يارا .. الأنثى المجبولة بالحب والجنون / *عزة القصابي
مجلة الفنون المسرحية
يارا .. الأنثى المجبولة بالحب والجنون
دراما شعريَّة تنبثق من روح المرأة "يارا" الأنثى التي إنفردت بروح "إستثنائيَّة" تعبِّر عن معاناتها في الحياة التي رسمتها لها الأقدار، حتى أصبحت رمزاً لكل نساء الكون اللاتي قهرتهنَّ العاطفة والحب .. عبر رحلة البحث عن جماليَّات لا تنتهي، بدءً من الحب وانتهاءً بالحلم .. وقف الشاعر والكاتب "عادل البطوسي" وقفةً تأمُّليَّةً وهو يرسم مفردات الرؤية البصريَّة ملتمساً من جسد المرأة "أيقونة شاعريَّة" باحثاً عن الجمال السرمدي بواسطة لغة الشعر التي تهفو إلى الإحساس بالجمال .. واستمرَّت تلك العاطفة التي ولَّدها الكاتب في شخوصه بغية الإستمرار والتواصل مع روح "يارا" التي لا تفترض أن هناك واقعاً صامداً يتمثَّل في الرجل : "جويا" الذي تخلَّى عنها ، والذي لم يمنحها فرصة لتكون أمَّاً، ليستمر ذلك التدفُّق "الإستثنائي" بشكلٍ جماليٍّ وروحانيٍّ يبحث عن مفردات أخرى ليصارع ذاته المنكسرة المهزومة .. كما أن ظهور "التماثيل" على المسرح جعلت الشخصيَّة الرئيسيَّة تتماهي معها، باحثةً عن ذاتها تارة ، وتحدِّثه وتناغيه تارةً أخرى، وتفتح صفحات ماضيها المجنون المقهور الذي هربت منه مراراً، إلا أنها كامرأةٍ لابد أن يحاصرها وهمٌ إسمه "جويا" ذلك الرجل الذي ظلَّ يؤرِّقها ليصنع منها طائراً فينيقيَّاً، يشقُّ طريقه في اللازمان واللامكان عبر عالمه الإفتراضي الذي يتمثَّل في "يارا" نفسها .. وظلَّ الماضي يلاحق "يارا" متجسِّداً في شخص الرجل الذي لم يحترم أنوثتها وإنسانيَّتها ، لذلك إغتال أحلامها كما أجهض جنينها الراقد بين أحشائها الثكلى، عندما حدَّثته عن وليدها ، فكأن أمه تحدِّثه عن ذاتها ، وهناك إرتجاع إنساني يرجع الإنسان إلى ذاته وكينونته الأولى .. ظلت "يارا" الأنثى الجامحة في مشاعرها، الباحثة عن ذاتها ومشروع الحب الذي كان الرجل سبباً في فشله، وسرقة أحلامها، وبدت معتوهه تكلم ذاتها، تمثالها، واقعها المتصدِّع ... تحاول البحث والوقوف ... ولكنها لا تقوى !.. فيما بدا الرجل "جويا" مسكونا بوجع "العقم" الذي لازمه الذي ظل سرَّاً مؤلماً يخفيه ، وهرب من حبيبته "يارا"، وهرب عن والدته التي تأويه ، كان إبناً عاقاً ، وأصبح حبيباً معذَّباً يستبيح مشاعر عشيقاته اللاتي كن سيصبحن يوماً ما زوجاته ، لذا حكم على ذاته بالعقم من العاطفة والحب والأبوَّة ... وكان عليه أن يسجد في محراب والدته ويبكي كثيراً ويتألَّم ويصرخ ويتمرَّد على ذاته التي لاحقتها الخطيئة منذ أن كان صبيَّاً .. وظلَّ يبكي ويبكي لعلَّه يتطهَّر يوماً ما .. معبِّراً عن ذاته في التماثيل التي ظلَّت صامدة رغم موبقات ماضيه البائس .. هكذا ظلَّت "يارا جويا" ملحمة شعريَّة جاءت أقرب إلى "الأوبرا الشعريَّة" التي بحثت في ذات المرأة ، حيث الخصب ، الحب ، الجنون ...
*عزَّة القصَّابي ـ الناقدة المسرحية القديرة ـ مسقط ـ سلطنة عمان
0 التعليقات:
إرسال تعليق