أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

«ربيع المسرح العربي» في هانوفر: عروض جريئة تناولت الحب المحظور و«ختان البنات» وتحرر المرأة

مدونة مجلة الفنون المسرحية
هانوفر ـ «القدس العربي»:كانت هانوفر مدينة ساكنة، تعيش يوميات خريفها العادي، تهدأ في انسياب توالي ساعات نهاراتها المترادفة، قبل ان يحل بها مبدعات وفاعلات مسرحيات عربيات، آتيات من فجاج البلاد العربية العميقة. جئن كخيوط ثرة بالالوان المتباينة، لينسجن من 6 الى 11 اكتوبر/تشرين الاول ملاءات فنية ترشح بصور المعاناة وأمل النساء في كل مواطن السلطة والقهر. حضرن ليحولن قاعات عروض «مركز الثقافة والتواصل» Pavillon ومن خلاله مركز المدينة الى فضاء يتردد فيه صدى لقائهن الحيوي، الحميمي الحار، المفعم بقضايا وهموم المرأة العربية من بغداد الى الرباط، من تونس الى حيفا، من بنغازي الى القاهرة وبيروت. في هذا اللقاء الثاني «الربيع العربي المسرحي»، الذي تحتضنه المدينة بعد سنتين للمرة الثانية ويحمل شعار «نهضة النساء»، مرت من خلاله المبدعات العربيات خطابات بالوان قزحية، بادوات تعبيرية متباينة مرفوقة بترجمة الكترونية جدارية الى الانسان الالماني. خطابات عن اوضاع المرأة العربية، عن الحب المحظور، عن ختان البنات، عن تحمل النساء تبعات عقم الرجال، عن الثأر، الذي يقف فوق القرابة وفوق الارحام، عن مخلفات الهجرة… عن ليل جنوب قاس، معاناة فضاؤها الجنوب المصري، زمنها كل العالم العربي. 
انها قصة معاناة العمات الاربع، اللاتي يستحضرهن المهاجر العائد الى الجنوب من خلال النبش في غور ذكريات مأساة حملتها مسرحية «ليل الجنوب» للكاتب شاذلي فرح، بلغة شاعرية طوعها المخرج ناصرعبد المؤمن، لتصبح رسائل اشواق الى الجنوب المصري، الى النوبة. 
هذا العمل الذي استهل به اللقاء النسائي، والذي اثار ردود فعل إيجابية في الإعلام الالماني، فقد كتبت جريدة هانوفر العموم : «بين التقليدي والشبكة الرقمية تتحدث مسرحية ليل الجنوب عن بؤس العلاقات الأبوية القديمة. مزيج مظلم من التخلف والقهر، فالنساء يعانين أكثر في مصر وليس في مصر وحدها من الزواج القسري والتشويه الجنسي، الانجاب الاجباري. فالمجموعة المصرية مسرح الغد لم تتحفظ في هذا العمل على شيء».

المفاجأة البغيضة
كان عرض اليوم التالي مفاجأة كبيرة بالنسبة للجمهور الالماني من جهة، والجمهور العربي المتمثل في المشاهدين العاديين او المشاركين في اللقاء المسرحي. عمل فرقة «مسرح الاكواريوم» من المغرب، هذا العمل المقتبسة فكرة اطاره عن مسرحية حوارات المهبل للكاتبة الامريكية إيفي إنستر، خلقت منها المخرجة نعيمة زيطان نسخة مغربية تحمل عنوان «مهبلي»، عنوان اضطرت لاحقا بسبب ضغوطات الجهات الممولة والاعلامية في المغرب، الى تحويله الى تسمية «ديالي» (ملكي). 
دعائم هذا العمل، كما صرحت مبدعة العمل زيطان تقوم على حوارات وشهادات ولقاءات مباشرة مع عدد كبير من النساء المغربيات، اللاتي تعرضن الى اعتداءات واجحافات مختلفة. فالعمل يعتمد دعامات خطاب يتراوح ما بين السخرية والمرارة في حدودها القصوى، يقدم صورة عن حالات تعاني منها المرأة بشكل خاص، مثل الاغتصاب، التحرش الجنسي، تعتيم المعرفة بالاعضاء التناسلية، قمع علاقة المرأة بجسدها الذاتي. نساء اغتصبن اثناء خروجهن من العمل، نساء اغتصبن من أزواجهن، نساء اغتصبن في طريقهن الى العمل.
ففي الوقت، الذي اعتمدت فيه نسخة العمل الالماني «حوارات المهبل»، الذي قدم مباشرة بعد العمل المغربي، وفي الامسية نفسها من طرف المجموعة الالمانية «مسرح الورشة»، على النص الكامل للكاتبة الامريكية إيفي انستر تحت ادارة المخرجة مارتينا فن بوكسن المعتمدة على تقنية الصورة الوثائقية والتسجيل الصوتي كأدوات رابطة بين الحدث الحكائي والحدث التسجيلي، الى جانب إطار سينوغرافي ينقل اجواء نسائية للفئة الاجتماعية الوسطى لمرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، اعتمد عمل «ديالي» على فضاء فارغ إلا من حبل غسيل علق عليه عدد من السراويل الداخلية النسائية. هذا الحبل ومحتواه يأخذ عددا من الاشكال التعبيرية، من خلال الممثلات الثلاث، اللاتي ينقلن الينا صورا وحالات من حمل وولادة ورضاعة الى غيرها من اشكال التعبير عن الحزن والفرح. لقد كانت جرأة الطرح في هذا العمل مفاجئة حتى بالنسبة للجمهور الالماني، ناهيك عن العربي، الذي يدرك مدى جرأة هذا الطرح في المغرب، إن كان في المانيا نفسها ورغم عرض هذا العمل منذ سنوات، لا زال يواجه معارضة كبيرة من خلال تناوله موضوع هذا العضو الحساس من جسد المرأة.

الماضي والحاضر الرصاصي
«فلم ابيض واسود» للفرقة الوطنية للتمثيل من بغداد مسرحية تتحدث عن فترة ليس فيها الوان. أم تبحث عن ابنها المفقود اثناء الغزو العراقي للكويت، من اجل اعادته الى العراق.
المرأة التي عاشت مأساة مماثلة، فقدانها زوجها المعارض، يقول مخرج العمل وكاتبه قحطان حاتم عودة، أثناء ورشة مسرحية قدمها لتلاميذ احدى الثانويات اثناء وجوده في هانوفر: «إنها حكاية واقعية جزؤها الكبير عشته كضابط سابق في الجيش العراقي. والابن، الذي يتحدث عنه العمل كان من بين الجنود اليافعين، الذين كانوا تحت إمرتي. فهذا الماضي والحاضر، الذي يجثم بكل ثقله الرصاصي على نفسية الانسان العراقي يشبه فيلما بالابيض الاسود لم يعرف لحد الان الوانا، واملنا ان يتحول قريبا الى فيلم ملون». حين تعثر الام في الاخير على ابنها يكون قد فقد عقله جراء السجون والتعذيب واصبح بالنسبة للام مجرد وجود شبيه بالعدم. 
اعتمد حاتم عودة في اخراجه للمسرحية على فضاءات يملؤها الضوء الباهت والضباب، اللذان يعكسان واقعا عتما تتعذر فيه الرؤية من اجل تبين مستقبل مجهول. هذه الفضاءات، التي تمت تجزئتها ذاتها الى بقع تضم الام، الضابط (حاتم عودة السابق)، الابن في شقي ازدواجية شخصيته بين القبول والرفض، تنساب من خلالها حوارات بين الصراخ في المتاهة والهمس الى حد السكون.

الاختلاء بالذات
على عكس عوالم عودة تطفح مسرحية «سنديانا» العمل المسرحي، الذي شاركت به الممثلة التونسية زهيرة بن عمار كممثلة، مخرجة وكاتبة، بمزيج من الحنين الى الماضي، الرؤية التي تحاول اختراق المستقبل، حديث عن القيود، التي تكبل المرأة التونسية والعربية، من خلال منظور الكاتبة. فقد كانت زهيرة بن عمار فورة امرأة فوق الخشبة، ورغم خضوعها من وقت قليل الى عملية جراحية في ساقها، فقد انتزعت اعجاب الجمهور الحاضر من خلال ادائها الحيوي. «سنديانا» عمل حملته الكاتبة والممثلة ابعاد التشابه بين المرأة وشجرة البلوط، ذات الشموخ والاصول الثابتة. انه الحديث عن الرقابة، الانحشار البوليسي في يوميات الانسان العادي، في احلامه، في لحظات اختلائه بذاته. انها اطلالة زهيرة بن عمار من خلال رقصها، غنائها شوقها الى النهضة العربية، رثائها لضياع حضارات من وادي الرافدين الى موريتانيا من خلال نسيج من الالوان والحضور الحيوي المرح فوق مساحة الركح.
هذا الاداء النسائي الفردي يلاقينا ثانية في مسرحية «الايام التي تراقص الليل» المقتبس عن رواية الكاتب الكنكولي كايا ماخلي والتي تحمل العنوان نفسه من اخراج المخرجة اللبنانية المقيمة في باريس سرين اشقر. لقد جسدت الممثلة الفرنسية ذات الاصول الافريقية اكنيس نويل امرأة يقتل زوجها، الذي قتل بدوره طفلتهما الوحيدة المهقاء (برص منذ الولادة). لانه يرى «انه من الصعب تزويجها مستقبلا»، فتغيب في متاهة التذكر والمرارة والاحباط، ساعية الى اشباع رغباتها الرجالية، غير انها كلما اوغلت في هذه الرغبة الجسدية يتعمق لديها الاحساس بالضياع الذاتي كامرأة ترغب في ان تعامل كانسان وليس كمادة استهلاكية. فقد ركزت سرين الاشقر على الاختزال في مجموع رؤيتها الفنية واختيارها الصعب لرواية شاعرية، جعلت منها جسرا يربط المعاناة النسائية في العالم الثالث بوحدة مصيرية. لقد فرض نص الرواية المحولة الى مسرحية، مهمة جد صعبة، سواء على مستوى الاداء او الاخراج، من خلال مقاطعه الشاعرية والايحائية، التي يصعب تجاوزها، إلقاء او نقلا فنيا فوق الخشبة. فالنص الثري بالرموز والاشارات، يفرض على المخرجة، كما على الممثلة، فك شفراته وتقديمه الى المشاهد في سياقه الروائي والمسرحي في آن واحد.

البيت لا يترك
بعد الاداء الفردي للعمل التونسي في صيغته المجتمعية، اللبناني في نظرته النفسية، يأتي عمل جد متميز في طروحاته السياسية التسجيلية الواقعية، «كبوتشينو في رام الله» للممثلة سلوى نقارة. هذا العمل المحور هو الاخر عن رواية الكاتبة الفلسطينية سعاد العامري «شارون وحماتي»، واخراج المخرجة الاسرائيلية نولا تشلتون البالغة من العمر اربعا وثمانين سنة. لقد استطاعت سلوى نقارة من خلال ادائها فوق بقعة رمادية كمثرية الشكل بطول خمسة الى ستة امتار، وبعرض حوالي ثلاثة امتار واختزال سينوغرافي متمثل في مقعد، حقيبة سفر وفستان عالق في الهواء، ان تنقل معاناة الحصار المضروب على حياة الشعب الفلسطيني اليومية تحت الاحتلال الاسرائيلي. نقلت عبر هذا العرض، الذي كان جهود عمل مشترك بين اللجنة المنظمة للقاء المسرحي بالبافيون وجمعية مبادرة فلسطين لمنطقة هانوفر، الى الجمهور، الذي حضره بكثافة، صورا حية لتلك المعاناة وذلك ببالغ الحيوية والشاعرية.. صورا لمضايقات الانسان الفلسطيني من عتبة المطار حتى اخر حبة زيتون على التراب الفلسطيني. هذه المذكرات، التي لملمت اطرافها الكاتبة سعاد العامري على مدى عشرين سنة، ترافقنا في كل المشاهد من دون لحظة ملل ولو عابرة.
فبكثير من السخرية والفرجة الهادفة توصلت سلوى نقارة الى تحويل الحدث الدرامي، التسجيلي الى واقع حي ملموس من دون الوقوع في خانات الشفقة والتباكي او الاحلام البعيدة عن الواقع. فمن خلال البقعة الرمادية يتجسد جدار الحصار المضروب على الانسان الفلسطيني، فصله عن ممتلكاته، غير ان ذلك الامل المبني على النضال اليومي في كل صوره الحياتية، يصر في نهاية العمل على الصمود والبقاء، ورغم كل الانهيار، يليه دائما صعود جديد. «الانسان لا يترك بيته مهما كان»، تقول سعاد العامري على لسان حماتها ام سليم.

مأساة قبل المسرح
هذه المعاناة، المجسدة على الركح من خلال اعمال نسائية متباينة عاشها واقعا ملموسا اعضاء فرقة المسرح الشعبي لمدينة بنغازي في رحلة شاقة بين مطار بنغازي والسفارة الالمانية في تونس العاصمة، وحيث انه لم تعد هناك سفارة المانية في ليبيا كان على الفريق ان يرحل غير مرة في رحلة آوديسية بحثا عن امكانية تأشيرة الحضور الى هانوفر، ليقدم لنا نموذجا مغايرا لمعاناة المرأة، من خلال مسرحية «ليسقط شكسبير». عمل يتناول ادوار المرأة في اعمال شكسبير، كما يراها مخرج العمل محمد الصادق، فهي دائما إما خائنة او ضحية. من هنا يعطي للمرأة دور القيام بثورة على المخرج الذي تعكسه الممثلاث الرافضات لادوارهن السلبية في اعمال شكسبير، ويتحولن الى فاعلات في النص المسرحي، ما يجعل منهن نساء يمسكن بخيوط اللعبة المسرحية في اياديهن.
ان كل هذه التجارب النسائية او المتناولة لاوضاع النساء في هذه البقع من الوطن العربي برزت في هذا اللقاء بصورة اكثر جلاء من خلال النقاشات، التي جاءت عقب تقديم كل الاعمال، حيث عبر مبدعاتها ومبدعوها عن الهوة السحيقة، التي لا زالت امام المرأة العربية، التي تكافح من اجل تخطيها وتجاوزها، والتي تحتاج الكثير من الجهد. فقد قال المشرف على اللقاء عبد الفتاح الديوري للمحطة التلفزيونية DW (الموجة الالمانية): «ان دور هذا اللقاء هو منح المبدعة العربية اطارا خارج الدول العربية، للتعبير عن همومها، من دون الخضوع لقيد الوصاية والرقابة. في زمن كثرت فيه الرقابات تحت اسماء مختلفة».

ادريس الجاي
القدس العربي

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption