أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 27 فبراير 2023

مسرحية للفتيان " الصياد والحورية " تأليف طلال حسن

مجلة الفنون المسرحية


الكاتب طلال حسن 



 مسرحية للفتيان "    الصياد والحورية " تأليف طلال حسن




                            الأناشيد

                      عبد المنعم الأمير




 شخصيات المسرحية 


1 ـ عباس

2 ـ عبيد

3 ـ الأمير

4 ـ رباب

5 ـ الأم 

6 ـ الحورية

7 ـ الملك

8 ـ الوزير

9 ـ الحاجب

10 ـ ثلاثة جنود

11 ـ صوت المنجمة

12 ـ صوت الريح






  المشهد الأول



                             شاطىء النهر ، يدخل

                              الصياد حاملاً شبكته


عباس : هذا المكان ملائم للصيد ، وقد أصطاد
هذا اليوم ، ما يعوضني عما فاتني من
صيد ، في الأيام الأخيرة " يصمت " من
يدري ، لعل المنجمة العجوز ، تصدق
هذه المرة ، فيتغير حظي .. " يرفع رأسه
منصتاً " .

صوت المنجمة: عباس ، اسمع يا عباس ، ستصطاد
قريباً سمكة كبيرة جميلة ، ليست
كالأسماك ، وسترى عند وجودها معك ،
ما لم تره ، طول حياتك .

عباس : " يهز رأسه " كذب المنجمون وإن
صدقوا " يهم برمي الشبكة في النهر "
فلتصدق هذه المنجمة العجوز مرة واحدة
، ولتكذب بعدها العمر كله " وهو يرمي
الشبكة " ها إني أرمي الشبكة ، وسأرى"
يسحب الشبكة شيئاً فشيئاً " كذبت المنجمة
العجوز هذه المرة أيضاً ، ويبدو أنني لن
أرى ما لم أره طول حياتي .


                               ترتفع بالتدريج دمدمة ،

                              مع ارتفاع صوت الريح


الصوت : هوووو  عباس .

عباس : يا لهذا الصوت الغريب .

الصوت : هوووو  عباس .

عباس : كأنها دمدمة المنجمة العجوز .

الصوت : هوووو.. ارفع رأسك .. يا .. عبا .. س .

عباس : يا إلهي . 

الصوت : هوووو  عبا .. س .

عباس : " يهز رأسه " يا لحمقي ، إنها غيمة ،
مجرد غيمة " يتلفت حوله منصتاً "
الصوت يرتفع ، فلأصغ ِ .

الصوت : هوووو .. ارم ِ شبكتك .. في النهر .. يا
عباس .. هوووو .. ارم ِ شبكتك .

عباس : لا فائدة ، لقد رميتها مرة .

الصوت : عبا .. س .. هوووو .. ارم ِ شبكتك ..
هوووو مرة أخرى .. هوووو .

عباس : إنني أعرف حظي ، لقد رميت شبكتي
كثيراً ، ولم أصطد شيئاً .

الصوت : هوووو .. عبا .. س ... ارم ِ شبكتك هذه
المرة .. وسترَ .

عباس : حسن ، لن أخسر شيئاً ، سأرمي شبكتي
في النهر ، وسأرى .


                           الصوت يتلاشى ، الصياد

                                يهم برمي الشبكة


عباس : ها إني أرمي شبكتي " يرمي الشبكة في
النهر " والآن سأسحبها من الأعماق ،
وأرى " يسحب الشبكة بصعوبة " الشبكة
ثقيلة ، ثقيلة جداً ، أيعقل أنها سمكة ؟ من
يدري ، فلأسحبها وأعرف الحقيقة "
يتوقف وينظر مذهولاً إلى الشبكة " يا لله
، إنها سمكة كبيرة جداً ، وجميلة جداً جداً
، ولابد أنها تساوي مبلغاً كبيراً جداً جداً
جداً " فرحا " سآخذها إلى السوق ،
وأعرضها على شهبندر تجار السمك و ..
" يصمت " كلا ، سأحتفظ بهذه السمكة ،
ولن أبيعها ، حتى لو أعطاني مال الدنيا "
يشرق وجهه " فكرة ، فكرة عظيمة ،
سأهديها للملك ، فقد يجعل مني .. ، لا ،
لن أهديها للملك ، فأنا أعيش هنا حراً ، لا
يتحكم بي أحد ، ولا يأمرني أحد ، أن
أفعل ما لا أريده " يصمت " آه وجدتها ،
سأضعها في الحوض ، الذي بنيته في
                  بيتي لأسماك الزينة ، واستمتع دوماً
                  بالنظر إليها ، وهي تسبح في الماء
كالحورية .

عبيد : " من الخارج " عباس .

عباس : " يلتفت قلقاً " الويل له ، هذا صديقي
اللدود ، عبيد .

عبيد : الصوت يقترب " ها إني أزورك ، كما
أفعل كل يوم ، لتعرف كم أنا أحبك .

عباس : " يدمدم " أحبك عزرائيل " يشد طرف
الشبكة إلى صخرة قريبة " هذا اللعين ،
ما الذي جاء به الساعة ؟


                                 الريح تدمدم ، يدخل

                                  عبيد قلقاً مستريباً


عبيد : أيها المتشرد ، لقد آن أن تترك حياتك
هذه ، وتستقر .

عباس : " يبتعد عن الشبكة " أنت تعرف جيداً ،
أنني لست متشرداً " يرتفع صوت الريح
" فأنا لي بيتي ..

عب : بيتك ! يا للقصر المنيف ، إنه مجرد
كوخ ، أشبه بالزريبة .

عباس : ولي عملي ..

عبيد : تعقل ، يا عباس ، إن عملك هذا لم
تحصل منه إلا على الفقر .

عباس : ولي حريتي .

عبيد : دعك من حريتك ، فالذئب الذي يجول
جائعاً في البراري ، حرّ أيضاً .

عباس : مهما يكن ، فلن يجد أحد في عنقي ، أثراً
لأي طوق .

 عبيد : كفاك حمقاً ، تعال معي ، واترك حياتك
الزرية هذه ، وستشبع ,

عباس : العمل معك ، كما قيل لي ، لن يشبعني
سوى ضرب السياط .

عبيد : لا تصدق ما قيل لك ، أنت عاقل ، إن
من أخبرك بذلك كاذب .

عباس : الكاذب هو أنت ، فأمك لا تكذب .

عبيد : أمي امرأة عجوز " يرتفع صوت الريح
أكثر فأكثر " خرفة .

عباس : لا يا عبيد ، أمك أعقل من عرفتهم من
                    النساء . 

عبيد : لأنها مثلك تهوى البؤس والفقر
والأحزان .

عباس : الحديث معك لا جدوى منه .

عبيد : مهما يكن ، فإنني أريدك معي " الريح
تزأر " تنعم بما أنعم به في القصر "
يلتفت خائفاً " ماذا يجري هذا اليوم ؟ "
يتجه إلى الخارج مسرعاً " لأذهب ، فقد
يفتقدني الملك ، و ..


                                 عبيد يخرج مسرعاً ، 

                                   كمن يلوذ بالفرار


عباس : لن يتغير عبيد هذا ، سيبقى عبداً يلهث
حتى النهاية ، خلف السراب " يسمع
حركة تند عن الشبكة " إنها سمكتي "
يقترب محدقاً في الشبكة " آه ما أجملها ،
فلأسرع إلى البيت ، وآتي بقربة فيها ماء
، ثم أنقل السمكة إلى الحوض " يتجه إلى
الخارج " حقاً هذه سمكة ليست كالأسماك
، ومن يدري ، فقد تصدق المنجمة
العجوز ، فأرى ما لم أره طول حياتي "
يخرج مسرعاً " .


                                 يدخل الأمير ، بعد

                                  قليل متلفتاً حوله 


الأمير : لم أرَ الحورية اليوم ، لا في النهر ، ولا
على اليابسة ، ترى أين مضت ؟ " يحتد "
لعلها تقابل أميراً غيري ، هيهات " منفعلاً
" سأمزق كلّ من في النهر ، أو على
اليابسة ، إذا .. " يهدأ إذ يتطلع إلى
الخارج " ها هي الآنسة رباب قادمة ،
إنها حزينة كالعادة ، سآخذها يوماً إلى
أعماق النهر ، وأريحها من هذا الحزن .


                              تدخل رباب ، وتقبل

                              مترددة على الأمير


رباب : أيها الأمير .

الأمير : رباب .

رباب : نعم .

الأمير : جئت البارحة ، في حدود هذا الوقت ،
                    وانتظرتك دون جدوى . 

رباب : عفواً ، إنها أمي ، لقد حبستني في
غرفتي ، طول النهار .

الأمير :أخشى أن تكون قد رأتك معي ، هنا على
شاطىء النهر .

رباب : كلا لم ترني معك ، ولو رأتني لجنت من
الخوف .

الأمير : إنني لا ألومها ، إنها أم ، والأم تخاف
على ابنتها ، وخاصة إذا كانت البنت
مثلك.

رباب : أمي لا تعرفك ، وربما لن تخاف إذا
عرفتك .

الأمير : أنت أيضاً على ما أظن ، لا تعرفينني .

رباب : نعم ، أنت محق ، إنني لا أعرفك بما فيه
الكفاية ، لكني لم أخفك .

الأمير : هذه ثقة أعتز بها " ينظر إلى الخارج "
أنظري ، إنه الصياد .

رباب : " تنظر إلى الخارج " نعم ، إنه هو ،
الصياد عباس " تصمت أمي تريد أن
تزوجني منه .

الأمير :إنني أراه يصيد كلّ يوم ، والحقيقة إنه
شاب وسيم .

رباب : كنا جيراناً ، وطالما لعبنا معاً ، عندما كنا أطفالاً صغاراً .

الأمير : انتبهي ، إنه يقترب " يتراجع " الأفضل أن لا يرانا معاً " يتجه إلى الخارج " أستودعك الله .

رباب " " تلوح له " إلى اللقاء ، هنا غداً.

الأمير : " يخرج " ....

رباب : ها هو عباس قادم ، ليتنا لم نكبر " تتراجع " أمي تريدني أن ألتقي به ، وهو يعرف ذلك " تهز رأسها عناداً " لن ألتقي به " تتجه مسرعة إلى الخارج " فلأختبىء في مكان قريب ريثما يبتعد .


                                رباب تختبىء ، يدخل

                                 عباس ، حاملاً قربة

  

عباس : " يتلفت " عجباً ، لا أحد هنا " يصمت
" خيل إليّ أنني رأيت أحدهم مع .. "
يصمت ثانية : أتلك كانت رباب ؟ هذه
المجنونة ، عليّ أن .. " يصمت " مهما
يكن ، هذا شأنها ، يا للمجنونة ، ستبقى
صغيرة حتى تشيخ " يتجه نحو الشبكة "
فلأسرع إلى سمكتي ، وأضعها في هذه
القربة ، ثم أنطلق بها إلى البيت " يقف
محدقاً في السمكة " يا لله ، ما أجملها ،
كأنها حورية بحق " ينحني على الشبكة "
الوقت يمضي بسرعة ، فلآخذ السمكة ،
وأنطلق .

 

                                  الصياد يضع السمكة

                                  في القربة ، ويخرج


رباب : " تخرج من مخبئها " ترى ماذا وضع
عباس في القربة ؟ " تهز كتفيها " هذا لا
يعنيني " تتجه إلى الخارج " فلأذهب
مسرعة إلى البيت ، لابد أن أمي تبحث
عني الآن .


                              رباب تتلفت حولها ،

                               ثم تخرج مسرعة


                                      إظلام 


















  المشهد الثاني



                                  شاطىء النهر ، تدخل

                                  رباب مهمومة حزينة


رباب : " إصبعها مشدودة بخرقة " الصباح
اليوم جميل ، وكل ما حولي جميل ،
السماء ، النهر ، الأشجار ، الجبال ،
التلال ، وأنا وسط كلّ هذا الجمال والفرح
حزينة .. حزينة " تنصت إلى بلبلين
يغردان " بلبل وبلبلة يغردان ، آه ما أجمل
صوتيهما " تصمت " يا لحظي ، إنني
حين أغرد ، أغرد وحدي ، لا يسمعني
أحد ، ولا يجيبني أحد " تصمت ثانية
وتحرك إصبعها " الأمير حلم ، من أين
يأتي ؟ إلى أين يذهب ؟ إنه حلم ، أيُسأل
الحلم ؟ " تصمت " لا عليّ ، قد يأخذني
هذا الأمير ، ولو في الحلم ، إلى حيث
يذهب ، فيذهب عني الحزن ، وأمتلىء
بجمال الصباح ، والسماء ، والنهر ،
والأشجار ، والجبال ، والتلال " تتنهد "
آه " تنتبه وتنظر إلى الخارج " إنه عباس
" تحرك إصبعها متألمة " آه من عباس "
تصمت " إن تصرفاته غريبة هذه الأيام "
تتجه مسرعة إلى الخارج " فلأختبىء
ريثما يذهب . 


                              رباب تختبىء ، الصياد

                                يدخل حاملاً شبكته


عباس : لن أصيد ثانية إلا هنا ، إن هذا المكان ،
الذي أعطاني سمكتي الكبيرة الجميلة ،
لابد أن يعطيني الكثير من السمك ، فأبيعه
، وأعيش بأثمانه في رخاء " يصمت "
رحم الله أمي ، كانت تقول لي دوماً ،
الحياة قلّب ، يا بنيّ ، مرة سعة ، ومرات
ضيق " يصمت " مهما ضاقت بي الحياة
، يا أمي ، فلن أفرط بسمكتي ، ولن أدع
أحداً يلمسها ، لا الآن ، ولا في المستقبل ،
وحتى النهاية " ينتبه وينظر إلى الخارج
" آه ها هي أم رباب قادمة ، لقد رأتني ،
ولن تفلتني ، فلأبقَ وأمري إلى الله .


                               تدخل أم رباب ،

                            وتقترب من الصياد


الأم : صباح الخير . 

عباس : أهلاً أم رباب ، صباح النور .

الأم : قصدتك قبل قليل في البيت ، ولم أجدك
هناك .

عباس : أنت تعرفين ، يا أم رباب ، أن عليّ أن
أعمل ، وأحصل على قوتي .

 الأم : وفقك الله ، يا بنيّ ، فأنت مثل المرحوم
أبيك ، رجل جد وعمل .

عباس : الحياة صعبة ، يا أم رباب ، وأنا كما
تعرفين ، وحيد لا سند لي ، ولا معين .

الأم : فديتك نفسي ، يا بنيّ ، أنت بحاجة إلى
فتاة شابة ، تعرفها وتعرفك ..

عباس : " ينظر إليها صامتاً " ....

الأم : تنظف لك بيتك ، وتغسل ملابسك ،
وتطبخ طعامك ، و .. تسعدك .

عباس : " يبقى لائذاً بالصمت " ....

الأم : لو تعرف ، يا بنيّ ، كم هو لذيذ الطعام ،
الذي تطبخه ابنتي .. رباب .

عباس : " يبتسم محرجاً " ....

الأم : لقد طبخت اليوم حساء عدس " تحرك
إصبعها " فيه شيء منها " تتضاحك "
قالت إنك تحب العدس ، ولكن ليس أي
عدس ، فأنت مثل أمك رحمها الله ذواق ،
وخجلت أن تأتيك بشيء منه بنفسها ،
فجئتك بطبق ، ووضعته على المائدة في
كوخك .

 عباس : شكراً أم رباب ، لكن ..

الأم : بلا لكن ، إنه عدس خاص ، يا عزيزي
، آمل أن تأكل منه طول حياتك .

عباس : أشكرك .

الأم : أنت ، يا بنيّ عباس ، أحب شاب عندي
، وعند .. " تصمت " رباب ، كما تعرف
، جميلة ، وفتية ، ومؤدبة ، وشغولة ، و
.. وقد خطبها الكثيرون ، لكن هيه .. كل
فتاة ونصيبها .

عباس : " ينظر إليها صامتاً "

الأم : عفواً ، لا أريد أن أشغلك عن عملك "
تصمت " هداك الله يا بنيّ ، إلى ما فيه
الخير والسعادة " تتجه إلى الخارج "
العدس على المائدة ، يا بنيّ ، سخنه حين
تعود إلى البيت ، وسترى كم هو لذيذ .

عباس : أشكرك ، أشكرك يا أم رباب .

الأم : " تخرج وهي ترفع يديها بالدعاء " ....

عباس : الوقت يمضي بسرعة ، وأنا لم أرم ِ
شبكتي حتى الآن ، مرة واحدة " يقترب
من النهر " فلأرم ِ الشبكة ، لعلي أصطاد
شيئاً من السمك " يرمي الشبكة في النهر
" هذه أول مرة ، أرمي فيها شبكتي في
النهر ، بعد أن اصطدت سمكتي الكبيرة ،
الجميلة ، والآن فلأسحبها ، ولأرَ إن كان
                  قد جدّ شيء " يسحب الشبكة " يبدو أن
البداية تبشر بخير " يسحب الشبكة حتى
النهاية " ثلاث سمكات متوسطة ، واثنتان
كبيرتان " وهو يضع الأسماك جانباً " هذا
حسن ، فلأرم ِ الشبكة ثانية .


                                 الصياد يهم برمي 

                               الشبكة ، يدخل عبيد


عبيد : يا لبؤس ما تمُنه عليك شبكتك .

عباس : " يلتفت " من ! " بسخرية " صديقي ؟

عبيد : نعم ، صديقك ، الذي لا يريد لك إلا
الخير .

عباس : ليتك ، يا صديقي ، تبقى متمتعاً بهذا
الخير وحدك .

 عبيد : هيهات ، سأمتعك بما أتمتع به ، رغماً
عنك .

عباس : دعك من هذا الهراء " يلتفت عنه "
امض ِ ، ودعني أعمل .

عبيد : مهلاً يا عباس ، مهلاً ، لا تغضب ،
جئتك زبوناً هذه المرة .

عباس : اذهب عني ، ليس لدي ما أبيعه لك .

عبيد : ليس لي بل للملك " يميل على الصياد "
الملك يريد اليوم ، في ما يريد ، سمكاً .

عباس : اذهب إلى السوق ، إنه مليء بجميع
أنواع السمك .

عبيد : لا ، لا يا صديق ، أريد سمكة منك "
يحدق في الأسماك " ليس بين هذه
الأسماك السمكة ، التي أريدها للملك .

عباس : حمداً لله .

عبيد : أريد سمكة كبيرة ، جميلة .

عباس : " يحدق فيه متشككاً " ....

عبيد : ارم ِ شبكتك في النهر ، فقد تصطاد لي
مثل هذه السمكة .

عباس : لن أرمي شبكتي هنا " يتأهب للخروج "
سأذهب وأرميها في مكان آخر .

عبيد : أيها المجنون ، ستبقى طول عمرك ،
صياد سمك معدماً .

عباس : " يتجه إلى الخارج " هذا أفضل من أن
أعيش ، والطوق في عنقي " يخرج " .

عبيد : " يدمدم مغتاظاً " لن يغمض لي جفن ،
ولن أرتاح ، إلا إذا رأيتك معي ، وسأراك
معي ، مهما طال الزمن ، أو أدمرك .

 

                                 عبيد يخرج ، وبعد

                                 قليل ، يدخل الأمير


الأمير : " يبدو قلقاً منزعجاً " ....

رباب : " تطل من وراء شجرة " يبدو أن
                    الأمير يبحث عني ، فلأنتظر قليلاً . 

الأمير : يا إلهي ، أين اختفت كل هذه المدة ؟
إنني أبحث عنها ، في كل مكان ، دون
جدوى .

رباب : لعله يتحدث عني ، فلأصغ ِ .

الأمير : أبواها قلقان جداً عليها .

رباب : أبواي ! صحيح أن أمي على قيد الحياة
، لكن أبي رحل إلى العالم الآخر .

الأمير : وكذلك أخواتها .

رباب : ليس لي إخوة أو أخوات " بحزن " إنه
لا يتحدث عني ، ترى عمن يبحث ؟

الأمير : " بعنف " سأجن .. سأجن .

رباب : يا ويلي ، كم أخشى أن يكون قد جن
فعلاً .

الأمير : سأبحث عنها ، وأعثر عليها ، حتى لو
كانت في سابع طبقات الأرض .


                               الأمير يهم بالخروج ، 

                               تدخل رباب مسرعة


رباب : أيها الأمير .

الأمير : " يلتفت إليها " أهلاً رباب .

رباب : عفواً ، تأخرت اليوم أيضاً .

الأمير : لا بأس " ينظر إلى يدها " ما بال
إصبعك ؟

رباب : لقد طبخت أمي عدساً ..

الأمير : عدساً  ! نحن لا نأكل العدس .

رباب : وأصرت أن أضع إصبعي فيه ، وهو
يغلي على النار .

الأمير : " يبتسم " يا له من عقاب ، لابد أنها
رأتك متلبسة بجرم ما .

رباب : لا ، لم ترني ، ولم أجرم ، وإنما لأنها
أرادت أن تهدي الصياد طبقاً منه .

الأمير : آه لو أن في هذا العدس فائدة ، لوضعت
فيه زعنفتي .

رباب : زعنفتك  !

الأمير : أعني كفي ، كفي كله .

رباب : " متشككة " آه .

الأمير : أهو مفيد ؟

رباب : ماذا ؟ 

الأمير : العدس .

رباب : لم يفد حتى الآن .

الأمير : " ممازحاً " جربيه ثانية .

رباب : لا أريد أن أجربه ، مادمت إلى جانبي .

الأمير : " ينظر إلى الخارج " يبدو أنني لن أبقى
إلى جانبك طويلاً .

رباب : " تهم بالتشبث به " لا ، أرجوك .

الأمير : انتبهي " يتراجع " أمك قادمة .

رباب : آه إنها لا تدعني وشأني لحظة واحدة ،
كأنها تخشى أن يخرج كائن ما من النهر ،
ويخطفني .

الأمير : " يتراجع " من يدري " وهو يخرج "
لعلها محقة .

رباب : محقة  ! يا للأمير ، إنه يقول أحياناً ،
كلاماً لا أفهمه " تنظر إلى الخارج "
المسكين أبي ، ظلت أمي تزن في رأسه ،
حتى أرسلته إلى الآخرة ، ترى أين
سترسلني أمي بزنها هذا ؟ آه .


                              تدخل الأم ، وتقبل

                            مستبشرة على رباب


الأم : " متحمسة " بنيتي ..

رباب : أمي .

الأم : أخيراً رأيته  ورآك ..

رباب : " تحملق فيها " .... 

رباب : أمي ..

الأم : و .. " تزداد حماساً "أرأيت ؟ العدس ،
إنه وصفة مجربة ، لقد قدمت أمي ، طبقاً
واحداً لأبي ، وأكل منه ملعقة واحدة ، و
..

رباب : كفى يا أمي ، كفى ، إنني لم أرَ أحداً ،
ولم يرني أحد ..

الأم : " مازالت على حماسها " أنت خجلة .
رباب : ولم أمن ّ أحداً ، ولم يُمنني أحد .

الأم : يا بنيتي ، لقد سمعته بأذنيّ .

رباب : " قلقة " ورأيته ؟

الأم : الحقيقة ؟ لا ، لم أره ..

رباب : حمداً لله .

الأم : أنت تعرفين أن نظري .. " بحماس "
لكني واثقة ، كل الثقة ، أنه كان معك .

                   يا بنيتي ، هذا أمر طبيعي ، أنا نفسي ..

رباب : أمي ..

الأم : الصياد .. عباس .

رباب : أقسم لك بقبر أبي ، وبالعدس الذي
أحرق " ترفع إصبعها " إصبعي هذا ،
إنني لم أرَ الصياد عباس اليوم .

الأم : آه تذكرت ، أنت محقة ، إنه لم يأكل
العدس بعد .

رباب : " تتجه إلى الخارج " سأجن " وهي
تخرج " سأجن .. سأجن .

الأم : يا للعجب ، لقد سمعتها بأذني هاتين ،
كلا ، لست أخرف ، ترى مع من كانت
تتكلم ؟" تلحق برباب " مهلاً يا رباب ،
مهلاً ، انتظريني يا بنيتي ، أريد أن أفهم ،
مهلاً ، مهلاً .

  

                                الأم تخرج مسرعة ، 

                                   في أثر رباب


                                        إظلام













 المشهد الثالث



                               كوخ الصياد ، المائدة

                                عامرة بلذيذ الطعام


عباس : " يدخل متعباً " رغم تعبي الشديد ، فإني
سعيد جداً اليوم " يضع شبكته جانباً " لقد
اصطدت الكثير من السمك ، وبعته في
السوق بثمن طيب " صمت " يبدو أن
السمكة ، التي اصطدتها ووضعتها في
الحوض ، كانت بشارة خير لي " وهو
يلتفت " فلأذهب لأراها ، وأمتع نظري
ب .. " يتوقف مذهولاً أمام المائدة " يا لله
، من أين هذا الطعام كله ؟ أهو من أم
رباب ؟ لا ، مستحيل ، إنها معدمة مثلي ،
ولا أظنها قد أتتني إلا بطبق .. " يحدق
في المائدة " أين طبق العدس ؟ يا للعجب
، " يصمت مفكراً " أيعقل هذا " عبيد ؟
لا يمكن ، لو كان منه ، فلابد أنه مسموم ،
عبيد ظل لصقي طول  العمر ، وأنا
أعرفه ، إن أكثر ما يحسدني عليه هو
حريتي ، وكأني أنا من
وضع الطوق في عنقه " يهز رأسه " لا ،
لا يمكن ، أن يقدم عبيد لي مثل هذا
الطعام ، إلا إذا .. " يصمت "  يا لهذا
الطعام ، إن طباخي القصر على خبرتهم
، وتفننهم في إعداد الطعام ، لن يستطيعوا
أن يقدموا ما يماثله " يقترب من المائدة "
إنني جائع ، جائع جداً ، وهذا الطعام
يناديني أن تعال ، وكل ، وتمتع ، واسكت
صراخ جوعك " الباب يطرق " من
يأتيني في مثل هذا الوقت ؟ لعله عبيد ،
جاء يتباهى أمامي ، بما في مطبخ القصر
، مما لذ وطاب من الطعام " الباب يطرق
ثانية " هذه ليست طرقة عبيد ، إنها طرقة
رقيقة " يتجه نحو الباب " مهما يكن ،
فلأفتح الباب ، وأرَ .


                                   الصياد يفتح الباب ، 

                                     تدخل أم رباب


عباس : أم رباب  !

الأم : مررت من هنا ..

عباس : " يحاول اعتراضها " ....

الأم : " تبعده عن طريقها " وفكرت أنك قد
تحتاج إلى شيء .

عباس : لا  أشكرك ، لست بحاجة إلى شيء .

الأم : أتمنى أن تكون قد أكلت العدس ، بعد أن
سخنته ، فهو عدس طيب جداً ، طبخته
رباب بنفسها .. " تصمت حين ترى
المائدة " .

عباس : لا أكتمك ، يا أم رباب ، لم أجد طبق
العدس على المائدة .

الأم : ولن تجده ، يا عباس ، مع كل هذه
الأصناف من الطعام .

عباس : لا عليك " يتقدم من المائدة " سأبحث
عنه ثانية ، لعلي أجده .

الأم : دعك منه ، فمن أتاك بهذه الأطباق ،
لابد أن يكون قد ألغى طبق العدس .

عباس : إنني لا أعرف في الحقيقة ، من أتاني
بهذا الطعام ، حتى إني فكرت ، لأول
وهلة ، أنه ربما يكون منك .

الأم : ماذا تقول ، يا عباس ؟ إن مثل هذا
الطعام ، لا تستطيع أرملة مثلي ، أن
تقدمه لأحد .

عباس : لعله إذن من صديقي .. عبيد .

الأم : لا . 

عباس : إن مطبخ الملك ، وما يزيد فيه من طعام
..

الأم : لا .. لا .

عباس : يا للحيرة .

الأم : " مرتعبة " آه ، يا إلهي ..

عباس : " خائفاً " أم رباب .

الأم : إنها هي .

عباس : ماذا  !

الأم : لا أحد غيرها .. 

عباس : " يحدق فيها صامتاً " ....

الأم : الجنية .

عباس : لكن .. ليس في بيتي جنية .

الأم : أنظر " تشير إلى المائدة " هذا ليس
طعام بشر .  

عباس : أم رباب .

الأم : لابد أن فتاة من الجن ، قد رأتك ،
وأعجبت بك .

عباس : ما تقولينه وهم ، لا يقبله عقل .

الأم : رباب " تصيح " إنها الحرب ، لن
أسمح لجنية رعناء ، أن تنتصر ، وتحطم
قلب .. " تهم بقلب المائدة " ..

عباس : " يعترضها " لا ، أم رباب ، أنت امرأة
عاقلة .

الأم : لا ؟ " تتوقف وتتمالك نفسها " الحق
معك ، لعل الجنية تغضب ، وأنا لا أريد
إغضابها " تدمدم جانباً " هناك سبل
أخرى ، غير الحرب المباشرة " تتجه إلى
الخارج " إنني أم رباب ، ولن تغلبني
جنية ، مهما كانت .


                                  الأم تخرج ، الصياد 

                                   يبقى وحده حائراً


عباس : لعل أم رباب على حق ، فهذا الطعام
غريب ، ولا يستبعد أن يكون من صنع
جنية " يحدق في المائدة " لكنني جائع ،
جائع جداً ، وهذا الطعام يقول لي ، تعال
" يتقدم من المائدة " تعال ، تعال " يتوقف
" فلأتريث ، صحيح إنني لم أرَ جنية ،
ولا أومن بوجود الجن ، لكن .. آه .. يا
للحيرة .


                                الصياد يجلس ، رامقاً

                              الطعام ، صوت الحورية  

الحورية :  

من عالم النهر        ووشوشات الماء

         يأتيك بالسحر         والخير    ولآلاء 

                         *  *  *

       هيا إلى الطعام         هذي أواني الخير 

       كلامهم أوهام          لا تلتفت للغير 

                      فإنهم حساد 

                    يا أيها الصياد                *  *  *                       

    ستفرح الدنيا             وتضحك الأيام 

    لا تلتفت هيا              الخوف والأوهام

 *   *  * 

 هذا أوان الحب          فاسمع أغانيه

    بعد عناء الدرب        هلت أمانيه 

                  بالفرح والأعياد

                  يا أيها الصياد

عباس : " ينهض " آه ما أجمل هذا الصوت ،
ترى ما مصدره ؟ أهو من أعماقي أم .. ؟
من يدري " يقترب من المائدة " إنني
جائع ، جائع جداً " يحدق في الطعام " آه.


                             الحورية تزيح الستارة ،

                               وتطل من ورائها 


عباس : لو أعرف فقط ، من أعد هذا الطعام .

الحورية : " تنظر إليه مترقبة " ....

عباس : أهي جنية حقاً ؟

الحورية : " تكتم ابتسامتها " ....

عباس : مهما يكن فلابد أنها رائعة .

الحورية : " تبتسم فرحة " ....

عباس : ماذا لو كنت واهماً ؟

الحورية : " تتراجع ابتسامتها " ....

عباس : ربما تكون عجوزاً ..

الحورية : " تعبس " ....

عباس : قبيحة ..

الحورية : " تزداد عبوساً " ....

عباس : تعوض عن قبحها ، وتقدمها في السن ،
بإعداد ما لذ وطاب من طعام .

الحورية : " تحرك يدها منفعلة فتتحرك الستارة "
....

عباس : " يلتفت " ....

الحورية : " تختفي وراء الستارة " ....

عباس : الستارة تتحرك ، لتتحرك ، ماذا دهاني
؟ لعل نسمة هواء حركتها " يلتفت " لكن
النافذة مغلقة ، فمن أين جاءت نسمة
الهواء ؟ " يلمح خيال الأمير يمرق خلف
النافذة " ما هذا ؟ فلأتمهل ، لعله ضيف ،
أو رجل مستطرق ، لابد أن الباب
سيطرق بعد قليل " ينتظر " لم يطرق أحد
الباب ، يا للعجب " يمرق خيال الأمير
ثانية " إنه الشخص نفسه " يتجه نحو
الباب " فلأسرع وأرَ من يكون " يفتح
الباب ويحدق في العتمة " لا أرى أحداً ،
لعله اختبأ هنا أو هناك " وهو يخرج "
فلأبحث في الجوار ، وأقف على حقيقة ما
تراءى لي ، ليطمئن قلبي . 


       

                               تدخل الحورية ، وتضع

                                 وردة على المائدة


عباس : " من الخارج " يا للعجب ، لم أجد أحداً
في أي مكان .

الحورية : " تعود مسرعة إلى مكانها " ....

عباس : " يدخل ويغلق الباب " المكان غريب
هذه الأيام ، الستارة تتحرك داخل البيت ،
دون نسمة هواء ، وخيال رجل يمر خلف
النافذة ، ولا أثر للرجل في الخارج "
يصمت مذهولاً حين يرى الوردة " يا
إلهي ، هذه الوردة لم تكن هنا قبل برهة ،
من أين جاءت ؟ومن جاء بها ؟ " يتلفت
قلقاً " آه ، أتكون أم رباب على حق ؟ "
يحاول أن يتماسك " فلأدع أفكار العجائز
هذه جانباً ، من يدري ، لعل هذه الوردة ،
كانت هنا من    قبل ، ولم أنتبه إليها .

 الحورية : " تطل من وراء الستارة " ....

عباس : مهما يكن ، فلأجلس وأتذوق هذا الطعام
، فإن أعجبني أكلت ، حتى أشبع ، وإن لم
يعجبني .. " يجلس أمام المائدة " ما العمل
؟ " يمد يده " فلأجرب .

صوت الأم : عباس .

عباس : " ينصت " ....

صوت الأم : حذار ، هذا الطعام ليس طعام بشر .

عباس : " يبدو متردداً " ....

صوت الحورية :

              من عالم النهر      ووشوشات الماء

             يأتيك بالسحر        والخير ولآلاء 

                            *  *  * 

           هيا إلى الطعام        هذي أواني الخير 

            كلامهم أوهام        لا تلتفت للغير

                         فإنهم حساد

                       يا أيها الصياد


عباس : هذا الصوت ، الذي يشبه خرير الماء ،
يقول لي ، كل " يأخذ لقمة " سآكل ،
وليكن ما يكون " يتذوق الطعام متلذذاً "
يا لله ما ألذه .

 الحورية : " تتحرك فرحة فتتحرك الستارة " ....

عباس : " يتوقف عن تناول الطعام " إنها
الستارة ثانية ، ليكن " يضع لقمة في فمه
" فلآكل " ينهمك في تناول الطعام ، آه ،
يا للذة ، يبدو أنني سآكل الطعام كله .

      

                                 الصياد يأكل بنهم

                               الحورية تبدو فرحة


                                       إظلام




















  المشهد الرابع 



                               تضاء بقعة محددة ، 

                               الصياد يقف حائراً


عباس : منذ أيام ، وكلما عدت إلى البيت ، أجد
مائدتي عامرة بما لذ وطاب من الطعام ،
ورغم بحثي وانتظاري وإعمال فكري ،
لم أعرف مصدر هذا الطعام ، واليوم
سأعود إلى بيتي مبكراً ، لعلي أعثر على
ما يشير إلى مصدره .


                             الكوخ ، الحورية تعد

                             الطعام ، وهي تغني


الحورية       :   هذه الدنيا جميلة        زينتها الأمنيات

                 وعصافير الخميلة       زقزقت والفجر آت

                                آه ما أحلى الحياة

                إن هذا الكوخ أحلى     من قصور الأمراء

                طيبة الصياد ظلّ        وأمانيه غناء

                             آه ما أحلى الحياة

              ولماذا الآن يبقى        حائراً .. والفجر آت 

              


الحورية : " تتوقف عن الغناء وإعداد الطعام " يا
إلهي ، ليس الصياد وحده حائراً ، فأنا
أيضاً حائرة ، أريد البقاء هنا ، كما أريد
العودة إلى وطني وأهلي وصديقاتي و .. ،
فإذا عدت سيتصدى لي الأمير ، وإذا
بقيت فلابد أن يكشف الصياد أمري ، ما
العمل ؟  الأمير يلاحقني بعواطفه ،
ويريدني له ، وأهرب منه ، مع أن
الكثيرات يتمنين نظرة منه ، إنه أمير ،
وأي أمير ، لكن الصياد شيء آخر ، إنه
إنسان ، إنسان طيب ، حنون ، آه يا
للحيرة ، فلأعد إلى العمل ، وأعد له ما
يشتهيه من طعام ، وليكن ما يكون .

  

      

                            الحورية تعمل ، يدفع

                            الباب ، ويدخل الصياد


الحورية : " تشهق متفاجئة " آآآ  .

عباس : " يقف مذهولاً " ....

الحورية : اليوم ، على غير عادتك ، جئت مبكراً .

عباس : جئت لعلي أعرف السر .

الحورية : أظنك عرفته .

عباس : لا ، لم أعرفه تماماً .

الحورية : أنا .. " تشير إلى الطعام " ....

عباس : أشكرك .

الحورية : بدا لي " تشير إلى الستارة " وأنا أراقبك
..

 عباس : آه .

الحورية : إنه أعجبك .

عباس : أعجبني جداً " يتقدم منها " لكن ..

الحورية : " تتراجع " أرجوك ..

عباس : لا تخافي .

الحورية : ابقَ في مكانك .

عباس : " يتوقف " طعامك لذيذ ، لذيذ جداً ، هذا
صحيح ، لكنه غريب ، لم أذق ما يماثله
من قبل .

الحورية : لعلك محق ، لكن المهم أنه أعجبك .

عباس : أعجبني جداً " يحملق فيها " وأنت .

الحورية : " تحدق فيه " ....

عباس : من أنت ؟

الحورية : أنا ..

عباس : المنطقة هنا محدودة ، وأنا أعرف كل
من فيها .

الحورية : الحقيقة ، لست من هذه المنطقة .

عباس : ولست من أي منطقة أعرفها .

الحورية : هذا حق .

عباس : " يحملق فيها صامتاً " ....

الحورية : سمعتني أغني ؟

عباس : نعم .

الحورية : البعض يعجبهم صوتي .

عباس : صوتك جميل ، جميل جداً .

الحورية : أشكرك ، هذا ما يقوله الأمير أيضاً .

عباس : الأمير ؟

الحورية : " مدارية حرجها " وكذلك أمي
وصديقاتي ، وجميع من استمع إليّ .

عباس : " يحدق فيها مفكراً " ....

الحورية : " حالمة " يقول .. إن صوتي .. خرير
ماء .. في ضوء القمر .

عباس : من  !



                                 الباب يطرق بشدة 

                                الحورية تبدو قلقة 


عباس : أظنها أم رباب " يتجه نحو الباب "
سأفتح الباب ، وأرى .

الحورية : " قلقة " تمهل .

عباس : ما الأمر ؟ 

الحورية : لا تفتح الباب .

عباس : اطمئني ، أنت معي في بيتي " الباب
يطرق ثانية " ..

الحورية : لا تفتحه ، لعله يذهب .

عباس : من تعنين ؟

الحورية : لا ترفع صوتك ، أرجوك " الباب
يطرق مرة أخرى " 

عباس : دعك من هذا القلق " يتجه نحو الباب "
لابد أن أفتح الباب ، وأرى من هناك .

الحورية : " تسرع بالاختباء وراء الستارة " آه ..
يا ويلي . 


                              الصياد يفتح الباب ، 

                             ويفاجأ بوجود الأمير


الأمير : أيها الصياد ..

عباس : نعم .

الأمير : " يدخل متلفتاً حوله " ....

عباس : يبدو لي أنك تعرفني .

الأمير : " يتشمم " أشم رائحة سمكة في بيتك .

عباس : هذا أمر طبيعي ، فأنا صياد سمك .

الأمير : " يتشمم ثانية " ....

عباس : ليتك تخبرني عما تبحث ، لعلي أستطيع
مساعدتك .

الأمير : هل اصطدت سمكة كبيرة ، خلال هذه
الأيام ؟

عباس : عفواً ، لا أفهم قصدك .

الأمير : قصدي واضح .

عباس : إنني صياد ، كما قلت لك ، وقد
اصطدت الكثير من السمك ، خلال هذه
المدة .

الأمير : سألتك عن سمكة كبيرة ..

عباس : " يهز رأسه " لا .

الأمير : جميلة .

عباس : لم أصطد سمكة كهذه .

الأمير : أنت محظوظ " يتجه إلى الخارج " فلو
اصطدت مثل هذه السمكة " وهو يخرج "
لدفعت الثمن غالياً .

 عباس : يا إلهي " يغلق الباب " أهذا ممكن ؟

الحورية : " تخرج مترددة من وراء الستارة " ....

عباس : لم توضحي لي الحقيقة .

الحورية : إنها واضحة الآن .

عباس : تقصدين أنك .. ؟

الحورية : " تهز رأسها " ....

عباس : " يمضي مسرعاً إلى ما وراء الستارة "
                    ....

الحورية : " تنتظر قلقة " ....


                                 تطفأ الأضواء عن

                                الكوخ ، يضاء عبيد


عبيد : عباس هذا يحيرني ، يدخل كوخه
الزريبة مساء ، ولا يخرج منه حتى
الصباح " يصمت " تقول أم رباب ، وهي
مثلي .. تراقبه ، وإن اختلفت الأسباب
والأهداف ، تقول إن مائدته عامرة دائماً
بما لذ وطاب ، ترى من أين يأتيه هذا
الطعام ؟ خاصة وأنه غير متزوج "
يصمت " لابد أن في الأمر سراً ،
سأختلس النظر من النافذة ، لعلي أعرف
الحقيقة " يختلس النظر من النافذة " يا لله
، أية فتاة جميلة هذه ، إن جمالاً كهذا لا
يمكن أن يكون لفتاة أنسية " يصمت " يا
له من محظوظ ، ترى كيف حصل عل
مثل هذه الفتاة ؟ " بنبرة حقد " مهما يكن
، لن أدعه يتمتع بكل هذا الجمال "
يصمت مفكراً " آ .. الملك "


                                   تطفأ الإضاءة عن

                                 عبيد ، يضاء الكوخ


الحورية : " تنظر إلى الستارة قلقة " ...

عباس : " يقبل من وراء الستارة " يا إلهي ، لم
أرَ سمكتي في الحوض .

الحورية : طبعاً ، فأنا ..

عباس : أنت ماذا ؟ أخبريني .

الحورية : أنا سمكتك .

عباس : ماذا ؟ أنت  !

الحورية : " تهز رأسها " ....

عباس : لست فتاة أنسية .

الحورية : نعم ، أنا من .. النهر .

عباس : " يشير إلى الباب " وذاك .. ؟

الحورية : إنه ابن عمي ، الأمير .

عباس : هذا واضح .

الحورية : ربما عجبت لاصطيادي .

عباس : الآن بدأت أعجب .

الحورية : رأيتك مراراً تصطاد ، وتمنيت لو
تصطادني .

عباس : يا للعجب .

الحورية : وحين ألحّ ابن عمي الأمير في مطاردتي
، مكنتك من اصطيادي .

عباس : مهما يكن ، فأنا محظوظ .

الحورية : قيل لي ، أنني مثل جدتي .

عباس : لابد أنها كانت مثلك ، رأت صياداً
يصطاد .

الحورية : لا ، جدتي لم ترَ صياداً ، بل رأت فارساً
يمتطي فرساً بيضاء .

عباس : لست إذن بالضبط مثل جدتك .

الحورية : من يدري ، لعلكما متشابهان ، أنت
والفارس " تصمت " كان يأتي على
فرسه ، مساء كل يوم ، فتخوض الفرس
في المياه الضحلة ، وتشرب حتى ترتوي
، وذات يوم ، قررت جدتي أن تنزع جلد
السمكة " ترتفع ضجة في الخارج "
وتخرج من النهر ، و ..

           

                              يُدفع الباب ، ويدخل

                              عبيد ، وثلاثة جنود


الحورية : " تشهق لائذة بعباس " آآآه  .

عباس : " يربت على يدها " لا تخافي " ينظر
إلى عبيد " عبيد .

عبيد : نعم ، عبيد الذي تعرفه .

عباس : صدقت ، إنني أعرفك ، أيها الخائن .

عبيد : " للجنود الثلاثة مشيراً إلى الحورية "
هذه هي الفتاة ، خذوها .

عباس : " ينقض عليه غاضباً " أيها الخائن ،
لتدفع الثمن ..

الجندي الأول : " يعترضه شاهراً سيفه " توقف .

عباس : " يتوقف مهدداً عبيد " لن تفلت مني ،
انتظر .

عبيد : هذا إذا أفلت يوماً من أسار الملك "
للجند الثلاثة " هيا ، خذاهما ، إن الملك
ينتظر على أحر من الجمر " الجنود
الثلاثة يدفعون الصياد والحورية " .

عباس : " لعبيد " أيها اللعين ، عشت عبداً ،
                    وستموت عبداً خائناً . 

عبيد : " يتجه إلى الخارج " ستدفع الثمن غالياً
، يا صديق العمر " وهو يخرج " لنسرع
بصيدنا الثمين ، هيا .


                               يخرج الجنود الثلاثة ، 

                             وبينهم الصياد والحورية 


الأمير : " إعتام ، يأتي صوته من العتمة " لابد
أن أجدها اليوم ، مهما كلف الأمر "
يضاء الأمير وحده " هذا الكوخ مريب ،
أدور أدور وتقودني أحاسيسي إليه "
ينظر نحو الكوخ " يا للعجب ، باب
الكوخ موارب " يخرج من دائرة الضوء
" فلأدخل . 



                               يطفأ الضوء عن 

                            الأمير ، يضاء الكوخ


الأمير : " يدخل متشمماً " يا إلهي ، هذه الرائحة
شممتها هنا قبل قليل ، وأشمها الآن أيضاً
، إن شمي لا يخطىء ، إنها رائحتها ،
ابنة عمي الأميرة " يتلفت حوله " الويل
له لو كان قد صادها ، و .. " يندفع إلى ما
وراء الستارة " يا للويل .. " " يخرج
حاملاً جلد السمكة " إنها هي ، الأميرة "
يتوقف وقد اتسعت عيناه " يا ويلي ،
رأيت في الظلام ثلاثة جنود ورجلين و ..
" يندفع نحو الخارج " إنها هي ، ابنة
عمي ، الأميرة ، الويل لهم جميعاً ، لو
مسّ واحد منهم شعرة منها .


                                الأمير يخرج مسرعاً ، 

                                  وهو يهدد ويتوعد


                                         إظلام






المشهد الخامس



                                     قصر الملك ، قاعة 

                                 العرش ، الملك والوزير


الملك : أيها الوزير .

الوزير : نعم ، يا مولاي .

الملك " الجند الثلاثة ، والخادم عبيد ، الذين
أرسلتهم في هذه المهمة ، تأخروا ،
تأخروا كثيراً .

الوزير : عفو مولاي ، لن يتأخروا أكثر ، سيأتون
حالاً .

الملك : هذا الخادم اللعين عبيد ، سأقتله شرّ قتلة
، إذا كان كاذباً .

الوزير : قال حكيمنا الخالد " يحاول عبثاً تذكر
اسمه " الذي لا ينسى ..

 الملك : " يحملق فيه حانقاً " ....

الوزير : قال لسانك حمارك

الملك : " يصحح له " حصانك .

الوزير : إن صنته صانك .

الملك : " يتمشى نافد الصبر " ....

الوزير : وإن ..

الملك : " يتوقف ويقاطعه " قال لعنه لله .. الوزير : من يا مولاي ؟ الحكيم ؟

الملك : كلا ، الخادم .

الوزير : آه .

الملك : قال ، إنها فتاة ليست كالفتيات .

الوزير : لو سألتني رأيي ، يا مولاي ..

الملك : لن أسألك ، فأنا أستطيع أن أخمن رأيك
، في مثل هذا المجال .

الوزير : الفتيات سواء .

الملك : ماذا  ! سواء ؟

الوزير : نعم ، يا مولاي ، فكلهن فتيات .

الملك : " يحملق فيه " .... 

الوزير : هذا رأيي .

الملك : أيها الوزير .

الوزير : نعم ، يا مولاي .

الملك : رأيك هذا إما حكمة لم أفهمها ، وإما
هراء .

الوزير : " محرجاً " مولاي .

الملك : أيهما ؟

الوزير : " لا يجيب " ....

الملك : إنني أنتظر ردك ، أيهما ؟ أخبرني .  

الوزير : أظنه ..هراء .

الملك : هذا ما خمنته ، فقد كبرت وشخت ،
وصار مثل هذا الموضوع ، خارج حدود
حكمتك .

الوزير : " ينظر إليه صامتاً " ....

الملك : لا تنظر إليّ هكذا ، صحيح أنني أكبر
منك ، بأشهر قليلة ، لكن مازالت حكمتي
، في هذا المجال بالذات ، موضع
الإعجاب والتقدير .

الوزير : أدام الله عليك ، يا مولاي ، هذه الحكمة.

الملك : أشكرك ، هذا أفضل شيء سمعته منك ،
خلال السنوات الخمس الأخيرة .

الحاجب : " يدخل فجأة " مولاي .

الملك : " يفز " ليلعنك الله .

الحاجب : عفو.. 

الملك : " يقاطعه " من بالباب ؟ خادمنا اللعين
.. عبيد ؟

الحاجب : ومعه الجند الثلاثة ..

الملك : أكمل .

الحاجب : والصياد .. الذي يصيد السمك .. من ..

الملك : دعك من الصياد ، وبعد ، أكمل .

الحاجب : وفتاة ؟

الملك : لعنك الله ، ليدخلوا .

الحاجب : " ينحني ببطء " أمر مولاي .

الملك : دعك من هذه ال .. " يصيح " هيا 
أسرع .

الحاجب : أمرك يا مولاي " يخرج بسرعة " .

الملك : جاءك الموت .. يا خادمي اللعين .. ولن
تنقذك إلا ..فتاة ليست كالفتيات .


                               يدخل عبيد والجنود

                        الثلاثة ، والصياد ، والحورية  


الملك : " ينقل عينيه المتلهفتين بينهم " أين هي
؟ أين ؟

الجندي الأول : مولاي ..

الملك : أسكت .

الجندي الثاني : مولاي ..

الملك : أسكت أنت أيضاً .

الجندي الثالث : " يهم بالكلام " ....

الملك : إياك أن تنطق .

الجندي الثالث : " يلوذ بالصمت " ....

الملك : أين تلك التي ليست كالفتيات ؟ أين هي ؟

عبيد : " يمسك بالحورية " مولاي " يتقدم بها
إلى الملك " ها هي ذي ، يا مولاي ،
أنظر .

الملك : " ينظر إلى الحورية مذهولاً " يا الله .

الوزير : " يحدق فيها وقد فغر فاه " ....

الملك : " ينتبه إليه " أيها الوزير .

الوزير :نعم ، مولاي .

الملك : ألك رأي في .. " يشير إلى الحورية " 

الوزير : " يهز رأسه وهو مازال يحدق في
الحورية " ....

الملك : سواء ؟

الوزير : " بلهجة من ينطق مثلاً " لقد صدق
عبيد . 

الملك : " كأنه يترنم " لقد صدق .. " يشرق
وجهه " هذا مثل ، وأي مثل " يلتفت إلى
الوزير " أيها الوزير . 

الوزير : " مازال يحدق في الحورية " نعم ، يا
مولاي .

الملك : قل لوزير الأمثال ، أن يسجل هذا المثل
، الذي اكتشفته ، في كتاب الأمثال الخالدة
، بماء الذهب .

الوزير : أمر مولاي ، " يصمت مفكراً " لكن ..

الملك : لكن ماذا ؟

الوزير : ليس لدينا وزير للأمثال ، ولا ..

الملك : " يعود للتحديق في الحورية " عينوا
وزيراً للأمثال ، عينوه بسرعة ، على أن
لا يكون أصغر من ..منك .

الوزير : أمر مولاي .

عبيد : مولاي .

الملك : أسكت .

عبيد : " مشيراً إلى الصياد " هذا ..

الملك : قلت لك أسكت .

عبيد : " يلوذ بالصمت " ....

الملك : " يحدق في الصياد " من أنت ؟

عباس : أنا ؟

الملك : نعم، أنت .

عباس : أنا مالك .. " يشير إلى الحورية " هذه
ال ..

الملك : ماذا  ! مالك ؟يقول مالك .. " للوزير "
أيها الوزير .

الوزير : نعم ، يا مولاي .

الملك : من الملك والمالك هنا ؟

الوزير : أنت طبعاً ، يا مولاي .

الملك : " للصياد " أرأيت ؟ أنا الملك والمالك ،
أنا أملك كل شيء هنا ، الجبال .. والتلال
.. والسهول .. والأشجار .. والأنهار ..
والبشر  " يصيح " أيها الوزير .

الوزير : نعم ، يا مولاي .

الملك : خذ هؤلاء ال .. جميعاً ، واخرج بهم من
قصري ، عدا .. " يشير إلى الحورية " .

الوزير : أمر مولاي " للجميع " هيا إلى الخارج
، هيا ، هيا .


                                الجميع يتجهون إلى

                                الخارج عدا الصياد


عباس : مولاي .

الملك : أخرج .

عباس : أنا ..

الملك : " يقاطعه " أنت حر ، اذهب إلى بيتك .

عباس : وسمكتي ؟

الملك : سمكتك ! أية سمكة ؟ لقد جن " يصيح "
أيها الوزير .

الوزير : نعم ، مولاي .

الملك : خذ هذا الصياد ، وأرسله مخفوراً إلى
  بيته .

الوزير : " للصياد " تعال .

عباس : لكن ، يا مولاي .

الملك : " يشيح بوجهه عنه " ....

الوزير : " يمسك يد الصياد ويسحبه " لا تكن
أحمق ، تعال وإلا أرسلتك إل الآخرة .


                             الوزير يخرج بالصياد ، 

                              يبقى الملك والحورية


الملك : الآن ، يا فاتنتي ، نحن وحدنا ، أنا وأنت
فقط ، لقد ذهب الجنود الثلاثة ، والخادم
عبيد ، وصياد السمك ، وكذلك وزيري
العجوز " يصمت " يا إلهي ، إنني أتكلم ،
وأسمع صوتي ، الذي سمعته عمري كله
، بينما عليّ أن أسمعك أنت ، فأنا لم أسمع
صوتك حتى الآن ، هيا ، تكلمي .

الحورية : " تحدق فيه " ....

الملك : قولي شيئاً ، أي شيء ، فلابد أن صوتك
جميل ، فاتن ، مثلك .

 الحورية : أيها الملك .

الملك : مولاتي .

الحورية : دعني أعد من حيث أتيت .

الملك : تعودين ؟ يا إلهي ، إلى أين ؟

الحورية : النهر .

الملك : ماذا تقولين ؟ إلى ..؟ لو كنت سمكة
لتركتك تعودين إلى النهر .

الحورية : إنني سمكة .

الملك : لا أدري ، لماذا يصرّ من حولي اليوم ،
على أني أحمق " للحورية " أنت سمكة
إذن ؟

الحورية : نعم ، سمكة .

الملك : يا للجنون ، هذا ما حاول الصياد أن
يوهمني به " يحاكي صوته " وسمكتي ؟

الحورية : الصياد صادق ، إنني سمكته فعلاً .

الملك : " يحدق فيها نافد الصبر " ....

الحورية : لقد صادني بشبكته ، من النهر ، قبل
أيام .

الملك : سأجن .

الحورية : هذه هي الحقيقة ، ليتك تصدقها ،
وتسمح لي بالعودة إلى النهر .

الملك : هذا محال ، أنت لي ، وستبقين لي ، إلى
الأبد " ترتفع ضجة في الخارج " ما هذا؟

الحورية : يبدو أن الأبد الذي تتحدث عنه قريب ،
قريب جداً .

الملك : " يتلفت حوله " ماذا تعنين ؟ ماذا ؟

الحاجب : " يدخل مذعوراً " مولاي أهرب ،
أهرب .

الملك : أهرب  ! " يتراجع خائفاً " أيها
المجنون ، أنسيت من أكون ، أنا ..

الحاجب : لقد اجتاح القصر وحش ، لم أرَ مثيلاً له
من قبل ، وقد قتل الكثير ين من الحرس ،
وهرب الباقون .

الملك : هرب الباقون ؟ " يتراجع خائفاً " يا
للجبناء ، سأعلقهم جميعاً على أعواد
المشانق ، وأجعلهم عبرة لمن ..


                              يُدفع الباب ، ويدخل

                              الأمير شاهراً سيفه 


الحاجب : " يصيح مذعوراً " الوحش .

الملك : الوحش ؟

الحورية : " تتمتم بارتياح " الأمير .

الحاجب : " يختبىء وراء العرش " ....

الملك : " يصيح مستغيثاً " أيها الحرس .

الأمير : لا تصح ، لن ينجدك أحد .

الملك : أنت مخطىء ، لا تغتر بما تملكه من
قوة ، فقصري مليء بالحرس الأقوياء .

الأمير : " يتقدم منه " لقد قتل معظم حرسك ،
ولاذ الباقون بالفرار .

الملك : أيها الحرس ، هلموا ، إنني ملككم ،
هلموا ، هلموا ، هلموا .

الأمير : " يحاصر الملك " لا فائدة ، لن يسمعك
أحد ، ولن يستجيب لك أحد ، أنت الآن
وحيد ، لا سند لك .

الملك : مهلاً ، مهلاً ، لنتفاهم .

الأمير : " يتوقف " ....

الملك : أخبرني ، ماذا تريد ؟

الأمير : أريد الأميرة .

الملك : الأميرة ؟

الأمير : ولا شيء غير الأميرة .

الملك : " يلوذ بالصمت " ....

الأمير : واياك أن تعترض " يرفع سيفه " وإلا
شطرتك بسيفي هذا من أعلى رأسك ،
حتى أسفل قدميك .

 الملك : لا ، لا أريد أن أعترض " ينظر إلى
                    الحورية " إلا إذا أرادت هي نفسها ..

الحورية : " تتجه إلى الخارج " ....

الملك : " يلاحقها متردداً " عزيزتي ، ابقي ،
ابقي إذا أردت .

الأمير : " يزيح الملك عن طريقه " ....

الملك : عفواً " يتراجع " إنها حرة " ينظر
بحسرة إلى الحورية " آه .


                               الأمير والأميرة يخرجان ،

                                   الملك يبقى وحده


                                          إظلام 










  المشهد السادس



                                 الشاطىء ، الشمس تميل

                                للغروب ، الحورية والأمير


الحورية : آه ، النهر " تتشمم بلهفة " ما أعذب هذه
الرائحة ، الآن عادت حياتي إليّ .

الأمير : لم يخطر لي يوماً ، أنك يمكن أن تبتعدي
                    عن النهر ، ومن في النهر . 

الحورية : أنا أيضاً لم يخطر لي ذلك " تبتسم "
حتى ..

الأمير : حتى ماذا ؟

الحورية : " لا تجيب " ....

الأمير : من يدري ، لعلك هربت مني ..

الحورية : " بدلال " نعم ، يمكنك أن تقول ، إن
هذا أحد الأسباب .

الأمير : أمر لا يكاد يصدق .

الحورية : لكنك رغم ذلك ، بقيت معي ، لم تغب
عني لحظة واحدة .

 الأمير : ما أغربك .

الحورية : ليس خوفاً .

الأمير : أعرف ..

الحورية : أنت تخيف الكل ، لكنك لم تخفني ، ولن
تخيفني .

الأمير : ومع هذا هربت .

الحورية : حاولت أن أهرب ، لكن دون جدوى .

الأمير : تقول أمي ، إن فيك شيئاً من جدتك .

الحورية : بل فيّ الكثير ، منها " تبتسم " أمك
محقة .

الأمير : جدتك ، على ما قيل لي ، تعلقت بفارس
شاب .

الحورية : أفهم قصدك .

الأمير : أما أنت فقد صادك الصياد بشبكته .

الحورية : من يدري . 

الأمير : " يحدق فيها " ....

الحورية : لعلي مثل جدتي .

الأمير : " يهمهم " ....

الحورية : مهما يكن ، أنا أميرة من النهر " تطوقه
بذراعيها " وأنت أميري .

الأمير : صدقيني ، ما كنت لأطاردك في كل
مكان ، لو لم أكن أعرف ذلك .

الحورية : الأيام كثيرة أمامنا ، سنتحدث فيها
ونتحدث ، حتى نشبع " تصمت متطلعة
إليه " لنعد إلى عالمنا يا أميري ، إنني
مشتاقة إلى وطني وأهلي وصديقاتي .

الأمير : " يمسك يدها " هيا " يسير بها " لقد
خبأت جلدي في مكان قريب من الجرف .

الحورية : " تتوقف " يا لذاكرتي .

الأمير : ما الأمر ؟

الحورية : جلدي .

الأمير : آه إنه في كوخ ذلك الصياد ، لقد رأيته
هناك .

الحورية : مهلاً ، سأذهب سريعاً ، وأعود به .

الأمير : لا ، سأذهب أنا " يتجه إلى الخارج "
انتظريني قرب الجرف .

 الحورية : حسن ، لا تتأخر .

الأمير : " وهو يخرج مسرعاً " تمشي أنت إلى
هناك ، وسأكون عندك خلال دقائق .

الحورية : " تتوقف حالمة " الصياد المسكين ، لقد
أقلقته ، وسببت له مصاعب كثيرة ، يا
لأحلامي الطائشة " تصمت " يبدو أنني
لن أراه ثانية ، لعل هذا أفضل ، إن له
عالمه ، ولي عالمي " تتجه إلى الخارج "
فلأذهب إلى الجرف ، وأنتظر الأمير ، ثم
نعود معاً ، إلى عالمنا ، النهر .


                                يدخل الصياد ، ويرى

                               الحورية تهم بالخروج

عباس : أيتها الحورية .

الحورية : " تتوقف مغمغمة " من ؟ " تلتفت بلهفة
" الصياد .

عباس : يا لله ، فبعد أن حدث ما حدث ، لم أتوقع
أن أراك ثانية .

الحورية : ها أنت تراني .

عباس : إن من تدخل قصر الملك ، وخاصة إذا
كانت فتاة في جمالك ، لا تخرج منه أبداً .

الحورية : لقد جاء الأمير ، واقتحم القصر ،
وأخرجني منه .

عباس : الأمير ؟

الحورية : نعم ، أنت تعرفه ، لقد جاءك اليوم في
البيت .

الحورية : آه ، الأمير .

الحورية : لا شيء يقف في وجهه ، عندما يتعلق
الأمر بي .

عباس : هذا واضح ، وأنت تستحقين ذلك .

الحورية : لقد ذهب إلى كوخك ، ليأتيني بجلدي ،
جلد السمكة ، فقد آن لي أن أعود إلى
عالمي ، النهر .

عباس : يا للأسف ، لم يطل بقاؤك عندي ، فما
كدت أعرفك ، حتى تملصت من بين يديّ
،حقاً أنت سمكة .

الحورية : " تبتسم " لا تنسَ ، إنني سمكة .

عباس : مهما يكن ، سأجدّ في اصطيادك ثانية ،
وسأصطادك .

الحورية : " تتسع ابتسامتها " هيهات ، لن تستطيع
اصطيادي ، مهما حاولت .

عباس : سأصطادك ، فأنت موجودة ، وأنا
موجود ، وشبكتي كذلك ، مازالت
موجودة .

الحورية : لقد اصطدتني ، عندما دخلت بإرادتي
في شبكتك .

عباس : لا بأس ، ادخلي ثانية في شبكتي .

الحورية : لا " تتراجع " لن يحدث هذا ثانية "
تتراجع أكثر فأكثر " الأمير سيوافيني عند
الجرف .

 عباس : " يتقدم منها " انتظري قليلاً .

الحورية : وداعاً .

عباس : مهلاً ، سأرافقك بعض الطريق .

الحورية : كما تشاء ، هيا " يتجهان إلى الخارج "

عباس : لم تخبريني عما جرى لجدتك ، مع
الفارس .

الحورية : جدتي " تضحك " لقد لحق بها ابن عمها
، وتزوجها .

  

                             الصياد والحورية يخرجان ،

                                  تدخل رباب حزينة


رباب : الشمس توشك على الغروب ، بعد أن
طافت الأرض ، طول النهار ، ورأت ما
رأت ، وأنا سأغرب يوماً ما ، دون أن
أطوف ، أو أرى أي شيء " تصمت " لا
، مازلت شابة ، والعمر مازال أمامي ،
سأطوف ، وأرى ، و .. " تصمت ثانية "
يا لي من حمقاء ، إنني أخدع نفسي ، إذا
غربت الشمس ، لن أرى غير الليل ،
والظلام ، والصمت .

الأمير : " يدخل حاملاً جلد السمكة " عمت
مساء .

رباب : " تلتفت " أهلاً ، أهلاً ومرحباً " تنظر
إلى الجلد " هذا جلد سمكة .

الأمير : نعم ، وأي سمكة .

رباب : من المؤسف أنني لم أفهم شيئاً ، رغم
لقاءاتي الكثيرة معك .

الأمير : لعل الأفضل أن لا تفهمي " يصمت "
لقد آن الأوان ، سأعود من حيث أتيت .

رباب : يخيل إليّ أنك ربما كنت تبحث عن
ضالة ، ويبدو أنك وجدتها الآن .

الأمير : أخشى أننا لن نلتقي ثانية ، يا رباب ،
وداعاً .

رباب : هذه أول مرة تنطق بها اسمي " تبتسم
بمرارة " لن أسألك عن اسمك ، ولا عن
أي شيء آخر ، أتمنى لك التوفيق ، حيثما
تذهب .

 الأمير : " يتراجع " أشكرك .

رباب : " بصوت تخنقه الدموع " وداعاً .

الأمير : " يخرج حاملاً جلد السمكة " ....

رباب : " تمسح دموعها " يا لي من حمقاء ،
إنني لم أعرف حتى من هو ، ومن أين
جاء " تلتفت إلى النهر " وإلى أين
سيذهب " تصمت " الشمس ستغرب بعد
قليل ، لابد أن أعود إلى البيت ، إن أمي ..


                           يدخل الصياد ، ويقف ،

                              إلى جانب رباب


رباب : عباس .

عباس : نعم ، يا رباب .

رباب : تمعن في النهر ، تمعن فيه جيداً .

عباس : إنني أتمعن فيه دوماً ، فأنا كما تعلمين ،
صياد سمك .

رباب : لا أدري لماذا أشعر بالحزن ، كلما
تمعنت فيه .

عباس : هذا لأنك حمقاء ..

رباب : " تحدق فيه دون انفعال " ....

عباس : مثلي .

رباب : " تبتسم " لو قلت لي هذا البارحة ،
لربما انقضضت عليك ، وطرحتك أرضاً.

عباس : لعل هذا ما أردت أن تفعليه ، لكنك
جبانة .

رباب : ما زلت رباب التي تعرفها ، لا
تستفزني .

عباس : " يبتسم " أتذكرين ، يا رباب ، كيف
كدت تغرقين في النهر ؟

رباب : والفضل يعود لك ، لقد دفعتني للنزول
إلى النهر ، لأصطاد لك سمكة .

عباس : وتخبطت في شبر ماء ، وأخذت
تصيحين ، ماما  ماما .

رباب : " تضربه على كتفه " ....

عباس : ولو لم أنزل إليك ، وأنتشلك من الماء ،
لما كنت الآن إلى جانبي ، على شاطىء
هذا النهر ، والشمس تكاد تغرب .

رباب : ورأتنا أمي ، أتذكر ؟

عباس : أذكر " يبتسم " أذكر جيداً .

رباب : لم تقل لك كلمة واحدة ، أما أنا ، فإن
يدها ، وما أثقلها ، قالت لي " تشير
بالضرب " أشياء كثيرة .

عباس : اجلسي " يجلس " اجلسي يا رباب .

رباب : " تجلس إلى جانبه " قد ترانا أمي .

عباس : ليكن " يحدق فيها " أنا أريد أن ترانا .

رباب : " تتطلع إليه صامتة " ....

عباس : لو كنا صغيرين ، يا رباب ، لقلت لك ،
هيا نخض في ماء النهر .

رباب : للأسف ، لم نعد صغيرين .

عباس : نعم .

رباب : " تتطلع إليه " لا أدري ، يا عباس ،
لماذا نكبر بسرعة .

عباس : لأننا حمقى .

                   

                             يضحكان ثم يصمتان ،

                              ويسودهما جو حالم


عباس : قبل أيام ، رأيتني أصطاد ، من هذا
النهر ، سمكة كبيرة ، جميلة .

رباب : هنا ، على شاطىء النهر ، رأيت أميراً ،
صوته كهدير الماء .

 عباس : بقيت عندي ، في الحوض ، أياماً عديدة
، آه يا لها من سمكة .

رباب : التقيت به مراراً ، وتحدثت إليه مراراً ،
واستمعت إليه مراراً ، هنا ، على شاطىء
هذا النهر .

عباس : لم أعرف أنها حورية ، وأية حورية ،
حتى فقدتها .

رباب : لم أعرف الحقيقة ، حتى بعد أن قال لي
.. وداعاً .

عباس : من يدري ، لعل ما رأيته كان مجرد
حلم .

رباب : من يقول أن ما رأيته حقيقة ؟ ربما كان
هذا الأمير وهماً ، من صنع خيالي .

عباس : رباب .

رباب : عباس .

عباس : " ينتبه ويتلفت حوله " رباب ، أنظري
، الشمس تكاد تغرب .

رباب : نعم ، إنها تغرب " تضع يدها على
خدها وتتنهد " آه 

عباس : " ينظر إلى إصبعها الملفوف " ....

رباب : " تحدق في إصبعها " عدس أمي ، الذي
جاءتك بطبق منه ، كان العدس يغلي .

عباس : للأسف لم آكل ملعقة واحدة منه  .

رباب : لقد خيبت أمل أمي " تبتسم " فقد كانت
تريدك أن تأكل منه " تنظر إلى إصبعها "
وذهبت تضحيتي عبثاً .

عباس : يا للغرابة " ينهض " إنني بدأت أشعر
برغبة في العدس .

رباب : لا عليك " تنهض هي الأخرى " سآتيك
بطبق طافح بالعدس ، صباح الغد .

عباس : كلا ، يا رباب " يمسك يدها ويسير بها
" أريد عدساً من طبخك .

رباب : " تسير إلى جانبه ، ويدها في يده "
حذار ، يا عباس ، سترانا أمي .

عباس : لترانا ، فأنا أريد أن أقول لها ، دون
مواربة ، إنني لا أحب أن تطبخ لي 
العدس ، في بيتي ، وطول العمر ، سوى
فتاة جميلة ، هي ابنتك .. رباب .

رباب : " فرحة للغاية " يا لله ، ستجن أمي من
الفرح .


                             الصياد ورباب 

                           يخرجان ، فرحين

                                 إظلام

                                  ستار       

                                    

                                        12 / 8 / 2003


0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption