"عدو للشعب"...مسرحية ألمانية في اسطنبول التركية
مدونة مجلة الفنون المسرحية
حوار مع المخرج المسرحي الألماني توماس أوسترماير
"عدو للشعب"...مسرحية ألمانية في اسطنبول التركية
الفطنة
والاستفزاز هما سمتان لأعمال المخرج المسرحي الألماني توماس أوسترماير،
المدير الفني لمسرح برلين الاستعراضي (شاوبونه) وأحد أكثر المسرحيين الشباب
الألمان إبداعا. وهذا ما أظهره أيضا في مهرجان اسطنبول المسرحي لعام 2014،
من خلال إخراجه مسرحية "عدو للشعب" للكاتب الألماني هندريك إبسن. آنا إيسر
التقته وأجرت معه لموقع قنطرة الحوار التالي، الذي يقارن فيه أيضا تفاعل
شعوب مختلفة مع مسرحياته.
لماذا اخترت هذه المسرحية بالذات ولماذا تعرضها في تركيا؟
توماس أوسترماير: كان هذا العمل مدرجًا منذ
عدة أعوام، ولكنني انتظرت حتى الوقت المناسب. "عدو للشعب" مسرحية مثيرة
للاهتمام، ليس كثيرًا حول "الناس هنا"، بل حولنا نحن بالذات. وفي مسرحية
الكاتب هندريك إبسن الناقدة للمجتمع والتي تعود إلى العام 1882، يكتشف طبيب
المعالجة، الدكتور شتوكمان، أنَّ مياه حمام المنتجع الصحِّي في المدينة
مسمَّمة ويريد الكشف عن هذه الفضيحة، الأمر الذي يحاول منعه السياسيون
المحليون ووسائل الإعلام وكبار رجال الأعمال في المدينة.
هذه المسرحية هي تيقُّن ذاتي من المقاومة السياسية وإمكانياتها.
وهي تتعلّق بالسؤال حول تحديد فرص الحقيقة في عصرنا وفي ظلّ هيمنة
الاقتصاد وكيف يتم التشكيك فيها. هي تتعلّق كذلك بالسؤال حول ما يحدث
للحقيقة عندما يتم التلاعب بوسائل الإعلام، وعندما تكون هناك محاولة لإفاسد
الأشخاص الذين يقولونها. وهذا يتطابق مع الوضع السياسي في تركيا. ولذلك
أيضًا فقد كانت دعوتنا من قبل إدارة المهرجان موقفًا شجاعًا للغاية.
هل من واجب المسرح لفت الانتباه إلى المظالم الاجتماعية؟
توماس أوسترماير: لم أفكّر حتى الآن قطّ في
واجب المسرح. كما أنَّني لا أعتقد أنَّ من واجب المسرح أن يؤدِّي مهمة ما
وأنَّ من واجبي بوصفي مخرجًا مسرحيًا أن أشرح شيئًا لأحد ما وأنَّ بإمكاني
إجباره على وجهة نظري حول العالم أو أن أشرح له كيف يتم ذلك على نحو أفضل.
وبدلاً عن ذلك، يعتبر كلّ أداء مسرحي بالنسبة لي محاولة للإخبار عن ذاتي
وعن جيلي، وهو مواجهة جادة وصادقة لفهم تناقضاتنا الخاصة. ومن الغريب أو
لحسن الحظّ أنَّ هذا الاهتمام مشترك لدى جمهور كبير منذ أعوام عديدة.
هل قمت بإجراء تغييرات على المسرحية قبل عرضها في اسطنبول؟
توماس أوسترماير: أجل، لقد أجرينا تغييرين أو ثلاثة تغييرات صغيرة تتعلق بتركيا. وهكذا ترجمنا مصطلح "الأوباش" بكلمة "çapulcu" التركية التي تعني "الرعاع" وقد استخدمها رئيس الوزراء التركي لإهانة المتظاهرين في حديقة غيزي العام الماضي 2013. وكذلك قمنا بإدراج مشهد يظهر ركلات مستشار إردوغان، يوسف يركيل، للمتظاهرين أثناء كارثة المنجم في منطقة سوما.
في الجزء الأخير من إخراجك لهذه المسرحية، يتم إشراك
الجمهور مشاركة فعّالة في الحدث وتتم دعوته للإدلاء برأيه والمناقشة. ما هي
ردود الفعل التي توقعتها في اسطنبول؟
توماس أوسترماير: نحن نتجوّل منذ وقت طويل
للغاية بهذه المسرحية، ولهذا السبب لم تعد لدي أية توقعات. في أثينا، على
سبيل المثال، كنا نعتقد أنَّ رد الجمهور سيكون جنونيًا، بيد أنَّ جمهور
المشاهدين هناك كانوا متعبين، ولم تعد لديهم أية رغبة وقوة للحديث حول
السياسة. وعلى العكس من ذلك في نيويورك كنت أتوقع القليل من المساهمات،
لكنني مع ذلك فوجئت مفاجأة إيجابية للغاية: حيث كانت هناك مساهمات في
الحديث ملتزمة جدًا ومتقنة وكذلك متشدّدة للغاية. وهناك غادر أيضًا عدد
كبير إلى حدّ ما من المشاهدين صالة المسرح، بسبب الخوف الذي انتابهم من
أبناء مدينتهم.
وفي تركيا تم تحذيرنا من أنَّ الجمهور لن يشارك بسبب عدم وجود
تقاليد مشاركة من جانب الجمهور. ولكن في الحقيقة لقد كان المشاهدون في
اسطنبول ملتزمين جدًا وفي غاية الشجاعة. لقد كانت الدعوة إلى المهرجان بحدّ
ذاتها جريئة جدًا. وبين حين وآخر كان هناك دائمًا تصفيق وهتافات احتفالية
مستمرة. ولكن مع ذلك لقد جاءت الفاتورة بسرعة: ففي إحدى الصحف التركية
المُقرَّبة من الحكومة، ورد في اليوم التالي أنَّ مجموعة مسرحية ألمانية عرضت مسرحية معادية لإردوغان، ووصفتنا إذا جاز التعبير على أنَّنا "مشعلين" للذكرى السنوية لاحتجاجات غيزي بارك.
وكان عنوان هذا المقال: Alman oyun،
أي "لعبة ألمانية" (إشارة إلى نظرية السياسيين الأتراك التي تفيد بأنَّ
هناك قوى أجنبية دعمت احتجاجات حديقة غيزي). وهذه بحدّ ذاتها تجربة مثيرة
يحلم بخوضها كلّ مخرج مسرحي - وتحديدًا بأن يثير عرض مسرحي ما ردود فعل
سياسية. وأمَّا أن يصل المرء بما يفعله ويقوله حول موضوع ما إلى قسم الشؤون
السياسية في صحيفة ما، بدلاً من أن يصل إلى الصفحات الثقافية، فهذا ما
شهده المسرح الألماني في ألمانيا آخر مرة قبل ثلاثين عامًا.
في العرض الأوَّل في اسطنبول كانت مساهمات الجمهور شخصية نوعًا ما، وأحيانًا كانت الحدود بين الواقع والعمل المسرحي غير ثابتة...
توماس أوسترماير: في اسطنبول كانت المساهمات
محمّلة بالمشاعر أكثر من أي مكان آخر. وهذه ليست بالضرورة اختلافات في
العقلية، بل إنَّ هذا يعود إلى تقليد المشاركة في الحديث داخل الفضاء
العام. وللأسف إنَّ الحديث بطلاقة ومن دون قيود يعدّ في ألمانيا الأقل
تطوّرًا، فغالبًا ما يكون المشاهدون في ألمانيا مضطربين للغاية. بينما
يعتبر الأشخاص الناطقون باللغة الإنكليزية متمرِّنين بشكل جيد للغاية. وهنا
في تركيا لا توجد لدى الناس أية موانع تمنعهم عن الحديث في الأماكن
العامة، بيد أنَّ ذلك يبدو لنا كألمان محملاً دائمًا بقليل من المشاعر.
من الواضح أنَّ مشاعر الناس في تركيا مشحونة بالغضب،
ليس فقط بسبب الذكرى السنوية الأخيرة لاحتجاجات غيزي بارك. فما الذي يربطك
بتركيا؟
توماس أوسترماير: لقد حصلت في مهرجان المسرح الأخير في عام 2012 على الجائزة الفخرية من مؤسَّسة اسطنبول للثقافة والفنون (IKSV)، وهذا أسعدني كثيرًا. ويبدو أنَّ جماعة المسرح التركي تتابع عن كثب كلّ شيء مما أنجزه. وهذا يؤثّر بي كثيرًا.
عندما أفكّر أثناء قراءة الأخبار اليومية حول محاكمة أعضاء
الخلية النازية السرية في أنَّني أستطيع العمل في بلد سمعته سيئة إلى هذا
الحدّ في ألمانيا - وخير مثال على ذلك جرائم الشرف -، ولكنني أفكّر بعد ذلك
أنَّنا نعيش بدورنا في بلد قتل فيه نازيون أيًا كانوا تسعة أشخاص أتراك
وشخصًا يونانيًا بالرصاص، فعندئذ يبدو لي هذا مُظلمًا للغاية، وعندئذ أخجل
خجلاً شديدًا من كوني ألمانيًا موجودًا في تركيا.
وهذا شكل من أشكال التجريد من الإنسانية. تصوّروا مثلاً أن
يتم في تركيا قتل عشرة مواطنين ألمان برصاص نازيين أتراك، فماذا سيحدث
حينها. وهذا أيضًا يلازمني باستمرار وبشكل واضح في أثناء العروض والحوارات والمقابلات
أو في أثناء أحاديث الجمهور في تركيا. وعلى الرغم من جميع الصعوبات التي
يعاني منها هذا البلد في الوقت الراهن، إلاَّ أنَّه لا يزال في نخبته
الأكاديمية ومثقَّفيه بلدًا مستنيرًا للغاية.
حاورته: آنا إيسر
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014
0 التعليقات:
إرسال تعليق