لوحة بديعة وقصيدة رومانسية في «لحظـــــــــــــــــــــة حــــــــب»
مجلة الفنون المسرحيةلوحة بديعة وقصيدة رومانسية في «لحظـــــــــــــــــــــة حــــــــب»
تعودنا من البيت الفني للفنون الشعبية بقيادة الدكتور عادل عبده على الاستمتاع بسهرات فنية راقية حيث الغناء والرقص والآداء الرصين الذي يعد حائط الصد أمام المهرجانات والابتذال وكل ما يرتكب من جرائم باسم الفن، ومن العروض المميزة جدًا عرض «لحظة حب» الذي يُقدم الآن على قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون، بطولة بهاء ثروت، لمياء كرم، تأليف محمد الصواف إخراج ياسر صادق.
«القصيدة صورة واللوحة قصيدة» هذه العبارة وردت على لسان البطل في العرض وعلى الرغم من كونها بسيطة جدًا وصغيرة إلا أنها لخصت كل الأحداث، فقد شاهدنا لوحة بديعة بلونها الأبيض الذي يغلب عليها وجمالها النابع من البساطة والرقي من خلال الديكور الذي صممه الفنان حمدي عطيه وهو عبارة عن فيلا صغيرة تبدأ من الخارج بنافورة ثم فرندتين على يمين ويسار الخشبة، وفي العمق مكتب الشاعر ومكتبته التي تزينها الكتب وبرافان، بينما يقع في منتصف الخشبة من جهة اليسار لوحة موضوعة على حامل ومقعد الفنانة حيث مرسمها.
موضع الحامل في هذا المكان يعطي المتلقي من الوهلة الأولى أن الفنانة زوجة الشاعر، لكن بعد قليل نكتشف أنها حبيبته مما يدل على تذويب المسافات بين المحبين.
لم تكن هذه هي اللوحة فحسب بل زادها روعة وجمال التعبير الحركي الذي صممته الفنانة كريمة بدير وقدماه الفنانان ميدو ولميس اللذان نجحا في عرض القصة تعبيرًا حركيًا منذ بدايتها إلى نهايتها مرورًا بكل تفاصيلها بدقة وحرفية، ولم تكن رشاقة الجسد فقط هي المسيطرة على الآداء بل أن تعبيرات الوجه لها دورًا كبيرًا في سرد الأحداث، فهما ليسا راقصان فحسب بل ممثلان بارعان.
مع إضاءة الفنان أبو بكر الشريف التي جسدت كل مراحل الصراع من شد وجذب ولحظات ضعف ولحظات رفض ودفء وحنين بألوانها التي تنوعت بين الأبيض والأحمر والأحضر كل في موضعه من الأحداث، وملابس رباب البرنس التي تميزت بالبساطة والرقي وتوافقها مع الديكور.
هذه هي اللوحة أما القصيدة فهي ما استمعنا إليه من ديالوج شعري بين طرفي اللعبة، لعبة آدم وحواء، خوف أحدهما من الآخر، والخائف هنا هو آدم الشاعر الذي يريد أن يحيا حياة الفراشات متنقلاً بين الأزهار منتجًا من رحيقها الكلمات العذبة، كما يخاف من الدخول في قصة حب جديدة بعد أن فشل في قصته الأولى والتي ما زال يتجرع مرارتها. أما حواء الفنانة التشكيلية التي لم تكتف بحفظ كل دواوينه الشعرية عن ظهر قلب، بل عبرت عنها برسوماتها فكل لوحة رسمتها تحمل عنوان قصيدة له فهو مشروعها الوحيد التي تحيا منه وله، فهي لم تيأس من مطاردته واقتحامه بحبها حتى نجحت في انتزاع اعترافه بالحب.
يغلف القصيدة واللوحة العزف الحي للفنانة مي فؤاد على الفلوت والفنان عمرو صبحي على التشيلو والحان أحمد محيي مع صوت الغناء الدافئ للمطربين مؤمن خليل ونانسي جمال، لكلمات الشاعر محمد الصواف الذي صاغ أيضًا ديالوجًا شعريًا راقيًا، وغناءً عذبًا، كذلك صوت خرير الماء الذي تصدره النافورة والذي يظهر في لحظات الصمت وكأنه منبه أو إنذار للقلب الذي لم يستجب له ووقع في براثن الحب معلنًا استسلامه.
لا شك أن المتلقي عاش لحظات رومانسية مع فن راق تم توظيف كل عناصره وتضافرها بحرفية عالية لمخرج كبير هو الفنان ياسر صادق، لكنني من وجهة نظري الشخصية أرى أنه لا يجوز أن نطلق عليه مسمى «عرضًا مسرحيًا»، فهو أمسية شعرية أكثر من رائعة ينقصها آداءً تمثيليًا لنطلق عليها عرضًا مسرحيًا، وهذا لا يعني أن الممثلان لم يقما بدورهما بل على العكس تمامًا، فهما قدما القصائد كما يجب أن يكون، فإذا توازاى مع القصائد نصًا حواريًا لظهرت إمكانيات البطلان بشكل أوضح. هذا لا ينفي أن الفنان بهاء ثروت ممثلاً رائعًا وعبر بشكل جيد عن الشخصية التي جسدها لكني على يقين أنه يمتلك موهبة كبيرة لم تظهر بوضوح في هذا العمل خاصة بعد أن شاهدته في رائعة «قواعد العشق الأربعين»، أما الفنانة لمياء كرم فسيطرت عليها نظرات التحدي والرغبة في إخضاع آدم لحبها في معظم المشاهد والتي كانت تتطلب أن تكون أكثر رومانسية وضعفًا.
-----------------------------------------------
المصدر : جريدة مسرحنا العدد 694
0 التعليقات:
إرسال تعليق