مسرحية " ليلة التَوَاقَعَ " تأليف بسام الحافظ
مجلة الفنون المسرحيةالكاتب بسام الحافظ |
مسرحية " ليلة التَوَاقَعَ " تأليف بسام الحافظ
المشهد الأول
في البيت البسيط تحرض ثريا زوجها هواش .. ترتدي ثوب المنزل وتضع
عصابة موردة وزوجها هواش يرتدي الزي العربي ..هما في مشادة كلامية ..
ثريا : ( بامتعاض وبنزق ) هو أنت الذي أعرفه منذ زواجي منك ، مفترشاً
قطعة الإسفنج ودخان سكائرك تملأ الغرفة ، وكما قيل ( كار ما منك كار ودخانك
معبي الدار ) من أجل ماذ ا، لا أدري . فقدت أغنامك . خسرت بتجارتك ! جاء
الموسم الثاني وأخوخلودة الأحوص ، لم يدق الباب علينا ويدفع لك بقية حساب
الموسم الأول ، وأنت لم تحرك ساكناً وتطالبه .
هواش : ( بلا اشتهاء ) لا تزال نار الحرب تصهل .. أمة الناس تركض وراء لقمة
عيشها غنوة خانم .. سأمهله ريثما تهدأ الحرب .. اسكبي الشاي ، واقلبي الصفحة
من فضلك .
ثريا : ( مستغربة ) هذا قولك يا رجل ! بيتنا يشكو العوز والحاجة ، وأنت كلما
يطلب منك مهلة بحجج واهية فتصدقه ( بانكسار ) تملقه هذه المرة عسى أن تحصل
منه ما يكفينا من مال نسد حاجة البيت .. أنت السبب وكما قيل ( تأخرتي يا موسم
الزيتون )
هواش : وأين أجده في هذا الوقت العصيب ؟!
ثريا : ستجده يلعب ورق الشدة مع من هم على شاكلته في مقهى ( السرايا )..
(تفطن ) خذ معك (نيشان الجرذي ) فأخوخلودة يهابه ويحسب حسابه . ووقفته
بجانبك تكفي أن تُرهب جراد ، وربما تحصل على مالك .
هواش : ( ببرود وبسخرية) نيشان ! اتركيني منه . عندما قاتله (دعاس الورد )
أوقعه أرضاً ، وقد فلح وجهه بضربات قبضة يده ، ثم تركه يتوجع ألماً وغادر
المكان وابتعد .. راح نيشان يتوعده بأخيه وهو يبكي : بسيطة لك ، والله لسوف
يضربك أخي علاوي حتى تُقبل التوبة.. لقد نام الذهب واستيقظ التنك.
غنوة : ( ممتعضة ) اترك الشاي وهاجمه أيها الذئب الذي لا يهاب المنية..
هواش : ( يتهرب ) ربما لا أجده ..وإن وجدته سيطلب مني مهلة بحضور رواد
المقهى ، وعندها سأمهله ( يتململ ) لنترك ذلك للأسبوع القادم ، عندها أكون قد
جهزت نفسي لمهاجته.
ثريا : ( مندهشة وبنزق ) وهل أنت تريد محاربته يارجل ، أراك لائذاً خلف كتلة
من الخوف.أنت تخاف أخوخلودة الأحوص ؟!
هواش : لا. أنا خائف ، لوأني ضربته بقبضة يدي ، سيغمى عليه وربما يصاب
بمرض الرعاش ، أو بالفالج ( بعصبية ) أو سكتة قلبية .
ثريا : ( تضحك طخطخة .. فتغادر المكان وهي تردد ) ياليتك تكلل وجهه برذاذ
بصاق بدلاً من ضربه.. ياليتك يا زوجي البطل .
المشهد الثاني
في المقهى . يجلس أخو خلودة وصديقه وهما يلعبان الشدة . يرتدي أخو خلودة
الزي العربي وقد زحلق عقاله حتى جبينه.. كذلك صديقه يرتدي الزي العربي
.. يدخل هواش ويجالسهما وبهدوء .
هواش : السلام عليكم .
أخو خلودة : ( يرتبك ويخالط صوته الثقل ) حياك الله أخي هواش ( يستمر باللعب )
سنأكل الكباب مع هواش هذا المساء، وبعدها نحتسِ الشاي الخمير لخسارته الحتمية
لهذا اليوم ، ونعلمه أصول اللعب .
هدلان : تكذب أيها الديك ، لم يظهر الصباح . سنأكله على حساب خسارتك..
(ويفرد الورق ضاحكاً ) أطلع منها أخوخلودة أفندي .
أخوخلودة : ( يلتفت جهة هواش ثم ينادي ) شاي يا يوسف..أين أنت يارجل ؟!
تغيب وتغيب مثل القمر .. حياك الله .
هواش : ( يغمز في مثله) قيل للحمار : مالنا لا نراك ؟! فرد : من أين ياحظي ..
إما أجلب الحطب وإما أجلب الماء .
أخوخلودة : حاشاك .. حاشاك .
هواش ( هامساً ) كنا نسعى في مناكبها . حضرت لطرفك مذكراً بالدين الذي
بذمتك، علني أجد عندك مُتوفر من المال لحاجتي الضرورية ( يصمت ) وكما قالت
: تأخرتي يا مواسم الزيتون .
أخو خلودة: ( يتنحنح ويحيص) أراك تُسمعني الحكم والأمثال.. البارحة بدأت
تتكشف السماء ، وأنا لم انكر حقك ، ويقال : الذي ليس له دين فقير.
هواش : ( يرد ساخراً ) وأنا ياشيخ العرب . لا أملك التكية السليمانية ( يدق الطاولة
بعصبية وينهض واقفاُ ) أريد حقي الآن ، وكفاك مماطلة ، ولست بمتسولٍ .
أخوخلودة: ( يقف هو الآخر ويبادله الرد بعصبية ) لقد قلت لك سأرد دينك ، وعلى
ما يبدو لي أنك لم ولن تفهم . سأرده بعد حصاد الشعير ، أو القطن ، أو بيع التبن
( يحاول هدلان التهدئة و الفصل بينهما والقعود )
هدلان : يا جماعة . ليس هنا وقت العتاب والمطالبة ( يهمس ) ماذا يقال عنا . بهت
الحضور من تصرفكما .. عيب .
هواش : والله لن أبرح المكان قبل أن تدفع حقي ليرة تنطح ليرة ، ورجلك فوق
رأسك ، وللصبر حدود ..الآن قطاف القطن . عدنا للكذب ( يرفع من حدة صوته )
أريد حقي الآن .
أخو خلودة : من بعد سماعي كلامك المقرف ، لن أدفع لك ، وبلط البحر. بل بلط
الفرات من منبعه حتى مصبه ، ولا تنسى تبلط نهر دجلة.
هواش : ( يرفع العقال من على رأسه ويهزه ليسوط جراد ) ستدفع بهذا..
أخو خلودة : وأنا أخو خلودة ( يرفع عقاله من على رأسه فبدل أن يصيب هواش ،
يصيب هدلان الذي راح يصرخ ألماً )
هدلان : آخ ياعيني..عيني ياجماعة.. ( يشهر مسدسه ويطلق طلقة استعراضية
( فيهرب هواش وأخوخلودة فيعم المقهى الضجيج )
رجل١ : ( يوجه كلامه لصاحب المقهى ) لا . المقهى بات لجلوس فُلتاء المدينة !
رجل٢ : ( معاتباً ) الحق عليك سيد ( شاهر ) من المفروض أن لاتسمح بجلوس
تلك الشخصيات .. يرتاد المقهى أدباء وشعراء ، وكبار السن . الآن يرتادها كل من هب ودب يا سيد شاهر .
شاهر: ( مستغرباً ) وهل يعقل أن لا أسمح بزبائن وأطرد زبائن ، ما هذا الكلام !
رجل١ : لا أخي شاهر ، منذ تأسيس مقهاك هذا ، لا يؤمه إلا العقلاء .
رجل٢ : نعم مذ بات هذا الذي يقال عنه أخو خلودة ، بدأت المشاكل .
شاهر : ( بهدوء ) سأجد الحل .. ولكن ، ماحل بالرجل الذي تأذى ( يلتفت لجهة
الرواد ويعتذر لهم ) عفواً، ومعذرة لما حدث .
المشهد الثالث
في قسم الشرطة .. المساعد غضب في مكتبه يبحث مع هدلان ما حث في المقهى
المساعد : أنا لا أدري كيف تجرأت وأطلقت داخل مقهى شاهر طلقة من مسدسك
وكأن المساعد غضب نُقل من القسم، أو غادرالبلاد ليتبع دورة في روسيا ، أوهو
شرشبة خرج ، أو شرشبة عقال ! .. أجبني .
هدلان : سيدي . كنت وأخو خلودة نلعب ورق الشدة ، وحضرهواش صديق أخو
خلودة يطالبه بدين بذمته ، إلا أن المطالبة تحولت إلى مشادة كلامية ، فحاولت
الفصل بينهما ؛ إلا أن أخو خلودة عاجل هواش بضربه بعقاله ، ولكنه أصابني
وخفت أن تتطور الأمور ، ففكرت بأن أطلق طلقة ( عرايسي ) فهربا .
غضب : ( يتساءل وبغضب ) ألم تفكر ولو للحظة ، أن في داخل هذا الحرم يوجد
المساعد غضب ، الملقب . ألم تختلج لو ذكراسمي أمامك . مسدسك مرخص بشل
أصولي ولا تزال سارية المفعول ؟!
هدلان : هو لديكم مع الرخصة سيدي .
غضب : أين يسكن هذا الهواش ؟
لا أعرفه . هو صديق أخو خلودة .
غضب : اسمع . سنحيل الضبط للنيابة العامة لأمر إطلاق نار . وهل ترغب
بالأدعاء ؟
هدلان : لا أرغب بذلك .
غضب : لا أريد بعد تركك تبدأ المهاوشات والمناوشات بينكم ، وإلا والله لأجعلن
منكم حديث أهل المدينة .. تفضل وراجع مكتب القسم ( يغادر هدلان فيقول المساعد
خضب في نفسه ) ( تهون يا زوبع إما الحبس وإما الغرامة ) والذي نفسي بيده ،
لأجعلن منك ( كبة نيئة ) يا خو خلودة .. كل أفعالك مخجلة .. الصباح رباح .
المشهد الرابع
في مكان قريب من بيت هواش.. يقف أخو خلودة وهواش وثريا.. وأخو خلودة
يرتعش خوفاً كسعفة نخيل ، وينحني واضعاً يديه على ركبتيه ، ويخالط صوته
التعب واللهاث ويزدرد ريقه بصعوبة .
أخو خلودة : أنت السبب في الذي حدث. قلت لك سأدفع ، ياأخي الدنيا يسر وعسر.
صديقي من عشيرة مرهوبة الجانب، وعندهم قتل الرجل مثل ُشربك الماء، أو شرب
العرق سوس .. يارب تكون عينه سليمة ( تزداد حركتة ويلتفت في جميع الجهات )
هواش : ( لائماً وهو يرتعد خوفاً ) قلت لك أدفع بالتي هي أحسن ، رفضت. أخاف
أنك شكلت له عاهة ! ( يرفع من حدة صوته المرتجف ) ضياع العين في حكم
العشائر قتل رجل مقابل ضياع
ثريا : ( لائمة وهي تندب ) أنت السبب . عنادك وتهربك أوصلنا إلى تلك المصيبة
والله أن فقد عينه فلسوف تلاحقكم عشيرته والقضاء.. صدقني سوف نترك بيوتاتنا
وتُحرق من قبل رجال عشيرته .
أخو خلودة : ( ضائع لا يعرف يُكلم من وينظر جهة غنوة ) وعدتُ ابن الذين آمنوا
بأنني سأرد الدين..أختي كل المبلغ المدان به حفنة من الفرنكات بالنسبة لي .. ياأخي
مهلك عليّ ، لا. يريد المبلغ إلا على الطاولة.. يارب عبدك أخوخلودة وأخوه هواش
يطلبان منك الستر (يجهش باكياً ) التوبة يا الله .. التوبة .
هواش : دعنا نغادر المدينة قبل أن يصل الخبر وتشب النار بين العشائر. والله لم أكُ
أقصده، حتى أنت كنت أريد دفعك للخلف .. عشيرته من العشائر التي لا تقبل صلح
أو تفاهم فيما لو حدث لهم مكروه . عشيرة نعوذ بالله منها .
ثريا : ( بألم وحزن ) هذه نتيجة أكل حقوق الناس.. لقد قبلت الأيادي حتى حصلت
على المال ، وعندما طالبك هواش بدأت تماطل بحجج واهية .. تارة ليس وقتها ،
وأخرى أكلت الدودة المحصول ، وثالثة هاجمنا الطوفان .
أخو خلودة : ( بتوسل ) ياجماعة مصيبتي لا تحملها الجبال الشاهقات ( يكثر من
التحرك وكأنه في ضيق ) سامحوني.. أختي ثريا . أريد قضاء حاجة ، هل الطريق
أمامي خالية من نون النسوة ؟ ربما الكباب الذي تناولته كثير الدهن .
هواش : بعجالة أخو خلودة ، ورب الكعبة ستُقتل رجال وتُحرق منازل..بسرعة.
ثريا : لا يوجد داخل البيت نساء.. مكان الخلاء خلف باب الحوش.. نظف خلفك
(يغادر أخوجرادة مسرعاً ) هذه نتيجة صداقتك مع هذا المحتال سيد هواش..
نصب ولعب ميسر واحتساء العرق .. هذا الذي حول رأسي إلى حجر طاحون ،
وأنا أحذرك منه.. انظر ماذا فعل اليوم.. ليتها تمر على خير، وتكون عين الرجل
سليمة يارب.
هواش : ليذهب إلى قريته، وسوف أقوم أنا بالسؤال عن ما آلت إليه الإصابة.
ثريا : كلف من تثق به ودعه يأتيك بالخبر اليقين .( تفطن ) .. سأتفقد ماحل بغراب
البين . لا أريد إلا الاطمئنان على صحة الرجل . أعتقد أن عينه قد أصابها مكروه
فوالله لن تبعدك المحكمة وعشيرته من المسؤولية .
هواش : طبعاً . النفخ بالكور ليشتعل الفحم . من سكن دماغي كدودة ملونة ! من
حرضني ودفعني صوب المقهى .. !
ثريا : المهم.. تغيبَ عنا ، وسافر إلى الشام حجة زيارة ولدنا العسكري هناك بعد
التأكد من صحة الرجل . ( تغادر لتتفقد أخو خلودة )
هواش : ( يحدث نفسه ) قلنا لكِ نعطيه استمهال .. وهل هي حفنة من الدولارات
وهاهي النتيجة.. جرمي التسبب بالإيذاء واستيفاء حق بالذات.. جرمي وأعرفه، وإن
اسقطنا جميعاً حقنا الشخصي ، تنهي المشكلة ؛ ولكن مصيبتي سيصبح حلها عند
المساعد غضب .. قلت لها نؤجل الموضوع ، لريثما تهدأ الأمور.. آه . آه .
( تعود ثريا وهي تضرب على صدرها )
ثريا : هواش .. هواش ( تجثو على ركبتيها وتضرب على صدرها ) لقد سرق
أخوخلودة الحيلة والفتيلة.. سرق الحولي والحبل وشمع الخيط ..
ستار
0 التعليقات:
إرسال تعليق