آفاق المسرح الجامعي في مرحلة السبعينات.. أعمال فنية مميزة نفذها طلبة جامعة واعدون
مجلة الفنون المسرحية
-----------------------------------
المصدر :صباح الخالدي - الزمان
تشير دراسات عديدة وباحثون في مجال الفن المسرحي ان العراقيين القدامى الذين عاشوا قبل الميلاد قد عرفوا اشكالا ذات طابع مسرحي وان هناك شواهد ما زالت قائمة على وجود المسرح في العراق القديم سواء في اثار بابل والوركاء وحتى في المراحل التاريخية التالية في العراق ولاسيما في العصر العباسي فكانت الاعياد والاحتفالات والطقوس التي تقام في تلك المناسبات تشهد انماطا من الألعاب والفعاليات القريبة الى المظاهرالفنية التمثيلية وان شواهد تلك الفعاليات غدت معروفة ومتداولة بين المعنيين بالمسرح ومن ذلك الملاحم والحكايات والمقامات والأسواق الأدبية و خيال الظل و القصخون اضافة الى المراثي وطقوس الأديان التي تعايشت في رحاب العراق..
ازاء هذه المقدمة المختصرة التي تدلل على ان المسرح وبكل تلك الاشكال والممارسات كانت حاضرة عند العراقيين في الحقب الزمنية الماصية ولكن باشكال مناسبة لكل تلك العصور …القصد ان مراحل الاخرى وخاصة بعد ان افتتحت معهد للفنون الجميلة ومن اقسامها المسرح فقد بدأت تتشكل فرقا مسرحية وبروز فنانين وهم ينفذون اعمال مسرحية من المسرح العالمي والعربي والمحلي لكبار الكتاب والمؤلفين وكانت الفرق التمثيلية في العراق عديدة منهاالرسمية التي تشرف عليها الدولة ولهذه الفرق ملاك متفرغ ومنها الفرقة القومية للتمثيل تتبع قسم المسارح في دائرة السينما والمسرح وفرقة المسرح العسكري التي كانت
ترتبط بوزارة الدفاع وهناك فرق تمثيلية اهلية وهي مجازة من قبل وزارة الثقافة والاعلام في حينها بأسم مجموعة من الفنانين بصفتهم الاعتبارية منها فرقة المسرح الشعبي وفرقة مسرح الفن الحديث وفرقة المسرح الحر وفرقة مسرح 14 تموز للتمثيل وفرقة مسرح اليوم وفرقة اتحاد الفنانين وفرقة العراق المسرحية وفرقة مسرح الرافدين وفرقة مسرح بغداد وفرقة مسرح الجماهير وكانت هناك فرقا مسرحية في المحافظات الى جانب ذلك كانت هناك فرق تمثيلية غير محترفة تعمل بأسم مؤسسات ونقابات مثل اكاديمية الفنون ومعهد الفنون والجامعات ونقابة الفنانين اضافة الى مسرح الشرائح الاجتماعية التي سوف نسلط الضوء عليها ..ذلك النشاط الذي تقدمه أويتحقق باسم الطلبة والنساء والفلاحين والعمال والأطفال والذي كانت تتولاه نقابات وجمعيات ونواد اجتماعية ..وتمخض هذا النشاط جراء التحولات الجديدة في البنية الاجتماعية التي سادت خلال العقدين الأخيرين من تاريخ العراق عن عرض اعمال مسرحية واعدة اضافة الى ظهور طاقات فنية متميزة وجدت لها مكانا في مسيرة المسرح العراقي وكانت تلك الفرق مختلفة في توجهاتها عن ذلك النشاط الذي تمارسه الفرق المحترفة ومع ذلك ان اعمال تلك الفرق حققت خطوات واسعة في السبعينات وقد لاقت دعما وتشجيعا ..وهكذا كان مسرح تلك المجاميع له دوره المؤثر في انتشار العمل المسرحي في الريف وفي العديد من المدن وكانت تقيم مهرجانات واسعة في الريف والمدارس ومسارح الجامعات وكانت لكل هذه المهرجانات تقاليدها في اختيار نصوصها وفي التحكيم والتقويم ..والجانب الذي نود الاشارة اليه هوتجربة المسرح الجامعي الذي اعتمد قواعد وأسسا في عملها لم تتوفر لأية تجربة أخرى ففي مرحلة السبعينات كانت مديرية عامة للشباب تهتم بالنشاطات الشبابية الطلابية في مجال المسرح والفنون التشكيلة ويشرف على المديرية عدد من الفنانين في حينه من بينهم صلاح القصب وعبد المرسل الزيدي ومؤيد العبيدي واخرون كانوا يهتمون بالشباب والطلبة من مختلف الكليات والجامعات في نشاطات فنية وفعلا ظهرت مواهب طلابية شابة كانت نواة لتشكيل المسرح الجامعي من غير طلبة اكاديمية ومعهد الفنون الجميلة بل من كليات التربية والاداب والهندسة والعلوم والبنات والشريعة من خلال مشاركاتهم في عدد من المسرحيات التي حققت في حينها نجاحات ملموسة بعد عرضها من خلال مهرجانات الكليات وحتى منها كانت تعرض لاكثر من اسبوع على قاعة الحصري في كلية التربية وكانت تشاهد من قبل جمهوريعشق المسرح من غير الطلبة ايضا بعد بيع بطاقات العرض ومن تلك الاعمال المسرحية التي كانت مميزة مسرحية (ماساة الحلاج )وهي مسرحية شعرية من تأليف الشاعر المصري صلاح عبد الصبور تناول فيها شخصية المنصور بن حسين الحلاج المتصوف الذي عاش في منتصف القرن الثالث للهجرة وتعد هذه المسرحية حتى الآن أروع مسرحية شعرية عرفها العالم العربي، وهي ذات أبعاد سياسية إذ تدرس العلاقة بين السلطة المتحالفة مع الدين والمعارضة كما تطرقت لمحنة العقل وأدرجها النقاد في مدرسة المسرح الذهني ورغم ذلك لم يسقط صلاح عبد الصبور الجانب الشعري فجاءت المسرحية مزدانة بالصور الشعرية ثرية بالموسيقى وأهم ما ميز هذه المسرحية التي نشرت عام 1966 هي نبوءتها بهزيمة 67 إذ مثلت صوتا خارجا عن السرب في مرحلة كان فيها الأدب العربي يعيش أحلامه القومية مع المد الناصري وكانت الرموز السائدة هي تموز وأساطير البعث الفرعونية والفينيقية والبابلية، فكان عبد الصبور الوجه الآخر من هذه الموجة الثقافية من خلال شخصية الحلاج واخرج المسرحية الفنان صلاح القصب فقد كانت ملحمة شعرية تحكي قصة الصوفي حسين بن منصور الحلاج الذي جسد شخصيته الشاعر الطالب انذاك حسن المرواني مع مجموعة من الطلبة من كليتي التربية والبنات وعرضت لاكثر من اسبوع كما قدم المسرح الجامعي اعمالا جيدة منها (ولاية وبعير )لمؤلفه عادل كاظم و(قبلة يهوذا ) و(عقدة حمار )و(المحكمة ) وكانت تجري الاستعدادات والبروفات للمسرحيات التي كانت جميعها من اخراج الفنان القصب في مبنى مديرية الشباب ومقرها قرب السفارة التركية في الوزيرية القريبة من مبنى الكليات حيث كان يرتادها الطلاب بعد الدوام الرسمي كل يوم وقد اشاد عدد من الفنانين الكبار من بينهم يوسف العاني وسامي عبد الحميد ومن خلال حضورهم ومشاهدتهم لتلك الاعمال بتلك الطاقات الطلابية الفنية مؤكدين ان هذه الطاقات مكانها اكاديمية الفنون الجملية وليست كليات انسانية وعلمية…
ومع استمرار تلك النشاطات فقد شكلت نواة المسرح الجامعي في مرحلة ازدهار الفنون المختلفة ومنها المسرح فقد كانت مسرحيات مهمة ومميزة تعرض منها (الخرابة ) و(نفوس ) و(الشريعة ) و(النخلة والجيران) وغيرها اضافة الى فرق اهلية كانت هي الاخرى تقدم انشطة مسرحية كلهاكانت تشاهد ويكون عليها اقبال واسع من قبل مختلف الشرائح الاجتماعية من رواد المسرح ..لذا كان المسرح الجامعي جزءاً مكملا لتلك الاعمال الفنية للمشهد المسرحي العراقي ويمكن ان تعد تلك المرحلة هي التأسيسية للمسرح الجامعي ومن الطلاب الذين شاركوا في معظم الاعمال المسرحية هم (حسن المرواني وصباح الخالدي وسعدون داود واحمد محمود العبيدي وقاسم عبد الامير وخالد داود ومجموعة من الزميلات من كلية البنات من بينهن(ساهرة وسعاد وقسمة وفادية ونضال وهيفاء).
ومع تخرج هذه الدفعات بعد عام 1974من تلك الكليات فقد عاد الركود الى نشاطات المسرح الجامعي بشكل ملفت مقارنة مع خمس سنوات محصورة بين عامي 1969و1973 وحتى نشاطات مديرية الشباب تحولت الى وزارة الشباب وبالتالي كانت مرحلة خمول وركود المسرح الجامعي ولاهميته تلك الحقبة تم التطرق الى تلك الاعمال الفنية المتميزة والكثيفة بحيث كان طلبة الكليات من غير اكاديمية الفنون الجميلة والمعهد ينافسون الطلبة من قسم المسرح في الاداء من طلبة الاختصاص في تلك الصرحين المتخصصين بالفن بكل الوانه ففي مشاركة مشتركة لكليات بغداد باعمال فنية مسرحية عرضت من على قاعة الخلد قدم المسرح الجامعي مسرحية (المحكمة ) التي حازت اعجاب الحضور من كبار رجالات الدولة في حينها ومنهم وزيرة التعليم العالي الاســــــبق انذاك الدكتـــــورة سعاد خليل اسماعيل وكانت فرقة المسرح الجامعي لكلية الاداب متفوقة على المواد والمسرحيات التي قدمها طلبة الفنون الجميلة والاكاديمية ..هي حقب مشرقة من تاريخ المسرح الجامعي خاصة والعراقي عامة نتمنى ان تنشط الجهات الفنية ذات العلاقة بالمسرح العراقي واعادته الى سابق عهدها منافسا قويا للمسرح العربي يوم كانت المسرحيات العراقية والفانون العــــراقيون يحصدون الجوائز الفنية متفوقين على اقرانـــهم العرب في المهرجانات وليس الان ما يشهده المسرح من ركود دخل على اثره غــرفة الانعاش في موت سريسري ..ينتطر من يعيده الى الحياة والله من وراء القصد ..
المصدر :صباح الخالدي - الزمان
0 التعليقات:
إرسال تعليق