أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 6 يوليو 2015

مدينة الناصرية ومسرحها الجديد… فنانون عراقيون: الخطاب السياسي ما زال يأكل من أعمالنا المسرحية

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

على الرغم من الأعمال المسرحية الكثيرة ما قبل عام 2003، إلا أن أغلب تلك الأعمال كانت تصب في خطاب أحادي لم يتغير كثيراً، رغم بعض الأسماء والأعمال التي حاولت الخروج عن نسق السلطة وخطاباتها. فقد كانت السياسة هي المؤثر الأكبر في النصوص المسرحية أولاً، ومن ثمَّ نصوص الخشبة التي تتغير تبعاً للمخرج وأداء الممثلين.
أكثر من عشرين عاماً قُدمت خلالها مسرحيات متشابهة في الفكرة والخطاب واللغة وكيفية الطرح. من جهة أخرى برز خلال التسعينيات ما يعرف بالمسرح التجاري الذي كان التهريج والرقص والغناء هو السمة الغالبة عليه. ففي أعمال كثيرة يُدرك مخرجوها أنها ضعيفة وليست ذات قيمة، كانوا يأتون بمطربين مشهورين ولهم جمهورهم ليغنوا مباشرة على خشبة المسرح، مثل كريم منصور وغزلان وغيرهما الكثير، إضافة إلى الرقص الذي كانت بطلته الأولى (ملايين) ومن ثمَّ توالت راقصات الملاهي ليكنَّ بطلات رئيسات في تلك المسرحيات.
ما بعد عام 2003 تغيرت وجهات وخطابات المسرح العراقي، فضلاً عن بروز مدن في هذا الفن، مثل مدينة الناصرية التي أنتجت عشرات الأعمال المهمة وحصدت أغلب الجوائز المحلية والعربية، إضافة إلى بروز فنانين غيروا من بعض التوجهات، وكتاب كانت لهم حصة الأسد في التأثير والتغيير، مثل الكاتب علي عبد النبي الزيدي الذي حصدت أعماله جوائز عربية شهيرة، فضلاً عن تقديم أعماله على مسارح الجزائر وعمان والمغرب وتونس والقاهرة وغيرها الكثير.
السؤال الأهم هنا: ما الذي تغير في المسرح العراقي بعد عام 2003، وما الطروحات التي يمكن أن تكون قد غيَّرت من مساره؟ آخذين بنظر الاعتبار مدينة الناصرية كنموذج لهذا التغيير:

رد فعل
الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي يؤكد أن إحدى أهم إشكاليات مسرحنا العراقي هو ارتباطه الوثيق بالحدث السياسي، حتى يرى البعض إنه كان موثقاً له، هذه الإشكالية جعلته معبراً عن مراحل معينة كان المشهد السياسي مهيمناً فيها، ومن هنا يصنف مسرحنا العراقي بتسميات مثل (الستينيات أو السبعينيات أو الثمانينيات.. إلى آخره) وظهرت مصطلحات أخرى كمسرح التعبئة، الذي أخذ من عمر هذا المسرح عقداً كاملاً، ولا يمكن فصل مسرح ما بعد عام 2003 عما قبل هذا التأريخ، إلا أنه يختلف ربما في خطاباته التي وجدت مناخاً منفلتاً يمكن لك أن تعبر فيه بما تشاء، الأمر الذي جعله في الكثير من عروضه مباشراً وشعاراتياً ومنفعلاً.
ويشير الزيدي إلى أن الاستثناءات قليلة بالتأكيد، وهي التي تسير وفق مشروع إبداعي تقف وراءه نخبة مميزة من كتاب ومخرجي المسرح العراقي الذين قدموا تجارب مهمة في هذا السياق، وعلى الرغم من أن مرحلة ما بعد 2003 كانت ساحة محتدمة للخطابات بشتى أشكالها ورؤاها وتصوراتها، إلا أنها بالمقابل كانت مختبراً فشلت فيه الكثير من هذه (الانفعالات) المسرحية التي كانت تعتقد أنها لم تأخذ فرصة مناسبة لطرح مشروعها الإبداعي. لكن الأهم كما يرى الزيدي أن ارتباط مسرحنا العراقي ما زال قائماً كرد فعل على الحدث السياسي ما بعد عام 2003، وهو الذي جعله في أغلب خطاباته من دون وجهة نظر جديدة يمكن لها أن تقرأ هذا الواقع بشكل مختلف عن اليومي أو عن نشرات الأخبار.

فوضى مستمرة
المسرحي والشاعر علي شبيب ورد يبين أن حالة الفوضى التي تتسيد الراهن العراقي بعد التغيير ساهمت بشكل كبير في نشر الخراب والحطام والفناء اليومي على كل شيء، خاصة الحياة الثقافية، حيث تدمير البنى التحتية الارتكازية للمؤسسات الثقافية والفنية ومنها المسرح. ربما يبدو للجميع توفر فسحة لحرية التعبير، غير أن هذه الفسحة قائمة على أساس فوضوي يستمد تمظهراته من مبدأ شريعة الغاب (البقاء للأقوى) المستبد بكل تنويعاته.
مضيفاً أن أصحاب القرار تمرسوا في تسويف حقوق الناس في حياة حرة كريمة، وعملوا جهدهم لتخريب أنساق الجمال الاجتماعي والثقافي، وهم يعملون وفق منهج ديكتاتوري وسائله هي الترغيب والترهيب، لخلق أتباع لأجندتهم الأيديولوجية، بعد أن رسخوا ركائزهم الاقتصادية الفاعلة في إنتاج البنى الثقافية وسواها، فلا مسرح يهمهم سوى المسرح التعبوي المتماهي مع أفكارهم الشمولية القامعة للآخر شريكهم في الحياة والوجود الإنساني. وها نحن نلمس تراجعاً في مستوى صلاحية المسرح الوطني ومسرح الرشيد وسواهما من مؤسسات وزارة الثقافة. كذلك عدم إنشاء قاعات عرض جديدة تتناسب والمتغيرات، وخلو أغلب المحافظات من قاعات عرض وحتى قاعات المدارس جرى إهمالها وحتى تخريبها. كذلك غياب الدعم للفرق المسرحية والمهرجانات والعاملين في المسرح، وإن وجد نشاط مسرحي ما، فهو لأغراض تعبوية ليس إلاّ. أما في الجانب الرؤيوي والتجريب التأسيسي، فإن ظهور بعض الطروحات والمحاولات الفردية المتباعدة هنا أو هناك، لا يتشكل شيئاً إزاء ما يجري من تحولات متسارعة في المسرح العالمي، وذلك لعدم توفر الظروف الملائمة لتطور واتساع رقعة تلك الطروحات والمشاريع التجريبية، لأن أصحاب المشاريع المسرحية الجادة، بحاجة إلى استقرار حياتي وتفرغ تام، لتطوير تجاربهم.
فكيف بنا ونحن نعيش راهناً عراقياً محتدماً بكل أشكال الخراب، والتصحر الاجتماعي والثقافي، جراء الحروب المتواصلة المنتجة للكوارث الاجتماعية والبيئية؟ التغير الحاصل هو فقط في الانفتاح والانتشار والتسويق الإعلامي والمعلوماتي، ولكن من دون أن يؤثر على الحياة المسرحية اجتماعياً وثقافياً وتقنياً.

صندوق شكاوى
المخرج الشاب مصطفى ستار الركابي يوضح أننا نعي جميعاً مدى قوة وعشوائية ردة الفعل النفسية التي صاحبت سقوط النظام السابق في العراق.. رغبة عجيبة بتغيير تفكير المثقف العراقي بعد رحيل الديكتاتور.. علينا تغيير أي شيء يحمل بصمة الديكتاتور ولجانه الثقافية. الركابي يطرح سؤالاً حول هذا التغيير: هل يجب أن يخضع المسرح لذلك؟ لنسلّم لـ(يجب) ونعامل المسرح كفعل مجتمعي ونغض النظر عن أنه فعل فني له صبغة عالمية في ماهية الاشتغال وطريقته؟ ما الأشياء التي طالتها يد السلطة في المسرح قبل التغيير؟ هل منعت السلطة اشتغالاً مسرحياً معيناً لسبب فني ما؟ هل اعترضت على شراء منظومة إضاءة حديثة؟ عارضت طريقة إخراج معينة؟ أبداً، هم السلطة الوحيد هو الخطاب المسرحي.. ساهم أغلب المشتغلين في المسرح على تعميق هذه الفكرة (المسرح بوصفه خطاباً لا أكثر) إما مع أو ضد.
ويستنتج الركابي من هذا أن السلطة وبعض المشتغلين في المسرح عملوا على تحويل الفعل المسرحي من فعل فني خالص إلى فعل له علاقة لابد أن تكون وطيدة مع المجتمع.. للسلطة أو ضدها، إلا قلة قليلة حملت فكرة الهم المسرحي وتعاملت مع المسرح بوصفه فعلاً فنياً يتطور بحد ذاته لينتج خطاباً فنياً خالصاً. هذه القلة التي رأت أن العرض المسرحي ظاهرة ممتعة مفصولة إلى حد ما عن المطالب الشعبية أو مطالب السلطة أو المعارضة. من هنا نرى أن مصطلح التغيير الذي أطلق على عروض ما بعد عام 2003 لم يخرج عن إطار الخطاب لا أكثر، فلم نر اختلافاً معيناً في أساليب الاشتغال المسرحي، سوى بعض الملامح التي كانت ستقدم لو كان النظام مستمرا بالحكم. يعني باختصار أننا لم نلحظ انحرافاً في نسق التفكير المسرحي يعطي دليلاً على تأثير التغيير.. لم تتغير أساليب التلقي في المسرح العراقي، وهذا الدليل الأكبر في أن الشيفرات المسرحية التي تُقدم بقيت نفسها بالضبط فلم تكن بحاجة لأسلوب تلق جديد.. من هنا نستنتج محدودية تأثير التغيير في المسرح العراقي وفائدة التغيير فائدة نفسية بالنسبة للعاملين في المسرح، ولم تنعكس على الفعل المسرحي إلا من ناحية الخطاب. وكل ذلك لم ينعش النتاج المسرحي، بل ساهم بتأكيد فكرة أن المسرح عبارة عن صندوق شكاوى يحمل هم الناس، كما يسميه البعض، وقد صاحب ذلك انقطاع شبه تام عن الحراك المسرحي في العالم الذي انطلق يبحث في فضاءات جديدة همها تحفيز الإنسان للبحث عن متعته وإهدائه طرق جديدة بالتفكير.
المخرج المسرحي المعروف كاظم النصار، هو أيضاً من مسرحيي مدينة الناصرية رغم أنه أنتج كل أعماله في بغداد، يؤكد أن الأساليب لم تتغير تغيراً حاسماً، ولم تصبح قاعدة أو تياراً، إنما المتغير المهم هو في الطروحات المضمونية، فبسبب الرقابة المشددة قبل عام 2003 لم يكن أحد يجرؤ اﻻ بالتشفير والمراوغة على نقد الأوضاع السياسية واﻻجتماعية عبر نصوص أجنبية لشكسبير وأبسن وتشيخوف وغيرهم، وعمل مقاربات مع وضعنا آنذاك بصورة شبه سرية، بمعنى اتخاذ أسلوب تعبيري بصري ﻻ يلامس المحنة إﻻ من بعيد.
أما اليوم؛ من وجهة نظر النصار، فـ»باستطاعتنا فتح ملفات ونقد ظواهر تكرست في الحياة السياسية واﻻجتماعية، وطالما أنت ﻻ تسمي شخوصاً وﻻ أحزاباً وﻻ عقائد… المهم إنك تتحدث عن ظاهرة مثل الديكتاتورية والتطرف والتهجير»، ويقصد النصار بذلك ظواهر مثل الإقصاء السياسي والعنف والإرهاب، وربما بشكل مباشر ومن دون التنازل عن الشرط الفني والجمالي.. إذن هناك تغيير فني مرتبط بالتقلبات السياسية، لكنه يؤكد أنه من المبكر ترسيخ ظاهرة عروض ذات منهج واحد، وتفكير واحد، فنحن بحاجة لسنوات أخرى ليتكرس لون جديد أقرب للمسرح السياسي الذي ظهرت منه مجموعة عروض، غير أنه يبقى حراكاً فردياً ومن دون أن يشكل ظاهرة اليوم. «شخصياً وفي عروضي «نساء في الحرب» و»مطر صيف» و»أحلام كارتون» أحاول تكريس وإنشاء لون جديد هو أقرب للكباريه السياسي، ولكن مع لون ونص عراقي، إذ يتقدم النسق النصي والأدائي على نسق اﻻخراج، وهو محاولة أيضاً لنقد اﻻوضاع السياسية واﻻجتماعية بعد عام 2003، كما أنه مزاج جديد سيشكل؛ مستقبلاً، جمهوراً واسعاً وقبوﻻً منقطع النظير».

صفاء ذياب - القدس العربي 

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption