أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 24 يوليو 2015

كتاب "المسرح السعودي مسارات التطور واتجاهاته" لوطفاء حمادي تجربة رائدة تلقي الضوء النقدي وتدلّ على الاتجاهات / عباس الحائك

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

لم يتناول أحد النص المسرحي السعودي نقدياً بكل اختلافاته وتنوعه كما تتناوله الناقدة الدكتورة وطفاء حمادي الأكاديمية في الجامعة اللبنانية في كتابها، "المسرح السعودي مسارات التطور واتجاهاته - مسرح الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون نموذجاً"، الذي صدر عن الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الرياض 2014. فالمسرح السعودي يشكو من قصور الجانب النقدي على ما يكتب في الصحف من مقاربات انطباعية.


اختارت وطفاء حمادي دراسة اتجاهات الكتابة المسرحية في السعودية بعدما قامت سابقاً بـ"دراسة بعض النصوص المسرحية لبعض كتاب الجمعية"، من مثل سامي الجمعان ورجا العتيبي وفهد ردة الحارثي وعبد العزيز السماعيل وعباس الحايك وشادي عاشور وغيرهم، وقد تبدى لها غنى ثيمات هذه النصوص وتنوع أساليبها وتعدد مدارسها، ما يؤكد أن هذا "المسرح في المملكة يرسخ فكرة وجود مسرح نوعي وجاد يواكب المسرح المتطور في العالم العربي"، وهذا ما يتنافى والصورة النمطية التي صار المسرح السعودي يوسم بها ويتعامل وفقها المسرحيون والجمهور مع تجاربه.
لا تقدم حمادي في كتابها دراسة توثيقية للنص المسرحي السعودي، لكنها تنطلق من توثيق المسرح السعودي وبداياته لمقاربة النصوص التي قدمت ضمن عروض فروع جمعية الثقافة والفنون نقدياً، وقد اختارت الجمعية ونصوص مؤلفيها عينات للدراسة كون الجمعية هي الحاضن الرسمي الأول للمسرح في المملكة، منذ تأسسها في العام 1973 وقد وصل عدد فروعها حتى الآن إلى 16 فرعاً يغطي مدن المملكة الرئيسية. وكانت المنهجية التي اعتمدتها حمادي في دراستها تركز على الاتجاه الذي يندرج تحته النص المسرحي، وعلى ثيمته وعلى دراسة البناء الفني الذي يكشف عن البعد الفكري للنصوص المنتخبة.
الكتاب في 226 صفحة وستة فصول مختتمة بسير للمؤلفين والمخرجين السعوديين الذين شملت نصوصهم الدراسة. يتناول الفصل الأول الإرهاصات الأولية للنشأة المسرحية في المملكة التي لا تختلف عن مثيلاتها في دول الخليج أو الدول العربية حتى، حيث كانت ثمة "تشكلات مسرحية مبكرة أو صيغ جنينية للمسرح"، كالممارسات الشعبية شبه المسرحية، مثل رقصة السامري والفجري والحكواتي وطقس الشبيه وغيرها من الممارسات التي لم تؤسس لمسرح حقيقي ولم يكن المسرح العربي في شكله الحالي امتداداً لها. في الفصل نفسه، نشأة التأليف المسرحي وهو المعني بالدراسة، حيث تشير المؤلفة إلى أن بدايات الكتابة المسرحية تعود إلى العام 1932 حين كتب الشاعر حسين سراج أول نص شعري، "الظالم نفسه"، إبان حضور هذا النوع من المسرح في العالم العربي كشكل من أشكال الكتابة الأدبية، وتبعه بنصوص "جميل وبثينة" 1943، و"غرام ولادة" 1952، ثم "الشوق إليك" 1974. وكتب عصام خوقير أول نص نثري عنوانه "في الليل لما خلي" 1970، باللهجة المحكية.
في الفصل الثاني قراءة نقدية لنشأة الدراما المسرحية في مسرح كتاب الجمعية، منطلقة من "الأصول المفهومية لدلالات الدراما المسرحية التي حددت في القرن العشرين"، ورصدٌ لتحولات الكتابة المسرحية التي بدأت في 1980 "بطرح أسئلة حول كتابة النص الدرامي الذي ارتكز في البدايات على توظيف الفن الدرامي لخدمة هدف أساسي واستراتيجي وهو توعية الجمهور من أجل تحفيزه للتعرف إلى المسرح، الشيء الذي ينبغي أن يجعل النص المسرحي المؤسس منفتحاً تتأرجح موضوعاته بين معالجة مباشرة وصريحة لقضايا أخلاقية واجتماعية وسياسية"، وصولاً للخروج من هذه الدائرة إلى فضاءات أرحب لتطوير بنية الكتابة المسرحية والموضوعات التي تطرحها واتساع أفقها.
في الفصل الثالث، تقرأ الكاتبة النصوص قراءة نقدية تطبيقية للنصوص، وفيه تعريج على موضوع التراث واستلهام التاريخ وتوظيفه في النصوص المختارة، الموضوع الذي يبدو أكثر إغراءً لدى كتاب المسرح العرب وخصوصاً منهم الذين يؤمنون بفكرة تأصيل المسرح العربي والبحث عن جذوره التاريخية، كسعد الله ونوس وألفرد فرج وممدوح عدوان وغيرهم. من النصوص التي درستها حمادي في هذا الفصل، "سهرة مع الشيخ أحمد" لعبد العزيز السماعيل الذي استحضر حكاية الشيخ أحمد السباعي الذي اعتبره باحثون أباً للمسرح في السعودية وصراعه مع المحافظين الذين أوقفوا مشروعه "مسرح قريش" في مكة، ونصه "غربة علي ابن المقرب" حيث "يعالج السماعيل في هذا النص سيرة الشاعر علي ابن المقرب، ويحولها درامياً إلى نص مسرحي". في قراءتها للنص، ترى حمادي أن السماعيل كتبه "لكي يدون سيرة حياة شاعر من دون أن يصوغ منه حدثاً درامياً بل جاءت عرضاً سردياً خلا من الصراع أو تعميق الحدث". من النصوص المصنفة ضمن عنوان استلهام التراث ويقدم لها الكتاب قراءة نقدية، نص رجا العتيبي، "طرفة بن العبد"، الذي "اكتفى فيه بتوظيف بعض صفات شخصية طرفة وأضاف إليها ما يتلاءم مع رؤيته)، ونص "وامعتصماه" لحمد الدبيخي، ونص "موت المؤلف" لسامي الجمعان الذي استحضر فيه الشخصيات التي كتبها سعد الله ونوس في مسرحياته.
في موضوع الأسطورة والمأثورات الشعبية، تختار حمادي نص ملحة عبد الله، "سر الطلسم"، حيث "تتوغل في ثنايا الدلالات الأسطورية التي ترتبط بالمعتقد الشعبي والمفاهيم الغيبية ذات التأثير النفسي المعتقدي على الإنسان"، ونص محمد العثيم، "كوميديا ابن البجعة"، الذي بنى نصه من "ثنائيات متفاعلة بين الأسطوري والسياسي"، ونصه "السنون العجاف"، ونص عباس الحايك، "ولاية الأحلام" الذي تلاحظ فيه "أن التأثير المستمد من أجواء ألف ليلة وليلة جاء انسيابياً، ولكن هذه المرة شهرزاد ليست منقذة إنما هي شهرزاد المدمرة والمتسلطة".
في موضوع المسرح والقضية الاجتماعية، يتناول الكتاب "الزاوية المظلمة" لعبد الله الباروت، و"أحلام مبعثرة" لفهد الأسمر، و"جراح بن ساطي" لسامي الجمعان، و"المهابيل" لإبرهيم الحمدان، و"ديك البحر" لراشد الشمراني، و"العناية المركزة" لعبد العزيز العطاالله، و"النقيض" لعبد الرحمن المريخي، و"لا طبخ ولا شوي" لسعد المسمى، و"تباشير" لماجد البشري، و"الجراد" لعلي السعيد وغيرها من النصوص ذات الطابع الاجتماعي.
في موضوع اتجاهات وملامح ما بعد حداثية في المسرح، تختار حمادي أن تصنف بعض النصوص السعودية "ضمن هذا الاتجاه (لأنها) وجدت فيها ما يتوافق مع سماته... و(ترى) أن هذه النصوص التي تتسم بسمات ما بعد الحداثة تخضع لعملية تجريبية يخوضها هؤلاء الكتاب المسرحيون"، وتستهل قراءتها بنص "حالة قلق" لفهد ردة الحارثي الذي يطرح فيه أسئلة وجودية بشكل ساخر وناقد، ونص "المزبلة الفاضلة" لعباس الحايك، ومونودراما "يوشك أن ينفجر" لفهد الحارثي، و"ذهان" لمحمد السحيمي، وغيرها من النصوص التي أثر فيها "اتجاه ما بعد الحداثة في البنية الفكرية والثيمات التي اختارها" مؤلفوها.
في موضوع المرأة في النص المسرحي من منظور نسوي، رغم غيابها عن خشبة العرض واتسام العروض المسرحية السعودية بالذكورية، تتناول حمادي "طائر الرماد" لملحة عبد الله، و"شروق مريم" لفهد الحارثي. كما تقدم قراءة في الاتجاهات الإخراجية للمخرجين السعوديين مما تسنى لها مشاهدته.
تكمن أهمية هذا الكتاب في أنه الأول الذي يتعمق في تحليل النص السعودي واتجاهاته، والأول الذي يختار هذا الكم من النصوص ليخضعها للنقد والقراءة، وهذا ما يشير إلى وجود كتابة مسرحية نشطة تتجدد فيها الأفكار وتتجاوز التلقيدي والنمطي. هناك جيل جديد من كتاب المسرح الشباب لم يتناولهم الكتاب، وضعوا نصوصاً حازت جوائز عربية. فالكتابة المسرحية أكثر قدرة وجرأة في مطاولة القضايا الاجتماعية والسياسية والإنسانية وخصوصاً أنها متاحة للقراءة والتنفيذ خارج المملكة. فالنص السعودي تجاوز الجغرافيا وصار ينفذ على خشبات عربية ويحصد الجوائز وصار بعض نصوص كتاب المسرح السعودي مطلوبة للتنفيذ.
يواجه الكتاب مشكلتين، أولها مستوى طباعته وإخراجه، حيث لم تعتن الجمعية بمستوى إخراجه وخروجه بالشكل الأفضل وخصوصاً أنها ليست جهة نشر متخصصة. تتمثل المشكلة الثانية في مسألة وصول هذا الكتاب إلى الباحثين والمتخصصين المسرحيين، بسبب تساهل الجمعية في عملية التوزيع حتى على مستوى المكتبات السعودية.

النهار - لبنان 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption