عبد الكريم برشيد: المسرحي ضمير المجتمع
مجلة الفنون المسرحية
عبد الكريم برشيد: المسرحي ضمير المجتمع
حاورته: سناء القويطي - الجزيرة
في منتصف عقده السابع، لا يزال الناقد والمسرحي المغربي عبد الكريم برشيد غارقا في هموم المسرح ومنحازا للإبداع وللسؤال المسرحي والفكري.
برشيد -المسكون بهاجس البحث والتنظير- أمضى عقودا في خدمة الركح، فألف حوالي ستين كتابا توزعت بين نصوص مسرحية وكتابات نقدية أغنت خزانة المسرح العربي، وتجاوزت الحدود العربية بعد ترجمتها إلى لغات أجنبية.
يرى عبد الكريم برشيد في حوار مع الجزيرة نت أن المسرح العربي الجاد كان دائما ضد الظلم والقهر، وضد تجار السياسة، وفي صف المنبوذين والمسحوقين، لافتا إلى ضعف السؤال الفكري والسياسي في مسرح اليوم بسبب انقضاء زمن الحرب الباردة وضعف القضية السياسية.
بعد عقود من المسرح تأليفا وتنظيرا وإخراجا، كيف يرى عبد الكريم برشيد مسرح اليوم مغربيا وعربيا؟
بالتأكيد فإن مسرح اليوم ليس هو مسرح الأمس، لأن مغرب هذا اليوم هو غير ذلك المغرب الذي كان. لكن روح هذا المسرح وعموده الفقري ومساره الوجودي واحد، ومن المنطقي جدا أن يغير هذا المسرح المتغيرات، وأن يوسع المضامين، وأن يجدد التقنيات، وأن يعمق أسئلته ومسائله الفكرية والجمالية أكثر، وأن يستعير بعض المنهجيات، وأن ينفتح على كل مسارح العالم، وأن يتم كل ذلك في الحدود التي لا تخرجه من هويته، ومن غير أن يخون نفسه، أو أن يكون مسرح غيره.
في مسرح اليوم تيارات مسرحية متعددة، بعضها تراثي أصولي، وبعضها الآخر حداثي تجريبي، وبعضها الآخر تجاري ينتج الفرجة الخام لمن يريدها، وبعضها الآخر يمارس المهنة المسرحية بغير قلق وبغير سؤال مسرحي أو فكري.
وبالتأكيد فإن هذا المسرح قد ازداد اليوم غنى، وأصبحت المهنية فيه أقوى، ولكن روح الإبداع فيه أقل، والسؤال الفكري والسياسي فيه لم يعد بتلك القوة التي كان عليها من قبل، وهذا شيء طبيعي، فنحن لم نعد نحيا زمن الحرب الباردة، ولم نعد نحيا القضية السياسية بنفس تلك القوة التي كانت، والتي أعطت مسرحا ملتزما ومناضلا ومفكرا وحارا حرارة السياق التاريخي التي ساقته.
أنتم من المنظرين للمسرح الاحتفالي، فما موقع هذا النمط المسرحي اليوم ضمن باقي الأنماط المسرحية الأخرى؟
ما يميز المسرح الاحتفالي هو أنه عرف نفسه وأدرك حدوده، وعرف أنه ليس منهجيات وتقنيات فقط، وأنه ليس بنيات مسرحية خالصة، وأنه ليس كتابات وفرجات مشهدية فقط، ولكنه أساسا نظام للعيش، وهو بهذا رؤية قبل كل شيء، وهو موقف فكري فلسفي أيضا. ونحن احتفاليون في عالم احتفالي، قبل أن يكون مسرحنا احتفاليا، ويهمنا أن نبدع فنا يشبهنا، وأن نكون صادقين في هذا المسرح، وأن نقول فيه وبه كل الذي ينبغي أن يقال.
ولقد آمنا بأن الاحتفال هو الأصل، وأكدنا دائما على أن الاحتفال الشعبي هو روح المسرح وهو أبوه أيضا، وأنه لا يمكن أن نحتفل نفس الاحتفال في لحظتين مختلفتين أو في مكانين مختلفين أو في عمرين مختلفين، وأكدنا على حيوية الفعل الاحتفالي وعلى راهنيته ولحظيته، وعلى أن لكل لحظة احتفالية حالاتها ومقاماتها وإيقاعها، ولها معجمها ومفرداتها التعبيرية المختلفة، ولها طقسها ومناخها الخاص.
وبهذا يكون هذا المسرح -في حقيقته- نظاما وجوديا واجتماعيا شاملا ومتكاملا، وفي هذا المسرح لا نريد أن نكون أكثر طبيعية من الطبيعة، أو أن نكون فيه أكثر واقعية من الواقع، ونؤكد في بياناتنا وفي كل أدبياتنا على أن فعل الاحتفال هو مجرد حجة.. حجة الإنسان الحي للتحرر من اليومي ومن إكراهات اليومي، وذلك من أجل أن يحيا أحسن، وأن يرى أحسن، وأن يتواصل ويتفاهم أحسن. ولأننا في هذا المسرح نكلم الناس الأحياء، فقد أكدنا على حيوية اللغة المسرحية وعلى حيوية التلاقي المسرحي، وبهذا فقد كان هذا المسرح الاحتفالي مختلفا ومخالفا، وكان أقرب إلى الناس، كان أقرب إلى إنسانية الإنسان وإلى حيوية الحياة وإلى مدنية المدينة.
ولولا كل هذا، فهل كان ممكنا لهذا المسرح أن يشع إشعاعه في كل العالم العربي، وأن يكون أصدق تجربة، وأن ترقى هذه التجربة لتصبح نظاما مسرحيا كاملا ومتكاملا.
تستدعي في مسرحياتك شخوصا من التراث والتاريخ العربي مثل ابن الرومي وعنترة وعطيل وامرئ القيس، لماذا العودة إلى الماضي في كتاباتك المسرحية؟
أنا لا أعود في كتاباتي المسرحية للتاريخ، ولكن هذا التاريخ هو الذي يعود إلي، أو يعود إلينا جميعا، لدرجة أنه يسكن معنا ونحن لا ندري، أو أنه يقيم داخلنا من غير أن نشعر بذلك، فنحن مخلوقات تاريخية، وهذا التاريخ هو ذاكرتنا الجماعية التي نقتسمها، ولا أحد يبدع إلا انطلاقا من الصور التي تختزنها هذه الذاكرة الحية، ويخطئ من يظن أن التاريخ هو الماضي، وأن ذلك الذي نسميه الماضي يمكن أن يمضي، إلى أين، وكل شيء يدور مع هذا الزمن الدوار؟
وأنا في حياتي وفي حياة مسرحي وفكري لا أميز بين الماضي والحاضر، وكل الأبعاد الزمنية تلتقي عندي في هذه اللحظة الحية التي نسميها "الآن"، ومن شرفات هذا "الآن" أطل على ذلك الذي كان، وأطل على ذلك الذي سوف يكون، ولولا هذه الرؤية الواسعة والرحبة لكنت مجرد كاتب تقارير، أو مجرد إعلامي أو اخباري فقط.
شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة تحولات عميقة. أين المسرح العربي في هذه التحولات؟ وهل قدم جوابا عن الأسئلة التي تطرحها المرحلة؟
في التحولات التي شهدها العالم العربي هناك أشياء ملموسة ومحسوسة يمكن أن تراها العين المجردة، وقد عبرت عنها الصحافة ونقلها الإعلام المرئي والمسموع في حينها، وليست هذه من مهام المسرح في شيء.
المسرحي ليس مؤرخا، وليس إخباريا، وليس صحفيا، وليس سياسيا محترفا، ولكنه العين السحرية التي ترى الغائب والبعيد، وترى الوقائع قبل أن تقع، وهو المرصد الذي يرصد التقلبات النفسية والذهنية والوجدانية الخفية في المجتمع.
"
المسرحي ليس مؤرخا وليس إخباريا وليس صحفيا وليس سياسيا محترفا، ولكنه العين السحرية التي ترى الغائب والبعيد، وترى الوقائع قبل أن تقع
"
لهذا فهو لا ينقل الأحداث والوقائع التي وقعت، وليس من مهامه أن يعلق على تلك الوقائع، لأن الأساس هو أن يحسها أولا، وأن يعيها قبل أن تقع، وأن يكون قد تنبأ بها من قبل، وأن يكون بذلك ضمير مجتمعه وضمير لحظته التاريخية، وأن يكشف في إبداعه عن البعيد والغائب وعن الغامض والخفي، وأن يسلط الضوء على الجوانب المظلمة في الصور وفي المشاهد وفي المواقف الملتبسة، وأن يحرك الساكن، وأن يكلم الصامت، وأن يعبر عن المسكوت عنه، وأن يخوض في الممنوع والمحرم بجرأة العالم والفنان والصوفي والمناضل الوجودي، وأن يكون كل ذلك لفائدة الحق والحقيقة، ولحساب الآتي الممكن.
وأعتقد أن المسرح العربي الجاد في العقود الأخيرة قد قام بهذه المهمة أحسن قيام، وكان دائما ضد الظلم والقهر، وضد تجار السياسة، وضد المقامرة والمغامرة بأمن البلاد والعباد، وكان في صف المنبوذين والمسحوقين، ومنحازا إلى الجمال والكمال.
ولأن هذه الحقيقة قد تغيب عن كثير من الأذهان، فإنني أدعو المسرحيين اليوم إلى إعادة قراءة ما كتبه كتاب المسرح من قبل، وما أبدعه كبار المخرجين في مصر وسوريا والعراق ولبنان والمغرب والجزائر وتونس والسودان.. وسيجدون أن عين زرقاء اليمامة قد رأت من قبل كل شيء، وأنها قد استشعرت عن بعد كل هذا الذي نعيشه ونحياه اليوم، وأنها قد تكلمت ولم تصمت. ولكن، هل سمعها أولو الأمر؟ هل استوعبوا رؤيتها التنبئية؟ ذلك هو السؤال الذي ينبغي طرحه وإعادة طرحه في كل لحظة تاريخية.
تخصص عدد من الدول العربية -من بينها المغرب- دعما ماليا للأعمال المسرحية، هل هذا الدعم في نظركم يخدم هذا الفن أم يفسده ويكبله؟
دعم المسرح، كما دعم كل الفنون والآداب في كل المجتمعات الحية، هو جزء من مسؤوليات الدول والحكومات، لأن من أهداف المال العام أن يكون في خدمة المصلحة العامة.
وهذا المسرح -في معناه الحقيقي- ليس لهوا ولا مجرد تسلية، ولكنه شكل من أشكال التعليم والتربية ومن حفظ الصحة العقلية والنفسية في المجتمع، ونعرف أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وأن الغذاء الوجداني والفكري والروحي لا يقل خطورة عن الغذاء المادي، وأن التعليم في المدارس وحده لا يكفي لبناء مجتمع سليم، ولبناء مواطن سليم.
لقد كنت أول من دعا إلى دعم الإبداع المسرحي، وكان ذلك في تلك الورقة التي أعددتها للمناظرة الوطنية للمسرح الاحترافي بمدينة الدار البيضاء في أوائل السبعينيات، ولقد أكدت دائما على أن هذا الدعم حق، وليس منحة ولا هبة ولا صدقة، وأنه أيضا ليس شكلا من أشكال الرقابة الخفية التي تتوخى التحكم في خارطة الإبداع المسرحي، بحيث يحجب هذا الدعم عن الضالين والمضلين، ويعطى لمن لا يقول من الكلام غير "آمين".
"
كنت أول من دعا إلى دعم الإبداع المسرحي، وكان ذلك في تلك الورقة التي أعددتها للمناظرة الوطنية للمسرح الاحترافي بمدينة الدار البيضاء في أوائل السبعينيات
"
وهذا ما عشناه مغربيا في العشرين سنة الماضية، بحيث أصبح منح هذا الدعم تزكية وجزاء للتابعين ولتابعي التابعين وللمقربين في الأسرة وفي الصحبة وفي الحزب، وأصبح عقابا للفوضويين وللمهمشين وللمنبوذين ولكل الذين أجبرهم روح الفن الصادق أن يكونوا أحرارا وأن يسبحوا ضد التيار الجارف.
وإلى حدود هذا اليوم، فإن المبالغ المهولة التي صرفت على هذا الدعم ليس لها ما يبررها منطقيا، ولا ما يمكن أن يوازيها من إبداع كبير وخطير، لقد كنا أمام طواحين مسرحية تدور وتدور، ولكنها لا تطحن إلا الهواء.
وقد عرف هذا الدعم كثيرا من التسيب ومن البذخ ومن الإسراف في الصرف المالي، وذلك في عهد الوزير الأسبق، والذي غادر الوزارة -غير مأسوف عليه- وترك صندوقها فارغا، الشيء الذي اضطر الوزير الحالي إلى أن يوقف مؤقتا هذا التسيب، على الأقل حتى تتضح الصورة.
وأعتقد أن من واجب هذا الوزير اليوم -ومن واجب أي وزير يأتي بعده- أن يسأل نفسه الأسئلة التالية: هل يصرف هذا الدعم للجهة التي تستحقه فعلا؟ وهل توظفه في الإبداع الحق أو في الإبداع أو فيما يشبه الإبداع، أو فيما هو خارج الإبداع الجمالي والفكري؟ وهل يخدم هذا الدعم المالي الحركة المسرحية المغربية حقا، أم أنه يذهب لبعض الجيوب فقط؟
إن الأساس في هذا الدعم أن يذهب للمشاريع المسرحية الكبرى، والتي لها رؤيتها الواضحة، ولها مخططاتها المضبوطة، ولها أهدافها المرسومة، ولها أسسها النظرية والفكرية والجمالية، والتي تتجمع داخل ورشات أو داخل مجموعات مسرحية للبحث والتجريب، وهذا مع الأسف ما ليس له وجود، لأن الدعم يعطى لشخص من الأشخاص، وليس لمسرح يتحلق حوله كتاب ومخرجون وممثلون وتقنيون من أجل الوصول إلى هدف من الأهداف.
سؤال الفن والأخلاق يطرح نفسه بشدة، وهو موضوع سجال بين المشتغلين في المجال الفني، كيف تنظرون لهذه الثنائية؟
الفن أساسا جمال، وكل الفنون جميلة بالضرورة، وليس اعتباطا أن أطلق عليها اسم "الفنون الجميلة"، وليس الفنون القبيحة.
نعرف أن الأخلاق جمال أيضا، وهي جمال نفسي وذهني وروحي بكل تأكيد، وما يقوم به الفنان دائما هو أنه يعطي الناس ما عنده، فمن كان غنيا في داخله انعكس هذا الغنى على شعره وعلى مسرحه وعلى لوحته التشكيلة، أما من كان فقيرا أو كان بداخله قبح وعطب وفراغ وخواء، فإن فنه لن يعكس إلا هذا الخواء ولا شيء غيره.
أعتقد أن هذه القضية هي أساسا قضية مغلوطة، ويثيرها دائما الإعلام وليس أهل الفن والإبداع، والمهم هو أن يكون الفنان حرا، وأن يكون مسؤولا في حريته، وأن يطرح الأسئلة الحقيقية حول الموضوع الحقيقي في التوقيت الحقيقي، وأن يعرف أن المبدع الحق لا يتوخى الإثارة المجانية، وأن وهم كسر التابوهات وقتل الأب وتدمير البنيات الأخلاقية القديمة والتشكيك المجاني في البديهيات وفي المسلمات وفي كل شيء، كلها كلام إعلام وليس كلام فن وفكر وثقافة.
أنتم من الذين يؤمنون بأن المسرح رسالة، هل ما زالت هناك رسالة؟
ليس الفن وحده هو الرسالة الوحيدة في هذا الوجود، ذلك لأن كل ما في الطبيعة وفي الوجود وفي هذه الحياة يبدع الرسائل ويبعثها ويتلقاها، وماذا نسمي الرياح والعواصف والبرق والرعد وزقزقات الطيور أليست رسائل أيضا؟ ولماذا أوجد الإنسان اللغة، أليس من أجل أن يبعث الرسائل؟ وماذا يمكن أن يكون الرقص، أليس رسالة بالجسد؟
ولهذا فإنني لا أومن بأن يكون الاحتفال المسرحي تجمعا بشريا بلا معنى، أو أن يكون ما يقوله الشاعر والمغني بلا معنى، وأن تكون كل هذه الحياة بلا معنى. وبالرجوع إلى كبار الكتاب المسرحيين في التاريخ سنجد أنهم كانوا دائما أصحاب رسائل ذات معنى، وفي كتابي الأخير "الرحلة البرشيدية" فصل يحمل عنوان "حوارية الرسول والرسالة"، وفيه أطرح مسألة رسالية الفن، بين من يبعث هذه الرسائل ومن يتلقاها، وبين من يريد أن يمنعها، وبين من يقدر قيمتها الحقيقية، وبين من لا يعرف خطورتها الجمالية والوجدانية والفكرية.
"
تعودت أن أقول دائما في كتاباتي إنني كاتب عمومي، وإنني أنصت لنبض الناس ولنبض الحياة وأكتب، وإنني أحدث الناس عن همومهم وقضاياهم
"
ولقد تعودت أن أقول دائما في كتاباتي إنني كاتب عمومي، وإنني أنصت لنبض الناس ولنبض الحياة وأكتب، وإنني أحدث الناس عن همومهم وقضاياهم.
من واجب الفنان أن يدبج الرسائل الجميلة والمفيدة والممتعة، وإلا فما معنى أن يكتب؟ وفي المقابل فإنه ليس من حق أية جهة أن تفرض على هذا الفنان مضمونا معينا ورأيا معينا وموقفا معينا، وقديما قال العرب "لا تقل للمغني غنِّ"، نعم، ولا تقل للكاتب ماذا يكتب، أو ماذا عليه أن يكتب.
هل نجح المسرح العربي في خلق هوية خاصة به أم أنه غارق في النقل والتقليد؟
هذه الهوية موجودة فعلا، ولقد كانت دائما موجودة، وهي تحصيل حاصل ولا تحتاج لكل هذه الضجة الكبرى، وبالتأكيد فإن ما ينتجه المسرحي هو مسرح بالضرورة، وإن ما يبدعه المسرحي العربي هو مسرح عربي أيضا، ولا أحد يمكن أن يعطي عطاء فنيا جديدا إلا بما لديه، وبما في شخصيته، وبما في ذاكرته، وبما في ثقافته، وبما في تاريخه ولغته وفنونه.
وبالرجوع إلى هذا المسرح فإننا سنجد فيه القضايا العربية والأسئلة العربية، ونجد فيه روح الإنسان وروح المكان وروح الزمان. وهذه الحقيقة -على بساطتها- قد يغفل عنها بعض المسرحيين العرب، ويذهبون للبحث عن مسرحهم خارج شروط هذا المسرح، والتي هي شروط ذاتية وموضوعية في نفس الوقت.
هذه الحقيقة هي التي أدركها الكاتب المسرحي النيجيري وولي سوينكا، وعبر عنها في مقولته "النمر الأفريقي الذي استعاد نمريته"، والذي اعتقد -لزمن ما- أنه من الممكن أن يكون غيره، وأن يصبح دبا روسيا مثلا، ونفس هذه الفكرة هي التي بنى عليها المثقفان الأفريقيان ليوبولد سيدار سنغور وإيمي سيزير تيار "الزنوجية" وفاء لزنوجيتهما التي هي المنطلق الأساس في عالمهما الفكري والإبداعي.
ويمكن أن نشير إلى أن أكبر مشروع مسرحي وأصدقه وأخطره في العالم العربي هو المشروع النهضوي الكبير الذي بدأ مع مارون النقاش، واستمر مع أحمد شوقي وصلاح عبد الصبور في المسرحية الشعرية، ووصل إلى التيار التأصيلي مع يوسف إدريس وعلي الراعي والطيب الصديقي والمنصف السويسي ويوسف العاني، ووصل إلى التيار الاحتفالي في أواسط السبعينيات من القرن الماضي مع جماعة المسرح الاحتفالي في المغرب وإلى مسرح الحكواتي في لبنان وفلسطين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق