أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 1 مايو 2015

لغة الكتابة في مسرح إسماعيل عبدالله: “المحكية تمنح النص هوية وحميمية”/ احمد الماجد

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
أحمد الماجد يكتب عن لغة الكتابة في مسرح إسماعيل عبدالله: “المحكية تمنح النص هوية وحميمية”
الكاتب والناقد المسرحي احمد الماجد 

إن كتّاب المسرح، ومنظريه المؤصلين، أدركوا أهمية استخدام اللغة في الحوار المسرحي، فالعملية الإبداعية المسرحية بما تملكه من خصوصية متميزة تختلف اللغة فيها عن استخداماتها في بقية الفنون التعبيرية، لذا كانت مصدر إشكال وبحث في تركيزها، وتكثيفها، وشحنها، وعندما تكون البيئة غنية بالأشياء والأحداث وعندما يكون العلم والبحث العلمي والفكر والفلسفة في حالة متقدمة ومزدهرة وعندما يكون المجتمع الذي يتكلم اللغة مجتمعاً مستقراً تحكمه مؤسسات مدنية متطورة، يؤدي ذلك كله إلى ازدياد مفردات اللغة من جهة، وإلى ابتكار أساليب جديدة في التعبير من جهة ثانية .

من هذه البيئة تشكلت لغة الكاتب المسرحي إسماعيل عبدالله الغنية، ولكي تصل رسالات نصوصه بشكل أسرع إلى الجمهور، ارتدت الزي المحلي والمحكيّ في شكلها، باستثناء بعض النصوص التي كتبها بالعربية الفصحى، حينما فرضت الفكرة عليه شكل اللغة كما فعل في نصيه الأخيرين (صهيل الطين) و(لا تقصص رؤياك)، حيث توجه إسماعيل بالنصين إلى قضايا عربية، وربما يكون سبب تأخر انتشار اسمه عربياً هو اختياره اللغة المحكية المحلية في كتابة نصوصه، مع ذلك، فهو يسير متدرجاً تدرجاً محبوباً لدى أهل المسرح، فصناعة اسمه محلياً، هي التي صنعت اسمه، وهنا سنركز على اشتغالات عبدالله باللهجة المحلية المحكية كونه كتب 27 نصاً مسرحياً تحت عباءتها، مقابل ثلاثة نصوص فقط بالفصحى .

إن اختيار إسماعيل عبدالله اللغة المحكية المحلية شكلاً لنصوصه المسرحية جاء لأسباب عدة نوجزها فيما يلي:
* إن اللغة تعدّ بمثابة الأداة البرهانية على وجود ثقافة مسرحية إماراتية لها صفاتها وخصائصها التي تصعب المحافظة عليها في حالة استخدام أي من اللغات أو اللهجات الأخرى .
* الحفاظ على الهوية الإماراتية عن طريق تفاعل اللغة مع واقعها، ومقاومة مختلف أشكال الهيمنة التي تحاول لهجات أخرى فرضها عليها، وفق عولمة الحياة التي يعيشها المجتمع الإماراتي بصورة خاصة .

* ضرورة تمييز الثقافة الإماراتية عن الثقافات الأخرى، وهذا لا يعني العزلة أو الدعوة للاستقلال الثقافي، فأداة الكتابة التي هي اللغة، تعدّ مرتعاً للصراع بين القوى الثقافية وفيها أيضاً يكمن الاختلاف وتتجلى الخصوصيات التي تميز هذا عن ذاك، وهذه الأمة عن تلك .
* اللغة المحلية في المسرح باتت لغة المجتمع، وغاية المسرح الوصول الكامل إلى المجتمع والتفاعل معه والتأثير فيه .
* تضلع إسماعيل عبد الله في الموروث الشعبي، وغنى المصطلحات التي يملكها أهلته للكتابة باللهجة العامية بديلاً عن الفصحى .
ويجمع عبدالله لغات متنوعة ويسكبها في قالب واحد لتتشكل منها لغته المسرحية الخاصة، فهو يضع الشعرية والشاعرية والفرجة التي تستدعي الأشكال الشعبية وكذلك الصمت وتأويلاته في نسيج واحد، يؤدي به إلى رسم لغة شعبية محلية لها خصوصيتها، ولها ميزاتها التي صنعت لهذا الكاتب مساراً مختلفاً وخاصاً يمتاز به عن بقية أقرانه من كتّاب المسرح، كما أنه من خلال كتابته للشعر الذي جاء على ألسنة الشخصيات وتوظيفه بدقة، ينحو نحو خلق حالة خاصة أضفت على النص قيمة عاطفية وكذلك قيمة تأويلية تفسيرية، وهذا الأمر واضح في مجمل نصوصه التي كتبها للمسرح .

لقد حاول عبدالله من خلال اعتماده الشعر في بنية الحوار، خلق لغة جديدة لا تكتفي بالتعبير عن الأحاسيس والأفكار بل تحاول أن تخلق مستقبلها، من خلال علاقة هارمونية متناغمة تخلق التوازن المطلوب بين لغة الكاتب النثرية والشعرية، فتحول بذلك، الفضاء عند اسماعيل إلى الشعرية التي هي مطلب وغاية من غايات المسرح . إن الشعر الذي كتبه إسماعيل وضمنه حوارات مسرحياته، هو مرتبط بالحدث المسرحي ولا ينفصل عن البناء الدرامي للنص، كما أن ذلك الشعر، تخلى عن أدبيته إلى الدرامية، وتداخل تداخلاً إيجابياً مع بناء الشخصية في معمار درامي منح النص رؤية أكثر عمقاً وحميمية اقتربت من روح المتلقي الذي أنهكته سرديات الحوار القديمة .

إن اسماعيل عبدالله هو كاتب مسرح، لا شاعر، وهذا يعني وجود اختلافات بين لغة الشعر الغنائي ولغة الشعر الدرامي، وبين استخدام اللغة الشعرية في المسرحية، أو اللغة الشعرية في كتاب، فالشاعر الغنائي يفّتق مضامين اللغة ويعيد صنعها لتقول ما لم تكن تقوله، ولكن إسماعيل عبدالله نقيض ذلك، فاللعب باللغة خطر على المسرحية، ولذلك أدرك أن عليه أن يبحث عن لغة مختلفة عن لغة القصيدة الغنائية، فالمتفرج في المسرح غير القارئ في الكتاب، وإذا كانت اللغة في القصيدة الغنائية غاية في ذاتها فإنها في المسرحية وسيلة لغاية أخرى، ولا يعني هذا أنها نثرية، ففيها من الرشاقة والإيحاء ما في لغة الشعر الغنائي نفسه، ولكن ذلك يعني أنها لغة تتناسب والشخصيات التي تتكلم قبل أي شيء آخر . واللغة الشعرية عنده تمتاز أيضا بتناسقها وتوائمها مع عناصر النص، وهي تراعي وجود المتلقي، فتساعد لغته على رسم الشخوص والكشف عن مكنوناتها، لا لتدل على خبرة الكاتب وقدرته اللغوية .

إن الكاتب المسرحي تقع على عاتقه مجموعة من المهام الصعبة التي يجب أن تتحقق كلها دفعة واحدة حتى ترتقي مسرحيته إلى مرتبة الأدب أولاً، وأن توحي بالواقع ثانياً، وأن تنسلَّ إلى قلب وعقل المتلقي بصفاء وسلاسة بحيث تردم الهوة المخيفة بين لغة الحياة اليومية التي يتعامل معها المتلقي في حياته العادية، ولغة المسرح التي يجب أن توحي بلغة الحياة اليومية ثالثاً . وتلك هي المرتبة الرفيعة التي إن تحققت للنصوص المسرحية، استطاعت أن تحتل مكانتها على المسرح من جديد .

في مسرحية “زهرة ومهرة” تولدت الفكرة الشفوية في عقل إسماعيل عبدالله، مرتبطة ومتصيّرة من كينونة الواقع الاجتماعي الآنيّ والمعاصر، وما فرضته تحديات العولمة من تقسيم، وما ولّدته الحياة من نزعة نحو الاستغلال بشتى السبل الممكنة، من هنا جاءت الفكرة التي طرحت موضوعة البيوت الشعبية وتوزيعها على مستحقيها، من خلال ثلاث شخصيات، زهرة ومهرة الواقعتين تحت تأثير شخصية كعبوس مندوب الحكومة الذي جاء ليوزع تلك البيوت، فتفاعلت الفكرة مع موقف إسماعيل عبدالله منها، في ظل توجهه نحو الإنسان في مجمل القضايا التي طرحها عبر المسرح، فاتخذ إسماعيل هنا موقفاً مؤيداً وناصراً لشخصيتي زهرة ومهرة فنتج عن ذلك صراع ناشئ بين القطبين المتعاكسين في النص، عبر الناقلة – اللغة – للرسالة التي أراد إيصالها المؤلف ومن ثم عهد بهذا كله إلى المخرج في مستوى رابع، ثم تشكل النص في لغة بصرية ربما اختلفت قليلا عن لغة النص المكتوب “حذف، إضافة، تعديل، فضاء مغاير، شكل مختلف”، لكنها في النهاية حملت الرسالة نفسها .
والتأويل حاضر أيضاً في نصوص إسماعيل عبدالله، ويعرف التأويل على أنه في الأصل الترجيع، وفي المصطلح صرف اللفظ عن معناه الظاهر، إلى معنى يحتمله .

إن الأسباب التي تدفع مؤلفي النصوص إلى عدم الإفصاح، مما يجعل نصوصهم ملتبسة ومتشابهة وإشكالية، هي أسباب سياسية أو اقتصادية أو معرفية أو إيديولوجية أو فنية؛ وبالنسبة للأسباب الفنية، فإن الكاتب ينتج نصاً محصناً فنياً ضد القراءات الساذجة الكسولة .

وعبدالله يهتم كثيراً باللغة وكذلك هو يدرك أسرارها ويتميز بها، عبر عدة أساليب تأويلية منها التأويل في عنوان النص، حيث سعى التفكيكيون إلى إعطاء عنوان النص أهمية مساوية لأهمية المتن، فهو فضلاً عن وظيفته في تعريف النص فإن له وظيفة تأويلية حين يتعالق مع النص سيميائياً ليتحول إلى علامة إرشادية تقود القارئ داخل النص .

إن الإشكالية الرئيسية في بحث القضايا المتعلقة بالعنوان تكمن في عدم الاتفاق على ماهية التعالق بينه وبين المتن، هذه الإشكالية التي تنتج من تنوع الوظائف التي يؤديها العنوان واختلافها بين نص وآخر، فعند عبدالله يحمل العنوان وظائف متنوعة وفقا للشخصة المحورية، مشكلاً معادلاً موضوعياً كاشفاً عن المعاناة الحقيقية للشخصية، وجاعلاً المتلقي يركز مجمل اهتمامه حول تلك الشخصية، كما في مسرحية “السلوقي” و”زهرة مهرة” و”أصايل”، وفي مسرحيات أخرى يتخذ العنوان استعارة عن الثيمة الرئيسية للنص، كما في المسرحيات “راعي البوم عبرني”، “غصيت بك يا ماي”، “ليلة مقتل العنكبوت”، “انفجار” و”صرخة” . وأحياناً يأتي العنوان على صيغة مثل شعبي، كما في “خبز خبزتوه”، “حاميها حراميها”، وكذلك بعضها جاءت من الموروث الشعبي “غصيت بك يا ماي”، “مولاي يا مولاي”، غير أن الشيء الذي ينبغي ملاحظته هنا هو أن المتلقي لن يدرك دلالة العنوان إلا بعد انتهائه من قراءة المسرحية أو مشاهدتها، فهو عند تلك النقطة سيعرف سبب اختيار المؤلف لذلك العنوان التأويلي دون غيره من العناوين .

يستخدم إسماعيل عبدالله الصمت على أنه لغة تأويلية، تلعب أدواراً متعددة وشديدة التأثير في المستويين الدرامي والجمالي، وهي أدوار قد تتعادل مع الأدوار التي يلعبها الحوار، عبر التعبير الانفرادي الذي ينتحي الممثل فيه جانبياً للتعليق النقدي أو الانتقادي الذي تبديه الشخصية داخلياً، وربما يتفوق الصمت على الحوار الكلامي في بعض المواقف التي يكون الصمت فيها هو الطريقة الوحيدة لنقل حالة التأزم الدرامي التي تقع فيها الشخصية المسرحية .

فالصمت لون من ألوان التأويل، لأنه يبدو سكوتا ظاهريا عن الكلام، بينما هو في حقيقة الأمر كلام مضمر، يحمل معنى الإدانة، وهو بذلك يشكل قوة اتصال غير شفاهي، خاصة عندما يكون هو الوسيلة الوحيدة للاتصال، كما أنه حالة اختيار إجباري خاصة عندما يكون استبدالاً للاتصال الكلامي بالنظرات . وقد يشكل الصمت مطلباً متعدد المستويات والأهداف الدرامية في منظومة الحوار الذي تنطق به شخصية أو أكثر من الشخصيات المسرحية، ففي كثير من الأحيان يعجز الحوار عن مجاراة التصاعد المتتالي والقوي في البناء الدرامي، حيث تصبح الكلمات باهتة ومنقوصة وغير مجدية في حضرة تلك اللحظة المؤثرة والحاسمة في النص المسرحي .



المصدر: الخليج

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption