مسرحية «أيوبة»: في مديح «الصبر العالي» للمرأة الفلسطينية
مجلة الفنون المسرحية
مسرحية «أيوبة»: في مديح «الصبر العالي» للمرأة الفلسطينية
من إخراج عوض عوض ابن الـ 22 ربيعا وتمثيل أستاذته في الجامعة الأمريكية
زهرة مرعي
مسرحية «أيوبة»: في مديح «الصبر العالي» للمرأة الفلسطينية
من إخراج عوض عوض ابن الـ 22 ربيعا وتمثيل أستاذته في الجامعة الأمريكية
زهرة مرعي
عندما تزوجت أيوبة والتحقت ببيت زوجها، في أحد مخيمات اللجوء في لبنان قلب حياتها رأساً على عقب، لكن والدتها أوصتها وهي تغادر بيت العائلة بوصية حملتها طيلة عمرها «البيت سر ببطنك مفتاحه رحمك». حفظت الوصية تماماً وكانت أمينة عليها.
«أيوبة» اسم صار عنواناً لمسرحية كتبها وأخرجها عوض عوض وستعرض ابتداء من الثامن إلى غاية العاشر من أيار/ مايو الجاري على مسرح «غلبنكيان» في الجامعة اللبنانية الأمريكية، التي تخرّج منها العام الماضي. خريج مجتهد بادر للاستنباط الفني من بيئته، فهو ابن المخيم ويدرك قضاياه لأنه يعيشها. رئيس قسم المسرح في الجامعة منحه الموافقة بعد قراءة النص، وأستاذته الدكتورة والمخرجة والممثلة علية الخالدي وافقت على تجسيد دور أيوبة في عمرها المتقدم. وتلعب الممثلة المحترفة ميرا صيداوي الشخصية في العمر المتوسط. أما الطالبة في قسم المسرح تالة نشّار فتلعب دورها في المراهقة وبداية الصبا. وهكذا تكون من المراحل الثلاث عرض بحدود الساعة من الزمن.
في توقيعه الأول كمخرج وكاتب لعرض مسرحي يرى عوض أنه كلاجئ فلسطيني في لبنان من الطبيعي أن يأخذه البحث إلى موضوع من بيئته. ويقول «بالتأكيد سأكون مع موضوع أعرفه وأدركه، وبالتالي أتمكن من تكسير القواعد بعد معرفتها. درايتي بالمخيم والمرأة الفلسطينية واسعة. المرأة الفلسطينية نهر من الحضور الإيجابي في بيئتنا، هي ربة العائلة، الركن الاقتصادي، أم الشهيد، المقاومة، والحائزة على درجات علمية». ويضيف «رغبت القاء الضوء على تلك الوجوه الإيجابية في مسيرة المرأة، خاصة في ظل التهميش الكبير لها على الصعيد العربي عموماً، والفلسطيني بشكل خاص. يدفعني إلى هذا حافز للمساهمة في تمكين المرأة وتشجيعها على المواجهة ورفض القمع الممارس بحقها». ويكشف أن «سيناريو أيوبة استوحيته من حكايات واقعية لثلاث نساء من مخيمي برج البراجنة والرشيدية.كتبته لشخصية امرأة واحدة تجسد على المسرح بثلاث شخصيات. هي نفسها تروي محطات مؤثرة في حياتها ترغب بالإضاءة عليها. وهي في عمرها المتقدم توقظ ذاكرتها لتروي حكاياتها من جديد». ويؤكد أن «الذاكرة مهمة في حياة الفلسطيني. ارتباطه بأرضه مبني على ذاكرة رواها له أجداده، فمن ولد بعد النكبة لا يعرف الوطن. كمخرج أجد للعمل الفني دوراً في الاضاءة على تلك الذاكرة».
في أبحاثه وصولاً لكتابة السيناريو المقنع يقول: «اكتشفت مدى تضحيات المرأة. وكم لها قدرة على تحمل القهر، وفي الوقت نفسه التمسك بالأمل. وكم تضحي لتكون جسراً لعبور ابنائها إلى بر الأمان. «أيوبات» المخيمات عددهن كبير، وبدونهن لما صمدت العائلات».
وعن معيار اختيار الممثلات الثلاث يقول: «علية الخالدي أستاذة في الجامعة اللبنانية الأمريكية. ميرا صيداوي ممثلة فلسطينية محترفة. تالة نشّار سورية وطالبة مسرح في الجامعة، واخترتها لأن جامعاً مشتركاً يربط بين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين و»الأيوبات» إلى تمدد…في العمل مع الممثلين سواء كانوا محترفين أم لا، يعيش المخرج مسؤولية تجاه عمله الفني.هم اشخاص يعيروننا خبراتهم، أجسادهم، طاقاتهم ووقتهم، لهذا مسؤوليتي وواجبي نحوهم أن يظهروا بأفضل صورة».
تخرج عوض من قسم المسرح في 2016 ونال موافقة رئيس القسم ليقدم عرضه المسرحي في الجامعة. ويرى أنه على الجامعة منح الفرصة للخريجين لتكون لهم عروضهم على المسرح الذي شهد على دراستهم، ليكون لها إنتاج مسرحي جديد، وكذلك فرصة للخريجين في بداية مشوارهم. ويضيف «سنقدم ثلاثة عروض في الجامعة فقط، وعندما ننتقل إلى مسارح أخرى فنحن نحمل اسم الجامعة معنا كخريجين. ومن المؤكد أن الجامعة تهتم بأن يكون خريجوها من الناجحين».
وتعيش الدكتورة علية الخالدي حيرة من أمرها، فهي عندما رغبت كممثلة في لعب دور امرأة لبنانية قيل لها «لا تمتلكين اللهجة اللبنانية بما فيه الكفاية. مع أنني ممثلة ويفترض أن أتقن كافة اللهجات. وعندما رآني عوض دون غيري في دور المرأة الفلسطينية كانت المفاجأة بأنني لم أكن أيضاً أتقن اللهجة فلسطينية بما فيه الكفاية. ولدت في لبنان وأعيش فيه، لكن الانتماء إلى وطن غير متاح أكبر من أي أمر آخر. العودة هي الأمل والرجاء الأول والأخير». وتضيف: «عوض كان طالباً عندي، وعندما قدّم لي تلك الشخصية لتجسيدها، وجدتها مثيرة للاهتمام. معاناة أيوبة أكثر من مضاعفة. إنها امرأة الشتات والمخيم. فأن أكون حيال شخصية امرأة وفلسطينية معاً أمر في غاية الجاذبية». وترى أن «أيوبة تختزل في شخصها النكبة. وتسلسل أحداث حياتها يشبه حياة الفلسطينيين منذ النكبة حتى الآن. كأستاذة جامعية أرغب في دعم طلابي. أنا وعوض وميرا صيداوي وتالة نشّار تعلمنا الكثير من هذه التجربة. ذاتياً درّبت نفسي لأكون ممثلة وليس مخرجة». وتثق في خبرات عوض رغم عمره الصغير الذي لا يتعدى الـ 22 ربيعاً. وتقول أنها كل يوم تتعلم ضبط الذات، والابتعاد عن كونها أكاديمية في مواجهة مخرج كان طالباً قبل أشهر. في تضيف أن «عوض يعاني من هذا الجانب، وهو بدوره يدرب نفسه لينسى بأني أستاذته، وبالتالي أن يعتمد الرؤيا التي وضعها لعمله كمخرج. وأكرر بأني كممثلة ومخرجة ليس لي كلياً الجلوس في المقعد الخلفي والفرجة من بعيد. إنها مشكلة جدية أحاربها بضبط الذات. والمهمة الأهم في هذا العرض أن أتعلُم اللفظ الفلسطيني كما هو بالتمام».
وتقول علية الخالدي إنه بعد عرض المسرحية في الجامعة اللبنانية الأمريكية لثلاثة ليال، فمكان عرضها الطبيعي في مخيمات اللجوء، « فالمخيم وجمهوره هو الذي سيحتضن أيوبة. من الضروري لكل من يعيش الشتات الفلسطيني أن يرى صورته على المسرح في هذا العرض. صحيح أن معاناتنا كفلسطينيين لم تنته، لكننا نحتاج إلى النقد الذاتي فيما يتعلق بتاريخ نضالنا. لن نكون بمواجهة رواية واحدة حيال قضايانا، إنما السليم أن نبدأ بالكلام، وأن نقول بأننا أخطأنا في الكثير من المواقع، وهذا ما لم يعترف به أحد بعد. ومن لا يعترف بخطئه لن يتعلم منه».
بدورها أعلنت الممثلة ميرا صيداوي أنها على توافق مع دورها بتجسيد أيوبة في مرحلة عمرها المتوسط. تقول: «ربما تتحمل تلك المرحلة من العمر المعاناة الأكبر من حياة البشر. هذا كان واقع أيوبة. جذبتني أيوبة لأنها تعاملت مع الحياة بإيجابية رغم المعاناة. ولم تستسلم يوماً، بل كانت دائمة الشحن لقوتها. هذا الشحن شكل عامل صمودها وصولاً لأيوبة في عمرها الكبير. وأصعب ما عانته أيوبة منذ زواجها هو حرمانها من والدتها بعد أن شكل زوجها حولها ما يشبه حالة الاعتقال. منذ قرار حجبها عن والدتها تحولت أيوبة إلى إنسانة أخرى. الأسى الذي عانته انعكس قساوة عليها كإنسانة».
الرسالة التي حمّلتها الأم لابنتها أيوبة هل كانت عبئاً أم قوة لها؟ توضح صيداوي بأنها رسالة من التراث حرفيتها «الزلمي زي البطيخة والبيت سر ببطنك ومفتاحه رحمك». جملة تراثية ترمز لمعاناة الفلسطينيين. والمراحل الثلاث لحياة أيوبة تجسد تلك المعاناة. مكان المعاناة الفعلية هو رحم أيوبة. باستئصاله تعيش الخواء والفراغ. لكن هذه الأيوبة تخترع الأمل مهما كان. وعندما قص زوجها شعر طفلتها بالسكين، حوّلت تلك القضية إلى فعل ايجابي. جمعت الشعر وصنع لعبة ووضعت الشعر على رأسها وأهدتها لطفلتها. اجتهدت للتغلب على كل قبح واجهها. ففي الصبر قوة. إنها حالة من المجتمع الفلسطيني وليست جميعه. ففي هذا المجتمع ثمة مناضلات كما ليلى خالد ودلال المغربي. أيوبة زوجة جابر المنتمي إلى منظمة التحرير والذي يعيش الفشل خارج البيت، وكذلك الاستضعاف والخسارة، صار يقهرها كتعويض وهي تتمسك بالصمود.
لازالت تالة نشّار تدرس المسرح في الجامعة اللبنانية الأميركية. تعلمت اللهجة الفلسطينية لتتمكن من دور أيوبة في عمر الجمال والصبا قبل أن ينهال عليها نهر الأسى. تقول: «أحببت أن أمثل أيوبة عندما كانت فرحة كما ساندريلا، وحين لم يكن ينغص حياتها سوى الفلقة. أيوبة حلمت بأن تكون طبيبة لإنقاذ المرضى، دخل العريس عنوة إلى حياتها، وكان نصيبها رجلاً قاسياً. حافظت على حلمها ليس الشخصي بل من خلال أبنائها الذين عاشت لأجلهم. حياتها المأساوية انعكست قوة على تصرفاتها ومسؤولياتها».
----------------------------------------
المصدر : القدس العربي
0 التعليقات:
إرسال تعليق