أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 1 أبريل 2015

مسرحية "فخامة الرئيس" كوميديا حكيمة تحلل النفس الطامحة إلى السلطة جلال خوري المراهن على المسرح صوتاً مدوّياً في الضمير

مدونة مجلة الفنون المسرحية
أشكمان.
من مسرح لا سيتيه في جونيه العام 1988 إلى مسرح الفرير في الجميزة من هذه السنة، التاريخ يعيد بعضه موسوماً بأدمغة صانعيه المتحجّرة، الكسولة العاجزة عن اتخاذ القرارات التي تنهض بالبلاد وتجعل منها وطناً.


أخوفاً علينا من أن ننسى ما كان، أعاد جلال خوري إلى الذاكرة مسرحية "فخامة الرئيس"، أم لندرك أن شيئاً لم يتغيّر، ما دام الطموح إلى السلطة وحبّ الظهور آفتين مزمنتين منذ القدم، تصيبان كل مَن حلمه الاستئثار بالمناصب العالية على حساب المصلحة العامة، وفي ذلك ما لا ريب فيه، تعويض عن نواقص فادحة في شخصيته، كما جاء في النص، ربما وحده كرسي السلطة لقادر على إخفائها.
ثمة نصوص لا تعتق، يمر عليها الزمن، وتبقى شفّافة كبلّور، في انعكاساته حقبات من التاريخ تستعيد نفسها، مرآته هي، كاتبُها إنسان ملهم، معني بالمحيط الذي يعيش فيه، مثقل بثقافات المفكّرين العالميين. هوذا جلال خوري الكاتب المسرحي الذي روّج المسرح السياسي وعرّف الجمهور إلى المسرح الثقافي. ترجم إلى لغات عدة وعرض في الخارج. تابعنا أعماله من الستينات مع "ويزمانو، بن غوري وشركاه" و"جحا في القرى الأمامية" و "الرفيق سجعان" و"كذاب" و"زلمك يا ريّس" و"أرتورو أوي" و"الراهبة هندية"، إلى "فخامة الرئيس" الذي عاد بها لا لينفض عنها الغبار إذ لا غبار عليها، ما دامت ستظل عبر الزمن من زؤان الوطن والسوس الممعن فيه نخرا، بل ليعيد بثّها في وعي جيل حديث، نقداً ساخراً، يرفّه عن البليّة بالضحك، وعن البضاعة الفاسدة التي يصنع منها انتخاب الرئيس، بمقادير من التوابل القارصة– الضاحكة، بدوزنة متقنة ولبقة ودراسة عيادية تغوص في النفس البشرية وتفشي ضعفها ونواقصها.
مخّول القروي، الحديث النعمة الذي كان ألبس طربوشه لفيليب عقيقي الممثل القدير، والحرب الأهلية في عزّ تدمير الوطن، وجد اليوم الممثل القادر أن يعيد إلى طربوشه الجاه وأمل الوصول إلى سدة الرئاسة، في زمن الشح في الرجال. فأسعد حداد بعدما أسدى فتياً دور "البادي غارد" القبضاي، انتقل بعد ربع قرن إلى الشخصية الرئيسية، معتزاً بعبارة يرددها "أنا عامل حالي بحالي"، وكغراب لافونتين، ينقاد إلى ثعلبيات الصحافي فادي (شربل زيادة) الذي بالاتفاق مع زوجة مخول كارول (سولانج تراك)، عشيقته، يحاول إقناعه بأنه الرئيس المثالي، شرط أن يبذل من جيبه ليقوم له بحملة ناجحة. وفي غمزة ماكرة تعده الزوجة بنصف المبلغ.
كرشق من المفرقعات، تشبّ الكلمات من هنا وهناك، مصوَّبةً على الهدف المنوي إرساله، مختصرةً في تراشقها الذكي، لبلوغ الفعل أسرع في هذه المواجهة بين الصحافي المتملّق ومخّول الأمّي المزهو بإطراءات الثعلب، وفي آن واحد يخشى الغراب أن تفلت قطعة الجبنة من منقاره فيما لو وقع ضحية نفاق هذا المخادع. بين الاثنين تتدخل كارول التي بدأت فكرة الرئاسة تهيّج أنانيتها، لتقنع زوجها بأن يقلع عن بخله، فالكرسي الرئاسي بحاجة إلى تضحيات، "وأنا كل عمري أحلم أن أكون تحت الأنظار". إلى هؤلاء الثلاثة يتطفّل عنصر رابع جاء ليغازل الخادمة فيجد نفسه من حيث لا يدري "بادي غارد" (بشير مارون) عند الشيخ مخّول، يخرطش رشّاشه بالسرعة التي يخرطش فيها بهوراته.
صاغ جلال خوري لكل ممثل المعيار المناسب من الكلام العامي، مقمّشاً بأمثلة ومقولات رائجة تثبت هويّته الشعبية، فلا شك في أن أداء أسعد حداد، بارز، بلا تصنّع ولا تكلّف، معجون بشخصية مخول، ومنسجم مع طربوشه، شخصية من محاصيل هذا الوطن، وآفاته الاجتماعية المزرية، تغدو على الخشبة، ظريفة، نبيهة في خروجها من شرك فادي المحتال والوقوع فيه ثانية حين يلعب فأر الرئاسة في عبّه. سولانج تراك، كانت مثال المرأة التافهة، التائقة إلى البروز، وشربل زيادة ملفقا، مواربا بامتياز. مسرحية مشحونة بطاقة حيوية سرّها الكلمة.

مي منسي 
النهار-  لبنان 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption