أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 31 مارس 2017

رؤية المخرج المسرحي.. ثبات متحوِّل ومتحوِّل ثابت

مجلة الفنون المسرحية

رؤية المخرج المسرحي.. ثبات متحوِّل ومتحوِّل ثابت


رؤى مختلفة وتجارب متنوعة في الإخراج المسرحي، تناولتها ندوة «المسرح والالتزام.. رؤية المخرج بين الثابت والمتحول»، التي أقيمت يوم السبت على هامش أيام الشارقة المسرحية. فالندوة التي قدمها المسرحي السعودي د. سامي الجمعان، وشارك فيها كل من د. حيدر منعثر من العراق، والمخرج اللبناني عصام بو خالد، إلى جانب المخرج العراقي كاظم نصار، انطلقت من مركزية المخرج في فريق العمل المسرحي، بوصفه من يطرح رؤية العرض ويفرضها على المتلقي، لذلك عمل المشاركون في الندوة للإجابة على تساؤلات تتعلق بظروف الثبات والتحول في رؤيته، على مستويات مختلفة.

صعوبة الإخراج المسرحي تكمن في المصطلح نفسه، بوصفه توريطاً لمن يقوم بهذا العمل، حسب د.حيدر منعثر، الذي أشار في ورقته إلى أن المخرج كان ولا يزال المسؤول الأول عن العمل، إلا أن هذا لا يعني أنه يمكننا أن نعتمد الإخراج كعلم صريح ذي نظريات ثابتة بدراسة علمية، ، يمكن أن يأتي شاب صغير برؤية إخراجية جديدة، يقلب علينا الطاولة ويحقق ما لم يحققه الأكاديميون، وهو ما يرى منعثر أنه يقودنا إلى اعتبار الإخراج المسرحي ثابتاً كحرفة ومتحولاً كموهبة تقارب العرض الافتراضي الذي يسعى إليه المخرجون.

ويرى منعثر، أنه طوال القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظل المخرج فاعلاً أساسياً في العمل المسرحي، لتظهر بعد ذلك سطوة السينوغرافيين على مهمته، عبر تحولهم إلى مخرجين، مشيراً إلى تقدم الدراماتورجية على الإخراج في أعقاب القراءة الدراماتورجية التي قدمها بريخت، مشيراً إلى أنه على المستوى العربي، ظلت الرؤية الإخراجية حبيسة النص، حيث لم يتجاوز الإخراج حدود تنفيذ النص، حتى ظهر تيار جديد يتحلى بالتمرد والاستنارة، ليستلهم تجارب عالمية ويمزجها بخبرات من التراث، في رؤية تتكئ على اكتشاف غير المكتشف في العرض المسرحي.
ولا يغفل منعثر أثر السينما، بوصفها فن المخرج بامتياز، على الإخراج المسرحي، وصولاً إلى ظهور الأسلوبية في الإخراج، والتركيبية أو التصويرية، حيث حول الأسلوب التصويري المخرج إلى كاتب بصري، يعمد إلى تجسيد اللغة البصرية ويخفف من الاشتغال على التجربة اللغوية، وهو ما يقودنا إلى أن جميع المخرجين تصويريون تركيبيون، يختلفون عن بعضهم في الترتيب المشهدي والتقديرات الفنية، الأمر الذي يؤكد أن الإخراج لا يزال فناً قادراً على التحكم بمستقبل العملية المسرحية بقدرته على التحول.

ويخلص منعثر إلى أن المرحلة التي يمر بها العالم الآن، تمثل مرحلة مخاض تهدد فن المسرح بالاندثار، عقب ظهور أشكال تعبيرية تتوسل روح المسرح وأشكاله الأساسية، ما ينبئ بأن شكلاً جديداً من المسرح سيولد في السنوات القليلة المقبلة. وعليه، فإن الثابت والمتحول في الإخراج المسرحي هو ثبات لا يبقى على ثبات، أي أن الثابت فيه متحول والمتحرك فيه متجدد.

مفتاح التحول في الرؤية الإخراجية هو التحولات الاجتماعية، من هذه النقطة انطلق المخرج العراقي كاظم نصار، مشيراً في ورقته إلى أن هذا التحول الذي يعتبر انعكاساً للتحول السياسي، يؤثر على الإخراج بشكل رئيس، فيما تأتي بقية العوامل مثل الإنتاج وظروفه في مرتبة أخرى.

وانطلاقاً من مقولة نجيب سرور: «التجريب هو أي جديد في المسرح على مستوى الشكل والمضمون»، حشد كاظم مجموعة من النماذج في المسرح، العالمي والعربي والعراقي، ليؤكد على زاوية مقاربته للثابت والمتحول في الرؤية الإخراجية، بدءاً من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي دشنت لمسرح سياسي ومسرح غضب ومدارس متعددة، يقف كاظم في هذه الحقبة على تجربة بسكاتور، وبريخت، مشيراً إلى أن المفارقة في التجربتين تكمن في أنهما بدأتا كتحول لتصبحا أيقونتين الآن.

عربياً يدلل نصار على فرضيته المتعلقة بالأثر السياسي والاجتماعي على تحول الرؤية الإخراجية، مستعرضاً نماذج من مصر والمغرب وسوريا ولبنان والعراق، عبر محطات ما بعد حرب 1967، التي تحول فيها الإخراج المسرحي في مصر مثلاً إلى اتباع المسرح التقديمي البريشتي السياسي، ليتحول الديكور إلى تجريدي، وتستلهم الأعمال أشكالاً نابعة من التراث، ويخرج المسرح إلى الحارة والشارع والحديقة والأنقاض. وحول التحولات في رؤيته على الصعيد الشخصي، يقول نصار: «انتقلت من مسرح ما بعد الحرب إلى ما يمكن أن نطلق عليه الكباريه السياسي، الذي يرصد التحولات الاجتماعية التي أحدثتها الحرب على الإنسان العراقي».
منذ بداية العملية الإبداعية لدى المخرج، فإن كل شيء متحول، ولا يوجد ثابت على الإطلاق، حتى النظريات العلمية المقدسة تصبح قابلة للتحول في سياق العمل الفني، حسب ما مضى إلى ذلك المخرج اللبناني عصام بوخالد، مشيراً إلى أنه بمجرد إطلاقنا العنان للخيال، فإن كل الثوابت تسقط تماماً. ويستعرض بوخالد تجربته الشخصية، بوصفه مخرجاً «خريج حرب»، راصداً ما أحدثته الحرب من تغيرات على رؤيته الإخراجية، التي تنطلق في الأساس من أن المسرح ليس مرآة للمجتمع، بل مجهر يغوص في أعماقه. ويقف بوخالد على ما أحدثته الحرب على الرؤية الإخراجية، لتختفي المسرحيات المكونة من فصلين مثلاً، متوقفاً عند تجربته في مسرحية «مارش» التي عرضت ضمن فعاليات أيام الشارقة المسرحية في العام 2005، مشيراً إلى أنه مزج فيها بين رؤية الأكاديمي وغير الأكاديمي، ليفترع طريقاً ثالثاً، الأمر الذي دفع البعض إلى اتهامه بالتطرف الإخراجي.

------------------------------------------
المصدر : عصام أبو القاسم - الآتحاد 

المسرح ضمير المجتمع الحي .. وقواعد العشق الأربعون

مجلة الفنون المسرحية

المسرح ضمير المجتمع الحي .. وقواعد العشق الأربعون

 محمد صلاح الدين مأمون 

إذ المسرح معلم المجتمع ومهد لفن راقٍ يعتبر وبحق شمسًا تنير ظلمة الحياة وتهدي الضمير الإنساني؛ فهذا بطبيعة الحال ألزم المسرح مهمة قدسية، وهي إرشاد الإنسان لما ينقصه، ولما ضاع منه في خضم حياة رقمية تسير بإيقاع آلي متسارع مسخت روح الإنسان، وجعلت منه آلة تدور وتعمل لتجلب وقودًا يُضخ فيها ثم تدور وتعمل وتدور وتعمل، إلى أن يصيبها العطب فتتلاشى ضوضاؤها وسط ضوضاء الحياة، وبذلك يكون الإنسان قد غدا مادة لا روح لها، وانطلاقًا من هذه الخطيئة العصرية كانت رسالة مسرحية “قواعد العشق الأربعون”، والذي كان حالة من الروحانية الصافية عبرت إلى نفوس الحضور كجدول الماء الرقراق، والعرض بطولة الرائع بهاء ثروت والكتابة رشا عبدالمنعم، وشارك في الكتابة ياسمين إمام  وخيري الفخراني وإخراج عادل حسان.تحت رعاية السيد وزير الثقافة/ حلمي النمنم شهد مسرح السلام افتتاح عرض مسرحية “قواعد العشق الأربعون”، والتي تحمل للمجتمع رسالة روحانية ودعوة للتأمل القلبي لمجريات الحياة؛ فالإنسان العصري قد أرهقته مادية الحياة حتى نسي جوهر الروح والنظرة المتفكرة في العالم بنور القلب، ومن ثم وانطلاقًا من هذه الأزمة كان دور المسرح ضمير المجتمع وكانت فكرة العرض وروعة نصه المكتوب الذي كان حالة تلاقٍ بين مولانا جلال الدين الرومي (عزت زين) ونديمه الروحي وشيخه شمس التبريزي (بهاء ثروت)، فقد كان الرومي قبل لقاء نديمه شمس يسير مهتديًا في ظلمة العالم بالأحكام الظاهرة المعروفة عن الله، والتي كانت كلمات يرددها من كتب موروثة عبر آبائه على رفوف مكتبته إلا أن القدر العجيب أوقعه في لقاء نديمه شمس؛ بفعل شجار وقع عند المسجد بينما كان الرومي قائمًا يخطب في الناس، فقذفه شمس بأسئلة أبهرته بين عالم الظاهر وعالم الباطن وعالم الشريعة وعالم الحقيقة، حتى إن الرومي دعاه لبيته بين أهله، فاختلى به أربعين ليلة هدم له فيها ما تربى عليه من ظاهر العلاقة بين العبد والله وبنى داخله صرحًا نورانيًّا لما علمه قواعد العشق الإلهي الأربعين، فكان شمس رغم فقره وزهده الصوفي مصدر انقسام مهيب في بيت الرومي بين ابنته التي وقعت في حبه، وزوجته التي كرهته ووجدت فيه غريبًا اختطف زوجها منها، فصار في شغل عنها وعن شؤون البيت، وخلال ملازمة مولانا الرومي لشيخه الصوفي شمس خضع لتجارب صوفية كانت بالنسبة له تغيرًا كبيرًا في حياته بين ظاهر التجربة وحقيقتها الخفية؛ فمرة يطلب منه حرق كتبه، ومرة يرسله لشراء خمر، ومرة يُجلسه يتسول حتى إن ابن مولانا الرومي سخط على شمس التبريزي ورآه يهين قدر والده العالم الجليل؛ لأنه رأى الظواهر من التجارب أما قلب مولانا جلال الدين فقد لامس الحقائق القلبية التي ترسله إلى عالم الله؛ فيتجلى النور الإلهي في قلبه، حتى صار يرقص من هيامه بخمر العشق الإلهي ومعه مريدوه يؤدون رقصة “سما”.ولم يقتصر تأثير الصوفي شمس التبريزي عند هذا الحد، بل امتد لأناس عاديين أخرجهم من عالم المادة إلى الروح؛ منهم عاهرة جعلها تسلك طريق المعرفة الإلهية، كما تحول الحب الذي في قلب ابنة جلال الدين الرومي تجاهه إلى عشق إلهي وحالة وجد صوفية، كل ذلك وشمس جوال بين الناس يظهر لمريده جلال الدين الرومي ثم يختفي وهو في عداء مع الشرطة والعوام الجهلاء والفقهاء الذين تمسكوا بالظاهر من العلوم الشرعية، ورفضوا المقامات الباطنية التي تكلم عنها شمس التبريزي وكانوا يرونه زنديقًا، إلى أن أتت اللحظة الفارقة عند مولانا جلال الدين الرومي حين اختفى شمس وغاب عن العالم كعادة العارفين، فوقع الوجد والشوق في قلب مولانا جلال الدين الرومي، وأصبح في حالة شوق إلهي من مريد يرجو أن يعود له أستاذه المحبوب، فهكذا دارت الحركة الدرامية بين الشخصيات المحورية في العرض.وعن حركة الشخصيات الأخرى فقد أبدع الكاتب والمخرج في وضعية شخصية شيخ بيت الصوفية (الخانقاه)، والتي كانت في البنية الدرامية الشخصية الناطقة بالحق عبر جمل قصيرة تحمل دلالات بعيدة، وكذلك الشخصيات التي تقف عل الشاطئ الآخر من طبيعة جلال الدين الرومي وشمس تبريزي ألا وهي شخصيات صاحب الشرطة، الذي كان يعشق العاهرة ولا يرى من الحياة إلا الماديات فقط، ولهذا كان يبغض شمسًا لأقصى درجة، وكذلك شخصية صاحب الحانة والسكارى معه، والأهم شخصية الفقيه المتجمد الذي حاور شمسًا وهو يعتمد النظرة الظاهرية للنصوص الدينية، ومن ثم رأى في شمس مارقًا عن الدين؛ لأنه يتحدث بفيض من نور نبع في قلبه لا من نصوص الكتب والفقهاء كلام من ماتوا فلانًا عن فلان عن فلان.وإحقاقًا للحق فقد كان الكاتب والمخرج موفقين بجدارة في وضع شخصية مثلت حجر الزاوية في العمل؛ وهي شخصية زوج مولانا جلال الدين الرومي، والتي كانت مسيحية مبهورة بشخصية مريم البتول، ثم تحولت للإسلام، وظنت أن مريم العذراء حكر على المسيحية فقط، ثم أضاء قلبها على يد الصوفي شمس التبريزي، فتسامحت مع كل الأديان، وعلمت أن مريم رمز للمرأة المقدسة للكل لا في الجزء فقط، وأشرقت فيها فلسفة مولانا محيي الدين ابن عربي وتغنت بأشعاره خلال العرض.وقد واكب العمل عرض رائع لفرقة المولوية العربية برقصتها الصوفية المتميزة، مع الغناء الصوفي لأجمل قصائد المتصوفة العشاق وعلى رأسهم مولانا الرومي, وعند الحديث عن منظور المسرح؛ فقد أبدع المخرج عادل حسان، فجعل ديكور المسرح على نمط مأخوذ من أجواء العصور الوسطى وتحديدًا في البيئة الفارسية التي ازدهر فيها المتصوفة، فنجد المشكاوات الإسلامية ونمط الأرابيسك، مع تصميم غرف الخلوة الصوفية، وحتى تصميم أرفف مكتبة الرومي أتى ملائمًا لذلك العصر،  وكانت حركة الإضاءة على خشبة المسرح تتسم بالاعتماد على الأضواء الملائمة للجو الصوفي، والتي تشعر الجمهور بحالات الوجد الإلهي ولحظات الكشف بين العاشق المتصوف والذات الإلهية، وقد ناسب المخرج بوعي تام بين مشاهد الأحداث المسرحية والغناء والرقص الصوفي فجاء العمل غنائيًّا صوفيًّا وفي الوقت نفسه دراميًّا على نحو متكامل، واتسم أداء الفنانين باللغة العربية الفصحى بالأناقة والدقة بنسبة عالية.وملابس العرض تحتاج كامل التحية والتقدير لجهد المهندسة المتميزة/ مها عبد الرحمن، فحقيقة كأنها غاصت في الزمن وشاهدت هذا العصر بكامل مفردات ملابسه والخطوط الدقيقة لطرز المنسوجات في البيئة الفارسية في ذلك العصر، وقد أعطت رؤية للملابس جعلتنا نرى نمط ثوب الصوفي الجوال والإمام الفقيه ورجل الدولة وأيضًا ملابس العوام في الطريق.ختامًا لقد شهد مسرح السلام حالة وعي ثقافي تمثلت في معادلة روحية بين الأرض والسماء بين مادة الحياة وقسوتها الطاغية على الإنسان، وبين حاجتنا إلى نظرة قلبية ترى جوهر العالم الخفي عبر “قواعد العشق الأربعون” التي أعطاها الصوفي شمس التبريزي لمريده مولانا جلال الدين الرومي، ثم ما لبث أن اختفى في غيبة صوفية اختلف المؤرخون في علتها، ولكن الصوفي شمسًا ترك بصمة لا تنمحي في قلوب العاشقين الذين التفوا حول مولانا الرومي يرقصون في حالة وجد وعشق، بينما الرومي كان غارقًا في حالة اشتياق للقاء شمس الذي اختفى بعد أن بث بذرة الحياة القلبية في نفسه، وفي نفوس أخرى كثيرة كانت حبيسة عالم المادة حررها لعالم الروح، ولهذا سيظل المسرح معلم المجتمع ومصوب أخطائه، وسيظل شعاع نور يضيء ظلام العالم المحيط بنا، وليستمر عطاء المسرح في رسالة روحية مازجت بين محبة الله والغناء والرقص؛ لتحرير الروح، ولا غرو فهذا دور فريق مسرحي متلاحم مؤمن بفكرته؛ حتى يستمر التنوير في عصر علت فيه الأصوات التي حاربت حرية الفكر وعادت وكفرت أي صوت خالف رؤيتها الجمودية الواهمة التي تجاوزها الإنسان كما تجاوز العصر الحجري البدائي.

-----------------------------------------------
المصدر : بوابة الشرق 

المسرح الانكليزي في القرن العشرين

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الانكليزي في القرن العشرين

أ د.حميد حسون بجية

تضاءلت تدريجيا منذ بداية القرن السابع عشر فترة رائعة شهدها المسرح الإنكليزي - ذلك هو عصر شكسبير وبن جونسون ر وبستر وكون كريف. ولمدة ما يقرب من مائتي سنة تلت باستثناء أعمال منفردة لشريدان وكولد سميث- لم تظهر أعمال مسرحية ذات أهمية(على المسرح). وبعد ذلك وفي آخر عقد من القرن التاسع عشر وخلال معظم القرن العشرين كانت هناك نهضة باهرة. بدأت هذه الفترة عام 1892 بظهور أوائل مسرحيات جورج برناردشو.

جورج برناردشو:

        أعلن برناردشو رأيه عن أهدافه ككاتب مسرحي عندما كتب مرة : ينبغي للمسرح أن يتحول من الأدب المسرحي الخيالي والحسي إلى الأدب المسرحي التنويري . فكانت كل مسرحياته التي بدأت (ببيوت الأرامل) عام 1892 ولم تنته إلا بعد ما يقرب من ستين عاما. تلت مسرحيات تعليمية وأخلاقية في مغزاها بشكل مكثف. ومنذ البداية كان برناردشو يسعى لفضح الرياء والحماقة والتقاليدية في طريقتنا في الحياة وسار على ذلك المنوال في مسرحياته الواحدة تلو الأخرى مستخدما سخرية مسلية وروح هزل مثيرة. فلم تعد أبطاله وبطلاته نبيلة ولا رومانسية بل أناسا عاديين من قبيل شخصية ديك ددجيون في مسرحية (تلميذ-تابع- الشيطان) أو قيصر في مسرحية (قيصر وكليوباترا)  اوالقديسة جان دارك في المسرحية التي تحمل اسمها. وتمتاز  أعمال برناردشو بولعها بالهدم (غير بناءه)  أكثر مما هي إبداعية (خلاقة). فهو يقدم القليل من الحلول لما نواجهه من مشاكل بيد أن تعليقاته الدرامية (المسرحية) حول قيمة الهدم جديرة بالاهتمام. يحدث ذلك مثلا في الفصل الثاني من مسرحية (قيصر وكليوباترا) حيث يراقب كل من الامبراطور والمؤرخ ثيودوتس حريق مكتبة الإسكندرية الشهيرة.

ثيودوتس: أن ذاكرة الإنسان هي التي تخترق هناك.

قيصر: يالها من ذاكرة تجلب العار. دعها تحترق.

ثيودوتس(باستغراب) : هل تريد أن تحرق الماضي؟

قيصر : اجل ، وابني المستقبل من أنقاضه.

     

هذا هو مثل برناردشو الأعلى. وفي مكان آخر في مسرحية (الاانسان والإنسان الامثل) يعبر دون جوان عن              آخر من المعتقدات التي يعتز بها برناردشو عندما يقول:

        أؤكد لك أني طالما أحس بشيء أفضله على نفسي فلا يمكنني أن أكون سهل الانقياد

        ما لم أكافح (أناضل) من اجل تحقيقه أو إفساح المجال لتحقيقه. انه قانون حياتي

        واقصد به ما  يدور في خلدي حول الطموح الحياتي المتواصل للحصول على تنظيم أكثر سموا.

        روعي بالذات اتساعا وعمقا وشدة إلى جانب فهم للذات أكثر وضوحا.            

إن أعظم إنجازات برناردشو هي قابليته على خلق ملهاة رائعة مما يبدو لأول وهلة مادة غير درامية. فلا احد قبله ولا بعده تمكن من كتابة مشاهد نقاشية تمثل فيها زخم المناظرة كمصدر أساسي للإثارة الدرامية. ففي عالم الملهاة النثرية والهجاء خلال تقديم دراما الأفكار وفي كمال نضج حواره النثري حقق برناردشو إنجازا كمنت فيه براعته.

جون غالزويرذي (1867-1933)     

        كانت أعمال غالزويرذي ككاتب مسرحي معاصرة لمسرحيات برناردشو المبكرة. فقد كتب مسرحية (الصندوق الفضي )عام 1906 واتبعها في السنوات اللاحقة بمسرحياته (الصراع) و(العدالة) و(لعبة النصب والاحتيال) و (الو لاءات) و أخرى غيرها. وكانت كل تلك المسرحيات دراسات مأساوية للفرد الواقع تحت  رحمة القوى الاجتماعية المستبدة. فكل واحدة منها تقدم إحدى مشاكل الظلم الاجتماعي.  لقد كتب كل واحد منها بصدق و بقدر كبير من  المهارة الفنية.  بيد أن مسرحيات غالزويرذي اختفت  و لم تعد تعرض على المسرح. و يكمن السبب في ذالك في آن شخوصه الرئيسة متخشبة بحيث  لا يمكن أن تكون مبعث اهتمام دائم للجمهور المتردد كثيرا على المسرح. فشخصية فا لدر في مسرحيه (العدالة) أو انطونيو روبرتس في مسرحية (الصراع) كانت بقايا  دمى متحركة تحت رحمة قوى مجردة عملاقة هي القانون الرأسمالية والعمل.

سومرست موم(1874-1965)   

        بينما استخدم برناردشو التقليد القديم لملهاة السلوك للاستفادة منها في أغراضه الخاصة، اقتنع معاصره سومرست موم بمواصلة هذا التقليد في مسرحيات من قبيل (الدائرة) عام 1921 و(أفضل من هم على شاكلتنا) عام 1923 و(المعيل) عام  1930. ففي كل هذه المسرحيات كما هو الحال في مسرحيات أخرى ناجحة اظهر موم ثقة كاملة بالنفس في مجال معالجاته للحبكة والشخوص وتضلع في استخدامه للسخرية والهجاء المقذع. بيد أن التألق النهائي الذي ميز مسرحيات كونكريف وشريدان ووايلد الهزيلة بقي دائما بعيدا عن متناول موم.

نوئيل كاوارد (1899-1964)

        بدا كوارد صلته الغرامية الطويلة بالمسرح و هو في سن الحادية عشرة عندما ظهر كممثل صبي في احد مسارح  في الطرف الغربي (ويست اند). أخرجت مسرحيته الأولى (الفكرة الجديدة) عام 1919 ومنذ ذلك الحين اخذ بكتب باستمرار ونجاح المسرح اللندني. وكان أول نجاح حقيقي له في مسرحيته (الدوامة) عام 1924 . و هي هجاء لاسلوب الحياة الحديثة في لندن ما بعد الحرب. ففيها حيوية أخاذة لاذعة كانت تروق كثيرا لنظارة ذلك الزمان. كما كتب مسرحياته المتأخرة من قبيل (حمى القش) و (المركيزة) و (الملائكة الهابطون) و (حيوات شخصية) و (الروح المرحة) فيما بين عام 1924 وعام 1945 وكانت كلها بارعة النجاح. ومرة أخرى كان التقليد الأقوى في المسرح الإنكليزي - أي ملهاة السلوك والسخرية - هو ما قدمه كما ورد بمثل هذه البراعة.

شون اوكابسي (1884-1946 )

        ظهرت ثلاثة ملامح في أعمال الكاتب المسرحي الايرلندي شون اوكابسي وهي بدء نوع جديد من الفن المسرحي ورد فعل ضد ملهاة السلوك إضافة إلى الفضول الشديد حول كون الإنسان كيانا مختلفا عن كونه مجرد كائن اجتماعي. عرضت مسرحياته المبكرة وهي(ظل مقاتل) و (جونو والطاووس) و (برج الدب-المحراث والنجوم-) فيما بين عام 1922 وعام1926. وكانت كلها من وحي تجاربه خلال سنين الشقاء 1915-1923 عندما كانت ايرلندا تكافح من اجل الاستقلال. فهي تتمركز حول معاناة الناس العاديين. وتقدم كل واحدة منها مجموعة من الشخوص المنوعة وتستخدم أسلوبا مميزا غنيا.

حي بريستلي (1894-1984)

        كان هناك نفس الاستياء الضمني تجاه السخرية والمادية في أعمال كاتب مسرحي متأخر قليلا وهو جي بي بريستلي. فقد كان دائما مصمما على الاستفادة من تجاربه كما تظهر مسرحيته الأولى (الركن الخطر). وفي مسرحية تالية وهي (جونسون وجور دن) عام 1939، استخدم الموسيقى ورقصات الباليه والأقنعة في فنتازيا كهذه تتعامل مع تجارب إنسان عادي بعد موته مباشرة. وكذلك في مسرحياته الأخرى مثل (كنت هنا من قبل) أو (دعوة مفتش) حيث أبدى رغبته في الإفلات من قيود التقليد. بيد أن التغيير الأول الرئيسي في المسرح كان قد جاء توا عام 1935 من خلال أعمال تي أس اليوت.

 تي أس اليوت(1888-1965)

        لقد استخدمت الأعمال المسرحية الإنكليزية وسيلة الحوار النثري بشكل كاد يكون حصريا منذ عام 1660 وحتى بداية القرن العشرين. وكان هناك القليل من المحاولات في الدرجة الأولى (إلى حد بعيد) على أيدي شعراء القرن التاسع عشر - لأحياء الفن المسرحي الشعري التي كانت سائدة عند كتاب العصر الاليزابيثي. وكانت تلك المحاولات ناجحة إلى حد بعيد. وجرت محاولات أخرى في بداية القرن العشرين لإحداث انعطافة نحو الشكل الشعري قام بها ديلوي بيتس وستيفن فلبس وماسفيلد وآخرون ولكن بقي الشكل من جديد ميتا بشكل مستعص على المعالجة. وكان من الضروري أن نعرف أن المسرح مضاربة تجارية حيث تكتب المسرحيات للمشاهدين (النظارة) وليس للقراء في المكتبات وانه من دون ما يسمى "شباك التذاكر" ليس أمام المسرحية سوى فرصة نجاح ضعيفة. وعندما بدأت نزعة لوضع الشعر والمسرح التجاري في عمل مشترك في الثلاثينات من القرن العشرين، جرى استقبالها بحماس كبير (منقطع النظير) .

        يعود الفضل في ذلك إلى تي أس اليوت. فقد أعلن عن اهتمامه بالمسرح الشعري عام 1920 عندما ضمن مقالا له حول" إمكانية تحقق مسرح شعري " ضمن مجلد بعنوان " الأيكة المقدسة". وفيها العبارة المهمة التالية :"تكمن مشكلتنا في تبني نوع من التسلية مخضعة لعملية تجعل منه تقليدا فنيا. وبعد بضع سنين كتب في مقالة بعنوان "حوار في الشعر الاليزابيثي" . وفي عام 1935 طلب إليه أن يكتب مسرحية لمهرجان كانتربي. وبهذه الطريقة بدأت عملية إحياء الفن المسرحي الشعري في بريطانيا بإخراج مسرحية (مقتل في الكاتدرائية) عام 1935.

        تعتبر هذه المسرحية إنجازا  هاما من ناحيتين.  فهي أولا عادت مجددا إلى فكرة قديمة - وهي الصراع داخل نفس الإنسان ضد خلفية تعكس أهمية دينية وسياسية. وثانيا إن هذه المسرحية استخدمت كل وسيلة فنية كانت مستعملة في المسرح سابقا. فقد استعار اليوت من المسرح الإغريقي استخدام الكورس والذي لا يساعد في التعليق على الأحداث فحسب وإنما يسهم أيضا في خلق الجو المناسب وفي إبداع شعور بالعمومية . إن الصيغة العروضية الرئيسية المستخدمة في هذه المسرحية هي الإيقاع المنطلق الذي  قام بتجريبة  والإجادة فيه الشاعر جيرارد ما نلي هو بكنز - وهذا الإيقاع عبارة عن عدد من النبرات الثابتة في كل بيت مع اختلاف عدد المقاطع.فمرة نسمع أصداء من موسيقى الشعر المرسل الشكسبيرية الرصينة ومرة نصغي إلى لحن أغاني الأطفال المثيرة للضحك والخارجة على قواعد الوزن الشعري. وبهذه الطريقة ابتدع اليوت أسلوبا محايدا موحيا" بالماضي والحاضر على حد سواء ".

        وتكشف مسرحياته المتأخرة مثل(التئام شمل العائلة) عام 1939 و(حفلة كوكتيل) عام 1950 و(الكاتب المؤتمن) عام 1954 عن براعة فنية فائقة وعن نفس العمق والجدية في فهم الشخصية البشرية والعلائق الإنسانية.

المسارح الشعرية الأخرى

        كانت المسرحيات الشعرية التي اشترك فيها دبليو ايج اودن وكريستوفر اشر وود معاصرة تقريبا لتجارب تي أس اليوت في المسرح الشعري. وكلن المسرح يعني لكلا الكاتبين وسيلة دعائية لغاية سياسية في المقام الأول. وتعتبر مسرحياتهما (الكلب  تحت الجلد) عام 1935 و (الصعود ) عام 1936 و (على الحدود) عام 1938 عرضا حيا للهجاء المصحوب بعروض عاطفية لمعالجات ماركسية. ويبدو إن فشل هذه المسرحيات يمثل تنبيها ممتعا إلى خطر استعمال الفن لمجرد غايات دعائية سياسية.

        ويتجسد أكثر النجاحات وضوحا في المسرح الشعري بعد اليوت في مسرحيات كريستوفر فراي. فبعد تجاربه المبكرة في مسرحيتي (الصبي والعربة) عام 1938 و(المولود الأول) عام      برز فراي ككاتب رئيس في حقل المسرح الشعري عام 1946 في مسرحية (العنقاء ذات الزيارة المتكررة) التي تدور إحداثها حول امرأة رومانية ذات مقام اجتماعي رفيع كانت على وشك أن تضحي بنفسها على قبر زوجها السابق لكن احد القادة الرومان أعادها لممارسة حياة جديدة مفعمة بالحيوية. وحول هذه الفكرة البسيطة حاك فراي نسيجا من مفردات مفعما بالجذل والسخرية والحيوية.

        وكان حب فراي  للحياة مفتاحا لمسرحية كتبها بعد سنتين وهي(السيدة ليست للحرق) - وهي قصة لساحرة  مشهورة إنقاذها  من الموت جندي سابق. ومرة أخرى  نجد تدفقا غنيا من الصور الخيالية المثيرة للبهجة تعتبرا لناتجة من إدراك  متعة الحياة ، وربما بسبب الاهتياج لقرب الموت وهذا يعبر عن تضاد رائع. واشتملت إعمال فراي اللاحقة مسرحيات ممتعة  مثل(فينوس حين ترصد) و (الظلام ضياء كاف) و(المعطف الفظ ) وكلها كانت تكشف عن حسن فهم حقيقي للمسرح وقدرة فائقة على الإبداع الاكثر حداثة.

        إن النزعة الاكثر حداثة في المسرح البريطاني ابتداء من 1950 وحتى الوقت الحاضر هي التحول عن المسرح الشعري إلى نوع جديد من المسرح النثري. فهي جديدة لأنها في حالة ثورة. إذ أن كتابا مسرحيين من قبيل جون اوزبورن وهارولد بنتر و سامويل بيكيت رفضوا المسرح الارستوقراطي والمسرحيات التاريخية والملهاة الاجتماعية والشعر. وقدموا المسرحية النثرية كبديل كونها تتمركز حول حياة الناس العاديين كما أنها المسرحية التي ولدت من الصراع بين الشباب وبيئتهم. انه مسرح الناس المنبوذين والمخفقين والذين يعوزهم الانسجام والتكيف مع مجتمعهم. فعند الإطلاع على مسرحيتي اوزبون(انظر إلى الوراء بغضب) عام 1957 و(السامر) عام 1957 ومسرحية هارولد بنتر(المتعهد) عام 1962 ومسرحية سامويل بيكيت( في انتظار جودو) عام 1954 يكون على بينة من التغيير الكلى الحاصل على مستوى المعتقدات والمواقف  وكذلك على مستوى التجريبية الاستثنائية في معالجة التفاصيل الفنية. يتجسد ذلك جليا في معالجة بنتر للحوار في تركيز بيكيت على الشخوص المنزوين الذين يعملون بانفراد لتحقيق سمة من سمات الواقع الراهن. فهدف الكاتب المسرحي المعاصر هو تقديم نمط جديد لمحتوى جديد ومن خلال البحث الحثيث لذلك تكمن كل الدلائل التي تبشر بمستقبل واعد.   
-----------------------------------------------------------------                                

 المصدر : ترجمة د. حميد حسون بجية
فصل من كتاب A Short History of English Literature
تاليف Waldo Clarke  
- See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=63816#sthash.5MLRIsLy.dpuf

المسرحي السويسري ميلو رو يسرد سيرة قارة في لحظة فارقة

مجلة الفنون المسرحية

المسرحي السويسري ميلو رو يسرد سيرة قارة في لحظة فارقة


بعد “الحرب الأهلية” و”عصور الظلام” يكمل السويسري ميلو رو ثلاثيته التي تتناول ما تعانيه أوروبا من هشاشة وتصدع بمسرحية “إمبراطورية”، معتمدا كعادته شكلا مسرحيّا يجمع بين التوثيق والتخييل، ويقوم على الاعتراف بمفهومه المسيحي، حيث يتداول أربعة ممثلين من جنسيات مختلفة على سرد سيرهم الذاتية، كروافد لسيرة كبرى، سيرة قارة في لحظة فارقة.

السويسري ميلو رو مخرج ومدير فرقة وكاتب وصحافي، له حضور هام في الفضاء الجرماني وخارجه، بفضل جرأته أولا رغم صغر سنه نسبيا (40 سنة)، وكذلك بفضل تكوينه العلمي وحذقه عدة لغات كالفرنسية والإنكليزية والإيطالية والروسية، فضلا عن الألمانية.

نشأ في أسرة مثقفة، فجده لأمه دينو لاريز كان وجها بارزا في الحياة الثقافية بسويسرا ما بعد الحرب، عرف بجمعه التراث الشفوي السويسري، وله في هذا المجال ما للأخوين غريم في ألمانيا وشارل بيرو في فرنسا من شهرة، وكان إلى ذلك صديقا لمارتن هايدغر وتوماس مان ويوجين يونسكو.

كان لميلو في حياته، فضلا عن جده، ثلاثة أساتذة كبار: عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الذي درّسه في باريس في مطلع هذا القرن، فأخذ عنه تحليله العميق للسلوك البشري كخَلق اجتماعي وثقافي، والفنان التشكيلي الألماني جوزيف هاينريش بويس من جماعة فلوكسوس، وقد ورث عنه مفهوم النحت الاجتماعي، وأخيرا برتولد بريخت وإن ظل يساءل تجربته منذ بداياته، سواء في المسرح أو السينما، بحثا عن معنى ما بعد الحداثة في عالم يشهد استشراء العنف.

هذه الثيمة التي شغلته منذ تأسيسه “المعهد العالمي للقتل السياسي”، وهذا، خلافا لما تدل عليه التسمية، هو اسم شركته للإنتاج المسرحي والسينمائي، وكان قد أنشأها لكي يقطع مع مسرح الرصيد الجاهز، ليواجه ركحيا الأحداث الجارية، ويستدعي إلى الخشبة حلقات نزاع كبرى جللت هذه المرحلة، في أوروبا وسواها.

أعاد بناء محاكمة تشاوسيسكو مثلا، ثم محاكمات بوسي ريوت موسكو، قبل أن يحدث رجة قوية حينما عرض في مهرجان أفينيون عام 2013 مسرحية بعنوان “إذاعة الكراهية”، استوحاها من حصص لإذاعة “ألف هضبة” التي كانت تحرض على الهواء مباشرة قبائل الهوتو في رواندا على إبادة قبائل التوتسي.

أربعة ممثلين من جنسيات مختلفة يروون مسيرة حياتهم المتقلبة والمنفى الذي اختاروه راغبين أو راهبين
بعد الجزء الأول، أي “الحرب الأهلية” التي كشف فيها ميلو رو عن التحاق شباب أوروبي مضطرب بالجهاد، في جو يشهد صعود التيارات الراديكالية من كل جانب؛ والجزء الثاني “عصور الظلام” عن حرب البلقان وتمزق الجمهوريات اليوغسلافية، اختار في هذا الجزء الثالث، “إمبراطورية”، أن يقترح العودة إلى أسس الحضارات القديمة المتاخمة للبحر المتوسط، ليصوغ تراجيديا على النمط الإغريقي يصور من خلالها أوروبا كأرض ضيافة وتبادل، مستعملا كالعادة شخصيات قادرة على إنتاج خطاب عن واقع الثيمة المطروحة، وهم هنا أربعة ممثلين من جنسيات مختلفة.

انطلاقا من ذكريات عائلية، مأساوية في الغالب، يروي اليوناني أكيلاس كراسيزيس والرومانية مايا مورغنشتيرن والسوريان رامي مخلوف ورامو علي، مدعمين بالوثائق والصور وأشرطة الفيديو، مسيرة حياتهم المتقلبة والمنفى الذي اختاروه راغبين أو راهبين، مع إمكانية العودة، أو انعدامها، والاضطهاد والقهر والتيه والضياع في المنافي.

في الفضاء الضيق لمطبخ عائلي مترع بالأشياء، يجلس الممثلون الأربعة حول مائدة أو على كنبة، ويتكلمون في حركات مقتصدة، وحضور قار تسعى الكاميرا إلى تقريب انفعالات أصحابه وتعابير وجوههم، ونقلها على شاشة كبيرة تعتلي الخشبة، يفيضون بالحديث ليرووا قصتهم، ما عاشوه وما شاهدوه، باليونانية، والعربية، والكردية، والرومانية.

فتتبدى حكايات معقدة، متشابكة، تغوص في التاريخ المظلم لنزاعات العالم المتوسطي، وتمتح بنيتها من التراجيديا الإغريقية، حيث تتماهى الأدوار الأربعة التي دعي الممثلون إلى أدائها مع حكاياتهم الفردية: فسيرة مايا مورغنشتيرن تحمل صورة الأم ومعاناتها في بلدها الأصلي، وأكيلاس كراسيزيس بطل إغريقي أخطأ عصره، ورامي مخلوف تذكّر رحلته بالأوديسة، فيما رامو علي يلخص معاناة جيل كامل في ظل نظام جائر، وحبس فظيع في تدمر، خلصه منه، يا للمفارقة، تنظيم داعش، ليضرب في الأرض بحثا عن ملاذ.

ومن خلال تلك السير جميعا، ترسم المسرحية صورة عن قارة أوروبية شابت تاريخها عدة أزمات وانفصالات، وتشهد حدودها صدامات وكوارث إنسانية -مثلما يشهد راهنها صعود التيارات الراديكالية- وتوحي بأن مستقبلها يحتاج إلى إعادة نظر، فالمسرحية تنهل من الجذور التاريخية لأوروبا وتهتم بالجهات التي تقع عند مفترق طرق الإمبراطوريات الكبرى في العصر القديم.

في حديثه، يذكر أكيلاس “أوريستيا”، تلك الثلاثية الإغريقية القديمة التي ألفها إسخيلوس، بعد خمسة وعشرين قرنا، ها هو ميلو رو يقترح عبر ثلاثيته المعاصرة، مسرحا لا يتخلى عن مهمته كعامل محفّز للوقت الحاضر وهادٍ للمستقبل، فالمواضيع المطروقة تحتوي على رهانات سياسية ووجودية، وتصدعات عائلية واجتماعية، أي أنها ذاتية وكونية في الوقت نفسه.

وفي هذه المسرحية، كما في سابقاتها، يبدو ميلو رو باحثا عن “واقعية جديدة” على غرار السينمائي النمساوي ميكائيل هانيكه، فقد ابتكر شكلا جديدا من “المسرح التوثيقي”، مسرح يتوق إلى خلق فضاء رمزي، طوباوي، يمكن أن يحلّ فيه العدل.

--------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب - ابوبكر العيادي

في اليوم العالمي للمسرح.. فنانو القدس يقاومون بالإبداع

مجلة الفنون المسرحية

في اليوم العالمي للمسرح.. فنانو القدس يقاومون بالإبداع

خلال القرن الثامن عشر، قال الممثل المسرحي الروسي الراحل قسطنطين ستانيسلافسكي "أعطني مسرحا أعطِك شعبا مثقفا"، لإيمانه بأن المسرح هو المكان المناسب لانطلاق الشرارة نحو الثقافة وتطور المجتمعات.
وحذا المسرحيون الفلسطينيون حذو ستانيسلافسكي مبكرا، ورغم عدم تشجيع سلطات الانتداب البريطاني للمسرح الفلسطيني المحلي، فإن هذا لم يمنع كتابا مسرحيين فلسطينيين من تقديم عدد من المسرحيات التي طُبع منها القليل آنذاك، وكانت مسرحية "هاملت" لشكسبير من أولى المسرحيات التي عرضت في القدس عام 1932.
وبمناسبة الاحتفال السنوي للمسرحيين باليوم العالمي، التقت الجزيرة نت بالمسرحيين المقدسيين كامل الباشا ورائدة غزالة للحديث عن تاريخ هذا الفن في المدينة والتحديات التي تواجهه.
وولد يوم المسرح العالمي إثر مقترح قدمه رئيس المعهد الفنلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج أرفي كيفيما (1904-1984) إلى منظمة اليونسكو في يونيو/حزيران 1961. وجرى الاحتفال الأول به يوم 27 مارس/آذار 1962 في باريس، تزامنًا مع افتتاح مسرح الأمم.
صدمة أوسلو
وُلد كامل الباشا في القدس عام 1962 وتأثر بالمسرح في طفولته عندما تابع مسلسل "عودة غوار" للفنان السوري دريد لحام، وتطور شغفه بهذا الفن حتى قرر التوجه إلى العراق والالتحاق بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد عام 1980. كما انضم إلى مدرسة المسرح التشكيلي غربي القدس عام 1991.
كامل الباشا عمل في التلفزيون والسينما والمسرح ومثل 31 مسرحية 

عمل الباشا في التلفزيون والسينما والمسرح ومثّل حتى الآن 31 مسرحية، وأُنتجت 28 مسرحية من إخراجه، وكتب 18 أخرى نُفّذت وعرضت في فلسطين.
وحول تأثر المسرح في القدس بالأحداث السياسية في فلسطين، قال كامل الباشا إنه تأثر إيجابيا خلال الانتفاضة الأولى التي كانت المحفز للفنانين للوصول إلى كافة الناس وتقديم ما لديهم من محتوى مسرحي ثوري، مضيفا أن المسرح انتعش بشكل لافت أواخر الثمانينيات رغم حالة منع التجول الدائمة والمواجهات مع الاحتلال والحواجز.
وتابع "أذكر أننا توجهنا إلى غزة عام 1991 وأقمنا هناك مدة 25 يوما، قدمنا خلالها عروضا عدة لمسرحية "القميص المسروق"، فرغم الخطر فإن الجو العام كان ثوريا، وثورته مبنية على معطيات الواقع لا على أوهام السياسيين، وأعطتنا الانتفاضة بارقة أمل بأن دولتنا المستقلة على الأبواب".
لم يدم أمل المسرحيين -كشأن الشارع الفلسطيني- طويلا، إذ انتكس المسرح في القدس عام 1993 مع توقيع اتفاقية أوسلو، لأنها شكّلت -حسب الباشا- صدمة لكل الفلسطينيين الذين توقعوا جني ثمار الانتفاضة حينها، ومع مجيء أوسلو تحطم ما بنوه خلالها، وتأسست مرحلة جديدة يعاني من تداعيتها كل فلسطيني حتى اليوم، حسب تعبيره.

وقال الباشا إن التجول بالعروض المسرحية الفلسطينية في العالم يعكس ذلك الوجه الحضاري للشعب الفلسطيني، ويعرّف الشعوب الأخرى بحقيقة القضية الفلسطينية.

وأردف "المتعاطفون مع قضيتنا في أميركا وأوروبا واليابان وغيرها لا يعرفون تاريخ القضية ويعتقدون أن هناك صراعا بين دولتين وقوتين متكافئتين، وبتجوالنا بالمسرح نعمل على إيصال الرواية الفلسطينية لتكون على الأقل موازية للرواية الصهيونية المنتشرة في العالم بقوة، ونحن نخوض هذه المعركة بكل وعي".
وعن هجرة العديد من المسرحيين المقدسيين إلى الضفة الغربية أو خارج البلاد بسبب ضيق مساحة الإبداع، قال الباشا إنه يلتمس عذرا لهؤلاء في ظل التحديات الضخمة التي تواجههم، "فالمسرحيات التي ننتجها لا نتمكن من عرضها لطلبة المدارس الفلسطينيين إلا بشروط تعجيزية، والمسرح الإسرائيلي بدأ يدخل بكل وقاحة على مدارسنا ويقدم عروضا لأطفالنا ولديهم ميزانيات ضخمة.. المساحة تضيق بنا يوميا في القدس".
ماض مختلف
وليس بعيدا عن الإبداع والصمود في المدينة ما زالت الممثلة المسرحية المقدسية رائدة غزالة التي ولدت عام 1972 تمارس هذه المهنة وفي رصيدها عشرات المسرحيات، بعد إتمامها دراسة البكالريوس في المسرح المرئي بالقدس الغربية وحصولها على شهادة الماجستير من بريطانيا في تخصص المسرح والإخراج.
راندة غزالة تتوق الى المسرح الفلسطيني في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي 

رائدة غزالة تتوق إلى المسرح الفلسطيني في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي (الجزيرة)
وتستذكر رائدة حقبة انتعاش المسرح بالقدس في سنوات الثمانينيات والتسعينيات، واصفة مسرح الحكواتي آنذاك بأنه خلية النحل التي احتضنت كل المسرحيين من الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48.
وقالت "كنا نجلس جميعا في ساحة المسرح نصبّ إبداعنا فيه.. كل البروفات والعروض الافتتاحية للمسرحيات انطلقت من القدس، لكن للأسف أُغلقت الطرقات وتعثر وصول الفنانين إلى المدينة تدريجيا حتى بات مستحيلا، وتفرقنا كل في منطقته".
وفي اليوم العالمي للمسرح تتمنى الممثلة المقدسية أن يؤمن الممثلون بالمسرح كإيمان من سبقهم، لأن هذا الفن يفقد هدفه في اللحظة التي يصبح فيها مجرد وظيفة، "فالمسرح حالة ثورية، وعلى الممثل أن يؤمن بذلك فطريا كي ينجح ويستمر".

-----------------------------------------------
المصدر : القديس - أسيل جندي - الجزيرة

راهن المسرح العربي من منظور شبابي

مجلة الفنون المسرحية

راهن المسرح العربي من منظور شبابي

كانت  الندوة الختامية لملتقى الشارقة السادس لأوائل المسرح العربي، تحت عنوان «كيف يرى جيل الشباب راهن مسارح بلدانهم؟»، بمشاركة مجموعة من طلبة المعاهد المسرحية العربية.
تناول الطلبة خلال الندوة، تجاربهم الشخصية في دراسة المسرح بمختلف تخصصاته ضمن أكاديميات ومعاهد المسرح في بلدانهم. تحدثت نزهة الشامخي عن التكوين المسرحي في تونس اليوم ومميزاته وخصائصه، حيث توجد مؤسستان حكوميتان في تونس اليوم هما، «المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف» والذي تأسس سنة 2005، وهو معهد يضم العديد من الاختصاصات، في الموسيقى والتنشيط الثقافي والمسرح.أما أحمد غباش فكانت بدايته مع عالم الكتابة في مرحلة الثانوية حيث كان لديه شغف كبير بالكتابة، وفاز سنة 2004 بمسابقة في القصة القصيرة، وضمن أحد اللقاءات طلب منه أن يلقي القصة التي كتبها على الحاضرين، والقصة كان لها طابع تهكمي ساخر. 
وقدمت لارا بخصار نبذة عن بداية المسرح في سوريا مع مسرح العرائس في المقاهي الشعبية، وصولاً إلى عام 1871 مع أبو خليل القباني الذي أسس مسرحه في دمشق والذي ما زال قائماً حتى اليوم وتقدم على خشبته العروض. وقدم كل من جوزيف الخوري وجورج فاخوري نبذة تاريخية عن المسرح اللبناني.
بدورها تحدثت مرح ياسين عن دراستها في كلية العمارة والتصميم بجامعة عمان الأهلية، قسم التصميم السينمائي والتلفزيوني والمسرحي، وهو تخصص جديد في الجامعة.
وتحدثت مليكة قطني عن دراستها في المعهد العالي لفنون الأرض والسمعي البصري، الذي تأسس عام 1965، ويضم فروع الإخراج والسينوغرافيا والباليه والتمثيل، والنقد المسرحي، ويدرس العديد من المواد الأكاديمية كتاريخ المسرح العالمي.
بدورها تحدثت غيتة الخليفة عن «المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي» بالمغرب، مشيرة بأن العديد من هواة المسرح يرغبون بدخول عالم الاحتراف فتكون أول خطوة لهم هي عبور الاختبار الذي يقترحه المعهد ويجمع بين النظري والتطبيقي وأحياناً يكون في غاية الصعوبة

----------------------------------
المصدر : غيث خوري  -  الخليج



تأجيل مهرجان الدوحة المسرحي خطوة على الطريق الصحيح

مجلة الفنون المسرحية

تأجيل مهرجان الدوحة المسرحي خطوة على الطريق الصحيح

أكد صلاح الملا مدير مركز شؤون المسرح أن تأجيل مهرجان الدوحة المسرحي خطوة على الطريق الصحيح، مشيرا في تصريح  له : إلى أن التأجيل جاء نتاج اجتماع سعادة السيد صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة مع رؤساء الفرق المسرحية الأهلية ومديري الشركات الفنية الذين طلبوا التأجيل إلى نوفمبر، ونوه بأن المسرحيين أكدوا على حاجتهم لهذه الفترة لتطوير أعمالهم والوصول بها إلى مرحلة تجذب الجمهور بمستوى متميز، وأضاف :التأجيل جاء لرغبة المسرحيين واحساسهم بتحمل المسؤولية لتقديم أعمال أفضل تتماشى مع رؤية وزارة الثقافة والرياضة.. وأعتقد أن لديهم خطة عمل لتقديم أعمال مميزة في هذه النسخة من المهرجان، والدليل على ذلك حرصهم الكبير على أن تخرج هذه الأعمال مميزة ورائعة في صورتها النهائية .

وعن وجود أي تغييرات في المهرجان، يقول الملا :الصورة واضحة تماما للمهرجان، وخلال الشهرين المقبلين سيقدم مركز شؤون المسرح ورشا في الكتابة المسرحية وتقنية الكتابة للمسرح والتمثيل والإخراج، وهو دور هام يقوم به المركز يستهدف من خلاله الإرتقاء بالنصوص والعروض بشكل عام،ودعم الممثل القطري وتطويره، وزيادة خبرات المخرجين واطلاعهم على أحدث التقنيات الحديثة في الإخراج المسرحي.. وطبعا الورش الفنية يهتم بحضورها كبار المخرجين ويلتحقون بها، وأعتقد أنها ستكون فائدتها مضاعفة في الفترة قبل المهرجان حيث ستحقق الفائدة المرجوة بشكل مكثف، حيث سيتم الاستعانة بخبرات عربية لها باع كبير في المجال المسرحي، والدعوة بالتأكيد تكون موجهة لكل مبدع في المجال المسرحي يريد الاستفادة من خلال هذه الدورات المميزة، والجميل أن الفنان الذي يسعى لتطوير نفسه والإطلاع على الجديد في عالم المسرح يجد موقعا يدعمه ويجلب له أهم الخبرات في المجال المسرحي، وهو دور يقوم به المركز دائما وسيستمر المركز في تقديم هذا الدور دائما .
وعن نوعية هذه الورش، يقول الملا :هذه الورش ستتنوع وتغطي مجالات مسرحية مختلفة، ومن بينها ورشة للعرائس وأخرى للكتابة المسرحية ويليها ورش للتمثيل والإخراج، وكما ذكرت الجميل أن يهتم كل مبدع في مجال المسرح أن يحضر هذه الورش للاستفادة منها التي سيقدمها كوكبة من المبدعين في المجال المسرحي، هذه الورش تزيد من خبرات المسرحيين، وتعرفهم على الجديد في عالم المسرح، وتضع بين أيديهم أفكارا جديدة تساهم في تطوير أعمالهم التي يقدمونها بشكل مستمر، فالفنان لايستطيع أن ينعزل عن الفن ومبدعيه، حيث أن التعرف على التجارب العالمية في المسرح أمر مهم لإكتساب الخبرات وتقديم الأفضل دوما، وهو أمر يقوم به المركز الآن في هذه الورش.

--------------------------------
المصدر : الوطن 

ترامب بطل مسرحية "ملك البرجر" من تأليف الفريدى يلينك الكاتبة الحائزة على "نوبل"

الأربعاء، 29 مارس 2017

المسرح التونسي: أوهام الحرية.. والقمع أيضاً

مجلة الفنون المسرحية

المسرح التونسي: أوهام الحرية.. والقمع أيضاً

 شوقي بن حسن


"هل غيّر هذا الوضع (ما بعد 2001) من النمط الفكري والفنّي للمسرح التونسي أم أن الرقابة الذاتية على الفكر تمادت برغم الشعارات المرفوعة أمام التهديدات المعلنة أو الضمنية التي تمارسها فئات من المجتمع بفكرها المتعصّب دينياً أو أيديولوجياً؟". هكذا تضعنا ورقة عمل ندوة "أوهام الحرية في واقع منفصم ورقابة متخفية" في الإشكالية التي تداول على مقاربتها مجموعة من المتحدّثين من زوايا مختلفة ضمن فعاليات "لقاء العرض الأول" في قاعة "مربّع الفن" في تونس العاصمة الخميس الماضي.
كانت المداخلة الأولى نصاً ساخراً للكاتبة المسرحية زهرة الزموري، وبعدها حاضر المخرج منجي بن إبراهيم عن علاقة المسرح بالتوترات السياسية، ليتطرّق إلى انعكاسات "ممارسة الديمقراطية المشوّهة" أو "الحرية السياسية الاعتباطية" على الفن، معتبراً أن "الديمقراطية هي الجانب الآخر من ديكتاتوريةٍ على النفس". يشبّه بن إبراهيم الحريات في المرحلة الأخيرة بانتشار الباعة المتجوّلين حيث يمكن أن تكون الحرية مُربحة ولكنها مُضرّة مثل بضائع السوق السوداء.

لم تجر مراجعة الترسانة القانونية للتضييق على الفن

في المداخلة الثانية، تحدّث الناشط السياسي محمد الخنيسي عن الفضاء العمومي الذي جرى تحريره بعد الثورة ما أفسح المجال أمام الفنانين للتعبير بحرية، وأتاح خروج المسرح والفن عموماً إلى الشارع وهو ما تبعه إنشاء فضاءات جديدة كالمقاهي الثقافية أو فنون الشارع، ولكن ذلك تزامن أيضاً مع هيمنة محتويات فنية ذات جودة سيئة فرضتها البرامج التلفزيونية.
ثمة مفارقة يرصدها الخنيسي، وهي أنه رغم هذا الانفتاح "لم نجد مسرحاً واحداً يُبعث بعد الثورة". يشير إلى أدوار كثيرة ساهمت في ذلك منها نُخب الفن القديمة والتي عليها أن تعترف بأنها في سياق الثورة التونسية قد أخذت القطار وهو يسير، وأن الثورة أفرزت هي الأخرى عوامل هيمنة جديدة (الحجم السياسي للقوى المحافظة)، وأن التجربة أتاحت للبعض أن يكتشف أن "ثمة خوفاً من الحرية ونحن نمارسها" وضمن كل ذلك لم يجر مراجعة الترسانة القانونية للتضييق على الفن.

من جهته، يتساءل الناشط الثقافي الطاهر العجرودي، هل كان "التحرّر مطلباً شعبياً أم نخبوياً؟" مستشهداً بعبارة عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب بأننا عشنا "غلافاً براقاً من الحريات" وهذا الوضع وضع الفنانين أمام حقيقة مهاراتهم الإبداعية.
يلفت العجرودي إلى أن الكثير من المناطق في تونس شبه محرّمة فنياً، لأسباب متعلقة بالفقر والتعطيلات الإدارية وترسّبات اجتماعية وعقائدية، معتبراً أن عدم الاقتراب من بعض المناطق (بالمعنى الجغرافي والفني) هو "الخيار الأسلم لأكثر القطيع الفني"، وفي غياب هذه الخطوة سيظل التحرّر في هذه البلاد موهوماً؛ أي إنه ليس سوى "وهمٍ نسوقه لنرتاح قليلاً".
في كلمة لاحقة، تحدّث الكاتب محمد الطاهر الضيفاوي منطلقاً من إشارة إلى كتاب "كلاب الحراسة" لـ بول نيزان والذي يفضّل ترجمته بالعامية التونسية "كلاب العسّة"، وهو الدور الذي لعبته وزارة الثقافة في تونس، والتي أُنشئت في رأيه للحدّ من سلطة المضادين للسلطة. بناء على هذه المقاربة، يفسّر الضيفاوي أن المسرح التونسي استفاد أساساً من بعض التجارب الخاصة التي نأت بنفسها عن سياسات الدولة الثقافية وأوجدت هامشاً للحريات، وهو ما يعبّر عنه بالقول "المبدع يظلّ فخوراً بيُتمه".
فضّل الفنان المسرحي توفيق الجبالي أن تكون كلمته مجموعة من الشهادات المتفرّقة. وانطلاقاً من فكرة متغيّرات الرقابة المنظمة، تحدّث عن الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة الذي أظهر علاقة تماهٍ مع المسرح، بسبب ممارسته والذي يظهر في خطاب معروف له، جرى تجسيده لاحقاً في "لجنة التوجيه المسرحي".
تتضمّن اللجنة 15 عضواً من منظمات هيئات مختلفة مثل وزارة الثقافة ووزارة الشؤون الاجتماعية والشؤون الدينية ووزارة الداخلية. يلفت الجبالي هنا إلى مفارقة وهي أن أكثر أعضاء هذه اللجنة انفتاحاً كانوا ممثّلي وزارة الداخلية وأكثرهم تشدّداً ممثّلو وزارة الثقافة.

لا تزال الكثير من المناطق في تونس شبه محرّمة فنياً

يعتبر صاحب "كلام الليل" أن قصص المنع لم تكن متعلقة بأفكار كبرى وإنما بتخوّفات المسؤولين من عبارات متفرّقة في النصوص، أي إنها كانت من التفاهة بمكان، وانتهى الأمر بأن أصبح المسرحيون ينجحون في تمرير مضامينهم مع مراعاة متطلّبات اللجنة، وهي حوادث يرى الجبالي أنه يمكن استرجاعها اليوم من زاوية "نكتوية"، مقدّماً أمثلة من قبيل رفض اللجنة نصاً جاء فيه "رائحة فمك كالخرا"، ثم قبلته حين جرى تحويره إلى "رائحة فمك أبخرا"، أو رفض استعمال كلمة "القصبة" حتى بمعناها الحَرفي لأن مكاتب الحكومة تقع في "القصبة" في مدينة تونس.
هذه التفاهات كانت جوهر العلاقة بين المسرح والرقابة في تونس بحسب الجبالي، وبالتالي فهي بالنسبة إليه "رقابة مُمتعة" و"ليست أكثر من رقابة تقارير بوليسية". يتابع المسرحي التونسي شهادته بالحديث عن نهاية حكم ورقيبة، فمع صعود بن علي في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 جرى الإعلان بأن "لجنة التوجيه المسرحي" قد ألغيت.
رحّب معظم المسرحيين بذلك، لكن الجبالي اعترض ما جلب له تهماً كثيرة وقتها. يبرّر صاحب "هنا تونس" بأنه اعتبر أن تفاهماً ضمنياً قد تحقّق بين الرقباء والفنانين، وأن اللجنة كانت في الأخير تسلّم العروض وثيقة فتفتح لها أبواب العرض في مسارح البلاد، وبإلغاء هذه الوثيقة أصبح أصغر مسؤول في الجهات الداخلية يمكنه وقف عرض، ما يفتح الطريق أمام رقابة أخطر، ومن ورائها رقابات أخرى.
ضمن الحوار المفتوح الذي تلا المداخلات، تفاعل الناقد المسرحي عبد الحليم المسعودي مع شهادة الجبالي، واعتبر أنه يمكن قلب عنوان الندوة من "أوهام الحرية" إلى "أوهام القمع"، إذ لم تكن هناك رقابة حقيقية، ليحصر المسعودي الخلل بأن هذه الرقابة قد اختلقها عدم القدرة على الإبداع فلما باتت الحريات مبذولة لم يجد المسرح نفسه فاعلاً ضمن السياق الجديد، ليشير إلى أنه بات يخشى من أن يكون حرصنا على المسرح سبباً في الدفاع على أكذوبة تقول بازدهاره.
الحوار المفتوح تضمّن أيضاً إشارات أخرى إلى مسألة الرقابة كما في شهادة المخرجة سميرة بوعمود التي لفتت الانتباه إلى رقابة يمارسها الفنانون ضدّ بعضهم، ومنها رقابة الممثلين على النص ورؤية المخرج.
وأشارت الإعلامية عواطف المزوغي إلى أننا في تونس فقدنا لذة الاستمتاع بالجرأة، ولذة فك الرسائل المشفرة التي تتضمّنها المسرحيات كما كان الحال قبل الثورة، وعاد الخنيسي بإشارة إلى "رقابة التشاؤم" التي تهيمن اليوم في الحياة الثقافية التونسية، أو استعمال وسائل أخرى مثل منظومة التمويل أو "المواطن الرقيب" كما في حديث المخرج أيوب الجوادي.

---------------------------------------
المصدر : العربي الجديد 

محمود ابو العباس يفوز بجائزة " أفضل فنان عربي متميز " بمهرجان أيام الشارقة المسرحية الدورة 27

في وداع ناهدة الرمّاح..غربتك بالمنفى.. كانت أكبر من عمر رماد النجوم

مجلة الفنون المسرحية

في وداع ناهدة الرمّاح..غربتك بالمنفى.. كانت أكبر من عمر رماد النجوم

صلاح القصب 

مسيرتك كانت إشعاعاً وشروقاً لمشهد فرح أبدي، أنوار تضيء في نغمة صافية، ضوء المسرح الذي عشقك كعشق الغيوم للمطر، مصابيح المسرح، كانت تحيط بك، وأعمالك كانت أناشيد تتشوّق لسماعها.  

الرجل الذي صار كلباً، الضمير المتكلم، المفتاح، النخلة والجيران، فكنت فيتوس الروح الصافية. رحيلك أمطرنا بدموع الألم السخية، وعربتك الذهبية التي يسجّى فوقها تاريخ يعلو مثل البروق من قبة السماء. ناهدة، أن الذاكرة تسقط مغشيّاً عليها، عندما ترى صورتك ماثلة أمامنا، لم تذبل ولم تتلاشى، طيفك مرّ، حملته الريح التي تحمل اعمالك المسرحية، والتي عادت إليّ الذاكرة ومضات استنفذت كل طاقتي، ناهدة، ماذا أقول لك يا جوهرة شمس كل العصور، التي عبرت ظلالها كل مسارات الزمن. 
في لحظات ذلك المكان – فرقة المسرح الحديث – كانت هناك لحظات ذهول ودهشة رسمها يوسف العاني، إبراهيم جلال، سامي عبد الحميد، قاسم محمد، عبد الواحد طه، خليل شوقي، زينب، روميو يوسف، يوسف سلمان، فاضل خليل، عقيل مهدي، جواد الأسدي، صلاح القصب، ولحظات آخرى مرّت، وعندما نستذكرها، تملأ روحنا بالدفء مثلما منحنا مسرح بغداد أجنحة الحب وسلاماً أبدياً.
شاهدناك في مسرحية المفتاح والنخلة والجيران والشريعة، كنت كأغانٍ مبتسمة، أداؤك كان كفضاءات سقطت عليها أشعة الشمس. 
أيّ جمال كان يحرّك روحك؟
التي تدفعنا إلى ارتعاشات جمال جارفة، أداؤك كان شعلة حب، اشغلت كل مصابيح مسرح بغداد، صفق لك الجمهور، حاملين لك الورود البيض، منحتيهم طيراناً من المتعة التي لا تتوقف.
ناهدة أيتها الزهرة الكبيرة، يا ذهب الوردة المزهرة ابداً. عرشك كان قاعة مسرح بغداد، وهويتك كانت فرقة المسرح الحديث، ومعلمك كان الشعب. 
سامي عبد الحميد، كان يراقبك، وانت تؤدّين دور أميرة في مسرحية، المفتاح شهق، لأدائك. أداؤك كان أضواء مصابيح متداخلة، شكّلت هالة جمال، جعلته يصفّق لك، لأنك كنت كل الأشياء التي تبحث عن رؤى كمخرج.
رحيلك يا أبنة النهر السخي، كان وجعاً لعيون بكتك، وصوتك في النخلة والجيران، مع صوت زينب وزكية الزيدي، يسمو ويرتفع كضياء يجري في النهر، كيف نودعك بقصائد، بشموع، بزهور، فجأة انقطع الضوء، ولكن العيون مازالت تلتقط طيفك كربيع مزهر. رحلتها مع الألم كانت طويلة، أتعبها المنفى ومطارات العالم ومحطات القطارات والمقاهي، التي لا نشم منها غير رائحة القهوة، ودخان السكائر، المنفى ووجدانية الغربة ووحشتها، كانت ممرات لزمن طويل، وفي رحلتها كانت تحمل معها اغاني حسين نعمة وكوكب حمزة وسعدون جابر ويوسف عمر وزهور حسين، أحبّت بغداد كحب الغيوم للمطر، الدهانة، العويتة الحيدرخانه، شارع الرشيد، مطعم تاجران ، مقهى حسن عجمي، قصائد مظفر النواب، اجواء غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، عبد الستار ناصر، كلها كانت أنغاماً لذكريات عذبة ملئت بها حقائب سفرها.
في منفاها كانت تردد اغنية لميعة توفيق 
يا الماشية بليل الهلج 
حولي عدنه الليلة 
ابعيد الدرب شيوصلج 
إهواية المسافة أطويله
كان الليل طويلاً والمسافات بعيدة وموحشة، عبرتها وكانت تنتظر الشمس، ترى حتى يظهر الشقق ويشتعل الفجر، التفتت الى تضاريس الذكريات، وهناك أبعد من مرمى النظر، سحبت ستارة المسرح كي ترى امواج الشوق لبغداد، رأت روحها تطفو فوق نواقيس نحاسية وسفوح دجلة تلوح لها بالبقاء كي تنهي رحلة الغربة التي عبرتها بلا رفيق. رحلتها عبرت بين النيران والأسوار العالية، عبرت كل تلك المسافات، حملت روحها العظيمة صورة مسرح بغداد وهوية فرقة المسرح الحديث واليوميات صور وذكريات شارع الرشيد ونهارات دجلة الخالدة.
ناهدة يا جوهرة كل العصور، يا ابنة الماء، كيف سأجمع أوراقي المتناثرة بعد رحيلك، رأيتك في حلمي أمس، تسيرين فوق الماء نحو نهايات المنحدر. ثم اختفى الحلم فجأة، حلمي كان فيضاً من الدموع كنت شعاعاً من الأمل لا ينحني لهبوب الريح، ارادت للأمل أن يعلو مرة ثانية، بعد العصف ليرتفع بقوة، أرادت أن تدخلنا الى حقول خضراء لضياء شامل مزهر. مسيرتها الفنية ملئت رحاب العالم مصابيح متوهجة تلمع كوهج البروق، أرادت أن تمنح الإنسان ضفافاً آمنة، يحتمي بداخلها من الخوف والدمار. كانت تحدّق في تلك المناطق التي تحتضن الشمس في منفاك ووحشة الوحدة، الثلوج لا تكف عن نقر ذكرياتك وغربتك.
كانت ابراج نحاسية، تدقّ، وبكل اللحظات، ورحلتك في المنفى، كانت تترك غباراً على منضدة المطارات والموانئ أوراقاً وذكريات والبومات صور، تحمل كل تلك المسافات الشاسعة، وكانت ازهار الشتاء، تقدم لك أجمل الأغاني، غريبة الروح لحسين نعمة، وعند الفجر، تستيقظ روحك فوق المسافات وبعدها تذوب في حلم بغداد ومسارحها، واغنية يا طيور الطايرة، ولمعان مصابيح تطير تبحث عن تلك الليالي، تبحث عن الشوارع والجدران والنوافذ، وعربات البريد راكدة في أحلامك التي تشعّ من خلال الضباب ظلالاً .
القطارات والموانئ والمقاهي المزدحمة بوجوه الغرباء، بكت في تلك الليالي الباردة، بكت معك، ودموعها كانت كضوء المطر،  غربتك بالمنفى يا ناهدة .. كانت اكبر من عمر رماد النجوم ناراً تمسُّ النار وباستمرار .
عند رحيلك.. شعرت يا ناهدة، بالزمن بارداً يجري في عروقي، ويسير خارج الحلم ويزحف نحو حدود العزلة، وبكائي لم يتوقف طوال الليل. بكتك الغيوم والمطر والسحب والأشجار، وقاعة مسرح بغداد، الا أن ضوءك بقي مشعّاً خلف زجاج نوافذ المسرح مثل تواريخ الأعياد.

-----------------------------------------
المصدر : جريدة المدى 

تأثيرات المسرح السويسري على المسرح المصري

مجلة الفنون المسرحية

تأثيرات المسرح السويسري على المسرح المصري

 د.أحمد سخسوخ

منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، والمشهد المسرحي السويسري يمارس تأثيراته الإيجابية على المسرحين المصري والعربي، بدأ هذا التأثير بترجمات رواد المسرح السويسري، من الألمانية إلى العربية، على يد كثير من المترجمين المصريين، من أمثال مصطفى ماهر، وأنيس منصور، وعبد الغفار مكاوي، ويسري خميس، وباهر الجوهري، وآخرين..

في هذا المقال نتتبع بعضا من آثار وتأثيرات الكتابة المسرحية السويسرية، على المشهد المسرحي المصري المعاصر، خاصة في حقبته المزدهرة المتوهجة في الستينيات من القرن الماضي. لقد بدأت هذه الترجمات بأعمال فريدريش دورينمات Friedrich Dürrenmat وماكس فريش Max Frisch – باعتبارهما قد تصدرا المشهد المسرحي السويسري بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي الواقع كان انتشار ترجمات وتقديم أعمال دورينمات على المسرح المصري، يفوق كثيرا ترجمات وتقديم ماكس فريش، ربما نتيجة لدرجة القبول الكبيرة لدورينمات على المسرح المصري، بشكل يفوق فريش، بسبب طبيعة المزاج المصري وقربه من أعمال دورينمات المسرحية.

ولم يقتصر التعريف بالكاتبين – بشكل أساسي – على ترجمات أعمالهما، أو تحليلها أو نقدها على خشبة المسرح وفي المجلات المتخصصة، وإنما قد تجاوز الأمر ذلك إلى دراسة وتحليل وتقييم هذه الأعمال في أصلها الألماني بأقسام اللغة الألمانية بالجامعات المصرية.

ويعود اهتمام المشهد المسرحي المصري منذ ستينيات القرن الماضي بالمشهد المسرحي السويسري بشكل عام، إلى طبيعة الدراما السويسرية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وتتميز أعمال هذين الكاتبين بالجنوح الشديد نحو تقليد الاتجاهات المسرحية الشعرية والعبثية للمسرح، كما عبرا عن رؤاهم السياسية في أعمالهما الأدبية.

أما فريدريش دورينمات فهو القطب الثاني بعد ماكس فريش في سويسرا، ولكنه الأكثر حظا والأوفر تقديما على خشبات المسرح المصري، وهو الأكثر ترجمة وتحليلا لأعماله ودراساته في المشهد المسرحي المصري، (منطقي أن يكون التركيز على أعماله بالدرجة الأولى). دورينمات واحد من أهم كتاب الدراما السويسرية في العصر الحديث، وقد كتب الكوميديا والتراجيديا، والتراجي كوميدي، وكتب الروايات البوليسية، والتمثيليات الإذاعية.

أما ماكس فريش، فقد بدأ الدخول إلى عالم الكتابة مبكرا عن دورينمات بأكثر من عشرين عاما، كتب أعمالا درامية وقصصية، سافر مرتين إلى روسيا، ومرتين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

”دورينمات“ و”فريش“.. في المشهد المسرحي المصري

لم يكن ممكنا أن ينفصل المشهد المسرحي المصري، عما يحدث في المسرح العالمي، خاصة مع نشاط حركة الترجمة في مصر نهاية الخمسينيات وفترة الستينيات، وقد لعبت مجلة ”المسرح“ التي كانت تصدر من مسرح الحكيم دورا كبيرا في هذا المجال، بالإضافة إلى حركة النشر والبعثات الخارجية إلى أوروبا وأمريكا.

احتل اسما ”دورينمات“ و”فريش“ مكانة متميزة في الترجمات والدراسات النقدية والتحليلية في المشهد المسرحي المصري ترجمة عن الألمانية، وقد ترجم مصطفى ماهر أعمال المسرح السويسري/الألماني منذ عام 1960، وتركزت ترجماته بشكل أساسي حول ”دورينمات“ و”فريش“، باعتبارهما يمثلان الأدب السويسري بعد الحرب العالمية الثانية، فترجم لدورينمات «زيارة السيدة العجوز» و«رومولوس العظيم» و«النيزك» و«فرانك الخامس» و«الشهاب» و«المكتوب».. وغيرها، كما ترجم لفريش «قصة حياة» و«بيدرمان» و«مشعلو الحرائق» وغيرها، وتوالت الترجمات، فترجم أنيس منصور لدورينمات صورة كوكب ورومولوس العظيم – وقد أصبحت هناك أكثر من ترجمة للعمل الواحد – وزواج السيد ميسيسيبي والشهاب وهبط الملاك في بابل.

وفي عام 1966 وحده، قدمت على خشبة المسرح المصري أعمال ثلاثة لدورينمات وحده، مما استفز أحد كبار النقاد، وهو جلال العشري الذي كتب مستفزا ومعترضا على تقديم ثلاثة أعمال مسرحية متتالية لكاتب واحد في موسم واحد، وكانت الزيارة هي العمل الثالث بعد تقديم عرض علماء الطبيعة ورومولوس العظيم.

وبالطبع أن دل هذا على شيء، يدل على الاحتفاء الشديد الذي أحاط بترجمات ودراسات وعروض الكاتب المسرحي السويسري دورينمات، ومعه ماكس فريش أيضا.

”دورينمات“ على خشبة المسرح المصري..

(موسم 1966 نموذجًا)

في موسم 1966 قدمت أعمال ثلاثة على خشبة المسرح المصري لدورينمات، وكان أول عمل هو «علماء الطبيعة» التي ترجمها عبد الرحمن بدوي، وكانت المسرحية من إخراج فاروق الدمرداش، وبطولة عمر الحريري ومحمد الطوخي وأحمد توفيق، قدمت المسرحية فرقة المسرح العالمي، والمسرحية تعنى باستخدام طاقات العلم لصالح الإنسانية دون تعريض البشرية للدمار، بوضع نتائج العلم في أيدي الساسة، و”دورينمات“ يعرض هذه المشكلة بمزيج من السخرية والمأساة في الوقت نفسه.

المسرحية الثانية التي قدمت له هي «رومولوس العظيم»، من إخراج سمير العصفوري، لفرقة المسرح العالمي، وقدمت على مسرح الأوبرا، بطولة زوزو نبيل وصلاح منصور ومحمد منصور ورشدي المهدي ومجدي مجاهد وإبراهيم سكر ورشاد عثمان وإنعام سالوسة وآخرين.

في هذه المسرحية اختار دورينمات هيكلا ليتستر وراءه، في محاولة لتصوير رؤيته المعاصرة على يد رومولوس في تصفية هذه الإمبراطورية، حفاظا على النوع البشري. وتعليقا على هذا العرض، يكتب كمال الملاخ (تخيل سطر للإمبراطورية وهي تنهار في أواخر القرن الخامس الميلادي، أن الذي أنشأها هو رومولوس الأول، ومنه اشتق اسم روما، فلماذا لايكون حتفها على يد رومولوس آخر، فالتاريخ يعيد نفسه، ولكن بقيم أخرى، والإمبراطور المنهار مشغول بعالم آخر، بعالم عشش الفراخ الذي يطلق على كل منها اسم إمبراطور سابق، وبيضها يأكل منه مايعجبه ولا يأكل ما يكرهه، والأمبراطورية تنهار، وهو يفلسف جوه الخاص، وكأنه في برج من اليأس، فاليأس إحدي الراحتين، والحرب قادمة إليه مع جحافل الجرمان، وبينما هو ينتظر الموت، إذ المفاجأة أن حاكم الجرمان المنتصر يطلب منه أن يعلمه فلسفته).

وفي المقال ذاته يؤكد كمال الملاخ عالم دورينمات، وهو العالم الذي وجد صدى كبيرا لدى المتفرج المصري وقبولا، حيث يقول (في رأس دورينمات عقدة واحدة، هي مآساة الحرب نتيجة القوة الباطشة، المال الذي بيبع ويشتري القيم، فيروح في رواياته الثلاث – يقصد المسرحيات الثلاث التي قدمت على المسرح المصري في موسم 1966 – يدور ويلف من حوله لعله يجد حلا سعيدا للعالم، وأن كانت النتيجة السلبية هي حوار هذا الحل في رأسه).

أما المسرحية الثالثة التي قدمت في موسم 1966 لدورينمات فهي مسرحية «زيارة السيدة العجوز»، من ترجمة مصطفى ماهر، وإذا كان سمير العصفوري قدم هذه المسرحية في هذا الموسم بطولة عبد الله غيث وصلاح منصور وزوز نبيل وحسن البارودي، بفرقة المسرح العالمي على مسرح الأوبرا، فإنه أعاد تقديمها بشكل استعراضي غنائي على المسرح الخاص، بعدما يقرب من ربع قرن تقريبا، وكانت المسرحية بعنوان «الزيارة انتهت»، بطولة شويكار ومحمود ياسين ومحمود شكوكو وعبدالله فرغلي.

وهي المسرحية ذاتها التي أخرجها محمد صبحي في تسعينيات القرن الماضي على مسرح الأوبرا، بطولة سناء جميل، وهي المسرحية ذاتها أيضا التي قدمها مراد منير في القطاع الخاص في التسعينيات من القرن الماضي، هذا بالإضافة إلى فرق الهواة والثقافة الجماهيرية والجامعات في تقديم هذه المسرحية في فترات مختلفة منذ ترجمتها في ستينيات القرن الماضي، وحتى اليوم.

وفي مقال للناقد أحمد عبد الحميد بجريدة الجمهورية، وفي تحليله لعرض زيارة السيدة العجوز لسمير العصفوري، وفي تقاطع ومقارنة بما يقدم في المسرح الأوروبي، يقول (إنه عمل فني ضخم قدم في الخارج بإمكانيات خيالية على مسارح دوارة، وبإمكانيات السينما وبإخصائيين في الإضاءة وفي ميكانيكية المسرح وبمخرج خاص لتحريك المجاميع، بخلاف مخرج المسرحية.. وفي مصر أخرجها مخرج شاب طموح هو سمير العصفوري، والمخرجون الشبان عادة يعتمدون على استعراض العضلات والاقتداء ببعض المخرجين اللامعين، من المغرمين بالتعقيد والزخارف والإبهار، حتى يوهموا المتفرج بأن المسرح مزيج من الكهنوتية والطلاسم والألغاز، بيد أنني فوجئت بإخراج مختلف تماما عن كل ما توقعته، إخراج نظيف يعتمد على البساطة المطلقة والاعتماد على طاقة الممثل كفرد وعلى طاقة الممثلين كمجموع، وعلى المؤثرات الإنسانية التي يزخر بها النص لدورينمات، ديكور مختصر موحي له شكل واقعي، لكن مدلوله أشمل وأعمق، مجاميع من الممثلين، 40 ممثلا، ولكن الكومبارس 60 كومبارسا، يجسدون النص ويبرزون معانية وأفكاره بسلاسه ووضوح، تصل كل مستوياتها الدرامية والفلسفية والسياسية التي تلامس الجلاليب، كما تصل إلى ذوي الياقات المنشاة).

وقد كتب بهاء طاهر في مجلة (الكاتب) يونيو 1966 يصف العرض بأنه أحسن عروض الموسم وأكثرها تحقيقا للإيرادات، وعن المدينة التي يدور فيها الحدث، يصفها بأنها (المدينة التي تفقد فضائلها)، وهو يصف العرض بأنه (ينطوي على دراسة متعمقة للنص وتنجح فكرته بوضوح لجمهور المشاهدين، أمام تهديدات الحروب والعنف والتمييز العنصري والقنبلة الذرية، فلا تجد إلا أصواتا خافته ومتناثرة تحتج وأصواتا أكثر عددا بكثير توافق وتستسلم وتبرد، لقد تخلى المثقف عن دوره باعتباره ضمير المجتمع، واكتفى بدور المهرج أو المسلي وأحيانا بدور المزيف، وهذا هو ما يقوله دورينمات).

«هبط الملاك في بابل»..

إذا كان المسرح المصري قد قدم في موسم واحد هو موسم 1966 ثلاثة أعمال لدورينمات، منهما عرضان للمخرج سمير العصفوري، فإنه بدأ في أوائل سبعينيات القرن الماضي بتقديم مسرحية «هبط الملاك في بابل» لدورينمات، بعد أن ترجمها أنيس منصور، وبعد أن صاغها أحمد عفيفي بالعامية، وكان سمير العصفوري قد عاد لتوه من بعثته بفرنسا، ولم يقدم سوى مسرحية واحدة هي «عيلة ضبش»، وقد حول اسم المسرحية إلى «سلطان زمانه»، وقدمت على مسرح الحكيم، ولعب البطولة مجموعة من النجوم المسرحيين والسينمائيين أمثال حسن البارودي وعبد المنعم إبراهيم وعبدالله غيث وحسن حسني وحسن عابدين وسعد الغزاوي وعبد الحفيظ التطاوي ومحيي الدين عبد المحسن وفؤاد أحمد ونادية رشاد ومشيرة اسماعيل، وقد أسعدني الحظ أن أمثل في هذه المسرحية – قبل دخولي معهد التمثيل – دور أحد الشعراء بالمسرحية.

”دورينمات“.. في ميزان النقد المسرحي المصري

قوبل عرض «سلطان زمانه» بالترحيب النقدي بشكل عام، ولكن لا يمكن تجاهل موقف أحد النقاد الكبار الذي استفزه عرض مسرحيات ثلاث لكاتب واحد، وكان ما استفزه أيضا ماكتبه المخرج سمير العصفوري في كلمته المنشورة – من قبل – عن مسرحية زيارة السيدة العجوز، واصفا المسرحية بأنها (أحسن مسرحية في القرن العشرين)، وهذا ما استفزه ليصف كلمة المخرج عن المسرحية، بأنه (حكم دوجماطيقي قاطع يطعن فيه ببساطه، أن القرن العشرين لم ينته بعد، حتى تختار أحسن مسرحية فيه، هذا على فرض أن هناك ما يمكن تسميته بمسرحية القرن).

ورغم هذا فإن جلال العشري يصل في النهاية إلى قراءة بليغة له عن المسرحية بقوله (فهذه المسرحية هي ورقة النعي التي يقذف بها دورينمات في وجه الحضارة الأمريكية، وعريضة الاتهام التي يدين بها مبدأ الديمقراطية في العصر الحديث، ثم هي بعد هذا كله، نواح على الحياة في القرن العشرين، الحياة التي أصبحت رخيصة رخص التراب، وأصبح من السهل شراؤها، لا أقول بالمال، ولكن بالموت).

ويحيل جلال العشري اتجاه المخرج في إخراج المسرحية إلى الاتجاه التعبيري، إلا أنه يرى أن التوفيق قد جانب المخرج في اختياره للمذهب التعبيري، ويخالفه في التنفيذ على خشبة المسرح، إذ يصفه باللا تجانس، فضلا عن اللا تكامل بين الجهات الأصلية للعمل المسرحي على المسرح.

ويرى الناقد أن الديكور لم يكن مقبولا لأنه بمعزل عن سياق المسرحية، وبذلك فإن المسافة بين الديكور وبين رؤية المخرج، كانت ”مسافة كبيرة“ من وجهة نظره، وفي الوقت نفسه يرى جلال العشري أن الحس التشكيلي لدى المخرج أقوى منه لدى مهندسة الديكور ”نهى برادة“، وكان هذا واضحا في تشكيلات المجاميع، وفي اللوحات التعبيرية بأجساد الممثلين على خشبة المسرح.

وارتأى الناقد في التمثيل أنه لا يرتفع عن بقية الأبعاد الأخرى، حيث سوء توزيع الأدوار، مستثنيا في ذلك دور حسن البارودي في دور المعلم، وصلاح منصور في دور العمدة، بتركيزهما على بؤر الإحساس التراجيدي للمعلم وبؤر الإحساس الكوميدي للعمدة، فكانا وجهين لعملة واحدة.

ويري عبدالله غيث في دور الفريد إيل وزوز نبيل في دور كلير، كانا في منطقة الظل المسرحي، حيث لم تفهم زوزو نبيل حقيقة شخصية كلير بتعاملها مع الشخصية من المستوى الواقعي، ولم تقدمها كما قال المؤلف باعتبارها (ظاهرة أدبية)، وهو يصف عبد الله غيث بأنه هو الآخر لم يفهم حقيقة شخصية ألفريد إيل، فقد أداه على المستوى الواقعي المباشر، فأفقده الكثير من شحونته الفكرية وخلفيته الميتافيزيقية.

وينهي الناقد مقالته بقوله (عموما أن مجرد التفكير في تقديم مسرحية من طراز زيارة السيدة العجوز، هو في حد ذاته مغامرة درامية كبيرة، وعمل بطولي يستحق كل التقدير، ومن الواضح أن العمل لم يتيسر له الإمكانيات التي تتكافأ وحجمه الأدبي من ناحية وكثافته المادية من ناحية أخرى، ولو هيئ لهذا العمل المناخ الفني الملائم لظهر في ثوب أفضل من ذلك بكثير).

لكن رفيق الصبان يؤكد على قيمة الرفض في المسرحية منذ أن قالت انتيجونا (لا) الشهيرة، والرفض يمثل قلب كل دراما تستحق هذا الوصف، وهو يتناول الأصوات المعترضة في النص وما يطرحه ذلك من أسئلة لأنفسنا، هذا الدمار الذي سقط على بابل، ألا تستحقه، وكيف تحيا الإنسانية جاهلة لاتعرف قيمة الرفض، مؤكدا أن دورينمات يرفض العالم ويهينه من خلال المسرحيات الكثيرة التي كتبها منذ زواج ميسيسيبي، حيث لا توجد سوى قيمة واحدة يضحي الناس من أجلها، وهي ”المال“.

بينما يصف الناقد نبيل بدران عرض هبط الملاك في باب أو سلطان زمانه في مقال له بعنوان (كيف الوصول إلى الناس)، بأنه عرض شعبي يصل إلى الناس بسهولة إلى أكبر قطاع من الناس، ويصفها بأنها كوميديا إنسانية مشحونة بالضحكات البعيدة عن الابتذال.

وأخيرا فإن القضايا التي اهتم بها الكتاب السويسريون المعاصرون، هي القضايا التي تهم الإنسان، ليس في سويسرا فقط، وإنما في العالم كله، وقد خاطبت هذه القضايا وجدان الانسان المصري، فتأثر بها وأصبح ”دورينمات“ بشكل خاص هو الكاتب المحبب للمتفرج المصري على خشبة المسرح، والكاتب المغري للدراسات والتحليلات والترجمات من الألمانية إلى العربية، وهو الكاتب الذي تصدر المشهد المسرحي المصري وأثر تكنيكه المسرحي على كثير من الكتاب المصريين والعرب.

--------------------------------------
المصدر : تقاطعات 

استضافة مهرجان دي كاف للفنون المعاصرة والمقام بالقاهرة والمستمر حتي ٨ ابريل الحالي لمسرح " هورا " السويسري

تونس ضيف شرف مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في اوائل شهر ابريل الحالي بالاشتراك مع ١٥ دولة اخري لتقديم اكثر من ١٨ عرضا مسرحيا

مجلة الفنون المسرحية

تونس ضيف شرف مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في اوائل شهر ابريل الحالي بالاشتراك مع ١٥ دولة اخري لتقديم اكثر من ١٨ عرضا مسرحيا  


كتبت / علا احمد حلمي 

يأتي الربيع بكل ماهو جديد ومبدع 

اوائل ابريل تبدأ فاعليات مهرجان  شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بمشاركة ١٥ دولة وتقديم ١٨ عرضا مسرحيا  والذي يدعمه  وزارة الثقافة ووزارةالشباب والرياضة بالاشتراك مع وزارة السياحة  ومحافظة جنوب سيناء  وقد عبر المسرحيون بسعادتهم البالغة  لعودة  جمعية نادي المسرح  المصري للثقافة والفنون للظهور علي الساحة  برئاسة الفنانة القديرة سميحة ايوب  وتبني الجمعية لتنظيم المهرجان ورعايته  والتي ستكون فيه الفنانة سميحة ايوب 

الرئيس الشرفي  للمهرجان 

وقد تم اختيار دولة تونس  لتكون ضيف الشرف لدورة هذا العام  ٢٠١٧  بينما تشارك ٣٠ دولة عربية واجنبية بالاضافة الي مصر  وقد تم استحداث جوائز جديدة  وهي جائزة لجنة النقاد الشباب  وجائزة التأليف المسرحي  وجائزة جمهور المسرح الشبابي  وجائزة افضل مقال نقدي  وجائزة افضل شخصية صحفية  شابة   وقيمتها ١٥ ألف جنيه   وشهادة تقدير مقدمة من وزارة الشباب والرياضة  

وسوف يحي حفل الافتتاح الفنان لطفي بوشناق  بمصاحبة اوركسترا وزارة الشباب والرياضة  

وكشفت لنا الاستاذة وفاء الحكيم  مدير المهرجان عن الاسماء التي سوف يتم تكريمها  وهم 

المخرج جلال الشرقاوي. والكاتب محفوظ عبد الرحمن  والفنان نضال الشافعي  والفنان سامح حسين  ومن الشباب 

الكاتبان شاذلي فرح ومحمود جمال  والفنانة شاكرة رماح من " تونس  "وراندا اسمر من  "لبنان  "والكاتب مارفن كارلسون من  "امريكا " 

وقد تقدم للمهرجان اكثر من ٥٥٠ عرضا  من اكثر من ٨٣. دولة عربية  واجنبية  اختير منها  ١٨ عرضا مسرحيا تمثل ١٥ دولة 



فلسفة الفن و علاقتها بميلاد الجمالية

مجلة الفنون المسرحية

فلسفة الفن و علاقتها بميلاد الجمالية

الصديق الصادقي العماري

الجمال أحد الأسس الثلاثة التي قامت عليها منظومة القيم الخالدة؛ وهي الحق والخير والجمال، والإنسان دائما يسعى بفطرته إلى إشباع رغبته في التذوق الجمالي في كل شيء، فهو دائم البحث عن الجميل، وإذا وجده انتقل إلى ما هو أجمل منه في سلم الجمال، وليس للأمر حدود. فالإنسان دائما يحرص على أن يرى الأشياء الجميلة، ويسمع الأصوات الجميلة، ويلمس كل جميل ويحسه و يتذوقه، كما يحاول أن يظهر بالمظهر الجميل، وهو لهذا يقف أمام المرآة زمنا طويلا يصلح من شعره، ويتأمل وجهه وهندامه، كما يبحث عن الجمال في السكن والأكل والشرب، حيث يزين بيته، ويتفنن في عرض طعامه وشرابه. نستطيع أن نقول إن الإنسان يميل بطبعه إلى الجمال.
والجمالية لم تنشأ نتيجة اتفاق معين، أو إجماع محدد، و إنما جاءت نتيجة مسار طويل وتراكمات عديدة، من خلال محطات تاريخية غنية، وفي كل محطة تتولد و تنضج أفكار وقناعات معينة لدى الباحثين والمفكرين و الفلاسفة على وجه الخصوص، لها علاقة بالأوضاع الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية وغيرها، والتي تدخل بشكل مباشر في بناء الفن و العمل الفني و تمظهراته الجمالية.
فمنذ العصر اليوناني وصولا إلى العصر الحديث، مرورا بالعصور الوسطى وعصر النهضة، عرفت الجمالية مجموعة من التحولات و التلوينات منها من يختفي، ومنها من يتولد، ومنها من يظهر من جديد. و حتى بعد ولادتها، أي الجمالية، في منتصف القرن الثامن عشر استمر الجدل والنقاش حول المفاهيم التي تؤسس لها و التي لها علاقة بالمحسوس و الذوق والمخيلة....، حيث بدلت جهود كبير من أجل تجاوز ما كان سائدا من قبل حول السيطرة التامة للعقل في جميع المجالات.
 لكن لكي نكون منصفين، لم يقتصر الفن والجمال على الموضوعات الفلسفة بالمعنى الحصري والمنهجي للكلمة، بالرغم من أن الفلسفة اعتبرت أم العلوم منذ نشأتها، حيث كان الأدب حاضرا بشكل كبير في اهتمامات الفلاسفة، وقد كان الفيلسوف شاعرا و فنانا وموسيقيا وكاتبا وقصاصا...وبالتالي يظل الفن و الجمال في علاقة وطيدة مع الأدب من خلال ما تعكسه النصوص الشعرية و النثرية و القصصية...، من حيث اللغة، و الفكرة أو الموضوع، و أسلوب الكاتب أو السارد، و الرسالة الفنية بكل جمالياتها.
مما يدفعنا لطرح مجموعة من الأسئلة نذكر من بينها: ما معنى الجمالية؟ وما علاقة الفن بالجمال؟ وهل هناك إمكانية لنحدد بدقة العناصر الجمالية في العمل الفني؟ هل يمكن فصل الموضوع الفني عن السياق الثقافي؟ وهل يمكن أن نفكر في الإنتاج الفني الإبداعي انطلاقا من وظيفته التأثيرية فقط؟ هل بمقدورة العمل الفني أن يطرح قضايا نظرية تتجاوز التفكير في غايته الإنتاجية، إلى تدارس ومناقشة إشكالات لها علاقة بهذا العمل و محدداته؟
إن الحديث عن الجمالية يدفعنا أولا إلى الحديث عن الفن، على اعتبار أن الجمالية تستمد جذورها التاريخية من سيرورة الفن والعمل الفني، ذلك لأن ″الجمالية بقيت في الغالب متكتمة حيال الفن الذي هو في طور التشكيل، و متحفظة أمام الأعمال الجديدة، ميالة في الغالب إلى الاهتمام بالأعمال الإبداع الفني المعترف بها، والمقر بوصفها من الأعمال الخالدة، بدل أن تتحدث عن قيمة الأشياء الجديدة،....يعود هذا الحذر، واقعا، إلى بدايات الجمالية الفلسفية″[1].
فقد عرف موضوع الفن والعمل الفني والجمال، منذ البدايات الأولى، جدلا كبيرا منذ الفترة اليونانية، حيث ارتبط لفض الفن art بالأعمال اليدوية و المعمار والشعر و الموسيقى والنحت والتصوير وغيرها، وتعددت الأفكار والاتجاهات حول الفن وطبيعته وموقعه ونوعية رسالته من خلال نظرية محاكاة الطبيعة، وهو الأمر الذي أكده ″مارك جيمينيز″ في كتابه ⁽ما الجمالية؟⁾ بقوله : أن لفظ الفن (art)-الوارث منذ القرن الحادي عشر لأصله اللاتيني (ars)، والدال على : نشاط ومهارة- لا يعين في الغرب، حتى القرن الخامس عشر، سوى مجموعة الأنشطة الموصولة بالتقنية، والمهنة، والخبرات، أي بمهام يدوية في صورة أساسية.[2]
 فمن الفلاسفة من اعتبر الفن ومنه الشعر وهم وزيف و تشويه، لأن الفنان يقلد الطبيعة، العالم الحسي المتغير الخالي من الحقيقة، في مقابل عالم المثل، عالم المعقولات، المجرد الثابت الذي يغير و لا يتغير، هو أفلاطون الذي طرد الفن، ومنه الشعر، من جمهوريته إلا الشعر التمثيلي لأنه، في نظره، يمجد بطولات الآلهة ويغرس القيم و المبادئ ويعبر عن الحقيقة. فبالنسبة له الفن يبعد عن عالم المثل بمقدار درجتين، أي محاكاة الطبيعة التي هي محاكاة لعالم المثل.
أما أرسطو، صاحب كتاب ″فن الشعر″، انتقد أفكار أفلاطون مشيرا إلي افتقارها إلي الواقعية و يرى أن التناسق و الانسجام و الوضوح هي أهم الخصائص التي تميز الفن الجميل،  وهي خصائص موضوعية يمكن تلمسها في الأشياء و الموجودات من خلال نسبها و أحجامها و تناسقها. كما يري أن هناك جمالا حقيقيا في العالم، وهو مصدر وعينا الجمالي و اعمالنا الفنية، والفن في رأيه محاكاة تنشأ عن ميل الإنسان الفطري إلى التقليد و ميله إلي تحقيق الإيقاع بما يبعثه من متعة.
و في العصور الوسطى تمثل الجمال الفني في كل ما يوحي بالحقيقة الروحية، حيث كان الفن خاضعا لسيطرة الكنيسة منذ انقسام الإمبراطورية الرومانية حتى عصر النهضة، ولما كانت الطبيعة تكشف عن العناية الإلهية فقد وجد فلاسفة العصور الوسطى سواء عند القديس ″أوغسطين″ و القديس ″توما الأكويني″ أو غيرهما على التوحيد بين الجمال و التناسب و النظام الذي يرضي الحس و العقل ويوحي بالتأمل في عظمة الخالق. فمظاهر العمل الفني عند المبدعين المسيحيين، تجلت بصورة عامة في الارتباط الروحي بالحياة الأخرة. ومن أهم الفنون التي ازدهرت خلال هذه الفترة نذكر : الفن البيزنطي والفن الرومانسكي و الفن القوطي و الفن القبطي...الخ. و قد ˝عرف القديس ⁽توما الأكويني⁾ الجميل على أنه «ذلك الذي لدى رؤيته يسر»، وأكد  ⁽أوغسطين⁾ قبله أهمية تناسق الأجزاء وتناسب الألوان في الأشياء الجميلة˝.[3]
وكان لزاما على الفن والفنان انتظار عصر النهضة وهو العصر الذهبي والفتح العظيم على الإنسانية جمعاء في جميع مناحي الحياة. ففي هذا العصر تعددت الفنون وتشعبت و أصبحت للفنان قيمة اعتبارية اجتماعية، حيث أصبح التركيز ليس على الطلبيات الفنية و كثرتها بقدر ما التركيز على كفاءة و مهارة الفنان الإبداعية، و مدى قدرته على إنتاج عمل فني بشكل جمالي. وقد بلغ الفن في هذا العصر ذروته مقارنة مع ما كان عليه من قبل، ″لقد سادت نظرية المحاكات التفكير الجمالي و النقدي، خلال عصر النهضة، بفضل التأثير الذي أحدثه كتاب″الشعر˝ عندما ترجم عن اليونانية عام 1498م، وكشف فيه أرسطو عن وظيفة الفن، على اعتبار أنه تقليد للطبيعة في تسامي، فليست مهمة الفنان، ومن هذا المنطلق، تقف عند حد نقل المظهر الحسي للأشياء، والموضوعات كما هي عليه في الواقع، بل يتعدى ذلك ليصل إلى خلق صورة أو نموذج يخضع للقوانين الطبيعية″.[4]
فعصر النهضة هو العصر الذي تحول فيه الفنان من دور الرمزية الميتافيزيقية إلى تصوير العالم التجريبي بطريقة أكثر وعيا، وبهذا كانت الآراء العلمية عن الطبيعة والإنسان قد وجدت طريقها إلى محتوى الفنون، حيث أصبحت المعرفة عقلية وتجريبية، و أصبح الموضوع الجمالي بمثابة كشف عن ملامح الواقع، وقد اتحد تركيبه مع محتواه. ˝إذا كان الفن في العصور الوسطى انعكاسا لتعاليم الكنيسة، وتعبيرا عن ذوق الطبقة الإقطاعية، نجد فن عصر النهضة متشبعا بالمفاهيم التي تدور حول الإنسان والقيم الإنسانية˝، وبالتالي أصبح للفنان في هذا العصر مكانة متميزة، حيث أبدع في صنع الفن والجمال، و أصبحت صورته أكثر تعقيدا بل متعددة الجوانب، و أصبحت حياة الإنسان الروحية أكثر اكتمالا.
وقد ارتبط ظهور الجماليةAesthetica ، في القرن الثامن عشر، بإصدار كتاب ″اليكسندر بومغارتن˝ بعنوان ″الجمالية‟ عام  1750م، الذي حاول من خلاله وضع أسس علم الجمال كعلم جديد، عين له موضوعا داخل مجموعة العلوم الفلسفية، في تجاوز لما كان يعرف من قبل بفلسفة الفن أو فلسفة الجمال. علم الجمال أو الاستاطيقا علم حديث النشأة انبثق بعد تاريخ طويل عتيق من الفكر الفلسفي التأملي حول الفن والجمال، وبهذا المعنى يعد علما قديما وحديثا في والوقت نفسه. و ″أصبح هدف هذا العلم محاولة وصف وفهم وتفسير الظواهر الجمالية والخبرة الجمالية″[5]. فاليونانيون لم تكن لديهم معرفة في ذاته ولذاته، ولكن كانت اهتماماتهم بالفن من حيث علاقته بالخير أو دلالته على الحقيقة. فان مجال الاستيطقي the Aesthetic هو منطقة من البحث كانت ممتعة وخصبة عند اليونان، ليس لأنهم لم يعرفوا هذه الكلمة وإنما أيضا لأنهم لم تكن لديهم كلمة مرادفة لمفهوم الفن الجميل.
توصل بومغارتن بواسطة الفكر، أن هناك نوعا خاصا من النظام و الإتقان لا يخضع بشكل كلي للإدراك العقلي. فإذا كان العقل يدرك ويفسر الموجودات تفسيرا منطقيا و مجردا، فهناك في المقابل ظواهر أخرى مؤثرة في النفس البشرية يصعب تفسيرها، لكنها، مع ذلك، تستحق اهتمام وتقدير الفلاسفة. فإدراك الجمال يعتمد على الأحاسيس الفردية و الذاتية التي يصعب أن نصوغ حولها أحكاما عامة ومتفق عليها، لكنها مع ذلك تستحق أن تتم دراستها في فرع أو تخصص فلسفي ”علم” يهتم بدراسة الطرائق التي نرتبط بها بالواقع بواسطة الحواس على غرار ارتباطنا به منطقيا من خلال العقل.
 ″هذه هي طريقة بومغارتن، عندما اعتبر أن الملكة الجمالية تنتسب إلى نظام المعارف، وهي ملكة متدنية من المعارف،.....وهو ما أطلق عليه هذا التعريف: ≤ملكة منطقية متدنية من الإدراك المعرفي≥. إنها فلسفة الجمالات و الحوريات، ولا تقوى على منافسة العقل، غير أنها توفر معرفة مماثلة لمعرفة العقل. إنها علم المعارف و التمثيل الحسيين، ما يتعين من الآن وصاعدا تحت تسمية :الجمالية.″[6]
عادت أفكار النسبة والتناسب والتوازن والاعتدال إلى الظهور مرة أخرى خلال عصر النهضة الأوروبية، ثم كانت الرومانتيكية بعد ذلك بنزلة رد الفعل الحساس المضاد تجاه هذا الاعتماد الصارم على العقل ومن ثم انطلقت قوى الخيال والعاطفة من قيودها. فقد ظهر العديد من الفلاسفة الذين حاولوا مواجهة الاتجاهات التي تتأسس على العقل وحده في تفسير وفهم الفن و الجمال، فقد حاول إيمانويل كانط أن يبلور نموذجا نقديا متميزا من خلال دراسة وتحليل النماذج السابقة، ″وقد تمثلت الخطوة العظيمة لكانط مقارنة بالسابقين عليه أو المعاصرين له في أنه ذهب إلى ما وراء التحليل الإمبيريقي للإحساس الجمالي متجها نحو التحديد الخاص لعلم الجمال باعتباره مجالا خاصا للخبرة الإنسانية يماثل في أهميته وتكامله المجالين الخاصين بالعقل النظري والعقل العملي (أي المجال  المعرفي و المجال الأخلاقي)″.[7] و بالتالي التأكيد على أن التجربة الحسية هي منطلق أي معرفة إنسانية، أي اتصال حواسنا بالأشياء التي لن نعرف منها إلا ظاهرها. وهو يؤكد بذلك على أن التجربة الحسية وحدها غير كافية، لأن الإحساسات التي نتحصل عليها من التجربة لا يكون لها معنى إلا من خلال قدرات قبلية في العقل، هي أولا الحدوس الحسية القبلية التي تضع الإحساسات القادمة من التجربة في سياق بشري متصور، ثم تنتقل هذه الإحساسات المتصورة في سياق زمني و ومكاني إلى الفهم أو العقل الفعال المكون من مقولات الكم و الكيف والعلاقة والجهة التي تعطينا القدرة على صياغة الأحكام.
″طرح كانط أسئلة جوهرية حول طبيعة الفن. وأنكر أن الفن يقع ضمن مفاهيم الضرورة أو الحرية، وأنكر كذلك أن الفن هو شكل من أشكال الفهم العقلي أو السلوك الأخلاقي.″[8] وبالتالي إضافة حجة قوية على تفرد الفن واستقلاليته، من خلال نفيه أن الحكم الجمالي والذوق الجمالي من الأمور المتسمة بالموضوعية. ورغم إقراره بأن الأحكام على الجمال أحكام ذاتية، فإنها  في رأيه أيضا أحكام عامة يشارك فيها كل فرد يمتلك ذوقا جيدا.  ولذلك اقترح كانط فيما يتعلق بالجمال ميدانا للذوق لا تتحكم فيه المفاهيم العقلية. اقترح كانط وقدم أيضا نظرية حول»الجليل «حيث يتجلى»اللانهائي «الذي يتجاوز المفاهيم العقلية المحددة في الفن، ومن خلال»العبقرية «تلك القدرة على الإنتاج بمعزل عن القواعد والقوانين.[9] تركت هذه الأفكار حول العبقرية في المدرسة الرومانتيكية في الفن والأدب، وكانت آراؤه حول »الجليل «مهمة بالنسبة ل ”هيجل‟، و ”فريدريك نيتشه‟ الذي ”بدا له الفن مثل زينة الوجود ‹الرخيصة›، مثل زخرفة بسيطة مرشحة لجلب شيء من الفتنة في حياة مستبعدة من قبل ما هو وظيفي‟[10]،  كما أنها أثرت بشكل عام في عدد من الكتابات التالية له في أوروبا بشكل العام.
غير أن أفكار ”إمانويل كانط‟ لقيت معارضة شديدة من طرف الاتجاه الرومانسي مع هيغل الذي رأى أن تصور كانط (الشيئ لذاته و الشيئ في ذاته) ميكانيكيا وآليا مما أفقده المعنى والدلالة.
وفيما يتعلق بمصطلح الإستطيقا  Aesthetic ويعني علم الجمال، فقد تتبعه ”عز الدين إسماعيل‟ في كتابه "الأسس الجمالية في النقد العربي"، فقال إن معناها في البداية كان علم المدركات الحسية، ثم تطور إلى علم المعرفة الحسية، ثم إلى علم المعرفة الحسية الغامضة، وأخيراً إلى علم الجميل أو علم الجمال.[11] ولم يستقر أمر علم الجمال وتعريفه بعد لأن أمر الجمال نفسه لم يستقر، فكل فيلسوف ومفكر وناقد له نظرته للجمال ينطلق فيها من بيئته وخلفيته العلمية والثقافية والعقدية وما إلى ذلك. ونظريات الجمال لا تزال غامضة يصعب تحديدها، فالقانون الأوحد للجمال أنه ليس للجمال قانون. وذلك لأن الجمال من القيم المطلقة التي لا يمكن تحديدها أو حصرها، ولهذا يأتي تعريف كل ناقد أو فيلسوف مختلفا عن تعريفات الآخرين، لأن كل واحد منهم ينظر إلى الجمال من زاوية لا يراه منها الآخرون، وبالتالي يعبر كل واحد منهم على قدر ما يتجلى له الجمال في الأشياء، غير أن هذا لا يمنع من أن نتطرق لبعض التعاريف ونحاول صياغة تعريف يمكن أن يشتمل على بعض محددات الجمال.
 لذلك، الإجاب عن السؤال: ما الجمالية؟ صعبة ومعقدة لتداخل التعارف وتعددها وتشعبها. وعلم الجمال الحديث، كما نعرفه اليوم، فيمكن أن نتتبعه بدءا من القرن الثامن عشر عندما ابتكرت هذه الكلمة لأول مرة من خلال الفيلسوف جوتليب بومجارتن. ومن حيث فقه اللغة فإن الجماليات كانت تعني دراسة الإدراك الحسي،  لكن ولع بومجارتن بالشعر خاصة والفنون عامة جعله يعيد تعريف حدود هذا الموضوع على أنه «نظرية الفنون العملية أو علم المعرفة الحسية [12]« وقد سار على هذا الدرب لأنه كان يعتقد أن اكتمال الوعي الحسي يمكن أن يوجد في أنقى حالاته خلال الإدراك الفائق للجمال.
كانت أجنحة من يدركون الجمال تتحرك ذهابا وإيابا بين الأرض والسماء، بين  الجمال  المادي والجمال المعنوي، كما أصبحت كلمة «الجمال « لدى البعض أيضا غير ضرورية، لكن هذه الكلمة ظلت تستخدم، كما ظلت أنواع خاصة من المشاعر مرتبطة بها، نشعر بها عندما تقال هذه الكلمة أو عندما نسمعها أو نقرأها، كما أنها تظل معنا عندما نقرأ أو نشاهد عملا فنيا. إن الجمال يرتبط لدى الكثيرين المشاعر الحسية المتميزة التي يستثيرها بداخلنا الموضوع الجميل.
إن الإحساس الجمالي كما يستشعره المشاهدون هو إحساس سار أو ممتع، وقد يكون بصريا في الأساس أو سمعيا، ثم يمتد ليشمل جسد الفرد كله. والجمال ليس متعلقا بالشكل المنفصل أو المنعزل عن مضمونه، لكنه يتعلق بالتركيب الخاص للمستويات المتنوعة من المعنى والتأثير الشامل والإحساس الشامل بالحياة في تألقها وتدفقها الدائم. كما أن الجمال يمكن إدراكه وتذوقه في مجالات و أشكال وموضوعات مختلفة ومتنوعة، فهو عابر للتخصصات و الفضاءات و المظاهر، يستقر حيث يوجد مواصفاته و أنواعه و مميزاته. «إن الجمالية وفق معناها الحالي، و أيا كانت الخصوصية أو التنوع المميزين لها منذ بومغارتن، لا يمكن أن تختصر بأي من العلوم المحددة التي لجأت إليها أحيانا، مثل علم النفس، وعلم التحليل النفسي، وعلم الاجتماع، والإناسة، والسيميولوجيا أو اللسانية»[13].

v  بيبليوغرافيا
مارك جيمينيز، ما الجمالية؟، ترجمة د. شربل داغر، المنظمة العربية للترجمة، بيروت-لبنان، ط1، 2009م
شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي (دراسة في سيكولوجية التذوق الفني)، عالم المعرفة العدد 267، مارس 2001م
محسن محمد عطيه، الفن و الجمال في عصر النهضة، عالم الكتب-القاهرة، 2002م،
إسماعيل، عز الدين. الأسس الجمالية في النقد العربي، عرض وتفسير ومقارنة، القاهرة، دار الفكر العربي-القاهرة، ط3، 1974م،



[1] مارك جيمينيز، ما الجمالية؟، ترجمة د. شربل داغر، المنظمة العربية للترجمة، بيروت-لبنان، ط1، 2009م، 21.

[2] مارك جيمينيز، ما الجمالية؟، مرجع سابق، ص 44.

[3]  شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي (دراسة في سيكولوجية التذوق الفني)، عالم المعرفة العدد 267، مارس 2001م، ص8.

[4] محسن محمد عطيه، الفن و الجمال في عصر النهضة، عالم الكتب-القاهرة، 2002م، ص 14.

[5] شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي ، مرجع سابق، ص 8.

[6] مارك جيمينيز، ما الجمالية؟، مرجع سابق، ص 30.

[7] شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي، مرجع سابق، ص 93.

[8] شاكر عبد الحميد، المرجع نفسه، ص 94.

[9]  شاكر عبد الحميد، المرجع نفسه، ص95.

[10]مارك جيمينيز، ما الجمالية؟، مرجع سابق، ص21.

[11] إسماعيل، عز الدين. الأسس الجمالية في النقد العربي، عرض وتفسير ومقارنة، القاهرة، دار الفكر العربي-القاهرة، ط3، 1974م، ص14.

[12]شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي، مرجع سابق، ص15.

[13]  مارك جيمينيز، ما الجمالية؟، مرجع سابق، ص 32.

-- 
*الصديق الصادقي العماري
باحث في المسرح وفنون الفرجة
Addkorasat1@gmail.com

212648183059+
يشتغل بمهنة التدريس
باحث في علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا
.المسرح وفنون الفرجة بالكلية المتعددة التخصصات الرشيدية
.مهتم بقضايا التربية والتكوين و سوسيولوجيا التنمية
.مدير و رئيس تحرير مجلة كراسات تربوية-الرشيدية
.رئيس جمعية الشباب للتربية والدراسات والأبحاث الاجتماعية-أرفود
.كاتب عام المركز المغربي للتأهيل والإنصات-أرفود
.فاعل ومكون و ناشط جمعوي
.رئيس منتدى القراءة و البحث العلمي-أرفود
رئيس منتدى القراءة و البحث العلمي-الريصاني
.عضو المكتب الوطني للمنظمة المغربية للصحافة الإليكترونية-فاس
.أستاذ مرشد بالمؤسسات التعليمية-الرشيدية
مراسل صحفي، مقدم برنامج: فنون الفرجة الشعبية، بإذاعة صوت ورززات
.مؤلفاتي المتواضعة:
        -التربية والتنمية وتحديات المستقبل:مقاربة سوسيولوجية
        -البنيات الأسرية و تأثيرها على التحصيل الدراسي للتلميذ:دراسة ميدانية
        -إشكالية إدماج تلاميذ التربية غير النظامية في المدرسة الإبتدائية
        - سوسيولوجيا التمايز وأشكال التدبير المعقلن
..مواقعي..................... 
كراسات تربوية
www.korasat.com
..............
منتديات كراسات تربوية
www.korasatform.com
..................
نحن على الفايسبوك هي:
https://www.facebook.com/sadiki.amari.seddik

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption