أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 28 يوليو 2015

الأديب وليد إخلاصي يتلمس العالم بثلاث حواس جمالية

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

قدّم الشاعر والناقد د. سعد الدين كليب إضاءات نقدية مهمة على تجربة الأديب وليد إخلاصي، 

 وإن سمّاها (إضاءات خاطفة)، وذلك في الكتاب الذي توزعه مجاناً مجلة المعرفة، في عددها لشهر تموز، إذ يتلمّس القارئ في تلك الإضاءات السمة التحليلية العميقة لأدب إخلاصي بتنوعه وتعدده، ما ينم عن أن الناقد كليب لا يقرأ أدب إخلاصي لأجل كتابة تلك الإضاءات فقط، بل هو يعرف جيداً هذا الأدب بكل تفاصيله ومراحله ومستوياته،  ولو تيسرت له الظروف سيتحفنا بدراسات نقدية مطولة تتناول إبداعات إخلاصي كلها، بل ونزعم أنه خير أستاذ أكاديمي لتوجيه الطلاب الجامعيين لتناول أدب إخلاصي في أطروحات جامعية في (الماجستير والدكتوراه)، إن لم يكن يفعل ذلك.
قدّم الدكتور كليب إضاءات على سيرة إخلاصي الأدبية المتنوعة بين القصة القصيرة والمسرحية والرواية، وأشار إلى أن الأديب الحلبي كان ينتج إبداعه في الفنون الثلاثة على نحو متواتر. وهذا ما يفسر لنا الكم الذي أصدره في الأجناس الأدبية الثلاثة، ورأى الدكتور كليب أن للأديب إخلاصي ثلاث حواس جمالية، يتلمس بها الواقع والعالم، ويعيد بها إنتاجهما فنياً، بما يزيد من مساحة الرؤية والمتعة كتفسير للتنوع الإجناسي في مسيرته الأدبية التي تجسدت في اثنتي عشرة مجموعة قصصية، وخمس عشرة رواية، وثماني عشرة مجموعة مسرحية، مع ثلاثة كتب في المحكيات والذكريات، إضافة إلى أربعة كتب في الثقافة والتنظير الأدبي ولم يفت الدكتور كليب الإشارة إلى التفاوت في المستوى الفني بين تلك الأعمال، وأن التفاوت، في العمل الواحد، من طبيعة الأمور، فكيف هي بعدد لا يحصى، على عجل، من الأعمال الأدبية التي أنتجها إخلاصي.
وفي ضوء ذلك يرى الدكتور كليب أنه من البدهي ذلك التكرار الذي قد نلمسه بين هذه الرواية وتلك، أو بين القصة وهاتيك الرواية لكن التكرار الذي نلمسه غالباً ما ينجم من الموضوع والإطار الزمني الخاص بذلك الموضوع. ويقصد الدكتور كليب بذلك البيئة المجتمعية التاريخية في بعض موضوعات الرواية والقصة والمسرحية. وتفسير ذلك لدى الدكتور كليب هو اهتمام إخلاصي اهتماماً خاصاً جداً بالبيئة الحلبية، بوصفها قطاعاً من قطاعات البيئة المجتمعية السورية، منذ مطلع القرن العشرين حتى نهاية الربع الثالث منه تقريباً وكأنها الموضوع الأثير لديه. فمجمل الأحداث والشخصيات في الكثير من أعماله الروائية والقصصية هي ابنة البيئة الحلبية خلال تلك الفترة الزمنية من القرن العشرين وهذا ما يفرض تكرار بعض التواريخ وبعض الأحداث العامة والخاصة وبعض الشخصيات أيضاً أي إن التكرار الذي قصده الدكتور كليب هو تكرار البيئة الواحدة بعناصرها الإنسانية والمكانية والقيمية والوقائعية. وهذا ما نجده عند نجيب محفوظ في بيئته الشعبية وحنا مينه في بيئته الساحلية.
وفي حديث الدكتور كليب عن التجريب لدى إخلاصي، كخيار فني جمالي، رأى أن التجريب خيار مفتوح على احتمالات متعددة ومختلفة في التفكير والتعبير معاً. فهو لا يكاد يركن إلى زاوية نظر محددة، مثلما لا يركن إلى أسلوب محدد، في كل جنس أدبي على حدة، وفي الأجناس الثلاثة مجتمعة فتعدد الأساليب والرؤى في  خصائص أدب وليد إخلاصي عامة  ولعلّه يختلف في هذا عن الكثيرين من الأدباء السوريين والعرب وذلك من مثل زكريا تامر، في القصة القصيرة، وحنا مينه في الرواية، وسعد الله ونوس في المسرحية. ويشير الدكتور كليب، بنقد دقيق وعميق، إلى أنه ليس التنوع الأسلوبي في ذاته قيمة إيجابية، ولا الالتزام بأسلوبية محددة  في ذاته قيمة سلبية. إذ المعوَّل عليه هو العمل نفسه من حيث الجودة والعمق والانفتاح تماماً كما أن الكثرة أو القلة في الإنتاج لا يعنيان شيئاً خارج النوعية أو السوية الفنية الجمالية كما يشير الدكتور كليب إلى أن التجريب هو الجانب الفني الذي تفترضه جماليات الحداثة الأدبية فيقول: فإذا كان التجريب يتحدد بالأساليب أولاً، فإن الحداثة تتعلّق أولاً بالموقف الجمالي من الظواهر والأشياء، والأحداث والمواقف والشخصيات، والمعاني والأفكار أي إنها تتحدد بالموقف الجمالي من الواقع والعالم وهذا التحليل لمفهوم الحداثة ليس بغريب عن الدكتور كليب فهو ناقد جمالي كان قد تبنى علم الجمال منذ كتابه النقدي الأول المهم «وعي الحداثة: دراسات جمالية في الحداثة الشعرية» الصادر عن اتحاد الكتاب العرب عام 1997.
وأشار الدكتور كليب تحت عنوان (في القصة القصيرة لدى وليد إخلاصي) إلى أن معظم مجموعاته تميل إلى التطويل في القصّ، الذي مرده يكمن في طبيعة الوظيفة الجمالية التي يسعى إليها إخلاصي وهي بلورة الحدث والشخصية من مختلف الجوانب سواء تعدد الحدث أم توحّد، فإن بلورة الشخصية من خلاله هي الأسلوب المعتمد لديه. حيث يتم استدعاء جملة من المواقف والحالات التي مرت بها الشخصية من قبل، والتي حرّضها، على الاستحضار، الحدث الراهن. ولهذا على الأغلب  -والكلام للمؤلف- تكثر حالات الاسترجاع والمفارقة الزمنية والمونولوج في قصص إخلاصي.
وفي حديثه عن الجانب اللغوي التعبيري في تلك القصص يلاحظ الدكتور كليب ميل إخلاصي إلى اعتماد التعبير بالجمل السردية الطويلة نسبياً. ما يعني تحميل الجملة وظائف سردية عدة في آن معاً، أمّا حول القصص المختارة في الكتاب وهي إحدى عشرة قصة، مختارة من تسع مجموعات قصصية، يقول الدكتور كليب: تتراوح القصص، على المستوى الجمالي، بين قيمة التراجيدي وقيمة العذابي، كما تتراوح هاتان القيمتان بين الشأن العام والشأن الخاص أما على المستوى السردي، فإن تلك القصص تتراوح بين الواقعي والعجائبي في الحدث والشخصية على حدٍّ سواء.
ولا يزعم الناقد كليب أن القصص المختارة في الكتاب تمثّل تمام التمثيل فن القصة القصيرة، لدى إخلاصي، لكنه يزعم، في المقابل، أنها تقدّم صورة تقريبية لذلك الفن سواء أكان ذلك على المستوى الجمالي أم المستوى السردي أم المستوى الموضوعي ثم يمضي الناقد كليب بالحديث عن تلك المستويات في القصص المختارة وهو في كل ما قدّم أعطى بحق بعض المفاتيح القرائية الدالة، التي تسهم في توسيع أفق القراءة وأفق نص الأديب وليد إخلاصي معاً ونزعم أنها تضاعف جرعة المتعة التي تصل لقارئ أدب إخلاصي بل وتدفعه لإعادة قراءة ما كان قد قرأه في ضوء تلك المفاتيح.
نضال بشارة- تشرين 


0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption