مسرحية “ليلك ضحى” …صرخة ضد الإرهاب والتطرف / د.عزة القصابية
مجلة الفنون المسرحيةمسرحية “ليلك ضحى” …صرخة ضد الإرهاب والتطرف / د.عزة القصابية
يُعد الكاتب والمخرج الأردني غنام الغنام من الكتاب القلائل الذين ينتقون موضوعاتهم بدقة وعناية، قبل أن تصبح أعمالا إبداعية تسلط الضوء على إحدى القضايا الإنسانية المعاصرة. والفنان غنام الغنام عضو نقابة الفنانين الأردنيين، ورابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. كما أنه عضو مؤسس لفرقة المسرح الحر، ورابطة مسرح بلا حدود. وفي الآونة الأخيرة، فاز نص مسرحية (ليلك ضحى) لغنام الغنام بجائزة (يوشي أوداشيما) لترجمة التأليف المسرحي، بعد أن قامت اليابانية (ماهو واتانابي) بترجمة ذلك النص إلى اللغة اليابانية ليصبح عنوانه (ليلك ضحى.. الموت في زمن داعش). وقام مجموعة من الفنانين اليابانيين بإخراجه في مقاطعة سايتاما. علما بأن مسرحية (ليلك ضحى) عرضت في أيام الشارقة 2018 م، وسبق أن فازت بجائزة التأليف المسرحي من وزارة الثقافة الأردنية عام 2016.
(ليلك ضحى) والموت في زمن داعش!
تحدثت مسرحية (ليلك ضحى) عن قوى الاستبداد الظالم والتطرف التي ظهرت في واقعنا المعاصر بصور وأشكال شتى تمثلت في الجماعات الإرهابية ونظام القاعدة سابقا، وصولا إلى ما يسمى بنظام (داعش) الإرهابي، الذي سعى إلى تمكين العنف والدماء، بدلا من القيم الإنسانية والجمالية. وتسلطت القوى الداعشية على رقاب البشر باسم الدين، في حين أن الدين منها براء، كما وصفها الكاتب الغنام، على لسان شخصية ليلك:” أخرج يا دودة تنخر عصب الدين، تشوه وجه الله، و تهتك روح الإنسانية، أخرج قبل أن أقتلك بيدي هاتين”.
الحكاية…تسرد الراهن المعاصر
انتشل الكاتب من قصص داعش اللا إنسانية التي تزهق الأنفس دون وجه حق، ليستخلص منها قصة زوجين يعيشان في منطقة “تل القمح” التي تسيطر عليها داعش. وكان الزوجان متخصصين في الفنون لذا كانا مستهدفين بسبب تطرف الفكر الإرهابي: ” الشيخ: أما أنتما فلن تخرجا من هنا سالمين، فنانان علمانيان كافران، منحلان، ستشهدان نارًا وقودها أنتما وآلاتكما الموسيقية و أفكاركما المنحلة، يا أهل التمثيل والخلاعة و الرقص و المجون” . تفضح أحداث حكاية مسرحية (ليلك ضحى) نوايا قوى الإرهاب التي تتستر تحت عباءة الدين، عندما تصبح الزوجة (ليلك) مبتغى وغاية شيوخ الدين، ويصبح رأس زوجها مطلبا ملحا، ليسهل السيطرة على زوجته، وجعلها توافق على يسمى بـ(زواج النكاح)، لتكون سبية ويستباح جسدها: “أبو سعيد: منذ رأيتها و لا شيء في رأسي سواها؟ صدق المثل “مش كل من نفخ طبخ، و لا كل من أكل شبع”. ويربط الكاتب رغبة الشيخ الداعشي في النيل من زوجة (ضحى)، بأفعال وجرائم داعش التي لا علاقة لها بالدين؛ فالإرهاب لا دين له، مستعينا بزلة لسان الشيخ سعيد: ” لقد هزمني جمالها، مثلما هُزِمَ المشركون في معركة ستالينجراد. عمار: المشركون في ستالينجراد؟ ستالينجراد كان الطرفان فيها كفارًا و العياذ بلله”. ويؤكد هذا جرائم العمليات الإرهابية التي يقوم بها هذا النظام ضد الإنسانية، فهو نظام ملغم، يعمل على تأجيج الصراع والفتن بين الشعوب. وبعد سيطرة قوى الإرهاب على حياة الزوجين، أصبحا أسيرين في (تل القمح) معقل داعش ورجالها: ” الشيخ: جاء الحق و زهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، لقد أعز الله “تل قمح” بدولة الإسلام، والأخ أبو البراء سيطهرها من كل دنس، فلا يركبنك الغرور، وأهرع إلى المدرسة، حيث يبايع الكل أبا البراء”.
تقاطع لغتي الفن والجمال مع العنف والإرهاب !
تتخذ قوى الإرهاب والتطرف وسائل عديدة لإثارة تعاطف الناس باسم الدين، وجعلهم يصدقون بأنهم جماعة تحارب من أجل الإسلام. وفي حالة التصادم معهم فإنهم يكفرون الناس ، وينعتونهم بالكفر لكي يسهل استباحة دمائهم وقتلهم ! …وهذا يفسر اختلاق العنف ضد ليلك وزوجها عندما توجه الشيخ سعيد للنيل منهما كونهما فنانين:” الشيخ: صوت غنائكما مسموع من أول الشارع، فضحتمونا، الشابان أرسلهما أبو البراء في طلبي، أول ما سألاني عنه هو الغناء، هل تعملان على استفزازنا وتحدينا؟ صوتكِ عورة، رجس من عمل الشيطان أنتِ والآلة الملعونة”. كما تصف والدة ليلك (حنة) أفعال داعش: “رأيتهم يذبحون الناس كما يذبحون النعاج، أنهم يذبحون و لا يرحمون، هل أنتما بخير يا عمتي؟ “. ويروي حمود إحدى الشخصيات القريبة من ضحى، قبل أن يصبح مجندا، ماذا فعلت داعش بأسرته: “حمود: منذ أعدموا أبي أمامي في ساحة البلدة. ليلك: أعدموا أباك؟ …حمود: أحدهم وشى بأمي. ليلك: وشى بأمك؟” . ويسترسل حمود واصفا قوى الظلام، عندما قاموا بقتل والديه، بعد إطلاق أبي البراء النار عليهما . وخُيّر الابن (حمود) أما أن يقتل معهما أو يعمل مجاهدا في نظام داعش، وينال جنات الخلد في حالة استشهاده! وهكذا وقع الجميع تحت قبضة النظام الداعشي، وأصبحوا أمام خيارين، إما الانقياد والطاعة والسير على نهج التكفير وقتل الأبرياء من الناس، أو إطلاق النار عليهم؟! . وتتصاعد أحداث مسرحية (ليلك ضحى) وصولا إلى مرحلة التأزم، عندما يسجن كلٌ من (ضحى، وليلك) في معتقل (تل القمح)، استعدادا للموت !…ولولا جهود حمود صديق ضحى، لتدبير خطة لأخفائهما عن أعين أبي البراء ورجاله من الدواعش، لكان مصيرهما الموت! ونتيجة للضغط النفسي، فقد عاش الزوجان في حالة من الذعر والخوف في أجواء الحرب والنار، وقتل الآخرين أمام أعينهم، حتى قررا الانتحار، مخافة أن تفرقهما قوى الإرهاب! وتصل الأحداث إلى الذروة عندما يتمرد حمود على النظام الإرهابي، ويضحي بحياته من أجل التخلص من أبي البراء ونظامه الداعشي المتطرف: “حمود: سأقوم بتفجير مقر قيادتهم عند صلاة الظهر. ليلك: عملية انتحارية ! حمود: استشهادية. ضحى: ستموت”. فضلا عن ذلك، فرق الكاتب الغنام بين مفهومي (العملية الانتحارية) و (الاستشهادية)… عندما وصف بأن هناك أفعالا تكفيرية تنضوي تحت مظلة (الإرهاب الانتحاري). في حين أن نيل (الشهادة ) بعيد عن قوى الإرهاب التي تسعى إلى التكفير وزهق الأرواح دون وجه حق. وفي خاتمة المسرحية ، يقرر الزوجان الرحيل والموت قبل تمتد أيديي داعش، وتنال منهما : ” ضحى: سأصمد أكثر منك، سأتمكن رغم النزيف من فعلها، هيا افعليها؛ لن يفرقوا بين دمي و دمك، هيا، لا تتردي “.
المسرح “داخل المسرح”
تعرض الكاتب غنام الغنام في مسرحية (ليلك ضحى) لقصة (عبلة وعنترة) المأخوذة من الأدب العربي الجاهلي، وأخضع عمله إلى ما يشبه (الكولاج)، عندما قام بإعداد حوارات مسرحية استدعى (عبلة وعنترة) إلى عالم الزوجين (ليلك وضحى)، لتقديم مسرحية داخل المسرحية . نشاهد (ضحى) يقوم بدور (عنترة)، بينما (ليلك) تقوم بدور (عبلة)، وجميع الشخصيات ماتت وهي تدافع عن الحب والحرية . كما كانت شخصية (حمود) حاضرة في الأداء التمثيلي: “حمود: عنترة هلا سألت الخيل يا ابنة مالكٍ-إن كنت جاهلة بما لم تعلمِ”. وعمد الكاتب الغنام إلى المزواجة بين أحداث مسرحية (ليلك ضحى) وأحداث قصة عنترة وعبلة، وجعلها تسعى إلى التحرر والتخلص من قيود الرق والعبودية ، وظهرت الشخوص وهي تعاني من عبودية قوى الإرهاب والتسلط على رقابها. وتمكن الكاتب الغنام من المزامنة بين واقع داعش وعصر الجاهلية، وجعلهما يصبان في مجرى واحد، فكلاهما يمثلان عصور الظلام، التخلف والنزاع والصراعات والقتل. وفي مسرحية (ليلك ضحى) جعل الكاتب شخصيتي (عنترة وعبلة) حاضرتين مع شخصيتي المسرحية المحوريتين (ضحى، ليلك ) : ” ليلك عبلة: هؤلاء القوم يعبدون مالا ينفع أو يضر، يعبدون آلهة فرقتهم شيعًا وأحزابًا، يقتلون باسمها، يصبغونها بالدم كلما أوغلوا في القتل، ينسخون من شهواتهم آياتها، هل تريد أن تكون معهم، أم تكون للحب رسولا؟ وللناس التائهة دليلا؟ ”
ختاما
تظل مسرحية (ليلك ضحى) صرخة ضد قوى الإرهاب والعنف الذي يرتكب باسم الدين. وتمكن المؤلف في هذه المسرحية من استنطاق الواقع المعاصر، الذي يعج بالخوف والتنمر والقلق إزاء الجماعات الإرهابية التي تقوم بالتفجير وإزهاق الأنفس، وقتل الأبرياء من المدنيين، حتى عادت بأفعالها تلك إلى عصر الجاهلية الأولى قبل ظهور الإسلام، عندما كان قتل الضعيف مباحًا، والعنصرية والرق واستعباد الناس والمتاجرة بهم، وهذا ما جعل الكاتب غنام الغنام يستدعي قصة (عنترة عبلة ) لتلتحم أحداثها مع قصة الزوجين(ليلك، وضحى) ، حيث الحب والحرية يصطدم بجدار الموت!..وهذا المزج بين قصة من الأدب الجاهلي ، وقصة من الواقع المعاصر، جعلننا ندرك بأننا نعيش في مرحلة حرجة.
------------------------------------------------------------------
المصدر: عمان
0 التعليقات:
إرسال تعليق