مسرحية "شغل العيالات" البخيل حين تغويه امرأة يفقد كل شيء
مجلة الفنون المسرحية
فيصل عبدالحسن - العرب
"شغل العيالات" عرض كوميدي مغربي قُدمت بجلباب مغربي سلطوي، والمسرحية تتشابه مع مسرحية البخيل لموليير.
“شغل العيالات” بمعنى -مكر النساء- إحدى أكثر المسرحيات المغربية حضورا وإثارة للضحك في السنوات الثلاث الماضية، وهي الفترة التي عرضت فيها على مسارح داخل المغرب وخارجه.
وقدمت المسرحية في أكثر من 35 عرضا داخل المغرب في مدن مختلفة كالرباط، سلا، مكناس، فاس، الحاجب، الدار البيضاء، أولاد تايمة، سطات، وآخرها في زنكان.
والمسرحية التي تنتمي إلى النمط الفودفيلي (الاجتماعي) من تقديم فرقة مسرح أرلكان المراكشية، وبشراكة مع مسرح محمد الخامس بالرباط. وهي من تأليف وإخراج عمر الجدلي، وساعد في الإخراج حسن شيكار، ومثل أدوارها بشرى أهريش، حسنة طمطاوي، سعاد خويي، وعبدالرحيم المنياري. السينوغرافيا للفنانين يوسف العرقوبي وعبدالصمد الفتال.
مكر النساء
حققت المسرحية حضوراً واهتماماً عريضا من جمهور مغربي في المملكة، وحضرها أكثر من ألف مشاهد في كل عرض بمسرح محمد الخامس في مدينة الرباط.
مؤلف المسرحية اشتغل على البخل كظاهرة تستحق النقد والسخرية منها، وعلى السلطة الأبوية في المجتمعات الشرقية
وعند عرضها في مسارح أجنبية حضرتها الجاليات المغربية ببلجيكا وهولندا وإيطاليا. ونالت أكبر عدد من المتفرجين أيضا بمدينة لييج البلجيكية، وأوترخت الهولندية، وبمدن إيطالية، كفيرون وطورينو وميلانو.
ويعود اهتمام الجمهور المغربي بالمسرح الفودفيلي إلى معالجته الكثير من القضايا التي تعيشها الأسر المغربية، كالتسلط الأبوي على الأبناء، وسيطرة الزوج على زوجته، مما يضطرها إلى التآمر عليه، لكي تواصل حياتها العائلية، مما يخلق مفارقات ضاحكة للجمهور.
وركز المخرج والممثلون على جعل الكوميديا في خدمة الفرجة، وصارت هدفا لهم. وكل منهم عمل ما بوسعه لجعل الجمهور يضحك عند كل حركة وكل كلمة يقولونها. ونقلت طامو (بشرى أهريش) للمتفرج مشاعر زوجة رجل بخيل. فهو يظن أن إنفاق الأموال على السكر والشاي للضيوف ابتلاء ابتلت به أسرته منذ القدم. وأنَّ الويل والثبور لزوجته إنْ قامت بتحضير الشاي لضيوفها دون أمر واضح منه.
وجمع الزوج في تصرفاته بين السطوة والبخل. فالزوجة من جهة يعاملها الناس كزوجة ثري، لكنها في حقيقة الأمر تعيش حياة جوع وحرمان، وفقر مع زوجها الثري.
يمكن للمسرح الاجتماعي أن يخوض في أدق تفاصيل المجتمع وينقد العديد من الظواهر بسلاسة، خاصة وأنه يقوم على الكوميديا التي لا تسعى إلى الإضحاك فحسب بل تتجاوز مجرد الضحك إلى النقد من خلال تعرية الواقع الاجتماعي عن طريق الهزل. وهذا ما قدمته المسرحية المغربية “شغل العيالات”
وتقع خلال ذلك في مفارقات ضاحكة عديدة، وهي تحاول تغيير سلوك الزوج للخلاص من حياة الحرمان، وتبديلها بحياة تعيش خلالها البذخ، وتتمتع بثروة زوجها كبقية النساء ممن تعرفهن.
وتحاول خادمتها حريمو(حسنة طمطاوي) مساعدتها في اختلاق الحيل لتمكينها من الخلاص من المواقف المحرجة التي يضعها فيها بخل الزوج لكي تكسب ثقتها أولا. وبعد ذلك تسعى للحصول على صندوق البخيل المملوء بالنفائس للفرار بالمال إلى خارج المدينة.
وهي تعلم أن الزوج أخفى صندوقا فيه كنوز من الجواهر والمال، وهو يخاف عليه من نسمة الهواء، فيخفيه في أماكن لا تخطر على بال البشر. تحاول في مرات كثيرة خلق المشكلات بين الزوجين لكي تجد الفرصة وتسرق الصندوق.
ويسمي الزوج تلك المكائد بـ”شغل العيالات” ــ أي مكر نساء ــ لكنه بالرغم من حرصه الشديد يقع ضحية لهذا المكر في النهاية. وذلك عندما يتدخل طرف ثالث يظهر في شخص غيثة، الجارة الحسناء (سعاد خويي) برشاقتها وحركات الإغراء التي تؤديها أمامه، وقدرتها على إقناعه بأنها المرأة الجميلة التي كان يتمناها طول عمره.
فقد خلبت لبَّه بسرعة، وجعلته يعتقد أنه فعلا من عشاق حُسنها. وهذا ما جعله يغيّر الكثير من عاداته لصالح النساء عموما، للخادمة وللزوجة على أمل أن يكسب إعجاب الجميلة غيثة.
على خطى موليير
مسرحية “شغل العيالات” تآخت مع مسرحية البخيل للكاتب الفرنسي موليير (1622-1673) واختلفت معها في نوع رسالتها. وعرضت مسرحية البخيل لموليير في العام 1668 وتحدثت عن حكاية الأرمل ارباغون، أحد الأثرياء البرجوازيين الفرنسيين البخلاء. وأظهرته المسرحية وهو يخطط لتزويج ابنته من شيخ ثري، للاستيلاء على ثروته.
وكذلك يخطط لتزويج ابنه من أرملة غنية. وهو دائم الخوف على كنزه من السرقة من قبل أهل بيته. وعند كل حركة من الخادم تسيطر عليه الأوهام بأنَّه عرف مكان صندوقه ويريد سرقته، فيؤدي شكَّه في الخادم إلى استجوابه. وفي مسرحية “شغل العيالات” تأخذ دور الخادم المشكُوك في أمانته، خادمة المنزل “حريمو”، وتتعرض إلى الشّكِّ أيضا من قبل السيد، وبالفعل تكون “حريمو” طامعة في الاستيلاء على صندوق سيدها. وفي مسرحية موليير، يقع البخيل في غرام حبيبة ابنه، بينما يقع بخيل “شغل العيالات” في عشق “غيثة” جارتهم.
المخرج يوظف الكثير من النكات والأمثال الشعبية المغربية وأقوال الحكماء في نصه، وأغنى العرض بالموسيقى التراثية
الرسالة التي كان موليير يريد إبلاغها للمتلقي من خلال مسرحيته تفيد بأنَّ العلاقات الإنسانية أهم من المال، وأنَّ البخل ليس بالمال وحده بل حتى بالمشاعر. وأنَّ ثمة تدهورا أخلاقيّا لدى طبقة البرجوازية الفرنسية في القرن السادس عشر، وتفتّتا للعائلة، وتشظيها من خلال الصراع بين الأب والابن على فتاة واحدة. ويحاول الأب إغراءها بأمواله لتترك ابنه الذي تحبه ويحبها.
واشتغل مؤلف “شغل العيالات” على جانبي المعادلة، البخل كظاهرة تستحق النقد والسخرية منها، وعلى السلطة الأبوية في المجتمعات الشرقية، التي سرعان ما تثبت فشلها في أول اختبار لها بظهور “غيثة” الجميلة في محيط العائلة. فتربك رجل البيت وتحدّ من قسوته وتغير ما اعتاد عليه من عادات نفّرت منه زوجته وخادمته، وكل ذلك يتم في جو مملوء بالنكات والمواقف الكوميدية.
“شغل العيالات” كوميديا فودفيلية على الطريقة الفرنسية قُدمت بجلباب مغربي سلطوي. تستمر لمئة دقيقة، مدة عرضها يقضيها الجمهور في ضحك متواصل على مواقف هزلية يضع الزوج البخيل نفسه وزوجته وخادمته فيها.
وهو يحرص حرصا شديدا على إنفاق زوجته للمال، وهي تحثه على ذلك مشجعة، كأنهما في سباق. وقد استطاع المؤلف خلال ذلك توظيف الكثير من النكات والأمثال الشعبية المغربية وأقوال الحكماء في نصه، وأغنى العرض بالموسيقى المغربية التراثيّة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق