"كلوز آب" مسرحية المرأة العجوز في بيت متصدع
مجلة الفنون المسرحية"كلوز آب" مسرحية المرأة العجوز في بيت متصدع
"كلوز آب" عرض مسرحي مصري تجري أحداثه داخل شقة سكنية، في محاولة لتقديم المسرح في فضاءات غير تقليدية. وحرص المخرج والممثلون على أن يكون عرضاً بسيطاً ومناسباً لطبيعة المكان ونوعية الجمهور، الذي التحم بالممثلين وتداخل معهم في تسيير الأحداث.
عرفت الحركة المسرحية المصرية ما يسمى مسرح الفضاءات غير التقليدية، بعيداً من العلبة الإيطالية، وقدم مسرحيوها عروضهم في المقهى، والسرداق، وعلى شواطئ الترع في الريف (المجاري المائية الصغيرة) وفوق عربات الكارو (عربات خشبية تجرها الخيول أو الحمير) وأمام وبداخل المعابد الأثرية، وداخل القطارات، وأجران القمح، وغيرها من الفضاءات، وإن لم تتجذر هذه التجارب في الواقع المسرحي المصري، وظلت رهن المبادرات الفردية، أو عدم وجود خشبة مسرح في هذا المكان أو ذاك.
ورغبة من هيئة قصور الثقافة (مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة) في إحياء الفكرة، والعمل على تجذيرها، خصصت الهيئة جزءاً من نشاطها المسرحي، في محافظات مصر، أطلقت عليه" التجارب النوعية"، الغرض منه تحفيز المسرحيين على البحث عن فضاءات جديدة ومختلفة، لتقديم عروضهم المسرحية. من بين هذه التجارب ما شهدته الإسكندرية، حيث قدم قصر ثقافة بلولكي، العرض المسرحي "كلوز آب" داخل أحد البيوت، أو ما يسميه المصريون "الشقق". المكان الذي قدم عليه العرض هو شقة خالية في بناية قديمة، يتم استخدامها كاستديو للتصوير، أو كمكان لتقديم عرض مسرحي أو غنائي.
المشاهدة عن قرب
اختار المخرج محمد عبدالمنعم نصاً (تأليف عادل أنور- إعداد سامية جمال) يناسب طبيعة المكان، الذي سينتقل الممثلون بين غرفه لأداء مشاهدهم. هو نص، ما دمنا داخل هذا المكان الحميم، الذي يتجمع فيه عدد قليل من المشاهدين (الدخول بالمجان) لا يطمح إلى مناقشة قضايا كونية كبرى، حسبه أن يناقش قضية تلامس هموم الناس ببساطة، من دون الدخول في أسئلة شائكة، أو مربكة بالنسبة إلى مشاهد يمكن اعتباره عائلياً، جاء ليمضي سهرة لطيفة، ويشاهد الممثلين عن قرب وهم يلعبون أدوارهم، وربما دخل في حوار معهم إذا اقتضت الضرورة، أو تم توريطه في الحدث، فهو في الغالب ليس غريباً من هؤلاء الممثلين.
حكاية السيدة
"كلوز آب" هنا تعني اللقطة القريبة، هي لقطة لسيدة مسنة (سامية جمال) تصر على البقاء في بيتها القديم بعد رحيل زوجها، ذلك البيت الذي لا تشعر بذاتها إلا داخله. لديها ابنة (نجلاء نبيل) متزوجة من أحد المتطرفين دينياً (السيد محمد) يرفض ذهابها إلى الطبيب لفحصها ومعرفة أسباب عدم حملها، كما أن لدى السيدة ابناً يعمل قبطاناً بحرياً، ودائماً على سفر.
تفاجأ السيدة، صاحبة البيت، بسيدة أجنبية (شهد العميد) تأتي لشراء البيت، وتحاول تقديم إغراءات مادية للسيدة، مدفوعة من زوج الابنة المتطرف. ولأن السيدة الأجنبية مدفوعة من زوج الابنة، فهي تعرف أسرار هذه العائلة وحاجاتها، وتعرف أن لديها ابنة تعاني مشكلات في الإنجاب، تدعوهم إلى زيارة أحد الدجالين (محمد فؤاد) وتدعي أنه قادر على حل مشكلة الابنة، وبالذهاب إليه تكتشف العائلة أنه مجرد دجال، حتى أن الشرطة تداهم وكره في محاولة للقبض عليه. لا تكف السيدة الأجنبية عن إغراءاتها فتدعوهم لزيارة طبيب (محمد الجوهري) تقول إنه يعالج مشكلات عدم الإنجاب بطرق تكنولوجية حديثة لتكتشف العائلة مجدداً أنه نصاب.
تنتهي رحلة العائلة مع هذه السيدة الأجنبية بعودة الابن (محمد علي) من سفره مصطحباً زوجته التي أنجبت طفلاً، وتقيم العائلة طقس السبوع للوافد الجديد، ويقوم الابن العائد بطرد السيدة الأجنبية، والتأكيد، من خلال استعراض غنائي (أشعار جابر بسيوني- غناء وألحان محمد عصام- تعبير حركي أحمد أمين) على فكرة التمسك بالهوية، تلك المتمثلة في البيت، والممارسات الشعبية الاحتفالية. هكذا ضرب العرض أكثر من عصفور بحجر واحد، أدان التطرف الديني، وفضح وجهه القبيح، وأظهر عدم إيمان المتطرفين بفكرة الوطن، وأدان كذلك محاولات الآخر سرقة الهوية المتمثلة في البيت، وأكد على هذه الهوية من خلال طقس السبوع، فضلاً عن فضحه لأعمال الدجل والشعوذة، وعمليات النصب التي يقوم بها بعض الأطباء باسم العلم.
أفكار بسيطة، وموضوعات مختلفة، يسلم كل منها للآخر من دون إقحام، في تسلسل درامي على قدر من الترابط والانسجام. كل ذلك يناسب فكرة ما يمكن تسميته بـ "المسرح العائلي" الذي يلتحم فيه المشاهدون مع الممثلين، في مكان مألوف، ويتابعون من قرب قضايا تخصهم، وتوقظ بداخلهم مشاعر وأفكاراً مهمة بالنسبة إليهم.
وظف المخرج المكان بشكل جيد، فالبداية تأتي من تجمع الجمهور في صالة (مدخل) البيت، وتقديم إحدى الأغنيات، وفجأة نسمع صراخ صاحبة البيت التي تطل علينا من إحدى الحجرات وتدعونا للدخول لمشاركتها في حل مشكلتها مع ابنتها، نتعرف أولا إلى تاريخ السيدة، ثم إلى مشكلة ابنتها مع زوجها المتطرف، الذي يتم استدعاؤه في مشهد استرجاعي (فلاش باك) وعندما تأتي السيدة الأجنبية وتعرض الذهاب إلى ذلك الدجال، ننتقل مع العائلة إلى حجرة أخرى هي وكر الدجال، ثم يتم الانتقال إلى حجرة ثالثة تمثل عيادة الطبيب النصاب، وفي النهاية يعود الجميع إلى الصالة لمشاهدة عودة الابن وطقس السبوع، ثم يغلق العرض على رسالته التي أراد تقديمها.
طبيعة المكان
ديكور العرض (تصميم وليد السباعي) راعى هو الآخر طبيعة المكان، وتقسيم الغرف لتستوعب المشاهدين ومناطق التمثيل، واكتفى ببعض الأدوات البسيطة التي تعكس طبيعة المكان الذي يدور فيه هذا الحدث أو ذاك، واكتفت الإضاءة، في الغالب، بالإنارة التي لم يكن العرض في حاجة إلى أكثر منها، باستثناء مشهد الدجال، الذي لعبت فيه الإضاءة دوراً تشكيلياً يعبر عن الأجواء التي يحيا فيها هذا الدجال ويمارس طقوسه الغريبة خلالها.
في مثل هذا الفضاء يكون العبء كبيراً على الممثلين، الذين يكون لزاماً عليهم اتباع طرق أداء مختلفة نسبياً عن تلك التي يتبعونها في الفضاءات التقليدية، سواء من حيث طبيعة الأداء، التي جاءت أقرب إلى العادية من دون الاستغراق التام في التمثيل، أو من حيث استخدام الجهاز الصوتي وضبطه على المنطقة الأكثر ميلاً إلى الهدوء، نظراً إلى ضيق المكان في الأصل، فلا مجال هنا للاستعراض أو المبالغة، ثم إن الممثل ملتحم أصلاً بالجمهور، ويمكنه الارتجال إذا تطلب الأمر ذلك وتداخل أحد الحضور معه.
من الطبيعي في مثل هذه العروض، التي يتم الانتقال فيها من غرفة إلى أخرى، أن يؤدي الممثل أكثر من دور، ما عليه سوى استبدال ملابسه التي تناسب هذه الشخصية أو تلك، مع إضافة بعض الأكسسوارات التي تعبر عن طبيعة الشخصية المراد تجسيدها، وقد شارك في التمثيل كل من: علاء محمد، طارق عبدالعزيز، عبدالرحمن حمدي، يوسف اليمني، أحمد كونة، كريم سليمان، محمد سعيد، هالة أحمد، سماح محمد، مهاب العشري.
"كلوز آب" تجربة بسيطة، اقتصرت مشاهدتها على عدد محدود من الجمهور، هو جمهور نوعي بالتأكيد، ولكن وبما أننا في مكان حميم وعائلي، ونناقش قضايا تخص مجتمعنا تحديداً، بل وتقف في مواجهة مع الأجنبي الساعي إلى سرقة هويتنا، معلنين تمسكنا بها وعدم التفريط فيها، ألم يكن من الأجدى، هنا بالأخص، أن تستبدل بـ"كلوز آب" عنواناً آخر من لغتنا، التي هي جزء أصيل من هويتنا؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق