“لغة الجسد على خشبة المسرح.. عجائِبيتُها ودلالاتُها…” / بوبكر سكيني
مجلة الفنون المسرحية“لغة الجسد على خشبة المسرح.. عجائِبيتُها ودلالاتُها…” / بوبكر سكيني
قد ذكر “ابن عربي” شيخ المتصوّفة في شرحه لإشكالية تعريف الجسد “على أنّه كل روح ظهر في جسم ناري أو نوري، (مضيفا) أنّه كل روح أو معنى ظهر في صورة جسم نوري أو عنصري حتى يشهده السِّوَى (المكان الوسط)”، وبلغة الحاضر في سياق المسرح لغة الجسد على الركح كارتباط اللفظ بدلالة الجسد وارتباط المعنى بدلالة الروح، عن “مسرح فزياء الجسد” كان للأستاذة الدكتورة “مجد القصص” تنشيطا لمنتدى المسرح الوطني الجزائري (TNA Forum) لتبيان هذا النوع الدرامي المعاصر، والذي يعتبر نمطا أدائيا يتميزّ بتصعيداته المكثّفة في الأداء الجسماني، وترجمة الحركة فيه إلى قراءات ضمنية لنص غير معلن تنوب عنه تدافع للانفعالات حتى تُعلن عن ميلاد لغة عالمية واحدة وموحدة تجتمع فيها كل الألفاظ والمعني في جسد المؤدي، حول هذه الإشكالية أرست القصص تساؤلاتها عن لغة الجسد ومنابعه، عن دعاة هذا الخطاب في مظهرية المقدس والمدنس في الجسد على الركح، وحول الفلسفة إن كان لها دورا في اتجاه الناس إلى مسرح الجسد وخاصة البنيويين والتفكيككيين؟
وقد تجاوب المتفاعلون مع الموضوع مجتمعين على أنّ الأداء التمثيلي لا يمكن أن نتحدث فيه عن أحادية الفعل، فالممثل مرتبط بالمتلقي الذي يلتقط هذه الحركات الجسدية ويبحث عن معادل لها في ذاكرته، تسمح له بتجسيد الفكرة والتفاعل مع الحركة على الركح، هذه الأخيرة يشتغل عليها الممثل من خلال حركة جسده التي تتقاطع مباشره مع الصورة الذهنية المقابلة لنموذج متكامل في الواقع الفعلي أو واقع قريب منه، فالجسد أولي في نسق وجداني تعبيري، تشترك فيه كل الإنسانية، فبحكم هذه الضرورة الحتمية في التعابير المسرحية يبقى الجسد هو العنصر الأساسي في تجسيد المتعة المسرحية، مستدلين في ذلك على تجارب سابقة ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر إلى غاية اليوم بداية مع المخرج “ميرهولد” الذي اهتم بالجسد على خشبة المسرح بصفة ملتزمة خارج النص المكتوب بالايقاع والموسيقى والصورة السينمائية مؤسسا بذلك النظرية التطبيقية لمسمى “البيوميكانينا”، إضافة إلى تجارب كل من “أروين بيسكاتور” الألماني و”أدولف أبيا” السويسري باهتمامهم بجسد الممثل ولكن في حدود النص والشخصية الدرامية…
وقد خلصت المداخلة بتعليق مجد القصص على أن الإيماء الجسدي يخترق حدود الّلغة والجغرافيا والثقافة بوصفه شكلا من أشكال الاتصال، مؤكدة أنّ لغة الجسد مهمة في الخروج عن هندسة النص الأرسطي، وعلى أنّ التجارب الأوروبية الحديثة تميزت بالتركيز على الجسد في كثير من عروضها المسرحية بفضل تجارب “قروطوفسكي” وما تبعه من تلامذته ومتأثريه، حيث تعتمد على التعبير الحركي دون اللّجوء الي النص الأرسطي، ويكون الارتجال واسع المنال في شكل تمارين جادّة بفكرة وهدف كفعل لتركيب رؤية مشهدية تعتمد أساسا على الحركة والفعل. مركزة في تلقيناتها على عملية تحرير جسد الممثل وضرورة كشف الجانب الانساني فيه وفي تجديد الأشكال المسرحية بعد (موت المؤلف) من خلال الصورة البصرية وتحرير الإبداع من كل القيود بتحرير الفنان وإعطائه الحرية لتفجير مشاعره والخيال وفي توظيف وسائل ومفردات فنية إضافة إلى الموسيقى والرقص…
------------------------------
المصدر: اخبار دزاير
بوبكر سكيني (ناقد مسرحي وإعلامي)
0 التعليقات:
إرسال تعليق