مسرحية "نساء طروادة"
مدونة مجلة الفنون المسرحية
يخاطبنا الكورس، في مسرحية "نساء طروادة"، عن الرعب الناجم عن الحرب. كلماتهن وإيماءاتهن ودموعهن، تبين لنا بكل جلاء أن الحرب شيء مدمر، مؤسف، ومأساوي.
بعد قتال استمر عشر سنوات، سقطت مدينة طروادة في قبضة الإغريق، ولم تنج من الموت سوى النساء. لقد بين لنا يوريبيديس بدون أدنى شك، أن الذين يقاسون الأمرين من ويلات الحروب أكثر من غيرهم، هم الأبرياء الذين لا حيلة لهم في الأمر.
مسرحية "نساء طروادة"، هي صوت احتجاج صارخ، رافض للحرب والقتل والعنف، بالغ الحساسية، ارتفع عاليا منذ مئات من القرون الماضية، كتبها أحد عظماء التراجيديا الإغريقية، يوريبيديس. صوت احتجاج رائع، ندر وجوده قديما أو حديثا، في أي زمان أو مكان. بالرغم من أنه إغريقي، إلا أنه كان يقف في صف ضحايا الإغريق.
كاساندرا، أصغر بنات الملكة هيكوبا، بات اسمها مرادفا لكل شخص متشائم، يتوقع الخراب والدمار، لكنه لا يؤمن به. في المسرحية، تنبأت كاساندرا، بالكوارث والمصائب التي سوف تصيب عائلة ملك الإغريق، أجاممنون.
هذه الكوارث، ظهرت أيضا في أعمال تراجيديا إغريقية أخرى. مثل تراجيديا "ثلاثية أوريستيان" لإسخيليوس، وتراجيديا "إفيجينيا" ليوريبيديس، مؤلف هذه المسرحية التي نعرضها هنا.
يوريبيديس في هذا العمل، كان شغوفا بقصة دمار طروادة، ومصير الذين نجوا من الموت والخراب بعد الحرب.
• المسرحية بأسلوب مبسط:
أبطال المسرحية"
هيكوبا، ملكة طروادة
كاساندرا، ابنة هيكوبا
أندروماكا، زوجة ابنة هيكوبا
أستياناكس، حفيد هيكوبا
تالثيبيوس، رسول الإغريق
رئيسة الكورس، إمرأة من نساء طروادة
الكورس، مكون من نساء طروادة
جنود
***
هيكوبا: ارفعي، ارفعي، أيتها النفس البائسة رأسك عاليا، ولا تنكسيها إلى الأرض. واجهي الحقيقة واعترفي أن طروادة لم يعد لها وجود، وأن أسرة طروادة الملكية، صارت منكوبة. الحظ متقلب، فتجلدي وتحلي بالشجاعة.
يجب أن أسبح مع التيار في اتجاه رياح القدر. واحسرتاه، أنا أبكي. لكن، لماذا لا أبكي في محنتي وبؤسي؟ لقد ضاع وطني. وراحت أطفالي وفقد زوجي. كيف تستطيع هذه الأرض القلقة، حمل أحمالي الثقيلة؟ آه، أيتها السفن الإغريقية. يا من عبرتم عباب المالح القرمزي، وفي خليج طروادة ألقيتم مراسيكم. حالا سوف تحملونني إلى العبودية. نعم، إمرأة عجوز مثلي. آه، يا نساء طروادة، دعونا نبكي معا.
باتت مدينة طروادة خرائب متناثرة، أبدا لن تبعث من جديد. سأقودكن، يا نساء طروادة، وأنتن ترتلن لحن الأسى والأسف. آه، كم اختلفت أغنياتي الآن عن ذي قبل. بعد أن كنت أغني للآلهة أغنيات جميلة جذلة، وأعطي شارة البدء للراقصات لتمجيدهم.
(تدخل رئيسة الكورس)
رئيسة الكورس: هيكوبا! سمعت رثاءك الحزين، يتردد عبر الخيام. الخوف من العبودية يجعل نساء طروادة ترتعد فرقا. لماذا النواح بمرارة؟ هل اقترب أجل إحدانا؟
هيكوبا: يا بنتي، مجاديف بحارة الإغريق تعكر صفو النهر.
رئيسة الكورس: واحسرتاه على نفسي! ماذا تعنين بذلك؟ هل تعنين أنه قد حان الوقت، لكي تحملني السفن بعيدا عن وطني؟
هيكوبا: لا أدري، ولكنني أتوقع الأسوأ.
رئيسة الكورس: يا نساء طروادة الحزينات، تعالين واسمعن خبر موتكن. أخرجن من الخيام. الإغريق يستعدون للإبحار والعودة إلى بلادهم.
هيكوبا: من فضلك، لا تخرجي المتوترة كاساندرا من خيمتها، حتى لا تلقى المزيد من صلف وإهانات الإغريق. من فضلك، لا تضيفي حزنا إلى حزن. يا مدينة طروادة، يا ذات الحظ العاثر، هذه هي نهايتك. حظ عاثر لمن تسبب في هزيمتك، سواء كان حيا أو ميتا.
(تدخل بنات الكورس)
الكورس: نحن، بالخوف والرعب نترك خيامنا لكي نستمع إلى ما تقولين. أيتها الملكة، هل أخذ الإغريق قرارهم وبان عزمهم؟ وهل يعني هذا موتنا، أم يعني أن الإغريق فقط يعدون مجاديفهم للعودة؟
هيكوبا: يا أولادي، أنا هنا منذ انبلاج الفجر، قلبي يتمزق وأعاني من الفزع والإغماء.
الكورس: هل جاء رسول الإغريق الآن؟
هيكوبا: ساعة توزيع الحصص تبدو أنها اقتربت.
الكورس: أيتها الملكة هيكوبا، إلى أي الجزر سيأخذوننا؟ التعساء منا هن اللاتي يرسلن بعيدا عن مدينتنا طروادة.
هيكوبا: واحسرتاه على نفسي! أي جارية تعسة سوف أمسي؟ وعلى أي أرض سوف تكدح هذه المرأة العجوز، عديمة الفائدة كالأزيز، واهنة كالخيال. هل ستقف على العتبات لكي تحرس الأبواب، أم تصير مربية ترعى الأطفال؟ ما أشقاني! أنا التي كانت طروادة تجلها وتبجلها يوما كملكة للبلاد!
الكورس: واحسرتاه! نحيبك يا له من نحيب بائس!
المرأة 1: لن أقوم بعد اليوم باستخدام نول طروادة.
المرأة 2: لآخر مرة، أقوم بزيارة قبر والدي، آخر مرة.
الكورس: أنظرن، هنا يحضر رسول من جيش الإغريق. فأي الأخبار يحمل؟ وما عساه أن يخبرنا؟ وما أهمية ذلك؟ فما نحن إلا جواري للإغريق!
(يدخل تالثيبيوس الرسول)
تالثيبيوس: هيكوبا، تعرفين أنني قمت برحلات عديدة إلى مدينة طروادة كرسول لجيش الإغريق. هذا يجعلني على دراية بموقفك. أنا تالثيبيوس، أعلن هنا آخر الأنباء.
هيكوبا: هذا يا نساء طروادة. هذا ما كنت أخشاه منذ البداية.
تالثيبيوس: توزيع الحصص قد حدث بالفعل، إذا كان هذا ما تخشينه.
هيكوبا: آه، إلى أين سنذهب؟ وإلى أي مدينة سيرسلوننا؟
تالثيبيوس: كل واحدة منكن بمفردها ستكون من نصيب سيد مختلف.
هيكوبا: إذن، من سيحصل على من؟ هل هناك حظ جيد لأي من بنات طروادة؟
تالثيبيوس: نعم، أستطيع أن أخبرك، لكنك يجب أن تعرضي أسئلتك، كل على حدة.
هيكوبا: إذن أخبرني، من سيحصل على ابنتي، المسكينة كاساندرا؟
تالثيبيوس: الملك أجاممنون أخذها كجائزة خاصة له.
هيكوبا: ماذا؟ لكي تكون جارية لزوجته، كليتيمنسترا؟ آه ما أشقاني!
تالثيبيوس: لا، لكي تكون زوجته أيضا.
هيكوبا: آه يا ابنتي يا مسكينة!
وماذا عن ابنتي التي أخذتها مني مؤخرا، أين هي؟
تالثيبيوس: تعنين بوليكسينا؟ عن أيهن تسألين؟
هيكوبا: عن بوليكسينا أعني. من حصل عليها؟
تالثيبيوس: لقد تقرر أن تخدم ضريح أخيل.
هيكوبا: خادمة في قبر؟ ابنتي؟ لكن ما هذه التقاليد الجديدة التي يمارسها الإغريق؟
تالثيبيوس: بارك الله في ابنتك. إنها تستريح جيدا.
هيكوبا: ما هذا الكلام؟ أخبرني، هل ترى الشمس؟
تالثيبيوس: إنها في يد القدر. انتهت متاعبها ولم تعد تشعر بالألم.
هيكوبا: ثم بخصوص زوجة هكتور، التعيسة أندروماكا، ما حظها هي الأخرى؟
تالثيبيوس: ابن أخيل أخذها هي الأخرى كجائزة خاصة.
هيكوبا: وأنا، من سأكون جاريته، هذا الجسد المتهالك الذي يحتاج إلى عكاز، حتى تقوى رجلاه على المشي؟
تالثيبيوس: ملك إيثاكا، أوديسيوس، حصل عليك جارية له.
هيكوبا: واحسرتاه على نفسي! سأكون جارية لسيد بغيض، غادر، وغد، عدو العدالة، وحش آدمي، لا يرعى حرمة أو قانونا، غير صادق اللسان، حول كل الصداقات إلى كره وعداوة. يا نساء طروادة، ابكين والطمن وجوهكن من أجلي، سأذهب إلى حتفي. وقع الخراب والشقاء من نصيبي. لقد حلت على تلال التعاسة.
رئيسة الكورس: أيتها الملكة، لقد عرفت قدرك، ولكن من سيكون سيدي أنا؟
تالثيبيوس: أيتها النساء، عليكن بالبحث عن كاساندرا وإحضارها هنا بسرعة. حتى أقوم بتسليمها للملك، ثم العودة لتسليم الأخريات. انتظرن، فأنا أشم رائحة دخان! هل نساء طروادة يقمن بحرق شيء ما؟ هل قمن بإشعال النار داخل الخيام؟ ربما يكون موتهن شئ أفضل بالنسبة لهن، لكن هذا لن يعجب الإغريق، كما أنني لا أريد أن أسبب لنفسي المتاعب.
هيكوبا: إنها ليست نارا. ليست كذلك. إنها ابنتي، المضطربة كاساندرا. ها هي تأتي على عجالة.
(تدخل كاساندرا وهي تلوح بعصا يتصاعد منها الدخان)
كاساندرا: انظرن، انظرن، انظرن كيف أضئ السماء بهذه الشعلة. سأتزوج من ملكي. أمي يا مسكينة، قضيتي وقتك كله في البكاء والنواح على أبي المقتول وعلى وطننا العزيز. لذلك، وجب على أن أحمل شعلة زواجي بنفسي. انظري إلى إشعاعها ولمعانها في كل اتجاه. ارفعي القدم عاليا وابدأي الرقص. ليكن يوم فخار، يوما من أيام أبينا الماجدة المليئة بالخير والرخاء. الجوقة الموسيقية المقدسة، يقودها فويبوس في معبده وسط أكاليل الغار. غني يا أمي، غني وارقصي، وفي حلبات الرقص دوري وادخلي واخرجي. راقصيني بقدر حبك لي. ارفعي صوتك بتحية الزفاف، أنا العروس. تمني لي السعادة بالهتاف والغناء.
رئيسة الكورس: هيكوبا، ألا تكبحين جماح ابنتك المهووسة هذه؟
هيكوبا: أيها الإله هيفاستوس، يا حامل شعلات الزواج للإنسان، لا تكن قاسيا وتشعل هذا اللهب. ما أقسى خيبة أملي في بخت ابنتي. واحسرتاه على ابنتي، المسكينة كاساندرا. لم أكن أتوقع أبدا أبدا أبدا، أن يكون زفافها وسط رماح ونبال الإغريق. أعطني الشعلة كاساندرا. أنت يا ابنتي في تعجلك وانفعالك، لا تحملين الشعلة بثبات. المصائب التي حلت بنا، لم تبق على رجاحة عقلك. يا نساء طروادة، احملن شعلتها. واجعلن دموعكن تنشد أغنية زفافها.
كاساندرا: أمي، توّجي رأسي المنتصرة. ابتهجي لخطوبتي الملكية هذه. الملك أجاممنون سيجدني بين زوجاته، أكثرهن مرارة وكرها له. سوف أقتله وأدمر بيته. سوف أنتقم لأبي ولإخوتي. لكن هذه أمور يمكنها الانتظار. لن أشترك في المناحة التي يسببها زواجي لكم، كما أنني لن أتفوه بالرغبة في قلب نظام حكم أجاممنون. إذا كان لا بد من الحرب، فإن تاج الفخار لأي مدينة، أن تهلك في سبيل غرض نبيل. الغرض غير النبيل يجلب الخزي والعار. لذلك لا تأسفي يا أمي على ما أصاب وطنك. زواجي سيكون الوسيلة لتدمير أسوأ أعدائنا، عدوي وعدوك.
تالثيبيوس: إنه لشئ مقبول أن يمزج أبوللو طلاقة لسانك بالجنون. وإلا، كلفكي الكلام عن رئيس البلاد بهذا السوء، ثمنا باهظا. ولأن بك شيئا من الخبل، سأجعل كلماتك تذهب أدراج الرياح. تعالي معي إلى السفينة، عروس مناسبة لملك عظيم. (يخاطب هيكوبا) وأنت، استعدي عندما يأتون لأخذك.
كاساندرا: نعم، دعني أطير إلى مخدع موت عريسي! أين سفينة الملك؟ أين أركب؟ ليس هناك وقت نضيعه. وداعا أمي، لا تبكي. يا وطني العزيز، آه يا إخوتي تحت الثرى، آه يا أبي، لن تنتظروني طويلا. سآتي إلى عالم الموتى، بطلة منتصرة، قامت بتحطيم عرش أجاممنون، الذي تسبب في تحطيم مملكتنا ووطننا.
(تالثيبيوس يقود كاساندرا إلى الخارج. تنهار هيكوبا)
رئيسة الكورس: أيتها الممرضات، ألا ترون سقوط هيكوبا، مكومة على الأرض فاقدة النطق؟ خذن بيدها، أم تردن ترك المرأة العجوز كي تموت؟
الكورس: ارفعنها من الأرض.
هيكوبا: اتركنني. اتركنني، يا بناتي. دعونني أرقد حيث وقعت. لدي سبب مقنع لسقوطي. أحمال ثقيلة علي أن أحملها، فوق ما أحمله من أحمال، وأخرى آتية في المستقبل القريب. آه أيتها الآلهة. إنني استنجد بمن لا يلبون النداء. لكنها العادة أن نتوجه بالدعاء إلى الآلهة حينما يجد الخطب وتحل المصائب. هذه هي أغنيتي الآخيرة. سوف أبدأ بالحمد حتى أستدر منكم العطف والشفقة لمعاناتي.
لقد كنت ملكة. تزوجت في قصر ملك. هناك، أنجبت خير الأبناء، مثلهم لم تنجب امرأة أخرى، لا في طروادة أو في غيرها، بلاد الإغريق أو بلاد البرابرة. أبنائي هؤلاء، رأيتهم يسقطون في المعركة مع الإغريق. أبوهم بريام، لم يخبرني أحد بموته، لأنني رأيته يُقتل بنفسي. لقد رأيت مدينتي وهي تنهب، بناتي وهن يؤخذن مني، ولا أمل في أن أراهن أو يرونني ثانية. ثم تاج البؤس والشقاء، أن أذهب إلى بلاد الإغريق كجارية وأنا عجوز في مثل هذه السن. سوف يجعلونني أقوم بكل الأعمال التي لا تناسب سني. قد أعمل حارسة أبواب، أنا ملكة طروادة. أو أعمل خبازة، ثم أريح ظهري المحني على الأرض الصخرية، أنا التي كنت أنام على أسرة القصر المفروشة بريش النعام. سيلبس جسدى المسكين خرق الخيش الممزقة، بعد أن كان يلبس أفخر الثياب الحريرية المعطرة.
أي امرأة تعيسة أنا؟ وأي مستقبل آمل فيه؟ أه يا ابنتي المسكينة كاساندرا! وأنت يا بوليكسينا ابنتي! أين أنتما؟ لا أحد هنا يساعد أمكما المسكينة. إذن، لماذا ترفعنني بعد سقوطي من الأرض؟ وأي أمل تبقى لي؟ خذنني إلى كهف مهجور، تكون فيه الأحجار وسادتي وفرشي. دعنني ألقي بنفسي على الأرض هناك، وأنهي بقية حياتي البائسة في النحيب والبكاء.
الكورس: نحن نندب ندبا جديدا، أقرب للنحيب والبكاء.
(تدخل أندروماكا وابنها الصغير أستياناس مع جند على جانبي كل منهما)
رئيسة الكورس: هيكوبا، أنظري! ها هي تأتي أندروماكا، زوجة ابنك المتوفي، هيكتور، ستذهب إلى بلد غريبة.
الكورس: من يمسك بقميصها هو ابنها أستياناس. أيتها المرأة، قليلة البخت، إلى أين يأخذونك؟
أندروماكا: أسيادي الإغريق يسحبونني، لا أدري إلى أين.
هيكوبا: يا لوعتي!
أندروماكا: لماذا تبكين؟ البكاء من واجبي أنا.
هيكوبا: واحسرتاه!
أندروماكا: الحزن حزني أنا.
الكورس: واحسرتاه.
أندروماكا: الشقاء شقائي أنا.
هيكوبا: يا ابنتي، وزوجة ابني، ولّى المجد وذهبت طروادة.
الكورس: ذهب وذهبت طروادة.
هيكوبا: ذهبت الروعة والثراء أدراج الرياح.
أندروماكا: آه، تعال يا زوجي أتوسل إليك.
هيكوبا: أنت تنادين من مات.
أندروماكا: تعال وانجد زوجتك.
هيكوبا: ما أقسى الحزن الذي نكابده!
أندروماكا: كم هو عظيم اشتياقك إلى المدينة التي فنيت.
الكورس: حزن على حزن يتراكم.
أندروماكا: يا زوجي الحبيب، لقد عانت طروادة من نير العبودية، هذه هي النهاية.
الكورس: أه يا وطني، يا وطني يا مسكين!
أندروماكا: أنا أودعكن بالبكاء.
الكورس: الآن ترين الأمر والأدهى.
أندروماكا: هل أتـرك وطني الذي أنجبت فيه طفلي؟
هيكوبا: يا بناتي، لقد تركتن أمّكن في مدينة خربة مهجورة. لقد تركتنني للمرارة والعويل والنحيب ونوافير الدموع التي لا تنضب. الموتى لا يذرفون الدموع، أنهم قد نسوا آلامهم.
الكورس: ما أحوج الدموع لمن أثقله الألم.
أندروماكا: آه يا هيكوبا، يا أم هيكتور، البطل المغوار الذي قتلت حرابه العديد من الأعداء، ألا تعنين ذلك؟
هيكوبا: أرى يد الآلهة. ترفع الأذلة من الناس من الحضيض إلى أعلى أبراج العليين، وآخرين تخسف بهم من عليائهم إلى أسفل سافلين.
أندروماكا: بعيدا نساق، أنا وابني، كلصوص الماشية، نبلاء وقعا في براثن العبودية.
الكورس: الضرورة لها مسالك غريبة.
هيكوبا: أندروماكا، لقد قاموا للتو بنزع كاساندرا من بين أحضاني. وأعطوها إلى الملك أجاممنون.
الكورس: أسف يزيد على أسف.
أندروماكا: هيكوبا، لعلي أزيد أحزانك.
الكورس: أسف يزيد على أسف.
أندروماكا: ابنتك، بوليكسينا، قد ماتت. لقد ذبحوها على قبر أخيل قربانا لقتلى الجنود الإغريق.
هيكوبا: هذا ما قد عناه تالثيبيوس بكلامه الذي يشبه الأحاجي السوداء.
أندروماكا: رأيتها بنفسي. لقد سترتها بردائي وغمرتها بدموعي.
هيكوبا: آه يا بوليكسينا يا مسكينة. ويا له من موت مخز!
أندروماكا: لقد ماتت بهذه الطريقة، وهي بهذا أسعد حظا مني أنا التي لازلت على قيد الحياة.
هيكوبا: الموت والحياة شيئان مختلفان يا ابنتي. الموت يعني الفناء، أما الحياة فيوجد فيها الأمل.
أندروماكا: من الأفضل أن تموت على أن تعيش في ألم. الأموات ليس لديهم من الأحزان ما يؤلمهم. في قصر هيكتور، كنت أراعى أخلاقيات الزوجة الصالحة. لم أكن أسمح أبدا بالنميمة خلف الأبواب. صنت عرضي وحفظت لساني. هذه سمعتي الطيبة التي أبقيتها مصونة. فماذا كانت مكافأتي من الآلهة؟ ها أنا أشحن كالطرد إلى بيت أخيل لكي أتزوج ابنه. كيف يتسنى لي أن أكون زوجة في نفس البيت الذي قتل فيه زوجي؟ لقد كنت لي يا زوجي الحبيب هيكتور، الزوج الذي أردته وتتمناه كل إمرأة. لقد كنت حكيما نبيلا موسرا شجاعا، لقد كنت لي زوجا عظيما حقا. الآن قد مت! وأنا أشحن أسيرة إلى براثن العبودية في بلاد الإغريق. أنا لا أعيش في وهم، يا هيكوبا، كل هذه الأشياء لا توافقني بالمرة.
الكورس: أحزانك هي أحزاننا.
هيكوبا: عزيزتي أندروماكا، لا تفكري بعد ذلك في مصير هيكتور. لن ترجعه دموعك من عالم الأموات. احترمي زوجك الجديد، ابن أخيل، وربي ابنك على أن يقوم بمساعدة طروادة. ربما يأتي يوم في المستقبل البعيد، يعود فيه نسله إلى طروادة لكي يعيشوا فيها ، فتعود طروادة مدينة عظيمة من جديد.
الكورس: أنظري هيكوبا، لقد عاد تالثيبيوس.
هيكوبا: ما الذي جعله يعود ثانية؟ وما هي القرارات الجديدة؟
(يدخل تالثيبيوس ومعه الجنود)
تالثيبيوس: أندروماكا، زوجة هيكتور، لا تكرهينني. فليس هذا اختياري أن أزف إليك هذا الخبر.
أندروماكا: ما هو؟ أخشى أن تكون قد أحضرت قصيدة طويلة، كلها أسف وشقاء.
الكورس: أسف يزيد على أسف.
تالثيبيوس: لقد قرر الإغريق أن الطفل... كيف أنطق بهذه الكلمات؟
أندروماكا: ماذا؟ ألن يكون له نفس سيدي؟
تالثيبيوس: لا، لن يكون أحد سيده.
أندروماكا: هل سيتركوه وحده هنا في طروادة؟
تالثيبيوس: لا أدري كيف أزف إليك هذه الأخبار المحزنة برفق.
الكورس: تكلم تالثيبيوس! قل كلماتك المؤسفة.
تالثيبيوس: سيقومون بقتل طفلك!
أندروماكا: واحسرتاه! آلامي لا تحتمل.
تالثيبيوس: السبب هو أن أبناء الأبطال، لا يسمح لهم بأن يكبروا.
الكورس: أسف يزيد على أسف.
تالثيبيوس: إنهم يدبرون نقله في عجالة من طروادة.
الكورس: أسف يزيد على أسف.
تالثيبيوس: أندروماكا، تحملي ألم الأحزان بشجاعة. تذكري أنك ضعيفة لا حيلة لك. لا تظننين أنك قوية. لن تجدي مساعدة في أي مكان. لقد دمرت مدينتك، ومات زوجك، وغلبت على أمرك. الإغريق يستطيعون التعامل مع امرأة وحيدة بسهولة. لذلك، لا تحاولي إثارة المتاعب. لا تحاولي فعل أي شيء أحمق يجعلك تأسفين عليه. شيء آخر، لا أريدك أن تقومي بلعن الإغريق. إن قلتِ شيئا يغضبهم، ابنك لن يدفن بطريقة مناسبة. لا تقولي شيئا أندروماكا. حاولي الاستفادة من أفضل الظروف. لعلك تجدين عطفا من الإغريق.
أندروماكا: آه يا ابني الحبيب، يا أعز ما أملك، ستترك أمك. بسالة أبيك لم تترك لك سوى الموت. فضائل والدك أزهرت لك في غير أوانها. احضن أمك لآخر مرة. أيها الإغريق، لم تعذبون غير الإغريق؟ لماذا تقتلون هذا الطفل البرئ؟
(تقوم أندروماكا بتسليم ابنها أستياناس إلى تالثيبيوس)
أندروماكا: ها هو، خذه بعيدا. هل هذا ما تريده؟
الكورس: أندروماكا. أندروماكا. ألمك عميق، عميق.
تالثيبيوس: تعال، أيها الصغير. أه أيها الإغريق، اختاروا رسولا آخر لوظيفة مثل هذه. اختاروا شخصا لا يعرف الرحمة. شخصا قلبه أقسى من قلبي.
(يخرج تالثيبيوس مع الصبي. الجنود ترافق أندروماكا إلى الخارج)
هيكوبا: آه أيا الإغريق، لماذا تخافون هذا الطفل؟ هل تخافون أنه يوما يحي طروادة بعد سقوطها. إذن أنتم جبناء بعد كل هذا. لقد أخذتم مدينتنا منا، ومع هذا تخافون طفلا، تخافون طفلا صغيرا. أنا أتعجب من خوف ليس له مبرر. أتذكر الأيام التي كان يأتيني فيها قائلا: "جدتي، لقد قطعت شعرة طويلة ملتوية من شعري، لأهديها لك" واحسرتاه على نفسي. وأي حكمة ستكتب على قبره؟ ربما ستقول: "داخل هذا القبر يرقد طفل صغير، قتله الإغريق لأنهم خائفون منه" جملة يجب أن يخجل منها كل إغريقي.
الكورس: هيكوبا، أنت تلمسين شغاف قلوبنا.
إمرأة 3: أيها الطفل، ستستقبلك الأرض.
إمرأة 4: يا له من حزن مرير.
الكورس: واحسرتاه، يا له من حزن مرير! واحسرتاه، مسكينة هيكوبا!
رئيسة الكورس: أنظرن، ها هو تالثيبيوس يعود من جديد.
(يدخل تالثيبيوس والجنود)
تالثيبيوس: لدي أمران في واحد. أنتن أيتها النساء، سرن إلى السفن الراسية، عندما تسمعن صوت النفير. وأنت أيتها العجوز هيكوبا، أتعس نساء الأرض، إذهبي إلى هذا الجندي الذي أرسله أوديسيوس لاستلامك. ستكونين جاريته. سوف يأخذك بعيدا عن طروادة.
هيكوبا: ما أشقاني! لقد جاء اليوم أخيرا. هذا اليوم هو أوج أحزاني وقمة آلامي، فيه أترك وطني. أيتها الأرجل الواهنة، دوسي على أرض طروادة بقوة قبل أن تتركيها. مدينتي الحبيبة طروادة، يا من رفعتِ رأسك عاليا بين البرابرة. حالا سيمحى اسمك وشهرتك. أيتها الآلهة. لكن، لماذا أدعوكم أيتها الآلهة، وأنتم في الماضي لم تستجيبوا لدعائي؟
تالثيبيوس: مسكينة هيكوبا: أحزانك قد أودت بتوازنك. أيها الجند، خذوها. لا تتوقفوا عند المقابر. علينا أن نقوم بتسليمها إلى أوديسيوس.
هيكوبا: آه يا برايم، يا زوجي الحبيب وملك طروادة، هل ترى كيف يسخرون منا؟
الكورس: إنه يرى. نعم هو يرى. لكن المدينة، المدينة، لم تعد مدينة تذكري هذا. لقد سقطت طروادة. طروادة الآن مدينة ميتة.
هيكوبا: واحسرتاه، واحسرتاه، آه، واحسرتاه.
الكورس: بلادنا المهزومة قد فنيت. قصورها دمرت، دمرتها الحراب وألسنة اللهب.
هيكوبا: أيتها الأرض التي عليها لعب أطفالي.
الكورس: لقد ماتت طروادة.
هيكوبا: أبنائي، اصغوا لصوت أمّكم.
الكورس: هيكوبا، أنت تنادين الأموات بالنحيب.
هيكوبا: نعم، أناديهم، كلما خطوت برجلي على الأرض، أو لمست بيدي صخورها.
الكورس: صراخك هو الحزن بعينه.
هيكوبا: نحن نساق مثل المواشي، نسحب بعيدا إلى الصالات كي نستعبد.
الكورس: بعيدا عن أوطاننا.
هيكوبا: وداعا زوجي برايم، ملك طروادة الميت، غير المدفون، الآن أتركك وحيدا.
الكورس: سنمشي حالا إلى العبودية.
هيكوبا: أيتها المعابد، يا مدينتي الحبيبة.
الكورس: حالا، سيمحى اسمك.
هيكوبا: وترابك، مثل الدخان، سينتشر في الفضاء، ليحجب عني رؤية وطني.
الكورس: سيطوي اسمك النسيان. طروادة قليلة البخت، لقد انتهيتِ.
(يسمع صوت آلة النفير)
هيكوبا: آه! يا قدمي لا ترتعشان. قوداني إلى الممر. معكما سأعيش طويلا في العبودية.
(تخرج هيكوبا في صحبة الجنود. يتبعها تالثيبيوس)
الكورس: أيتها المدينة المنكوبة، قليلة البخت، يا طروادة! وداعا! وداعا! وداعا!
(الكورس يخرج ببطء. الستار ينزل ببطء)
فيلم سينمائي عن نساء طروادة باللغة الإنجليزية.
محمد زكريا توفيق
ميدل ايست أونلاين
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق