الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل
مجلة الفنون المسرحية
مصادر البحث
- ابراهيم،نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، ط3 ، ( القاهرة : دار غريب ، د.ت).
- أبو شنب،عادل،أدوات الوصول إلى الأطفال،مجلة المعرفة السورية،العدد ( 214-215) لسنة 1979-1980 .
- الحديدي ، علي ، في أدب الأطفال ، ط2 ( القاهرة : مكتبة الانجلو المصرية ، 1976 ) .
- سعد الدين ، كاظم ، الحكاية الشعبية العراقية ، ( بغداد : دار الرشيبد للنشر ، 1979 )
- سلوم ، داود ، قصص الحيوان في الأدب العربي القديم ، ( بغداد : دار الشؤون الثقافية ، 1979 ).
- الطالب ، عمر محمد ، أدب الأطفال في العراق ، ط1،( بغداد : د. دار نشر ، 1989 ) .
- طاهر ، طاهرة داخل ، قصص الأطفال في العراق ، رسالة ماجستير (غير منشورة) ، جامعة بغداد ، كلية التربية للبنات ، 2001 .
- العبيدي، سعدون،زهرة الاقحوان ، مجلة السينما والمسرح ، المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون والسينما ، العدد (13) ، السنة الرابعة ، شباط العراق ، 1975.
- الكعبي ، فاضل عباس، الحكاية الساحرة ، دراسة في أدب الأطفال،( مطبعة اتحاد الكتاب العرب، 1985 ).
- الكعبي،فاضل عباس، المداخل التربوية ومرتكزات التجانس المعرفي في ثقافة الأطفال،( بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة ،1999.
- نعيم ، عواطف ، كنز من الملح ، 1970 .
- الهيتي ، هادي نعمان ، أدب الأطفال فلسفته . فنونه .وسائطه، ( العراق : منشورات وزارة الإعلام، 1977 ).
- وهبة ، مجدي وكامل المهندس ، معجم المصطلحات العربية في االلغة والأدب ، ط2 ، ( بيروت : مكتبة لبنان، 1984 ).
- يان ، ييلك ، الطائر الناري والثعلبة الشقراء ، ترجمة : فتحي زين العابدين ، مجلة المسرح الأردني ، فرقة الشعبي ، العدد (3-4) ، عمان ، 1992.
--------------------------------------------
المصدر : مجلة جامعة بابل للعلوم الأنسانية
الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل
أسماء شاكر نعمة آمنة حبيب حمود
الملخص
تناول البحث الحالي الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل . وقد احتوى ثلاثةفصول ، تضمن الفصل الأول مشكلة البحث وأهميته والحاجة إليه ، فتحددت مشكلة البحث في الإجابة عن الاستفهام وهو ما مدى نجاح كتاب دراما الطفل في استثمار الحكاية الشعبية بكل ما تشمله من ألغاز وسير وملاحم وقيم تربوية جمالية تحفل بها لتشكيل اتجاه الطفل الفكري ، وتذوق جمالي خالص في أنماط سلوكه . كما تضمن هدفي البحث لتعرف الاتي :
1. تعرف أنماط الحكاية الشعبيةالمستثمرة في نصوص مسرح الطفل .
2. تعرف المعايير المعتمدة في الحكاية الشعبيةالمستثمرة في نصوص مسرح الطفل .
فيما اقتصرت حدود البحث بنصوص مسرح الطفل المستثمرة للحكاية الشعبيةالمؤلفة والمعدة من قبل كتاب الدراما في بغداد .
تضمن الفصل الثاني الاطار النظري الذي احتوى مبحثين، تناول الأول الحكاية الشعبية وأساسها التاريخي، ودرس الثاني الأثر التربوي للحكاية الشعبية ، خاتماً الاطار النظري بمؤشرات ممكن الإفادة منها في إجراءات تحليل عينة البحث .
واحتوى الفصل الثالث على إجراءات البحث التي تضمنت مجتمع وعينة وأداة البحث ، ومن ثم تحليل عينة البحث . واختتم البحث بالنتائج والتوصيات ..
Abstract
The current research studied the folk tale in the texts of Children’s Theatre. It contained three chapters.Thefirst chapter included the problem of research, its importance and the need for it.Theproblem of researchhas been identified in answering the question which the extent of success of the children’s drama writers in investment folk tale in everything covered from mysteries, memoirs, epics and educational and aesthetic values for the formation of the direction of the child intellectual, and pure aesthetic taste in his behavior patterns. It is also included the goalsof search to know the following:
1. Identify patterns of the folk tale that invested in the children's theater texts.
2. Know the criteria adopted in the folk tale that invested in children's theatertexts.
The limitsof research was restricted on the children's theater texts that invested folk tale by the writers of drama in Baghdad.
The second chapter dealt with the theoretical framework, which contained two sections, the first one intake folk tale and historical basis, while the second studied the educational impact of the folk tale. The theoretical framework concluded by indicators that could be benefit from it in the proceduresof research sample analysis.
The third chapter contains the research procedures, which included community, sample and toolsof the research, and then analyze the sampleof the research. Finally, the researchconcluded with some results and recommendations.
الفصل الأول
مشكلة البحث
يعد مسرح الطفل اهم وسيط تربوي يشغل العديد من الكتاب المسرحيين وذلك لما يحققه من دعم واضح للقيم التربوية التي تقدم النموذج الإيجابي للطفل فضلاً عن الجانب الترفيهي الهادف وتمثل قيم وثقافة واعراف البيئة التي يعيشها.
وتعد الحكاية الشعبية اهم مصدر يلجأ إليه كتاب الدراما في مسرح الطفل لما تتسم به من خلق عالم سحري وخيالي مرتبط بثقافة المجتمع ، فهي ليست مجرد عنصر جذب وتشويق وإثارة للخيال فحسب بل هي موسوعة معلوماتية تاريخية وجغرافية بجانب أهداف تربوية وتعليمية لذا لابد من تنقيتها من الرواسب والمبالغات الخرافية وعوامل الجمود دون مخالفة للأدب الشعبي لأنه افرازاً لبيئات متعددة ، فقد أتخذ الكاتب الدرامي في مسرح الطفل من الحكاية الشعبية وسيلة لتربية الطفل بانماط عديدة لدورها الأساسي في التنشئة الاجتماعية والنفسية للطفل ولقربها من وجدانه وإثارة خياله فهو يختبر الأشكال ويضيف يحذف ويعدل وينسخ كي يظل هذا الأدب مسايراً لمقتضيات الحياة المتطورة.
تعكس الحكاية الشعبية عادات المجتمع وتقاليده ، والحياة بصورها الواقعية وتقدم للفرد الموعظة الحسنة وتضيء الطريق أمامه ، وتشير إلى العوامل السلبية والإيجابية في المجتمع والفرد فتحارب الأفكار السيئة وتسند السليمة منها. وهي نابعة من المجتمع تتناقل من الاباء إلى الأبناء ومن جيل إلى آخر ولا تتأثر بالتغيرات التي تحدث في المجتمع فهي راسخة وثابتة رغم التحول والتطور الذي يحدث في المجتمع ، نابعة من البيئة ومن عادات المجتمع وتقاليده.
تستهدف الحكاية الشعبية تأصيل القيم والعلاقات الاجتماعية ترتبط بأفكار وتجارب إنسانية ترتبط بحياة الإنسان وقد ترددت على لسان الأطفال منذ أن وجدت الحياة الإنسانية فهي وليدة حياة وعادات ومعتقدات في أزمنة بعيدة ومن هذه الحكايات ما يصح تقديمه للأطفال ومنها ما ينبغي أبعاده عنهم لما تحمله من أضرار ومنها ما يمكن كتابته بشكل جديد.علاوةً على ذلك فهي مصدر من مصادر اللغة القومية وقواعد العرف والتقاليد الاجتماعية وعالم رحب يفوق عالم الإنسان المحصور في بيئته عالم يشمل جميع العوالم المرئية المدركة وينطلق منها إلى عوالم من صنع الخيال ففي عالم الحكاية الشعبية يلتقي عالم الإنسان بعالم الحيوان وعالم السماء والأرض وعالم البحار دون حواجز وقدرات محدودة .
لذا تنحسر مشكلة البحث في مدى نجاح كتاب دراما الطفل في استثمار الحكاية الشعبية بكل ما تشمله من ألغاز وسير وملاحم وقيم تربوية جمالية تحفل بها لتشكيل اتجاه الطفل الفكري وتذوق جمالي خالص في انماط سلوكه.
أهمية البحث :
تتجلى أهمية فيما يأتي:
1. الإيمان العميق بالدور الأساسي للحكاية الشعبية في وعي الطفل بالقضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والعقائدية وتنشئته اجتماعياً وثقافياً ونفسياً .
2. نقل المعرفة والتراث بوسيلة فنية لبناء شخصية الطفل وتغذية ميوله واحتياجاته النفسية.
3. تعتمد تنشئة الطفل ثقافياً على عناصر الابداع الشعبي وقد يكون انطلاقة لإبداعه تستلهم ابداعاته المستقبلية مما يحقق التواصل الثقافي بين الاجيال.
4. كيفية اختيار الحكاية الشعبية الملائمة لجمهور الأطفال وترسيخ الوعي القومي من خلال التعرف على هذه الحكايات .
هدفي البحث :يهدف البحث الحالي إلى :
1. تعرف انماط الحكايات الشعبية المستثمرة في نصوص مسرح الطفل.
2. تعرف المعايير المقرة في الحكاية الشعبية المستثمرة في نصوص مسرح الطفل.
حدود البحث :يتحدد البحث الحالي بـ:نصوص مسرح الطفل المستثمرة للحكاية الشعبية المؤلفة والمعدة من قبل كتاب الدراما في بغداد .
تحديد المصطلحات: الحكاية الشعبية
عرفها (الهيتي) بأنها "نوع قصصي ليس له مؤلف وتحد معروف ، بل هي حاصل ضرب عدد كبير من ألوان السرد القصصي الشفاهي الذي يضفي علية الرواة أو يحورون منه أو يقتطعون منه وفقاً لما يستهدفون منه ، وهو يعبر عن جوانب من شخصية الجماعة ، لذا يعد نسبة إلى مؤلف معين نوعاً من الانتحال ولكن يظل في طبيعته شعبياً "( )
وتعرفها نبيلة ابراهيم بأنها " الخبر الذي يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل لآخر ، أو هي خلق حر للخيال الشعبي ينسجه حول حوادث مهمة وشخوص ومواقع تاريخية"( )
نصوص مسرح الطفل:هي شكل من أشكال الأدب يحوي فكرة أساسية وحدث اساسي ويجمع الشخصيات والمواقف المختلفة وموجه للأطفال يقدمها المؤلف المسرحي وتكون مناسبة لهم من حيث الشكل والمضمون تهدف إلى احداث التغيير المرغوب في سلوكهم.
الفصل الثاني
المبحث الأول:الحكاية الشعبية وأساسها التاريخي
تعد الحكاية جزء من الأدب الشعبي ولها معنيان،المعنى الأول واسع يشمل ألوان السرد القصصي المتناقل بين الناس من جيل إلى آخر ، والنوع الثاني خاص يراد به الحكاية الشعبية أو حكاية الواقع الاجتماعي وهذا ما يهمنا في دراستنا هذه، ويمكن أن تندرج ضمن الحكايات أنماط كثيرة من الموروثات الشعبية مثل الحكاية الشعبية، الحكاية الخرافية، والحكاية المرحة ، وحكايات الحيوان، وحكايات الجان ، وحكايات التجارب الشخصية ، وحكايات الشطار ، وسنتناول هنا الأساس التاريخي للحكاية الشعبية .
تعد الحكاية الشعبية من الحكايات المروية التي تتوارثها الأجيال المتعاقبة فهي من "أعرق الحكايات في العالم ، وهي المنبع الأول لأغلب الحكايات، وقد مرت بتطورات عديدة للأحداث التي مرت على الشعوب "( ) أذ يرجع ظهور الحكاية إلى أمد بعيد بسبب تناقلها من جيل إلى آخر حيث كانت وليدة معتقدات وعادات الشعوب في الأزمنة البعيدة.
احتلت الحكاية الشعبية موقع الأسبقية بسبب تناقلها من جيل إلى آخر ولا يوجد شعب دون حكايات مهما كان بدائياً بل أن البدائية شرط لازم لوجود الحكايات الشعبية والحكاية الشعبية ليس لها مؤلف معروف فهي نوع من أنواع السرد القصصي الشفاهي إذ كانت تسرد دون ذكر لمؤلفها أو كاتبها توارثها الناس وأصبحت الجزء المهم في تراث الشعوب فهي وليدة الحياة والعادات والمعتقدات وعواطف الناس في أزمنة بعيدة وقد اكتسبت الخلود بسبب تلك العادات المعتقدات والعواطف التي تلازم الإنسان حتى يومنا هذا( ).
عرفت المجتمعات الإنسانية الحكاية الشعبية منذ فجر تاريخها وظل هذا الشكل ملازم لتطور المجتمعات بلا توقف حتى الوقت الحاضر ، قد ظهرت الحكاية وتطورت وأخذت أشكالاً عديدة حسب الأصل الذي تنتمي إليه أو الأسلوب أو الفكرة أو الأحداث التي تدور حولها ، ومنها الحكاية المثيولوجية والتي تعني في اللغة اليونانية الأسطورة أو الخرافة وهي حكاية تستعين بالخيال الإنساني مرتبطة بالأرباب والأبطال وبأعمالهم ومغامراتهم فهي تفسر قوى الطبيعة الخارقة ، وتعد المثيثولوجيا اليونانية ثروة خاصة ذا أهمية كبيرة في الحضارة الإنسانية منها خرافات (برميثيوس).
ومن الحكايات الأخرى ( الملاحم) التي تحكي وقائع الأبطال ومغامراتهم وما قدموه من أعمال مذهلة في سبيل توحيد عناصر مجتمع من المجتمعات، حيث يتعلق الأطفال بهذا النوع من القصص ويزداد حبهم بها في مرحلة معينة من طفولتهم وهي المرحلة التي تقع قبل سن المراهقة إذ يكون الطفل بصدد تكوين فكرة عن ذاته وإثبات وجوده أمام الغير ويتم ذلك عن " طريق المحاكاة بإعجاب الطفل بنموذج معين قد يكون أحد أفراد الأسرة أو من الأبطال الذين يقرأ عنهم"( ). فلابد من توخي الحذر في اختيار الأبطال والمغامرين والابتعاد عن الأبطال الطائشين والقتلة واللصوص خشية الاقتداء بهم واختيار الحكايات التي تسعد الأطفال بأبطالها "الذين يتحركون بحرية ، دون حواجز أو قيود ، وإثارة مشاعر الأطفال ، وسط أجواء التضحية والبطولة والصدق والعدل ، حيث ينتصر الخير دوماً ويخذل الشر والأشرار"( ) ، وانتصار الأخيار على الشر والدفاع عن الحق والمظلومين يكون على يد أبطال يتمتعون بقدرات خارقة ، فهم كائنات بشرية تساعدهم الآلهة والجان ، فالملحمة هي قصة شعرية تروي مغامرات بطولية خارقة وتبين منهج الفكر والسلوك لدى الإنسان القديم .
تعد حكايات من أقدم الحكايات الشعبية وهي الحكايات التي يتخذ فيها الحيوان دوراً رئيساً وتتألف من حدث بسيط أو عدة أحداث تتضمن درساً وغاية تنتهي بهدف معين . وهي محاولة لتفسير أشكال الحيوانات على اختلاف فصائلها ، وهي حيوانات قريبة من بيئة الطفل ومألوفة لديه كالأسد والقطة والكلب والأرنب والأفعى والثعلب وغيرها من الحيوانات التي تستدعي انتباه الطفل وتثير عاطفته فهناك حكايات صورت " الحيوانات في المغاور والكهوف ، وأحياناً كانت تمثيلاً لمدلولات وقصص ذات معنى "( ) وتعود نشأة قصص الحيوان إلى بلاد وادي الرافدين وحسب ما أقره (سلوم) في كتابه قصص الحيوان "أن نشأة هذا النوع من قصص الحيوان قد بدأ أول ما بدأ في أقدم حضارة عرفها التاريخ في بابل المتأثرة بسومر ، وأن الأساطير العراقية بشكل عام قد سجلت في العراق قبل أن تصل الحضارات الأخرى غلى درجة النضوج"( ) .
ومن هنا تظهر لنا وظيفة الحكاية وظهورها وتداولها وإشاعتها بين الأزمنة العابرة والأجيال المتعاقبة وكيفية ولادة الأفكار التي تضمها أنواع الحكايات الشعبية والأسباب التي تدور حولها والموضوعات الأساسية الكبيرة كلها انطلقت من معضلات الحياة اليومية ومن مخيلة الإنسان وقدرته على التخيل وتصور الأشياء المرئية تصوراً ذهنياً ، فهو يبدع ويخلق ويتخيل تفسيرات وأفكار ورؤى تبعث الأمن والسكينة في داخله( ).
تتشابه الحكايات لدى الشعوب المختلفة لآنها ترجع إلى اصول عالمية مشتركة ورثتها الأجيال من الأمم البدائية ولكنها تلك الحكايات تبقى مطبوعة بطابع البيئة التي تروج فيها وكل شعب يحكيها بطريقته الخاصة المتأثرة بمواقف الناس الناشئة إزاء حياتهم الواقعية وما يحيط بهم من ظروف.
ولا تقتصر الحكاية على ما يتناقله الناس فما بينهم بل تمتد لتشمل النصوص المبثوثة بين طيات الكتب ورددتها الجماهير وسجلها الكتاب كحقيقة ودليل على تيارات الفكر السائد . وبدت أكثر وضوحاً وفعالية كما في كتاب ( كليلة ودمنة) وهو عبارة عن قصص أبطالها حيوانات تقوم بأفعال إنسانية وتتصرف كالبشر تجسد انتقادات للأوضاع الفاسدة السائدة في المجتمع الفارسي آنذاك.
استمد الكثير من قصاصي الأطفال من الحكايات الشعبية مادة لقصصهم ولاقت إعجاب الأطفال وسعدوا بأبطالها وفرحوا بالحيوانات المؤنسنة ، والأنسنة هي "جعل الحيوانات بشراً في السلوك ، وفي العقل ، وفي النطق ، والزج بها غلى عالم الحياة اليومية للإنسان"( ) ، فالحيوان أداة رائجة في استقطاب عقول واهتمام الأطفال ، وكذلك النباتات التي تتطير وتتحرك وتقوم بأدوار بشرية تناسب طبائعها الحقيقية في الواقع والتي تمتاز بالبساطة والثبوت ، وتثير مشاعر الأطفال وسط أجواء التضحية والبطولة والصدق والعدل والخير والمحبة .
تحوي الحكاية الشعبية على الطرفة والفكاهة والجاذبية والشاعرية والفكاهة هي "تلك الصفة في العمل أو في الكلام أو في الموقف أو في الكتابة التي تثير الضحك لدى النظارة أو القُرّاء"( )تستهدف نمية ذوق الطفل وإذكاء إحساساته وتأصيل قيم ومفاهيم جديدة لديه حيث "تولد الفهم الكامل والصحيح للموقف الساخر وأسباب وقوعه لكي يتجنبها مستقبلاً"( )
لاتزال معظم الحكايات الشعبية تقدم للأطفال بنفس الصيغ القديمة دون حذف أو تشذيب وفي هذا شيء من الخطورة لأن الحكاية الشعبية تعكس تصورات الإنسان القديم في موضوعها وتوضح أفكاره وطموحاته وتأملاته فهي حكايات وليدة الإقطاع وعصور العبودية تشمل مضامين غيبية قدرية ولم تكن معدة خصيصاً للأطفال لأنها تعبر عن واقع مختلف تماماً عن واقع الحياة الحاضرة وبالإمكان تحويرها وإبراز الجوانب التي تحقق الحق وتنشد التعاون والخير والمحبة وملائمة للحياة المعاصرة فر يمكن جعل الطفولة حبيسة تلك الأفكار والتأملات والتصورات المنسوبة إلى مجتمعات مختلفة . وهذا ما أشار إليه الدكتور (الهيتي) بقوله "أن من بين الحكايات الشعبية ما يمكن أن يصلح للأطفال ومنه ما ينبغي ابعاده عنهم لما يحمله من أضرار ، ومنه ما يمكن إعادة كتابته في مضمون وشكل مناسب"( ) فلابد من تبسيط الحكاية وتقديمها إلى الطفل بشكل يناسب حياته العصرية إذ "أن تطوير وتطويع الحكايات الشعبية بحيث تمسي ملائمة للأطفال هو جزء من تطوير فن شعبي عريق ، لا يمكن أن تظل له قيمة ما لم يتجدد فمن الضروري تجديد أفكار بعض الحكايات الشعبية وحذف كل ما يشوبها من الإبهام الذي يقف قبالته محتاراً ، ووضعها في قوالب أدبية جديدة"( ).
يرفص البعض التحوير في الحكاية الشعبية باعتبارها أرثاً شعبياً يجب الحفاظ على أصالته. إلا أن الحكاية الشعبية تتصف بالمرونة إذ أنها تنتقل من شخص إلى آخر بحرية فقد يضيف إليها شيئاً أو يغفل شيئاً آخر وهذا ما يجعلها قابلة للتطور والتطويع بحيث تصبح ملائمة للأطفال وهو جزء من تطوير فن شعبي عريق ، لا يمكن أن تظل له قيمة ما لم يتجدد وتوضع في قوالب أدبية جديدة تلائم وتذوق الطفل وقدرته العقلية والعاطفية واللغوية وفقاً لمستجدات الحياة .
المبحث الثاني:الأثر التربوي للحكاية الشعبية
تسهم الحكاية الشعبية على اعتبارها فناً من فنون أدب الأطفال في نموهم العقلي والأدبي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي ويلبي حاجاتهم الجسمية والعاطفية فضلاً عن القيم الجمالية التي يريدها مسرح الطفل عبر استثماره واستخدامه للحكاية الشعبية وتوصيلها إلى جمهور الصغار ، لذا ينبغي على المؤلف المسرحي مراعاة قدرة الحكاية على الاشتغال بتوازن مع باقي عناصر النص المسرحي كي يتمكن من توصيل رسالة النص وأن يستخدم اللغة التي تتوخى البساطة والجمال والغرابة والسلاسة في الصور التي تترك أثراً في النفس ، وأن يستخدم الحكاية كأداة لتخصيب المخيلة بشكل منتظم ومدروس ويسهم في النمو النفسي الصحيح للأطفال ، والابتعاد عن الإيقاع الطنان والتراكيب الملتوية ، والحكاية البسيطة هي مادة أساسية في توصيل الفكرة الرئيسة للنص المسرحي من خلال بساطة إيقاع الكلمات والجمل مما يسهل على الطفل فهم الحكاية الشعبية بشكل سلس ومقبول.
يسعى مؤلفي المسرحيات المستمدة من الحكايات الشعبية والموجهة إلى جمهور الأطفال إلى تجسيد الأهداف التربوية في مسرحياتهم لتساعد الطفل على كسب المعارف والمهارات وتعلمه القيم النبيلة والمسالك الصحيحة ليشق طريق حياته بسلام وتطور وتقديم تلك الأهداف بأسلوب شيق تؤطره المتعة والخيال الواسع والابتعاد عن أسلوب الوعظ والتعليم السطحي الذي لا يثير خيال الطفل وانبهاره ، وعلى العكس يرى البعض أن معظم "الحكايات والقصص والأساطير المقترحة للصغار تحل معضلات الحياة اليومية بضربة عصا سحرية مع أن واقع الحياة حركة وكفاح ونضال ينبغي أن يعيشه الإنسان فعلاً لا أن يعيشه في الوهم والخيال لكي يتمكن من التحكم فيه والسيطرة عليه وهذا ما يدفعهم إلى تحذيرنا من تبسيط الأمور أو جعلها مثالية بعيدة عن الواقع"( ).
ومن الممكن إدحاض الرأي السابق بوضع الحكاية الشعبية في موضعها الصحيح وكيفية استخدامها والفائدة التي تقدمها للأطفال ، فالمربي ( فيلينون) يؤيد استخدام الحكايات والقصص بصورة متكررة في كتابه المعروف ( بحث في تربية البنات) يؤكد أهمية اختيارها بأسلوب بالغ الرقة وكثيراً ما يستخدم كلمة (صورة) ليعبر بها عن الانطباع الناجم عن الحكاية التي تثير صوراً في مخيلة الطفل "هذه المادة من دماغ (الأولاد) تجعل كل شيء لينطبع بها بسهولة ، كما أن صور الأشياء الحسية كلها تصبح حية فيها وعلى هذا الأساس يجب أن تسرع في غرسها أدمغتهم .. ولكن يجب علينا أن لا نملأ الوعاء الصغير البسيط الثمن إلا بالأشياء اللطيفة"( ). وهذا ما ينطبق أيضاً على المسرحيات التي توجه للأطفال فلابد أن يختار المؤلف حكاية قريبة من عوالم الطفل كاستثمار الكائنات الصغيرة ، كالنحل والنمل والفراشة وإعطاؤها أدواراً في تأدية النص المسرحي وقد عمد الفنان (سعدون العبيدي) في نصه المسرحي ( زهرة الأقحوان) بتجسيد شخوصه المسرحية بكائنات صغيرة كالنحل والعصفور والبلبل والفراشة والنمل وهم مواطنون صالحون ومخلصون يدافعون عن أرضهم ووطنهم ضد الشخصيات الشريرة المتمثلة ب ( نحول الشرير) وجماعته اللذين ينتهكون ويتجاوزون قوانين المزرعة التي سنها حاكم عادل، كما عمد إلى دمج النباتات كشخصيات مسرحية مضافة إلى شخصيات الكائنات الصغيرة لتكتمل المزرعة بصورتها الحقيقية وبذلك فهو يقرب الطفل من الواقع المستلهم من هذه الحكاية المجسدة في النص المسرحي .
تعد الحكاية الشعبية المرآة العاكسة لعادات المجتمع وتقاليده والحياة بشتى صورها فهي لا تمنح لأفراد المجتمع الموعظة الحسنة وتعلم الصبر وتشير إلى العوامل السلبية والإيجابية في المجتمع أو الفرد وهي ذات اطر فريبة جداً من دوافع التوجيه السليم وخاصة في إطار التربية والتعليم حيث تشكل عمق موسوعي غني بكل المعارف والفنون والحضارة كما أنها صورة للتاريخ إذ يمكن اعتبارها وسيلة تربوية تعليمية لإيصال المعنى والهدف حيث تقرب للأذهان الهدف الخير الذي تطمح غليه من خلال خيالها الخصب ووعظها دون الإخلال بالعملية العميقة التربوية، لأن كتاب المسرح أخذوا من الحكاية الشعبية ما يعينهم على رسم حدود الخير بأبسط الطرق حيث يتم اختيار الأصلح والأجمل ونبذ ما لايليق بالتوجيه التربوي "ينبغي أن يكون تفكيرنا دائماً هو : ان لا نعني بسرد القصص للأطفال فقط ، بل نسعى إلى جعل الأطفال يبتكرون عوالم القصة ويسهمون بتمثيل أحداثها وتمكينهم من وضع القصص والعمل على كتابتها لتنمية قدرة الكتابة والموهبة في ربط الأحداث وسردها وتكثيفها في كتابة مبتكرة تسمى القصة"( ).
عبرت الحكاية الشعبية عن تطلعات الإنسان وتراث الشعوب ووجدت طريقها إلى قصص الأطفال فاستهوتهم واستقرت في وجدانهم فتفاعلوا معها واستمتعوا بأجوائها الخيالية الرائعة البديعة ومن هذا المنطلق تعد من العوامل الأساسية المساعدة على تربية الطفل وتنمية قدراته وقابلياته وبناء شخصيته وينمو إحساسه بأهمية الحكاية الشعبية.
تلعب الحكاية الشعبية دوراً كبيراً في تثبيت القيم الثقافية والتعليم والتلقين والتلاؤم مع أنماط السلوك فتأخذ شكل آراء إصلاحية في الغلب حيث ترتبط النزعة إلى الإصلاح وتحقيق تلك النزعة من خلال النصائح والتطلعات الأخلاقية للحكاية الشعبية لذلك فهي تتجه اتجاهاً إصلاحياً جاداً . كما تعرض الحكاية الشعبية فصولاً أخلاقية يتلقى الطفل من خلالها دروساً في المبدأ من أبطال التضحية ورجال الخير لينحو نحوهم في خدمة الخالق والعائلة والوطن فتكون الحكاية دروساً ووعظاً مباشراً وإيضاحاً لأمور تاريخية واستعراض الخير والشر ودفع الطفل للاندفاع نحو الخير ونبذ الشر بالنصيحة المباشرة وغير المباشرة فقد تصور الحكاية الشعبية موضوع العمل كمبدأ أساس في بناء الحياة كما لمسناه واضحاً في نص ( زهرة الأقحوان ) للكاتب ( سعدون العبيدي) الذي ارتكز على موضوعة العمل وأن الإنسان يحقق نشاطه الطبيعي من خلال العمل إذ لا حياة بلا عمل ولا معنى لها وبالعمل تحققت المشاركة الوجدانية والإنسانية فانتصر الخير واندحر الشر وتحققت وحدة المزرعة .
يصبغ المسرح الحكاية الشعبية بصبغة جديدة فينقلها من شكلها النظري إلى شكل عملي ملموس فهي اللبنة الأساسية في النص والموجه السلوكي الفعال في نمط التفكير الطفولي ، وعلاقة المسرح بالحكاية الشعبية علاقة قديمة ومتجددة فعبر تاريخه الطويل أوغل في تطويع الحكاية الشعبية واستمد من خلالها قوة إضافية وبريقاً يشد إليه الأنظار ليكتسب في آخر الأمر بعده الجمالي الكامل الذي يحفز في الطفل قدرات عظيمة فالطفل هو صانع الحكايات لذا اُستثمرت الحكاية الشعبية في النص المسرحي المقدم للأطفال كأداة يحتويها كمنظومة جزئية تعمل داخل المنظومة الكلية وهي الشكل الدرامي للنص المسرحي وهذا ما جعلنا نفكر ونبحث للوصول إلى مؤشرات مهمة تتعلف بموضوعة البحث ومراقبة العلاقة التي تنشأ بين النص المسرحي المقدم للأطفال والحكاية الشعبية .
المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري
أسفر الإطار النظري عن عدة مؤشرات وهي كالآتي :
1. تقديم الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل بطريقة فعالة تمنحها فرصة اشتغال عادلة تراعي الشروط الوظيفية والجمالية .
2. تتطبع الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل بطابع البيئة المعيشة في كل شعب فهي ذات مرجعية عالمية مشتركة .
3. تقديم الحكاية الشعبية في قالب أدبي جديد بشكل يتناسب مع الأطفال بمختلف فئاتهم العمرية وحياتهم العصرية وقابلياتهم العقلية والذهنية وملائمة لأفكارهم وتأملاتهم .
4. تعرض الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل الأهداف التربوية التي تساعد الطفل على اكتساب المعارف والمهارات وتعليمه القيم النبيلة فضلاُ عن عرضها للفصول الأخلاقية .
5. تسهم الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل بتنشئة الطفل اجتماعياً وثقافياُ وعقائدياً .
6. تتنوع الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل فقد تكون حكايات حيوان أو جان أو نباتات أو خرافة أو ملحمة أو أسطورة وغيرها .وتتضمن الخيال وإثارة الطفل .
الفصل الثالث
اجراءات البحث
مجتمع البحث:يتكون مجتمع البحث الحالي من نصوص مسرح الطفل المستثمرة للحكاية الشعبية والمؤلفة و المعدة من قبل كتاب الدراما في بغداد. وقد شكلت 12 نصاً مسرحياً .
ت النص المسرحي المؤلف أو المعد
1 طير السعد قاسم محمد
2 الدجاجة الشاطرة واصدقاء المزرعة عزي الوهاب
3 نور والساحر سعدون العبيدي
4 المزمار السحري طه سالم
5 الكنطرة طه سالم
6 الأميرة والسنافر حيدر منعثر
7 علاء الدين والكمبيوتر حنين مانع
8 مملكة النحل صبري العطية
9 الكنز سليم الجزائري
10 الطائر الناري والثعلبة الشقراء فتحي زين العابدين
11 كنز من الملح عواطف نعيم
12 إيتانا والنسر صلاح حسن
عينة البحث:لغرض تحقيق اهداف البحث اختيرت العينة بشكل قصدي إذ تكونت من نصين مسرحيين وللمسوغات الآتية:
1. انطباقها و مؤشرات البحث.
2. لم يتم تناولها من باحثين آخرين .
ت النص المسرحي المؤلف أو المعد
1 الطائر الناري والثعلبة الشقراء فتحي زين العابدين
2 كنز من الملح عواطف نعيم
طريقة البحث : اعتُمِد المنهج الوصفي التحليلي الذي يعتمد على تحليل وتفسير مقاصد النص من جهة ومن جهة اخرى يساعد على ابتكار أداة تعتمد على قراءة النتائج المتحصلة من الترابط المنشود بين النص المسرحي والحكاية الشعبية.
أداة البحث: تكونت أداة البحث من مجالين يختص المجال الأول يختص بنمط الحكاية الشعبية في النص المسرحي المقدم للطفل، ويختص المجال الثاني بالمعايير التي يقرها المجتمع ( التربوية ، الاجتماعية ، السياسية ، الدينية)
وقد عرضت الأداة على خبراء ومحكمين مختصين في مجال الأدب والمسرح*وقد اخذت ملاحظاتهم بعين الاعتبار حيث تعلقت بتعديل وصياغة وحذف وإضافة بعض الفقرات.
تحليل العينات
مسرحية الطائر الناري والثعلبة الشقراء ،إعداد : فتحي زين العابدين
تجسد مسرحية ( الطائر الناري والثعلبة الشقراء ) حكاية الملك وأولاده الثلاثة ، ففي هضبة بطرف الغابة كان يعيش هناك ملك مع أولاده الثلاثة وكان الملك حزين بسبب غياب أغنية كان يستمع إليها منذ اليوم الأول الذي زرع فيه بذرة تفاح فوق قبر زوجته وعندما كبرت الشجرة أثمرت تفاحة ذهبية تختفي في منتصف الليل ، كان هناك طائر ناري قام بسرقة تلك التفاحة الذهبية حيث ارتبطت السرقة باختفاء الأغنية التي كان يستمع إليها الملك فاصبح حزيناً .
يطلب الملك من أولاده الثلاثة مساعدته في استرجاع التفاحة الذهبية والاحتفاظ بها وحمايتها من سارقها الطائر الناري ،بعد أن يأسروه ، ومن يفعل ذلك سيكون هو الملك . وتبدأ رحلة الأولاد ثلاثة من فوق الهضبة ، فهناك تعيش ثعلبة شقراء يلتقي بها الأولاد الثلاثة فتطلب منهم الطعام مقابل مساعدتهم ، فيحاول الأخوين الأكبر والأصغر اغتيالها ، بينما يفكر الأخ الأوسط في تقاسم الطعام معها فتعقد معه اتفاق في تتبع خطواتها فتقوده برحلة عجيبة يجتاز بها الصخور والبحار وتتبدل فيها الأوقات والمناظر .
مزج المعد( فتحي زيني العابدين ) ما بين الخرافة وحكاية الحيوان ليجسد البطولة والمغامرة والشجاعة كمعطى عام يتمثل بطرح معادل موضوعي للبطولة والشجاعة والمغامرة .
جسد طرح الملك لأولاده قيمة العمل والهدف المنشود من وراء ذلك العمل فالذي يجد في عمله ويجتهد من أجل الوصول إلى الهدف المطلوب وهو إرجاع السعادة إلى الهضبة الحزينة باسترجاع التفاحة الذهبية ومحاربة الطائر الشرير مجسداً حبه للوطن (الهضبة) يستحق أن يكون ملكاً والمناور أو المخادع لا مكان له في هذه الهضبة وبذلك حقق الكاتب معيار العدالة والشعور بالمسؤولية والانتماء إلى الوطن من جهة ومن جهة أخرى أكد الصدق والطاعة متمثلة بالأخ الأوسط على العكس منه الأخوين الآخرين في موقفها الماكر ، ومن هنا ىبدأ الصراع ما بين الخير والشر في رحلة خيال عجيبة .
تقوم الثعلبة الشقراء بمساعدة الأخ الأوسطفتدله على طريق الطائر الناري ، حيث يبزغ في الأفق قصر كبير يوجد فيه الطائر الناري في الغرفة الألف منه ، تحذر الثعلبة الأخ الأوسط من الاقتراب من قفص يوجد فيه قفص ذهبي حين دخوله القصر ، وعليه أن يقترب من القفص الخشبي الموجود هناك أيضاً . وهنا طرح الكتب الأنسنة فجعلها ذات تأثير كبير على مدركات الطفل العقلية لأنها الأقرب إلى مخيلته وفكره .
لم يلتزم الأخ الأوسط بما قالته له الثعلبة الشقراء ، فعمد إلى فتح القفص الذهبي ليطير الطائر الناري في القاعة محدثاً أصواتاً عالية فيدخل عليه ملك القصر شاهراً سيفه ليبارزه فتبدأ المساومة بينهما بإعطائه الطائر الناري مقابل أن يحضر له رأس الحصان الذهبي من القصر البلوري ، عمل الكاتب هنا على التداخل الحكائي فقام بمزج حكاية وسط الحكاية الرئيسة لتتوالى سلسلة أحداث جديدة مكملة للسلسلة الأولى حاملة الهدف نفسه .
تساعد الثعلبة الأخ الأوسط مرة أخرى بالوصول إلى القصر البلوري ذي الأبراج الزجاجية حيث مكان رأس الحصان الذهبي في أعلى برج ، وتخبره بأن عليه ان يختار اللجام الجلدي بدلاً من اللجام المرصع بالذهب وبذلت تظهر قيمة الوفاء مرة أخرى في الحكاية ونصرة الخير .
يخالف الأخ الأوسط مرة أخرى كلام الثعلبة ويفلت رأس الحصان الذهبي منه ويطير في القاعة محدثاً ضجيجاً عالياً يحضر على أثره ملك القصر البلوري فتبدأ مبارزة أخرى مع شخصية أخرى وتعقد مساومة أخرى بينهما إذ يطلب منه أن يحضر له فتاة جميلة يعشقها ليضيفها إلى أميراته الزجاجيات في القصر مقابل اطلاق سراحه ، فيقبل الصفقة . يسترسل الكاتب في مزجه التداخل الحكائي بقصٍ شعبي مثير يتناسب وقدرة الطفل العقلية ، فهو يدغدغ مخيلته الصغيرة بتوالي التداخلات الحكائية وينقله من رحلة صغيرة شيقة إلى أخرى أكثر تشويقاً وبذا يتحقق شد العقلي للطفل وجذب انتباهه .
تقود الثعلبة الأخ الأوسط مرة ثالثة إلى القصر الأسود الذي يوجد فيه الفتاة الجميلة وقد تناثرت حوله عظام وأشلاء ضحايا حاولوا انقاذ الفتاة الجميلة من سجن الملكة الشريرة التي تزعم القصر الأسود .
تطل الفتاة على الأخ الأوسط من أعلى شباك القصر فيقع في حبها ويقرر انقاذها من يد تلك الملكة الشريرة، فتتحداه الملكة بأن يختار الموت أو النجاح فيقبل التحدي . وبعد سلسلة طويلة من الأحداث وبمساعدة الثعلبة الشقراء يستطيعون الهرب من تلك الملكة الشريرة ليبدئوا رحلة عودة مريرة ، إذ عليهم أن يمروا بالقصر البلوري والقصر الزجاجي بعد أن حققوا الهرب من القصر الأسود .
يعكس الكاتب الحكاية فيبدأ بها من النهاية ليصل إلى البداية ببنيةحكائيةمشدودة يثير خيال الطفل وتشويقه وتستلهم شعوره بالبهجة والمغامرة والبطولة بقص شعبي وابداع مسترسل الأحداث المعكوسة بصورة تصل إلى بداية الحكاية لينهي بنيته الحكائية من حيث بدأت .
يرغب الأمير بالاحتفاظ بالفتاة فتساعده الثعلبة وتحول نفسها إلى فتاة جميلة تقيم صفقة مع ملك القصر البلوري ، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة أذ يكتشف الملك حقيقتها في اللحظة الأخيرة ، تتوالى الأحداث وتبدأ مبارزة تصاب بها الثعلبة ، وبعدها تشير إلى مرآة تستخدم قابيات رأس الحصان في تحويل الآخرين إلى رماد وبهذا يتمكن الأخ الأوسط من هزم الملوك الثلاثة الأشرار .
هناك تمايز واضح في الحكاية بين قطبين متنافرين في الاتجاه أحدهما نحو الخير والآخر نحو الشر وبعد أن يهدأ كل شيء تغادر الثعلبة المكان كي لا يشعر الآخرين بجرحها مسجلة بذلك درساً عظيماً للوفاء بأعلى مراحله وللبطولة والمغامرة بأسمى تصاعداتها . ويصل الأخ الأوسط في منتصف طريق العودة غلى والده الملك ومعه الفتاة الجميلة والمرآة ورأس الحصان والطائر الناري في ذات الوقت يصل أخويه ونتيجة لفشلهما وطمعهما بالمنصب يقومان بقتل أخيمها ولكن سرعان ما يتكشف كل شيء بمساعدة الثعلبة التي تمنحه علاجاً يحيه ليرجع إلى الهضبة وينكشف كل شيء ويصدح صوت الأغنية من جديد فيفرح الملك وتعم الهضبة السعادة والأمن والسلام .
احتوى النص المسرحي على العديد من المعايير الاجتماعية والأخلاقية وبمقدمتها مثالية العدالة التي جسدها الملك في حكمه ، واعتمد الكاتب الموقف الذي يحمل العبرة ليكون مبنى حكائي للقص المسرحي يتناسب مع المدرك العقلي للطفل من الناحية التربوية والأخلاقية . ويأتي الحل على يد الأخ الأوسط الذي جسد قيم البطولة والشجاعة وعدم الخوف ، وحرية الحركة والقفز ، ومحادثة الحيوانات وبلورة فعل اتصالي قادر على الوصول إلى الأطفال ومخاطبتهم وزرع الخير في نفوسهم وحب الوطن والانتماء وروح التعاون ونكران الذات ونصرة الحق اينما كان وبذلك يندحر الشر وينهزم الأشرار وهم يجرون بأذيال هزيمتهم الخيبة والخذلان . وبذلك تكون نهاية النص المسرحي ، وتعد هذه الحكاية مقترباً أولياً لمجمل النتائج المتحققة الناتجة من الشجاعة المفترضة للأخ الأوسط التي شخصتها الحكاية .
مسرحية : كنز من الملح ،تأليف: عواطف نعيم
استمدت المؤلفة ( عواطف نعيم) مادتها الحكائية من التراث الشعبي حيث تدور أحداث المسرحية حول ملك له ثلاث بنات (نوار ، رضاء ، نماء) الأولى غنية بالحب والقناعة، والثانية والثالثة يغمرهما المال والبهجة ، اراد الملك اختبار مقدار حبهن له فمقدار حب الأولى بمقدار حبها للملح ، والثانية بمقدار حبها للجواهر ، والثالثة بمقدار حبها للمال ، فيقرر طرد الأولى لأنه لم يعي اهمية الملح في مضمون فكرها .
تبدأ رحلة نوار المجهولة بعد طردها من القصر والمملكة لتنتهي إلى الاستقرار في بيت في الغابة وهو بيت لسيدة حكيمة تمنحها الحب والطمأنينة ، وفجأة يختفي الملح في المملكة ، ويصاب سكان المملكة بالهزل بسبب انعدام الملح لأهميته لجسد الإنسان فتعلو الدعوات بسبب خلو الطعام من الملح .يكتشف الملك مقدار حب ابنته فيملأه الإحساس بالفراغ بصورة تدريجية نجم عن فقدانه للصفاء المستكين في عيني ابنته ( نوار) الطيبة واكتشافه لطمع وجشع ابنتيه ( نمار ورضاء) .
تلتقي نوار في الغابة بسيدة الحكمة وتطلب منها أن تحصل على زهر البنفسج الذي لا يزهر إلا مرة واحدة في كل موسم ، فتجاهد نوار وبصبرها تحصل على زهر البنفسج ، فتكتشف سيدة الحكمة مقدار صبر نوار فتساعدها في الرجوع إلى مملكتها وتعطيها صندوقاً لأعجابها بها ولنجاحها في الاختبار ، وهذا الصندوق يحوي ملحاً كلما أخذ منه تزداد كميته ، تصل نوار إلى المملكة فتجد أباها على فراش المرض فتنقذه وتنقذ المملكة من الهزل الذي أصابها وبذلك تعطي دراساً ( أن الحب والحياة لا يقدران بمالٍ أو ذهب ) .
مزجت المؤلف بين القدم والمعاصرة
تقدم العجوز المساعدة لتلك الفتاة ( نوار ) التي تعرضت لمعاملة قاسية من قبل أبيها وأخواتها ، ويعد (الصندوق) بمثابة المكافأة التي ترصد للبطل ذي الصفات الطيبة والحسنة .
النتائج
ظهرت النتائج الآتية من خلال تحليل عينات البحث:
1. راعى كتاب الدراما في مسرح الطفل قدرة اشتغال الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل وبمختلف أنواعها وتوازنها مع عناصر النص لتوصيل رسالة النص.
2. تناولت الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل الأهداف التربوية المتوخاة من النص وأفكاراً وقيماً متنوعة قائمة على معايير تربوية لتساعده على كسب المعارف والمهارات والقيم النبيلة كالصداقة والبطولة والشجاعة والعدل والاخلاص .... وانتصار الخير على الشر تهدف إلى. تنشئته اجتماعياً .
3. عمد كتاب الدراما في مسرح الطفل إلى الحذف والتطوير في أصل الحكاية الشعبية بغية تقديم مضمون تربوي يتناسب وعمر الطفل وعصره.
4. تناسب طرح الأفكار والقيم مع المحتوى الإدراكي للطفل .
5. تنوعت الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل فمنها ما تضمنت قصاً شعبياً أو موروثاً شعبياً أو حكاية حيوان ،أو جان أو خرافة أو ملحمة ، أو حكاية مؤنسنة.
6. قدرة الحكاية على النمو الإدراكي والاجتماعي واللغوي للطفل .
7. استلهمت الحكاية الشعبية في نصوص مسرح الطفل الخيال المثير وهو الأمر الأهم في إثارة خيال الطفل وجذبه إلى سماع الحكاية .
التوصيات
1. ضرورة تعزيز مكانة ( الأدب الدرامي للأطفال ) واعتماده في مدارسنا ومناهجنا التربوية توظيفه لتحقيق أهداف تربوية وغرس القيم العربية الأصيلة المنشودة.
- ابراهيم،نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي ، ط3 ، ( القاهرة : دار غريب ، د.ت).
- أبو شنب،عادل،أدوات الوصول إلى الأطفال،مجلة المعرفة السورية،العدد ( 214-215) لسنة 1979-1980 .
- الحديدي ، علي ، في أدب الأطفال ، ط2 ( القاهرة : مكتبة الانجلو المصرية ، 1976 ) .
- سعد الدين ، كاظم ، الحكاية الشعبية العراقية ، ( بغداد : دار الرشيبد للنشر ، 1979 )
- سلوم ، داود ، قصص الحيوان في الأدب العربي القديم ، ( بغداد : دار الشؤون الثقافية ، 1979 ).
- الطالب ، عمر محمد ، أدب الأطفال في العراق ، ط1،( بغداد : د. دار نشر ، 1989 ) .
- طاهر ، طاهرة داخل ، قصص الأطفال في العراق ، رسالة ماجستير (غير منشورة) ، جامعة بغداد ، كلية التربية للبنات ، 2001 .
- العبيدي، سعدون،زهرة الاقحوان ، مجلة السينما والمسرح ، المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون والسينما ، العدد (13) ، السنة الرابعة ، شباط العراق ، 1975.
- الكعبي ، فاضل عباس، الحكاية الساحرة ، دراسة في أدب الأطفال،( مطبعة اتحاد الكتاب العرب، 1985 ).
- الكعبي،فاضل عباس، المداخل التربوية ومرتكزات التجانس المعرفي في ثقافة الأطفال،( بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة ،1999.
- نعيم ، عواطف ، كنز من الملح ، 1970 .
- الهيتي ، هادي نعمان ، أدب الأطفال فلسفته . فنونه .وسائطه، ( العراق : منشورات وزارة الإعلام، 1977 ).
- وهبة ، مجدي وكامل المهندس ، معجم المصطلحات العربية في االلغة والأدب ، ط2 ، ( بيروت : مكتبة لبنان، 1984 ).
- يان ، ييلك ، الطائر الناري والثعلبة الشقراء ، ترجمة : فتحي زين العابدين ، مجلة المسرح الأردني ، فرقة الشعبي ، العدد (3-4) ، عمان ، 1992.
--------------------------------------------
المصدر : مجلة جامعة بابل للعلوم الأنسانية
0 التعليقات:
إرسال تعليق