الإخراج المسرحي في تجربة يوجينيو باربا
مجلة الفنون المسرحية
الإخراج المسرحي في تجربة يوجينيو باربا
محمد بلقائد أمايور
مدخل:
بعد النصف الثاني من القرن الماضي، وفي المسرح الغربي المعاصر، هناك تجارب مسرحية عديدة أغنت الحركة المسرحية العالمية، ليس فقط على مستوى نوعية العروض المسرحية التي أنتجتها، ولكن أيضا، على مستوى العمل التطبيقي والتنظيري الذي صاغه روادها.
لم تتقوقع هذه التجارب في دائرة البحث عن إرساء طرق إخراجية جديدة، أو تختار الانغماس في شكليات معالجة النصوص الدرامية، وكيفية تفسيرها عند هذا المخرج أو ذاك، بل سعت لإيجاد طرق منهجية، فنية وثقافية، باحثة عن فهم أعمق للعملية المسرحية المتسمة بالتعقيد.
اهتمت هذه التجارب إذن، بماهية المسرح كظاهرة إنسانية لها جذور في عمق الحضارات الإنسانية المتعددة في مختلف البقاع، وحاولت فهم ما يمثله المسرح بالنسبة لشعوب العالم وضرورته في الحياة الاجتماعية، وعلاقته بالثقافة والشعيرة والطقس..الخ. تراهن هذه التجارب على دراسة المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها الممثل في عمله، علاقة المخرج بالممثل؛ علاقة العرض بالمتفرج؛ و إشكاليات أخرى شملت علاقة المسرح بالعلوم المختلفة ودورها في المعرفة الإنسانية.
تعد تجربة غروتوفسكي التي تركت أثرها الكبير على مجاميع مسرحية هامشية ، وحتى في الأوساط الأكاديمية الرسمية، وتجربة المسرح الحي مع رائدها جوليان بيك، التي واجهت المياه الراكدة في الثقافة المسرحية الأمريكية، وتجارب بيتر بروك الذي حاول اقتراح نموذج مسرحي مغاير لما كان سائدا في الأوساط الانجليزية، يروم تقليص سلطة الخطابية الكلامية التي أفقدت المسرح تميزه. وتجارب أخرى عديدة ( أرطو، منوشكين، بوال، لوكوك ...)، بالإضافة إلى تجربة متميزة، نقترح أن نتناولها في هذا العرض، ويتعلق الأمر بتجربة المسرحي الإيطالي يوجينيو باربا مؤسس مسرح الأودن ، ومؤسس المدرسة العالمية لأنتروبولوجية المسرح ، والذي صاغ مفهوم أنثروبولوجيا المسرح ومنحه بعدا يتقاطع فيه المسرح كفن والأنثروبولوجيا كعلم.
إذن، فماهية الأسس والخلفيات المعرفية والجمالية التي استند عليه يوجينيو باربا لصياغة تصوره المسرحي ؟ وما هي مرتكزات هذا التصور؟ ما هي العناصر المسرحية التي منحها المركزية في فرجته المسرحي؟ ما هو النموذج الذي يقترحه لبناء علاقة دينامكية - تفاعلية بين المتفرجين و عروضه؟ كيف تمثل الفضاء المسرحي الذي يشتغل عليه، وماهي مقوماته؟ ما طبيعة و مستويات إعداده للجسد في محترفه المسرحي ؟ ما هي معالم تصوراته، و رؤاه الإخراجية ؟
تنفتح هذه المجموعة من الأسئلة على إشكاليات كبرى سنحاول أن نوضح بعض ملامحها، ولا ندعي ـــ فيما سنقدمه ـــ أننا بصدد الإحاطة الشاملة بكل هذه الإشكاليات، فكما اشرنا إلى ذلك في عنوان العرض، سيكون ما سنقترحه، مجرد مقدمات أولية، يمكن للمهتم بتجربة يوجينيو باربا أن يستمر في البحث من أجل ردم بعض الهفوات، والبياضات التي قد تظهر في هذه المقالة.
- التأثر بغروتوفسكي وامتداداته :
الاشتغال في مختبر غروتوفسكي:
بداية، ونحن نلج هذه العتبة، سنحاول استعادة إشكالية قديمة/جديدة ، أسالت الكثير من مداد النقد المسرحي - دون أن يحسم في أمرها- ويتعلق الأمر بتأثر غروتوفسكي بأرطو من عدمه؛ سنحاول الوقوف عند بعض الشهادات في هذا الموضوع، ومسعانا في هذا الاختيار، ليس هو الاستنقاص من تجربة أرطو المتميزة، بقدر ما نرغب في الاعتراف بمجهودات واجتهادات غروتوفسكي و يوجينيو باربا من بعده.
ونحن نطالع أطروحة الباحثة الزهرة إبراهيم (س 93/94) وجدنا أنها تتبنى طرحا مفاده أن يوجينيو باربا قد استفاد من تجربة غروتوفسكي الذي تأثر بدوره بأرطو، إذ تقول: اختار يوجينيو باربا السير على نهج أستاذه غروتوفسكي المتأثر إلى حد كبير بكشوفات أرطو(1) ، رغم أنها لم تؤسس لهذا الموقف الذي تبنته، ولم تُحل إلى المرجع الذي استقت منه هذا الحكم. وفي نفس السياق ــــ وان اختلف مع الموقف الأول في درجة التأسيس لما طرحه ــــ نجد الباحث سعيد كريمي في أطروحته، يذهب في اتجاه أن المسرح الفقير قد استفاد من تجربة وكشوفات أرطو المسرحية، وبلور خلاصة، بعد مناقشته لمقومات التجربتين والوقوف عند جوامعها المشتركة، ويقول: مجمل القول، إن المسرح الفقير يزكي أغلب الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها مسرح القسوة. إلا أن غروتوفسكي ظل مع ذلك متشبثا باستقلالية تصوره(2). ويضيف في خلاصة أخرى: ومهما يكن من أمر فإن من الثابت، أن غروتوفسكي تأثر بمسرح القسوة وجمالياته، سواء صرح بذلك علانية، أم لم يصرح(3). لكن الاثنين ـــ في نظرنا المتواضع ـــ لم يقدما برهانا قويا كفيلا بالحسم مع هذه النقطة، ويبقى ما ذهبا إليه (أقصد الباحثين الزهرة إبراهيم وسعيد كريمي) لا يخرج عن خلاصات عامة بعيدا عن الحسم النهائي للموضوع الذي يبقى مطروحا للنقاش.
للمساهمة في هذا النقاش نقترح الوقوف عند شهادتين، أولاهما لغروتوفسكي، والثانية للمسرحي الانجليزي بيتر بروك؛ فالشهادة الأولى قوية بحكم أنها صادر عن المعني بالأمر، والثانية أيضا لها قيمتها بحكم أن بيتر بروك قد اعترف بتأثره بأرطو إلى درجة انه أطلق على مسرحه في مرحلة من المراحل: مسرح القسوة ؛ يقول بيتر بروك: اخبرني غروتوفسكي ـــ بدوره ــــ انه حين كان يقوم بعمله حول موضوعات تثير اهتمامه قال له احدهم: إن كل شيء تفعله معتمد على أرطو! في ذلك الوقت لم يكن غروتوفسكي يعرف من هو أرطو(4). نستشف من هذه الشهادة بان غروتوفسكي لم يكن يعرف أرطو في بداية اشتغاله، ولم يتعرف عليه إلا بعد مدة، وحين تعرف عليه، نجده لم يتردد في الاعتراف بأهمية أرطو ووصف كتاباته بالنبوءة المذهلة، وهذه شيمة من شيم الحكماء، إذ يقول: كثيرا ما يسألونني عن أرطو... مع أن صيغ أرطو كانت تقوم على حجج غير حججنا، وسلكت دربا غير دربنا، كان أرطو رجل خيال ممتازا، ولكن لا تحتوي كتاباته إلا على القليل من المعنى المنهجي لأنها لم تكن حصيلة بحث عملي طويل الأمد. كتاباته نبوءة مذهلة وليست منهجا(5). ويضيف غروتوفسكي في موضع آخر : أنا لا ادعي أن كل ما نفعله جديدا كليا [...] يغمرنا التواضع عندما تكشف وتؤكد تجربتنا أن شخصا آخر ثاقب النظر، توصل بالحدس إلى ما توصلنا إليه(6).
إن التلاقي والتقاطع بين المسرح الفقير ومسرح القسوة، لا يثبت استفادة احدهما من الآخر، بقدر ما يثبت، فرادتهما معا، كتجربتين مسرحيتين طليعيتين، متمردتين على المسرح الغربي، الذي يصفه أرطو بالمسرح البالي في حين يصف غروتوفسكي الممثل في المسرح الغربي بالممثل العاهر .
إن الاختلاف الجوهري بين التجربتين هو أن غروتوفسكي أسس معملا للتجارب المسرحية، أي انه ينطلق من تجارب عملية، ولا يتبنى طروحات لم تنتجها الممارسة العملية في مختبره التجريبي، بينما أرطو حاول – كما وصفه غروتوفسكي – التوصل إلى آفاق رحبة انطلاقا من الحدس، وبين الحدس والتجربة مسافات؛ وهذا الذي جعل أرطو لم يخلف منهجا واضحا، يطوره من يأتي من بعده، فكتاباته تعد بلا شك منطلقا مهما لمن يمتلك سعة الأفق للاشتغال عليها، قصد بلورتها على شكل منهج، من جهة، ومن جهة ثانية، عدم وضوح ما اقترحه أرطو شكل صعوبة لدى اغلب المهتمين والممارسين للمسرح، لأنها كتابات حدسية . أما الالتقاء بين التجربتين، فيكمن أساسا في استفادتهما من المسارح خارج أوربا، كل واحد منهما حسب أفقه الإبداعي وطرق اشتغاله.
استفاد يوجينيو باربا من تجربة غروتوفسكي، ويؤكد الباحثون أن باربا كان له الفضل الأكبر في التعريف بتجربة غروتوفسكي عالميا، باعتبار أن المسرح الفقير قد أطاله التهميش وظل محصورا في بولندا، وهذه الخطوة – ربما – قام بها باربا من أجل رد الجميل لغروتوفسكي.
لا يتردد باربا في وصف غروتوفسكي بالأخ تارة، وبالأب والأستاذ تارة أخرى. ويعترف بأهمية غروتوفسكي في حياته، وإلهامه لإيجاد الطريق الذي سلكه بعد تأسيس مسرح الأدون. بعد قضاء باربا ثلاث سنوات في معمل غروتوفسكي، سينتقل للشرق للتعرف عن قرب على المسرح الشرقي، وبعد العودة؛ حاول أن يجمع ثلة من الممثلين الذين لم تقبلهم معاهد التكوين الرسمية، لينطلق في مساره الحافل، والذي مازال مستمرا إلى اليوم.
استطاع باربا أن يصوغ ملامح تصوره للمسرح في عدة وثائق تمثلت أساسا في مجموعة من المحاضرات التي ألقاها في مختلف المحافل، في إطار عمل المؤسسة العالمية لانثروبولوجية المسرح ISTA (international school of theatre anthropology)، التي أسسها باربا سنة 1979، أو في مدونات أبحاثه وتطبيقاته المسرحية في مسرح الأودن ، (تم نشرها على امتداد الإصدارات التي ألفها باربا أو تلك التي ألفها عنه آخرون ) هدا المختبر الذي يشبه إلى حد كبير في أسلوبه مختبر المسرح الذي أسسه غروتوفسكي سنة 1959، والذي ليس مسرحا بالمعنى المألوف للكلمة، بل بالأحرى معهد مكرس للبحث في مجال الفن المسرحي وخاصة فن الممثل(7). ومسرح الأدون بهذا المعنى، هو امتداد طبيعي للمسرح الفقير.
مسرح الأودن : الأسس والمقومات
تأسس مسرح الأدون سنة 1964 على يد يوجينيو باربا، وبعدها انتقل إلى الدنمارك سنة 1965، ولا يزال حتى الآن يمارس نشاطاته المسرحية، وينظم أعماله في مدينة صغيرة ( هولستيبرو Holstebro) في الدنمارك.
ليست مجموعة الأودن كالفرق المسرحية المألوفة، أي أنها ليست فرقة مركبة من عدد من الممثلين والإداريين الخاضعين لمشروع إنتاج عرض مسرحي، يقوم بإخراجه مخرج ما، كما هو سائد في الفرق العامة(8) ؛ فهذه الفرقة المسرحية تتكون من مجموعة من الممثلين والفنيين، تجمعهم روابط حياتية مشتركة وعلاقات اجتماعية تتجاوز العلاقات الإدارية المهنية الموجودة في الفرق المألوفة. وتتأسس علاقاتهم على فهم مشترك للظاهرة المسرحية بشكل عام، ويسعون من خلال هذا الاختيار إلى كسر طوق التعاليم الأكاديمية للمسرح التقليدي السائد والمهيمن في الغرب(9).
تركز اهتمام المجموعة في بداية اشتغالها على الإعداد الذاتي وعلى التربية الصارمة، من أجل الوصول إلى التكنيك القادر على ترجمة طموحات كل فرد من أعضاء المجموعة، وانصبت بداية العمل على تمارين تمت استعارتها من البيوميكانيك لمايرهولد، وبعض التمارين التي عمل بموجبها غروتوفسكي، وبعض تكنيكات مسرح الكتاكالي الهندي.. ومضت المجموعة في عملها من أجل بناء ثقافة وطريقة عمل خاصة بها(10) ، وهذا التوظيف للتمارين المختلفة التي تمت استعارتها من تجارب مسرحية متنوعة، لم يكن مجرد تقليد جاف، بل كان منطلقا للسير في الطريق الذي رسمته المجموعة.
المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح
انطلق عمل المدرسة العالمية لانثروبولوجية المسرح، بمحاضرة ألقاها يوجينيو باربا سنة 1980 في وارسو بعنوان: انثروبولوجية المسرح: اقتراحات أولية(11) ، أشار فيها إلى المرتكزات والأسس التي يستند عليها هذا النوع من البحث، ومن هنا انطلق مشروع المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح. في تلك المحاضرة طرح باربا المبادئ الراسخة التي يستند عليها عمل الممثل مثل مبدأ تغيرات التوازن في الجسد ، و مبدأ التضاد في الحركة ، و مبدأ الطاقة في الزمان والمكان ، وهذه المبادئ [...]هي الأسس للدراسة والبحث في ثنايا عمل الممثل(12).
رغم أن الدراسة الأنثروبولوجية لسلوك الإنساني، وهو يؤدي أدواره في الحياة الاجتماعية، كانت قديمة ــــ على الأقل مع الأبحاث الرائدة لمؤسس الأنثروبولوجية الفرنسية مارسيل موس Marcel Maussـــــ فـفكرة النظر للمسرح، من وجهة نظر انثروبولوجية [...] لا يبدأ تاريخها اليوم. كل أبحاث المسرح تقريبا تصب في أصول المسرح،[...] ومقارنة الثقافات المهمشة (الهامشية) بالثقافة الغربية(13) ، إلا أن الإضافة النوعية التي أضافها باربا؛ والذي عرف أنثروبولوجيته المسرحية بـ: دراسة سلوك الإنسان علي المستوى البيولوجي و السوسيو- ثقافي حينما يكون في حالة عرض ، هي الاهتداء في بحثه التطبيقي، إلى التمييز بين استعمالات الجسد في الحياة اليومية واستعمالات الجسد خارج الحياة اليومية، أو ما يسميه بـ: التعبير اليومي المعتاد و التعبير الخارج عن المعتاد – سنتوقف عند هذين المفهومين في ما سيأتي من العرض.
لا تسعي هذه المدرسة التي تأخذ أبعادا تتجاوز اطر الثقافة الواحدة(14)، والتي تعقد دوراتها باستمرار، بمشاركة عشرات المخرجين المسرحين والتقنيين والممثلين والراقصين من الشرق والغرب ومن ثقافات متعددة، قلت لا تسعى، لإيجاد تقاليد تكنيك للممثل الغربي ولا تهدف إلى تعليم كيف يصبح الفرد ممثلا. ولا كيفية إنتاج عرض مسرحي، بل تحاول تشخيص ثوابت ملموسة تصبح مرجعا أساسيا لمعرفة حرفيات استخدام الجسد والفعل في حالة مسرحية(15)، و تقترح مسارات للبحث التطبيقي الميداني، وليس من خلال النظريات المجردة، بمعنى أن المدرسة العالمية لأنثروبولوجية المسرح تبحث في الدراسات التطبيقية، وتنخرط آفاقها البحثية في مسار التعاليم الميدانية المتسمة - في إطار التجريب- بالتحول المستمر.
- إعداد الممثل وتصورات باربا حول الجسد :
سنتوقف عند الأسس التي استند عليها باربا في فهمه ومنهجيته التطبيقية في إعداد الممثل، وسنتعرف على المفردات التكنيكية التي وظفها من اجل البحث عن حيثيات عمل الممثل كما يتصوره.
بدأ باربا في حفرياته، حول عمل الممثل بعد تجربته في مشاهدة أعمال غروتوفسكي، ولمدة ثلاث سنوات، وقد استخدم في بداية مساره، تمارين لمايرهولد، والتمارين البديلة لغروتوفسكي، وتمارين المايم لـ ديكرو Decroux، وتمارين من المسرح الهندي، ومن الرقص الغربي الحديث، وتمارين أكروباتكية عامة.
ومن خلال الوثائق المسجلة ( فيلم موجود على يوتوب / 1972 )، التي اعتمد عليها الممثلون، نلاحظ أنها تمارين غاية في الصعوبة، فهي نوع من الأكروباتيك، والجمباز، تعلمها الممثلون بالتدريج، وقد فصلت فيها تمارين الجسد عن تمارين الصوت وكأنها شيء ميكانيكي، ويوضح لنا هذا الفصل الكثير من حيثيات تكنيك إعداد الممثل في منهج يوجينيو باربا . يقول: إن المجموعة في بداية حياتها، ولمدة ثمان سنوات كانت تقوم بتمارين يومية منظمة، وقد أخذت بالتدرج شكلا وأهدافا من خلال الضرورات التي كانت تنشأ من العمل نفسه، وكانت البداية عبارة عن تمارين مأخوذة من المايم، الباليه، الحركات الإيقاعية، الجيمناستيك، اليوغا، والحركات البلاستيكية، وكانت تطبق بشك جماعي ( البعض منها وضعه باربا ) ومع مرور الزمن أخذنا بعين الاعتبار نوعية إيقاع كل فرد واختلافاته عن الآخرين(16) .
يشير باربا في تعليقاته وحديثه عن التمارين التي يمارسها في محترفه المسرحي، إلى أهمية الإيقاع في الحركة، ويسميه: الإيقاع العضوي، أي أن كل ممثل يمتاز بإيقاع خاص به، لذلك يصبح التمرين بالتدريج فرديا ويأخذ خصوصيته الذاتية لدى كل فرد(17) ، ويشير أيضا إلى ما يسميه: الاستعمال الطبي للتمرين، كمهدد للتمارين ويصف الطريقة التي يمكن بها ربط تمرين بأخر في علاقته بالإيقاع، و يقول : إن الطريقة العضوية التي يدبر بها الممثل هذا الربط، مشابهة لنفس الطريقة في اللغة الملفوظة، لا تنطق الكلمات بطريقة متشنجة، لكن تتزامن كل نهاية كلمة مع هدف الكلمة الموالية، في تسلسل موجات تعكس إيقاعنا العاطفي، والعقلاني، وتتخللها لحظات التباطؤ والتوقف، ولحظات القوة والحدة. إن الممثل الذي يقدم سلسلة من التمارين بطريقة متشنجة، أو بشكل مستمر في نفس الإيقاع، مشابه للفرد الذي يبتلع أقراص الدواء واحدا تلو الآخر دون أن ينفعه ذلك في شيء. فالاستعمال الطبي للتدريب هو ضد المعنى: مما يؤدي إلى ابتعاد الممثل عن اكتشاف إيقاعه العضوي الخاص،و هذه الطريقة من الرقص التي يتفاعل بها الجسد حسب منطقه العضوي الخاص، تشبه تماما الصوت في الغناء(18).
فالتمارين لم تكن عبارة عن نظام من أجل إعطاء مرونة للجسد فحسب، أو تزويد الممثل بالمهارة اللازمة فقط، بل وضعت من أجل، إنماء الإحساس الدرامي، من فعل ورد الفعل، من خلال الاستناد على الدقة والإيقاع والحيوية، كل ذلك لإيجاد أسس ومبادئ، يستند عليها باربا في معمله، ليحصل الممثل على الثقة في النفس، والسيطرة على قواه النفسية، والذهنية، التي تتغير في كل مرة وفي كل لحظة، بأشكال تُبلور الصورة الفنية لأداء الممثل.
يوظف يوجينيو باربا تقنية الارتجال، لكنه لا يقصد، الارتجال، كما يفهمه الممارسون للمسرح الكلاسيكي، إذ يقول: أحيانا، بعض العاملين في المسرح التقليدي يتركون الفرد لوحده ليرتجل، دون أن يمتلك الأسس، والمبادئ الأولية كأرضية، يقف عليها للقيام بالارتجال(19). فالارتجال حسب باربا يشبه الارتجال الذي يقوم به الموسيقى بعد أن تمكن من تعلم كل المبادئ الموسيقية، وهو بذلك (الارتجال) تقنية يمكن توظيفها في نهاية التكوين، وليس في بداياته، لأن رهان باربا يتأسس على القضاء على اللغة اليومية المعتادة، وإخضاع الجسد (جسد الممثل) لسيرورة تعلم لغة جديدة، كي يتخلص من اللغة الجسدية، التي تعلمها في ثقافته/ مجتمعه، وتوظيف هذه اللغة التي سيستند عليها الممثل في تعبيره (أدائه) أثناء عملية الارتجال، لن يكون قبل تعلمها وضبط مكنزمات استعمالها.
• تكنيك إعداد الجسد(20):
يستند يوجينيو باربا في بحثه وعمله التطبيقي على ثلاثة مبادئ أساسية، وهي:
1ـ التكنيك اليومي المعتاد والتكنيك الخارج ـ المعتاد:
في كل ثقافة، هناك طريقة لاستخدام الأرجل، الأيدي، الرأس، العيون، العمود الفقري ...وهذا الاستخدام ملتصق بالمهام الثقافية والاجتماعية التي تؤطر سلوك الفرد، والتي تمنحها التنشئة الاجتماعية قوانينها وطرق استخدامها، لذا يكون استخدام الجسد في الحياة الاجتماعية بمثابة تقليد ينتقل من جيل إلى جيل، باعتباره ثقافة مقبولة عند الجماعة التي ينتمي إليها الفرد ( طريقة الأكل، طريقة الجلوس، طريقة السير...) وهذا ما يطلق عليه باربا الاستعمال اليومي المعتاد، أي الطبيعي والبسيط. أما بالنسبة للتكنيك الخارج عن المعتاد، فهو عبارة عن سلسلة من التكنيكات المختلفة جدا، تدخل ضمن حقل ممارسة خاصة، مثل تكنيك بعض الطقوس، أو السحر، أو الرقص، أو التمثيل، فهذه التكنيكات تحتاج إلى تعلم خاص خارج التعلم اليومي المعتاد في المجتمع، وبالتالي لابد أن يختلف استخدام الجسد في التكنيك المعتاد عن التكنيك الخارج عن المعتاد.
2ـ ما قبل التعبير:
إن مبدأ ما قبل التعبير هو الأساس الذي يعتمد عليه الممثل لإبراز حضوره الجسدي، ويحتوي في طياته على الإمكانيات الأولية لبناء القدرة على تنفيذ الفعل الدرامي. يهتم ما قبل التعبير بإشكالية ما قبل المقصود، فهو يعنى بعمل الممثل الذي يمكن من خلاله جدب انتباه المتفرج بشكل ملموس حتى قبل إن يريد إبلاغ شيء محدد، بمعنى أن الممثل يقوم بجهد عضلي مادي يصرف من خلاله طاقة معينة متمركزة في فعله البيولوجي ـ الفيزيولوجي. فيوضع الجسد في مواجهة للقوانين الفزيائية في حركته. ومن اجل تنسيق القدرة الحركية الجسدية، يجب الخضوع لتدريب يومي وفق مبدأ ما قبل التعبير.
3ـ اللاترابط ـ المترابط أو اللامتماسك ـ المتماسك:
هذا المبدأ شخصه باربا كتكملة للمبدأين السابقين، فهو وثيق الصلة باستخدام الجسد، من خلال منظور التكنيك خارج عن اليومي المعتاد، وإمكانية بناء صورة أخرى لحضور الممثل ما قبل التعبير، ففي منظور هذا المبدأ، يبدو استخدام جسد الممثل مترابطا، ومتماسكا من حيت الشكل الفني، في الوقت الذي يظهر في منظور التكنيك المعتاد كأنه غير متطابق.
ومن هنا فانا باربا يؤكد وباستمرار على ضرورة العمل الصارم والدقيق، الجسدي والذهني، من اجل خلق دكاء الجسد، وذلك ما كان يبحث عنه مايرهولد هو أيضا في منهج البيوميكانيك.
- الإخراج المسرحي:
يتم العمل من أجل بناء العرض في مسرح الأدون، انطلاقا من فكرة معينة؛ من موضوع معين؛ يقترحه المخرج أو المستشار الأدبي، أو يتم التقاطه من خلال الإرتجالات التي يقوم بها المخرج والممثلون ويتم تطويره بعد ذلك. في بعض الأحيان يقوم المخرج، بارتجال موضوع طويل، باعتماده على ثقافته ومعرفته الدقيقة في حبك المواضيع المرتجلة، ويكون ذلك محفزا لعمل الممثل، حيث يأخذ بتلك المحفزات ويقوم بدوره بالإرتجال في الموضوع(21)، يتدخل المخرج في المستوى الموالي، ويقوم بانتقاء المواد التي يجدها صالحة كي توظف في مقطع من المقاطع، وهذه التقنية يسميها باربا بالمونتاج، ولذلك فان عمل المخرج شبيه بعمل المخرج السينمائي الذي يصور المشاهد ويقوم بتقطيعها حسب المعايير الفنية للفكرة وإيقاع العرض(22). وفي بعض الأحيان يقوم الممثل بالارتجال أثناء عمله اليومي، ويلاحظه المخرج تم يقوم بمساعدته من اجل تطوير تعبيراته وإعطائها شكلا، حتى ينتج مقطعا وتتم صياغته كصورة نشأت من ارتجال الممثل، ويصبح بذلك ما أنتجه الممثل مادة قابلة لدمجها مع مواد أخرها عن طريق المونتاج. وهذه التقنية التي يقوم بها الممثل، هي ما يطلق عليها دراماتورجيا الممثل. أبدع هذا التعبير يوجينيو باربا، وحوله يتلاءم نمط الاشتغال الذي يختار فيه الممثل أو الممثلة، وسائلهما الصوتية والحركية... الخ، بغية تجميعها شيئا فشيئا خلال الإرتجالات الفردية، خلال شهور عديدة(23) ، وتعتبر دراماتورجيا الممثل كما يقترحها باربا وسيلة الاشتغال بشكل قبلي، قابلة للتعديل والتحيين أثناء التداريب، ولها علاقة وطيدة بالإيقاع العضوي الذي سبق أن توقفنا عنده، وبشكل خاص حينما يتعلق الأمر بالحركة، فهي إذن منطلق يؤطر اشتغال الممثل اثنا الإرتجالات، وهي أيضا بمثابة طريقة لإعداد الدور المسرحي ــــ بتعبير ستانيسلافسكي، مع اختلاف جوهري في مكنزمات هذا الإعداد ـــ فدراماتورجيا الممثل كما يؤكد باتريس بافيس، ترتبط أساسا بالعروض المبنية على الإرتجالات الصوتية أو الإيقاعية قبل أن يتم حشوها بالنصوص والسرود وان يتم إخراجها في الأخير من طرف مخرج لا يشعر أبدا بأي تعاقد سردي(24).
يؤكد باربا على اختياره هذا النمط من الإخراج قائلا: هناك مخرجون أشبه بالأمهات، يقومون بإرادتهم بإعطاء الصور والشكل للعرض المسرحي، وهناك مخرجون أشبه بالمولدات اللواتي يقمن بمساعدة العرض من أجل أن يرى النور، وينظرون له بتطفل، بعين الدهشة والشك، وبنوع من النقد، كأنهم أول من يتفرج عليه، إنني انتمي إلى النوع الثاني من المخرجين(25).
باربا إذن، من المخرجين الذين يساعدون العرض على التبلور والتشكل، وهو العارف بخبايا الموضوع أو الفكرة التي يتم الاشتغال عليها، وفي سيرورة تشكل العرض يوظف باربا تقنية المخرج كمتفرج وهو بصدد القيام بعملية بناء وهدم ما تمت صياغته من قبل الممثل أتناء الإرتجالات. أن العرض في مسرح الأدون لا يتوقف عن التحول، عن التجدد والتغير و التدفق...
تتميز عروض الأودن بتوظيف الأقنعة، وأنصاف الأقنعة ، والدمى كأكسيوارات يتم بها خلق الشخوص. أما الموسيقى، فهي موسيقى حية من عزف الممثلين ويستعمل خاصة الأكرديون، ويتم كذلك توظيف أصوات وصراخ الممثلين، في حين أن الإنارة عادية يكون الهدف منها هو إظهار فضاء الفرجة ولا يتم الرهان عليها لتؤدي أي دور جمالي .
اما بخصوص التيمات التي تحكيها العروض المسرحية فيكفي ان نقف عند شهادة هذا الناقد الدي بصدد الحديث عن عرض كاوزوموز وهو عرض للادون:
الخيوط تتشابك في مستويات عديدة، حتى دخول المتاهة، بدون أن نستطيع بلوغ حل شفرة العرض كليا، لكن المتفرج يبقى يحفر ويحفر في ثنايا العرض ليمسك بمدخل، لكننا نجد أنفسنا أمام كلام مبهم، مرموز. فالعرض يدفعنا أن نحمل معنا التجربة التي عشناها وان نتأمل ونتلذذ باستعادة الأحداث في ذهننا، وتلك هي تجربة يصعب حقا عكسها من خلال الكلمات المكتوبة(26).
- تكنيك المخرج كمتفرج:
يقترح باربا تقنية، يستند عليها من أجل التنبؤ بالأثر الذي سيخلقه عرضه المسرحي على المتفرج،و يسمي هذه التقنية: تكنيك المخرج كمتفرج، إذ يقول: إنني أواصل العمل في المسرح حتى استطيع التحدث مع المتفرجين الذين يكون بالنسبة لهم شيء جوهري مواجهة الظهور الذي يترك فيهم الأثر[...] لكن كل ذلك سيبقى مجرد كلام إن لم يتحقق في إشارات دقيقة في الحرفة المسرحية(27).
يعرف باربا المخرج بكونه المتفرج الأول، وتكمن مهمته في إخراج انتباه المتفرج من خلال أفعال الممثل(28) ، وكي يقوم المخرج بهذا الدور، لا بد له أن يعرف اللبنات الذرية،[...] ويجرب الطرق من جل تحطيم العلاقات الواضحة ما بين الأفعال ومعانيها؛ مابين الفعل ورد الفعل؛ ما بين السبب والنتيجة؛ ما بين المتفرج والممثل، لذا فإنني أشبه عملي بالكلب الجائع، الذي يعضعض العظم بأمل كسره وإيجاد النخاع الشوكي(29).
إن هذا الذي يتحدث عنه باربا، ووسمه قاسم بياتلي بـ «الإستكلاب»، هو اختيار منهجي يظهر مدى أهمية محاولة النفاد إلى العمق؛ وتبقى لحظة استعمال تكنيك المخرج كمتفرج، لحظة حاسمة في مسيرة بناء العرض، إذ بواسطة هذا التكنيك يتأكد من أن العرض سيمنح للمتفرج حقه، وجعله يعيش تجربة العرض وكأنه قد تم تحقيقه له وحده، والهمس في أدنه بشيء شخصي، وتوسيع رقعة الوضوح له(30)، ويرفض باربا – في المقابل – التعامل مع المتفرج كرقم (عدد)، ويقترح تفكيك بعض المواقف الأساسية الممكنة لسلوك المتفرجين، كبداية منهجية للقيام بتكنيك المخرج كمتفرج.
يفرق باربا بين أربعة متفرجين، نورد خصائصهم باختصار كما يلي(31):
1- الطفل الذي يرى الأفعال بحرفيتها :
إن الطفل الذي يرى الأفعال بشكل حرفي، لا يمكن إغراؤه من خلال الوهم؛ المجاز والرمزية؛ أو من خلال التجريد، فهو يلاحظ ما يتم تقديمه وليس ما يتم عرضه.
2- المتفرج الذي يعتقد أنه لا يفهم لكنه يرقص بدون علمه:
يعتقد هذا المتفرج أنه لا يفهم معنى العرض (ربما لا يعرف اللغة المنطوقة المستخدمة في العرض) لكنه يعرف أن العرض معمول بشكل جيد، ومعالج بدقة في تفاصيله. ويتأثر أساسا بمستوى ما قبل التعبير للعرض؛ من رقصة طاقة الممثلين؛ ومن الإيقاع الذي يوسع في الزمان والفضاء. فهو يتبع العرض من خلال الصور الحسية، ويبقى يقضاً لأن العرض يجعله يرقص وهو جالس في مكانه.
3- الأنا الأخرى للمخرج :
هذا المتفرج لديه معلومات كاملة ودقيقة، عن كل ما يحتويه العرض، عن النصوص والأحداث التي تنمو منها، والاختيارات الدرامية، وسيرة كل الشخوص، فالعرض بالنسبة له عبارة عن أرضية لإثارة الماضي القريب والبعيد. يتوغل بنظرته في هذه الأركيولوجية الحية متنقلا من القشرة السطحية إلى القشرة العميقة جدا. و يكون قادرا على مشاهدة العرض كل ليلة دون أن يثير عنده الضجر.
4- المتفرج الذي يرى العرض كما لو انه لا ينتمي إلى عالم الزوال والوهم:
المتفرج الرابع، يكاد يكون أخرسا، يضحك بينه وبين نفسه، ويراقب ذلك الذي لا يستطيع أي متفرج أن يراه؛ فهو يرى ما يقوم به الممثل باليد اليسرى، بينما يقوم بشيء آخر باليد اليمنى ليخفيه عن المتفرج؛ يرى العمل المعمول جيدا حتى في حالة حدوته في السر، ويتعرف على فعل الممثل إذا كان منفذا بالشكل الذي تتطلبه الضرورة؛ ويذهب أبعد مما يطلبه أي متفرج.
ينبغي تبرير كل لحظة من العرض أمام متفرج من هؤلاء الأربعة. وأهمية تكنيك المخرج كمتفرج في هذه الأرضية الجوهرية للعمل، تكمن في كيف يتفاعل كل متفرج مع العرض، دون أن يقوم برد فعل يعيق تلقي العرض.
- مقومات الفضاء المسرحي في تصور يوجينيو باربا:
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنناـــ وفي مسار بحثنا ــــ حول مقومات الفضاء المسرحي الذي يشيد عليه باربا عروضه المسرحية، لم نجد ـــ فيما اطلعنا عليه ـــ ولو مبحثا أو محورا يتناول هذا الجانب، وحاولنا التقاط بعض الإشارات، على شكل شذرات هنا وهناك، وقمنا بجمعها وصياغتها لتمنح لنا تصورا ـــــ على الأقل أوليا ــــ في الحاجة إلي المزيد من البحث والجهد لتطعيمه بمعطيات أخرى تثريه.
يشتغل يوجينيو باربا على فضائين:
ــ الفضاء المفتوح ( الشارع: نموذج لعرض فراي المقدم بالبيرو ــــ 1982
ـــ فضاء الحجرة ( على غرار عروتوفسكي ).
فقد فطن إلى أن العلبة الإيطالية لا تقدم إمكانية التفاعل بين المتفرج والممثلين، وقام بهجرها، فاغلب عروضه قدمت في فضاء الحجرة.
سنتوقف عند تصور باربا للفضاء انطلاقا من عرضه المسرحي رماد بريشت (1980)، ويتأسس اختيارنا على كون هذا الفضاء يدمج اغلب المميزات التي يوفرها الفضاء في جل العروض الأخرى. النموذج ادن، بكل بساطة نعتقد انه يسمح باستخلاص مجموعة من المميزات والخصائص التي يوفرها الفضاء المسرحي حسب باربا، والتي يمكن إجمالها فيما يلي :
• الفضاء – النهر :
ينظر باربا إلى الفضاء المسرحي كأنه على شكل نهر ، يتموضع المتفرجون على َضفتيه، ويشكلون مجموعتين كل واحدة على ضفة مقابلة للأخرى، وهما (المجموعتان) ، تراقبان ما يتدفق في النهر ( الفرجة )، ويمنح هدا التموقع للمشاهد إمكانية ملاحظة ردود أفعال المتفرجين المتواجدين في الضفة المقابلة.
• المركزين :
يتوفر هذا الفضاء المسرحي على مركزين:
- الأول، مركز هندسي ثابت، تكونه النقطة المركزية لمساحة فضاء الفرجة (النهر).
- الثاني، مركز ديناميكي متحرك، تشكله فاعلية الممثلين، بمعنى انه يرتبط بتحرك الممثل (الممثلين) الفاعل (الفاعلين).
= يمكن أن يلتقي المركزان ويتطابقان، حين يكون الممثل الفاعل في المركز الأول.
= يمكن أن تتعدد المراكز الدينامكية وتتشعب. ( الأفعال المتزامنة )
• هيمنة المشاهد على جزء من الفضاء:
لا يهيمن المشاهد على الفضاء بأكمله، بل يختار جزءا من الفضاء، خاصة أثناء تعدد المراكز الدينامكية ( الأفعال المتزامنة ) ، فالمتفرجون في عروض باربا لا يشاهدون نفس العرض بنفس الكيفية.
• الفضاء المخفي ( الخفي ):
فعالية الممثل في الفضاء المخفي، تجدب انتباه المتفرج، ويتحقق ذلك باستناد الممثل على الصوت لان جسده مخفي.
• التقلص والتمدد:
يتغير الفضاء باستمرار، يتوسع، يتقلص، من الأسفل نحو الأعلى، من الأعلى نحو الأسفل، إذ يوجه المشاهد نظرته حسب وضعيات نمو الفعل وتغير المراكز في الفضاء.
• تموضع المشاهد خارج فضاء اللعب:
يتحدد فضاء اللعب على شكل دائرة تسمح بالمشاهدين (على ضفتي النهر) بمراقبة ما يجري، ويختار الممثل الخروج من الدائرة شريطة أن لا يقوم بأي فعل خارجها. يمكن أن نوسم هده الدائرة الدينامكية التي يحدث فيها الفعل بـ دائرة الفعل . إن الأهم في هده الخاصية هو التمييز بين دائرة الفعل وخارج دائرة الفعل، لان من شان عدم تمثل هدا المعطى أن يشكل خللا عند المتفرج.
( انظر صورة تصميم الفضاء على جدار الفايسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2014893391858388&set=a.2014893011858426.1073741850.100000132410713&type=3&theater )
على سبيل الختم :
لم تتوقف مختبرات البحث، والفرق التي تشتغل في الحقل المسرحي، وكل المخرجين، أقول، لم يتوقفوا عن البحث في إمكانات جديدة وآفاق أخرى، يمكن أن تنفتح أمامهم، فممارسة المسرح في عمقها هي توجه يسعى للتجاوز الدائم، تجاوز العتيق والبالي، ورسم معالم الجديد والمتجدد. وتعد تجربة يوجينيو باربا من التجارب المسرحية التي ميزت النصف الثاني من القرن الماضي، ومازال تميزها وإشعاعها مستمرا إلى اليوم. ونحن نختم هدا العرض، نشير إلى أن الاهتمام بهده التجربة في الأوساط الأكاديمية المغربية، أو حتى في أوساط الممارسين المسرحيين يكاد يكون منعدما، ففي مجال النقد المسرحي يمكن تعداد الباحثين الذين أشاروا إلى هذه التجربة على رؤؤس الأصابع، أما في مجال الممارسة العملية فلم يسبق لنا أن سمعنا مخرجا أو ممثلا يتحدث عن اشتغاله بالتكنيكات والصيغ التي توصل إليها باربا.
فإلى متى سيدور التناول النقدي المسرحي مغربيا – على الأقل - في فلك اجترار تجارب مسرحية أشبعت بحثا، ولم يعد في تناولها ما يستحق الذكر؟ والى متى سيبقى الممارس المسرحي المغربي رهين نفس الصيغ الإخراجية والتصورات المسرحية، يعيد تقليدها بشكل متكرر في متواليات لا تنتهي؟
****
إحالات ومراجع:
1- إبراهيم (الزهرة)، الجسد والقناع والدمية بين المسرح الغربي وأشكال فرجوية مغربية ــ دراسة انثروبولوجية، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ــ ظهر المهراز (فاس)، إشراف: يونس لوليدي، ر.ت 34/94، (غير منشور) ص:81.
2- كريمي (سعيد )، مسرح القسوة وانعكاساته على التجريب في المسرح الغربي والمغربي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، إشراف: د.يونس لوليدي، جامعة مولاي إسماعيل/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية- مكناس،س.ج: 2000-2001 ( غير منشور). ص: 224.
3- كريمي (سعيد )، نفسه، ص: 226.
4- بروك (بيتر)، النقطة المتحولة – أربعون عاما في استكشاف المسرح ، ترجمة: فاروق عبد القادر، سلسلة عالم المعرفة، ع: 154، ص: 70.
5- غروتوفسكي(جيرزي)، نحو مسرح فقير، ترجمة:كمال قاسم نار، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد (العراق)،(دون ذكر سنة النشر والطبعة )، ص: 22.
6- غروتوفسكي(جيرزي)، نفسه، ص: 23.
7- غروتوفسكي (جيرزي)، نحو مسرح فقير، ترجمة: كمال قاسم نادر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد (العراق)،(دون ذكر سنة النشر والطبعة ).ص: 7.
8- بياتلي (قاسم)، دوائر المسرح: تجربة الأودن وأنثربولوجية المسرح، دار الكنوز الأدبية، بيروت (لبنان)، ط1، 1998، ص:14.
9- نفسه ، ص:15.
10- نفسه، ص15
11- Eugénio Barba et Ferdinando Taviani, L’archipel du théâtre, Imprimerie: Offet Sival, 1982,p :73.
12- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق، ص:60.
13- بلخيري (احمد)، المعجم المسرحي، مطبعة سندي (مكناس)،ط1، 1997 ، ص 20 .
14- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق، ص:60.
15- نفسه ، ص:64.
16- نفسه، ص:23.
17- نفسه، نفس الصفحة
18- Eugénio Barba et Ferdinando Taviani, L’archipel du théâtre, Imprimerie: Offet Sival, 1982,p :58.
19- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق ، ص:23
20- نفسه، ص: من 21 إلى 27 (بتصرف).
21- نفسه ، ص:24
22- نفسه ، ص:43
23- بافيس (باتريس)، الدراماتورجيا وما بعد الدراماتورجيا، ترجمة: سعيد كريمي وخالد أمين، منشورات المركز الدولي لدراسة الفرجة، سلسلة رقم 36، ط1، 2015، ص:36.
24- نفسه، نفس الصفحة.
25- بياتلي (قاسم)، مرجع سابق ، ص:24
26- نفسه ، ص:59
27- نفسه ، ص: 118.
28- نفسه ، ص:119
29- نفسه، نفس الصفحة.
30- نفسه، ض:110.
31- نفسه، ص: من 120 إلى 124( بتصرف ).
0 التعليقات:
إرسال تعليق