أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الخميس، 23 نوفمبر 2023

مسرحية " السعلاة " تأليف طلال حسن

مجلة الفنون المسرحية

الكاتب طلال حسن 


                مسرحية " السعلاة " تأليف طلال حسن




                         الكوخ ليلاً ، يُفتح الباب ، 

                        ويدخل ليم في هيئة سعلاة


ليم : " يحمل إناء فيه دجاجة " آه دجاجة "
يحدق في الدجاجة " ، إنني أحب الدجاج
، وخاصة المشوي والمتبل بالبهارات منه
كهذه الدجاجة " يضع الإناء على المنضدة
" سآكلها كلها ، ولن أترك منها غير
هيكلها العظمي ، و .. " يرتجف " آه جو
الكوخ بارد " ينظر إلى الموقد "  النار
تكاد تنطفئ في الموقد ، إنه جائع مثلي ،
ولكن ليس إلى الدجاج ، وإنما إلى الخشب
، فلأقدم له ما يسد به جوعه ،  ويُنعش
النار فيه " يضع عدة قطع من الخشب في
الموقد " آه ها هي ألسنة اللهب تتعالى ،
وتشيع الدفء في أرجاء الكوخ " يتجه
نحو المائدة " فلأخلع ثوب العمل ،
وأجلس إلى المائدة ، إن الدجاجة المشوية
تناديني " يهم بخلع جلد السعلاة ، الباب
يُطرق " آه أظنّ أن الباب يُطرق " ينصت
ملياً " لعلها الريح ، ليس هناك مجنون  ،
يطرق بابي في مثل هذه الليلة المثلجة
العاصفة " الباب يطرق ثانية " الباب
يطرق حقاً ، يبدو أن البلدة لا تخلو من
المجانين " يتجه نحو الباب " فلأفتح
الباب ، وأنظر من يكون هذا المجنون .


                           ليم يفتح باب الكوخ ،

                         ويفاجأ بفتاة تبدو خائفة


  ليم : من ! من أنتِ ؟

بيلايا : أنا .. أنا بيلايا .

ليم : بيلايا !

بيلايا : ساعدني أيها ..

ليم : أيها السعلاة .

بيلايا : " تحدق فيه صامتة " ...

ليم : أنا ، كما ترين ، سعلاة .

بيلايا : لقد طرقتُ بابكَ أنتَ .

ليم : ادخلي إذن .

بيلايا : " تقف مترددة " ....

ليم : يبدو أنك تفضلين الموت ، في هذه الليلة
العاصفة المثلجة .

بيلايا : " تدخل وتقف حائرة خائفة " ....

ليم : " يغلق الباب " لنترك العاصفة تجلد
الليل ببردها القاتل ، ونبقي الدفء لنا ،
في هذا الكوخ الصغير .

بيلايا : الجو في الخارج لا يحتمل ..

ليم : وإلا ما طرقتِ هذا الباب ، الذي لا
تعرفين ما وراءه .

بيلايا : " تحدق فيه خائفة حائرة " ....

ليم : وها أنتِ ترين أن ما وراءه .. سعلاة ..
وأي سعلاة .

بيلايا : هذا قدري .

ليم : وقدري أيضاً " يحدق فيها " لابد أنك
مجنونة ، يا بيلايا .

بيلايا : مجنونة !

ليم : ليس هناك في البلدة عاقل ، يمكن أن
يخرج من كوخه ، في هذه الليلة القاتلة ،
ويطرق باباً لا يعرف صاحبه .

بيلايا : إلا إذا كان هناك سبب قاهر ، لا يستطيع
معه البقاء في كوخه .

ليم : " يُحدق فيها متسائلاً " ....

بيلايا :  أبي .. أراد أن يزوجني ..

ليم : هذا أمر طبيعي ، أنتِ بنت ، والبنت
يجب أن تتزوج .

بيلايا : ولكن ليس لرجل أكبر من أبيها سناً .

ليم : " يهز رأسه " ....

بيلايا : وله لحية .. 

ليم : الرجال في سومر كلهم ملتحون .

بيلايا : كأنها المكنسة ..

ليم : " يُغالب ابتسامته " ....

بيلايا : هذا ما كان أبي يقول عن لحيته ..

ليم : ثم غير رأيه .

بيلايا : بعد أن أرادني زوجة له .

ليم : لا يغير هكذا غير الذهب  .

بيلايا : إنه بالفعل غنيّ جداً .

ليم : مثل هذا الغني جداً ، لا يمكن أن يكون
بلا  زوجة .

بيلايا : لقد تزوج مرتين ، توفيت زوجته الأولى
، فتزوج ثانية ، سرعان ما توفيت هي
الأخرى .

ليم : ولو تزوجكِ أنتِ ، يا بيلايا ..

بيلايا : " تقاطعه " لما رأيتني أمامكَ ، وكنتُ
متّ قبل أن يلمسني .

ليم : آه .

بيلايا : " ترمق الدجاجة بنظرة سريعة " ....

ليم : " يلحظ نظرتها " مادمتِ قد هربت من
أبيِكِ ، في مثل هذا الوقت من الليل ، فلابد
أنكِ جائعة .

بيلايا : " تحدق في الدجاجة " المهم أنني هربتُ
من هذا الزواج القاتل ، وكلّ ما عداه مهما
كان يمكن احتماله .

ليم : مهما يكن ، هذه الدجاجة تكفينا معاً ،
إنها دجاجة ليست صغيرة .

بيلايا : نعم ، تكفينا ، فأنا لا أحتاج إلا لبضع
لقيمات ، أسد بها رمقي .

ليم : اذهبي ، واغسلي يديكِ ، في ماء ذلك
الحوض الصغير ، وتعالي لنأكل .

بيلايا : " تتجه نحو الحوض " ....

ليم : " يتابع ليم بنظره ، ثمّ ينزع عنه جلد
السعلاة " ....

بيلايا : " تنتهي من غسل وجهها ويديها " ....

ليم : " يقدم لها محرمة " تفضلي .

بيلايا : " تنظر إليه مذهولة " ....

ليم : نشفي يديكِ ووجهكِ بهذه المحرمة ،
وتعالي نأكل معاً .. الدجاجة .

بيلايا : " مازالت تحدق فيه مذهولة " ....

ليم : بيلايا ،تحركي ، و خذي المحرمة ،
ونشفي يديك ووجهكِ .

بيلايا : " تمد يدها ، وتأخذ المحرمة " ...

ليم : لم أرد أن أجلس معكِ على المائدة ، وأنا
سعلاة مخيفة .

بيلايا : لعلك لا تصدق ، أنني عندما فتحت لي
الباب ، ورأيتك ، فكرت أنك ربما لست
سعلاة .

ليم : " يجلس إلى المائدة " هذا ما تمنيته
، وأنت هاربة ، تبحثين عن ملاذ آمن .

بيلايا : " تهز رأسها " لا أدري .

ليم : اجلسي ، يا بيلايا ، الطعام ينادينا من
المائدة ، وعلينا أن لا ندعه ينتظر أكثر
مما ينبغي .

بيلايا : " تجلس وعيناها على الدجاجة " آه ..
هذا طعام شهي .

ليم : قبل أن تأكلي من هذه الدجاجة ، يا بيلايا
، عليّ أن أصارحكِ .

بيلايا : " تنظر إليه متسائلة " ....

ليم : هذه الدجاجة مسروقة .

بيلايا : مسروقة !

ليم : أنا في الحقيقة أعيش على السرقة ، بعد
أن مات أبي ، ولحقت به أمي .

بيلايا : " تصمت محبطة " ....

ليم : لكني لا أوذي أحداً ، مهما كانت
الظروف ، عندما أقوم بالسرقة ، إذ يكفي
أن أخيفهم ، فيستسلمون لي  .

بيلايا : " تبقى صامتة " ....

ليم : عندما أريد أن أسرق ، أرتدي جلد
السعلاة ، الذي رأيتني فيه ، فأتسلل ليلاً
إلى الأكواخ ، وخاصة أكواخ الأغنياء ،
فإذا  رآني أصحابها ،  لاذوا بالفرار
خائفين ، فآخذ حاجتي ، وأنسل عائداً إلى
كوخي تحت جنح الظلام .

بيلايا : " تهمهم " هم م م م م .

ليم : واليوم ، وقد حلّ الظلام ، خرجتُ من
الكوخ ، رغم الثلج والعاصفة ، فقد كنت
جائعاً ، وتسللت إلى أحد الأكواخ ،
ورأيت هذه الدجاجة المشوية على المائدة
، وكأنها كانت تنتظرني ، فأخذتها وعدتُ
بها إلى كوخي ، وها هي تتوسط مائدتي ،
وتدعوني وأنتِ معي ، إلى تناولها " يمد
يدها ، ويقطع جزء من الدجاجة ،
ويضعها في فمه " .

بيلايا : " لا تمدّ يدها " ....

ليم : هيا ، مدي يدكِ ، وكلي .

بيلايا : شكراً .

ليم : " يقطع لقمة أخرى ، ويضعها في فمه "
كلي ، إنها لذيذة جداً .

بيلايا : لا أستطيع .

ليم : " يضحك " ستجوعين ، كما جعت أنا ،
وستضطرين إلى الأكل .

بيلايا : لن آكل .

ليم : لم تجوعي بعد .

بيلايا : عندما كان أبوك حيّاً ، لا أظن أنكم كنتم
تعيشون على السرقة .

ليم : كان أبي يحرّم السرقة ، ويقول إن الإله
انليل  لا يرضى عنها ، وكان هو وأمي
يلوماني عندما كنت أسرق بعض الأشياء
، مهما كانت تافهة .

بيلايا : " تنظر إليه صامتة " ....

ليم : ومع الزمن ، وخاصة بعد وفاة أبي
وأمي ، تحولت إلى لص محترف ، أنا
أسرق لكي أعيش ، لكني حتى الآن ، لم
أوذي أحداً ممن سطوت على أكواخهم .

بيلايا : " تنظر إليه بمرارة " ....

ليم : لابد أن أعيش ، إنني إنسان .

بيلايا : أبوك لم يكن يسرق ، ومع ذلك كان
                    يعيش ، وأنتما تعيشان معه .

ليم : " يتوقف عن تناول الطعام " ....

بيلايا : كنتم وقتها ثلاثة ، أنت وأمك وأبوك .

ليم : كان لأبي قطعة أرض صغيرة ، قريبة
من الكوخ .

بيلايا : ولابدّ أنه كان يزرعها .

ليم : تعاونه أمي .

بيلايا : وأنتَ ؟

ليم : لم أكن أحب العمل في الأرض " ينهض
، وينظر عبر النافذة الصغيرة " تعالي ،
وانظري ، القمر يطل من بين الغيوم .

بيلايا : " تنهض ، وتنظر عبر النافذة " ....

ليم : تلك الأرض الصغيرة ، هي أرض
أبي .

بيلايا : وهي أرضك الآن .

ليم : إنها مليئة بالأعشاب الضارة ،
والأشواك .

بيلايا : لو كان أبوك موجوداً ، لأزال تلك
الأعشاب الضارة ، والأشواك ، وزرعها
من جديد ، إنها تبدو أرضاً خصبة .

ليم : " يحدق فيها " ....

بيلايا : " تهم بالعودة إلى مكانها " ....

ليم : اسمعي يا .. بيلايا . .

بيلايا : نعم  .

ليم : اسمكِ .. في الحقيقة .. جميل .

بيلايا : " تنظر إليه صامتة " ....

ليم : وأنا اسمي ليم .

بيلايا : في داخلك إنسان طيب ، يا ليم .

ليم : أشكركِ .

بيلايا : " تتطلع عبر النافذة " ....

ليم : يبدو أنك تحبين الزراعة .

بيلايا : خلف كوخنا أرض صغيرة جداً ، مليئة
بالأحجار ، فنظفتها ، وحولتها إلى حديقة
، مليئة بالنباتات والورود .

ليم : أرضنا ليست فيها أحجار ، وأن كانت
مليئة بالأعشاب الضارة والأشواك .

بيلايا : تنظيفها ، وإعدادها للزراعة ، ليس أمراً
صعباً .

ليم : تتحدثين وكأنك قادرة على تنظيفها من
الأعشاب الضارة والأشواك .

بيلايا : أنا قادرة على ذلك فعلاً ، إذا ساعدتني
أنت " تحدق فيه " لكنك تقول إنك لا تحب
العمل في الأرض .

ليم : من يدري ، الإنسان يتغير .

بيلايا : وتترك .. السعلاة .

ليم : إذا كان الإنسان إنساناً ، ومكتفياً ، فلا
داعي .. للسعلاة .


                               الباب يُطرق ، بيلايا

                              تتراجع ، وتبدو خائفة

 

بيلايا : " خائفة " الباب يُطرق .

ليم : لا تخافي .

بيلايا : " تنظر إليه خائفة " أخشى أنه أبي .

ليم : لا أظنّ ، يا بيلايا ، إن أباك لم يطرق
بابي مرة من قبل .

الأب : " يصيح وهو يطرق الباب " أنتَ يا ليم
، افتح الباب .

يسلايا : " تتشبث بليم " يا ويلي ، هذا أبي .

ليم : إنه يعرف اسمي .

الأب : " من الخارج " افتح هذا الباب اللعين 
وإلا كسرته .

بيلايا : " متشبثة به " ليم .. ليم .. سيقتلني أبي
.. إذا وجدني عندك .

ليم : " يأخذها إلى زاوية الكوخ " اجلسي هنا
، اجلسي ولا تخافي ..

بيلايا : " تحدق فيه حائرة " ....

ليم : اجلسي ، سأغطيك بهذا الفرش ، ولن
يراكِ أبوكِ مطلقاً .

بيلايا : " تجلس بسرعة " غطيني ، غطيني
بسرعة ، يا ليم .

الأب : " يطرق الباب بشدة " .... 

ليم : " يغطيها بفراشه " ابقي ساكنة ، لا
تتحركي أبداً ، ولن يراك .

                   

                               ليم يفتح الباب ،

                              يلوح الأب غاضباً

 

ليم : ماذا جرى ؟ كدتَ تكسر الباب .

الأب : ابتعد " يزيحه بعنف ، ويدخل "  ، ابتعد
عن طريقي .

ليم : " يكاد يسقط على الأرض " مهلاً يا
رجل .. مهلاً . .مهلاً .

الأب : " يتلفت حوله ويصيح منزعجاً " بيلايا
.. بيلايا .

ليم : بيلايا ! من بيلايا هذه ؟

الأب : " يصيح ثانية " بيلايا .. بيلايا .

ليم : " يقف في مواجهته " هذا كوخي ، ولا
يسكنه أحد غيري أنا .

الأب : " يقف في مواجهة ليم " أريد ابنتي .. 
أريد بيلايا .

ليم : ردْها كما تشاء ، ولكن ليس هنا ، هذا
كوخي ، كوخي وحدي ، وكما ترى ،
ليس فيه أحد غيري .

الأب : " يتلفت حوله " قيل لي ، إنها دخلت
كوخك أنت ، وقالوا أن اسمك ليم .

ليم : نعم ، أنا اسمي ليم ، لكن ما قيل لك أن
ابنتك دخلت عندي  كذب ، والكذبة
كثيرون في عالمنا هذا .

الأب : " يتلفت حوله " مستحيل ، من قال لي
إنه رآها تدخل كوخك في الظلام ، لا
يكذب ، لكنه قال ربما كانت بيلايا .

ليم : أرأيت ؟ قال ربما ، هذا يعني أنه ليس
متأكداً ، ابنتك .. ما اسمها ؟ لا يهم ،
ليست عندي ، اذهب ، وابحث عنها في
مكان آخر ، بعيداً عن كوخي .

الأب : " كمن يحدث نفسه " هذه المجنونة ،
أمامها فرصة نادرة ، تنقلني وتنقلها من
فقرنا المدقع إلى ..

ليم : قيل لي ، أنك تريد أن تزوج ابنتك تلك ،
وهي طفلة صغيرة .

الأب : بيلايا لست طفلة ، إنها .. إنها في سن
الزواج ،  يبدو أنك تعرفها .

ليم : اطمئن ، لا أعرفها ، ولا أريد أن
أعرفها .

الأب : هذا ما أريده أنا أيضاً .

ليم : يبدو لي أنك فعلاً تريد أن تزوجها ،
ربما لرجل لا تريده .

الأب : أرادها التاجر         ..

ليم : التاجر     ، إنه أغنى تاجر في بلدتنا
هذه  ، لكن ..

الأب : لكن ماذا ؟

ليم : ما أعرفه ، ويعرفه الجميع ، أنه أكبر
سناً منكَ ، وأنت كما أرى .. شيخ .

الأب : إنه غني ، أغنى تاجر في البلدة ، هذا ما
قلته أنت نفسك .

ليم : الغنى ليس كل شيء ، وخاصة لفتاة في
عمر ابنتك .. ما اسمها ؟

الأب : " بضيق " اسمها بيلايا .

ليم : بيلايا ، اسم جميل .

الأب : " ينظر إليه حانقاً " ....

ليم : هذا ما أراه .

 الأب : لا يهمني ما تراه ، الغنى سينقذني
وينقذها من الفقر المدقع الذي نعيشه ،
والذي عشته طول حياتي .

ليم : لكن ..

الأب : " يقاطعه " صه ..

ليم : أريد أن أقول ..

الأب : " يقاطعه ثانية " لا تقل شيئاً " يشير إلى
ما حوله " أنظر إلى كوخك هذا ، ماذا فيه
غير ، هذه المنضدة " ينظر إلى الفراش "
وذاك الفراش ..

ليم : " محرجاً " مهما يكن ، فأنا حيّ .

الأب : حيّ ! الخراف أيضاً حية .

ليم : نعم ، أنا فقير ، وأنتم فقراء ، لكن في
عالمنا ما هو أسوأ من الفقر .

الأب : " كمن يحدث نفسه " التاجر كنز ، كنز
من الذهب .

ليم : " بشيء من الحدة " لكنه شيخ ..

الأب : أيها الأحمق ، بريق الذهب يغطي كلّ
شيء .

ليم : أنت واهم ، ولو كنت مكانك ، وكان لي
ابنة مثل ابنتك ، ما اسمها ؟ لا يهم ، لن
أرميها في كنز من الذهب الصدئ .

الأب : أيها الجاهل ، لقد أعماك الفقر ، الذهب
لا يصدأ " يحدق فيه " ثم أنت لست في
مكاني ، فلو كنت أباً مثلي ، في فقري
وشيخوختي ، فلن تفوت هذه الفرصة "
يتجه نحو الباب " سأبحث عن بيلايا حتى
أجدها ، وسأرميها شاءت أم أبت ، في
كنز الذهب " يفتح الباب ويخرج " .

ليم : " يغلق الباب " بيلايا .

بيلايا : " تتململ تحت الفراش " سمعتُ الباب
يصفق  ..

ليم : " يقترب من الفراش " اخرجي ، لقد
انصرف أبوك .

بيلايا : " تبرز رأسها من تحت الفراش " أحقاً
ذهب ؟ كدت أموت تحت الفراش .

ليم : " يزيح الفراش عنها " تعالي ،
واطمئني ، لن يعود أبوك ثانية .

بيلايا : أرأيت ؟ هذا أبي .

ليم : على العكس مما كان أبي ..

بيلايا : " تبعد الفراش ، وتقف " إنه مصر ،
كما رأيت ، على أن يرميني إلى ذلك
التاجر الشيخ ، ذي اللحية الشبيهة
بالمكنسة العتيقة .

ليم : كان أبي يحبني ، ويوفر لي كلّ ما
يفرحني ويسعدني ، ولم يجبرني على
شيء لا أريده .

بيلايا : مهما يكن ، لن أرضخ له ، أنا لا أريد ما
يريده لي .

ليم : ما العمل ؟

بيلايا : أنا حائرة ، أنت قل لي ، ما العمل ؟

ليم : في الحقيقة .. لا أدري .

بيلايا : مهما يكن ، لن أتزوج من هذا التاجر
الشيخ ، مهما كان الثمن .

ليم : " يمسك يديها " وجدت الحل ..

بيلايا : " تنظر إليه متسائلة " ما هو هذا الحل ،
أخبرني بسرعة ..

ليم : تزوجيني .

بيلايا : " مندهشة " ماذا !

ليم : تزوجيني ، فأنا كما ترين ، لي كوخ ، و
.. ولستُ شيخاً .

بيلايا : " تسحب يديها من بين يديه " أنتَ تحلم
، يا ليم .

ليم : سأذهب غداً إلى أبيك ، إنه يعرفني الآن
، وأقول له ، عمي ، أرجوك أعطني
ابنتك بيلايا ، إنني أحبها ، وسأضعها على
رأسي ، وفي عينيّ الاثنتين .

بيلايا : " متأثرة بما قاله " تعني ..

ليم : أعني ما قلته بالضبط " ينظر إليها "
هذا إذا وافقتِ طبعاً .

بيلايا : لكن أبي لن يوافق ، فأنت مثلنا ، فقير
فقراً مدقعاً ، وأبي يحلم بالذهب ، والتاجر
في رأيه هو  الذهب  .

ليم : أنا أريدك ، يا بيلايا ، ولن أتخلى عنكِ
، مهما كان الثمن .

بيلايا : وأنا أيضاً ، لكن أبي ..

ليم : لنهرب ..

بيلايا : ماذا ! نهرب ؟

ليم : أرض سومر واسعة ، وحيثما أكون ،
وأنت معي ، يكون وطني .

بيلايا : لا يا ليم ، لا .. لا .. ، لا أريد أن أهرب
، فهنا ولدت ، وهنا ترعرعت ، وهنا
حياتي وحياتك ، وليس لنا حياة إلا هنا ..

ليم : بيلايا ..

بيلايا : " تحلم " كنت أريد ، كأي فتاة في
عمري ، أن أتزوج في المعبد ، ويباركني
الكاهن العجوز أمام الإله العظيم انليل ..

ليم : " يصمت مفكراً " ....

بيلايا : لكن هذا الحلم ، كما الكثير من الأحلام
الجميلة ، يبقى حلماً ، تذروه الريح ، حتى
في أضواء النهار  .

ليم : بيلايا ..

بيلايا : " تحدق فيه " نعم ، يا ليم .

ليم : لنحقق هذا الحلم .

بيلايا : أفق ، يا ليم ، وسترى أنه حلم .

ليم : إنني أعرف الكاهن العجوز ، وطالما
أسديت له خدمات كثيرة ، والآن سأتقدم
منه ، وأنت إلى جانبي ، وأطلب منه أن
يحقق لي أمنية العمر .

بيلايا : " مندهشة " أتعني .. ؟

ليم : غداً ، في أول الليل ، نذهب إليه في
المعبد ، أنا وأنت ، ونطلب منه أن
يزوجنا أمام الإله العظيم انليل ..

بيلايا : ليم ، وأبي ؟

ليم : أبوكِ ، يا بيلايا لن يستطيع أن يقف في
وجه الكاهن .

بيلايا : " فرحة " نعم ، يا ليم ، هكذا يمكن أن
يتحقق الحلم .

ليم : بيلايا ، غداً في أول الليل ، سيبزغ قمر
حياتنا ..

بيلايا : وينير أيامنا حتى النهاية " تحدق فيه "
ليم ..

ليم : نعم .

بيلايا : سأذهب معك غداً  إلى المعبد ، في أول
الليل لكن .. بشرط

ليم : أشرطي ، يا بيلايا .

بيلايا : تلك الأرض الصغيرة ..

ليم : إنها ملكي ، ورثتها من أبي المحب ،
وستكون منذ الغد ملكك أيضاً .

بيلايا : ننظفها من النباتات والأشواك ..

ليم : نظفيها كما تريدين .

بيلايا : ننظفها ، أنا وأنت  ..

ليم : " يصمت مفكراً " ....

بيلايا : " تمد يدها ، وتمسك يديه " يداً بيد .

ليم : ييتسم " طبعاً ، يا بيلايا ، ننظفها معاً يداً
بيد من الأعشاب الضارة والأشواك .

بيلايا : وقبل ذلك ..

ليم : " ينظر إليها صامتاً " ....

بيلايا : نحرق السعلاة .

ليم : فلنحرقها ، الآن إذا أردتِ ، فلم يعد
للسعلاة مكان في حياتي .

بيلايا : " مبتسمة  بفرح " غداً إذن ، في أول
الليل ، نذهب إلى المعبد .

ليم : غداً تبدأ حياتي .

بيلايا : وحياتي أيضاً ، يا ليم .

ليم : " يمسك يديها فرحاً " ....

بيلايا : آه  .

ليم : " ينظر إلى الدجاجة " بيلايا ..

بيلايا : لا ، لا يا ليم .

ليم : إنها دجاجة لذيذة .

بيلايا : كلْ أنت إذا أردت .

ليم : كلا ، لن آكل من الدجاجة ، مادمتِ لا
تريدين أن تأكلي منها .

بيلايا : " تقترب من النافذة ، وتنظر عبرها " آه
، تعال يا ليم ، وانظر .

ليم : " يقترب وينظر عبر النافذة " بيلايا ، لا
أرى شيئاً ، فالقمر غطته الغيوم .

بيلايا : ليم ، لا تنظر بعينيك ..

ليم : " ينظر إليها متسائلاً " ....

بيلايا : انظر بقلبك ، وسترى كلّ شيء .

ليم : " مازحاً " قلبي مشغول بك .

بيلايا : دعك مني الآن ، وانظر إلى الأرض ..

ليم : " ينظر عبر النافذة المعتمة " إنني أنظر 
، أنظر بقلبي ، يا بيلايا .

بيلايا : ماذا ترى ؟

ليم : أرى !

بيلايا : بقلبك .

ليم : آه .. أرى أرضنا .. وهي مليئة بالنباتات
الضارة والأشواك ..

بيلايا : وماذا أيضاً ؟

ليم : ماذا !

بيلايا : انظر جيداً ، إنني أراني أنظف الأرض
من النباتات الضارة والأشواك ..

ليم : " يجاريها " آه ..

بيلايا : ومن إلى جانبي ؟ 

ليم : من ؟

بيلايا : أنت طبعاً ، وستكون معي دائماً .

ليم : " يمسك يديها " نعم ، سأكون معك دائماً
، وحتى النهاية .



                          يبقيان هكذا قرب النافذة ،

                         والأضواء تخفت بالتدريج 


                                    إظلام


                                       21 / 6 / 2021


0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption