخير) مسرحية شعبية كوميديا هادفة 
المسرحية تليق بالعائلة العراقية ويلعب أدوارها نخبة من المع نجوم الكوميديا 
اتمنى ان نوفق في هذه التجربة وان نقدم عرضا جماهيريا رصينا فيه مواصفات المسرحية الشعبية الجميلة



عبد العليم البناء 

يشهد المسرح الوطني ابتداءً من اول ايام عيد الفطر المبارك عرض المسرحية الشعبية الكوميدية الجديدة لدائرة السينما والمسرح التي كتبها الكاتب حسين النجار ويخرجها الفنان حسين علي صالح ويلعب ادوارها نخبة من المع نجوم الكوميديا في العراق : ماجد ياسين وزهير محمد رشيدوساهره عويد وزهور علاء وشيماء جعفر وصلاح مونيكا ورضا طارش وعبد النبي جابر و حسام الملك وعمار زهير ويتولى الاداره المسرحية  عبد النبي جابر  واختيار وتنفيذ الموسيقى لقاسم داود و تصميم الديكورلعصام و تنفيذ الديكور لحسين علاوي  والاضاءة لعباس قاسم ..وهذه المسرحية التي من المؤمل عرضها بدورين في اليوم الواحد طيلة ايام  العيد المبارك وبدور واحد في الايام التالية تنتجها دائرة السنما والمسرح بالتعاون مع شركة فنون الشرق الأوسط للإنتاج والتوزيع الفني وفق صيغة الإنتاج المشترك وتهدف الى توفير الفرصة للعائلة العراقية وجمهور المسرح المعني بالمسرحيات الشعبية الجماهيرية التي تعالج مختلف الأوضاع والمشاكل التي يعاني منها المواطن العراقي في المرحلة الراهنة بإسلوب كوميدي ساخر لا يخلو من المفارقات والمواقف الكوميدية البعيدة عن السطحية والابتذال وبما يليق بالعائلة العراقية وبما يحقق  المتعة المطلوبة بشكل هادف وصحي وسليم .
وبغية الوقوف على فكرة المسرحية ومعالجتها الدرامية والاخراجية وباقي عناصرها كانت لنا هذه الجولة من الحوار مع مخرجها الفنان حسين علي صالح الذي سبق له أن أخرج للمسرح العراقي عامة وللفرقة الوطنية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح خاصة عددا من مسرحيات الأطفال والمسرحيات الجادة وهو عبر هذه المسرحية يخوض تجربته الأولى وكانت البداية مع سؤالنا الاتي: 
* ماالفكرة التي تنطوي عليها مسرحيتك (مساج الخير) ؟
- تدور أحداث المسرحية في مدينة أطلق عليها مدينة الجمال الطبية وتقام فيها عمليات للتجميل والعناية بالبشرة وماشاكل ذلك وفيها مفسدون ومخلصون ويدور فيها الصراع على القبح والجمال وبين الخير والشر في  إسقاط واضح لما يدور اليوم في بلدنا من فساد المفسدين و إصلاح المصلحين بإسلوب كوميدي ساخر. 
* وكيف عالجتها دراميا لتتميز  عن غيره من الاعمال الكوميدية النظيرة بقديمها وجديدها؟
-  تمت معالجتها دراميا بخلق مشاهد تصاعدية بإيقاع محكم يجعل المشاهد يتابع الأحداث بشغف وتشويق من خلال مواقف ومفارقات كوميدية هادفة..

* اذا كان الامر كذلك فما هوسبيلك لالزامهم نجوم العمل بعدم الخروج عن النص وعدم الارتجال غير المبرر؟

- تم اختيار الممثلين حسب مساحة الدور المسند وبناء الشخصية وكان لابد من الاستعانة بممثلين يمتلكون حرفة العرض الجماهيري لذا لجأت إلى إشراك ممثلين مثل زهير محمد رشيد الذي لم يلتق به الجمهور العراقي منذ ما يقارب الاثني عشر عاما وماجد ياسين القريب جدا من المشاهدين ليكون هذا التناغم الجميل بين الخبرة الكبيرة التي يمتلكها الفنان زهير محمد رشيد وبين سرعة البديهة وخفة الظل التي يمتلكها الفنان ماجد ياسين كذلك لوجود كاركترات خاصة لهذا العمل حيث تمت الاستعانة بالفنانين رضا طارش وساهره عويد وحسام الملك وكان لابد من وجود حلقة تربط الاحداث بجدية حيث أشركنا الاعلامي الشاب علي الخالدي..وفضلا عن استقطاب فنانتين معروفتين للعب الأدوار النسائية هما الفنانتان زهور علاء وشيماء رعد..اما عن عدم الخروج عن النص فهم يدركون جيدا انهم يعملون ضمن مؤسسة محترمة وعريقة وعلى خشبة المسرح الوطني حيث تكون المسؤولية كبيرة جدا ..كذلك الإصرار منا على تقديم عمل عراقي عالي المستوى يستقطب العائلة العراقية إلى المسرح ويعيد الجمهور له بعد القطيعة التي حدثت بين المسرح والجمهور نتيجة للاعمال الهابطة التي كانت تقدم في اغلب المسارح ..وستكون لنا متابعة يومية للعرض لايقاف اي خروج غير مبرر.

* وماذا عن عناصر العرض الفنية الاخرى من ديكور واضاءة وازياء وغيرها ؟
- العناصر الفنية ستكون متوفرة في العرض بشكل متناغم ومنسجم مع اجواء العرض وهي باعتقادي مكملة له ووجودها مهم جدا بالديكور المميز. والتعددية المشهدية والإضاءة المناسبة لكل مشهد كذلك لاختيار الموسيقى المناسبة لإحداث العرض.

* وما الرسالة التي تريد ايصالها عبر هذه المسرحية في ظل تباين الاراء تجاه الاعمال الكوميدية الشعبية؟
- الرسالة واضحة وهي ان هذا الوطن هو بيتنا الجميل والحفاظ عليه مسؤولية الجميع وأننا من خلال الانتخابات الحرة النزيهة نستطيع إبعاد المفسدين وخلق مدينة ستكون من أجمل المدن واحلاها.

* وما الذي تراهن عليه في عرضك هذا قياسا لعروضك السابقة وما هو سائد في الساحة المسرحية ؟
- ما أراهن عليه في هذا العرض رسالته السامية والكوميديا النظيفة والالتزام بضوابط وتقاليد المسرح الاصيلة الخالية من الابتذال والتفاهة ومسك العصا من الوسط.

*وكيف تنظر لدور شركة فنون الشرق الاوسط في الانتاج المشترك لهذا النوع من المسرحيات بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح وما المردودات الايجابية التي ستتحقق جراء هذا التعاون ؟
-انا اعتقد ان شركة فنون الشرق الأوسط جادة في تقديم أعمال رصينة تخدم العائلة العراقية في ظروف صعبة جدا تجعلها في اغلب الاحيان تتعرض لخسارات مادية كبيرة الا انها متواصلة مع الجمهور العراقي من خلال تعاونها مع دائرة السينماوالمسرح  وهو تعاون إيجابي مثمر لان الدائرة تعمل دائما على تقديم مسرح عراقي اصيل وهو تناغم وتوافق جميل بين الشركة ودائرة السينما والمسرلاسيما يحقق تعظيما لموارد الدائرة المالية تطبيقا لنظام التمويل الذاتي .

* كلمة اخيرة ....
- اتمنى ان نوفق في هذه التجربة وان نقدم عرضا جماهيريا رصينا فيه مواصفات المسرحية الشعبية الجميلة والتي تشكل امتدادا لما بقي في ذاكرتنا من أعمال شعبية مهمة وناجحة على غرار (المحطة) و(الخيط والعصفور) وغيرها الكثير .


أنطلاق الدورة 29 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء من 4 إلى 9 يوليوز 2017

مجلة الفنون المسرحية

أنطلاق الدورة 29 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء  من 4 إلى 9 يوليوز 2017

"الحركة، خاصية المسرح المعاصر".



عن اللجنة الإعلامية: أحمد طنيش

         تنظم كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الدورة 29 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء في الفترة الممتدة من 04 إلى 09 يوليوز 2017، تحت شعار: "الحركة، خاصية المسرح المعاصر".

يحتوي برنامج هذه الدورة على عروض مسرحية جامعية ومحترفة، وورشات تكوينية ومائدة مستديرة في محور الدورة، ويستقبل المهرجان هذه السنة ما يزيد عن 250 طالبة وطالب تمثل عدة دول وجامعات شقيقة وصديقة من العالم، وينفتح على عموم الجمهور من طلبة ومهتمين وممارسين وشباب المدينة ومرتادي المسارح في فضاءات مسرحية موزعة على جغرافية الدار البيضاء.

تتميز هذه الدورة: بمشاركة فرقة "بالي ميلانو" من إيطاليا « Le Ballet de Millan » التي ستنشط حفل الافتتاح، وخلال فعاليات المهرجان ستقدم الأكاديمية العليا للمسرح بروما عرضا مسرحيا احترافيا، بالإضافة إلى عروض مسرحية لمؤسسات فنية من أوروبا وأمريكا وكندا والعالم العربي.

الدول المشاركة: الجزائر، تونس، مصر، سلطنة عمان، كوريا الجنوبية، ألمانيا، إيطاليا، روسيا فرنسا، المكسيك والمغرب البلد المنظم.

    الورشات التكوينية: برمجت 8 محترفات تكوينية وماستر كلاس لفائدة المهرجانيين وشباب مدينة الدار البيضاء سيؤطرها فنانون وجامعيون ومبدعون من كندا وفرنسا ولبنان وتونس وألمانيا وإيطاليا والمكسيك والمغرب.

ضيف الشرف: دولة إيطاليا، بصفتها تجربة مسرحية لها مكانتها في مسار المسرح العالمي، تكاملا مع مشروع الدورة السابقة التي كان محورها الصمت وكانت دولة الصين ضيف الشرف بحيث قرر في اختتام الدورة 28 بأن تكون الدورة 29 في محور الحركة وضيف الشرف دولة إيطاليا لكون أن مسرحها له تاريخ مشهود له في تجربة المسرح العالمي.

 في عصر النهضة انصبت معظم جهود الإيطاليين في التأليف المسرحي عبر الكوميديا والارتجالية الشعبية، غير أنه ستحدث طفرة في النصف الأخير من القرن الثامن عشر بظهور مدرستين أو عالمين من عوالم المسرح الإيطالي وهم: " كارلو جولدوني " الذي ولد سنة 1707 وتوفي سنة 1793 و" كارلوجولتزي " الذي ولد سنة 1720 وتوفي سنة 1806، الذي كانت تمتاز مسرحياته بتحريم الضحك لكن من يشاهد مسرحياته يتأكد له العكس إذا تمتاز مسرحياته بالحيوية والرشاقة ويعد جولدوني بموليير المسرح الإيطالي.

        بعد وفاة جولتزي سنة 1806 ظهر علم مسرحي آخر في سماء إيطاليا وهو" جابريل دانوزيو" الذي ولد سنة 1863 وتوفي سنة 1938 وكانت إيطاليا في هذه الفترة قد وصلت إليها رياح مدرسة آخرى من مدارس المسرح العالمي وهي المدرسة الواقعية ونظرا لكون هذه المدرسة لم تكن توائم الطبع الإيطالي فقد ضلت فاترة في هذا البلاد. وهنا من يرجع السبب في كون قوة دانوزيو وتنوع إنتاجه حطما هذه المدرسة في هذه الفترة بسبب نزوعه إلى الرومانسية النارية وبسبب تمتعه بشعبية ضخمة في إيطاليا ونفس الشيء ينطبق على مسرحي آخر اسمه لويجي بيرانديلو الذي ولد سنة 1867 وتوفي سنة 1936 الذي يعد وبحق أعظم مؤلف إيطالي من بلوتـاس.

وقد أهلته الفطنة والحساسية التي يمتلكها لجعل المادة الدرامية تمزج فيها عناصر التراجيدية الحادة بأساسيات الكوميديا اللاذعة ومن الجدير بالذكر أن هذا المسرحي المتفوق سيحصل سنة 1934 على جائزة نوبل للأدب.

          أما أهم شكل مسرحي ظهر في إيطاليا وهو " كوميديا ديلارتي"، ويعد كولدوني من أشهر الكتاب الذين نقلوا هذا الشكل إلى خشبات المسرح ، إذ قبل ذلك كانت العروض تقام في الشارع لمناهضة الكنيسة و ممارساتها التعسفية ، و كان الممثل في هذا النوع المسرحي يشتغل على شخصية وحيدة تابثة و لا تتغير طوال 6 أو 7 سنوات لأن الشخصيات بصفة عامة هي محدودة لكنها تمثل كل شرائح المجتمع، و كوميديا ديلارتي لها دور كبير في التطور الذي عرفه المسرح ، خاصة و أن أغلب الكتاب المسرحيين الذين ظهروا فيما بعد كموليير مثلا تأثروا بها و اعتمدوا عليها في بناء مسرحياتهم ..

هو مقترح فني وثقافي وفكري وجمالي وتواصلي وفرجوي وتكويني تقترحه الدورة 29 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، باسم كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، في الفترة الممتدة من 4 إلى 9 يوليوز 2017، في فضاءات جغرافية بيضاوية عبر الجهات موزعة بين كلية الآدب بنمسيك، ومسرح مولاي رشيد، ومسرح سيدي بليوط واستوديو الفنون الحية بالحي الحسني وفضاء محمد السقاط والمعهد الفرنسي ومسرح القنصلية الإيطالية..

مع توالي الدورات، أصبح هذا المهرجان مناسبة هامة للتواصل الفني والثقافي وتكوين وتأطير شباب العالم، مغاربة وأجانب، الذين يشاركون في هذه التظاهرة الدولية بعروضهم المسرحية، وهي مناسبة لإبراز طاقات الشباب الفنية وتبادل الخبرات والتجارب بين الجامعيين والمسرحيين والباحثين والمتخصصين من داخل المغرب وخارجه ترسيخا لقيم التسامح والتعايش بين الثقافات والشعوب وإعطاء صورة طيبة عن المغرب بلدا للتسامح وعن الدار البيضاء قطبا اقتصاديا وجامعيا هاما وعن الجامعة المغربية باعتبارها فضاء للتكوين والتأطير والانفتاح.

الاثنين، 19 يونيو 2017

«الملك يموت» تناقش الواقع اللبناني على مسرح المدينة

مجلة الفنون المسرحية

«الملك يموت» تناقش الواقع اللبناني على مسرح المدينة


من خلال مسرحية «الملك يموت» لرائد العبثية أوجين يونسكو (تعرض على خشبة مسرح المدينة في بيروت) يعود فؤاد نعيم إلى الإخراج المسرحي بعد ابتعاد سنوات طويلة، وانصرافه إلى الرسم التشكيلي. وقد ترجم النص بنفسه واختار لتجسيد الشخصيتين الرئيستين جورج خباز في دور الملك، ويارا بو نصار في دور الملكة الأولى مارغريت.

في الأساس تتناول مسرحية «الملك يموت» احتضار الملك على مدى ساعة ونصف ساعة، ودخوله عالم العدم، وهي تلميح مبطن إلى تراجع السيطرة الفرنسية الاستعمارية. إلا أن فؤاد نعيم عاود كتابتها بأسلوب يحاكي الواقع اليوم مع الحفاظ على فكرتها الأساسية والخط الدرامي الذي انتهجه أوجين يونيسكو لدى كتابته هذه المسرحية عام 1962.

يعتبر فؤاد نعيم أن الوقت ملائم اليوم لإعادة تقديم مسرحية «الملك يموت»، نظراً إلى الواقع الذي تعيشه المنطقة العربية، لا سيما تمسّك الحكام بمناصبهم رغم تدهور الأوضاع وهجرة شعوبهم. صوّر يونسكو واقع الإنسان أمام الموت بغض النظر عن كونه حاكماً أو رجلاً عادياً، فالموت هو هو لا فرق عنده بين دين وعرق ولون وطبقة اجتماعية.

استعمل فؤاد نعيم في إعادة كتابة المسرحية اللغة المحكيّة، ووازن فيها بين سقوط الملك بيرنجيه الأول أو الديكتاتور، وبين سقوط الديكتاتوريات في العالم العربي. لذا يبدو النص نابضاً بأحداث ومواقف نابعة من صميم الأزمات المتفاعلة من كل حدب وصوب.

صحيح أن المسرحية تندرج ضمن النوع العبثي، لكنها في الحقيقة تراجيدية تحاكي إشكالية كانت منذ بداية الخليقة ولا تزال وستبقى، وهي مواجهة الإنسان الموت.

يتوقّف فؤاد نعيم في المسرحية، تماماً مثل يونسكو، عند أسئلة ترتسم باستمرار من بينها: لماذا خلق الله الإنسان ما دام سيواجه الموت؟ وفي معالجة تراجي- كوميدية يحاول فؤاد نعيم الإجابة واضعاً خبرته في الحياة والناس، من دون أن يخرج بالطبع عن خط المسرحية العام، بل يدور في فلكه، باعتبار أن موقف الإنسان من الموت لا يتغير وموقفه أمام انهيار السلطة لا يتغيّر، وفي تلك اللحظة بالذات يدرك أن الحياة ساخرة ومدعاة للضحك، وكذلك السلطة.

صراع مع الموت

بدت خشبة المسرح خالية من أي مظاهر بهرجة، فقط وضع المخرج عليها كرسياً يجلس عليه الملك ويشهد صراعه الأخير مع الموت ومع فقدان السلطة، فضلاً عن ملابس الملك والملكتين، في حين، تدور بقية الشخصيات في فلك الملك، مع مقاربات للواقع اللبناني، في شكل عابر، على غرار مسألة النفايات التي يعانيها اللبنانيون وغيرها...

سبق أن قدَّم فؤاد نعيم المسرحية في إطار «مهرجان مسرح المدينة» في أكتوبر الماضي، وأدت الممثلة برناديت حديب دور الملكة، ومع إعادة عرضها اعتذرت حديب لارتباطها بعمل آخر، فاختار المخرج الممثلة الشابة يارا بو نصار التي تقمّصت الشخصية وجسدتها بشكل أعطاها أبعادها الإنسانية والفنية في آن.

بدوره، نجح جورج خباز في أداء شخصية الملك الديكتاتور وأعطى الدور كل حقه، فهو ممثل يعرف متى يستخدم الكوميديا ومتى يستخدم التراجيديا في تجسيد الشخصية، فتنقّل بين التهريج والمأساة بأسلوب شفاف يقف على حافة الواقع.

العمل المسرحي، بالنسبة إلى فؤاد نعيم، هو عمل جماعي يأخذ من موهبة كل الممثلين والموسيقيين، ويصهرها في موسيقى جماعية تخدم النص بقدر ما يتماهى معه كل ممثل على حدة وكلهم معاً، كما صرح في لقاء صحافي. من هنا تكاملت الأدوار في المسرحية وتناغمت مع بعضها بعضاً، ويؤديها كل من موريس معلوف، ومي سميث، وباتريسيا سميرة، ووليد جابر.

نبذة
فؤاد نعيم كاتب ومخرج ورسام تشكيلي وإعلامي، أنشأ القسم العربي في وكالة الصحافة الفرنسية، وكان مديراً لأكثر من مؤسسةٍ إعلامية كبيرة من بينهما «تلفزيون لبنان». قدَّم على المسرح أعمالاً مميزةً من بينها ثلاثية «المتمرّدة، البكرة، والحلبة»، مع زوجته الفنانة نضال الأشقر، مؤسسة مسرح المدينة.

--------------------------------------------------
المصدر : الجريدة 

المسرح الإفريقي التقليدي.. جذوره ووظائفه

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الإفريقي التقليدي.. جذوره ووظائفه

د. عمر عبد الفتاح

المسرح فنٌّ وثيقُ الصلة بالنفس الإنسانية، فهو أحد وسائل تعبير الإنسان عن آرائه ومعتقداته وعلاقاته، وهو أقرب وسائل التعبير الإبداعية تمثيلاً للواقع، وأكثرها ارتباطاً بالمجتمع.

تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على المسرح الإفريقي التقليدي، وبيان جذوره وأصوله القديمة، ومظاهره وتجلياته في المجتمعات الإفريقية، وأهم سماته في المضمون والشكل، والوظائف والأدوار التي يقوم بها في المجتمعات الإفريقية.

أولاً: نشأة المسرح الإفريقي التقليدي وجذوره:

على الرغم من أنّ إفريقيا لم تعرف المسرح بمعناه الحديث إلا في فترة متأخرة نسبيّاً؛ فإنها عرفت المسرح بمعناه التقليدي منذ عصورٍ تسبق التاريخ نفسه، ولا نقصد بالمسرح التقليدي هنا المسرح بوصفه نصّاً مسرحيّاً أو بناءً وخشبة عرض وممثلين، ولكننا نقصد بالمسرح التقليدي: الدراما، والأداء التمثيليّ بشكلٍ عام، سواء كان هدفه الترفيه، أو التوجيه، أو التثقيف، أو كان مجرد أداءٍ طقسيٍّ اجتماعيٍّ أو دينيّ.

جذور المسرح الإفريقي التقليدي

إذا عُدنا للوراء في محاولةٍ لتتبع البدايات الأولى لنشأة المسرح؛ سنجد أنّ هناك ظاهرتين تعدّان بحقٍّ توطئة وتمهيداً للفنّ المسرحيّ.

الظاهرة الأولى: الطقوس الدينية: هي الطقوس الدينية والاجتماعية؛ حيث كانت هذه الطقوس تؤدى في شكل حركات تعبيرية في شكل درامي ذات مضمون ديني.

والظاهرة الثانية: الرقص: يعد الرقص من أقدم الوسائل التي عبر بها الإنسان واتخذ منه شكلاً ترفيهياً يعبر به عن انفعالاته، أو شكلاً إعلانياً عن وقائع ومشاهد درامية .

وقد أخذت هاتان الظاهرتان شيئاً فشيئاً في التحول التدريجي من المحيط الديني-في المكان والأداء- إلى المحيط الاجتماعي العام ومن التعبير عن أشياء محدودة إلى التعبير عن مختلف مناحي وشئون الحياة باعتباره مظهراً من مظاهر التعبير عن الحضارة الإنسانية(1).

وتعود نشأة المسرح التقليدي في أفريقيا إلى عصور موغلة في القدم ففي شمال أفريقيا شهدت أرض مصر القديمة ظهور هذا اللون الدرامي منذ فترة طويلة أرجعها البعض إلى ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.

فالدراما في صورتها الأولى ولدت على أرض مصر، وقدامى  الإغريق تلقوها عن مصر وأضافوا إليها، وكل ما يذكر للمسرح بقديمه وحديثه فمرده إلى مصر التي بذرت بذوره ورعته إلى أن استوى على سوقه.

وإذا كان المسرح كفن درامي نشأ  في مصر شمال أفريقيا وأثبتته النقوش والكتابات المدونة على جدران المعابد، فإن ذلك لا يعني عدم ظهور النشاط الدرامي في بقية أنحاء القارة الأفريقية. فقد ظل المسرح في تلك المناطق ولمدة طويلة نشاطاً شفوياً مرتجلاً مثله مثل الأدب الشعبي. ويجب أن ندرك أن عدم وجود الأدلة التاريخية لا ينفي وجود هذا النوع من المسرح، فقد عرفت الحضارة المصرية القديمة في الشمال الكتابة والتدوين منذ وقت مبكر، في حين أن الثقافات الأفريقية في الجنوب لم تعرف الكتابة والتدوين إلا في وقت متأخر.

وليس هناك مجال للشك في أن جميع أنحاء أفريقيا شهدت تقديم عروض يختلط فيها التمثيل بالطقوس الدينية،  وفي كثير من بقاع القارة الأفريقية كان للمسرح أصول اجتماعية أيضا، فقد نشأ للسمر والتسلية، وهو بذلك يؤدي دوراً جمالياً يقوم على المتعة والفائدة. وهكذا فإن المسرح الأفريقي التقليدي لم ينفصل عن الحياة الجماعية فمهمته هي توصيل ما يريد التعبير عنه. ويشير فرانسواز ليجيه إلى شدة الصلة بين المسرح الأفريقي التقليدي والمجتمعات الأفريقية فيقول: "لقد قدم المسرح كل ما يعبر عن موروث هذا الشعب سواء في شكل رقصات وملاحم أو احتفالات شعبية أو كل ما يدور في الحياة من مناقشات فارغة ومواقف وأنماط مختلفة من الناس. وبهذا المعنى يمكن القول أن أفريقيا قد عرفت المسرح التقليدي منذ زمن قديم للغاية، فارتباط الأفارقة بالطقوس والشعائر الدينية أمر ثابت، وممارسة الأفارقة للرقص لا تحتاج لتعليق. 

شواهد ودلائل قِدم المسرح الإفريقي التقليدي

هناك العديد من الشواهد التي دونها العديد من الرحالة والمؤرخين ضمن أعمالهم، تدل على مدى قدم نشأة هذا اللون الفني الدرامي التقليدي في إفريقيا.

فابن بطوطة ذكر هذه الدراما التقليدية في رحلته في القرن الرابع عشر الميلادي، وتعددت إشاراته إلى الرقص، والأقنعة، وإلقاء الشعر بطريقة تمثيلية، بل إنه روى عن سلطان مالي القديمة اهتمامه بالشعر والتمثيل، وكيف أنه شهد في مجلسه مطارحات ومدائح شعرية، كما شهد تمثيلية أسماها: (الأضحوكة).

كما أشار المستفرق الفرنسي ديلافوص إلى بعض نماذج لهذه الدراما في غربي القارة(2).

كذلك أشار الكاتب أولوداه أوكويانو، من جمهورية بنين بغرب القارة، في سيرته الذاتية المنشورة عام 1789م، أي بعد نحو خمسة قرون من رحلة ابن بطوطة، إلى تلك المظاهر الدرامية، حيث قال: «نحن نكاد نكون أمّة من الراقصين والموسيقيين والشعراء»، وبعد أن عرض لبعض الاحتفالات العامّة، في مملكة بنين القديمة، أشار إلى مشاهد الحياة الواقعية التي يمثّلها الشباب في تلك الاحتفالات، مثل «المآثر العظيمة، أو العمل الملحمي، أو القصة المحزنة»(3).

مثل هذه الشواهد القديمة يتضح منها، ويتأكد، مدى قِدَم وجود المسرح الإفريقي التقليدي وترسّخه في البيئة الإفريقية، ويتضح لنا مدى تنوّع هذا النوع الدرامي ما بين رقص، وغناء، وإلقاء شعر، واستخدام للأقنعة، بالإضافة لأنواع أخرى من الأداء الدرامي.

هذه الشواهد تدل أيضاً على أنّ المسرح الإفريقي التقليدي قدّم أشكالاً وأنواعاً من الأداء المسرحي؛ تتشابه بشكل أو بآخر مع أشكال الأداء الدرامي للمسرح الأوروبي الأصل، فإشارة ابن بطوطة إلى وجود الأعمال الكوميدية التي أطلق عليه اسم: (الأضحوكة)، وإشارة الكاتب الإفريقي أولوداه أوكويانو إلى أنواع أخرى من الأداء الدرامي كـ «القصة المحزنة، والمآثر التاريخية، والأعمال الملحمية» تستدعي المقارنة بين هذه الأنواع الدرامية الإفريقية التقليدية من ناحية، وبين الأنواع الدرامية الحديثة، كالملهاة والمأساة والملحمة، من ناحية أخرى، ما يدفع الباحث لإدراجها تحت نفس التصنيفات، أو على الأقل إدراجها بوصفها جذوراً وإرهاصات لها.



ثانياً: مظاهر المسرح الإفريقي التقليدي وتجلياته

من أهم تلك المظاهر ما يُعرف بـاسم: (الإنشاد)، حيث تُنشد جلائل أعمال الأسلاف والعظماء ومآثرهم، كما يوجد أيضاً نوع من العروض يُعرف بـ (المناظرات) الكلامية التي تدور عادة بين اثنين، مثل حدّاد القرية وقصّاصها، ويقوم الجمهور بدور الحكم، وينال الفائز مكافأة من الخاسر.

وهناك أيضاً ما يمكن أن يُسمّى بـ (مسرح العرائس)، وهو لونٌ من العروض المسرحية يُسمّى عند قبائل البامبارا في غرب إفريقيا باسم: (شدو الطير)، ويشبه الأراجوز عندنا، ويقال إنه منقول من شمال القارة، ولكنه معروف في السنغال، مثلما هو معروف في النيجر ونيجيريا، وغيرهما من أنحاء الغرب(4).

كذلك رصد بعض الباحثين عدداً من مظاهر الأداء المسرحي التقليدي وأشكاله في منطقة جنوب إفريقيا حين قال: «اتخذت الدراما في المجتمعات الناطقة بلغات (السوثو) و (النغوني) أشكالاً تقليدية، اقترنت بالمجتمعات الرعوية والزراعية في إفريقية، ولم تكن الفعاليات شبه المسرحية للطقوس الدينية التطور الوحيد، لكنّ أشكالاً أخرى مثل: (الانتسومي) لدى (الكسوزا)، و (الانكابنسكواني) (السرد الشعبي) لدى (الزولو)، و (الديبوكو) لدى (السوثو)، و (الايزيبونغو) لدى (النغوني)، قد احتوت هي الأخرى على عناصر درامية متطورة. وأسهم (البوشمن) و (الهوتنتوت) في صقل تجارب مسرحية فيها عناصر (المايم) والموسيقى، حتى إنّ (كريدو موتوا) و (هـ. آي. آي) قالا بوجود مسرحٍ ملحميٍّ متطور في المجتمعات التقليدية القديمة»(5).

وقد تناول معظم الباحثين مظاهر المسرح الإفريقي التقليدي وتجلياته في معرض حديثهم عن المسرح الإفريقي بشكلٍ عام، وتناولوها بشكلٍ موجز ودون تفصيل كبير، ولكننا نجد أنّ المؤرخ الثقافي إي. تي. كيربي E.T. Kirby يحدد بشيء من التفصيل سبعة أشكال أداء، تمثّل طرق الأداء النموذجية للمسرح الإفريقي، والتي تبيّن كيف أبدعت الغريزة الإنسانية أحداثاً مسرحية مميزة(6).





وهذه الأشكال المسرحية السبعة هي:

1 - عروض القصّ (الحكي):

يتميّز المسرح الإفريقي، القديم والحديث، إلى حدٍّ كبير، بتركيزه على الحكي أو رواية القصص، فالراوي أو «القاص» يتمتع بمكانة أساسية في العديد من عروض الأداء المسرحية الإفريقية، فمن المعتاد أن نجد أنّ «الجريو» girot، أو «المعالج»، الذي يرتجل قصةً ما بمصاحبة الغناء والرقص. وكثيراً ما يقلّد الرواي السمات الصوتية والجسدية لكثيرٍ من الشخصيات في قصته، على الرغم من أنه من حينٍ لآخر نجد الآخرين يتدخلون للقيام بدور  شخصيات معيّنة، وربما تميّز الأقنعة ونوع الملابس الشخصيات. وفي كثير من الأحيان يوظّف كتاب المسرح الأفارقة المعاصرون «رواة القصص» في أعمالهم الدرامية، وعلى سبيل المثال: نجد أنّ مسرحية (الموت وفارس الملك)(7) تُبرز بوضوح شخصية «منشد المدائح».

2 - العروض التمثيلية البسيطة:

يرتجل البوشمان عروضاً تمثيلية؛ يُعدّ صيد الحيوانات فيها بمثابة الحبكة الأساسية، فعلى سبيل المثال: يرتدي أحد الرجال خوذة مصنوعة من عصا متشعبة، ويجسّد دور الظبي، في حين يقوم بعض المقلدين الآخرين بقتله، وتقوم مجموعة من الصبية الصغار بتجسيد دور الكلاب التي تصاحب الرجال، وتعد رقصات الصيد هذه بمثابة عروض وظيفية (فهم يوفرون الطعام للقبيلة)، وروحية في ذات الوقت (حيث يعترفون بأعلى السلطات في الطبيعة)، وهناك عروض تمثيلية أخرى أكثر اجتماعية بشكلٍ واضح.

وهذه الأعمال الدرامية المرتجلة تمثّل الشكل الأساسي للمسرح، وهي أشبه بألعاب التقليد التي يؤديها الأطفال أثناء تعلّمهم لدورهم في المجتمع.

3 - العروض الطقوسية:

الطقوس الأفريقية غالباً ما تكتسي بهالة من السحر. وتوجد أمثلة عديدة على مثل هذا النشاط الطقسي في جميع أنحاء أفريقيا اليوم. فاللوجا Loga في وسط أفريقيا لديهم طقوس شعائرية مطولة يتم فيها استعراض المنتجات اليدوية الهامة عبر القرية بينما تنشد الأمثال. وتقود القرويين راقصة طوافة وتتجه بهم نحو كوخ شعائري تم تشييده خصيصا، ثم يقوم المشاركون بتسلق سقف الكوخ بينما تُنشد ثمانية أمثال. ويقع "السحر" عندما تُطرد الأرواح الشريرة من الكوخ وتتلبس الأرواح الخيرة أجساد اللوجا.

4 - عروض تقديس الأرواح:

يتمكن «الوسيط»، الذي يُعتقد أنّ الأرواح تتلبسه، من الاستيلاء على «الشخصية» أثناء شرودها، أو في لحظة عدم تمام وعيها، ويقوم «الوسيط»، الذي يرتدي أزياء لافتة ويتحدث بـ «لغة الأرواح»، بحركات وإيماءات غير معتادة، بحيث توهم بأنّ الروح، أو أنّ الإله نفسه، موجود في الواقع، ويحدث تفاعل درامي قوي بين الشخصية والجمهور، والجزء الأكبر من هذا التفاعل يكون مرتجلاً من قبل «الوسيط». وهذه العروض شائعة جدّاً بين الناس في غرب أوغندا، حتى إنّ العالم الأنثروبولوجي جون بيتي John Beattie يشير إليها تحت اسم: (المسرح الوطني التقليدي)، وفي بعض مجتمعات شرق إفريقيا نجد أنّ الروح التي تُدعى shave، والتي تُعرف عن طريق القميص الأبيض والقبعة والحزام، تتلبس العديد من الوسطاء، ويتميز طقس الشرود أو النشوة مع الأرواح بالشرب والرقص والحوار. وتجدر الإشارة إلى أن الرقيق الأفارقة جلبوا معهم عروض تقديس الأرواح إلى الأمريكتين، وعلى سبيل المثال: لا يزال الماكومبا Macumba في البرازيل يستخدمون عروض الأرواح في احتفالات الشفاء.

5 - عروض التنكر:

 تطورت عروض التنكر عن الاحتفالات التي كانت تقوم بها الجماعات والتجمّعات السرية لتكريم الموتى، والتي ربما لا تزال الشكل الأكثر تمثيلاً للمسرح الإفريقي الأصلي، وتتميّز عروض التنكر بالأقنعة المتنوعة والملونة، والأزياء الفضفاضة (التي غالباً ما تكون مصنوعة من الخوص أو العشب)، كما تتميّز بالرقص المفعم بالحيوية، وغيرها من أوجه التنكر وأشكاله، وفي كثير من الأحيان يقوم السرد الدرامي بالربط بين هذه الأنشطة، فحفلات التنكر لدى الإيبيبيوIbibio ترتجل عروضاً تمثيلية هزلية، وتعدّ الأزياء المستخدمة في الكرنفال في ترينيداد من بقايا تلك الحفلات التنكرية التي جلبها الرقيق الأفارقة إلى الأمريكتين.

6 - العروض الاحتفالية:

تجري العروض الاحتفالية، مثلها مثل العديد من العروض المسرحية الأصيلة الأخرى في إفريقيا، بمرافقة الغناء والرقص وقرع الطبول. ويحتفل الدوجون Dogon في غرب إفريقيا بمهرجان الموتى في كلّ عام، وفي هذا الاحتفال يتمّ ذكر مآثر الأجداد، وتجري طوال الليل معارك وهمية، ورقصات أكروباتية بهلوانية، واستعراض للأسلحة، وذلك بهدف تعليم الدوجون احترام ماضيهم، وتوقير أسلافهم، وقبول حتمية الموت.

7 - العروض الكوميدية:

لعل الأنشطة المسرحية الأقرب شبهاً للمسرحية، بالمعنى الذي نفهمه من هذا المصطلح، هي العروض الكوميدية التي تُؤدَى في الساحات المفتوحة في قرى العديد من القبائل الإفريقية، وربما تطوّرت هذه العروض عن العروض التمثيلية البسيطة، أو عن عروض التنكر، لتصبح مسرحيات ذات حبكة واضحة وشخصيات محددة.

وبرغم أننا لا يمكننا الجزم بحدوث التطور بهذا الشكل؛ فإنّ وجود مثل هذه المسرحيات القصيرة playlets الكوميدية تشير إلى العملية التي تطورت بها الدراما بمعناها الرسمي في جميع أنحاء العالم.

ومن قبيل الصدفة أنّ كثيراً من الشخصيات التي تظهر في هذه الكوميديات تعدّ نسخاً إفريقية للشخصيات الهزلية الشعبية التي وجدت في روما القديمة، وفي إيطاليا النهضة، وفي الأوبرا الصينية، وفي المسرحيات الهزلية اليابانية kyogen. ويقدم الشعب الناطق بلغة الماندي في غرب إفريقيا عروضاً كوميدية تصور الزوجة المخادعة، والزوج الساذج، والمحارب المتباهي، واللص المحتال، وعلى الرغم من أنهم يظهرون أمامنا في عروضهم مطليين بالطين أو بالرماد الأبيض، فإنّ ممثلي هذه القرية ليسوا أقلّ جاذبية لجمهورهم من الكوميديين الإيطاليين أو المهرج (تشو) من الأوبرا الصينية.

وتستخدم الأعمال الكوميدية الحوار، وفي كثير من الأحيان تستخدم الارتجال، وربما يرافقها المطربون والأوركسترا.

وغالباً ما يلعب الرجل دور المرأة، الأمر الذي نجده في كلّ أنواع المسرح بالعالم، خصوصاً في تلك الثقافات التي لا تسمح للمرأة بأن تمارس التمثيل.

وكما هو حال الكوميديا في كلّ مكان؛ نجد أنّ المسرحيات الإفريقية تصوّر الجوانب الاجتماعية لحياة القرية، ففي أحد الأعمال الكوميدية نجد الزوج يعمل في الحقل مع زوجته، ويقوم بحرق كومة من سيقان النباتات التي يختفي عشيق زوجته تحتها، وينتهي العمل بمطاردة هزلية.

ومثل جميع عروض الكوميديا الجيدة؛ فإنّ المسرحيات تكون موجهة «لإظهار التصدعات في المظهر الزائف للإنسان»(8)؛ بحسب عبارة والتر كير Walter Kerr.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه المظاهر والممارسات المسرحية لم تندثر؛ فلبعضها وجود في بعض المجتمعات الإفريقية حتى الآن، ففي السنغال لا يزال «الجريو» Griot أو «الراوي» يدور في أنحاء القرى والمدن، ويلتف حوله الجمهور في حلقة ليشاهدوه، وهو يروي ويغني ويعزف على قيثارته أحداث الحكايات والأساطير الإفريقية، ويقدّم ذلك بحركات راقصة وتمثيلية تناسب ما يرويه(9).

وكما يذكر جان بلييا فإنّ شباب الماندنج، في غرب إفريقيا، لا يزالون يقومون بالتعبير عن رغبتهم في الزواج من خلال عروض زاهية غنية بالإبهار، ويسخرون فيها من المتزوجين الذين يكبرونهم في السنّ.

كذلك فإنّ الرابطة التي تهتم بالشؤون الدينية عند اليوروبا ما زالت تعمل على تنظيم أعمال درامية مبنية على الطقوس التي تمجد بطولات الأجداد، بمضمون له شكل وصفي طريف، يؤديه بعض المهرجين واللاعبين بمهارة، ويرتدون الأقنعة التي تمثّل الحيوانات وشخصيات المجتمع اليورباوي(10).

وفي مالي يوجد نمط من أنواع المسرح الشعبي يُطلق عليه: (مسرح كوتيبا)، ينظّمه الشباب مرّة كلّ سنة، ويعطي لهم فرصة لانتقاد كبارهم، وهذه هي المناسبة الوحيدة في السنة التي يستطيعون فيها أن يفعلوا ذلك دون خطورة، فيجهرون برأيهم في المجتمع، ولا يستطيع الكبار أن يعارضوهم(11).

وفي شمال نيجيريا نجد ما يعرف بمسرح الأوو Owu الذي تقيمه جماعة نجواNgwa ، والإجو Ijo، وهو أشبه بمهرجان تمثيلي، يقدّم فيه أكثر من خمسة عشر عرضاً دراميّاً مختلفاً، يعتمد على التنكر بشكل كبير، وتمثل هذه العروض كلّ أرواح ومخلوقات النهر، وكلّ الرجال والحيوانات على الأرض، وتقوم بتوظيفها خلال تلك العروض، وتتضمن عروضاً تنكرية لكلٍّ من المعالج التقليدي والعراف owu dibia، والكائنات المائية الصغيرةowu wmuazu ، وأسماك القرش owu ofirima، والوحش صاحب رأس الكبش owu igirima، والفراشة owu utam، والتمساحowu aguiyi ، وعروس البحر owu mamiwota، والمتباهي owu nganga، وزعيم عروض التنكر owu mgbolo.

وتمثّل هذه العروض الدرامية كلّ ما يتصل بالحياة في النهر أو على الأرض، اللذين يمثّلان مصدر إمداد الشعوب بالطعام والبركة، وتقدّم هذه العروض مرّة واحدة كلّ ثلاث سنوات، وتستمر لمدة سبعة أيام، وخلال هذه الأيام السبعة يقوم الصيادون بصيد القرش والتمساح والوحش، ويتم قتلهم في اليوم السابع، وهكذا يتم عرض نضال هذه الجماعات من أجل البقاء عبر إعادة تمثيل الأسطورة، باستخدام العروض التنكرية والرقص والأداء التمثيلي، في حضور المشاهدين من أهل القرية والقرى المجاورة، ويتمّ كلّ ذلك وسط ساحة سوق القرية الفسيحة(12)، ولا يختلف الأمر في غالبية أنحاء إفريقيا عن ذلك، فلا تزال هذه المظاهر باقية في مثل حفلات الحصاد، والختان، والزواج، وغيرها من المناسبات. 



ثالثاً: سمات المسرح الإفريقي التقليدي:

يتميّز المسرح الإفريقي التقليدي بسماتٍ عديدة، تميّزه عن نظيره الحديث ذي الأصول الأوروبية، سواء من حيث المضمون والموضوعات التي تناولها، أو من حيث الشكل.

أ - من حيث المضمون:

يتميز المسرح الإفريقي التقليدي بارتباطه الشديد بالحياة اليومية، فهو يعبّر عن فرحة المجتمع وآلامه وهمومه وتطلعاته وآماله، ويشير فرانسواز ليجيه إلى مضمون الأعمال التي يتناولها المسرح التقليدي فيقول: «لقد قدّم المسرح كلّ ما يعبّر عن موروث هذه الشعوب، سواء في شكل رقصات أو ملاحم أو احتفالات شعبية، أو كلّ ما يدور في الحياة من مناقشات فارغة، ومواقف وأنماط مختلفة من الناس»(13).

ويتميّز هذا المسرح أيضاً بوجود الأساطير والحكايات التاريخية، والتي كانت تشكّل موضوعاته الأساسية(14)، وقد كانت معظم الأعمال تدور حول الأساطير والحكايات والخرافات والعادات والبطولات وأمجاد الأسلاف والأخلاق والسلوك(15)، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الأسطورة في المسرح الإفريقي رمزٌ للحياة، إنها أسلوب يعمل على تأكيد النظام الاجتماعي، وقد اعتمد المسرح الإفريقي على الأسطورة والمفاهيم الشائعة حتى يستطيع تحقيق استمراريته وفعاليته.

ويمكن تفسير ذلك بأن الأسطورة الإفريقية تعكس الشعور بالقلق، أو بالفرحة، أو الشعور بآلام المجتمع الإفريقي وآماله العميقة، إنها رمزٌ يثير ويوجّه الطاقة النفسية(16) لأفراد المجتمع؛ ليتمكنوا من متابعة حياتهم والاستمرار فيها وفقاً للتقاليد والعادات والقيم الموروثة عن الأجداد.

وثمّة سمة أخرى تميّز المسرح الإفريقي التقليدي، وهي الرمزية، وقد عبّر الشاعر الناقد الإفريقي الجنوبي مازيس كونيني عن تلك السمة في دراسة له بعنوان: (مدخل إلى الأدب الإفريقي)، حيث يقول: «إنّ التعبير الدرامي الإفريقي يعتمد على الرمزية... وقد تتخذ الرمزية أشكالاً متباينة وفقاً للتاريخ الثقافي لكلّ طائفة اجتماعية بالذات، ففي بعض الجماعات تُستخدم الأقنعة لتبرز المعنى وتلقي عليه الضوء، وللأقنعة نفسها لغة راسخة القواعد، بحيث يمثّل كلّ نمط من الأقنعة مجموعة من القيم»، ولكن هذه الرمزية ليست غامضة، وإنما هي من قبيل المجاز والإيحاء؛ حتى لا يكون التعبير فجّاً، خصوصاً في التراجيديا (المأساة) ذات الموضوعات الجادة(17).

ويشير د. علي شلش لبعض السمات الأخرى التي تميّز موضوعات المسرح الإفريقي التقليدي، فيذكر أنه كان واقعيّاً في معظمه، كوميدي النزعة، يخدم قضايا اجتماعية، ويتسم بطابع تعليمي، ولا ينكر المتعة والتسلية(18).

ب - من حيث الشكل وطريقة الأداء:

المسرح الإفريقي التقليدي قدّم هذه الموضوعات في شكل مشاهد وتابلوهات بسيطة، شديدة الاختلاط بالرقص والغناء والموسيقى في حوارها، شديدة الرغبة في مشاركة الجمهور.

وكانت عادةً ما تُقدّم في المناسبات الاجتماعية المختلفة، مثل البلوغ، والحصاد، وإعلان الحرب، مثلما تقدّم في أمسيات الحياة اليومية(19).

ويتميز المسرح الإفريقي التقليدي بعدد من السمات الشكلية التي تميّزه عن نظيره الحديث، ويشير بيشنس أومولولا Patience Omolola لبعضها فيقول: «يقدّم الفنانون التقليديون عروضهم في الأماكن العامة، ويكمن تفرد عروضهم في اعتمادها على الذاكرة، بالإضافة إلى استخدامهم للغة الجسد، وتوظيفهم للطقوس، إلى جانب مشاركة الجمهور»(20).

كذلك شكلت العرائس والأقنعة جزءاً من كيان المسرح الإفريقي التقليدي، فقد كان تقمّص شخصيات الأسلاف بارتداء الأقنعة ظاهرة واضحة في الشعائر الدينية لقبائل اليوروبا، كما أنه في التقاليد الدينية لقبيلة الإيبو، حيث يقوم المشتركون في احتفالاتها بتعديل هوياتهم عن طريق ارتداء الأقنعة والملابس المختلفة(21).

كما تميّز المسرح الإفريقي التقليدي بوجود كوريفيه (رئيس الجوقة)، وهو الذي يقود الحركة، يسانده في ذلك كورس، كما أنّ الجمهور الملتف حول مكان العرض المسرحي كان يشارك فيه، وهو بذلك يقوم بدور المشاهد والمؤدي(22).

ويعدّ الرقص إحدى السمات الشكلية البارزة للعروض الدرامية الإفريقية التقليدية، وهو غالباً ما يكون مصاحباً لكافة أنواع العروض الإفريقية، دينية أو اجتماعية، كأداء تعبيري، ووسيلة للبوح عمّا في النفس من مشاعر وأحاسيس، ويكاد ألا يخلو عرض درامي تقليدي من مواكبة الرقص له.

ويشير د. على شلش لبعض السمات الشكلية الأخرى للمسرح الإفريقي التقليدي، منها أنه: مسرحٌ مجاني للعاملين فيه والمتفرجين عليه، وأنّ الديكور فيه طبيعيٌّ يوحي بالبساطة والثقة، وأنه مسرح لا يعرف البهرجة والمغالاة في الأزياء، وإن كان للأزياء أهمية خاصة لأنها مرتبطة بالشعائر والأسلاف(23).

أما أسلوب التعبير وطريقته؛ فيرتكز غالباً على فكرة المكان الدائري، والذي يجمع ما بين الكلمة والغناء والحركة، وكانت هذه الطقوس والممارسات تتطلب بالطبع مكاناً وفضاء يأخذان مسحة مقدسة بوجود كاهن؛ حيث يُفترض وجود الآلهة، ولذا يجب أن يكون مكاناً يجتمع فيه حشد، وعادةً ما يكون ذلك المكان على شكلٍ دائري(24).

ويشير جيمس أمانكولورJames Amankulor  إلى سمةٍ أخرى مميزة، فالعروض التقليدية ربما تستمر لساعات معدودة كالعروض المعاصرة، وربما تستمر لأمسية كاملة أو ليوم، والمثير أنها قد تصل لأسبوع أو أكثر في بعض الأحيان، كما يحدث في عروض الأووOwu  التي يقيمها شعب نجواNgwa  والإجو Ijo في شمال نيجيريا(25).





رابعاً: وظائف المسرح الإفريقي التقليدي

يتميّز المسرح الإفريقي التقليدي بأنه مسرحٌ وظيفي في الأساس؛ ويشير د. علي شلش لبعض تلك الوظائف والأدوار، فيذكر أنّ المسرح الإفريقي التقليدي يعتبر مرآة للحياة متصلة بالطبيعة الكونية، وأنه يعدّ أداة للمحافظة على تقاليد الجماعة وقيمها، وأنه أداة تعليم وتثقيف(26)، ويقول الباحث عليون ديوب: «شكّلت العروض المسرحية التقليدية رابطة اجتماعية، وسلاحاً فكريّاً، ووسيلة للوعي الجماعي، وفي أحيان أخرى علاجاً، أو وسيلة قهر، حيث كانت عروض المسرح الأولى مستوحاة من العروض الدينية التي تخضع لها الجماعة»(27).

ويؤكد جان بلييا دور المسرح الإفريقي التقليدي في تشكيل الوعي الجماعي للجماعات الإفريقية قائلاً: «إنّ هذا المسرح يعكس بقوة الوعي الثقافي والسياسي والديني في هذا الوقت للشعوب الإفريقية»(28)، كما يؤكد بابا كار وظيفة المسرح الإفريقي التقليدي في التثقيف وتشكيل الهوية، والنظر إليه كأداة للحفاظ على وجود تلك الشعوب، فيقول: «كان المسرح الزنجي الإفريقي التقليدي ذا دورٍ بارز في التثقيف، وتحديد الهوية، والتكامل الاجتماعي، فقد كان المسرح في المجتمع التقليدي الإفريقي بمثابة «بلازما الوجود» لهذا المجتمع»(29).

ويمكن توضيح أهم الوظائف والأدوار التي يقوم بها المسرح الإفريقي التقليدي، التي أشار إليها الباحثون، فيما يأتي:

الوظيفة الدينية:

هي أقدم وظيفة قام بها المسرح الإفريقي التقليدي، وقد أشار إليها العديد من الباحثين، ومنهم جان بلييا حين قال: «ليس هناك مجال للشك في أنّ «إفريقيا التقليدية»، من السنغال إلى زائير، مروراً بمالي وساحل العاج وجمهورية البنين ونيجيريا، تقدّم عروضاً يختلط فيها التمثيل بالطقوس الدينية»(30).

الوظيفة الاجتماعية:

وربما تكون هذه الوظيفة إحدى أهم وأبرز وظائف المسرح الأفريقي التقليدي الذي لا ينفصل مطلقاً عام عن الحياة الإجتماعية، فمهمته هي توصيل ما يريد المجتمع التعبير عنه. فالمسرح هنا ليس مجرد ظاهرة ولكنه تعبير عن حياة الانسان، والإنسان لا معنى له، ولا يمكن تصوره خارج المجتمع. ومن سمات الإنسان الأفريقي ارتباطه الوثيق بمجتمعه، ولذلك نجد أن أفراد المجتمع يتشاركون سويا في مختلف المناسبات والاحتفالات الاجتماعية كالزواج ومراسم الدفن والبلوغ والختان ومواسم الحصاد ورحلات الصيد وأمسيات الحياة اليومية وغيرها من المناسبات. وتأتي الدراما لتعبر عن هذا الترابط وهذه الممارسات الحياتية.

الوظيفة التثقيفية والتعليمية:

وهي إحدى وظائف المسرح المهمّة، حيث يعرض القصص التعليمية والأخلاقية، والحكايات التاريخية عن الأبطال والأسلاف وبطولاتهم وأعمالهم الجليلة، بهدف توعية الجمهور، وتوجيهه نحو المبادئ والقيم والأخلاق النبيلة، من أجل ترسيخ الانتماء للجماعة العرقية، أو للقبيلة التي ينتمون لها، والاعتزاز بتاريخهم وماضيهم البطولي.

الوظيفة الترفيهية:

وهي وظيفة أساسية من وظائف العروض المسرحية والتمثيلية بشكلٍ عام، في الأمسيات الليلية، للتسلية والإمتاع.

الوظيفة العلاجية:

وهذه الوظيفة لا تتمتع بالانتشار والشهرة كباقي الوظائف السابقة، ويتم فيها توظيف بعض العروض الدرامية في العلاج، وبخاصة العلاج النفسي وطرد الأرواح الشريرة، وقد أشار عليون ديوب لأهمية هذه الوظيفة بقوله: «فضلاً عن كونه (المسرح الإفريقي التقليدي) وسيلة للترفيه، فعليه مهمات أساسية، أكثرها أهمية تتركز في أهدافه التعليمية والعلاجية»(31)، ومن أمثلة تلك العروض العلاجية طقوس (الزار) المعروفة في شرق إفريقيا عامّة، وفي إثيوبيا بشكلٍ خاص.



الخاتمة

«لقد وصل المسرح الإفريقي التقليدي إلى حدّ الكمال، مثله في ذلك مثل مدارس المسرح العريقة»(32)، بهذه الكلمات وصف الباحث السنغالي موريس سونار سنجور المسرح الإفريقي التقليدي، فهل يمكن قبول هذا الوصف المثالي للمسرح الإفريقي التقليدي؟

بالرغم من كلّ مميزات هذا المسرح التقليدي؛ فإنّ المسرحية باعتبارها شكلاً فنيًا مستقّلًا لم تصل إلى مرحلة متطورة كاملة في إفريقيا التقليدية(33)، وكذلك الحال بالنسبة للأداء المسرحي، ولذا لا يمكن القول بأنّ المسرح الإفريقي التقليدي قد وصل لمرحلة الكمال والمثالية، فعلى الرغم من ثرائه وتعدد وظائفه، وعمق وقوة تأثيره، فقد ظلّ مرتبطاّ بمجتمعه البدائي، وتوقف عند تلك الدرجة، ولم يتطور كنظيره الأوروبي الإغريقيّ الأصل.

وفي هذا السياق؛ لا يمكن إلقاء اللوم فقط على كاهل المجتمعات الإفريقية التي لم تنمّ وتطور مسرحها بشكلٍ مستمر ليصل لمرحلة النضج والكمال، بل إنّ هناك جزءاً كبيراً من المسؤولية عن إعاقة تطوّره يقع على عاتق الغرب وسياساته الاستعمارية، فقد حارب الاستعمار هذا النشاط الدرامي الاجتماعي وأعاقه عن التطور، واعتبره ممارسات متخلفة، وقام النظام الاستعماري، في معظم القارة، بفرض لغاته ونُظمه التعليمية وأحكامه القيمية، ومفاهيمه، وتصوراته الجمالية عن الأدب والمسرح، على جموع الطلاب والدارسين، وفرض أشكالاً ونماذج مسرحية غربية، مثل: موليير وشكسبير، عن طريق إحضار فرق مسرحية أوروبية من الفرق المتجولة، لتعمل على رفع التذوّق الفنّي للشعب الإفريقي وتعليمه اللغة الأجنبية(34)، وبذلك تم تبنّي المسرح الأوروبي بشكله وموضوعاته باعتباره الصورة المثلى والمثالية.

ومن ناحية أخرى، تبنت بعض المؤسسات والإرساليات المسيحية محاربة هذا اللون الدرامي وأعاقته وقامت بتشويهه ومحو الطابع الثقافي له، وأحلّت محلّه أشكالاً جديدة للتعبير، من الأعمال الدرامية المستوردة الشكل والمضمون، وفرضتها على الأفارقة بوصفها الشكل الأمثل للتعبير الدرامي، وبذلك تمّ إحلال مشاهد مأخوذة من التوراة محلّ الطقوس الإفريقية، في صورة عروض مسرحية، مثل قصة آدم وحواء– عليهما السلام-، ويوسف– عليه السلام- وإخوته(35)، ويفسر د. علي شلش لجوء الإرساليات في محاربتها للدراما التقليدية إلى الدراما الأوروبية التعليمية الحديثة والدينية بوجهٍ خاص، بأنها كانت تهدف من ذلك إلى امتصاص طاقة الإفريقيين الدرامية وحبّهم للدراما من ناحية، ونشر اللغات الأوروبية، وتدعيم عملية التحول إلى المسيحية من ناحية أخرى(36).  

وبرغم هذا التوقف؛ فإنّ المسرح الإفريقي التقليدي أدى دوراً كبيراً ومؤثّراً في نشأة الدراما الإفريقية الحديثة المكتوبة وتأسيسها، فقد كان، وما زال، نبعاً مهمّاً من منابع الدراما الحديثة التي نشأت واستوت على سوقها في مختلف أقطار القارة، سواء الدراما المكتوبة باللغات المحلية، أو الدراما المدوّنة باللغات الأوروبية.

ولا يزال كتّاب المسرح الأفارقة، في أرجاء القارة الإفريقية، حتى اليوم، يستلهمون من تراثهم وتقاليدهم الدرامية التقليدية التي لا تنضب الكثير من الموضوعات المتميزة، والأقوال المأثورة، والأمثال الموروثة، والشخصيات الفريدة، والصور والأخيلة، وأشكال الأداء المتعددة، الأمر الذي يمكّنهم من تقديم مسرحٍ يمتاز بطابعه الإفريقي الأصيل في إطارٍ مسرحيٍّ معاصر، يعيدون به اكتشاف ذواتهم الإفريقية، ويستعيدون به توازنهم المفقود خلال الحقبة الاستعمارية، ويؤكدون فيه هويتهم الإفريقية وقيمهم الإنسانية.



الإحالات والهوامش:

(*) أستاذ مساعد بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية – جامعة القاهرة.

(1) حسين، إلهامي (1977): "تاريخ المسرح"، سلسلة كتابك، عدد 151، دار المعارف - القاهرة، ص ص (5 – 6).

(2) شلش، علي (1979): "الدراما الإفريقية"، سلسلة كتابك عدد 100، دار المعارف - القاهرة، ص 25.

(3) شلش، علي (1993): "الأدب الإفريقي"، مرجع سابق، ص 100.

(4) شلش، علي (1993): "الأدب الإفريقي، مرجع سابق، ص 104. وكذلك شلش، علي (1979): "الدراما الإفريقية"، مرجع سابق، ص ص (22 - 23).

(5) انظر: "المسرح في جنوبي إفريقيا"، مقدمة ترجمة مسرحية "البقاء"، لمزيد من التفصيل راجع: سلسلة من المسرح العالمي، مسرحية "البقاء"، تأليف جماعة العمل الدرامي 71، ترجمة صخر الحاج حسين، العددان 310-311، يوليو – أغسطس 1998، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – دولة الكويت، ص ص (122 – 123).

(6) Michael L. Greenwald, Roberto D. Pomo and Roger H. Schultz (2000): "The Longman Anthology of Drama and Theatre: A Global Perspective", Addison Wesley Longman Publishers, New York, pp.1252.http://wiki.archmereacademy.com/sandbox/groups/bmanelskidrama03701/wiki/eb66a/attachments/bc713/African%20Theatre%20History.pdf?sessionID=f84622dc7584a0db5425494784f833894a71514

(7) تعد مسرحية "الموت وفارس الملك"Death and the King’s Horseman" " إحدى أشهر مسرحيات الكاتب النيجيري الشهير وول شوينكا، صاحب جائزة نوبل في الأدب لعام 1986، والتي صدرت في عام 1975عن دار نشر: اير ميتيون  Eyre Methuen بلندن. وقد تمت ترجمتها للغة العربية، ونشرت ضمن سلسلة من المسرح العالمي الصادرة عن وزارة الإعلام بدولة الكويت، العدد 218 لعام 1987م، ولمزيد من التفصيل راجع : وول سوينكا (1987): "الموت وفارس الملك"، ترجمة علي حجاج، سلسلة من المسرح العالمي، عدد 218، وزارة الإعلام – الكويت.

(8) Michael L. Greenwald, Roberto D. Pomo and Roger H. Schultz (2000): "The Longman Anthology of Drama and Theatre: A Global Perspective", Op. Cit. ,pp. 1252-1253.(9) شلش، علي (1979): "الدراما الإفريقية"، مرجع سابق، ص 19.

(10) بلييا، جان (1995): "دور المسرح في التنمية الثقافية في إفريقيا"، في "قضايا المسرح الإفريقي: مجموعة أبحاث (1995): ترجمة فيفي فريد، الطبعة الثانية، أكاديمية الفنون– وحدة الإصدارات، مسرح (5) - القاهرة، ص 16.

(11) الخضر، عبد الباقي: "المسرح الإفريقي... لحظات من الانطلاق". http://www.startimes.com/?t=9587372

(12)  Amankulor, James Ndkukaku (1976): "Traditional Black African Theater", Ufahamu- Journal of African Studies,   University of California ,Volume 6, Issue 2, 1976.pp.34-35.https://escholarship.org/uc/item/62h239n3(13) ليجيه، فرانسواز (1995): "المسرح الإفريقي والمسابقات المسرحية بين الدول الإفريقية"، مرجع سابق، ص 146.

(14) سنجور، موريس سونار (1995): "المسرح السنغالي"، في "قضايا المسرح الإفريقي: مجموعة أبحاث (1995): ترجمة فيفي فريد، الطبعة الثانية، أكاديمية الفنون – وحدة الإصدارات، مسرح (5) - القاهرة، ص 33.

(15) شلش، علي (1993): "الأدب الإفريقي"، مرجع سابق، ص 101. وكذلك بلييا، جان (1995): "دور المسرح في التنمية الثقافية في إفريقيا"، مرجع سابق، ص 16.

(16) ديوب، عليون أونج (1995): "تأملات حول المسرح الإفريقي قبل الاستعمار المعاصر"، مرجع سابق، ص ص (104 ، 105).

(17) شلش، علي (1979): "الدراما الإفريقية"، مرجع سابق، ص ص (23 – 24).

(18) شلش، علي (1993): "الأدب الإفريقي"، مرجع سابق، ص 101.

(19) شلش، علي (1993): "الأدب الإفريقي"، مرجع سابق، ص 101. وكذلك بلييا، جان (1995): "دور المسرح في التنمية الثقافية في إفريقيا"، مرجع سابق، ص 16.

(20) Omolola, Patience (2006): "Traditional African Theater: The Case Study of The Gambia and Senegal", Performing Language: International Conference on Drama and Theatre in Second language Education, February 3rd - 5th, 2006, University of Victoria - CANADA.http://web.uvic.ca/~hnserc/IAPL/en/conference/pre/abpre/200616.pdf(21) انظر: مقدمة ترجمة مسرحية "هرج ومرج في المنزل"، بقلم نايف خرما، ص 5، لمزيد من التفصيل راجع: سلسلة من المسرح العالمي، مسرحية "هرج ومرج في المنزل"، تأليف كويسي كاي، ترجمة نايف خرما، العدد 199، أبريل 1986م، وزارة الإعلام - الكويت، ص 5.

(22) سنجور، موريس سونار (1995): "المسرح السنغالي"، مرجع سابق، ص 33.

(23) شلش، علي (1979): "الدراما الإفريقية"، مرجع سابق، ص 21.

(24) ديوب، عليون أونج (1995): "تأملات حول المسرح الإفريقي قبل الاستعمار المعاصر"، مرجع سابق، ص 104.

(25)  Amankulor, James Ndkukaku (1976): "Traditional Black African Theater", Op. Cit., p. 35.https://escholarship.org/uc/item/62h239n3(26) شلش، علي (1993): "الأدب الإفريقي"، مرجع سابق، ص 104. وكذلك شلش، علي (1979): "الدراما الإفريقية"، مرجع سابق، ص 23.

(27) ديوب، عليون أونج (1995): "تأملات حول المسرح الإفريقي قبل الاستعمار المعاصر"، مرجع سابق، ص 104.

(28) بلييا، جان (1995): "دور المسرح في التنمية الثقافية في إفريقيا"، مرجع سابق، ص 16.

(29) با، بابا كار (1995): "المسرح الزنجي الإفريقي ونظام ثقافي جديد"، في "قضايا المسرح الإفريقي: مجموعة أبحاث (1995): ترجمة فيفي فريد، الطبعة الثانية، أكاديمية الفنون – وحدة الإصدارات، مسرح (5) - القاهرة، ص 172.

(30) بلييا، جان (1995): "دور المسرح في التنمية الثقافية في إفريقيا"، مرجع سابق، ص 16.

(31) ديوب، عليون أونج (1995): "تأملات حول المسرح الإفريقي قبل الاستعمار المعاصر"، مرجع سابق، ص 105.

(32) سنجور، موريس سونار (1995): "المسرح السنغالي"، مرجع سابق، ص 33.

(33) انظر: "حول الأدب المسرحي الإفريقي"، مقدمة ترجمة مسرحية "الموت وفارس الملك"، لمزيد من التفصيل راجع: سلسلة من المسرح العالمي، مسرحية "الموت وفارس الملك"، تأليف وول سوينكا، ترجمة علي حجاج، العدد 218، نوفمبر 1987، وزارة الإعلام - الكويت، ص 6.

(34) بلييا، جان (1995): "دور المسرح في التنمية الثقافية في إفريقيا"، مرجع سابق، ص 17.

(35) بلييا، جان (1995): "دور المسرح في التنمية الثقافية في إفريقيا"، مرجع سابق، ص 17.

(36) شلش، علي (1993): "الأدب الإفريقي"، مرجع سابق، ص 100.


--------------------------------------------------------
المصدر : قراءات أفريقية 

مسرحية "كان ياما كان في حلم" ..جمالية رسمت في أذهاننا حية في ذكرى رحيل الفنان الكبير خليل شوقي ..

الأحد، 18 يونيو 2017

حوار مع الفنان المخرج غنام غنام عن رائعته المسرحية (سأموت في المنفى)

مجلة الفنون المسرحية

 حوار مع الفنان المخرج غنام غنام عن رائعته المسرحية (سأموت في المنفى)

حاوره – عبد العليم البناء 


المخرج غنام غنام : في هذا العرض أقدم مرافعة تنعش أرواح الناس وتخيف الأعداء
*هذه هويتي المسرحية والفكرية والسياسية هذا ما يجب أن يكون لأكون جديراً بكوني فناناً فلسطينياً عربياً
*أنا ابن الفرجة المسرحية / الفرجة الشعبية/ الحلقة/ الجلسة من عام 1992 وابن (مسرح لكل الناس)
*المعالجة الدرامية خرجت بالنص من (سردية أدبية) إلى (سردية مسرحية تتواشج مع الفعل الدرامي)

قدم الفنان الفلسطيني غنام غنام مؤخرا وفي أكثر من بلد وقاعة مسرحيته المونودرامية المثيرة للجدل بعنوان "سأموت في المنفى"، وكانت من تأليفه وإخراجه وأدائه ، وتميز العرض بعدم اعتماده على تقنيات المسرح التقليدية، بل فقط على أداء الممثل بمرافقة كرسي متعدد التحولات، دون استخدام إضاءة أو صوتيات أو منصة للمسرح. وقدم غنام خلال العرض جوانبا من حكايته الشخصية وحكايات والده واخوته بالتوازي مع التاريخ الفلسطيني، والأسئلة المربكة عاطفيا التي تسببت بها نكبة فلسطين تجاه مصطلحات الإنسان الذي يعيش في المنفى، معتبراً نفسه "بدل فاقد" للإنسان الذي كان يجب أن يعيش حياة عادية على أرضه .الفنان والكاتب والمخرج غنام صابر غنام المولود في اريحا عام 1955 ،عضو نقابة الفنانين الأردنيين شعبة الإخراج ، ورابطة الكتاب الأردنيين ، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ،وعضو مؤسس في الهيئة العربية للمسرح / المقرر للمجلس التنفيذي الأول ، ورئيس مكتب الأردن/ الهيئة العربية للمسرح ، وعضو مؤسس في فرقة المسرح الحر، ورابطة مسرح بلا حدود – رماح ،ولديه مؤلفات وبحوث ودراسات أدبية ومسرحية عدة ،وسبق أن قدم العديد من الاعمال المسرحية ممثلا ومؤلفا ومخرجا ،إضافة لتأليف الأعمال التلفزيونية الدرامية والوثائقية ، وحاصل على جوائز عدة في التأليف والإخراج والسينوغرافيا ، ومن أشهر اعماله جماهيريا مونودراما (عائد من حيفا) ، المأخوذة عن رائعة الراحل غسان كنفاني ، ويشغل الان منصب مسؤول الاعلام والنشر في الهيئة العربية للمسرح في الشارقة. معه كانت هذه الجولة من الحوار الذي يجرى للمرة الأولى في الصحافة العراقية، وانفردت به جريدة (المواطن) العراقية ، وتوقف عند الابعاد الفكرية والجمالية والإنسانية والوطنية والفنية ،لمسرحيته (سأموت في المنفى) التي انتجت ردود أفعال مهمة شكلاً ومضموناً:

*ما الذي تنطوي عليه المسرحية من فكرة أساسية وكيف تمت معالجتها دراميا ؟
- تنطوي المسرحية على تقديم جوانب من السجل العائلي والشخصي والتي تمثل إنموذجاً لمعاناة الفلسطينيين الذين شردوا وهجروا من بلادهم إلى المنافي إضافة إلى المسارات السياسية التي حاولت طمس الهوية الفلسطينية، وتقع هذه السجلات في الفترة من 1920 وحتى اللحظة التي يتم فيها العرض. وكما تلاحظ أنها سيرة أناس عاديين كما يبدو للوهلة الأولى ، لكنك تكتشف حجم المعاناة والبطولة التي يمثلها هؤلاء العاديون في سجل القضية الفلسطينية، هذه السجلات التي تسردها البيانات السياسية لا الاتفاقات، إنها سجلات الأسئلة الوجودية و المصيرية، والتي اعتادها الإنسان، لذا لم تعد تبدو له بهذا العمق، لكن عندما تراها خلال المسرحية تكتشفها مجددا وتعيد ترتيبها، وتعيد كتابتها على سجلك الشخصي، وتتحسس رأسك وهويتك، ترى مكان موتك وما سيكتب على شاهدة قبرك. إن تحويل السجل الشخصي إلى شأن عام و موضوع لعمل مسرحي، قد أخذ مني وقتاً من الإنضاج يصل إلى سنوات من 2011 إلى 2016، والعمل على الفعل المسرحي و الأداء والإخراج استمر سبعة أشهر، لكي أتطهر من الألم الذي يسببه العمل على السجل الشخصي، ولكي أصبح مصباحاً يضيء سجل المشاهد الشخصي (سواء) كان هذا المشاهد فلسطينياً أم غير فلسطيني، عالي التعليم والثقافة أم بسيطاً عادياً، من أصحاب التجربة الثورية أم من أؤلئك الذين خافوا العمل الثوري والسياسي وتجنبوه. إن المعالجة الدرامية خرجت بالنص من (سردية أدبية) إلى (سردية مسرحية، تتواشج مع الفعل الدرامي) في تقاطع وتواز وتماهٍ وتكامل ضمن انتقالات مدروسة من صيغة المخاطب، إلى صيغة المتكلم، إلى صيغة نائب الفاعل، إلى صيغة الحكواتي الراوي، وهنا استعير من اللغة والقواعد والنحو تسميات لحالات وتحولات البناء الدرامي.

*لو توقفنا عند الاسم (سأموت في المنفى) الذي يحمل ربما اكثر من دلالة لعل أبرزها نبوءة استحالة العودة الى فلسطينك الأرض والجذر والهوية.. 
-عندما أعلنت في مطلع 2016 أنني سأبدأ العمل على مونودراما (سأموت في المنفى – بدل فاقد) وردتني رسائل كثيرة من الأصدقاء و الأهل وهم يعلنون أن العنوان صادم، وفيه من اليأس الذي لا يليق بي، و أنه فأل شؤم على أننا لن نعود لفلسطين، وكان جوابي بشيء من المداعبة الساخرة : حسنا سأغير الإسم إلى سأعيش في المنفى.. وحينها كنت أعلم أن المفارقة تصدمهم أكثر، فالعيش في المنفى أكثر ألماً من الموت في المنفى، وهو ليس تشاؤماً من العودة، بل هي حقيقة لأن مشوار العودة طويل، وطريقها صعب، ولكن هذا لا يعني أن لا (أدق جدران الخزان) كما أراد كنفاني في رجال في الشمس، أنا بهذه الصرخة أتحدث عن الحياة، حياة من ماتوا، حياة من ما زالوا على قيد الأمل بالعودة... لذا فإن المشهد الأخير في العمل هو مشهد جنازتي المفترضة.. وهو مشهد ساخر بامتياز، وأختمه بسؤال صادم مجدداً (عندما أموت.. من الذي يموت فعلاً، غنام بدل الفاقد، وإلا غنام الأصلي؟) بالمناسبة فإنني أفتح المجال أمام المشاهد ليقول حكايته بعد أن أنتهي من العرض، أي أتحول لمشاهد، فيما يصبح المشاهد هو اللاعب المؤدي.. وقد سرد المشاهدون في معظم العرض صفحات من دفاتر كانت مخبأة في صدورهم.
*اذا كان الامر كذلك فما الذي دعاك لجعلها من نوع المونودراما ؟
- إن اختيارات العرض الفنية والتقنية تنبع بداية من تفاعل المخرج مع النص، دعني أؤكد أن غنام المخرج يتعامل بعقلية أخرى منفصلة عن غنام المؤلف (شيزوفرينيا إيجابية) وحيث أن النص الأصلي كان سرد تداعيات، فقد ذهب غنام الكاتب المسرحي لتحويله إلى نص مونودرامي، وحين تناول غنام المخرج النص وبدأ العمل عليه إخراجياً، غير وبدل وقدم وأخر وأزال وأضاف، وبعد تمرين ستة أشهر تقريباً كانت الخطة التي عمل عليها غنام المخرج والتي تتضمن التصور السينوغرافي الذي يحتوي على قطع ديكور وإكسسوار ومؤثرات وموسيقى وخطة إضاءة، كلها تتغير و تتبدل وتسقط كل المتطلبات التقنية والديكورات والاكسسوارات، كلها انتفت فنياً، لأن العمل فرض أن يكون متخففاً من كل ذلك لذلك قلت في وقت سبق ظهور العمل أنه (عرض ببعدين) (2D ) البعد الأول (اللاعب والمتلقي) والبعد الثاني (الحكاية) وهي حكاية الجميع، وأشير إلى الشيء الذي لم يتغير حتى حينه هو أن العرض يقدم في حلقة أو جلوس يحيط باللاعب سواء كان دائرياً أم مضلعاً، حسب الفضاء الذي لن يكون (خشبة مسرح).عند اقتراب العرض من انتهاء تدريباته، صرت أحس في التمارين أن هناك شخصية أخرى (و هي شخصية حقيقية مثل شخصيتي) ألا وهو واحد من أبنائي في المسرح (سليمان زواهرة) هذه الشخصية صارت تتواجد في مخيلتي أثناء التمرين، وهو أحد شركاء بعض الأحداث التي تقوم عليها المسرحية أصلاً، كان يظهر لي دون سواه، فقررت وقد أنهيت تجهيز المونودراما أن أجهز نسخة أخرى هي الدويتو دراما، و قد قطعنا مشواراً فيها، و ستكون جاهزة أيضاً ، حيث يمكن لي أن أقدم أي الصيغتين على حد سواء.

* جمعت بين التأليف والتمثيل والإخراج فلم تكن لك خيارات أخرى ما السر في ذلك؟
- من قال بأنه لم يكن لدي خيارات أخرى؟ دوماً هناك خيارات متاحة، كأن تأتي بممثل ليلعب الدور، أو تتفق مع مخرج ليقوم بالإخراج، لكن أن أختار كوني مؤلفاً ومخرجاً ولاعباً فهو خيار فني تماماً، وبالمناسبة كثيراً ما كنت ممثلاً لنصوصي، وكثيراً ما كنت ممثلاً ومخرجا لأعمالي سواء من تأليفي أو من تأليف غيري، وأذكرها من البداية لطرح نفسي مؤلفاً على مستوى المسرح الاحترافي كنت مؤلفاً وممثلاً في (اللهم اجعله خيرا) مع فريق مكون من سبعة فنانين حيث كان العمل من إخراج جبريل الشيخ لفرقة موال، كما كنت معداً ومخرجاً وممثلاً إلى جانب حوالي 20 فناناً في (الجاروشة) عام 1991، وكذلك معداً ومخرجاً وممثلاً في (من هناك؟) مع ثلاثة من الفنانين عام 1992، ومؤلفاً ومخرجاً وممثلاً إلى جانب أربعة فنانين في عنتر زانه والنمر، ومؤلفاً وممثلاً إلى جانب عشرة فنانين في (الزير سالم) من إخراج محمد الضمور عام 1994، و هكذا أيضاً في البحث عن نوفان وحياة حياة مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً، وقد كنت ممثلاً في عائد إلى حيفا (مونودراما) من إخراج يحيى البشتاوي عام 2009، إذن أنا ممثل ورصيدي في التمثيل لا يقل أهمية عن عملي كمؤلف وكاتب. وقد أوردت في إجابة السؤال السابق أن خياراً فنياً آخر وقع لسأموت في المنفى ستكون جاهزة كعرض ثنائي.

* من الملاحظ أيضا أن العمل خلى من عناصر مهمة كالديكور والاضاءة وغيرها باستثناء الكرسي في قصدية مباشرة امتدت الى اقصاء خشبة المسرح التقليدية واقتحام او اشراك الجمهور في اللعبة المسرحية ..
- نعم، هو ما تشير إليه، و لكي اؤسس مرجعيتي لمن لا يعرف تجاربي السابقة، أنا ابن الفرجة المسرحية / الفرجة الشعبية/ الحلقة/ الجلسة من عام 1992، انا ابن (مسرح لكل الناس) البيان الذي أصدرناه عام 1992 على هامش مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وقدمت العروض الخارجة على الخشبة الإيطالية في ما يزيد على عشرة عروض، وقد عرضت بعضها على الخشبة لأثبت أن العرض الفرجوي يمكنه أن يكون على الخشبة بسهولة، ولكن لا يمكن لعرض الخشبة أن يكون في حلقة فرجوياً. من هذه العروض، من هناك؟، عنتر زمانه والنمر، معروف الاسكافي، آخر منامات الوهراني، غزالة المزيون، فصيلة على طريق الموت.. و قد أصدرنا عام 1994 بيان الفرجة، و أنا أعمل على مسرح الجلسة في الشارقة منذ عام تقريباً. لذا فإن الكرسي الذي أشرت إليه كنت قد صممته لأقوم بتفصيله بحيث يؤدي أكثر من مهمة دلالية، لكنني تخليت عن هذا أيضاً و استعضت عنه باي كرسي من كراسي الجمهور، و هكذا أكون قد تخلصت من كل الزوائد، و أصبحت ضمن تطبيق (2 D or not 2 D ) وحين يكون أصل تصميم العرض هو هذا يكون الحضور/ الجمهور/ المتلقي (سمه ما شئت) مكوناً أساسياً في العرض، شريكاً عضوياً.

* العرض قدم داخل وخارج الأراضي الفلسطينية وفي أكثر من بلد عربي هل أجريت تغييرات شكلية ومضمونية ؟ ولماذا ؟
- من حسن حظي أن رحلة هذه العروض بدأت من مدن فلسطين، فقد عرضت ستة عروض في فلسطين بحضور من شرائح وطبقات مختلفة، خاصة من أهلي في المناطق المحتلة منذ 1948، وإن عرضاً كعرض مخيم الدهيشة بحضور عشرات من أمهات الشهداء من المؤكد أنه عرض استثنائي بالنسبة لي، كما عرضت في الدوحة / قطر، وعرضت في الأردن ( العروض من بداية إبريل نيسان وحتى نهاية شهر حزيران يونيو بلغت اثني عشر عرضاً، وسيكون هناك عروض في المغرب في الشهر القادم، وهناك دعوات من مصر وسوريا و العراق وتونس والبحرين، وهناك عشرة عروض مطلوبة في الأردن حتى الآن خلال هذا العام ، وأؤكد أن كل هذه العروض تتم حسب ما تم تصميم المسرحية عليه، دون تغيير في الشكل و المضمون، و لكن لاحظ أن الحضور من الجمهور يمكن أن يغيروا في التفاعل، كما حدث بوجود فنانين كبيرين هما عبد الحليم أبو حلتم و كمال خليل و كذلك عازف عود هو نور الأطرش والذين قدموا ارتجالات داخل العرض، وقد يتدخل شكل المكان في تريب وضع حضور المتلقين، لكنه لا يغير روح العلاقة معهم.إ ن هذا التمسك بمقومات منظومة العرض هو جزء من رسالة العرض الجمالية والفنية والفكرية، وإن أي تغيير يجب أن لا يغيبها بل يجب أن يدخل في منظومة العرض.

* نسبة الى الابعاد الفكرية والفنية والجمالية ما الذي كنت تراهن عليه في خطاب هذا العرض ؟
- لقد وضحت في اجاباتي السابقة جزءًا هاماً من الأمور التي راهنت عليها في هذا العرض، وأضيف إلى أن القيم الجمالية تعتمد على تفعيل خيال المشاهد وتشغيل مخيلته، لذا فإن مناظر المشاهد (التي يتخيلها كل مشاهد بطريقته و حسب مرجعيته المعرفية) تنتج مجموعة لا متناهية من المناظر التي يساهم بها عقل المتلقي، أما من الناحية الفنية فإن رسالة الفرجة مستمرة وقادرة على التفاعل مع المكان و الإنسان، أما الناحية الفكرية فإن التأسيس لإعادة إنتاج الملفات الحياتية للشعب الفلسطيني وقد صار هناك ما يشبه هذه السجلات في حياة شعوب عربية عدة، وتحويلها إلى رايات رأي و منارات طريق لغد أفضل أقرب للحرية و الكرامة هو ما يتحقق في هذه العروض، فعندما تبكي محامية كبيرة أو أديب كبير أو فنان كبير، و عندما تكون هي نفس اللحظة التي تبكي عجوزاً في الثمانين من عمره، وعندما يضحك كل هؤلاء في نفس اللحظة، ومن ثم يغنون نفس الأهزوجة، فإن الهدف متحقق، وعندما يطلب فلسطيني رمته المنافي ليكون إيطالياً ويطلب من منظم الحفل بعد متابعة عرض سابق أن يضع له كرسياً فارغاً يضع عليه إشارة بصفته (مغترب، مهجر، منفي) فإن الجانب الفكري يكون قد تحقق أثره. قال درويش عن الشهداء الذين يصعدون إلى حتفهم باسمين، وعن خوف الأعداء من الأغنيات، وخوف الأعداء من الذكريات.. إنني في هذا العرض أقدم مرافعة تنعش أرواح الناس وتخيف الأعداء.
* كلمة أخيرة..
- علينا أن لا نساهم في زيادة الفقدان والبعد وضياع الهوية، بل علينا أن نقوم بطرد الشوائب عنها، وترسيخها، فمن أنت دون هويتك؟ وهذا لا يعني الهوية السياسية فقط، بل والفنية، وهكذا .. هذه هويتي المسرحية و الفكرية و السياسية، هذا ما يجب أن يكون، لأكون جديراً بكوني فناناً فلسطينياً عربياً.

---------------------------------------------------------
المصدر : جريدة المواطن 

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption