مسرحية قصة البشر!! تأليف عمرو زين
مجلة الفنون المسرحية
ستار
الكاتب عمرو زين |
قصة البشر!!
يحيكها محولجى وبهلوان فى ليلة شتاء مقمرة لبعض الوقت!
المشهد.. كشك صغير من الصفيح المتداعى، تحيط به الأعشاب من كل جنب، يبدو وكأنه جزيرة صغيرة منعزلة وسط الأعشاب، يظهر خلف الكشك على مسافة طريقان يمتدان إلى مالا نهاية.
يظهر المحولجى يحمل كلوبًا يضيئ به الطريق أمامه.. يرتدى ما اعتاد أن يرتدى من ملبسٍ، معطفٍ قديمٍ بالٍ فوق جلبابه وطاقية وحذاء شبه متهالك، يمشى مشيته المتأنية المتفكرة..
المحولجى : لولاى ما سارت القطارات، نعم إنها تسير بميعاد وميقات، ولكنها لولاى ما كانت لتسير، إنها كما الرجل الكفيف يجب أن تأخذ بيده لترشده طريقه وإلا ضيعته الطرق، قبل كل ميعاد يجب أن أحوّل المزلاج وإلا انحرف القطار عن السكة وتاه وسط هذه الوديان دون رجعة، وهذه القرية التى تغط فى النوم حتى الآن! لم يكن يعرفها أحد، ولكن بعد أن سار القطار بمحازاتها صارت ذا شأن بين القرى، صار الجميع يعرفها ولكنها ما تزال تغط فى نومها، هذه القرية تعيش أيضا بفضلى وتغط فى النوم بفضلى، فلو لم
أحوّل المزلاج لربما دهسها القطار وهى غافلة.
(يتطلع إلى السماء) بقى من الليل أن يمر قطار واحد ثم أخلد للنوم، فلأصنع كوبًا من الشاى الثقيل حتى يحين ميعاده!
( يدلف داخل الكشك ثم يخرج حاملاً أدوات غلى الشاى.. يجد البهلوان واقفًا أمامه).
المحولجى : كنت أحسبهم جميعًا نياما.
البهلوان : كلهم إلا أنا.. أنا يا عم برعى يا محولجى أعيش على عكس ما يعيشون، هم ينامون بالليل وأنا أنام بالنهار، يلبسون الجلباب بالعدل وأنا كما ترى بالمشقلب.. أليس هذا حال الدنيا؟!
المحولجى : وأنت من فهم الدنيا وفهم أحوالها؟
البهلوان : بيتهيأ لى يا عم برعى إنى فاهم الدنيا قوى.
المحولجى : أأنت حكيم الزمان ولا أدرى؟
البهلوان : حكيم الزمان نعم، هكذا سمانى أبى.
المحولجى : ومن لقبك بالبهلوان؟
البهلوان : أهل البلد، يخص على دى بلد!
المحولجى : أهو كده أهل البلد دى طول عمرهم، الحكيم يعملوه بهلوان والبهلوان يقلبوه حكيم.
البهلوان : وما الفرق عندى؟
المحولجى : لا فرق عندهم كذلك، تعساً لبلدة لا تعرف قدر حكمائها!
البهلوان : تعسًا لقرية تعلى من قدر بهلواناتها! (وهو يمد زراعه) ناولنى الشاى ناول!
(البهلوان يرشف الشاى رشفات متتابعة فى صوت مسموع.. عيناه مسلطة على حذاء المحولجى ويشع منهما بريق الإعجاب).
: يا سلام يا عم برعى ! أنت عندى كبير هذا البلد.
المحولجى : كبير البلد حتة واحدة.
البهلوان : حذاءك !
المحولجى : ماله حذائى؟
البهلوان : إنه.. إنه...!
المحولجى : أترانى كبير البلد من أجل حذائى؟
البهلوان : أيوه واللَّه يا عم برعى...
المحولجى : حتى ما ننتعل يرفعنا حينًا ويصغّرنا أحيان.
البهلوان : لا أظن أن حذاءًا كحذائك يصغّر المرء فى أى موضع كان.
المحولجى : ولكنى عندما حللت البندر نالنى من الأذى ما نالنى بسبب هذا الحذاء، حتى أن الأطفال التفوا حولى وأخذوا يهتفون ويتصايحون وكأنى الاراجوز الذى ظهر أمامهم بعد طول انتظار (غياب).
البهلوان : لا أصدق أن المحولجى يصير أراجوزًا.
المحولجى : قد يصير المحولجى أى شىء فى الدنيا، إن كنت لا تصدق فلتسأل هذا الحذاء!
(ينحنى على الحذاء ويحادثه) قل لى أيها الحذاء يا صاحب الرباط واللسان والنعل كمان هل يمكن للمحولجى أن يتحول فيصير أى شيئ كما يشاء؟ (يومئ برأسه مرات وكأنه تلقى إجابة)
لحظة صمت مسرحى
البهلوان : من أين جئت يا عم برعى؟
المحولجى : من أحد هذين الطريقين.
البهلوان : هو ايه حكاية الطريقين دول يا عم برعى يا محولجى؟
المحولجى : طريق منهما ياخدك والطريق التانى يجيبك.
البهلوان : واللى ياخدنى ياخدنى فين واللى يجيبنى يجيبنى منين؟
المحولجى : طريق يخدك إلى آخر الدنيا وطريق يجيبك من أول الدنيا.
البهلوان : عجيبة دى صحيح.
المحولجى : لا عجيبة ولا حاجة، ما أول الدنيا هو آخرها وآخرها هو أولها.
البهلوان : صدقت يا عم برعى! ألا تصحبنى معك يومًا؟
المحولجى : إن أردت فسر وحدك، لا ينفع أن يسير أثنان سويًا على طريقٍ منهما.
البهلوان : ألن اتوه لو سرت وحدى؟
المحولجى : أهى دى لا خوف منها، فكل طريق يقودك إلى حيث ترغب، ليس عليك إلا أن تختار.
البهلوان : اختار! أنا عمرى ما اخترت يا عمى برعى
المحولجى : علشان كده مستريح طول عمرك، يا بختك يا بهلوان!
(لحظة صمت)
البهلوان : قل لى يا عم برعى: بماذا تحلم !
المحولجى : أحلم؟!.. أحلم! أحلم أن أكون قطارًا .
البهلوان : سمعتك تقول للتو إن القطار مثل الكفيف لابد أن يأخذ أحد بيده كيلا يضل طريقه، أتريد أن تكون قطارًا لا يرى ولا يسمع ويُقاد ولا يقود؟
المحولجى : القطار لا يقدر أن يقف فى طريقه أحد.
البهلوان : ولا حتى الباشا؟
المحولجى : ما أردت أن أصير قطارًا إلا من أجل الباشا..
البهلوان : الباشا يا عم برعى!
المحولجى : إوعى تكون فاكر ان الباشا ممكن يقف فى وش القطر يابهلوان؟
البهلوان : ( يهب واقفًا وهو يشيح بيده) لا يا عم برعى الباشا باشا! الباشا يستطيع أن يأمر فيقف القطار أو أن يأمر فيتحرك القطار.
المحولجى : من بعيد وحياتك.. لا يجرؤ أن يقترب وإلا تحوّل الجميع إلى قطارات فدهسوه دهسًا.
البهلوان : الباشا أكبر من أن تصل إليه القطارات.
المحولجى : ما بك؟ أتحب الباشا إلى هذه الدرجة؟
البهلوان : أنا !... لا !
المحولجى : أتحب أن تكون باشا؟
البهلوان :(شارداً بعض الشيئ) أبقى باشا؟! ولما لا؟.. قل يومًا، يومين أو حتى ساعة أو لحظة.
المحولجى : وماذا ستفعل لو صرت باشا؟
البهلوان : أعمل ايه؟... أعمل ايه؟! ..دا أنا أعمل عمايل واسّوى الهوايل.
المحولجى : قل لى حاجة واحدة هتعملها!
البهلوان : أعمل؟! (ينتفض) أوقف فى وش القطار.
المحولجى : اتقدر على ذلك؟
البهلوان : دون ريب فأنا الباشا.
المحولجى : وأنا القطار.
(يهب الاثنان كتفًا إلى كتف ثم يفترقان ويقف كلٌ منهما فى مواجهة الآخر عند طرفى خشبة المسرح، البهلوان يتمثل الباشا والمحولجى يتمثل القطار.. ينطلق الاثنان، كلٌ فى اتجاه الآخر وقبل أن يصطدما تُطفئ أضواء المسرح ويقفل الستار.. يُفتح الستار مرة أخرى ويسلط الضوء على كشك الصفيح ثم على الطريقين خلف الكشك.. الاضواء تعود كاملة..
0 التعليقات:
إرسال تعليق