أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 30 يونيو 2020

الغربة والاغتراب وازدواجية الفنان في المهجر / جوزيف الفارس

مجلة الفنون المسرحية

الغربة والاغتراب وازدواجية الفنان  في المهجر / جوزيف الفارس 

الاغتراب للفنان هو الخط الاحمر والذي يقف على عتبته كل فنان عن مواصلة وقائع مايحدث في الوطن , لكن علاقته بالوطن تبقى عبارة عن انتمائية بالماضي وجذور منحته هوية الانتماء وبناء علاقته حميمية  بالوطن , واكتسب من هذه الجذور مسيرة مليئة بالوقائع والتجارب الحياتية من معايشة هذا الواقع واكتساب خبرة وتجارب تنتهي نتائجها عند مغادرة الفنان للوطن والاغتراب عن اهله ومجتمعه ليبتعد في الوقت نفسه عن العادات والتقاليد التي ترعرع عليها وعاشها ليعيش غربة المهجر عند دخوله الى عالم غريب عن انتمائيته وعلاقاته الاجتماعية والثقافية والدينية لربما , ويبقى هذا الحنين للوطن وبكل تفاصيل حياته السعيدة والماساوية والتي اكتسب منها مايجعله ان يكون مراة ليعكس مااكتسبه من الاحداث والوقائع الحقيقية التي عاشها وتمخضت عن حكايات قصصية وادبية تخلق منه اداة توصيل للمجتمع غرضه من هذا  توعيته وتسليط الاضواء على اهم مستجدات الاحداث للاجيال الحاضرة واللاحقة لخلق حالة من الرفض والثورة والنهوض بالواقع الاجتماعي , وهذا لا ياتي الا من خلال معايشة الانسان الفنان لهذا الواقع الذي يعيشه , حيث تلعب عواطفه واحاسيسه بمصداقية المشاعر مع المحيط الذي يعيشه ليتمخظ هذا التعاطف عن رغبة  لخدمة الانسان ونشر الثقافة والوعي الفكري من خلال عطاءات الفنان الادبية والفنية والمليئة بوقائع الاحداث المعاصرة  لتجسيدها في صور تشوبها جمالية التعبير بصيغ ادبية وفنية , واسباب هذا تعود الى الانتمائية التي يحملها في ذاته والمتعاطفة مع الواقع الذي يعيشه متمخظة عن مشاعر واحاسيس تدفعه لخدمة المجتمع هدفه التغيير والتطوير بثورة تدعو الى رفض كل ماهو كلاسيكي وقديم , او قد تكون ثورته على الظلم والاستبداد ومحاربة الطبقية والطائفية والتي  فككت روابط العلاقات الانسانية , فصور التغيير وجمالية محاكاتها وتطبيقها على الواقع الذي يعيشه لا تاتي الا من خلال تجربته الذاتية لتصبح جزءا من معاناته والتي يعيش ماساتها والتي تتمخظ عن قوة رهيبة جامحة لاختراق حاجز الجدار الذي يفصل مابينه وبين حرية التعبير عن افكاره  بردود افعال يراها صائبة كبدائل للتغيير تاتي من خلال رؤية ناضجة يحيك احداثها بتفاصيل مشوقة تعبر عن ارائه ومبادئه التي يؤمن بها ليستخلص من نتائجها نتائج ماساوية او مفرحة تخدم المجتمع المتلقي , هذه الحقيقة التي يعيشها الفنان في الوطن وهو خير من يمثل ويجسد هذا الواقع لانها تاتي من خلال المعايشة الحقيقية والواقعية , محاولا من هذا طرح البدائل وعن طريق مايقدمه هذا الفنان  من صدق المشاعر والاحاسيس عن طريق الحكايات والقصص من الروايات والنصوص المسرحية .
هذه الوقائع والاحداث الذي يجسدها الفنان او الاديب والذي يملك الانتمائية الحقيقية هو خير من يستطيع التعبير عنها باساليب فنية فيها شيئا من الخلق والابداع والمهارة الحرفية في العطاء ويتفانى من اجل طرح افكاره والتي يراها البدائل المناسبة للتغيير والتطوير باسلوب مشوق فيه من جمالية التعبير بالوسائل والتقنيات الفنية الحديثة والتي تثير عنصري التشويق والشد لدي المتلقي .
ان الاسباب الحقيقية والتي مهدت لروادنا من الفنانين والادباء في التعبير الصادق والحقيقي والواقعي عن هذه المعانات , هو الالتصاق بالواقع نفسه ومعايشته اضافة الى الانتمائية الحقيقية للطبقة المسحوقة والذي عاشوا  تحت وطأة الظلم والتعسف , ولهذا تمخظت هذه المعايشة عن قصص وحكايات هي من صلب واقع المجتمع باروع صورها ولا سيما انها كانت تمثل الشريحة الاجتماعية الشعبية من الطبقات المسحوقة والمعدمة كما جسدها العديد من الادباء والفنانين الرواد من امثال ادمون صبري ويوسف العاني وعادل كاظم وطه سالم والعديد من من هذا الرعيل الذي عاش ماساة  شعبه طرحوا افكارا من شانها معالجة الواقع المرير ببدائل وحلول ساهمت في التغيير والتطوير ونقل الواقع الاجتماعي الى واقع افضل بتفاصيل يومياتهم واحداث ظروفهم الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية .  
ولكن عندما ينتقل هذا الفنان او اي فنان او اديب ويهاجر الى بلاد الغربة , اي الى المهجر سيعيش عالما غريب عن واقع حياته الاجتماعية من قومية ولغة وعادات وتقاليد , مسطدما بالواقع الغريب , حيث سيعيش الغربة والاغتراب في واقعه الجديد من مفاصل الحياة الواقعية والاجتماعية  ,ولهذا يبقى هذا الفنان متعلقا بالصور الحياتية لانتماءاته الوطنية الذي عاشها في الوطن بردود افعال داخلية تعكس معاناته ومشاعره وحنينه الى الوطن ,وقد يصاب بمرض خاص ومشاع اسمه مرض ( الهومسك Homesickness ) هذا المرض يصيب الانسان الذي يغادر وطنه فيشعر بالضيق النفسي  والكابة والقلق والاكتئاب العصبي ولاسباب عوامل منها : غربة اللغة والعادات والتقاليد غربة المناطق وولاياتها وسكانها وجهله في كيفية التعايش مع ظروف واجواء غريبة عن واقع انتمائيته , ومن الصعوبة ايضا  ان يتمكن اي انسان معايشة الواقع الجديد دون المرور بازمة نفسية وعزلة عن الواقع الحالي ليبقى سابحا  في ذكريات  عالم الماضي في الوطن . 
فالشريحة من كتابنا الروائيين والمسرحيين لا تفارق انتاجاتهم الادبية عناوين الغزل  بالوطن والتذمر من الغربة ومن الواقع الجديد , ويلعنون الظروف القاسية والتي ساقتهم الى الاغتراب والابتعاد عن وطنهم ( على كولة المثل , اشجابك على المر غير الامر منه ) والتعبير عن الغربة هي العناوين الرئيسية التي  تحتل انتاجاتهم الادبية معبرين من خلالها عن هذا الانتماء الذي يعيش في وجدانهم , ويبقى في منهاجه الادبي متواصلا مع مجتمعه وشعبه ووطنه وهو في المهجر , حيث تبقى جذور الانتمائية تعيش في ذاته وانسانياته , ولا يمكن لمثل هؤلاء الفنانين والادباء الانسلاخ عن واقع وطنهم ومجتمعهم , ولهذا لا يمكن لمثل هؤلاء التعبير عن واقع المهجر بواقعيته ومشاكله الاجتماعية من دون الانحياز للماضي ومقارنته مع الواقع الذي يعيشونه في المهجر , انما هناك حالات من الاحاسيس والتي تولد مع الفنانين والادباء في المهجر , وهذه الظاهرة  قلما ندر حينما يبدأ مثل هذا الرعيل باكتساب بعض التجارب والخبرات الحياتية في المهجر , ونتيجة لهذا الواقع الجديد بكل ما يحيطه من ظروف الحياة الثقافية والاقتصادية والتي قد لا تمكنه من المعايشة معها , انما هو لا يمكنه ان يقف مكتوف الايدي ومن دون ان يعبر عن هذا الاغتراب بصور انتقادية وقد تكون مليئة بالاستهزاء والاستهجان ومقارنتها مع ماكان عليه في الوطن , هذه الازدواجية التي تخلقها الظروف الجديدة في الواقع الجديد لا تمكنه من  الاستقرار على مبدئية المعايشة الجديدة لانه يعيش الغربة ولهذا نشاهد ان معظم انتاجات ادبائنا و الفنانين المسرحيين لا يمكنهم الانسلاخ عن الماضي والابتعاد عن تجاربهم في الماضي ويحاولون بكل الوسائل التشبث بها وتجسيد احداثها بصور يشوبها  براعة التعبير العاطفي والبكاء والنحيب لمشاركة المتلقي بهذه المشاعر والذي قد لا يستسيغها البعض ممن عاشوا هذا الواقع الجديد في المهجر وتكيفوا مع الحياة الجديدة فيه , تبقى هذه العلاقة المزدوجة مابين اقلام مثقفينا من الادباء والمسرحيين  في المهجر  ومابين الماضي من الحنين والانتمائية وعلاقاته الاجتماعية في الوطن هي السائدة والمسيطرة على قلمه في التعبير عما يحسه ويعيش مع ماضيه وتاريخ حياته , مثل هؤلاء لا يمكنهم التعبير عن واقعهم الجديد بمصداقية المشاعر والاحاسيس كالفنان الذي يعيش اختبارات واقع وطنه .
وهنا ااكد ان مايقدمه الاديب والفنان للمغتربين لا يخدمهم وحياتهم الجديدة في واقع جديد يختلف عن ماضي واقعهم , لانهم هم بحاجة الى انتاجات تعالج مشاكلهم الظرفية التي يعيشونها في المهجر , تعالج حالاتهم النفسية والاجتماعية وتعرض مشاكلهم في الغربة داخل مجتمع يختلف بثقافته وسلوكيته وعاداته وتقاليده , ولهذا تتغلب على معظم الانتاجات الادبية والفنية لفنانينا وادبائنا في المهجر  طابع الازدواجية في المعالجة والطرح وقد لا يستسيغها المتلقي والذي اجتاز شوطا كبيرا في معايشته للواقع الجديد وتغلب على معظم معوقات الحياة الاجتماعية والثقافية , ولهذا نشاهد ان معظم ادبائنا والفنانين يلجؤون الى الاعمال الكوميدية والتي يحاولون  في البعض منها تناول سلوكية المغترب في المهجر والنيل منه والسخرية من تصرفاته في الظروف الصعبة التي يمر بها المغترب  , والقسم الاخر يعرض اعمالا تعود بالمغترب الى احضان الوطن بماضيه وانتمائيته ومن خلال شخوص عاشها واحبها ولغة حياتية تجعله يعيش السعادة الوهمية , ومثل هذه النصوص ايضا لا تفيد في معالجة مشاكل المغترب في المهجر , اذن ظاهرة الازدواجية عند الفنانين والادباء تبقى ظاهرة متلازمة  ولا يمكن التخلص منها الا بعد مرور اجيال لاحقة لتبدأ مسيرة جديدة وتجربة حياتية جديدة مع واقع المهجر وجيلا منصهر مع واقع الحياة الظرفية في المهجر . 

الاثنين، 29 يونيو 2020

المسرح في الرواية وتضخيم السرد المشهدي

مجلة الفنون المسرحية
                        عرض مسرحي لرواية "مصيدة الفئران" لآغاثا كريستي

المسرح في الرواية وتضخيم السرد المشهدي

عواد علي - العرب 

البنية الدرامية في النص الروائي تفعيل لحضور الشخصيات والأصوات ومحاولة لإقصاء السارد عن سيرورة الحدث

تتداخل الأجناس الأدبية بشكل جلي بين الرواية والمسرح، باعتبارهما جنسين أدبيين لم يكفا منذ نشأتهما المبكرة عن مدّ جسور التقاطع والتلاقح بينهما، فقد أمدّت الرواية المسرح بعناصر سردية تتصدر مَشاهده، كما اخترق المسرح الرواية بعناصر درامية تكسر رتابته، ومع ذلك لم يدمّر أحدهما خصوصية الآخر، أو يلغي استقلاليته الإبداعية وتميّزه النوعي.

يلجأ بعض الروائيين، في سياق تداخل الأجناس الأدبية، إلى تقنية العرض الدرامي في سرد أحداث رواياته، من خلال استعمال الحوار وجزئيات الحركة، فينجم عنه تضخّم نصي يبرز تلك الأحداث في لحظات وقوعها المحددة، الكثيفة، المشحونة، ويعطي القارئ إحساسا بالمشاركة الحادة فيه، وكأنه فعل مسرحي تتحاور فيه الشخصيات وهي تتحرك، وتمشي، وتفكر، وتندهش، وتتأمل.

وتُعرف هذه التقنية بـ”المشهد”، وتشكّل محاولة لإقصاء السارد عن سيرورة الحدث، أو تحييده وتهميشه، أو إخفائه وراء الشخصيات لتبدو “وكأنها تعبّر بتلقائية عن نفسها على مسرح الأحداث تماما مثل المسرحية”، كما يقول بيرسي لبوك، وتهدف إلى تعطيل زمن السرد أو توقيفه مدة بحسب تودوروف. ومن النادر جدا أن نجد عملا روائيا حديثا لا يستخدم فيه الروائي هذه التقنية.
"سميرة وحمدي".. نص حداثي لتوفيق الحكيم عمره جاوز النصف قرن

ويعتقد بعض النقاد أن للمشاهد الدرامية دورا حاسما في تطوّر الأحداث، وفي الكشف عن الطبائع النفسية والاجتماعية للشخصيات، ولذلك تعوّل عليها الروايات كثيرا، وتستخدمها بوفرة لبثّ الحركة والتلقائية في السرد، وكذلك لتقوية أثر الواقع فيه.

وقد قام أحد النقاد العرب بإحصاء المشاهد في بعض روايات نجيب محفوظ، مثل “القاهرة الجديدة”، فوجد فيها 33 مشهدا حواريا متنوعا (حوارات أفقية ورأسية وواصفة وحوارات داخلية)، كما بلغت المشاهد الحوارية في الثلاثية مئة وأربعة وثمانين مشهدا حواريا متنوعا.

ابتلاع الرواية
مؤنس الرزاز منح في روايته "جمعة القفاري: يوميات نكرة" السرد المشهدي حيزا كبيرا من مساحة الخطاب الروائي
لكن بعض الروائيين أفرط في تضخيم هذه التقنية، ضمن محاولات التجريب الروائي، أو تفعيلا لخاصية حضور الشخصيات والأصوات في النص، إلى درجة ابتلاعه كله، أو تحويله إلى جنس هجين، أو عمل درامي، أطلق عليه توفيق الحكيم مصطلح الـ”مسرواية”، ومثّل له بعمله “بنك القلق”، وكأنه أخذ بنصيحة هنري جيمس للروائيين “مسرحوا.. مسرحوا..”، بمعنى اكتبوا مشاهد، لأنه، حسب رأي جيمس لا يمكن تصوّر رواية تقتصر على السرد البانورامي، في حين أننا نستطيع أن ندع مجالا للشخصيات كي تروي نفسها بنفسها، استثمارا للأصول الأرسطية المؤسّسة للدراما من أجل فهم العنصر الدرامي في الرواية.

مثال على ذلك، إلى جانب نص الحكيم، “قبعتان ورأس واحد” لمؤنس الرزاز، و”أنت طالع” لمحمود جمال الحديني، و”لقاء مع ملك الموت” ليوسف جاد الحق، و”صندوق زجاجي” لكريم الهزاع، و”العصفورية” لغازي القصيبي، و”كل من عليها خان” للسيد حافظ، و”ركبان الموت” للكاتب الكويتي عادل الرشيدي، و”الكومبارس” لناصر عراق. لكني سأكتفي في الأسطر الآتية بالوقوف على نموذجين فقط للروائي الأردني مؤنس الرزاز.

مؤنس الرزاز
منح مؤنس الرزاز في روايته “جمعة القفاري: يوميات نكرة” السرد المشهدي حيزا كبيرا من مساحة الخطاب الروائي، فليس ثمة مشهد واحد يخلو من هذه التقنية، بل إن بعض المشاهد برمتها عبارة عن سرد مشهدي طويل نسبيا، ويمكن النظر إليها بوصفها نصوصا مسرحية قصيرة من ذوات الفصل الواحد، لكونها تتّسم بكل مواصفات الخطاب المسرحي، كشكل الكتابة، والاسترسال في الحوار، والعلامات المسرحية (وصف الحركة التي تبدر عن الشخصيات، وإيماءاتها، وحالاتها النفسية)، وتوافر الحبكة، والأزمات، والذروة، وغير ذلك.

كما في المقطع الذي يجري في غرفة بأحد الفنادق بين بطل الرواية وعروسه ليلة الدخلة، وهو جزء من مشهد يغطّي أربع صفحات في الرواية، وكذلك المشهد الذي يحمل عنوان “جمعة يشم الهواء” الذي يحتل ثماني صفحات.

ووسّع الرزاز في روايته “قبعتان ورأس واحد” في السرد المشهدي ليطال جسد النص كاملا، باستثناء الاستهلال. وقد أثارت أيام نشرها إشكالية التجنيس مرة أخرى، فعدّها الرزّاز نفسه رواية، وقرأها بعض النقاد بوصفها “مسرواية”، في حين نعتها نقاد آخرون بأنها “مسرحية ذهنية”!

أما الناقد يوسف جاد الحق فقد عدّها، في المقدّمة التي كتبها لها، بأنها ليست جنسا روائيا خالصا تنطبق عليه مواصفات النص الروائي، حسب التعريف التقني المحدّد والمتعارف عليه لهذا الجنس من الأدب، ذلك أن الحوار المكثّف والمباشر بين الشخصيتين المحوريتين في النص هو الغالب على الحيّز الأعظم من صفحاته، بحيث يكاد الحوار يطغى على السرد الذي هو، في العادة، العنصر الأكثر حضورا في الرواية.

تدور أحداث النص في بناية قديمة تقطنها جماعة من السكان المستائين من واقعها ومن تصرفات المسؤول عنها، إلّا أن اثنين من السكان (الأعور والأصلع) اللذين يقطنان في طابق واحد منذ عشر سنين، تخطر في بالهما فكرة تصفية ذلك المسؤول، بحجة أن البناية ليس فيها ملجأ يقي سكانها من القذائف في حال نشوب حرب، وكذلك لأنه، أي المسؤول، بخيل لا يدير التدفئة المركزية إلّا ساعة واحدة في اليوم، ويرسل شخيرا مزعجا في الليل يسلب النوم من أعين الأطفال والعجائز، وينتهك العدالة الاجتماعية.

يتّفق هذان الشخصان على قتله، ويتعاهدان على أن يكونا حزبا واحدا، وإعدام كل من ينحاز إليه من الجيران وجبة إثر وجبة. وما إن ينفّذا اتفاقهما حتى يسيطرا على البناية ويدعوان سكانها إلى الاجتماع في شقة المغدور ليتعارفوا ويحتفلوا، لكن سرعان ما ينشب الخلاف بينهما، ويحاول كل منهما القضاء على الآخر، الأعور بالمسدس والثاني بقنبلة يدوية، ليفرض سيطرته المطلقة التي تحقّق له الامتيازات وصناعة القرار.

ومع تطوّر الحدث الدرامي يتبادل الأعور والأصلع دوري القوة والضعف، ويكشفان عن هويتهما الطبقية: الأعور يمثل الطبقة الفقيرة المعدمة القادمة من القاع، والأصلع يمثل الطبقة الأرستقراطية المترفة، وبين هذا وذاك تمثل سمراء، إحدى القاطنات في البناية، دور الأغلبية الصامتة على قاعدة “معهم معهم عليهم عليهم”.

أحد النقاد قام بإحصاء المشاهد في بعض روايات نجيب محفوظ، مثل "القاهرة الجديدة"، فوجد فيها 33 مشهدا حواريا متنوعا
لكنها تخرج عن صمتها بعد أن يطفح الكيل، وتصرخ غاضبة مشمئزة ممّا يجري، ومن دور الإعلام الغربي، الذي جاء ليصوّرهما، في قلب الحقائق، وتسخير ما يحدث لصنع مادة إعلامية تشد المشاهد الغربي على حساب تشويه الإسلام ووصمه بالإرهاب، ويظهر سكان البناية مستضعفين مغلوبين على أمرهم لا حيلة لهم، لأن قوة السلاح أقوى من الكلمة، وإن حاولوا في بعض اللحظات أن يرفعوا رؤوسهم ليقولوا “لا”.

مشاهد حوارية
تتوزّع تلك الأحداث على أربعة مشاهد حوارية واستهلال يجمع بين الوصف والحوار، ويمزج بين عدة أصوات تمثل سكان البناية، وهي تروي، بأسلوب ساخر، الورطة التي وقع فيها الأصلع والأعور وندمهما لأنهما كانا يجهلان بعضهما.

فالأول لم يكن يعرف أن الأعور لا يرى الحياة إلّا من زاوية واحدة، وبلون واحد لأنه لا يملك سوى عين واحدة، والثاني لم يفكّر حين تواطأ مع الأصلع في أنه لا يعرف الدهشة، لأن الإنسان العادي يقف شعر رأسه حين تدهمه الدهشة، أما الأصلع فمحروم من نقمة الدهشة المفضية إلى الفلسفة!

ورغم غرابة المحمول الدلالي لهذا الاستهلال، فإنه يكاد يشكّل خلاصة مكثّفة لما سيحدث في النص، ويصادر حق القارئ في اكتشاف مجرياته واستنطاقه.

مثل الاستهلال يشكّل عنوان النص؛ “قبعتان ورأس واحد”، عتبة سيميائية تختزل أطروحته ومرماه، فهي توحي بمدلول قصدي مفاده استحالة الجمع بين اتجاهين متنافرين، أو طبقتين مختلفتين على رؤية واحدة، أو موقف موحد.

وهذا ما نتج عن اتفاق شخصيتي الأعور والأصلع، فكلاهما أراد أن يستحوذ على الرأس، الذي هو علامة رمزية تشير إلى السلطة، يقول الأعور في المشهد الثالث (ص 100) “انقلبت الأمور الآن إلى صالحي. معك حق. المسؤولية في بلاد ما قبل الرأسمالية والتاريخ والعمارات القديمة التي لم تقم على أسس عصرية أميركية.. رأس لا يحتمل قبعتين. أنت الضحية الآن”.

الإسقاط السياسي
"رائحة حرب" مستلهمة من رواية للفلسطيني أكرم مسلّم

إن الإسقاط السياسي على الواقع العربي واضح على شخصيات النص وفعله الدرامي، ويعكس إحباط مؤنس الرزاز ويأسه وسخريته المريرة من القوى السياسية اليسارية واليمينية في العالم العربي (يختزله هنا في البناية وسكانها) التي تسيطر على كراسي الحكم عبر الانقلابات والعنف الدموي والثورات المزيّفة، ولا تخجل من الحديث عن الديمقراطية رغم أنها ذات نزوع استبدادي.

وتعميقا لهذه السخرية يتمثّل في صياغة الفعل الدرامي للنص وحواراته نهج الواقعية السحرية بغرائبيتها، وبعض السمات العامة التي قام عليها مسرح اللامعقول، ومن أهمها قلة عدد شخصيات المسرحية التي غالبا ما تدور أحداثها في مكان ضيق أو محدود جدا، فها هنا تدور في شقة القتيل مسؤول البناية، ودور المرأة الذي يكون دائما أقل أهمية من دور الرجل (سمراء تبدو كالدمية في يد الأصلع الذي يأمرها دائما بخدمته، وكذلك زوجته التي يطردها خارج الشقة بعد سيطرته على البناية).

والشخصيات، كذلك، تكون مجازية مستعارة أكثر منها كائنات حية، ويتحوّل أغلبها إلى رموز يشار إليها بالصفات (هنا الأعور والأصلع)، فضلا عن السخرية والتهكّم، والميل إلى العزلة واللايقين والنزوع الفردي.
وأخيرا التجانس الذي يبدو أمرا ظاهريا فقط بين البشر، أمّا في العمق، فإن ثمة شرخا كبيرا يفصل بين كل واحد منهم.

مسرحية " للكبار فقط " تأليف هشام شبر

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب والفنان هشام شبر 


مسرحية " للكبار فقط  " تأليف هشام شبر

الأحد، 28 يونيو 2020

21 كاتبا في ملتقى الدمام الثالث للنص المسرحي

مجلة الفنون المسرحية

من 9 دول عربية يلتقون افتراضيا
21 كاتبا في ملتقى الدمام الثالث للنص المسرحي

في ردهات الجمعية العربية للثقافة والفنون بالدمام كل شيء يتحدث بلغة الإبداع حيث تسعى الجمعية إلى انطلاقة جديدة وعبر الكثير من الأنشطة التي تراعي الإجراءات الاحترازية وذلك أملا في “عودة” الحياة إلى طبيعتها ونسقها الجمالي، حيث تنظّم لجنة المسرح بالجمعية ملتقى الدمام الثالث للنص المسرحي، والذي يستمر ثلاثة أيام يبدأ في الأول من يوليو2020م.
الملتقى يأتي برعاية رئيس مجلس ادارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ورئيس مبادرة المسرح الوطني والكاتب عبدالعزيز السماعيل الذي يجمع 21 كاتب نص مسرحي من 9 دول عربية يلتقون افتراضيا، من خلال استعراض خبراتهم وتجربتهم وتصوّراتهم في الكتابة والقراءة المسرحية من المؤلف مباشرة للجمهور المسرحي سواء للمخرج أو الممثل أو حتى المهتم المسرحي، وتضم هذه الكوكبة بمشاركة محلية وعربية متنوعة الدكتور .سامي الجمعان، والدكتور.ملحة العبد الله، ناصر العمري، عباس الحايك، عبد العزيز الصقعبي، عزيز بحيص، رجاء العتيبي، د.شادي عاشور، وفاء الطيب من المملكة العربية السعودية، د.آمنة الربيع ، عماد الشنفري، بدر الحمداني من سلطنة عمان، خالد الرويعي من البحرين، عثمان الشطي وأحمد العوضي من الكويت، مفلح العدواني من الأردن، مرعي الحليان من الامارات، أحمد أبو ذياب من مصر، بوبكر فهمي، عبد الكريم برشيد من المغرب، بوكثير دومة من تونس”.

وستقسّم أنشطة الملتقى على ثلاث أيام سيقدّم فيها المشاركون تصوّراتهم الجمالية والفنية والتعبيرية في النص المسرحي ومميّزاته الحداثية وتطوّراته التعبيرية وتمازجه مع الأداء والحضور والحركة إضافة إلى تقديم محاضرة للأستاذ عبد الكريم برشيد الكاتب المسرحي المغربي بعنوان “الاحتفالية المتجددة بين الأمس واليوم” وسيتم بث فعاليات الملتقى عن طريق قناة جمعية الثقافة والفنون عبر اليوتيوب، وعزف موسيقي لمشرف لجنة الموسيقى بالجمعية سلمان جهام.
وأوضح مشرف لجنة المسرح ناصر الظافر أن القراءات المسرحية ستبدأ في التاسعة مساء بتوقيت مكة المكرمة، وأن الدورة الثالثة للملتقى جاءت استثنائية وافتراضية لتجمع أهم الأسماء العربية في كتابة النص المسرحي وهم الخبرات المسرحية المعروفة، منوها أن لجنة المسرح أقامت ورشة حوارية في الممثل والشخصيات قدمها مخرج الجمعية المخرج راشد الورثان وتم تسجيل 73 مشترك، ساعين أن يكون للمسرح أولوية في التدريب والتأهيل في جميع مجالات المسرح حيث سيقدم خلال الأيام القليلة القادمة ورش افتراضية للصغار وللشباب في المسرح، وهي التهيئة الحقيقية للعودة بإذن الله للحياة الثقافية والنشاط الحقيقي القادرين بفضل الله ثم حكومتنا الرشيدة.
-----------------------------------
المصدر : البلاد 

السودان المؤثر المغيّب في المسرح المصري / د.سيد علي إسماعيل

مجلة الفنون المسرحية

السودان المؤثر المغيّب في المسرح المصري
المسرح جمع الشعبين المصري والسوداني وجسد وحدتهما وتلاحمهما ضد الاحتلال.

بدايات المسرح العربي كانت مشوبة بالكثير من الحيطة نظرا إلى الأهمية السياسية البالغة للفن المسرحي في قراءة الأحداث أو تصور مآلاتها وغيره من المواضيع التي يمكنه الخوض فيها، حيث كان المسرح يسمى بـ”رواية”. لكن المثير في تتبعنا لتاريخ المسرح العربي هو العلاقة المغيبة بين المسرح السوداني والمصري، حيث نادرا ما تطرق أحدهم إلى تأثير السودان في المسرح المصري الذي يعتبر من الرواد عربيا.

أغلب الدراسات التي تحدثت عن تاريخ المسرح في السودان، تحدثت عنه من خلال ارتباط السودان بمصر، وتحديدا عن أثر المصريين في حركة المسرح السوداني وتاريخه، مما يعني أن أغلب الدراسات تبحث عن صورة مصر ودورها في المسرح السوداني. ولا أظن أن دارسا أو باحثا فكر في كتابة بحث بصورة معكوسة! أي البحث عن أثر السودان وتاريخه في المسرح المصري.

إذا حاولت البحث عن اسم السودان أو أحداثه الموظفة في المسرح المصري، سأجد أحداث الثورة المهدية هي المثال الواضح، لاسيما وأن ظهور المهدي في السودان في الربع الأخير من القرن التاسع عشر يُعدّ الحدث التاريخي الأهم دينيا وسياسيا في تلك الفترة بالنسبة إلى مصر والسودان.

النص المُكتشف
هذا الحدث وجد طريقه إلى المسرح المصري، عندما ألّف نجيب الحداد مسرحيته “المهدي” في أبريل 1896، وأعلنت جريدة “لسان العرب” عن قُرب تمثيلها في الإسكندرية من خلال جمعية الاتفاق بالإسكندرية (جريدة لسان العرب- عدد 503– القاهرة 7/4/1896).

ومن الواضح أن الجمعية لم تُمثل المسرحية لسبب ما؛ حيث قام نجيب الحداد بتغيير العنوان إلى “المهدي وفتح السودان” بعد خمسة أشهر، وقامت فرقة إسكندر فرح بتمثيلها على مسرح شارع عبدالعزيز في سبتمبر 1896 (جريدة المقطم- عدد 2287– القاهرة 29/9/1896).

وهذه المسرحية تحديدا، تُعد من الآثار الأدبية المجهولة لنجيب الحداد، الذي جمع المرحوم الدكتور محمد يوسف نجم أغلب آثاره الأدبية، ونشر جزءا كبيرا من مسرحياته عام 1966، ورغم ذلك لم يشر الدكتور نجم إلى اسم هذه المسرحية في دراساته، ولم يذكر أنها من آثار نجيب الحداد (محمد يوسف نجم– المسرحية في الأدب العربي الحديث– دار الثقافة– بيروت  1956، وكتابه الآخر: المسرح العربي: دراسات ونصوص.. نجيب حداد– دار الثقافة– بيروت  1966).

الترابط بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاحتلال الإنجليزي وصل إلى مراتب كبيرة بفضل الأعمال المسرحية

كما أن هاني هلال خوري كتب بحثا قيما عن نجيب الحداد عام 1969 – ما زال مخطوطا ومحفوظا في الجامعة الأميركية في بيروت– أشار فيه إلى مسرحية “المهدي وفتح السودان”، وأنها من تأليف نجيب الحداد، مؤكدا أنها غير منشورة ومفقودة، ولم يحصل على نصها المخطوط أي باحث حتى الآن.

ولأهمية هذه المسرحية وجدت مقالة منشورة عنها، وعن مضمونها وظروف تمثيلها، نشرتها جريدة “المقطم” المصرية يوم 30/ 9/ 1896.

يتضح لنا –مما سبق– أن نص مسرحية “المهدي وفتح السودان”، هو وثيقة مسرحية أدبية تاريخية مهمة جدا، لأنه مكتوب في أبريل –ورُبما عُدّل في سبتمبر- سنة 1896؛ أي أثناء قوة الثورة المهدية وانتشارها في السودان، وقبيل الحملة الإنجليزية المصرية، وقبل سنوات قليلة من حسم المعركة بين جميع الأطراف! وبناء على ذلك، نستطيع القول: إن ظهور نص مسرحية “المهدي وفتح السودان” سيفتح المجال واسعا لكتابة دراسات مسرحية متنوعة؛ لأنه يُعدّ كشفا أدبيا كبيرا لأهم أثر أدبي، لأشهر كاتب مسرحي في مصر والشام في القرن التاسع عشر، وهو الشيخ نجيب الحداد اللبناني، ناهيك عن قيمة النص؛ بوصفه أول نص مسرحي – في عالمنا العربي وربما في العالم بأسره– تمت كتابته وعرضه على خشبة المسرح عام 1896 عن الثورة المهدية في السودان.

وبفضل ملخص المسرحية المنشور سابقا في جريدة المقطم، وذكر أسماء الشخصيات والمعلومات المنشورة…إلخ، استطعت أن أكتشف نص مسرحية “المهدي وفتح السودان”. وهو نص مخطوط مكتوب بخط اليد بالمداد الأزرق في كراسة تتكون من إحدى وثمانين صفحة منزوعة الغلاف، وتبدأ صفحتها الأولى بعنوان “الفصل الأول” ثم وصف المنظر هكذا “في غرفة من قصر المهدي في أم درمان”. وفي الصفحة الأولى من الفصل الثاني جاء الآتي “الفصل الثاني، المنظر الأول، في معسكر المصريين في خيمة القائد: سردار، لوا، محافظ الحدود، أركان حرب، ضباط مصريين”. أما الفصل الثالث فيقع في السجن. والفصل الرابع، يقع في قاعة أمينة في قصر المهدي. والفصل الخامس، يقع… إلخ.

وهذه المخطوطة، تحتاج إلى جهد كبير في تحقيقها من أجل نشرها؛ لأن الطرف الأيسر من الكراسة به تمزق أثر على إخفاء سنتمتر أو نصف سنتمتر من آخر كل سطر يقع على يسار الصفحة اليسرى، أو في بداية الصفحة اليمنى، مما يعني أن الكلمة الأخيرة (فقط) منقوصة تماما أو آخر حروف منها اختفت، وهذا العيب يحتاج إلى تحقيق مضن لوضع احتمالات عديدة للأحرف المحذوفة، لاسيما في ما يتعلق بالأبيات الشعرية، وأتمنى أن أجد الوقت لإنجاز هذه المهمة، لإنقاذ هذا الأثر الأدبي، والإسهام في نشره ليستفيد منه المسرح السوداني.

على الرغم من اكتشافنا لنص مسرحية “المهدي وفتح السودان”، إلا أن هناك عرضا مسرحيا بعنوان “الهجرة”، أعلنت عنه جريدة “مصر” في فبراير 1919، وأن فرقة الشيخ أحمد الشامي ستقوم بتمثيله في تياترو برنتانيا، والمسرحية من تأليف مصطفى سامي. وبعد ثمانية أشهر أعلنت جريدة “الأهرام” وكذلك جريدة “النظام” عن قيام فرقة أحمد الشامي بتمثيل مسرحية “الهجرة” أو “مصر والسودان” على مسرح برنتانيا، وهي من تأليف مصطفى سامي.

مسرح بقضايا سياسية

وهذا الخبر يعني أن مسرحية الهجرة هي مسرحية “مصر والسودان”، والعكس صحيح. ومما يؤكد هذا الخبر أن أغلب الجرائد –طوال ست سنوات– كانت تُعلن عن اسم المسرحية بأنه “الهجرة” أو “مصر والسودان” من تأليف مصطفى سامي، وتمثيل فرقة أحمد الشامي، التي عرضت المسرحية بدار التمثيل العربي، وبتياترو كونكورديا، وفي تياترو برنتانيا، وفي تياترو الأوبرا بالمينا الشرقية بالإسكندرية، وفي تياترو الألدورادو ببور سعيد.

وعلى الرغم من عدم اكتشافنا لنص مسرحية “الهجرة” أو “مصر والسودان” إلا أننا وجدنا مقالة صغيرة منشورة في جريدة “السفور” بعنوان “رواية الهجرة”، جاءت فيها معلومات تدل على أن “الهجرة” المقصودة في المسرحية هي هجرة المهدي الشهيرة تاريخيا ودينيا، ناهيك عن وجود أسماء وشخصيات في المقالة، تؤكد ما نذهب إليه، لذلك سنذكر هنا ما جاء في جريدة السفور بالنص:

“شاهدنا تمثيل رواية الهجرة من جوقة أحمد الشامي، فأعجبنا بشرف قصد المؤلف وإخلاصه؛ ولكن الرواية خارجة خروجا كبيرا عن قواعد الفن المسرحي، ومزدحمة بأفكار كثيرة، كانت تمر على المشاهدين مرّ الخيال لكثرتها، فيضيع الغرض منها. ونعيب على المؤلف وضع دور ‘بهاءالدين’ و’حبيبته’ باللغة العربية الفصحى؛ لأن ذلك مناف للحقيقة، ومستهجن في رواية كل أدوارها عامية. وما أقرب إلى الاستغراب، وأدعى للدهشة من سماع بهاءالدين يكلم باللغة العربية الفصحى زنوج أفريقيا، الذين لا يعرفون إلا بعض كلمات عامية منها. وفي الرواية قليل من الألفاظ المكشوفة، يجب محوها. أما عن الممثلين فقد أجاد ممثل دور ‘مطر باشا’، وممثل دور ‘دسوقي’، وكذلك أجادت ممثلة دور ‘أنيسة’، وممثلة دور الخادمة السورية وإن كان الدور غير مهم”.

محمد علي وفتح السودان
في عام 1925 وصل الترابط بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاحتلال الإنجليزي الساعي للفصل بينهما إلى قمته؛ فقام الكاتب المسرحي بديع خيري بتأليف مسرحيته “محمد علي وفتح السودان”، التي عرضتها فرقة أولاد عكاشة –أو “شركة ترقية التمثيل العربي”- على مسرح حديقة الأزبكية في فبراير 1925. وهذه المسرحية لقيت نجاحا كبيرا في هذا الوقت؛ لأنها كانت تعبر بصدق عن تلاحم الشعبين المصري والسوداني. ومما زاد المسرحية انتشارا، اشتراك المطربة “أم كلثوم” بأغانيها الوطنية بين فصول المسرحية، وفي بعض مشاهدها الحماسية. وقد كتب الناقد محمد عبدالمجيد حلمي تحليلا مستفيضا عن هذه المسرحية، بدأه بهذه الافتتاحية:

“… إذا كان الأستاذ بديع خيري قد قصد إلى إلقاء عظة دينية؛ فقد أفلح كثيرا، إذ ملأ الرواية بالآيات القرآنية، والجمل الممتعة التي تفيض حكمة وسموا، والتي فيها رادع للآثم، وزاجر للئيم. وإذا كان قد قصد إلى إلقاء درس في الوطنية؛ فقد نجح نجاحا عظيما في حث الشعب على الدفاع عن وطنه؛ لأن مصر والسودان جزء لا يتجزأ؛ فقد كانت تلك اللغة الفخمة، والجُمل المنتقاة المرصوصة مثارا للحمية، ومبعثا لاهتياج العواطف والشعور”.

ومسرحية “محمد علي وفتح السودان” لبديع خيري لم تُنشر وما زالت محفوظة في شكل مخطوط، أحتفظ بصورة منه، ووصفه كالتالي: النص مكتوب بخط اليد بالمداد الأسود في كراسة من تسع وعشرين صفحة. مكتوب على غلافها “رواية محمد علي وفتح السودان. تأليف بديع خيري 1924.

فرقة عكاشة”.وفي الصفحة الثانية “أشخاص الرواية”، وهم: محمد علي: والي مصر. الأمير إسماعيل: قائد الجيش المصري الفاتح

للسودان ونجل الوالي محمد علي. محمد بك الذفرادر: قائد حملة مصر بالسودان، وصهر الوالي. أحمد باشا أبوددان: حاكم السودان المصري من قبل الوالي. خيرالدين أفندي مرتضى: ملازم أول بالحملة المصرية في السودان. أبوالمعاطي: شيخ مدينة شندي بالسودان وصهر خيرالدين أفندي. نادية: زوجة خيرالدين وابنة أبي المعاطي. النمر: ملك مدينة شندي بالسودان. خضر: ابن خيرالدين أفندي مرتضى. غنيم: أمين بيت المؤونة لجموع المجاهدين السودانيين. عوض الكريم: زعيم الدراويش المحاربين بالسودان. خويلد: مقاتل في جموع الدراويش. الشيخ الشرقاوي: شيخ الإسلام في مصر. السيد البكري– السيد السادات– السيد مكرم– شاه بندر التجار– قُواد عسكريون– أمراء بحريون– كتخدا بك– مأمور الديوان الخديوي– جنود– أهال.

وأمام صفحة “أشخاص الرواية” صفحة مكتوبة بالقلم الرصاص –وبخط مختلف عن خط المخطوطة– بها أسماء الممثلين الفعليين لهذا النص، وهم أفراد فرقة عكاشة، مما يعني أن هذه النسخة خاصة بالمخرج! والأسماء المكتوبة هي: عبدالعزيز خليل، عبدالله عكاشة، محمد يوسف، عبدالمجيد شكري، زكي عكاشة، محمد بهجت، حسن حبيب، أحمد فهمي، علي حمدي، فكتوريا، عبدالحميد عكاشة، محمد المغربي، محمد فهمي أمان، أبوالعلا، محمد هلال… إلخ.

وعلى الرغم من أن مسرحية “محمد علي وفتح السودان” تدور أحداثها قبل ظهور المهدي في السودان إلا أنني وضعتها هنا من باب الاكتشافات المسرحية المتعلقة بصورة السودان في المسرح المصري، ناهيك عن كون نصها ما زال مخطوطا (ملحق الدراسة، الصورة الثالثة والرابعة والخامسة)، ويُعدّ كشفا أدبيا ثانيا، هذا بالإضافة إلى وجود عنصر الدراويش في أحداث المسرحية، وهو عنصر ربما كان إرهاصا لظهور المهدي في ما بعد.

مسرحية تحت العلم
نص مسرحية "المهدي وفتح السودان"، هو وثيقة مسرحية أدبية تاريخية وهو أول مسرحية عن الثورة المهدية في السودان
نص مسرحية "المهدي وفتح السودان"، هو وثيقة مسرحية أدبية تاريخية وهو أول مسرحية عن الثورة المهدية في السودان
مسرحية “تحت العلم” ألفها عبدالرحمن رشدي المحامي عام 1926، وعرضتها فرقة رمسيس، بطولة يوسف وهبي وفاطمة رشدي، وقد توقع الجميع نجاحها نجاحا ساحقا؛ لأنها جمعت بين مؤلف قدير وممثل كان النجم الأول، وممثلة كانت الأشهر. وكفى بنا للدلالة على ذلك، ما أخبرتنا به جريدة “الأهرام” في إعلانها عن المسرحية قبل عرضها، قائلة:

“… تحت العلم، هي رواية مصرية سودانية. مأساة في أربعة فصول لأكبر كاتب مسرحي، درس المسرح، وعرف خوافيه. وكثيرا ما لعب بأفئدتنا، وأبكى عيوننا؛ الأستاذ القدير عبدالرحمن رشدي المحامي. وقعت حوادثها بين مصر والسودان. يُمثلها فرقة مسرح رمسيس، فترى الحوادث مجسمة: ثورة المهدي – الدراويش – عبدالله التعايشي – سعيد باشا – سلاطين باشا – الجيش المصري في صحارى النوبة. يُمثل أهم الأدوار الأستاذ النابغة يوسف بك وهبي- فاطمة رشدي”(جريدة الأهرام– 26/10/1926).

وهذه المسرحية غير منشورة أيضا، ولكنني أحتفظ بصورة منها منسوخة ومكتوبة بالآلة الكاتبة، وتقع في 86 صفحة من القطع المتوسط، ومكتوب في صفحتها الأولى– بعد الغلاف “رواية تحت العلم: صحيفة فياضة بالآلام، ذات فصول أربعة. وقعت حوادثها في وادي النيل بين سنتي 1884 و1897”. والنص مرفق بثلاث أوراق رسمية من جهاز الرقابة المسرحية وقتئذ (ملحق الدراسة، جميع صور الوثائق من الصورة السادسة إلى الصورة الثانية عشرة): الأولى، بها طلب ترخيص بتمثيل المسرحية موقعا من محمد عبدالجواد سكرتير مسرح رمسيس، ومؤرخا في 10/ 10/ 1926. والورقة الثانية عبارة عن تقرير رسمي من قبل الرقيب حسن حافظ، مؤرخا في 14/10/1926، وهو تقرير يحمل ملخصا للمسرحية، ورأي الرقيب في موضوع المسرحية، ولأهمية هذا التقرير سأذكره بنصه، وجاء فيه:

“تحت العلم: تتضمن هذه الرواية حديث إخلاء السودان سنة 1884، وما أصاب المصريين من المهديين المتوحشين بعد أن نكثوا العهود والمواثيق وعذبوا الضباط الذين وقعوا في الأسر. ثم تعود فتذكر فتحه سنة 1897 وإنقاذ الجيش المصري لأولئك الأسرى المعذبين؛ فإذا بين ضباط الجيش الفاتح أبناء للضباط الذين ظلوا في أسرهم كل ذلك الزمن لا يعلمون ما حل بأولادهم. وبين هذا وذاك تعرض قهوة من القهوات التي كانت في ذلك العصر شائعة كثيرة يغشاها الناس لشهود الرقص وسماع الغناء فإذا في هذه القهوة ضباط يلهون ويلعبون ويسرفون في اللهو واللعب والإنفاق فإذا حانت ساعة الجد والعمل تقدموا إلى الجهاد وبقلوب مطمئنة واستعذبوا الموت تحت العلم. تلك خلاصة ما تحتويه الرواية وليس فيها محظور اللهم إلا إن حسبتم ذكرى السودان بهذه الصورة من المحظورات، والرأي لحضرتكم على كل حال”.

وملاحظة الرقيب كانت في غاية الأهمية؛ لأنه يعلم جيدا محاولات الإنكليز في هذه الفترة لشق الصف بين الشعبين المصري والسوداني، لذلك ينبه رئيسه بأن إعادة تاريخ الصراع بين البلدين أيام الثورة المهدية تُعدّ من المحاذير الرقابية، مما يعني أن منع تمثيل المسرحية سيكون القرار الأصوب. وهنا تظهر أهمية الورقة الثالثة.

والورقة الثالثة عبارة عن الترخيص بتمثيل المسرحية، موقعة من مدير الرقابة، وموجهة إلى محافظ مصر –أي محافظ القاهرة– ومؤرخة في 1/11/1926، وهذا نصها “حضرة صاحب السعادة محافظ مصر، نرسل مع هذا لسعادتكم نسخة من رواية ‘تحت العلم’، التي رُخص بها، وهي تأليف عبدالرحمن أفندي رشدي، وستمثل ابتداء من الليلة بمسرح رمسيس. فالأمل التنبيه بحفظها للإشراف على التمثيل بمقتضاها مع مراعاة ما حذف منها في الصفحات: 3 و4 و5 و12 و14 و15 و23 و24 و26 و27 و28 و29 و32 و39 و43 و50 و55 و61 و62 ومراقبة عدم إلقائه أو تمثيله”.

وهذا التصريح يُعدّ من أهم الوثائق الرقابية، التي تبين موقف الحكومة المصرية –الممثلة في الجهاز الرقابي– تجاه السودان! فالأجزاء المحذوفة أو التي تم تغييرها، كلها أقوال مشينة ضد المهديين. لذلك قام الرقيب بشطب كل إساءة قاسية موجهة إليهم، كما أنه غيّر كل تعبير مستقبح وُجه إليهم في النص، وعدّله إلى كلام موزون، ملطف من موقف الحكومة المصرية تجاه ماضيها في السودان. ومثال على ذلك: تم شطب عبارة في الصفحة الثالثة، ونصها يقول “تقولش فيه حد ما يرضاش بانتصارنا على دعاة المهدي المضللين دول”. وفي الصفحة الرابعة تم حذف كلمة “الأمر” من عبارة “وزاد الطين بلة الأمر بإخلاء السودان”؛ وذلك عند الحديث عن حملة الجنرال هكس، وحذف كلمة الأمر يعني أن الإخلاء كان طبيعيا وليس بأمر من الإنكليز! وآخر مثال دال على ما نقول تمثل في حذف أطول عبارة في المسرحية، وذلك في الصفحة الرابعة عشرة، والنص المحذوف هو “ويجمعون نسوان الموظفين والضباط متزوجات وغير متزوجات، ويقدمونهم زي سبي الجواري بالبهدلة والضرب للدراويش الفجرة”.

وهكذا نالت فرقة رمسيس التصريح بعرض المسرحية، وعلى الفور بدأت في نشر الإعلانات، ومنها الإعلان المنشور في ملحق الدراسة (ملحق الدراسة، الصورة الأخيرة- الثانية عشرة)، ونصه يقول: “مسرح رمسيس، إدارة يوسف بك وهبي، تمثل فرقة رمسيس ابتداء من الاثنين أول نوفمبر لغاية 7 منه، رواية ‘تحت العلم’ تأليف الأستاذ عبدالرحمن رشدي المحامي. صحيفة من حياة مصر الخالدة حوت من الصور والبيئات المسرحية نماذج حيّة كانت تمرّ في أطوار حياتنا الماضية، وتحفظها الذكرى ولا تنساها… صحيفة ولو أنها فياضة بالآلام غير أنها تبتسم للمستقبل. صحيفة تبدأ بذكرى الضحايا العديدة التي تقدمت طائفة فرحة مستبشرة بالموت في سبيل الوطن وتختم بالنصر الذي يحيي في النفوس جيوش الآمال ظافرة مهللة مكبرة. يمثل أهم الأدوار: يوسف وهبي، فاطمة رشدي”.

وعلى الرغم من هذا الزخم حول مسرحية “تحت العلم”، إلا أنها فشلت فشلا كبيرا عندما عُرضت على الجمهور (مجلة الصباح 8/11/1926). وعندما سأل أحد النقاد مؤلف المسرحية: ما هو الرابط الذي يربط بين السودان، وحرب الدراويش، وحانات القاهرة ومواخيرها! أجاب المؤلف عبدالرحمن رشدي بأن غرضه أن يبين أن الحملة السودانية، وسفر الضباط المصريين فيها قد أفسدا من أخلاق الشبان أبناء هؤلاء الضباط؛ لأنهم تربُّوا بعيدين عن عناية آبائهم وملاحظتهم (جريدة البلاغ 9/11/1926).
----------------------------------------
المصدر :جريدة العرب 

ناشئة الشارقة تنظم جلسة حوارية حول التنوع الفني بالمعرض الرقمي لهيئة الشارقة للمتاحف

مجلة الفنون المسرحية


يُديرها أحد منتسبيها الثلاثاء المقبل (30 يونيو 2020) عن بعد

ناشئة الشارقة تنظم جلسة حوارية حول التنوع الفني
بالمعرض الرقمي لهيئة الشارقة للمتاحف 

تنظم ناشئة الشارقة التابعة لمؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين، الثلاثاء المقبل الموافق 30 يونيو 2020، جلسة حوارية عن بعد يُديرها المنتسب يوسف آل علي؛ حول التنوع الفني بالمعرض الرقمي الفريد من نوعه، الذي تنظمه هيئة الشارقة للمتاحف احتفالاً باليوم العالمي للمتاحف، تحت شعار "المتاحف من أجل المساواة: التنوع في أوقات الأزمات ".
تأتي الجلسة انطلاقًا من حرص ناشئة الشارقة على تعزيز التعاون المشترك، وتحقيق التكامل مع هيئات ومؤسسات ودوائر  المجتمع المحلي والإماراتي، إلى جانب إتاحة الفرصة لمنتسبيها في تنمية مهاراتهم المكتسبة من المشاركة في برامجها المتنوعة، بما يحقق استمرارية التعلم ونقل المعرفة.


تهدف ناشئة الشارقة من خلال الجلسة إلى إطلاع الجمهور على الأعمال الفنية المشاركة في المعرض الرقمي  الفريد من نوعه، الذي يجسد حرص هيئة الشارقة للمتاحف على تعزيز لغة الإبداع والفن  وأهميتهما في توحيد الشعوب على اختلاف ثقافاتها في ظل الظروف الراهنة، إضافة إلى  تشجيع الفنانين اليافعين والهواة الناشئين على إبداء آرائهم في المضامين المختلفة للأعمال الفنية، في حوار فني تفاعلي عن طريق بث مباشر عبر منصة زوم، في الساعة الثامنة مساء يوم الثلاثاء 30 يونيو.
ويذكر أن الدعوة عامة لحضور الجلسة وعلى للراغبين في المشاركة، من الجمهور ومنتسبي مراكز ناشئة الشارقة الثمانية وأولياء أمورهم، والشباب واليافعين من المهتمين بمسار الفنون، التسجيل عبر الرابط  WWW.SHJYOUTH.AE، أو من خلال صفحة ناشئة الشارقة على موقع انستغرام @SHJYOUTH.

                                     - انتهى -

عن ناشئة الشارقة
تعتبر ناشئة الشارقة، التابعة لمؤسسة ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين، مؤسسة شبابية تركز على الإبداع والابتكار والاكتشاف المبكر لمواهب الناشئة في الأعمار من 13 إلى 18 عامًا والعمل على رعايتها بشكل مستمر، وتهيئة البيئة الجاذبة للشباب لممارسة الهوايات وتعلم المهارات عبر مراكزها الثمانية المنتشرة في مختلف مدن ومناطق إمارة الشارقة، وتزودهم بالخبرات التي تنمي حسهم الوطني وتساعدهم على القيام بأدوارهم للنهوض والارتقاء بالمجتمع الإماراتي. 

عن هيئة الشارقة للمتاحف
تأسست هيئة الشارقة للمتاحف في عام 2006 كدائرة حكومية مستقلة، برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى - حاكم الشارقة، وتدير الهيئة 16 متحفًا على مستوى الإمارة، والتي تتميز بتنوع هائل في مواضيعها بين الفنون والثقافة الإسلامية، وعلوم الآثار والتراث، والعلوم والأحياء المائية، وتاريخ إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة.

( في أنتظار النتيجة ) تأليف *جمان حلاّوي مسرحية من شخص واحد

مجلة الفنون المسرحية

 ( في أنتظار النتيجة ) تأليف *جمان حلاّوي
مسرحية من شخص واحد

     
( يدخل الممثل المسرح حافي القدمين متلفتا" فيما الإضاءة تامة ،
ناظرا" باستمرار من حيث دخل )
( هناك جمهور وهمي على كتف المسرح الايسر يحدد المخرج وضعهم )

( مخاطبا" الجمهورالوهمي ) : يكولون هنا مهرجان المونودراما وأنتو جايين تشاهدون مسرحيات المهرجان . مو صحيح ؟ آنة أيضا" أحب المسرح ..
آنه واحد منكم وما أختلف عنكم بشي : راسي , رجلي , عيوني .. لكن اختلف عنكم بشي واحد وراح تعرفونه بعدين. هو مو اختلاف جوهري , لا..لا . هي مسألة حسابية فكرت بيهه وي نفسي ردت لها حل .. احنه نسوي شي .. نخلقه وبعدين نبدي نعبده , نخليه يسيطر علينه ونترجاه يحل مشاكلنه..

( مخاطبا" شخصا" ما خلف الكواليس ) : دقيقتين مو كلت لك , دقيقتين وأطلع . أي مايخالف , دقيقتين مو أكثر

( مخاطبا" الجمهور مؤشرا" تجاه الكواليس ) : انطيته جم فلس حتى خلاني أدخل عليكم .
كلت له : عندي حجاية أحجيها وأطلع
كلـّـــــي : بس أستعجل لاتطوّلهه تره ممنوع !!
حطيت بيده جم فلس فوكهن ....
كلــّـــــي : ممنو....ن

المهم انتو جايين هنا حتى تشوفون مسرح , جيد . المسرح يخلّي الواحد يشوف نفسه ,
هنا اللي تشوفونه مايختلف عن برّة أبدا" : برّه واحد زائد واحد يساوي اثنين
وهنا واحد زائد واحد يساوي اثنين !!
لا تتوقعون هنا الواحد زائد واحد يساوي تلاثة أبدا"..!!
أو مثل ما يكول البرت آينشتاين : واحد زائد واحد يساوي واحد على أساس سرعة الضوء
نهائية , احنه مو يم هذا الموضوع ..
الواحد زائد الواحد يساوي اثنين وين ما نروح , هي قاعدة حطيناها وابتلينه بيهه..
وانتو تدرون ماراح تشوفون غير( واحد زائد واحد يساوي اثنين ) لكن متعلمين تنطون
فلوس , وقسم منكم استغل صلة القرابة والصداقة يمكن ويه مدير المسرح أوأحد الممثلين
وذوله سوّوا براسه فضل حتى يشوف هنا ( واحد زائد واحد يساوي اثنين ) !
أي مو هي موجودة بكل مكان : بالشارع , بالبيت , وين ما نروح , بس المهم حتى يكولون هذا مثقف والله , من النخبة , يشوف مسرح !!

أو بعض الناس عاجبهه تشوف ( واحد زائد واحد يساوي اثنين ) ممثّلة و مرمّزة واحتمال
التلاعب بالقاعدة وارد , لذلك ماتريد تقوم بالدور.. تريد ممثل يقوم بالدور وهي تنزوي
وتشاهد مثل التلصص ويسمونه بلغة ما أدري منوهمّ ( فيتيش Fetish ) وهو مرتاح
و يكرّز حب لو شاميّة !!
ومن يتجاوز الممثل على القاعدة ويسوّيها ( تلاثة ) مو ( اثنين ) تكول ويّه نفسها :
هم زين أحنه خارج قوس وكبالنه واحد ضحى بنفسه . واحنه ما علينه .. احنه بس نباوع
احنه شعلينه , هذا مسرح رسمي و ماخذ إجازة عرض وكل شي حسب الأصول ..
إخوان تره ( واحد زائد واحد تساوي اثنين ) وما تصير تلاثة و محد يكدر يسويها ثلاثة
بس خسرتوا فلوس بلاش . ومنو راح يرجّعها لكم . همّه ما صدكوا أخذوا فلوس .

الكل تاخذ فلوس والكل يريد فلوس حتى يراووكم ( واحد زائد واحد يساوي اثنين ) نوبة
بالاحمر ونوبة بالاخضرعلى أساس هناك صراع خفي وراح نحلها بالكلام والاشارات
والتلميحات .

آنه أخذت من وقتكم وصاحبنه ( مؤشرا" تجاه الكواليس ) يأشر لي , يكلّي خلصت فلوسك
لكن كبل ما أطلع اكل لكم انتو ما راح تشوفون الا الدور اللي تحاولون تتخلصون منّه ..
تتهربون منّه , بس يظل هوّ عايش وياكم ..

( مخاطبا" الشخص الوهمي خلف الكواليس ) : ها نبدي استاد ؟!!
( مخاطبا" الجمهورالوهمي ) : تره آنه الممثل بالمسرحية اللي تنتظروها !!
( مخاطبا" الشخص الوهمي خلف الكواليس ) : أي شلون أبدي التمثيل ؟ غير تطفون
الإنارة وتسلطون spot عليّ ؟!
أي صار , صار آنه جاهز
( يقوم بحركات سويدية للإحماء )
( مخاطبا" الجمهورالوهمي ) : راح نبدي التمثيل , لا تتململون , بس أنتظر مهندس الإنارة يطفي
الاضوية ويسلّط spot عليّ .. هشّكل يبدي المشهد اللي ينص ان هناك واحد يريد ينهي حياته وحسب مزاجه , يريد يحطم القاعدة اللي تكول ( واحد زائد واحد يساوي اثنين ), وآنه اللي راح أقوم بهذا الدور .

(أطفاء تام للأنوار , spot على الممثل وقد وضع حبل المشنقة في رقبته يحمل طرفها بإحدى يديه , وقد أخرج لسانه مطلقا" أصوات اختناق .)
(يحاول شنق نفسه لكنه لا يستطيع فطرف الحبل بيده ولم يعلّقه ! )
(يركض في أنحاء المسرح وحلقة الحبل في رقبته وطرفه بيده يجرّ به , لكنه لايوفّق بشنق نفسه.)
(يسقط على الأرض لاهثا" )
( إنارة )
الممثل : ما يصير هالشكل أشنق نفسي , لازم اعلّك الحبل بالسكف ..
أف والله مهزلة يعني حتى أحطم ( واحد زائد واحد يساوي اثنين ) لازم أطبّق ( واحد زائد واحد يساوي اثنين ) حسب الاصول , لكن مايخالف وأمري لله بس بمزاجي وبإرادتي . نعم بإرادتي ..
( ينظر الى السقف ) : المشكلة الحبل قصير .. ورطة .. كلت لبو الحبال : أريد حبل قوي
يتحمّل ثقل جسمي !
فتح عيونة متعجب حسباله آنه من هواة تسلّق الجبال ومنطقتنه مابيها جبال !!
جاوبته : يابه آنه اريد أشنق نفسي ليش هالصفنه ؟ تره الدنيه ما تسوه صفنه
باوع لي زين , باوع لرقبتي , أستوعب المسألة وكلّي( مقلدا" صوته ) : كل شي بسعره , أكو حبل نايلون مثل هذا , وأكو حبل ليف . حبل الليف يموّت بسرعة بس سعره غالي .. تعرف هذا شغل أيد مو شغل مكاين مثل النايلون .. تريد تموت زين أدفع أكثر !!
جاوبته : لكن آنه ما عندي فلوس تكفي وأريد أموت شلون ؟!
كلّي ( مقلدا" صوته ) : مايصير , تدفع فلوس أكثر تموت أسرع .. النايلون يتزحلك على رقبتك , يعني يخنكك بس وما تموت بسرعة , تتلوّع بموتتك !!بس سعره أرخص ..
جاوبته : يمعوّد ساعدني حتى أموت بسرعة !!
كلّي ( مقلدا" صوته ) : أستغفر الله اساعدك حتى تموت بسرعة , يعني انطيك حبل الليف بسعر النايلون ؟ من أكابل ربّي باجر شكلّه ؟ بس على الاقل من تدفع فلوس حبل الليف بالكامل صارت عملية تجارية بيع وشراء , والدين والقانون محللها , يعني ما ساعدتك على الموت . موهذا حرام . أدفع أخويه أدفع !!

رحت أبيع ساعتي حتى أشتري الحبل. كلت ويّ نفسي : بعد آنه شسوّي بالوقت مادام راح أموت والسلام !
أبو الساعات ما نطاني سعر بساعتي . ضحك علي وكلّي( مقلدا" صوته ) : هاي ساعتك ماتسوه فلس !!
جاوبته : أي هاي الساعة اللي عارضها مو مثل ساعتي , أشو السعر عليها خيالي !
كلـّـــّي ( مقلدا" صوته ) : شوف , اللي يريد الوقت يدفع بيه فلوس , واللي ما عاجبه الوقت ما يحصّل من وراه فلوس !!
( ويّه نفسي ) : خوش حجي والله !

رجعت لبو الحبال : الله يخليك ساعدني أريد أموت نفسي وما دبّرت فلوس !
جاوبني( مقلدا" صوته ) : انّا لله وانّا اليه راجعون , انطيني عمّي حذاءك يسد فلوس الحبل . انت شلّك بالحذاء خو مو راح تتنزه بي بالآخرة !
نطيته الحذاء ونطاني حبل بس كصير بكد فلوسي والحذاء , وكلّي : هذا بكد ما نطيتني عن الحلال والحرام . علكه بسكف ناصي !!
منين أجيب السكف الناصي . نسيت أكلّه راح أشنق نفسي بالمسرح وماكو مسرح سكفه ناصي !!

( يحاول شنق نفسه مرة أخرى بسحب الحبل بيده , لكنه لايستطيع . يخلع الحبل من رقبته
ويرميه ..)
الممثل : ما كو فايدة آنه فشلت , ومدير المسرح يسب ويلعن , يريدني أقوم بدوري وأشنق نفسي على الوجه الاكمل حتى لا تشعرون انتو دفعتوا فلوس بلاش مقابل واحد ما يعرف بشنق نفسه ..
بأمكانكم تساعدوني حتى أشنق نفسي..
ما تكدرون , انتو جايين تباوعون بس, هاي مشكلة ...
انزين , نعقد أتفاق تكولون بيه: احنه شنو راح نستفاد اذا هذا شنق نفسه ؟!
لكن هي هم عملية تجارية : دفعتوا فلوس حتى تكعدون تباوعون موضوع يعادل ما دفعتوا من أجله .
آنه اللي لازم امثّل . أنه اللي لازم أشنق نفسي وبأرادتي حتى احقق مضمون المسرحية اللي تنسف قاعدة ( واحد زائد واحد يساوي اثنين )

صوت خارجي : بابا ليش تريد تموّت نفسك ؟
بابا أرجوك احنه ننتظر جيتك ؟!
الممثـــــــــــــل : ابني لعد شلون أعيشكم , هذا العمل اللي وراه أكدر أعيشكم
صوت خارجي : بس انت راح تموت بابا ؟
الممثــــــــــــل : هذا الدور الوحيد اللي حصلت عليه , وأذا ما أقبلة تموتون جوع !
( مؤشرا" الى الجمهور ) هم السبب , يريدون يشاهدون مسرح يرمز
لتغيير الواقع اللي عايشينه واللي مايكدرون يغيرونه
صوت خارجي : لكن بابا احنه شنو ذنبنه ؟
الممثــــــــــــل : حاولت الاتفاق وياهم , ماحرّكوا ساكن .. يريدون مسرح يصير بيه شي
مغاير للواقع حتى يتهامسون وقت الاستراحة : هذا الرمز يعني فلان
شي وذيج الحركة تعني فلان شي .
ويكعدون يحجون بالبراكماتية والسينوغرافيا الطليعية والحداثوية الزمكانية
لكن شنو الفايدة من يرجعون لحياتهم اليومية يمارسون وبكل دقّة وحسب
الاصول وضمن التراكمات القبلية والاسرية القاعدة ( واحد زائد واحد
يساوي اثنين)

(الى الجمهور بنفاذ صبر ) : الاتفاق وياكم مايفيد صار لي ساعة اتكلم ومحّد منكم تعّب نفسه وأنطه رأيه..
هذا آنه اللي واكف عليه مو خشبة مسرح أخوان .
وهاي اللي أمامي مو صالة مسرح .
هاي هيّ الدنية , وإذا شنقت نفسي كلكم راح تشاركوني بنسف القاعدة ( واحد زائد واحد يساوي اثنين )
" من يشاهد نسف القاعدة فهو ضمن أصولها وضوابطها ويعتبر مشاركا" بنسفها . والمشترك كالفاعل بل أكثر فهو المحرّض والعقل المدبّر .
ومن يقوم بالفعل ضمن أصول القاعدة يعتبر مجرد منفّذ لا أكثر !! "

( صوت صفارة الشرطة )

الممثــــل : واحد منكم اتخذ دور ( يهوذا الاسخريوطي ) .. خبّر الشرطة !
راح توصل الشرطة حتى ياخذوني وياخذوكم لأن القانون لايسمح لأحد ان
ينسف القاعدة , وأذا تخربطت القاعدة لازم تتخربط حسب ما هم يريدون
ويخططون ضمن أصول القاعدة نفسها

( صياح ديك ثلاث مرات )

الممثــــــــل : أنكرتموني ثلاثا" حين وصلت الشرطة وأنا لم أكمل كلامي بعد ..
لكني مازلت أؤمن بكم وسأخرج لكم بعد ثلاث ليالي بدمي ولحمي لأسمع
النتيجة المرجوة منكم .. ربما

( ستــــــــــــارة )

*Email / jumann59@yahoo.com

------------------------------------------------------------------
المصدر:الحوار المتمدن

السبت، 27 يونيو 2020

"الثقافة المغربية" ترى النور في "نسخة إلكترونية"

باب ما جـــاء في احتفاليـــة " كــورونـــا (01) / نجيب طلال

الجمعة، 26 يونيو 2020

ببالغ الحزن والاسى تنعى نقابة الفنانين العراقيين رحيل الفنان الكبير الرائد مناف طالب

مجلة الفنون المسرحية

ببالغ الحزن والاسى تنعى نقابة الفنانين العراقيين رحيل الفنان الكبير الرائد مناف طالب والذي وافته المنية في تمام الساعة الرابعة من عصر هذا اليوم الجمعة ٢٦ حزيران سائلين المولى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يلهم ذويه ومحبيه وزملائه الصبر والسلوان.
الفنان مناف طالب المولود عام 1940 في مدينة الكوت أحب التمثيل مبكراً وقد دفعه هذا الحب الى الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة، وبعدها تخرج من قسم التمثيل عام 1965 اصبح مشرفا فنيا في تربية مدينته الكوت ومن ثم انتقل الى ديالى ليمارس ذات المهنة.
في عام 1973 تلقى دعوة من الفرقة الوطنية للتمثيل التي كان أسسها الفنان حقي الشبلي عام 1968 ليكون احد اعضائها, وكان اول مشاركة له مع الفرقة من خلال مسرحية "نشيد الارض" تأليف الفنان بدري حسون فريد واخراج الفنان محسن العزاوي.
ومن المسرح انتقل الى التلفزيون وكان اول عمل له اوائل السبعينات برنامج "أريد أبرد كلبي" أعداد وأخراج الفنان حامد الاطرقجي .
في عام 2006 غادر العراق مثل غيرة من الفنانين الذين تركوا البلاد بسبب اعمال العنف واستقر في سوريا ليواصل عطاءه الفني حيث شارك في اغلب المسلسلات التلفزيونية التي انجزت هناك منها: سارة خاتون, والمجهول, ومطلوب زوجة حالا, وجر السلالم, واخر أيام الصيف, والرصافي, وعش المجانين, وحب في الهند، ورائحة العاقول, واخرها مسلسل المعتقل "نكرة السلمان" الذي يتحدث عن معاناة السجناء السياسين والفترة العصيبة التي مر بها العراق، كما له مشاركات في العديد من المسرحيات التي قدمت على خشبة المسارح في دمشق فضلا عن أخراج عملين مسرحيين.

المسرح العالمي.. إسكافي في عالم بلا أحذية

مجلة الفنون المسرحية


المسرح العالمي.. إسكافي في عالم بلا أحذية

لطالما قامت روح الفنون الحية على أن العرض يجب أن يستمر على الرغم من أي واقعة أو حادثة أو خلل. وبالنسبة إلى هذه الفنون، وعلى رأسها المسرح، فإنها تعيش في لحظة مظلمة من تاريخها، ولا مبالغة في القول إنه فصل غير مسبوق في سيرة المسرح العالمي، حيث الخشبات في أكثر من نصف مدن العالم مقفرة ولم تشهد عرضاً واحداً منذ أشهر.

تبدو حالة الإغلاق العالمي تراجيديا يظهر معها أن "أبا الفنون" في عالم ما بعد الوباء لن يكون نفسه... المساحة التي كانت قائمةً على القرب وتلاصق المقاعد سوف تناقض ما عاش عليه الجمهور في شهور الصدمة والتباعد الاجتماعي والخوف من الاقتراب والتلامس.

المسرحيون اليوم أمام السؤال الذي يواجه كل شيء، يمكنهم العودة إلى الطرق القديمة أو تحديد مسارات جديدة، أو ربما يتقدمون نحو عمل جماعي أكثر إنصافاً وحباً ممّا فعلته المؤسّسات والفرق المسرحية من قبل. على سبيل المثال، طرح فتح الأرشيفات الرقمية للمسارح العالمية التاريخية وإتاحتها للجمهور في كل مكان سؤالاً: لمَ لم يكن ذلك ممكناً من قبل؟

"
نبّهت العروض الافتراضية إلى أهمية التصوير الاحترافي
"
وفي نيويورك أخذت بعض الفرق المسرحية عهداً على نفسها بأنّ أول شيء ستفعله عندما يُسمح بالتجمّع مرّة أُخرى، أن تجوب الأحياء وتؤدّي للناس في كل زقاق وبلدة ومدينة، لأن الحاجة إلى إظهار أهمية المسرح الحيّ أصبحت أكثر ضرورة من أي وقت مضى. ولكن لماذا لم يكن هذا التفاني في إيصال العرض إلى الأحياء المهمشة مطروحاً هكذا من قبل؟

في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول الكاتبة المسرحية والمخرجة الأردنية المقيمة في برلين آمال خوري: "في رأيي، قوّة المسرح تكمن في وجودنا معاً بأجسادنا، المسرح هو جسد ومكان، وحتّى حين يكون العرض افتراضياً مباشراً، فهو في الحقيقة مجرّد تسجيل. إنّ فعل المسرح بلا حضور للجسد يبدو لي فعلاً في غاية العنف، ولا أحاول أن أكون مشتائمة، لكن قوّة المسرح تكمن في المجازفة التي نخوضها ونحن نقدّم عرضاً حيّاً أمام أشخاص حاضرين بأجسادهم. هنا تكمن خطورة المسرح، وفي هذه الخطورة يظهر معدن العمل إن كان جيّداً جدّاً أو سيّئاً جدّاً".

نسألها عن تجربتها كمتلقية للمسرح الافتراضي، فتوضّح: "تابعتُ عرضاً من المسرح الوطني البريطاني، وكانت هناك كاميرا من زاوية معيّنة تتغيّر كلّ فترة، وهذه فرضت عليَّ تجربة مشاهدة مختلفة جدّاً، ويجري التدخّل فيها باستمرار، أضف إلى ذلك الفذلكة في تبديل زوايا الكاميرا بحيث تصبح زاوية المشاهدة هي وجهة نظر المصوّر واللقطة المأخوذة، وليست زاويتي أنا كمتفرّج، وأنّ وسيطاً جديداً، أقرب إلى السينما، دخل على تجربة تلقّينا للمسرح حين تحوّل إلى تجربة افتراضية".

تعلق مخرجة "هي هو أنا"، وعلى نحو ساخر بقولها: "أحسّ أنّني هذه الأيام anti- theater، والسبب شعوري أنّ لا أحد يفتقد المسرح سوى نحن أهل المسرح نفسه، وربما أكون مرتاحة على نحوٍ تهكّمي وفارق لكون المسرح الذي أعشقه ليس موجوداً. كان من المفترض أن تُعرض مسرحيتي في حزيران/ يونيو الجاري في نيويورك، وقد ألغي العرض، ونحاول الآن تقديمه افتراضياً، وخياراتنا كفريق هي تقديمه كسرد رقمي قائم على قراءات الممثّلين، ذلك أن العرض وثائقي ويحتمل فكرة الشهادات، لكنّني أفكر بعرض المسرحية على منصة (زووم) المخصّصة للاجتماعات للإبقاء على التفاعل المباشر والمشاهدة الأقرب إلى جو المسرح الحيّ".

أما المخرجة المسرحية الفلسطينية اللبنانية علية الخالدي، فتقول لـ"العربي الجديد"، إن "المسرح في أيام الأوبئة في القرن التاسع عشر مثلاً وأوائل القرن العشرين تضرّر أيضاً، وكُتُب التاريخ تذكر أحوال المسارح وإغلاقها في تلك الفترة، ولكنّ ما حدث للمسرح في 2020 يشمل عدّة أمور؛ أوّلها أننا لجأنا إلى مشاهدة المسرحيات الغربية أونلاين، وهذا أتاح لنا متابعة عروض خلّاقة من (الناشونال ثياتر) و(الرويال كورت) في لندن، وعروض (برودواي) أيضاً. ومنها ما أُتيح لوقت قصير فقط ثم رفعت، ولكنها منحتنا نوعاً من الدفء وتذكيراً بأن المسرح ما زال حياً". تكمل: "كما أننا عرفنا أن هناك مسارح أزالت الكراسي بشكلها المألوف في برلين، ووضعت المقاعد متباعدة وقليلة، أمّا أنا فكنت قد وصلت إلى حالة من اليأس قبل أن أبدأ في متابعة العروض الافتراضية والمسجّلة".

"
بات المسرح الحيُّ اليوم أكثر ضرورة من أي وقت مضى
"
تُلفت مخرجة مسرحية "عنبرة" إلى أنّ العروض الافتراضية "جعلتنا نعيد التفكير اليوم في تمسّكنا بأن المسرح لا بد أن يكون عرضاً حياً وأن العلاقة المباشرة بين الممثّل والجمهور أساسية والتمسّك بأهمية وجود ممثّلين على الخشبة، ولم نكن قبل هذه اللحظة نعطي أهمية لتصوير أعمالنا بطريقة محترفة، وهذا شيء لا بد أن نعيد النظر فيه كمسرحيين".

تكمل: "ما رأيناه أونلاين هي عروض مسجّلة وكان فيها جمهور، لذلك جاء العرض طبيعياً حين شاهدنا نسخة منه، ورأينا عروضاً فيها على الأقل خمس كاميرات من زوايا مختلفة ولقطات كلوز آب، وهذا زاد من واقعيتها"، وهذه مسألة تشير الخالدي إلى أنّ المسرحيّين العرب لم ينتبهوا إلى أهميتها، لافتةً إلى أعمال ربيع مروة ومعظمها - بحسب المخرجة - محاضرات أدائية وتصويرها جزء منها، ولا مشكلة لدى المتلقّي في حضورها أونلاين.

المسرح الافتراضي، في رأي الخالدي، يمكن أن يكون مسرحاً بديلاً، مؤكّدة أنها لم تقم أبداً بأي تجربة إخراجية افتراضية، ولكنها خلال هذا الفصل كأستاذة مسرح في الجامعة اللبنانية الأميركية حثت طلابها خلال فترة الحجر على تجربة هذا الشكل، إلى جانب أنهم أعدوا مسرحياتهم من منازلهم فاضطرّوا إلى ابتكار خشبة وسينوغرافيا بشكل خلّاق في غرفة من البيت ومن الصفر.

بالنسبة إلى المسرح ما بعد كورونا في لبنان، دون أن ننسى أنه فنّ متوقّف في البلاد منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بسبب المظاهرات والأوضاع السياسية، تقول الخالدي: "لا بد أن نفكر بطرق جديدة للتعبير، دون أن أستثني المسرح التقليدي الذي أنتمي إليه"، وتكمل: "أكيد سيتغيّر المسرح بعد كورونا، لأنه في الأصل فنّ يتطوّر ويتغيّر باستمرار، ولأننا مررنا بظرف استثنائي، ولكني أعتقد أنه سوف يتغيّر إلى الأفضل، والأهمّ أن يكون المسرح متاحاً للجميع، فنحن نعرف أنّ العروض التي شاهدناها من بريطانيا مثلاً تذاكرها في الواقع لا تقلّ عن خمسين باوندا، وأنها للنخبة فقط".

يجد المسرحيون أنفسهم اليوم أمام شرط يفرض عليهم اكتشاف طريقة أخرى للقيام بما اعتادوا على فعله دائماً، في يومياته خلال فترة الحجر يكتب المخرج المسرحي الكندي كين شوارتز، الذي قدم العديد من التجارب خلال الثلاثين سنة الماضية: "أنا لست فناناً رقمياً... عملي كان مع الفنانين الذين يسافرون مسافات طويلة لتجربة شيء جميل وحميم (...) أشعر أنني إسكافي في عالم الناس فيه لم تعد ترتدي الأحذية

----------------------------
المصدر : العربي الجديد

الخميس، 25 يونيو 2020

صدور مجموعة مسرحية جديدة بعنوان "عرائس بشرية " للكاتب العماني نعيم فتح نور

سيكولوجيه انتاج الصورة الجمالية في الإخراج المسرحي / أ.د.حسين التكمه جي

مجلة الفنون المسرحية 

سيكولوجيه انتاج الصورة الجمالية في الإخراج المسرحي / أ.د.حسين التكمه جي 

. تعتبر الصورة بجل تصانيفها هي موضوع الحدس الجمالي , يستدعي الفنان المبدع على وفقها صياغة آليات التعبير , بوصفها أما انعكاس للواقع وإما انعكاس سيكولوجي للذات المبدعة داخليا إذ أنها وسيلة التعبير القصدية عن مكنونات الأرق السيكولوجي لاستنهاض الفكرة , ويعد التعبير في علم النفس مدخلا للدلالة عن الجمال لأي مسرحي وفني , حينما تنشأ تلك العلاقة وجدانيا بين الذات المبدعة والموضوع المؤرق للذات إذ ذاك يعد مظهرا من مظاهر التحكم في طرح الفنان لعمله . 
فالذات بطبيعتها الحسية تكشف عن مكنوناتها على وفق ذلك التفرد الذي يستدعي قيام وتفسير المنجز الإبداعي , منطلقا من الحافز الجمالي المساهم والمكتنز في اللاشعور بوصفه الدافع الذي يثري بدوره ثراء الصورة , وعليه فإن الصورة الجمالية للعرض المسرحي تستدعي العديد من المرجعيات الساندة للمخرج للولوج نحو انتاجها الفني بعيدا عن نكوصها وضبابيتها مستنبطا الفكرة من بين طياتها , انما يلزم الأمر بالضرورة ان تكون مكتنزة بمرجعيات الذهن المنفذ لماهياتها وارتباطاتها التشكيلية والبنائية والفنية والفلسفية والدلالية والعلاماتية ايغالا في بناء افعالها الحركية والسمعية والبصرية في نسق منسجم يدفع بها نحو الابتداع الجمالي , فصناعة الجمال يندرج في ملكة التعبير والاحساس السيكولوجي لكل من المبدع والمتلقي على حد سواء 

وتشير الدراسات السيكولوجية بأن مركز تكوين الصورة للمخرج ولأي فنان هو الذاكرة ,كونها تستقبل المعلومات من البيئة المحيطة بوساطة مستقبلات الفرد الحسية كمدخلات تسري بها نحو المخ, وتعد الذاكرة المسؤولة عن تسجيل الانطباعات والصور والأحاسيس فضلا عن حفظها ثم إعادة استرجاعها , وعلى وفق تراكم الخبرات والخزين المعرفي المحض في الذاكرة طويلة الأمد بما تحيط به وتنزوي عليه من أفكار وميول واتجاهات وسلوك وتصورات وصور تراكمت في ذهن المبدع طيلة حياته , وعن طريق الأعصاب الحسية شديدة  الانعكاس التي تقوم بدور سريان وتدفق تلكم المعلومات  والصور الى المخ بصيغة عقلية متعالية  بحسب  نظرية ( التكوين العرضي ) والتي تنهض على ثلاث محاور . 
1- -:الترميز (  encoding)  . الذي يفسر المعلومات ويرمزها بوصفها نتائج معرفية للخبرة ويهيئها الى التخزين .
2- التخزين -: (storages ) أي حفظها في مخزن الذاكرة طويلة الأمد وتلك هي استراتيجية الدماغ او الذاكرة . 
3- الاستعداد والاسترداد -: وهي لحظة الإبداع الفكري لإيضاح الصورة البصرية بعد استردادها وفحصها وتمحيصها واتخاذ قرار بشأنها معتمدة على شروط الرؤية الجمالية 
ولا يقوم هذا الامر إلا عن طريق المنبه الحسي للفكرة لكونه يترك انطباع شديد الحساسية 
( خيال خصب ) يتلاطم مع مخرجات التخزين متمما تفكيكها وتركيبها مستظهرا منه الخزين غير المرئي مستغرقا مقدارا طويلا من الزمن لا يستهان به , فالعملية برمتها تبدأ بالأدراك الحسي وتنتهي بالأدراك الذهني  ( العقل )  وهو ما  يؤكده ( كانت ) في كتابة ( نقد العقل المحض ) . 
فالاستدعاء هنا هو استحضار الماضي والحاضر في صور متعددة ( الفاظ ,حركات , صور دلالية ) كما نسترجع بيت من قصيدة أو حادثة قديمة , اذ يمكن القول انها بمثابة جهاز تسجيل او شريط سينمائي يتحرك داخلنا تكتنفه المناظر والأصوات والأضواء والأفكار والرؤى . وإن الخيال المولد كما يقدم له ( كانت وكولد رج ) حينما يعرفه بالتصور بوصفه الرابط بين الأدراك الحسي والفهم في عملية تفكير طويل ومتسلسل لحيثيات الصورة مثله كمثل الجسر الذي يربط عالم الفكر بعالم الأشياء . 
مما يدفعنا للقول بان تجليات الصورة تكتنفها الصعوبة من حيث أن الجمال الصوري يسعى جاهدا لجعلها تسمو نحو المقولات المتسامية . فهي حين إذ توصف بأنها ( صورة مجردة ) في ذاكرة المخرج , يسعى المخرج لمداولة إنتاجها ماديا على الخشبة من حيث انها تعد خلاصة مضمون التجربة سعيا لتحقق الجمال , ويرى ( فرويد ) أن هذا الاستدعاء ثم الاستدعاء ما هو سوى صراع داخلي يتجلى في المصالحة بين الذاتين العليا والسفلى لدى الفنان , ذلك لأنها تستجمع قدر كبير من المادة المجسدة لجميع عناصر العرض حتى لتبدو شاخصة للعيان , كون الذي يساهم في انتاجها هي قوى الدافعية بدءا من ظهور شحنة انفعالية ( شرارة , قدحة , صفر جمالي ) وصولا حتى اكتمالها المادي , وذلك ما يعرف بالاستبصار بوصفه استراتيجية المواجهة مع المادة والأدوات لتنفيذ العمل الأبداع , وربما تتأتى على وفق نظرية الألهام الأفلاطوني حينما يدنو المخرج من الفكرة والتيمة والتي تشعره بالوصول الى غايته لمرحلة الاكتمال . 
وذلك ما توفره العناصر الأساسية الساندة للموضوع والفكرة معا , المؤدي بأدواته المعرفية وحركاته التفعيلية وازياءه الدلالية وعلاماته المعرفية واضاءته الرمزية وموسيقاه ومؤثراته التعبيرية ومناظره البيئية , وكأن المخرج يستجمع قدراته الحسية والذهنية لصبها في قالب تكويني مماثل للفكرة , مستنبطا المعنى ومعرفا بالدلالة والعلامة وساعيا لخلق الدهشة في هذا الجمال , انه في الحقيقة فعل حيوي يتم من خلاله انتقاء الصورة من بين ملاين الصور الراكدة في المخيلة بحيث يستدعيها بعملية انتقاء دقيقة تستوفي حضور المعنى وتوكيد الجمال والسمو والرفعة , ذلك ان الجميل حقا هو كل ما ينطوي علية الشكل والمضمون دفعة واحدة , فالصورة في كينونتها باعثة على مبدأ اللذة أو مثيرة في مرآها . وهو ما يدفع ( جورج سانتيانا ) للقول بان الصورة تنسيق من الطاقة المخزونة لا افتعال فيها ولا تصنع, وترى الدراسات الفلسفية بانه عندما تترجم الفكرة الى صورة في حالتي الاستعارة والرمز ستنفجر الفكرة بكل بساطة , فإذا كان لسلسلة من الكلمات لها معنى فإن مقطعا من الصورة له الف معنى .

المصادر 
1- اميرة حلمي مطر ,فلسفة الجمال و القاهرة ,دار المعارف , 1974. 
2- جيروم ستونليتز , النقد الفني ,تر , فؤاد زكريا , جامعة عين شمس و 1974. 
3- جورج سانتيانا , الاحساس بالجمال , تر محمد مصطفى , القاهرة , الانجلو المصرية , ب ت .
4- جعفر الشكرجي , الفن والخلاق في علم الجمال , عمان , دار حوران , ب ت . 
5-  فاضل الأزيرجاوي , أسس علم النفس التربوي , جامعة الموصل , 1991 . 
6- هيجل , المدخل الى علم الجمال , تر جورج طرابيشي , دار الطليعة , بت .
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption