أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 14 يونيو 2022

(منطقة حرجة) نص مسرحي جديد للكاتب علي العبادي .. بواقعه المر / علاوة وهبي

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب علي العبادي


 (منطقة حرجة) نص مسرحي جديد للكاتب علي العبادي.. بواقعه المر

غالبا ما تحتار مع نصوص العبادي من أي باب تدخلها. لماذا، لأن نصوصه في اعتقادي وحسب قراءاتي من الاعمال التي لا تفتح امامك باباً واحداً، بل هناك أبواب كثيرة مفتوحة دفعة واحدة ومن الصعب عليك أن تختار أيها يقودك فعلاً إلى روح العمل الذي يكتبه (العبادي) وهذه ميزة قد لا يمتلكها كل الكتّاب، بل الكاتب المفكر والمتشبع بالفلسفة كذلك وحده الذي يدخلك في متاهات نصه، ولا يقودك الي مغزاه من أول حروفه .
والحقيقة أن النص المسرحي الذي لا يثير  في عقلك الاسئلة الحرجة يكون نصاً لا يعول عليه وفي اثارة المتفرج وشده.
(العبادي) يفعل مثل هذا في أغلب أعماله بدءاً من (براد الموتي) وهي مجموعته المسرحية الأولى التي قرأتها. إلى جانب ذلك لـ(العبادي) ميزة أخرى كون جل أعمال تقتصد في السرد فالحوارات فيها قد تأتي مقتضبة ولكنها في العمق، إذ يذهب إلى المقصد دون أن يسهب في الثرثرة. فنصوصه لا توجد فيها ثرثرة للشخصيات فهو لا يستخدم إلا ما يخدم هدفه وما يخدم الهدف قد يقال في كلمة واحدة ويكون بذلك عكس الكتّاب الذين يسهبون فيه شرحاً وكأني بهم يستغبون القارئ والمتفرج علي حد سواء . وأظن أن هذه الميزة تميز (علي العبادي) عن غيره، لأنه (مخرج وممثل) قبل أن يكون كاتباً، فالإخراج جعله  يتخلص من الثرثرة الزائدة في النص ويعوضها بالحركة والفعل. 
منطقة حرجة تذكرك بإعمال لكتّاب آخرين من العرب فمثلا العنوان هنا قريب من عنوان يوسف ادريس (اللحظة الحرجة) ولكنها تختلف عنده عنها، فـ (ادريس) يكتب عن (لحظة) و(العبادي) يكتب عن (منطقة) ولكنه لا يقول لنا ماهي هذه المنطقة الحرجة، فاتحاً بذلك أمامنا الأبواب للافتراضات المتعددة والتداوليات المختلفة. إن (المنطقة الحرجة) أو (المناطق الحرجة) عديدة سواء في جسم الإنسان فيغير جسم الإنسان. ومنذ البداية يضعنا (العبادي) أمام افتراضية وجودية كائنين في (فاركون قطار) متوقف في مكان قفر، قد يكون صحراء وقد يكون مكان اقفرته الحرب الخ..
من هما هذين الكائنين أنها رجل وامرأة أو امرأ ورجل المعادلة في كلتا الوجهين صحيحة ولا يعطيك (العبادي) أسم الكائن الانثى ولا أسم الكائن الذكر، فقط هما امرأة ورجل.
(ادم وحواء) قد يكون الأمر كذلك أنها البداية . بداية الحياة ولكن هنا الرجل والمرأة علي علم بمصيرهما . الموت بعد ربع ساعة . إنها مأساة (الحياة والموت) و(آدم وحواء) كانا يعرفان النهاية ونزولهما من الجنة إلى الأرض بعد أن عصيا أمر ربهما واقتربا من الشجرة وأكلا من ثمرها، ونزولهما من الجنة إلى الأرض يعني (الجحيم)، جحيم الحياة في الدنيا وما فيها. و(العبادي) لا يقول لنا في أول الأمر، هل المرأة هي زوجة الرجل الموجود معها في (فاركون القطار) المتعطل وفي أرض خلاء؟ إلا انه بعد البدء يتخلى عن الفرضية الأولى (المرأة/ الرجل) ويستخدم (الزوج /الزوجة) حتى نهاية العمل، وكذا كان (آدم وحواء) في البداية (امرأة ورجل)، ولكن بعد هبوطهما إلى الأرض أصبحا (زوج وزوجة) .
انتظار الموت عند (العبادي) في هذا النص يذكرك بانتظار شخصيات (بيكيت) في (انتظار غودو) الذي لا يأتي وهكذا (الزوج والزوجة) عند علي ينتظران الموت الذي لا يأتي في النهاية. ويذكرك الحوار فيها بحوار شخصيات كوميديا لـ(بيكيت) كذلك بما فيه من عبثية . (منطقة الحرجة) من النصوص العبثية و(العبادي) غالبا ما تأتي نصوصه مطعمة بالعبثية التي ظهرت على أثر الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار وإحساس البشر بعدها بعبثية الحياة، و(العبادي) يأتي إلى الكتابة المسرحية بعد الخراب الذي حدث في العراق بدءاً من الحرب مع ايران وصولاً إلى الغزو الامريكي فهو أبن الزمن المحبط الذي لم يحس فيه إنسان العراق سوى بالغربة، غربته في وطنه وغربته عن واقعه وكأنه يعيش في واقع آخر غير واقعه هو أنه الواقع المأساوي المر او الذي لا طعم له.
هل يأتي الموت المنتظر أو لا يأتي. والذي يأتي أو لا يأتي يذكرنا كذلك بالشاعر عبد الوهاب البياتي .
يأتي.. لا يأتي
تلك هي المشكلة احساس الاحباط ومرارة الانتظار تدفع بـ(المرأة والرجل) إلى استعجال قدوم الموت المنتظر بعد محاولات دفع (الفركون) إلى التحرك بحثاً عن مخرج، ولكنهما في النهاية يستسلمان للواقع المر بعد الجهد ويجلس كل واحد منها مستنداً إلى واحد من جدران (الفاركون) ويخيم الصمت عليهما.  أليس ذلك موتاً من نوع أخر؟
نص (منطقة حرجة) لعلي العبادي نص مأساوي عبثي عن واقع عراقي مر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (منطقة حرجة) النص الفائز في مسابقة (خمسة نصوص تبحث عن مؤلف) التي اقامتها وزارة الثقافة العراقية/ دائرة العلاقات الثقافية 2021.

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption