فن الإلقاء .. تقاليد عريقة ومهارة تبلورها السنوات
مجلة الفنون المسرحية
ولكن ليس كل من وقف على خشبة المسرح أصبح فناناً. إنه طريق تكوينٍ صعب
تتداخل فيه عوامل عدة ومن أهمها الإلقاء الفني. حول مهارة الالقاء وتقاليد
هذا الفن الرائع في روسيا أجرت قناة "روسيا اليوم" الحديث مع أحدِ رموز فن
الالقاء في روسيا الفنان أفانغارد ليونتيف.
كيف يمكن تقييم حالة فن الإلقاء الفني اليوم في روسيا ؟للأسف،
لقد تدهورت الامور في هذا المجال في السنوات العشرين الماضية لانقطاع المشاهد عن زيارة المسرح. ولا ريب في أن انتشار اجهزة الحاسوب ساعدت على أن يتراجع دور الكتاب بشكله التقليدي وبقراءته الفنية أي بقراءته على الملأ بصوت مسموع في
حياتنا...في الماضي كان الكتاب يملأ فراغ القراء إلى حد كبير. أما الآن فظهرت أنواع أخرى من وسائل الترفيه.. وولى عهد فن الإلقاء، وبقي محصورا في نطاق ضيق من الجمهور، وأصبح يهم وسطا أقل من المشاهدين، بل وأخذ عدد الفنانين البارعين في هذا المجال بالتناقص. وما يثلج الصدر أن الفيلهارمونيات لا تزال وإن بمستوى أقل تهتم دائما بحفلات فن الإلقاء. وبالمناسبة لا يمكن الحصول على تذاكرَ لهذه الأمسيات. وسيبقى الممثلون بحاجة دائمة إلى قراءة الأعمال الأدبية بصوت مسموع، ذلك لأنهم ممثلون.وهذه الحاجة ستدعم فن القراءة الفنية والإلقاء. وإذا كان القارئ شخصية إعلامية فسيكون النجاح مضمونا حتما. ولكن، وعلى أي حال، فإن عالما بغير كتاب يثير القلق على مصير هذا النوع الفني الذي بات مريدوه اشبهبرواد ناد صغير.
هل لاتزال تقاليد فن إلقاء الممثلين العظام مثل كاتشالوف وجورافليوف قائمة في هذا النادي الصغير؟
نعم،لحسن الحظ! حتى في هذا القطاع الضيق الآن لا يزال مستوى المهارات عاليا، وهذا أمر يبعث بطبيعة الحال على السرور. لكن الفنانين الذين يتابعون نشاطهم في هذا المجال فقط ، ومنهم دميتري جورافليوف أحد أعلام هذا النوع في السنوات الماضية ، أصبحوا يتضاءلون شيئا فشيئا. وهذا يعني أن عدد الناس القادرين على الاهتمام المستمر بفن الإلقاء لضمان أعلى مستوىً له أصبح أقل.. ومن المفرح أنه على الأقل يمكن الاستماع بواسطة الإنترنت أو الأقراص المدْمجة إلى العظماءَ مثل كاتشالوف وجورافليوف وياخونتوف. ومن المعلوم أن أيَ ممثل إذا كان موهوبا بالفعل وأراد قراءة المقطوعات الأدبية فإنه سيقوم
بذلك بشكل رائع.على سبيل المثال، إن الشباب في المسرح الفني حيث أعمل ينظمون في كثير من الأحيان أمسياتٍ مخصصةً للإلقاء. ويقرأون بمستويات متباينة، وهذا ليس سيئا، لكن الخبرة ستأتيهم مع الوقت. من المهم أن
اهتمام المشاهدين والممثلين الشباب انفسِهم يتجه إلى هذا النوع الفني. ولكنْ، وعلى أي حال، فالمهارات العالية في الإلقاء الفني لا يبلغها الممثلون الشباب، الذين ينسَون أن مجرد تلاوة النص بصوت مسموع لا يحقق النتيجة المرجوة. إذ عليهم فهمُ المادة والتعبيرُ عنها بوضوح أكثر مع مراعاة جميع قواعد فن الالقاء. وهذا صعب على الشباب من دون شك في أيامنا -
فالممثلون مضطرون لكسب قوت حياتهم ، وهم يقسمون وقتهم ما بين العمل في المسرح والسينما والتلفزيون وفي مشاريع كثيرة أخرى. ومستوى المهارة في فن الإلقاء بالتحديد ينشأ من التمرين الدائم في هذا المجال فقط.
وكيف يمكنكم تقييم مستوى التدريس لمهارة فن الإلقاء في روسيا؟
تدرسفي بلادنا بجِـدية. وأنا أجيب بدقة. إن تدريس فن الإلقاء في المعاهد المسرحية في موسكو وسان بطرسبورغ يتم على اعلى المستويات فعلا. أعتقد أن هذه هي الحال أيضا في المعاهد والمؤسسات المسرحية في المقاطعات الروسية
الأخرى ذات التاريخ العريق. ولكنني لا أستطيع أن أقول الأمر نفسَه عن التدريس في الجامعات والكليات، التي أنشئت في الأعوام العشرين الاخيرة. بَيدَ أن فن الإلقاء في المعاهد يُعد الخطوةَ الأولى فقط . ولتحقيق المهارات المطلوبة أكرر: يجب التمرن بانتظام، وإلا لن يكون هناك تطور ملحوظ.
برأيك ما هو الجزء الأكثر صعوبة في إعداد برامج الإلقاء؟أصعب شيء هو اختيار المواد التي ستكون قادرا من خلالها على التعبير عن نفسك بصورة أفضل. ويجب أن يكون الاختيارُ كاختيار قناصٍ لهدفه - ماذا يلائمك؟ وبم أنت بارع؟! وبعد ذلك من الأفضل أن تعمل تحت توجيه مخرج. مع العلم أن
المخرجين المختصين بهذا النوع من الفنون أصبح عددهم يتناقص، المخرج يرتب مواضع التركيز وَفق المعنى.وهو أيضا يعرف كيف يجعل إلقاءَك أكثرَ تعبيرا ووضوحا، لأنه يفهمك ويعرف مِـيزاتك الشخصية.
هل تعتقد أن هناك فوارق بين مدارس العالم في مهارات فن الإلقاء؟
من الصعب علي الحديثُ نيابةً عن الجميع. عملت في فرنسا وأنا أعرف أن المدرسةَ الأوروبية ، وبخاصة الفرنسيةُ، تثمِّن عاليا الكلمة. والمسرح هناك يقوم على الكلمة. ومن الممكن هناك مشاهدة مسرحية لا توجد فيها حِرْفيةٌ ماهرةٌ في التمثيل، لكن الحوار يتم تقديمُه للجمهور بمهنيةٍ بارزة، إنهم يعتمدون كثيرا على الكلمة، وهذا أمر صائب. لأن الكلمة هي فكر ومضمون. فمن خلال وضع الكلمة في مكانها الصحيح من الجملة ، تستطيع إيصال مجموعة من المعاني. كل هذا تقليد أدبي عريق يطور الذهن ويمرنه بالمعاني وليس بالمؤثرات البصرية. الآن في كثير من الأحيان يصبح الطفل عبدا للمتاهات البصرية التي فقط يمكن
أن تشد انتباهه. ولكن للأسف، بهذا الشكل لا يصبح الإنسان أذكى، والمشاهد البصرية لا تنمي ذهنه. أنا في بعض الأحيان أقرأ برامجي لجُمهور من الأطفال وألاحظ أنهم لا يستوعبون الكلمات - بل سرعان ما يتشتت انتباههم ، ويفقدون
خيط التواصل. وهذا مؤشر سيئ، هذا انحطاط ثقافي. ولا أريد كما تعلمون أن تتوحش الانسانية.------------------------
المصدر : روسيا اليوم
0 التعليقات:
إرسال تعليق