أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

السبت، 19 يناير 2019

سلالم يعقوب والصعود إلى أسفل

مجلة الفنون المسرحية

سلالم يعقوب والصعود إلى أسفل

د.لمياء أنور  

يرتبط وجود الممثل على خشبة المسرح بالفعل والحركة من قبل جسده حتى لو كان العرض ينتمي لفئة عروص المسرح الصامت ، ولم يكن هذا حال عرضنا الحالي .
فالحركة الإيمائية على خشبة المسرح ينتفي فيها العشوائية ، ويشترط فيها القصدية والوعي ،حيث تعتمد الحركة على دافعين أساسيين وهما الدافع الدرامي والدافع النفسي.
"سلالم يعقوب" حالة من التخبط الفني ، والتشظي التقني ، وعدم ترابط العناصر الفنية بعضها ببعض ، مما أدى إلى نفور واضح من الجمهور المشاهد .
"سلالم يعقوب" هو ذلك العرض الأردني والمشارك بفاعليات مهرجان المسرح العربي بدورته الحادية عشر والمقامة بمصر ، حيث يرجع إختيار اختيار عنوان العرض بسلالم يعقوب كما ذكر المخرج من قبل في أحد لقاءاته ، ارتباط اسم الاختراع الذي يقوم به يعقوب بطل عرضه ومحاولاته في تحويل الكهرباء إلى مغناطيس ، وفي حقيقة الأمر لم أجد ثمة علاقة واضحة بين هذا وذاك ، أو بين السلالم والاختراع الوهمي والمزعوم كما جاء بالعرض .
ولا يمكن القول بأن "سلالم يعقوب" عرضاً مسرحياً أعتمد على نصاً درامياً خالصاً ، بقدر اعتماده الأساسي على الفكرة الواهية ، واستغلال مساحة الفضاء السينوغرافي بالإضاءة والتشكيل الجسدي الإيمائي تارة والصامت تارة أخرى في عما نصي حركي موازياً للفكرة ،
لا سيما طرح بعض المفاتيح ببعض الكلمات مثل (يعقوب – خلية- كهرباء- مغنطة- الوهم- الموت- الشر ...) وبهذا تتشكل لدى المشاهد بعضاً من الصور الذهنية عن طبيعة يعقوب الشخصية والعملية كونه عالماً أو مخترعاً ، وارتباط ذلك أيضاً بالجانب المضيء طيلة الوقت على معمله الكيميائي في أقصي يمين الخشبة من ناحية المشاهد ، وهنا نستطيع تلمس مدى الخلط الواضح لدي المؤلف والذي هو أيضاً مخرج العرض في فكرة الاختراع الكيميائي والاختراع الفيزيائي ، فما نجده على الخشبة هو معملاً كيميائياً ، بينما الاختراع الذي كان يخترعه يعقوب هو اختراع فيزيائي مرتبط بتحويل الكهرباء إلى مغناطيس ، فهذا التناقض قد يعتبره الجمهور استخفافاً بعقليته ، مما يؤكد عدم النضوج الكامل للعرض على مستوى المشاهده ،
وعليه فقد اعتمد العرض على الايقاع البصري ، والمرتبط بالعناصر البنائية للعمل المسرحي ، والتي تشمل الحركة واتجاهاتها والايماءة وتشكيلاتها ، والاضاءة والمساحات والفراغ والخطوط وكافة العناصر التشكيلية ،والتي تشكل جماليات السينوغرافيا بشكل يجذب بصر المشاهد ، والتي تشكل بالضرورة إما جماليات العرض أو تشوه وتقلل من قيمته الفنية ، فلقد اعتمد المخرج في الاضاءة على سبيل المثال على استخدام الخطوط الإضائية المتقاطعة تارة ، والمتتبعة للحدث والشخصيات تارة أخرى، واضعاً في عمق الخشبة من المنتصف ستار أبيض ساقطاً عليه اضاءة باللون الأزرق الحالم والذي يوحي بالحلم الذي طالما حلم وسعي في تحقيقه يعقوب ، ألا وهو اختراعه الفذ والمزعوم ، والغريب أن ظلت تلك الاضاءة الزرقاء طيلة وقت العرض ، وبالتالي جاءت في غير محلها في كثير من الأحيان مما أعطت انطباعاً مضاداً لهدف العرض الأساسي فأصبح الحلم وهم ، وهم يعيشه يعقوب وحده ، مما أدى إلى دمار العالم المحيط به .
الجسد كلغة مسرحية ...
اعتمد العرض على التجسيد والتمثيل الإيمائي والتعبير الحركي الصامت والذي اتسم بالآلية ، فعندما يلجأ المخرج إلى استخدام التمثيل الإيمائي والتعبير الحركي يكون لديه الدافعية الحقيقة في توصل ألف فكرة وكلمة بمجرد حركة واحدة ، فالهدف هنا ينصب بالأساس على فكرة التأمل من خلال إثارة الحواس والادراك الذهني والجمالي لدى المشاهد ، بينما ينقلب السحر على الساحر ، فما فعله ساحر العرض من التعبير الايمائي والحركي للممثلين أدى إلى رتابة الحدث وتكراره والتأكيد على عدم الترابط الدرامي للعرض بشكل أدى بالتبعية إلى خروج العرض عن الاطار الفكري والجمالي فأصبحت الكلمات التي تحمل أفكاراً مجرد كلمات غير مرتبة وغير موضوعه في سياقاتها الدرامية وبالتالي جاءت الحركة فاقده أيديولوجيتها وفكرها المرهون بفكرة العرض الأساسية ، فهؤلاء البشر الواقعون ضحايا لإختراع يعقوب المزعوم ، يستسلمون وبشكل غير مبرر للإنغماس في عالم الآلية ما بين الموت والاختناق ، وبالتالي يرجعنا المخرج إلى فكرة "العالم الجليل" كيف يحمل هم العالم بداخلة ، وهو أيضاً مدمر هذا العالم ، فالنوايا الحسنة وحدها لا تبني مجداً ، فعلى الرغم من أننا أمام عالماً يستخدم في اختراعاته العلم الوضعي واعمال العقل إلى أقصى درجة ، إلا أنه يتحول تماما لشخص على النقيض تماما عبر اختراعه المزعوم ، ورغبته المزعومة أيضاً في خدمة البشرية والتي تنقلب إلى رغبة للإنتقام بلا داعي ، خاصة وأن مبرر يعقوب هنا ضعيف ، وهنا نرجع للدراسة النفسية للشخصية والدوافع التي أدت بها إلي أفعال سيكولوجية معينة تؤصل للفعل الدرامي ، فالمخرج لم يجهد نفسه في رسم ملامح وأبعاد الشخصية بشكل واضح يتيح للمشاهد التفاعل والاندماج مع شخصيات عمله ، وليس النفور منهم .
فالتناقض الفكري والدرامي كانا واضحان وضوح البدر في ليلة تمامه ، فعلى الرغم من محاولة المخرج في رسم صورة بصرية لا بأس بها على الرغم من عدم خدمة الدراما ، إلا أننا نحتسب خطواته تجاه الهدف تحمل نوايا حسنة للخروج بعرض مسرحي يحمل أفكاره ومعتقداته وفلسفته الخاصة التي تعكس بالضرورة صورة العالم لهذا المخترع العبقري الذي دمر العالم وجعل كل شيء حوله آلي حتى ابنائه ، وهذا الأمر يتنافي مع الدوافع السلوكية والسيكولوجية في بناء الشخصية الدرامية هنا تحديداً وليس في العموم .
يمكن القول أخيراً أن عرض" سلالم يعقوب" قد اتخذ من الدرجات السلمية وسيلة للصعود أو الهبوط ، فلقد هبط يعقوب بالفكرة والعناصر التقنية ، وبالمعنى الحقيقي لعرض مسرحي متكامل بشكل مزعوم ، فصعد يعقوب بالسلم ولكن إلى أسفل .

-----------------------------------------------
المصدر : نشرة مهرجان المسرح العربي 11
                                                                         

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption