مسرحية "صفعتان على الوجه " تأليف : فيرينسمولنر ترجمة : رياض ممدوح
مجلة الفنون المسرحية
الشخصيات : يوليس– شاب
الفريد – شاب
المكان والزمان : شارع في بودابست عند الساعة الثانية بعد الظهر في يوم
خريفي مشمس.
(يوليس والفريد يمشيان الى منزليهما بعد خروجهما من
المدرسة، يحملان كتبهما تحت ذراعيهما. كلاهما في
حوالي السابعة عشر من العمر).
يوليس: انك لم تقل ولا كلمة واحدة خلال العشرة دقائق هذه.
الفريد : كلا.
يوليس: الا تشعر بأنك لست على ما يرام؟
الفريد : اني على ما يرام.
يوليس: انك مكتئب طوال اليوم.
الفريد : نعم … اني مكتئب.
يوليس: لماذا؟
الفريد: بسبب امرأة مخادعة جدا.
(فترة صمت)
يوليس: تعني فِلما؟
الفريد : طبعا … فِلما. مَن غيرها؟
(فترة صمت)
يوليس : ماذا فعلت؟
الفريد : لم تفعل شيئا معينا. انها مخادعة، هذا كل ما في الأمر. امرأة
ككل النساء.
يوليس : على اي حال، ما الذي حدث؟
الفريد : تعرف نافورة الماء تلك التي في ساحل ماركريت؟
يوليس : نعم.
الفريد : الكثير من الفتيان والفتيات يلتقون هناك في المساء. انا وهي
اعتدنا ان نلتقي هناك ايضا.
يوليس : عند نافورة الماء؟
الفريد : نعم كل يوم عند الساعة السادسة مساءً. كانت تقول ان لديها
درس في الموسيقى، وانا كنت اقول اني ذاهب الى المكتبة، وكنا
نلتقي عند نافورة الماء ونذهب لنسير تحت الأشجار كحال كل
المحبين … وكل الذي بيننا أمور بريئة، حتى اني لم أقبّلها لأنها
كانت تخشى ان يرانا احد ما. كلا، كنتُ فقط آخذ يدها بيدي، وكنا
نسير كثيرا ونتحدث عن المستقبل …عندما سنتزوج، وأشياء من
هذا القبيل. واحياناً نتشاجر بسبب مدرس الموسيقى. كنتُ غيورا
عليها قليل. حاولتُ ان أجعل فيلما غيورة هي ايضاً، لكنها لم
تُظهر غيرتها أبداً. انها ذكية جداً. لكنها تُحبني …
يوليس : نعم، لكن ما الذي حدث؟
الفريد : اني قادم اليك بالحديث … وهكذا كنا نلتقي دائماً عند نافورة الماء
الى ان تسلمت امها رسالة … انها كانت غلطتي. على الاقل ذكر
نافورة الماء فيها. كان بإمكاني ان اكتب “مكان عام”، لكن، مثل
الغبي، كتبت “نافورة الماء” … نعم، امها استلمت الرسالة لكنها لم
تخبر فلما ولو حتى بكلمة واحدة. وفي المساء التالي أخذت تراقب
فلما وهي تربط شعرها بشريط جديد، وعندما قالت فلما “درس
الموسيقى” اِدّعت انها صدقتها ودعتها تذهب بدون كلام. لكنها
تبعتها. أترى؟
يوليس : أوه!
الفريد : كان شيئاً مرعباً. انا كنت واقفاً أمام نافورة الماء، غير متوقع لأي
شيء أبداً. وظهرت فلما وتقدمت . “هلوا! ” ” هلوا ! ” قال كل
واحد منّا للآخر، ويداً بيد مشينا نحو الاشجار. سألتها فيما اذا
كانت تحبني، وقالت بالطبع انها تحبني. سألتها اِن كانت تحبني
كثيراً، قالت كثيراً جداً. قلتُ ” انا متيّم بكِ “. وقالت هي، ليس
بقدر ما انا متيمة بكَ “. قلتُ انا : من المستحيل لأي كان ان يهيم
كما أهيم انا بكِ “. وفي تلك اللحظة اندفعت امها كالثور الهائج.
يوليس : ماذا تعني ب ” كالثور “؟
الفريد : مثل انثى الثور أعني البقرة. اندفعت وغرست نفسها أمامنا.
شعرتُ بالرغبة في الركض والهرب بعيداً، لكني لم استطع ان
اترك فلما وحيدة في هذا الموقف المرعب… وقَفت محدّقة
بكلينا. لم تقل كلمة واحدة لي. لم تستطع، لم تكن تعرفني. لكنها
انتزعت يد فلما، وصرخت: ” اذن هذا هو درس الموسيقى! لهذا
وضعت طوقا جديداً لشعرك! ” المسكينة فلما لم تستطيع ان تقول
ولا كلمة واحدة. انها فقط واقفة في مكانها، ترتعد. وفجأة رفعت
الأم يدها بعنف، و ، قبل ان اتمكن من منع ذلك، وجّهت صفعة
على وجه فلما… يا لها من صفعة على الوجه مدوّية.
يوليس : على الوجه؟
الفريد : على الوجه تماماً! وقبل ان اتمكن من قول اي كلمة أخذَت يد فيلما
وقادتها بعيداً. كنت انا وافقاً انظر وراءهما. لا يمكنني ان اصف
لك شعوري السيئ حينها. لكني احببت فيلما اكثر من اي وقت
مضى، لأني اعلم مدى شعورها بالإهانة، تلقّت تلك الصفعة
وبحضوري. ثم ذهبتُ الى البيت.
يوليس : أهذا هو كل شيء؟
الفريد : كلا، القادم أسوأ. في اليوم التالي انا كتبت رسالة الى فلما، طلبت
منها مقابلتي عند نافورة الماء في يوم الاربعاء. مبرراً ذلك، انه
من الممكن ان نكون اكثر أمناً الآن، بعد الذي حدث، لان امها
لا يمكن ان تتوقع ان نلتقي نحن ثانية.
يوليس : وهل جاءت هي؟
الفريد : جاءت بالتأكيد. بكت بحرقة وكأن قلبها قد تحطم. انا اعلم انها
مكسورة القلب. ظلّت تردّد عدّة مرات: ” لو أنها فعلَت ذلك ليس
أمامك! لو انها صفعتني في البيت لما تأثرت وعانيت نصف هذه
المعاناة “. لا يمكن لأي كلمة منيّ ان تواسيها. فلما فتاة معتدّة
بنفسها بشكل فضيع. لم تقدر ان تبقى طويلاَ. عادت الى البيت.
وبينما كنتُ عائداَ الى البيت انا ايضاَ، خطرت على بالي فكرة.
يوليس : و ما هي تلك الفكرة؟
الفريد : فكرة ترفع من معنوياتها امامي واتساوى معها في المشاعر.
يوليس : كيف؟
الفريد : لو اني لم اكتب تلك الرسالة الغبية الى امها لما نالت تلك الصفعة
وبحضوري. نعم, الطريقة الوحيدة التي تجعلها لن تشعر بالمهانة
بحضوري هو ان اجعل والدي يصفعني وبحضورها. هل تفهم؟
يوليس : كلا.
الفريد : سهلة جدا. كتبت رسالة الى والدي تحت اسم مجهول وغيرت من
شكل خط كتابتي . ” سيدي العزيز, كل يوم وعند الساعة السادسة
يلتقي ولدك بفتاة عند نافورة الماء في ساحل ماركريت. وان لم
تصدقني, اذهب هناك وراقبهما, وامنح ذلك الشاب النصاب
الصفعة التي يستحقها “. الامضاء , ” صديق “.
يوليس : وهل ارسلتها له؟
الفريد : طبعا. ذلك الايحاء حول ضرب الشاب المستهتر لا يحتاج الى
اكثر من ذلك. انا اعرف والدي بشكل جيد. وكنت متأكداً انه لو
امسك بي سيضربني بطبيعته. وبهذا كنت متأكداً وبشكل مطلق,
اني سأكون متكافئ مع فلما. هي صفعت من والدتها كسيدة, وانا
صفعت من قبل والدي كرجل؛ وبعدها لم يبقَ هناك من سبب
يجعلها ان تشعر بالانكسار امامي بعد ذلك. اليس ذلك عمل شهم؟
يوليس : بكل تأكيد .
الفريد : اي شهم لا يمكنه ان يفعل اقل من ذلك.
يوليس : كلا.
الفريد : ارسلت الرسالة, وكان بإمكاني ان ارى ذلك على ملامح وجة
ابي. وبقيت عيناه عليّ طوال المساء, وعند الساعة السادسة الا
ربع, حينما كنت اهم بالخروج, سألني الى اين؟ فقلت : “الى
المكتبة “. وبالتأكيد, عندما غادرت المنزل تبعني ابي, وسار على
الجانب الاخر وراء الاشجار. انا كنت سعيدا. وصلت الى نافورة
الماء وانتظرت. فوالدي كان قد اخفى نفسه في الجانب الاخر وراء
الاشجار. وتظاهرت باني لم اره. وخلال حوالي خمسة دقائق
حضرت فلمه. وكل واحد منا قال للآخر : “هلوا ! هلوا !.” كيف
الحال؟… هل تحبينني؟ … انا ا حبك “… اخذت يدها وأصحبتها
نحو الاشجار. وحينما وصلنا الى هناك انقض الرجل علي. ” مكتبة
ها؟ انك فتى نذل! ” واختار سلسلة من الكلمات الجارحة وقبل ان
ينتهي, وتماما كما خططت له, صفعني صفعة مدوية على وجهي
بكفه المفتوح. زمجر ” هيا الى البيت ! “, وقادني معه. لكن حينما
كنا نغادر رفع قبعته وحيا فلمه بأدب. كان عملا مهذبا. وقد
احترمته على ذلك .
يوليس : نعم. يستحق ذلك.
الفريد : في اليوم التالي قابلت فلما ثانية. ماذا تتوقع انها فعلت؟ انها
ضحكت علي.
يوليس : ضحكت؟
الفريد : ضحكت!… قالت ان اثر الكف على وجهي عندما صفعني والدي
هي اكثر الاشياء متعة. واستمرت بالضحك ثانية… ثم اخبرتها
كيف اني قد خططت لكل هذه الاشياء بنفسي. وعرضت لها نسخة
من الرسالة, وبينت لها كيف اني كنت قد اذللت نفسي لأزيل اثر
مذلتها عندها, وان ذلك ليس مدعاة للضحك والسخرية, لكنها
بقيت تضحك وتضحك بشكل جنوني. وعندما لمتها على ذلك
قالت: “لا يمكنني التوقف عن الضحك. منذ ان رأيت والدك
يصفعك لم اعد احترمك اكثر “.
يوليس : أهذا ما قالته؟
الفريد : هل تصدق ذلك؟… نعم … احس ان وجهي يحمر خجلا. لا
يمكنني قول اي كلمة اخرى. وعندما رات كم انني كنت ذليلاً،
تأسفت قليلا وقالت: ” لو تعلم كم انك كنت تبدوا مضحكا حينما
صفعك. بالنسبة لي ليس من جدوى ان اعود الى حبك ثانية. لا
استطيع ذلك. اعتقد اني غير متوهمة ابدا “. ثم بدأت تضحك
ثانية، وانا تركتها وغادرت. لم استطيع البقاء هناك وهي تضحك.
يوليس : والان هذا هو كل شيء؟
الفريد : نعم كل شيء.
(فترة صمت )
يوليس : انها لا تستحق ان تتألم من اجلها. انها متقلبة.
الفريد : هي هكذا… ما فائدة الشهامة معها؟ ان تدع نفسك تتلقى صفعة
على وجهك في هذا الموقف, وهي مجرد تضحك عليك.
يوليس : كنت تعتقد انها ستحبك اكثر بعد تضحيتك تلك.
الفريد : نعم. وهذا هو المحير في الامر. بعد ان صفعتها امها بعنف
احببتها اكثر من قبل … واحترمتها اكثر ايضا. لكنها .. هي .. لا
يمكن تبرير ذلك! لا يمكنني ان افهمها رغم كل شيء.
يوليس : ولا انا.
(يستمران في سيرهما , متشابكي الايدي بحزن)
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــتــار
---------------------------------------------
المصدر : الناقد العراقي
المصدر : الناقد العراقي
0 التعليقات:
إرسال تعليق