مشروع التوطين لمسرح المدينة الصغيرة بشفشاون
مجلة الفنون المسرحية
مشروع التوطين لمسرح المدينة الصغيرة بشفشاون
عزيز ريان
مشروع التوطين لمسرح المدينة الصغيرة بشفشاون
عزيز ريان
قدمت فرقة المدينة الصغيرة بشفشاون عرضها الجديد : الرحيق الأخير بمسرح الهواء الطلق بالقصبة. في إطار برنامج التوطين الذي أطلقته وزارة الثقافة بالمغرب .والتوطين يدخل في إطار الدعم المسرحي التابع لوازرة الثقافة الذي يهدف إلى تنشيط مواقع مسرحية تابعة للوزارة خلال ثلاث سنوات مع تنويع في الأنشطة،فقامت جمعية المدينة الصغيرة بوضع أربع خطوط عريضة لبرنامجها التوطيني الذي سيعتمد على:الأعمال المسرحية،الدورات المسرحية،الندوات المسرحية،ونشر كتب مسرحية.
العنوان أو ثنائية التذوق:
التسمية: الرحيق الأخير وسمٌ يجمع بين الشاعرية والإشارة الضمنية لحلاوة عسل الاستقلال والتحرر من الاستعمار الغاشم. وبين الأخير كعلامة دالة عن نهاية وتوقف لهيب ذل الاستعمار.
لا توحي التسمية بمضمون العرض وتجعل المتلقي يطرح أسئلة عميقة حول ماهيتها وبعدها الفلسفي. ويساعد على التتبع بدون أي معرفة مسبقة لمحتواه.
السبياع مؤلف شاب من مدينة شفشاون شق طريقه بثبات داخل مشهد الكتابة المسرحية التي تعرف شحا عموما. ليس عمله الأول،إلا أن أحمد لأول مرة يخترق عوالم الكتابة التاريخية التي تثير لغطا غالبا بين مؤيد للعودة للماضي أو معارض للاسترجاع الغير المُجدي. وبين من يطالب بقراءة جديدة للتاريخ بشكل عام وضرورة اختراق للفنون الأدبية لهذا المجال كي يتخلخل ميزان الحقيقة والتدليس بالكرونولوجيات التي وصلت لنا.
ولقد اعترف الكاتب بصعوبة اختراقه لمجال الكتابة التاريخية والتي فرضت عليه(… أن تفكر في الإضافة الفنية والفكرية التي يمكن أن تقدمها لهذا التاريخ،وعليك ألا تبدو وطنيا ساذجا،أو عدوانيا متعصبا،بل عليك أن تكتب تاريخك وكأن تكتب تاريخ قبيلة غريبة عنك. وبالنهاية عليك أن تكون إنسانيا وكونيا…)
تسرد المسرحية قصة فنان نحات فرنسي عصر الاستعمار الفرنسي بمدينة طنجة المغربية،والذي ضغطت عليه الحماية الفرنسية ليقوم بنحت تمثال لعقيد فرنسي قتله المغاربة وهو في نزهة رفقة زوجته الشابة.
رفض النحات إلا أن جبروت السلطة الاستعمارية أرغمته على الفعل،دون أن تترك له حرية الفعل والإبداع،فلا فن ولا خلق بحد السيف..نتعرف خلال العرض على ظروف فترة الإستعمار التي نقلها لنا التاريخ برغم إمكانيات التشكيك التي قد تلازم العصر.
لغة العرض بالفصحى،والتي حاول الكاتب تبسيطها بشكل ملحوظ لكي تكون في متناول المتلقي،هو الذي نتلمس اعتماده على تقنية الكتابة العبثية التي تعتمد على (الأحورة) القصيرة والمقطعة والمترابطة واللاعبة بالمعاني والمفردات.
المعروف أن المخرج ياسين أحجام ممثل ووجه فني معروف داخل المشهد البصري المغربي،حيث له صيت وحضور ملحوظ على الشاشة الصغيرة كممثل له آلياته.
بالرحيق الأخير نكتشف أحجام كمخرج اعتمد على تكسير مفاتيح النص المكتوب واعتماد تقنيات ميزونسية فكك بها النص وحاول ايصاله للمتلقي بكل مستوياته.
اعتمد ياسين على تقنية الكورال أو الجوقة التي عرفها المسرح الإغريقي،وساعد ذلك العدد الكبير للممثلين والطاقم( 11 شخص). وظف كذلك تقنية كسر الجدار الرابع بمسرح العبث والتي تعتمد إشراك الجمهور. وقد تعمد تكرارها لكي يخرج بالحضور مما يعرف على التاريخ من جفاف وروتين.
أضاف المخرج (مؤدي أو مؤدية) لكي يضيف جوا موسيقيا مساعدا على رمي ثقل الملل من الأجواء التاريخية. وخفف صوتهما وحضور آلة القيثارة من تشابك الأحداث واشتباك الماضي بالحاضر. ناسبت خامة صوت دلال البرنوصي وحرفيته الفضاء المفتوح ،وأضفت على العرض أجواء احتفالية وفنية رفقة الصوت الشاب ليوسف الزباخ الذي رافقها في العزف والغناء.
عموما صعوبات العرض تعود لنوع فضاء الركح والغير المساعد،فمسرح القصبة هو مسرح وحيد متواجد بشفشاون مقاعده 600 مقعد وخشبته إجمال مساحتها 14 متر مربع(مرجع بحث :المشاكل المطروحة في المسارح وقاعات المراكز الثقافية في المغرب،وهو بحث تخرج الطالب أحمد بن ميمون من المعهد العالي للمسرح بالرباط،ص:79) إلا أن الواقع أن مقاعده لا تزيد عن 300 مقعد.
خشبة لا تناسب العروض المسرحية التي تعرض فوقها فقد صممت عن جدار الخلفية (Mur de lointaine) بحوالي متر مما ترك هوة سحيقة ودون أي إجراء وقائي وهذا يمثل الخطورة القصوى على الممثلين والتقنيين الذين قد يتعرضون لحادثة مميتة إن هم تحركوا بحرية أو تراجعوا إلى الخلف أثناء العرض وفي إنارة خافتة.(ص 82 من نفس بحث أحمد بن ميمون)
نلمس إشكالية الإخراج المسرحي بالمغرب منذ عقود وذلك لتواجد جهة واحدة رسمية تعكف على تدريسه: المعهد العالي للمسرح بالرباط،وقد طالب المخرج ياسين في حوراه أن يتم خلق معاهد جهوية متخصصة في كل الأغراض المسرحية. وعن سؤالنا له عن تصوره الميزونسيني الذي اعتمده في العرض أكد ياسين 🙁 استقر المشروع المسرحي ” الرحيق الاخير” على هويته النوعية و هي “كوميديا تاريخية غنائية “،و قد انبنى تصوري لإخراج هذا العرض على تحدي كبير جدا و هو منافسة كل المنتوجات البصرية لعصر “سمارت- فون ” أي خلق مشاهد قصيرة طريفة خفيفة فيها مزيج من التمثيل و الغناء و الرقص التعبيري في كل مشهد لا تتجاوز مدته أكثر من دقيقتين أو ثلاث على الأكثر بحيث يعتبر المشهد كوحدة جمالية مستقلة و مختلفة عن باقي مكونات العرض و يحمل جزءاً من حكاية العرض في تناغم شديد مع الايقاع و التسارع في منح المتلقي المزيد من التشويق و التحفيز لمتابعة العرض إلى نهايته ، نعتبر هذا العرض جديدا على مستوى الشكل و نقل المضمون .)
الإخراج تأليف بصري سمعي جديد بحسب رؤية وتصور كل مخرج على حدة.ومن يتابع أعمال ونصوص السبياع يعرف جيدا أسلوبه التعبيري والحبكي ويتعرف بيسر على تعابيره ومعانيه. إلا أننا بالعرض نجد حضورا للمسة المخرج بشكل أو بآخر. وعن سؤال للمؤلف عن:” كيف ترى لعبة جر الحبل في تنفيذ النص بين الكاتب والمخرج بشكل عام؟ فلقد أجاب مؤلفنا بصراحة وهو يرمي بالنص كجمرة حارقة للمخرج:(قلت دائما في حصص مناقشة العروض، إن نص العرض المسرحي لا يمثلني إلا في تفاعلي مع طاقم العمل ومنه المخرج. أما نصي الذي يمثلني مائة بالمائة فهو الذي أنشره. أما لعبة جر الحبل، فأنا عادة أنصاع للمخرجين، ليس لأني منهزم، أو لأني ضعيف، بل لأني أعتبر أن الإخراج حالة طارئة تحدث على النص المسرحي وتنتهي، وما يبقى هو نص المؤلف الذي ينشر في كتاب، قد يأتي بعدها مخرج آخر طارئ دائما فيحقنه بجنونه، وأنا أنصاع عادة لهذا الجنون).
الممثلون عرف أدائهم تنوعا على مستويات،بحسب المقاطع وتفاعل الحضور،وبحسب مدة حضورها فوق الركح.أبانوا عن قدرات مختلفة بحسب كل شخصية. مع تسجيل عودة مخلص بوشادر الذي غاب طويلا عن الخشبة. طبعا تبقى أهم ما يمكن تسجيله هو تذبذب مستويات الممثلين وخصوصا في طريقة النطق والأخطاء النحوية،مع ضعف الصوت عن البعض بسبب عدم تمرسه مع القاعات المفتوحة.
ويمكن اعتبار دور النحات جورج الذي شخصه خريج المعهد العالي للمسرح بالرباط الشاب الشفشاوني منصف القبري،دورا محوريا باعتبار دوران كل الأحداث عليه. دون إغفال حضور كل ممثل أو ممثلة. ولقد بين منصف كيف اشتغل على الدور:”عند القراءة الاولى لنص “الرحيق الاخير” للكاتب المغربي أحمد السبياع،اثارتني شخصية “جورج النحات”,،في هذه الأثناء لم أكن أعرف بعد أي شخصية سأقوم بتجسيدها، وبعد القراءة الجماعية مع مخرج العرض الفنان ياسين أحجام تم بالفعل اختياري لتجسيد هذا الدور.”جورج النحات” لم يكن بالدور الهين، فقد تطلب مني مجهودا كبيرا خلال اعداده بطبيعة الحال تحت إدارة المخرج ياسين أحجام،الذي ساعدني ووجهني كثيرا حتى أستطيع تركيب هذه الشخصية على رؤيته الإخراجية، خاصة وأن “جورج” شخصية تختلف عن باقي شخصيات هذا النص بسبب حساسيته الفنية على غير الشخصيات الأخرى التي غالبيتها مُحاربة أو مخزنية، وأيضا تجسيد هذا الدور تطلب مني مجهودا جسديا كبيرا بحيث اعتمدت خلال اشتغالي على الشخصية، إضافة إلى تقنيات التمثيل،على الرقص والتعبير الجسدي”.
الدور برغم هذا لازال لبعض التفصيلات التي يتطلبها بالخصوص مع الحقبة الزمنية التي عاشها النحات وما صاحبها من عقائد فنية تتعلق بالفن والأزياء والإكسسوارات وطريقة التصرف.
السينوغرافيا اعتمدت على ديكور يوحي للظروف التاريخية بشكل مختصر ورمزي،يوفر الأجواء المناسبة للأداء.الإنارة لا يمكن التطرق إليها كي لا نظلمها لأننا في فضاء مفتوح ويقترب من طريق عمومي مضاء. أما الملابس التزمت بالظرفية التاريخية المعروفة وقتها،ببساطة جنت على بعض الشخوص.
الموسيقى توزعت بين عزف ومصاحبة أدائية حية للثنائي دلال البرنوصي وعزف منفرد للقيثارة،وبين مؤثرات موسيقية وسمعية ذكرت بالفترة التاريخية والحمولة الكبرى للاستعمار بالعالم العربي خصوصا. ولقد غنت دلال مقاطع إسبانية بدت مقحمة لمن يتقن اللغة بسبب معانيها وأبعادها البنوية.
إذن،الموسيقى المزدوجة لمحت من بعيد إلى ازدواجية أهداف الاستعمار: حيث السبب المعلن وهو التحرير ومساعدة الشعوب والسبب الخفي وهو استغلال المواد الأولية وخيرات البلاد.
الرحيق الأخير: تأليف أحمد السبياع ,إخراج: ياسين أحجام ,إنتاج: مسرح المدينة الصغيرة بشفشاون 2016
شفشاون المغرب
0 التعليقات:
إرسال تعليق