أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات السينوغرافيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السينوغرافيا. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 7 يوليو 2021

كاظم حيدر.. رائد السينوغرافيا يعتمد فلسفة المكان ميدانياً / كافي لازم

مجلة الفنون المسرحية


كاظم حيدر.. رائد السينوغرافيا يعتمد فلسفة المكان ميدانياً

زبون الأسواق التراثية يبحث عن رموز تعينه على إكمال الصورة

دأب نقاد المسرح ان يكتبوا دائما عن المخرج والممثل والنص دون الاكتراث لمكونات العرض الاخرى والتي تكاد ان تكون اساسية ولها فعلها القوي المؤثر في تجسيد الحالة الابداعية في العرض المسرحي وهذا ما اكده الفنان الراحل كاظم حيدر في معظم تصاميم اعماله فهو يصنع وجوده في النص. مما يضطر المخرج احيانا ان يتناغم مع ما ينجزه هذا الفنان وهي سابقة في تاريخ المسرح بمعنى اننا المتلقين لايمكن ان نتخيل العمل بدون بصمات هذا الرائد الكبير، والذي يتميز بالرصانة والهدوء والاريحية في التعامل مع الاخرين.

 رحل عنا هذا الفنان المتفرد بعد معاناة مع المرض عام 1985 بعمر 53 عاما. نحن المسرحيون والحركة الثقافية والفنية خسرت فنان قل نظيره فهو بالاضافة الى كونه رساما بارعا مستمدا مواضيع لوحاته من بيئة المجتمع العراقي الشعبي وايقوناته التاريخية متخذا الفولكلور الشعبي وخاماته المحلية منطلقا من الاساطير المتداولة بواقعية تعبيرية. صمم معظم ديكورات فرقة المسرح الفني الحديث حيث انتمى للفرقة في ستينات القرن الماضي .. ولي تجربة خاصة معه في عمل ديكور مسرحية (بغداد الازل)،اخراج الراحل قاسم محمد.

 يمتاز الفنان كاظم حيدر بسعة ثقافته المعرفية. فهو عندما يكلف بتصميم ديكور مسرحية ما.. يأخذ النص ويدرسه دراسة مستفيضة لكي تتكون لديه الصورة الكاملة بكل جوانبها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وكذلك التراثية والفولكلورية ثم يبحث ميدانيا لفلسفة المكان في مساحة العرض المسرحي بتشكيل هندسي دقيق يتناسب مع حجم العرض وطبيعته واحيانا يلجأ الى اقصى عمق المسرح بل ياخذ فضاء خشبة المسرح ولاابالغ حين اقول انه يأخذ حتى فضاء قاعة العرض كما فعل في مسرحية (هاملت عربيا) مماجعل المشاهدين وكأنهم جلسوا في خيمة كبيرة وسط الصحراء.. استغلال حتى ممرات القاعة لتشكيل لوحة تتناسب مع فكر وفلسفة العرض واهدافه. ربما هذا الذي فعله يتناسب مع بناية مسرح بغداد.. لكنه سيكون له حديثا اخر في مسرح اكبر وتقنيات اكثر حداثه…. وميزة اخرى لهذا الفنان الكبير بأنه متابع ذكي في العمل منذ تمارينه الاولى لاسيما بعد ان تتوضح له الخطوط الاساسة في العمل.. يبدل هنا ويغير هناك .خصوصا باستخدامه خامات مبتكره متنوعة من الخشب والحديد والفلين والقماش وحتى الجلود. كما انه يتدخل في شكل الاكسسوارات وتوزيع الاناره ودرجتها وحجمها. يعتبرها مكملا لما عمل في توزيع الكتل وتوازن اللوحة وهذا يسمى اليوم بالسينوغرافيا.

اكتمال الصورة

مهمة اخرى لديه وهي بيئة المكان فهو زبون دائم في اسواق بغداد التراثية للبحث عن رموز شعبية تعينه في اكتمال الصورة. خير دليل في ذلك مسرحية (الخان).

استخدم فقط مادة الجنفاص والتنك. وعندما نرى ديكور هذه المسرحية يوحي لنا بقدم المكان الى درجة ان المتلقي يشم رائحة رطوبة المكان… اما تجربته في مسرحية بغداد الازل فهي مختلفة نوعا لاسيما عندما عرضت في دولة الجزائر.. وقد عرضت المسرحية في اربعة مدن متباعده. حمل في الطائرة كل ادوات العمل مهما كبرت او صغرت من بغداد خوفا من ان يحتاج شيئا من السوق المحلية ولايجده.. فعندما وصلنا مدينة قسنطينه بساعة متاخرة من الليل تفاجئنا بجدول العرض غدا مساءا فقلت له :ماذا نعمل استاذ؟.. فأشار لي وقال (لايهم كافي غدا صباحا سنتصدى للعمل وننجزه حتما)… عندما ذهبنا الى المسرح فاجئنا مسؤول القاعة بمنعنا أن ندق مسمارا واحدا على الخشبة.. مع ذلك فالحل كان حاضرا عند كاظم حيدر.. فقال(لابأس لاتقلقوا سنعلق الديكور جميعه بالحبال).. وبدائنا العمل الكبير والمضني وساعة العرض تقترب.. يطلب مني لونا معينا وممزوجا بآخر وبدرجه معينة.. بدقائق اكون حاضرا.. وقال لي (ماهذا كافي هل انت تشكيلي ام مسرحي؟)، واقول له (انا رسام وممثل).

 وانجز العمل قبيل العرض بدقائق واذكر ان الستاره افتتحت والاصباغ لم تجف بعد وكان ديكورا مبهرا مختلفا حتى عن ديكور مسرح بغداد الاصلي.. وهكذا بقية عروض المحافظات الاخرى ديكورا مختلفا تماما بمعنى انه كان يرسم لوحات عملاقه تحكي عن بغداد التاريخ وسحر الشرق تتناغم مع ايقاع وفكر العرض. الى درجه ان اقول وبدون مبالغه هو ان شكل القمر ولونه في بغداد الازل يختلف في اربعة عروض لمسرحية واحدة… مؤسف رحيل هذا الفنان الكبير خسرناه مبكرا.. لروحه الطمأنية والسلام والذكر الطيب.

الثلاثاء، 8 يونيو 2021

جوهر السينوغرافيا / *أ.د حسين التكمه جي

مجلة الفنون المسرحية 


جوهر السينوغرافيا  / أ.د حسين التكمه جي 

لعل مصطلح السينوغرافيا أضحى يأخذ اتساعا واضحا وجليا في مجال الدراسات المسرحية فضلا عن العروض المسرحية , وبما أنه مصطلح حديث العهد لدى المسرحيين العرب , لذا شكل في هذه الآونة اختلافا ت وأراء متضاربة حول مفهوميته ,فقد طلب الكثير من المسرجين تديد السمكات المميزة لمفهوم السينوغرافيا . 
ولعل البعض لم يعد إلى جذره ومرجعياته العلمية , أو ربما سقطت بعض الآراء بالذاتية المفرطة , وربما اندرج بعضها في بث أراء مجردة ليس إلا , مما أفاض علينا بتحديدات تباينت كثيرا دون تحديد المصطلح بشكله العلمي الدقيق , ذلك  ما جعل المصطلح معوما نوعا ما , فعدم التحديد الإجرائي يضع الباحثين والدارسين في متاهة , لذا صار لزاما أن نبحث في تحديد ماهية المصطلح بعد أن نطرح كل الآراء التي جعلته عائما وكما يأتي : 

1 – الرأي الأول ينحصر من أن  السينوغرافيا هي الإخراج. 

2 – والرأي الثاني يرى أن  المصطلح يجمع بين العنصر السمعي والبصري  . 

3 –والرأي الثالث يرى أن  المصطلح يصب في الجانب التشكيلي بوصفه يستخدم نظام الكولاج . 

4 – والرأي الرابع يعتقد أن المصطلح   هو بصري بحت . 

نحن أمام أربعة أراء مختلفة ومتنوعة وقد يبدو للوهلة الأولى أن كل منها يصب في المسار الصحيح , غير أن عملية البحث والتقصي العلمية ربما تقودنا إلى الاستنتاج الصحيح وتحديد ماهية المصطلح , وعلى وفق ما تقدم ينبغي أن نناقش كل رأي على حده لبيان صحته من عدمها . 
بدءا ذي بدء نؤكد بأن مصطلح   (scenegraphic) هو مصطلح فرنسي ورد إلينا من السينما الفرنسية بوصفه ( منظر ) فهو مصطلح لا يعني الإخراج المسرحي , ذلك لكون الإخراج يعني في اللغة الانكليزية ( direction  )  كما أن كلمة مخرج تعني ( director ) في حين أن كلمة اسم مصمم السينوغرافيا تعني سينوغرفر
scenegrapher) )  ومن هنا يظهر أن المصطلح لا يعني الإخراج المسرحي كما يعتقد البعض . إذ أنهم يرون أن المخرج المسرحي هو من يرسم الفضاء الصوري .

أما بخصوص كونه سمعي فسنبين أدناه أن الأمر خطأ شائع يمكن مناقشته بكل روية لبيان صحته من عدمه . 
إن الفرق بين السمعي والبصري , هو أن الأول يسمع عن طريق الأذن ويتسلم الدماغ الذبذبات الصوتية السمعية ليحولها إلى عملية إدراك حسي أي فهم ويترجمها إلى دلالة أو صورة مجردة لا يمكن رؤيتها من قبل الآخرين ويمكن رؤيتها فقط من قبل الشخص الذي أصغى إلى السماع , وهذه الصورة الحسية في علم النفس مختلفة على مستوى التصور والتخيل لدى جميع الأشخاص أي أن الفرد الذي يجلس بالصالة بجواري سيسمع ما اسمعه أنا إلا انه سيتصور صورة غير الصورة التي أتصورها أنا ومختلفة كليا عن الصورة الذهنية المجردة التي يتصورها مجاوري في السماع ويأتي هذا وفقا للصور الذهنية التي يستحضرها الدماغ في ذاكرته والتي لا يمكن على الإطلاق تحديدها أو عدها أو تحديد نوعها وشكلها , وبهذا سيحول العنصر السمعي من (الأنغام والألحان والمؤثرات الصوتية ) إلى صور حسية مجردة في الدماغ , فصوت القطار مثلا سيجعلني أتخيل قسرا صور حسية لمحطة قطار أو شكل القطار القادم , إلا أن ما أتخيله أنا لا يتخيله غيري من المشاهدين في الصالة ,وهذا اختلاف بالضرورة العلمية لا يشكل رؤية ثابتة لدى كل الأفراد , أنما فقط يحدث نوعا من الإحالة التخيلية إلى مكان مفترض وليس مادي من الذاكرة ,لكن له جذور واقعية  وهو ليس حقيقيا بالمرة , ربما قد يورد عددا لا متناهي من التأويلات الصورية لذات المكان المقصود . 
كما هو الحال في الموسيقى أو المؤثرات الصوتية كصوت المطر أو البرق أو صرير الباب , كل ذلك يخضع لمفهوم مهم وأساسي هو ( الإحالة  - referral ) *    والإحالة هي تخيل حسي قسري ذلك لن التخيل قسري اما الخيال فهو ابداعيو فالتخيل  يفرض على الذات من الخارج إلى الداخل فهو شكل تحدده الذات الفاعلة لنفسها , فكل ما يورد إلى المخ من قصص أو موسيقى أو أصوات أو مؤثرات سمعية يحيلها المخ إلى صور مجردة , مما يعني أن الجانب السمعي  لا يشتغل إطلاقا على المستوى السينوغرافي , ذلك أن الفعل المعروض على خشبة المسرح فعل قصدي بصري ومادي يمكن للعين رؤيته دون تخيل مسبق , وليس اعتباطي فالمخرج والمصمم هنا  لا يضع الأشياء والمفردات إلا بشكل قصدي كونه يعالج فكرة أو ثيمة بعدة عناصر مجتمعة تصب في مجرى الكل لإيصال المعنى , وبهذا نكون قد أسقطنا الجانب السمعي من السينوغرافيا لكونها تخضع إلى الإحالة السمعية وليس إلى الصورة البصرية المادية فكلام الممثل وحديثه عن الطعام والقصص يحقق استجابة سمعية وفق النظام الإشاري الموجود في الدماغ فهي إحالة , فكل فرد يسمعه يضع في ذهنه نوع الطعام وأكيد هو ليس نوع الطعام الذي يتخيله الممثل البتة و المقصود أصلا .
سيما أن الموسيقى والمؤثرات الصوتية بحسب رأي ( شوبنهاور )  " تمثل عالم الزمان الخالص , وهي لا تعبر عن شيء في هذا العالم , أنما تعبر عن أعمق ما في القوة الباطنية لحركة الكل في الدماغ "  (1) . 

في حين يذهب ( جورج سانتيانا ) إلى أنها " عمليات لا شعورية مرتبطة بالتخيل واللذة لا تحددها قوانين عقلية وإنما غايتها في ذاتها " (1) . 
أما ( ستونليتز) فيرى أن الموسيقى والمؤثرات " تحفز المدرك على تذكر حادث سابق " (1) . أي أن تقوم مقام الإحالة في استذكار زمكانية متخيلة فوق الواقع لا شعورية مرتبطة بالتخيل أي قوة باطنية , فهي بهذا الوصف ليست صورة مرئية مادية تستقبلها العين بمفهوم ( الآن وهنا ) . 
في الجانب الأخر نناقش أهمية المصطلح من كونه ( تشكيلي ) . وذلك أمر مهم بوصفه يطرح عدة نقاط التقاء واختلاف , تتصدر نقاط الاتفاق بأن المصمم السينوغرافي ( السينوغرفر ) ينبغي أن يملك رؤية تشكيلة للصورة البصرية بوصفه شكل يؤدي إلى معنى أو محتوى كونه بصري بحت , والمسرح يستدعي على الدوام حضور المصممين التشكيلين في بناء المنظر المسرحي , غير أن الصورة البصرية للعرض المسرحي لا تستند فقط على التشكيليين , أنما هناك عناصر أخرى مهمة في بناء الصورة منها ما هو تقني أو ميكانيكي أو تكنولوجي او فيزيائي,أو فيزيقي كجسد الممثل مثلا , كونها متممات أساسية في بناء الصورة البصرية.
أن الصورة البصرية في العرض البصري التي يحددها مجال الرؤية في المسارح المغلقة أو المسارح المفتوحة هي في الحقيقة مجال رؤيتنا وخبرتنا الإدراكية لما يحتويه الفراغ أو الفضاء المسرحي بشقيه السلبي والايجابي , وأن ترابط هذه المفردات المنظورة داخل الصورة هو ما يحدده المخرج ومصمم السينوغرافيا معا , وقد يثار تساؤلا عن ما هي الأسباب التي أدت إلى بناء الصورة حصرا بين المخرج والسينوغرفر, والجواب ينحصر في أن المسرح التقليدي كان يتطلب عددا من المصممين والمنفذين من العاملين في المجال التقني من اللذين يمكن حصرهم كمصممين ( الإضاءة , المنظر المسرحي , الأزياء . الماكياج الموسيقى , المؤثرات الصوتية والحركة) هؤلاء جميعا هم من  يعتمد عليهم المخرج  في  بناء الصورة , وهم يشكلون أكثر من رأي وربما تكون رؤاهم الفنية متضاربة أحيانا مما يخلق مشكلات عديدة على مستوى الإيقاع البصري أو اللوني أو عدم التوازن أو توافر شكل مسرحي يغيب عنه المعنى الخ , مما تطلب وجود شخص واحد مهني وفني يقوم بكل هذه المهمات التصميمية والتنفيذية ضمن رؤية مشتركة واحدة  بمعية المخرج , دون وجود مشكلات تؤثر على سير العرض , وللسبب ذاته استبدل الكل بشخص واحد هو مصمم السينوغرافيا الذي أطلق عليه ( السسينوغرفر  stenographer) . عليه فإن المصطلح من الناحية العلمية ليس تشكيليا بحتا على الأعم الأغلب . 

إذن ما ذا يعني جوهر السينوغرافيا , أن هذا المصطلح ورد عن طريق السينما , وان أول من أورده هو ( لوي دي جانيتي ) في كتابه ( فهم السينما ) والسينما تعني الصورة المرئية , فالمصطلح يتكون من مقطعين  ( scene   ) وتعني المشهد , و
( graphic   ) وتعني ( التصوير ) فالمصطلح يعني ( تصوير المشهد ) (3)
ويمكن تعريفه من كونه : فن معالجة الفضاء المسرحي ألقصدي  بالأشكال المتعددة الأغراض والمعبرة عن الفكرة الدرامية , إذ أنه ينطوي على الاختيار الدقيق الواعي لخطوطه وألوانه وأضاءته ومساحاته وكتلته وعناصر التنوع والتوازن والتركيز والتنافر بين أجزائه , كما انه لا يخلو من إشارات ورموز ودلالات توحي بالمعنى  أو تشير إليه . 
وعلى وفق ما تقدم يتضح جليا أن السينوغرافيا تعني رسم المشهد أو صورة العرض البصرية , بمعنى أدق فأن جوهر السينوغرافيا (  بصري بحت ) فهو كل ما يسقط على شبكة العين من عناصر الصورة المرئية والتي تتكون من ( الممثل الزي الماكياج المنظر الأثاث الضوء واللون والظل والظلال والحركة ) أي كل ما هو مرئي على خشبة المسرح وليس كل ما هو متخيل عن طريق السمع .وبهذا يمكن القول إنه صورة العرض الإيجابية في الفراغ ,انه بصري بحت بكل معنى الكلمة , على الرغم من أن كل عنصر من عناصره يحتفظ بقيمته الفنية , وان اختلاف الصورة في المسرح عن الصورة التشكيلية يؤدي إلى وجود خصائص لكل منهما , الصورة التشكيلية أو اللوحة مبنية على سطح مستوي هو سطح القماش أو الكنفاز , كما إنها تعتمد على الوهم من خلال قواعد المنظور والظل والضوء والظلال وتدرجات اللون , فضلا إنها تفتقر إلى العمق الفراغي من كونها ليست ثلاثية الأبعاد إلا من خلال قدرة الرسام , أن الصورة البصرية في المسرح حقيقية وليست وهمية, و الشخصيات تسبح في فضاء العرض بلحمها ودمها , لها عمق فراغي حقيقي , بل أنها تنبض بالحياة , وهي ليست جامدة بل متحركة وسيالة على الدوام كونها تخضع لزمن معين ومكان معين وحضور جمالي متحول . 
نستنتج مما سبق أن جوهر السينوغرافي هو الجانب البصري الذي تشاهده العين . فهو إذن ليس سمعي وليس تشكيلي وليس إخراج مسرحي إنما هو  صورة بصرية مكتنزة بالمعنى والدلالة .
كما يمكن لنا أن نحدد العناصر المرئية ضمن مفهوم السينوغرافيا ( المنظر المسرحي , الفراغ المضاء من الخشبة , الممثل وأزياءه وماكياجه وأكسسواراته , الضوء واللون والظل والظلال , الشاشات بأنواعها "الداتشو " والسايكلوراما ,الأثاث بما فيها السجاد والموكيت , الصور المتحركة والثابتة , المعلقات في فضاء الخشبة ,الحركة المسرحية وتشمل الإيماءة والإشارة والجسد والرقص والبانتومايم والشغل المسرحي , الفراغ والعمق الفراغي , المصابيح الضوئية بأنواعها والايقاع البصري .

*جامعة بغداد / كلية الفنون الجميلة 

الأربعاء، 11 يوليو 2018

شروط ومواعيد المشاركة بالمعرض الرابع للسينوغرافيين

مجلة الفنون المسرحية

شروط ومواعيد المشاركة بالمعرض الرابع للسينوغرافيين

مسرحنا :


أعلن مصمم الديكور حازم شبل عن شروط ومواعيد المعرض الرابع للسينوجرافيين المصريين (مصممو الديكور والأزياء والإضاءة المسرحية) الذي يقام في الفترة من 19 إلى 31 يوليو 2018 بقاعة المعرض بمركز الهناجر للفنون.
قال مصمم الديكور حازم شبل: آخر موعد لتسجيل الاشتراك بالمعرض 30 يونيو 2018 ويقوم بتنظيم المعرض مجموعة المركز المصري للسينوجرافيين وتقنيي المسرح ESTTC الأعضاء في الهيئة العالمية للسينوجرافيين ومعماريي وتقنيي المسرح OISTAT.. وتحت رعاية قطاع شؤون الإنتاج الثقافي – وزارة الثقافة.. وتزامنا مع فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري.
وأوضح شبل أن المعرض قسمان: الأول قسم المصممين المحترفين وهو قسم مخصص لتصميمات مسرحية نفذت بالفعل وعرضت مسرحيا أمام جماهير.. في آخر أربع سنوات منذ يناير 2014، وقسم آخر يقام لأول مرة تحت اسم «التصميمات المسرحية للطلبة» (رسم – ماكيت – موديل أزياء – ريندر.. إلخ) ولا يشترط أن تكون نفذت على المسرح.. للطلبة من أقسام تصميم عناصر السينوجرافيا المسرحية من أكاديمية الفنون وجامعات ومعاهد مصر (للطلبة الحاليين أو خريجين جدد آخر سنتين من 2016)، مشيرا إلى أن مشاركات الطلبة خاضعة للتقييم المسبق من المنظمين، ومشاركات المحترفين خاضعة للمساحة وجودة صور العروض.
كما يستضيف المعرض معرض للأزياء المسرحية التاريخية لعروض المسرح القومي يشرف عليه الفنانة نعيمة عجمي.
وعن شروط التسجيل قال شبل: ترسل البيانات على الإيميل الآتي:  HYPERLINK «mailto:esttc2018@gmail.com» esttc2018@gmail.com، وعن البيانات المطلوبة اسم العارض وصفته (محترفا أو طالبا) مع ذكر اسم القسم والجامعة أو المعهد للطلبة، رقم تليفون للتواصل، صورة أو صورتان للتصميم (رسم – مجسم – رندر.. إلخ)، ما لا يقل عن أربع صور فوتوغرافية (عالية الجودة) من العرض المسرحي.. توضح فكرة التصميم وشكله منفذا، بيانات كاملة لأسماء: العرض – جهة الإنتاج – مكان العرض – المؤلف – المخرج – المعد – مصمم الديكور – مصمم الأزياء – مصمم الإضاءة – المصور الفوتوغرافي – تاريخ الإنتاج، بيان سيرة ذاتية للمشترك (كاملا) و(آخر مختصر بحد أقصى عشرة أسطر)، إضافة إلى صورة شخصية.
وعن الشروط العامة للمشاركة قال شبل: تصميمان فقط لمسرحيتين مختلفتين هو الحد الأقصى للمشاركة في حالة توفر مساحة، الالتزام بتسديد الحد الأدنى لتكلفة تجهيزات المعرض التي سوف تقسم على العارضين (200 جنيه تقريبا)، كل عارض مسئول عن إحضار معروضاته سواء لوحات أصلية أو مطبوعة أو صور أو موديل، إقرار بالموافقة على نشر الصور وكامل البيانات في أي من وسائل النشر بأنواعها المختلفة، التزام كل عارض بأن يسلم معروضاته بنفسه في قاعة المعرض بمركز الهناجر للفنون يوم 17 يوليو 2018.. وإلا سوف يعتبر منسحبا من العرض.. وسوف تعطى مساحة عرضه لعارض آخر، التزام كل عارض بأن يتسلم معروضاته بنفسه في نهاية يوم 31 يوليو 2018.. والمنظمون غير مسئولين عن المعروضات بعد ذلك.
وأضاف شبل أن آخر موعد للتسجيل منتصف ليلة 30 يونيو 2018 ولن يلتفت لأي تسجيل بعد هذا الموعد أو لأي صور غير عالية الجودة أو لا توضح تنفيذ التصميم أو لأي مشترك ببيانات غير كاملة.
جدير بالذكر أن هذا هو المعرض الرابع لمصممي سينوغرافيا المسرح المصريين.. الدورة الأولى كانت في مايو 2012 برعاية قطاع العلاقات الثقافية الخارجية.. والدورة الثانية كانت بالتزامن مع المهرجان القومي للمسرح 2014.. والثالثة بالتزامن مع مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر سبتمبر 2016.
أقيمت جميع الدورات السابق ذكرها بقاعة المعرض بمركز الهناجر للفنون.. بتنظيم من مجموعة المركز المصري للسينوغرافيين وتقنيي المسرح ESTTC الأعضاء في الهيئة العالمية للسينوغرافيين ومعماريي وتقنيي المسرح OISTAT.. وتحت رعاية قطاع شؤون الإنتاج الثقافي – وزارة الثقافة.


الاثنين، 28 أغسطس 2017

نظرية تشكيل الألوان وعملية الإدراك البصري لها في جهاز البديل الضوئي

مجلة الفنون المسرحية

نظرية تشكيل الألوان وعملية الإدراك البصري لها في جهاز البديل الضوئي

د.عماد هادي الخفاجي


إن طريقة تشكيل الألوان الأساسية, أو الأولية(RGB) في جهاز البديل الضوئي يعتمد بشكل أساسي على الضوء في طريقة عمله, ومن البديهي إن مرور الضوء الأبيض عن طريق موشور زجاجي سوف يعطينا أشعة ذات ألوان مختلفة تشكل ألوان الطيف الضوئي, والتي تبدأ باللون الأحمر, والبرتقالي, والأصفر والأزرق, والنيلي, والبنفسجي, وأنَّ هذه الألوان تظهر بشكل متداخل ومتدرج, ولكن وعلى الرغم من أنَّ اللون الأبيض وعن طريق تحليله يعطينا سبعة ألوان, إلاّ أنَّه يتكون عن طريق الألوان الأساسية الثلاثة الأحمر, والأخضر, والأزرق(RGB) والتي هي موجودة أصلاً بألوان الطيف الضوئي, وهذا يعني بأنَّه إذا تم مزج الألوان الأساسية الثلاثة بنسب متساوية سيتكون لنا اللون الأبيض, أما الألوان الثانوية المتبقية فتنتج من مزج الألوان الأساسية بنسب مختلفة فيما بينها أو التداخل الدقيق الذي يتم عن طريق الكمبيوتر المستعمل لإظهار الألوان الثانوية وهذه الألوان هي الأزرق المخضر, أو السيان, و الماجينتا, واللون الأصفر, وكما تم ذكره مسبقاً ومن خلال ذلك يمكننا فهم معظم نظريات تشكيل الألوان في أجهزة العرض الرقمية المتمثلة بجهاز عرض البيانات (الداته شو) والذي يعمل على مزج ثلاثة مصادر من الأشعة الضوئية من الألوان الثلاث الرئيسة الأحمر, والأخضر, والأزرق (RGB), وبنسب مختلفة لتتشكل الألوان, أما إذا مزجت هذه الأشعة بنسب متساوية فتعطينا اللون الأبيض أما “بالنسبة للون الأسود فيتم تشكيله بسبب عدم وجود الألوان الرئيسة, أو عدم وجود ضوء ساقط على المنطقة التي يظهر بها  , وهذا يعني بأنَّ الألوان تتشكل على شاشة الكمبيوتر الموصول بجهاز البديل الضوئي عن طريق تقابل مجاميع كبيرة من النقاط الضوئية الصغيرة جدا وهي مكونة من الألوان الرئيسة الأحمر, والأخضر, والأزرق, والتي تفصل بينها مسافة صغيرة بحيث لا يمكن للعين المجردة ملاحظتها وذلك لصغر حجمها, ولكن على عكس قدرة الكمبيوتر في تحسسها والعمل بموجبها, إذ يمكن إظهار اللون على شاشة الكمبيوتر, وأنَّ هذه النقاط الملونة تتوزع بصورة منظمة على كامل مساحة الشاشة, ويسمى كل ثلاث من هذه النقاط بـ البيكسل ((Pixel  حيث يتكون من نقطة خضراء ونقطة زرقاء ونقطة حمراء أي أن الألوان الأساسية الثلاث تُكون بيكسلاً واحداً ويستطيع الكمبيوتر مزج الألوان الثلاثة مع بعضها بأية نسبة لإظهار بكسل معين من البيكسلات بأي لون مهما كانت درجته”([1]). لذلك يرى الباحث بأنَّ الإضاءة المسرحية وعملية التصميم ناتجة من علم وفن كون مسألة التصميم الضوئي تشتمل على:
نواحي علمية تعتمد بشكل أساسي على البحوث والتجارب العلمية المتخصصة للوصول إلى النتائج المرجوة بالعمل.
نواحي فنية تعتمد على الخبرة والدراسة التي تبحث في العلاقات الشكلية للتوصل إلى أفضل النتائج التصميمية.
الموازنة بين الاثنين بوصف المصمم والتصميم الضوئي للعرض المسرحي يعتمد الموازنة بين العلم والفن للوصول إلى أفضل النتائج“([2]), لذلك فالإنغماس في التكنولوجيا والتماهي بها أصبح واقعاً, وهذا يعني بأنَّ الأساليب والعادات ستتغير وفق التكنولوجيا الجديدة, وبمعنى آخر إن ما يتم صنعه من قيم جمالية جديدة على مستوى الخطاب البصري والتلقي بإستعمال التكنولوجيا يجب أنْ يتم إستيعابه بشكل مثالي, إذ يجب علينا أنْ نرى ما يراه الكمبيوتر من عمليات معقدة وحسابات منطقية , إذ لا يتم إلاّ عن طريق تعلم, وإستعمال مهارات الكمبيوتر وتطوير مخيلتنا للعرض المسرحي لذلك فأنَّ فكرة إستعمال الأدوات والعناصر التكنولوجيا المتمثلة بالتقنيات الحديثة والمتعددة ليست بالأمر الصعب, ولكن مدى قربها وتوافقها من تطوير العرض المسرحي هو الأهم وعليه, فاستعمال جهاز البديل الضوئي كوسيلة تقنية حديثة وبديلة عن جهاز الإضاءة التقليدي تمثل التوحيد بين العلم والفن, لأنَّ العلم يستعين بالفن لتحسين المحيط هذا من جانب ومن جانب آخر الفن يهتم بدراسة العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة,  وهذا الجانب  يحفز المصمم والمخرج على معادلة جهدهما مع التطور الحاصل من أجل تطوير النظرة الجمالية للعرض المسرحي بإضفاء قيم جديدة لعصر تقني جديد, ولهذا سيكون على المخرج والمصمم المسرحي خلق  فضاء مسرحي جديد مبني على التأمل والتناسق عن طريق تعميق فكرة التعامل مع التقنية الحديثة بشكل منطقي ومدروس, لأجل خلق عامل الإبهار(Glare) من أجل جذب المشاهد المسرحي إلى مناطق غير مألوفة له لتحقيق حالة الإنغماس, والتي تعد سمة مهمة من سمات العرض المسرحي في ظل هذه التقنية الحديثة والتي لطالما تم البحث عنها في كل عرض مسرحي.ويرى الباحث بأنَّ عملية تحقيق الإبهار تتم عن طريق الإضاءة البديلة عن طريق قدرتها على توحيد كل عناصر الخطاب المسرحي, لما ” تمتلكه من دلالة محددة بالمعنى الثقافي الجمعي ولامتلاكها معاني ودلالات محدده بالسياق العام لحركة الخطاب الفكري والاجتماعي والنفسي بوصفها لغة بصرية ذات محتوى تقني عالي تهدف إلى خلق جو معين لإيصال العلامات إلى المتلقي”([3]) ويتم ذلك عن طريق الإمكانية الكبيرة للجهاز في تشكيل اللون والضوء عن طريق الأشكال, وتباين الألوان, وتنوع العلاقات, وهي مجتمعة تؤثر بالمتلقي إيجاباً على خشبة المسرح, وكما أنَّ هذا التنوع البصري يمكن تسميته بالإثراء البصري, إذ يُعد من أهم الشروط الأساسية التي تعمل على لفت انتباه المتلقي وشده نحو أدراك ماهية العرض المسرحي”([4]) لخلق جو يضفي الحيوية ويبعد الرتابة والملل, ويحث على الجذب والاستمتاع لخلق صورة جمالية  للمتلقي لتدفعه نحو الإستجابة بكل أنواعها نفسية أو سلوكية أو بايلوجية, لذلك  فالضوء الخارج من الجهاز البديل يُعّد أحد العوامل الجمالية المهمة التي تسهم في خلق الفضاء المسرحي بوصفه “المكون الأكثر أهمية في تعريف الفضاء المسرحي وإظهار الشكل, إذ لا يوجد إدراك بصري للفضاء بدونه وعلى الرغم من توظيف الحواس الأخرى يبقى الإدراك البصري هو العامل المهيمن”([5]) وذلك لأنَّ العين البشرية تُعد من الحواس الأساسية للإنسان, لذا نرى المتلقي المسرحي يعتمد على الإدراك البصري بشكل مباشر في التحليل والاستنتاج من أجل بناء الصورة المرئية النهائية للعرض المسرحي, وبمعنى آخر إنَّ عملية نقل المعلومة للمتلقي لكي تُدرك تصله بصريا أولاُ بوصف الإحساس البصري المستوى الأول في مستويات الإدراك ويُعرف بأنه الاستجابة الأولية للإثارة التي تحدثها صورة معينة للمتلقي”([6]) إذ يمثل الإحساس البصري رد فعل ذهني(بايلوجي) تجاه الإضاءة المستعملة على خشبة المسرح ويكون الاتصال بصرياً بعد أن يدرك حسياُ عن طريق تنظيم التنبيهات الحسية على شكل صور ومعاني بالاعتماد على خبرة المتلقي وتجاربه السابقة, وعلى العموم  أنَّ الشعور  بفهم الأشياء يسمى إدراكاً حسيا والشعور المُبهم يُسمى إحساساً ويستدل من ذلك الاختلاف بين الإحساس والإدراك الحسي, فالأول هو مجرد التنبيه الذي يحدث عن كيفية الحسية مثل التنبيه الذي يحدث للعين بسبب اللون, أما الثاني إدراك الشيء الذي تؤثر كيفيته في الحس, ويتم بالإفادة  من الخبرة السابقة للمتلقي على أنْ لا نغفل بأنَّ الإحساس يتحول إلى إدراك بعد حصول الإنتباه, لأنَّه شرط الإدراك, ولأنَّ الإنتباه فعال في حالات عِده أولاً عند إستقبال المعلومات, ومن ثم عند تخزين وتفسير المعطيات الحسية, إذ يقرر إذا ما كان سوف يستجيب لها أو يتأهب للفعل, لأنَّ العين البشرية لا تقف عند محطة بصرية واحدة, أو تقوم بعملية مسح ضوئية(Scanning) أثناء حركة متواصلة إلا بعد أنْ تبقى لفترة قصيرة في موضع ومن ثم تقفز إلى موضع آخر لتبقى فيه مرة ثانية وهكذا… وتدعى الفترة التي تبقى فيها العين في موضع بفترة المكوث (Fixation) إما الحركة السريعة بين مكوثين, فتدعى بالقفزة(Saccade) وتدخل العديد من المؤشرات في تلك العملية للتعرف على مراحل عملية الإدراك التي ينشط بها الانتباه إذاً فالإثارة الحسية تمثل أولى مراحل الإدراك الحسي, وتوليد الفعل تجاهها, ومن ثم شد الانتباه, وأنْ طالت المدة, فالغرض هو إشتراك المتلقي بصرياً ومعرفياً, ولا يتحول المستلم أو الصورة المستلمة إلى إدراك إلا بوجود الانتباه“([7]) وهذا يعني بأنَّ هناك علاقة وثيقة بين الإنتباه والإدراك, لأنَّ الإدراك يمثل أنشطة معرفية متعددة تمكن المتلقي من أخذ القرار على ما ينتبه إليه,  ومن ثم تُنمي قدرته على إيجاد معاني للمعلومات التي يجمعها لربطها بالخبرة السابقة ضمن مدة زمنية تعتمد على وعي وثقافة المتلقي هذا من جانب ومن جانب آخر فاعلية التأثير المتمثل بالاتصال البصري للمتلقي, ومن ثم القدرة على إقناعه عن طريق إلتزام المصمم والمخرج للعرض المسرحي بترجمة وبناء إتجاهات وميول ورغبات المتلقي بظل التقنية الحديثة,  وهذا يحتاج إلى مهارة وخبرة عالية من أجل إيصال تلك الأفكار وفق آلية يتم فيها تجسيد ما هو متخيل من أفكار بما يضمن تحقيق وتجسيد تلك الفكرة, لكي ندركها بالواقع وهذا يحتاج بدوره إلى برمجيات تقع ضمن عناصر الوسائط المتعددة للوقوف على الإمكانيات التقنية وتطويرها بما يضمن تحقيقها, وبشكل أفضل على خشبة المسرح لذلك فقد أتاحت تقنيات الكمبيوتر وبرمجياته تقديم المواد بشكل مرئي ومسموع في آن واحد ومشاهدة صور قد تكون ثابتة, أو متحركة تضفي على النص المسرحي المزيد من التشويق وهذا هو سر جاذبية العروض المسرحية التي تدخل التقنية الرقمية بالعمل بها, فهي تعمل على مخاطبة المتلقي في جميع حواسه ومدركاته العقلية, لذلك فأعتماد تصميم الإضاءة رقمياً وبإستعمال جهاز بديل عن جهاز الإضاءة التقليدي قد فتح آفاق جديدة أمام مصممي الإضاءة المسرحية والمخرجين, للإرتقاء بالتصميم الضوئي للعرض المسرحي عن طريق توفير بيئة عمل إفتراضية ضمن الكمبيوتر إذ تكون مُدخلات العملية التصميمة جميعها مدخلات إفتراضية يتعامل معها المصمم والمخرج بمنتهى المرونة والدقة مما يضع أمامه خيارات هائلة في التنوع في أغناء التصميم الضوئي عن طريق التباين في الألوان والأشكال المتعددة  بغية الوصول إلى الشكل النهائي الأمثل, ومن دون تحديد الكلفة والوقت والجهد ، إذ تُعد جميع هذه التفاصيل منحسرة التأثير بالمقارنة بما كانت عليه عملية التصميم التقليدية, لذلك فقد أصبح أداء هذه العمليات في ظل ما توفره التقنية الرقمية والمتوافرة في أجهزة الكمبيوتر وبإستعمال مختلف البرامج التصميمية تمتلك إمكانيات سريعة وعالية الجودة وأصبح التقني والمخرج قادراً على انجاز تصاميم تتمتع بالثراء والتنوع والجاذبية لشد المتلقي للإستكشاف بما تحتويه من إثراء بصري لغرض لفت الإنتباه والإثارة ثم السرعة في فعل التلقي([8]).


المصادر:

([1])See:http://webcache.googleusercontent.com/search,previoussource,Accessdate,26/6/2017
(2) See: Gary, Steffy: Architectural Lighting Designs, Second edition,LC ,IEC, Fields, 2002 ,p2
(3) مؤنس,قاسم, تفكيك الخطاب البصري ودلالاته في العرض المسرحي,بغداد, دار مخطوطات,الطبعة الأولى,2012,ص68.
(4)See: Lynch, Kevin: Site planning, Second Edition. The Mit Press.IsA.1991,p184 .
(5)See: Kuritch ,Johan Garret  Eakin , Interior Architecture, previous resource,p179
(6)See: Lynch, Kevin and Gary Hack:Site Planning .Third Edition, Cambridge Massachusetts,2000,p220
(7) See:  Same Source,pp188,222
(8)See: Christopher Baugh,Theatre Performance and Technology(The Development of Scenography in the Twentieth Century), New York, first published,2005,pp94-98.

الجمعة، 28 أبريل 2017

الصّورة في المسرح – التشكيل السينوغرافي في المونودرام المسرحي “حمق سليم” لعبد القادر علّولة أنموذجاً

مجلة الفنون المسرحية


 الصّورة في المسرح – التشكيل السينوغرافي في المونودرام المسرحي “حمق سليم” لعبد القادر علّولة أنموذجاً 

د/ صورية غجاتي

مقدّمة:

تشتغل هذه الورقةُ النقدية على مفهوم الصّورة السينوغرافية في العرض المسرحي، بوصفها خطاباً بصرياً يقوم على مجموعة من العلامات المحمّلة بدلالات يستقبلها المتلقي ويقوم بفكّ شفراتها للوصول إلى فحوى خطابها الجزئي الذي يتضافر مع خطاب الممثّل لتحقيق الهدف العام من العرض المسرحي.وعلى هذا الأساس تشكّل مسار هذه الورقة من محطّتين اثنتين:إحداهما نظرية والأخرى إجرائية:

تحدّدت تضاريس المحطّة الأولى في النقاط الآتية:

أوّلاً: الصورة في المسرح:مقاربة نظرية.    

ثانياً: الصّورة السينوغرافية:

1/ السينوغرافيا: حدّ المصطلح وارتحالاته.                                                      

2/ مهام السينوغرافيا اليوم ورهانات المستقبل.

أما المحطة الثانية فقد كانت تحليلاً للتشكيل السينوغرافي في واحدٍ من العروض المونودرامية الجزائرية الشهيرة، وهي مونودرام ” حمق سليم ” للراحل عبد القادر علولة، وفق الخطوات التالية:    

ثالثاً: وسائل التشكيل السينوغرافي في مونودرام “حمق سليم”.        

1/ الأكسسوار/ Les Accessoires.  

2/ الملابس/Les Costumes.

 3/ الدّيكور- الإضاءة/ Le Décor-L’éclairage.

 أوّلاً/ الصورة في المسرح:مقاربة نظرية:

من المؤكّد أنّ العرض المسرحي لا يتكامل خطابه بالدلالة اللّغوية فقط، بل في تفاعله مع بقية العناصر المسرحية، وبين المتلقي الذي يتفاعل مع الحركية البصرية واللّغوية.وأيّ عمل مسرحي يحتاج إلى حركة مسرحية تنسجم وتتفاعل مع الألوان في تحليل الإبداعات التشكيلية وبناء الصّورة المرئية.فقواعد المنظور المسرحي تُعطى لتكوين الإيحاء بالمكان المتّسع داخل فراغ المسرح(2) وهو ما يشكّل “الصورة المسرحية” الكليّة.وإذا كانت الصّورة في مفهومها العام تمثيلٌ للواقع المرئي ذهنياً أوبصرياً، أو إدراكٌ مباشر للعالم الخارجي الموضوعي تجسيداً وحسّاً ورؤيةً(3).فإنّ الصورة المسرحية لا تخرج عن زاوية هذا المنظور؛ فهي «تقليصٌ لصورة الواقع على مستوى الحجم والمساحة واللّون والزاوية.ويعني هذا أنّ المسرح صورة مصغّرة للواقع أو الحياة، وتتداخل في هذه الصورة المكونات السمعية والمكونات البصرية غير اللفظية»(4).ووفْق هذا الطرح يُصبح «كلُّ شيء يُشكّل واقعاً على خشبة المسرح:نصّ الكاتب المسرحي، تمثيل الممثّل، والإضاءة المسرحية.كلّ هذه الأشياء، وفي جميع الحالات ترمز إلى أشياء أخرى.فيكون العرض المسرحي بهذا المعنى مجموعة إشارات»(5).وقد عبّر عن المعنى ذاته (O.zich/أوتكار زيش) في كتابه “علم جمال الفنّ الدرامي” بقوله:«هو فنّ الصور/images وهو كذلك من جميع النواحي على الإطلاق»(6).

تتكوّن الصورة المسرحية من مجموعة من الصور البصرية التخييلية المجسّمة وغير المجسّمة فوق خشبة الركح، منها:الصورة اللّغوية التي يمثّلها النصّ، وصورة الممثّل، والصورة الكوريغرافية، والصورة الأيقونية، والصورة الحركية، والصورة الضوئية، والصورة السينوغرافية، والصورة التشكيلية، والصورة اللونية، والصورة الفضائية، والصورة الموسيقية الإيقاعية، والصورة الرصدية(7).وفي هذا السياق أشار (T.kowzan/ تاديوز كاوزان) إلى وجود ثلاثة عشر شفرة، يُقلّص العالم الدرامي فيها وهي(8): “

“1- الكلمة،

2- النغمة(لهجة المتكلّم)،

3- الإيمائية(تعابير الوجه)،

4- الإيماءة،

5- الحركة،

6- الماكياج،

7- تسريح الشعر،

8- الملابس،

9- الإكسسوار،

10- الديكور،

11- الإضاءة،

12- الموسيقى،

13- الصّوت”.

وقد لاحظ (كاوزان) أنّ العلامات البصرية أكثر حضوراً في العرض المسرحي مقارنةً بالعلامات اللّسانية اللفظية؛ حيث قدّر عددها بتسع علامات من أصل ثلاثة عشر علامة.وتخضع هذه العلامات أو الشفرات إلى قانون التحوّل المستمر في العرض المسرحي، ومن ثمّ لا تُعدّ الصورة المسرحية هي الشكل البصري فحسب، بل هي تلك العلاقات والحوارية البصرية؛ العلاقات البصرية التي تجمع مكونات العرض الفنّي المسرحي ذاته، والحوارية البصرية بين هذه المكونات والممثلين والمتفرجين(9).

ونظراً لتعدّد الصور الفرعية التي يُشكّل تضافرها الصورة المسرحية الكلية، سوف نعمل من خلال هذه الورقة النقدية على التركيز على واحدة من أهم تلك الصور الفرعية التي عرفت إشكالات كثيرة على المستويين النظري والإجرائي وهي الصورة السينوغرافية.

ثانياً/ الصورة السينوغرافية.

   1-  السينوغرافيا :حدّ المصطلح وارتحالاته:

في البدء نُشير إلى أنّ قلّة البحوث والدراسات التي تُعنى بالسينوغرافيا على مستوى التداول والممارسة، سواء ما كان منها تأليفاً أو كان ترجمةً، قد فتح باب الالتباس والغموض والارتباك في فهم حدود هذا المصطلح، شأنه شأن غيره من المصطلحات الأدبية والفكرية والفنية الوافدة على ثقافتنا العربية.ولعلّ قلّة من المسرحيين في المغرب والجزائر وتونس قد أبانوا عن استيعابٍ واضح لهذا المفهوم نظرياً وإجرائياً لقربهم واحتكاكهم بالثقافة الغربية خاصّة الفرنسية.عدا هذا الاستثناء ظلّ مفهوم السينوغرافيا – عربياً- يفتقد إلى إضاءات عبر دراسات جادّة ترفع عنه اللّبس وضبابية الفهم، وتُصادر تلك المقالات المبتسرة الصادرة عن أقلامٍ غير متخصّصة في الصحافة الإلكترونية بالتحديد.

مصطلح السينوغرافيا من المصطلحات الحديثة في الخطاب المسرحي العربي بشقيه الإبداعي والنقدي؛ فقد بدأ تداوله من طرف المسرحيين العرب في ثمانينيات القرن الماضي.ولعلّ أوّل من استخدمه مسرحيو المغرب العربي بحكم اتّصالهم الوثيق بالثقافة الفرنسية.ثمّ بدأ استخدامه تدريجياً في أنحاء أخرى من العالم العربي(10).وقبل أن نقدّم إضاءة لهذا المصطلح ونقف عند حدود مفهومه.نحاول في البدء الكشف عن أصوله في المسرح وارتحالاته نحو مجالات أخرى عبر الأزمنة.

اشتُقّ مصطلح “سينوغرافيا” من الكلمة اليونانية”Skênographia” التي تمّ نحتها من كلمتين هما:” Skêne” وهي الخشبة، وكلمة”graphikos” وتعني تمثيل الشيء بخطوط وعلامات، ويُضاف في اللغة الإنجليزية إلى كلمة “سينوغرافيا” تعبير(Set Design) أي تصميم الخشبة(11). وفي العهد اليوناني اعتبَر(أرسطو/Aristote)(384- 322ق م) المناظر وتجهيزات الخشبة أحد المكوّنات الستّة للتراجيديا، وإن كانت أقلّها أهمية، حيث يقول في هذا الصدد: «صناعةُ المسرح هي أدخل في تهيئة المناظر من صناعة الشّعر(…) والمنظر، وإن كان ممّا يستهوي النفس فهو أقلّ الأجزاء صنعةً وأضعفها بالشّعر نسباً »(12).وفي القرن الخامس قبل الميلاد كانت هذه الكلمة تُحيل على معنى فنّ تزيين واجهة الجزء المخصّص للتمثيل بعوارض مرسومة تُمثّل مناظر طبيعية أو معمارية تدلّ على مكان الحدث(13).وفي عصر النهضة في إيطاليا صارت الكلمة مفردة من مفردات فنّ العمارة، ودلّت على “المنظور” وهو أحد الرسوم الثلاثة التي كانت تُقدّم للبنّاء قبل أن يشرع في البناء إلى جانب “المسقط” و”الواجهات”.وعندما أصبح تحقيق “المنظور” هو الأساس في تصميم الديكور المسرحي في عصر النهضة والقرن السابع عشر، انتقلت كلمة “سينوغرافيا” للدلالة على فنّ تحقيق المنظور بالرسم في ديكور المسرح واستُبدلت تدريجياً بكلمة “ديكور”(14).

توسّع مدلول الكلمة في العصر الحديث، وتجاوز دلالة مصطلح “الديكور”، فإذا كان مجال “الديكور” هو ما يوجد على الخشبة حصراً، فإنّ “السينوغرافيا” صارت تختصّ بالبحث في علاقة (الممثل والمتفرج) بالفضاء المسرحي، وعلاقة كلّ المفردات المسرحية ببعضها بما فيها الخشبة ومكان المتفرج(15).ومع منتصف القرن العشرين ظهر مفهوم “التجريب/Expérimentation” في مجال المسرح، و أفرز العديد من المفاهيم والأطروحات الجديدة حول تنظيم الفضاء المسرحي، قام بالتنظير لها مجدّدو القرن العشرين من أمثال (أدولف آبيا/A.Appia)(1862- 1928)، و(غوردن كريغ/ G.Craig)(1872- 1966)، ابتغاء إعداد الفضاء المسرحي وإعطائه مسحة تشكيلية.وهو ما غيّر النظرة إلى هذا المفهوم من مجرد عنصر مكمّل في العرض المسرحي إلى عنصر محرّك له، وحامل رئيس لدلالته.فتتوجّه السينوغرافيا – تبعاً لهذه الرؤية – من العناية بالتكوينات البصرية والعلاقات المكانية الناشئة في هذا الفضاء، والكُتل المتحركة فيه(الممثل، الضوء، اللّون، الديكور..)(16).

 وبهذا أصبح مصطلح “السينوغرافيا” يحيل على مفهوم « تنسيق الفضاء المسرحي والتحكّم في شكله، بهدف تحقيق أهداف العرض المسرحي الذي يُشكّل إطاره الذي تجري فيه الأحداث»(17).و هناك تحديد أكثر دقّة تمّ فيه مراعاة عنصر المتلقي في الدلالة المعاصرة لهذا المصطلح، وهو أنّ السينوغرافيا «عملية تشكيلٍ بصري/صوتي لساحة الأداء التي يُشارك المتلقي في تشكيلها بوجوده وخياله، فهي عملية إرسال مركّبة تُقابلها وتكمّلها عملية قراءة مركّبة يقوم بها المتلقي»(18).ويقوم مبدع هذه العملية (أي السينوغراف) باستثمار تقنيات الديكور، الإضاءة، الأزياء، اللّون، الفراغ، الحركة، الكتلة، الصوت،…ليُشكّل من معطياتها، وفق رؤية موحّدة، تكوينات بصرية- مشهدية تنطوي على علامات مكانية وزمانية ذات قدرة على التوليد الدلالي(19).

 يتّفق جلّ المهتمين بالمسرح على أنه يوجد مجالين للسينوغرافيا المسرحية هما(20):  

أ/ سينوغرافيا التقنيات:

ويتركّز اشتغالها في دراسة وتصميم واقتراح كلّ ماله علاقة بالمكان المسرحي.

ويمكن أن يكون السينوغراف في هذه الحالة مهندساً معمارياً ينصبّ عمله على:

- تحديد قياسات الخشبة وحجمها نسبةً إلى الصّالة انطلاقاً من نوعية العروض (مسرح، باليه، أوبرا…إلخ).

- تصميم العلاقة بين الصّالة والخشبة معمارياً وتقنياً بمراعاة بعض المعايير:كشروط الرؤية، وهندسة الصوت Acoustique، واختيار نوعية التجهيزات الصوتية والضوئية.

 - حساب قُدرة الصّالة على استيعاب عدد معيّن من المتفرّجين والقدرة على إخلاء الصّالة ضمن شروط السلامة.

 - تصميم أماكن الخدمة الملحقة بالمسرح والأماكن المخصّصة للممثلين والعاملين.

ب/ سينوغرافيا الديكور:

وهي أقرب إلى صلب العملية المسرحية، ويتركّز عملها على تصميم الديكور، وفي كثير من الأحيان تصميم الزيّ المسرحي والأكسسوار والأقنعة والمؤثرات الخاصة من إضاءة ومؤثرات سمعية.يعمل سينوغراف الديكور إلى جانب المخرج لكي يتحقق الانسجام في أسلوب العمل إجمالاً.وينصبّ عمله على معالجة الفضاء المسرحي بكلّ أبعاده (داخل/خارج) ومكوّناته (إضاءة وإكسسوار من جهة، والتكوين من خلال الخطوط والكُتل والفراغات والشكل واللّون والملمس من جهة أخرى.

2/ مهام السينوغرافيا اليوم ورهانات المستقبل:

إذا كانت الصورة السينوغرافية «ترتكز على تأثيث الفضاء سيميائياً وأيقونياً، وتحويله إلى تحفة تشكيلية بصرية لونية وجسدية وضوئية وإيقاعية.ومن هنا، فالصورة السينوغرافية هي صورة مشهدية كبرى تشمل على مجموعة من الصور المسرحية الفرعية كالصورة اللّونية(الأزياء، والماكياج، والتشكيل…).والصورة الضوئية(الإضاءة…).والصورة الإيقاعية الزمنية(الموسيقى…).والصورة الجسدية(الرّقص والكوريغرافيا، وحركات الجسد…).والصّورة الفضائية(تقسيم الخشبة وتوزيعها…)»(21).فإنّ وظيفتها الأساسية تنحصر في الوقت الراهن في «إعادة تشكيل الفضاء المسرحي، وإخفاء الحدود بين الركح والجمهور، ثمّ السعي إلى تأسيس علاقة مكانية وبصرية بين الدراما والمتلقي، والعمل على توسيع الصورة والمكان المسرحي التقليدي بالاتجاه نحو التراكيب والأشكال والأحجام المستقلة المتحركة التي تُسهم في التعبير الدرامي، فالتنوّع اللامحدود واللانهائي للعمل السينوغرافي انطلاقاً من الفراغ، هو تنويع صور الفراغ وتوسيع مجالات الحركة فيه، لأنّ كلّ شيء فيه يمكن هندسته وبناؤه»(22).

ووفقاً لهذا الطّرح تصبح الخطّة القبْلية التي كان يعمل وفقها الديكور قديماً مرفوضة بالنسبة للسينوغرافيا لأنها خطّة جاهزة تحيل على دلالة منتهية وتابعة لباقي الدلالات التي يعمل العرض المسرحي بكلّ مفرداته على خلقها وتوليدها ولا يُشرَكُ المتلقي في فعلها لأنه لم يكن حاضراً لحظة تصميمها؛ ذلك أنّ «البناء القبلي مرفوض، أما ما هو بعدي فهو فنون السينوغرافيا التي تصير بالنسبة للمتلقي إمكانات بصرية تخييلية ومتلفّظة تجعله يشتغل على ما يرى ويسمع ليملأ الفراغ بحيوية خياله»(23).هنا تتجلى الفروق الواضحة بين مفهوم”سينوغرافيا” ومفهوم “ديكور”؛ فإذا كان الديكور- في المسرح – في الماضي يقوم على استثمار إمكانيات الرّسم في تحقيق “الإيهام/Illution”.فإنّ فنّ السينوغرافيا اليوم يقوم على استثمار الفضاء المسرحي كفراغ من أجل إعطاء المسرح بُعداً شعرياً.وتطبيقاً لهذه الرؤية الجديدة، استثمر المخرج الروسي” ڤسيڤولود مييرخولد/V.Meyerhold”(1874- 1940) النظرية البنائية التي تقوم على استثمار تناغم الخطوط الأفقية والعمودية في فراغ الخشبة للتوصل إلى شكل عرض يقوم على رفض الإيهام.كما فتح الروسي “ألكسندر تايروڤ/A.Tairov”(1885- 1950) – بالتعاون مع الرسّامين في المسرح- الباب أمام توجّه جديد ظهر في ألمانيا وتجلى بأعمال مدرسة “الباوهاوس/Bauhaus”، التي عمل القسم المسرحي فيها على تطوير التجريب حول العلاقة بين الألوان والأشكال، وكان له الفضل في تطوير النظرة إلى سينوغرافيا المسرح(24).

 وفي السنوات الأخيرة اتّسع مجال السينوغرافيا عالمياً، فتجاوز نطاق المسرح إلى كلّ ما يدخل في إطار تصميم الفراغ وأساليب استثماره في المعارض والمتاحف والعروض المُبهرة والاحتفالات الجماهيرية مثل افتتاح الأولمبياد على سبيل المثال.أمّا في العالم العربي فمازالت السينوغرافيا كاختصاص مستقلّ معماري وتقني له علاقة بالمسرح، في خطواتها الأولى بل وتكاد تكون مجهولة(25).وليس من المبالغة في شيء أن نقول أنها مازالت في طور الحبو تحاول أن تتلمس طرق نهوضها في غمرة التنظيرات الغربية المتراكمة وما يعتورها من إشكالات.

تُراهن السينوغرافيا على «ترويج ثقافة بصرية لا كلامية، إنها رهاناتٌ مشروطة بـ “التحيين الإخراجي” وبإثراء الفضاء بتعدّد زوايا النظر والمشاهدة بعيداً عن “مادية النصّ”.إنها تريد أن تجعل العرض مسكوناً بالعديد من الإيحاءات التي تخترق فضاء الركح وجغرافيته باستحداث فضاءات أخرى داخل هذا الفضاء الهندسي وقد تراكبت فيه مجموعة من الأنظمة الإشارية»(26).

وسائل التشكيل السينوغرافي في مونودرام “حمق سليم”:

1- الإكسسوار/ Les Accessoires:

حدّد “باتريس بافيس/ Patrice Pavis” في معجمه المسرحي مصطلح “إكسسوار” بأنه مجموعة من أشياء ركحية يُحرّكها الممثلون أثناء العرض؛ بغض النظر عن الديكور والملابس(27).وفي كتاب “عالم المسرح/L’univers du Théâtre ” وضِع الإكسسوار في مرتبة وسطى بين الديكور والملابس، نظراً لمرونته وقابليته للتحوّل إلى حدّ الالتباس من خلال سياق اللّعب والاندماج في وضعية مغايرة لوضعيته الأصلية التي وضِع لها(28).

بقليل من التمعّن في هذا المونودرام نُدرك أنّ الإكسسوار قد حضر وبقوة كوسيلة استعانت بها السينوغرافيا في إيصال خطابها للمتلقي.فإذا كان “سليم” موظفاً إدارياً بسيطاً راح يُسجّل يومياته مع الوظيفة، والبيت، والشّارع.فإنّ (الجريدة، والسجّل، والقلم) كانت هي الإكسسوارات الضرورية المصاحبة لمثل هذا الدّور.وبما أنّ سليم الموظّف سيتحول لاحقاً إلى سليم الأوّل الملك صاحب الجلالة في نقلةٍ نوعية امتزجت فيها التراجيديا بالكوميديا، فإنّ هذه الإكسسوارات الثلاثة ستختفي وستظهر بدلاً منها قطعتان غريبتان، وتكمن غرابتهما في أنهما نُقلتا من وظيفةٍ إلى أخرى بعد إجراء بعض التعديلات عليها لتليقا بالدور الجديد.إنني أتحدّث هنا عن “حاملة الخبز” التي تحوّلت إلى ” تاج الملك”، و”البرنوس القديم” الذي صار رداءً ملكياً فاخراً يحمل خلفه رسمةَ تنّين كأيقونة دالّة على المُلك والإمبراطورية.

- هل كان سليم الذي وُصِف بالأحمق يطمح فعلاً في الحياة البرجوازية أو ما أسماه بـ “المرتبة العالية” ؟

- وما هي هذه المرتبة العالية إذا قرأناها في ضوء الإكسسوارات التي لحقت بالممثل لتدّل عليها:  (حاملة الخبز= التّاج)، (برنوس تقليدي= رداء ملَكي)؟

إنّ” المرتبة العالية ” التي كان سليم يطلُبها ليست سوى “الكرامة”، وهي مطلبٌ إنساني ليس هو الوحيد الذي كان ينشدها ولكنّ كثيرين سبقوه في طلبها وهم أولئك الذين وجدهم في استقباله في مستشفى المجانين !!                                                                      

ولتتحقّق كرامة الإنسان لدينا لا بدّ من توافر شرطان:                                      

الأوّل: هو الأمنُ الغذائي؛ أن لا نكونَ تابعينَ غذائياً فنكون عبيداً تابعين إيديولوجياً ثمّ إنسانياً، لذلكَ جعل سليم من “حاملة الخبز” تاجاً ملكياً ليقول لنا إنّ من يُحقّق كفايته وأمنه من الغذاء، فقد ملَك نفسه ولم يملكهُ غيرُه.                                                                    

الثاني: أن نتمسّك بمقوّمات أصالتنا دون أن نرفض الانفتاح والتطوّر، من هنا لم يجد سليم أفضل مُكمّلٍ لمُلكه وسيادته غير البرنوس القديم الذي كان بحاجةٍ إلى قليلٍ من التعديل ليكون مناسباً ولعلّ أهمّ تعديلٍ لحق به هو صورة التنّين التي رسمَها سليم على ظهره لتكتملَ فيه صفة “الملَكية/ الإمبراطورية”؛ فالأصالةُ ليست ضعفاً ولا انطواءً على الذات، بل هي قوّةُ الجمع بين الماضي والحاضر.

2- الملابس/Les Costumes:

لازمَ الممثّلَ لباسٌ واحدٌ تقريباً تميّز بالرّسمية وكان مناسباً لموظّف إداري، ولم يتغيّر إلا في المشاهد الأخيرة حين استُبدل بقميص المجانين.وقد شكّل “المعطف” قطعة لباسٍ مثيرة للانتباه؛ إذ كان بمثابة الرفيق الملازم للممثّل يتحرّك بتحرّكه ويستكين بسكونه، إلى الحدّ الذي جعلنا نعدّه تارةً لباساً ونراه تارةً أخرى قطعة إكسسوار نظراً لحمولته الدلالية وتميّزه بكثافة تعبيرية جعلتنا في كثيرٍ من الأحيان نعتبره ظلاً للممثّل أو مرافقاً له أو توأماً لصيقاً به.وهذه القدرة على “السميأة/ Sémiotisation” التي حظي بها المعطف، تشتغل بحضور الممثّل وبغيابه عندما يرتقي بوصفه شيئاً إلى مستوى الممثّل، في حين ينحدر هذا الأخير إلى درجة الصّفر من خلال محدودية الفعل وتكراره إلى حدّ التنميط كما ذهب إلى ذلك “يوري فيلتروسكي”(29).ويؤكّد في موضعٍ آخر من مقاله (الإنسان والموضوع في المسرح) بأنّ « الموضوع (الشيء) الذي لا حياة فيه يمكن أن يُدرَك كذاتٍ مؤديةٍ للفعل.كما يُمكن للكائن الحي أن يُدرَك كعنصرٍ معدوم للإرادة كليّاً»(30).وإن كنّا نعتقد بأنّ أداء “عبد القادر علّولة” لم يصل إلى درجة الصّفر، فإنّ المعطف قد اكتسب – في حضوره- طاقة إيحائية وقدرة على الارتقاء ليكون في درجة واحدة معه نظراً لقدرة علّولة البارعة في الاستحواذ على انتباهنا وشدّه نحو هذا المعطف.

شغَل هذا المعطف الأسود وضعيات عديدة متحركة وثابتة على مدار غالبية المَشَاهد؛ فتارةً يضعه سليم على كتفيه مرتدياً إيّاه ارتداءً كليّاً، وتارة أخرى يكتفي بإثباته على كتفيه دون أن يرتديه، وفي وضعيةٍ ثالثة يضعه على كتفه الأيمن، ورابعة على كتفه الأيسر، مرّةً يُمسك به بيديه الاثنتين، ومرةً يقبض عليه بيدٍ واحدة، ونادراً ما يُريحه برميه على كرسي مكتبه أو سرير غرفة نومه كجثّة هامدة تعبت من الحركة واستسلمت للراحة..وفي إحدى اللحظات الحاسمة والمضيئة في العرض المونودرامي وهي اللحظة التي تلمع فيها في ذهن سليم فكرة التمرّد على وضعه البسيط وطموحه في اعتلاء ما كان يُسميه ” المرتبة العالية “.يُقدِم على قلب هذا المعطف وارتدائه مقلوباً كترجمةٍ لرغبته في تحقيق فِعل انقلابي على مستوى ذاته التي تُمثّل كلّ ذاتٍ إنسانية متواضعة بسيطة، تعاني الفقر والقهر الاجتماعي والبيروقراطية القاتلة.هذا الانقلابُ الذي جاء رمزاً وجسّدَ فكرته سليم عبر المعطف، تحقّق مرةً أخرى على مستوى الحلم حين تحوّلت حاملةُ الخبز إلى تاجِ مُلْك، وظهر سليم ملكاً في لوحةٍ مستقبليةٍ انفتحت في تفاصيلها على دلالات المستحيل؛ حيث حُدّد تاريخ هذا الإنجاز في يومياته بــ 43 ديسمبر 2000.

هل كان حلماً مشروعاً رغم استحالة تحقيقه؟ أم كانَ لحظة جنون؟                                    

” نعم ” هي الإجابة المنطقية عن السؤالين معاً.لقد كان حلماً اعتمد على الخيال، وكان جنوناً تحرّر فيه العقلُ من قيود الواقع المؤسف والمخزي.ولعل إثبات هذا الجواب نجده في مقولة سليم:(النّاس تظنّ بلّي مُخّ الإنسان ساكن محبوس في الرّاس..هذا غلط..مخّ الإنسان رحّال جوّال مع الريّاح).   نعم إنها الحقيقة، يُمكن استعباد جسَد الإنسان لكنّ فكره يظلّ حرّاً مستعصياً عن التقييد.ولعلّ هذه الفكرة/ الحقيقة تتجلى أيضاً في كلام المجانين الذين سبقوا سليم إلى ” القصر الملَكي/ مستشفى المجانين”، فعندما جاء دوره استقبلوه بالترحيب هاتفين:(بَرْكانا..بَرْكانا من البَنان..حَلّوا البيبَان..خلّوا الصحّ يْبانْ)..هل كانوا فعلاً مجانين؟.فليكن لنأخذ الحكمةَ من أفواه المجانين.

3- الدّيكور- الإضاءة/ Le Décor-L’éclairage:

الدّيكور في مفهوم “باتريس بافيس” هو كلّ ما يوجد على الخشبة، ويُحدّد إطار الحركة بوسائل تصويرية بلاستيكية ومعمارية(31).ويعتقد هذا الناقد بأنّ مفهوم السينوغرافيا قد أصبح مفهوما بديلاً تمّ بواسطته تجاوز المعنى الضيّق للديكور الذي ارتبط عند العامة باللّوحة العُمق، أو المنظور/Perspective للإيهام بالواقعية كما هو الحال عند الطبيعية/Naturalisme(32).

تشكّلَ ديكور مونودرام “حمق سليم” من هندسةٍ غريبة وكان ثابتاً غير متغيّر طيلة مدّة العرض التي قاربت الثلاث ساعات؛ فقد حرص مصمّمه (بوخاري زروقي) على جعله في شكل غُرفٍ منفصلةٍ ومتجاورة، متباينة الحجم، بعضها وقع في اليمين والآخر في الشّمال، وارتبط الأعلى بالأسفل عبر سُلّمٍ كان رمزاً للطموح؛ حيث استعان به سليم في حركةٍ فاصلة لينتقل من الأسفل/ مرتبة موظّف بسيط، إلى الأعلى/ صاحب السموّ سليم الأوّل.وقد اتّسم هذا الديكور بالبدائية وكأننا قُبالة كهفٍ من كهوف العصر الحجري عملتْ يد الإنسان البدائي على تشكيل تفاصيله عبر حركةِ نحتٍ بسيطة، وهندسةٍ تقترب من الغرائبية؛ هذه الأخيرة التي عزّز حضورها إنطاقُ الحيوان، فقد تحوّلت الكلبة ” لُبانة ” إلى كائنٍ ناطق يُحبّ ويكتب رسائل، يُبدي رأيه ويُحلّل ويتساءل، ويتمتّع بحقوقٍ مفقودة عند البشر..كما زادت الموسيقى المصاحِبة من تعميق إحساسنا بالبدائية واستحضارنا للأجواء الغرائبية.

استُغِلَّ جزء من هذا الديكور كجدارية حملت كتابةً وصوراً، تمّ التركيز في كلّ مشهدٍ وعند الضرورة على واحدةٍ منها، ومن أمثلة هذه اللّوحات المصوّرة:(صورة الكلبة، قارورة العطر، عربة ملَكية بجياد، كرسي أثير…إلخ) وقد كانت رموزاً أحالت على الوسط البرجوازي الذي كانت تنتمي إليه رجاء.أما اللّوحات المكتوبة فقد حضر منها واحدة فقط كُتِب عليها بالفرنسية (Hopital Silence).وعلى العموم فقد تميّز ديكور العرض المونودرامي “حمق سليم” بالثبات الذي كان يوحي برتابة الحياة اليومية لموظّف مطحون اجتماعياً، ولم يأخذ هذا الديكور قيمته الإنتاجية الفاعلة إلا بتحرّكات الممثّل في إطاره، قائماً في كلّ مرّة بعملية تبئير لرقعةٍ مقصودةٍ منه.

أمّا الإضاءة فلم توظّف بدلالاتٍ جديدة غير وظيفتها الرئيسية في الفصل بين المَشاهد وتحديد تعاقب الزمن ( ليل – نهار).وقد كانت تُسند إليها في أحيانٍ قليلة وظيفة تبئير الممثّل في وضعٍ ما وفي مكان ما..ولعلّ المثال الوحيد الذي نسوقه في هذا المقام هو منظر تكبيل سليم في مستشفى الأمراض العقلية؛ حيث تعمل الإضاءة على تبئيره كشهيدٍ صُلب في سبيل كلمة الحقّ، ويسود الظلام كلّ ما يحيط به على فضاء الرّكح الذي لم يبق منه منفذاً للنور سوى نافذة صغيرة تُخفي خارجها نوراً أعاقهُ حجمها الصّغير وكثافة الظلام بالدّاخل من إضاءة الخشبة بصورة واضحة.  وبهذا الصّراع الصّامت بين بقعة الضوء المحدودة المساحة وسطوة كثافة الظلام، يتلقى المتفرّج إحساساً رهيباً بالوضع المؤسف الذي آل إليه سليم.وهو يردّد:(أمّي وْليدَك ضاعْ..رجاء لي بيه) طبعاً هي ليست رجاء علّولة زوجته الحقيقية في الواقع، ولا رجاء ابنة المدير في المونودراما، بل الأمل الذي كان ينشده ويرجوه في غدٍ و حياة أفضل.



الهوامش والإحالات:

(*) عبد القادر علّولة: حمق سليم (اقتباس حرّ وأداء وإخراج عبد القادر علولة).تسجيل تلفزيوني:بن براهم رشيد.

 Anne Ubersfeld :Lire le théâtre .paris ,édition sociales,1982,p37.(1)

(2) عامر موسى الربيعي: سينوغرافيا….تشكيل الصورة المسرحية.7/4/2007، جريدة الحوار المتمدّن.ع1878،.متاح على الموقع الإلكتروني//www.ahewar.org:httpm.

(3) قدور عبد الله ثاني: سيميائية الصورة.ط1، عمان- الأردن، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، 2007، ص24.

(4) جميل حمداوي: سيميوطيقا الصورة المسرحية، دراسات في المسرح. ، الرباط- المغرب، منشورات المعارف، 2013، ص93.

(5) مجموعة من المؤلفين: سيمياء براغ للمسرح، دراسات سيميائية.ترجمة وتقديم:أدمير كوريّة،  دمشق، منشورات وزارة الثقافة، 1997، ص97.

(6) المرجع نفسه.ص ن.

(7) جميل حمداوي: سيميوطيقا الصورة المسرحية.ص93.

(8) يُنظر مقالته الموسومة بـ ” ديناميكية الإشارة في المسرح” مترجماً ضمن كتاب: سيمياء براغ للمسرح، مرجع سابق، ص ص 97، 122.

(9) شاكر عبد الحميد:عصر الصورة.سلسلة عالم المعرفة، الكويت، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، ع311، يناير2005، ص306.

(10) عواد علي:غواية المتخيّل المسرحي، مقاربات لشعرية النصّ والعرض والنقد.ط1، بيروت-الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1997، ص87.

(11) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي، مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض.ط1، بيروت- لبنان، مكتبة لبنان ناشرون، 1997، ص265.

(12) يُنظر الفصل السادس من كتاب فنّ الشعر لأرسطو.

(13) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص265.

(14) م ن، ص ن.

(15) م ن، ص266.

(16) مارسيل فريدفون: السينوغرافيا اليوم السينوغرافيا معالم على الطريق.ترجمة:إبراهيم حمادة وآخرون.وزارة الثقافة- مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ص14.

(17) م ن، ص8.

(18) عبد الرحمن دسوقي: الوسائط الحديثة في سينوغرافيا المسرح.القاهرة، سلسلة دفاتر أكاديمية الفنون، 2005، ص17.

(19) عواد علي: غواية المتخيّل المسرحي.ص88.

(20) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص266.

(21) جميل حمداوي:سيميوطيقا الصورة المسرحية.ص114.

(22) عبد الرحمن بن زيدان: التجريب في النقد والدراما.الرباط- المغرب، منشورات الزمن، ، 2001، ص104.

(23) م ن. ص ن.

(24) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص266.

(25) م ن.ص267.

(26) عبد الرحمن بن زيدان:التجريب في النقد والدراما.ص101.

(27)Patrice Pavis :Dictionnaire Du Théâtre .Paris,Edition Sociales,1980    p :18.

(28) Girard Gilles/Oullet Réal/Rigault Cloude :L’univers du théâtre, Littératures modernes presses universitaires de France,edition 1978,

(29) عدد من المؤلفين: سيمياء براغ للمسرح.ص141.

(30) المرجع نفسه.ص139.

(31) Patrice Pavis :dictionnaire Du Théâtre .P :99

(32) Ibid.p :99

َ

َ(قُدّمت هذه الورقة النقدية كمداخلة في الملتقى الدولي “واقع الجماليات البصرية في الجزائر” المنعقد بكلية الفنون/جامعة مستغانم في 11/ 12 نوفمبر 2014)


------------------------------------------
المصدر : مجلة مسارب 

السينوغرافيا سيدة العرض.. المهنة المجهولة

مجلة الفنون المسرحية

السينوغرافيا سيدة العرض.. المهنة المجهولة


إن أهم ما يجذب عشاق الفن الرابع إلى متابعة العروض المسرحية، إضافة إلى تمكن الممثل المسرحي من أداء دوره وتقمص الشخصية بشكل جيد، وكذا الإخراج المميز للمسرحية والنص المتكامل، ما يطلق عليه “السينوغرافيا” التي يجهلها البعيدون عن الميدان، ولا يعرف الكثير منهم تسميتها وكيف يطلق عليها، والمشكّلة لمجموعة من العناصر المترابطة والمتناسقة فيما بينها، من الديكور والإضاءة والملابس والماكياج، وأحياناً كثيرة الحركة والإيماء، والتي تمثل الفن الذي يرسم أبعادا وزوايا الخريطة التي تحدد الحركة على الركح. هي أحد أهم عناصر العرض المسرحي، فلا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن الإخراج أو مؤلف المسرحية دون الحديث 
عن المبدع على الخشبة
“السينوغرافي”.

 لم تكن السينوغرافيا خلال عصور طويلة فناً بالمعنى المفهوم كما هي عليه في وقتنا المعاصر، مثلها مثل أي فن أو ابتكار أو غيره، بقدر ما كانت حرفة فنية لها خصوصيتها ومواصفاتها، لذا كان الجمع بين وظيفتي “ميكانيكي المسرح” ومصمم المناظر “السينوغرافيا” في وظيفة واحدة شيئاً طبيعياً للغاية قديما، قبل أن تتطور وتستجيب للمتطلبات الجديدة للمسرح، وأيضاً للإمكانيات المتطورة لفن الرسم، وتصبح فنا قائما بذاته يعرف “السينوغرافيا”، وهو تصميم المناظر المسرحية أو الإطار المادي للعرض المسرحي.

وتعبير “السينوغرافيا” في المسرح يعني حرفياً الخط البياني للمنظر المسرحي، أما تعبيراً، فهو يعني فلسفة علم “المنظرية” الذي يبحث في ماهية كل ما على خشبة المسرح، وما يرافق فن التمثيل المسرحي من متطلبات ومساعدات تعمل في النهاية على إبراز العرض المسرحي كاملاً متناسقاً ومبهراً أمام الجماهير.

وتهدف السينوغرافيا حسب أصحابها إلى تطويع حركة الفنون التشكيلية والجميلة والتطبيقية، بما ضمته من فنون المعمار والمنظر والأزياء المسرحية وطرق استغلالها في الفضاء المسرحي اعتبارا لفن المنظور، ما أعطى وجهاً جديداً لتعامل كل هذه الفنون مع الكلمة والعبارة والمونولوج والحـــوار، ومع الدراما بصفة عامة، كما أنها تتفرع إلى عدة عناصر من المناظر، الأثاث، الإكسسوارات، الإضاءة، تصميم الملابس والماكياج، بحيث تبدو في النهاية منظومة مركبة ومعقدة ومؤثرة في الصورة النهائية للعرض المسرحي.

وتعد “السينوغرافيا” من أكثر عناصر العرض المسرحي استفادة من إنجازات التكنولوجيا الحديثة، وبدأت هذه الاستفادة بإحلال الكهرباء محل الإضاءة بالزيت، واستمرت وتصاعدت لتصل إلى مختلف التقنيات الحديثة التي أوشكت أن تحيل منصة المسرح إلى شاشة سينما، من خلال الملابس والمناظر والأضواء والماكياج التي هي جزء عضوي في تسلسل متراكم، حتى يكمل التأثير العام للتصميم الممثل في السينوغرافيا، مع اكتمال العرض، فالمنظر الذي يبدو ثابتاً في الواقع يتغير بتغير الملابس والأضواء ودخول الممثلين وخروجهم وحركتهم على الركح، وتتشكل وظيفتها في تدعيم وترسيخ إدراك المتفرج واستيعابه للعرض.

وللغوص أكثر في هذه المهنة الإبداعية الجمالية والمتعبة، حسب ما شاهدناه في جولاتنا المتواصلة للعديد المسارح على المستوى الوطني، سألنا العديد من الممثلين والمخرجين وكذا كتاب النصوص المسرحية وغيرهم من المبدعين في الفن الرابع، حول أبرز السينوغرافيين على المستوى الوطني وأكثرهم خبرة في الميدان وحنكة وتمرسا، فأجابونا بالعديد من الأسماء اللامعة، حاولنا الاتصال بعدد منهم، فتمكنا أخيرا من ضرب موعد مع السينوغرافي المخضرم عبد الرحمن زعبوبي الذي كان بصدد الانطلاقة في عمل جديد بالمسرح الجهوي لباتنة، وبصدر رحب استقبلنا بابتسامة لم تفارقه طيلة اللقاء.

السينوغرافي عبد الرحمان زعبوبي

“حاربنا طويلا لنوصل السينوغرافيا لما هي عليه اليوم”

 استهل عبد الرحمن زعبوبي، السينوغرافي المخضرم وصاحب العديد من الجوائز الوطنية والعربية والدولية، حديثه ببداياته الأولى في عالم السينوغرافيا التي لم يكن يدرك يوما أنها ستكون مهنته الأولى والأخيرة وعشقه الأبدي، قائلا إنه عندما كان يدرس في الطورين المتوسط والثانوي مارس المسرح الهاوي مع فرقة هواة، فكان يُحْضر أقمشة بيضاء من المنزل، ويقوم رفقة زملائه بصناعة خلفيات وديكور للمسرحيات، سواء في مؤسسته التربوية أو في المسرح الهاوي في بوقاعة بسطيف، دون علم منه بأن هذه الطريق التي سيسير عليها فيما بعد، مضيفا أنه بعد الثانوي، وقبل إعلان نتيجة البكالوريا عام 1987، قدم له صديق جريدة بها إعلان عن معهد في مجال التمثيل يليق به، وأنه قام وقتها بمراسلتهم، فاجتاز الامتحان بنجاح.

ويوم الامتحان من أجل الالتحاق بالمعهد العالي لمهن العرض والسمعي البصري في برج الكيفان بالعاصمة، كان قد سجل في مجال التمثيل، غير أنه بقي رفقة آخرين يوم الامتحان في ساحة المعهد لفترة من الزمن في انتظار دوره، فتوجه يومها مباشرة إلى الأستاذة غازولي للاستفسار عن الفروع الأخرى التي يمكنه التقدم لها، فأخبرته عن فرع “السينوغرافيا”، وأنه “يجب أن يكون لك معرفة بالديكور والرسم وغيره”، “وأنا كنت أمارس هذه الهوايات، مثل النحت والرسم، فاستهواني الأمر، وبالفعل أتذكر أني اتجهت إلى القسم.. لأتمدرس بعدها لمدة 5 سنوات كاملة بالمعهد، رأيت خلالها الجانب الآخر من السينوغرافيا، كالإنارة، والسينوغرافيا الصوتية.. وتعرفنا على هذا التخصص من خلال الدراسة، وكذا ما كنا نراه في ركح المسرح الوطني والموقار 
والأطلس، وكذا المعهد عن طريق الفيديو الذي يعود فيه الفضل إلى الأستاذ مجيد ناصري”.

“كانوا ينعتوننا بـ”الزواقين”، وأحد القامات الفنية لا يفرق بين السيناريست والسينوغرافي

أثناء فترة الدراسة وبعد التخرج، “عانينا الأمرّين من أجل محاولة إيصال مفهوم السينوغرافيا الحقيقي ودورها، سواء لمن هم في المجال أو غيرهم”، وتابع محدثنا أنه يذكر عندما كان عمال المسرح الوطني يسمونهم “الزواقين” أو “الديكوراتوري”، نسبة إلى الديكور، “كنا نتجادل ونتعارك معهم من أجل هذه النعوت، وتعبنا معهم من أجل إعطائها قيمتها، ولكي نوصل لهم المصطلح الصحيح من أجل التعامل اليومي للفنانين”.

ويضيف أن أحد القامات الفنية في الجزائر والتلفزيون الجزائري بصفة خاصة، “عندما قام أحدهم بتقديمي له قال لي: آه جيد ستساعدنا في كتابة السناريو”. وهنا نعرف أنهم لا علاقة لهم بهذا المجال وبالمفاهيم العصرية، ونحن السينوغرافيين من عرفنا بها للجمهور العريض والخاص على حد سواء.

“أول من عملت معه وأنا لا أزال طالبا بالمعهد كان المخرج المبدع عمر فطموش في حوالي 4 أعمال. ثم “مونودام”، “البسمة المجروحة” لمسرح سيدي بلعباس، ونلنا العديد من الجوائز الوطنية والعربية على هذه الأعمال المسرحية، كما أني اشتغلت مباشرة بعدها وأنا لا أزال طالبا دائما مع قامة من قامات وهرم من أهرامات المسرح الجزائري، وهو المرحوم عز الدين مجوبي في مسرحية عالم البعوش بمسرح باتنة، واشتغلت معه الند للند وأنا لا أزال طالبا، وأثبتنا وجودنا وثبتنا السينوغرافيا في الجزائر. وعند تخرجي من المعهد اشتغلت بالمسرح الوطني مع المخرج المرحوم العربي زكال بمسرحية شمس النهار، من تأليف الكاتب المصري المعروف توفيق الحكيم”.

ولم يخف السينوغرافي المخضرم زعبوبي، خلال سرد حكايته، “الحروب” التي خاضها رفقة السينوغرافيين الآخرين، سواء من جيله أو ممن سبقوه، خاصة من أجل فرضها كفن قائم بذاته له أسسه وضوابطه، سعيا منه لإيصال هذا النوع من الفنون إلى ما هو عليه اليوم، قائلا “العشرية السوداء لم تبعدني عن المجال بالرغم من قلة الإنتاج المسرحي أو توقفه تقريبا، وكذا اشتغالي كمستشار ثقافي بمديرية الثقافة لولاية سطيف مسقط رأسي في منتصف التسعينات، إلا أني قمت بالعمل في ما يقارب 7 ملاحم من كتابة وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، وهو ما دفع بي لعدم الابتعاد عن السينوغرافيا، وبقيت في ممارسة النشاط الفني ولو بصورة ليست كالسابق، بالرغم من الأوضاع الصعبة التي شهدتها البلاد في تلك الفترة، وأننا كنا نعاني من قلة الإنتاج”.

من التطبيق إلى الأستذة بالمعهد.. حكاية تحدي

“بدايتي مع التعليم بالمعهد كانت عام 2000، عندما كنا أنا والمخرج المبدع أحمد بن عيسى نستعد للعرض الشرفي لمسرحية الثمن بالمسرح الجهوي لباتنة، وجهت دعوة للدكتور المرحوم صالح لمباركية بصفته أول مدير لمعهد الفنون لبرج الكيفان، وكان برفقته كل من الأساتذة نوال إبراهيم والعقون مالك ومنصوري، ولدى مشاهدة العرض كان لديهم في ذلك الوقت مشكلة في التأطير، وكانوا يجلبون أساتذة معهد الرسم، في محاولة منهم لامتصاص غضب الطلبة الذين يحتجون في كل مرة ويرفضون الدراسة، لعدم وجود أساتذة في الميدان، وطلب مني وقتها المدير المرحوم أن أدرِّس بالمعهد فقبلت التحدي. وبالفعل نهاية 2000 باشرت عملي ودرَّست السنة الرابعة حينها، وعند مشاهدة أعمال الطلبة رأيت أنهم دون المستوى، وطلبت منهم أن يتحملوا عبء العمل فقبلوا، فكنت أُدخلهم الورشة يزاولون دراستهم بين النظري والتطبيقي بشكل متواصل وإلى غاية ساعات الصباح الأولى، مع منحهم بعض الوقت للراحة، وقد درسوا لمدة سنتين، وعلى الرغم من صرامتي فقد كان هناك تفاهم بيننا نظرا لقرب السن، وقد برز جيل جديد من السينوغرافيين الذين من شأنهم حمل المشعل، على غرار حمزة جاب الله ومراد بوشير وآخرين”.

على المخرج الخضوع للفضاءات والأجواء..

بنبرة صوت تصاعد توترها قال محدثنا إن على المخرج الخضوع للفضاءات والأجواء، وقال إنها ليست من عمل المخرج، “لك نظرتك ولي نظرتي، وأنا أهيئ لك الأجواء، وأنت اقتبس العرض على حسب الأجواء، وهي عملية جد بسيطة لكنهم لم يتقبلوها بعد، ولا تزال لهم العقلية المغلقة بأنه السيد الأول والأخير للعرض”.

فالمخرج هو الذي يتعامل مع الفضاء المقترح من طرف السينوغرافي وليس العكس، بمعنى أنه يخضع لأفكار السينوغرافي في العملية الإخراجية، وهي عناصر يحدّدها الفضاء، وهو من اختصاص “السينوغرافي” وليس “المخرج”، مضيفا “هذه الفلسفة أدت بي إلى بعض الصراعات مع عدد من المخرجين، وحتى أصدقائي منهم، أحسوا بأني أنافسهم على مكانة ما، الحمد لله لي مكانتي تحت الشمس ولا أتحدث عن نفسي، أنا أتحدث عن السينوغراف والمخرج”، واسترسل “عندما زار المشارقة الجزائر قالوا إن السينوغرافيا في الجزائر متقدمة بحوالي 50 سنة عن نظيرتها في المشرق العربي، وهذا فخر لنا، الدولة عندما استثمرت فينا لم تخسر”.

وفي ختام كلامه قال إنه يتمنى أن يعيدوا فرع السينوغرافيا للمعهد، “ولا يجب أن يوقفونا أو يعيدونا للخلف فقد قمنا بخطوة كبيرة في هذا المجال”.
 -------------------------------------------
المصدر : نوال مسلاتي - الخبر 

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

"السينوغرافيا" بين الشكلانية والرؤية المسرحية المتكاملة

مجلة الفنون المسرحية

"السينوغرافيا" بين الشكلانية والرؤية المسرحية المتكاملة

طرحت الحداثة وما بعدها أسئلة كثيرة على المسرح، وتحديداً سؤال تحدي الذات، والقدرة على الخروج من الإطار التقليدي الذي يعتمد على الحكاية أو الأداء إلى فضاء آخر تحتل فيه السينوغرافيا دور البطولة في بعض الأحيان على حساب المفردات الأخرى في العرض المسرحي 
وقد أثر التطور التكنولوجي في إخراج الأعمال المسرحية، وبات الاعتماد على المؤثرات أمراً لا غنى عنه في العرض، بل يمكن القول إن الكثير من المخرجين باتوا ينطلقون من الرؤية السينوغرافية تجاه النص، بمعنى أن فضاء الشكل قد أصبح لديهم هو الأساس الذي تبنى عليه مختلف العلاقات بين مفردات العرض .
مما لا شك فيه أن مهرجانات المسرح صارت حلبة سباق وتنافس بين المخرجين لتقديم عروض أكثر إبهاراً من حيث الشكل، وإبداع سينوغرافيا قادرة على جذب المتلقي، وتقديم الرؤية الإخراجية من خلال العناصر السينوغرافية، حتى إن بعض الأعمال ذهبت إلى أبعد من ذلك، وقلصت دور الحوار، والأداء الجسدي، وجعلت العلاقة بين العرض والمتلقي تقوم على ما يمكن أن تجود به السينوغرافيا من دلالات .
وإذا كانت السينوغرافيا في معناها الحرفي تعني البيئة المكانية للعرض، ووصف هذا المكان، وما يوجد فوق الخشبة من ديكور وأزياء وموسيقا، إلا أن هذا المفهوم أخذ بالتوسع مع الميل إلى إيجاد تأويلات تقوم على الشكل، أو لنقل إنها تنطلق منه، وهو أمر لا يمكن الحكم عليه بالسلب والإيجاب مسبقاً، وإنما يتأتى الحكم من داخل بنية كل عرض بشكل منفصل، فالأمر في المسرح كما هو حال الفنون البصرية يعتمد على قوة التأثير، وليس على ما تضمنته المشهدية من مكونات، أو ما استخدم فيها من أدوات .
وعن أهمية السينوغرافيا وكيفية تصنيف أهميتها بالنسبة لبقية العرض يرى المسرحي حميد سمبيج أن السينوغرافيا باتت في بعض العروض هي كل العرض، وأن قدرة العرض على جذب المتلقي لا يمكن أن تحدث من دون وجود سينوغرافيا فيها إبهار للمتلقي، ويقول سمبيج: “علينا أن نعترف أن العروض باتت تنحو أكثر فأكثر نحو إعطاء دور البطولة للسينوغرافيا، وهذا لا يلغي العناصر الأخرى في العمل المسرحي، لكنه يقرر حقيقة واقعة في المسرح الذي نشاهده منذ سنوات، خاصة أن عين المتلقي راحت تتعود شيئاً فشياً على وجود عناصر ومؤثرات جاذبة، وهو ما قدّمته التكنولوجيا للعمل المسرحي، لكن المسألة في نهاية الأمر تتوقف على المخرج المبدع الذي يستطيع أن يوظف السينوغرافيا لتأكيد فكرة العرض، وتثبيت إشاراتها ودلالاتها في ذهن المتلقي، وشده إلى متابعة العرض وتذوق جمالياته” .
ويعتقد سمبيج أن أهمية السينوغرافيا في بعض العروض تتجاوز أهمية الممثل نفسه، وهو لا يعني انتقاصاً من أهمية الممثل، وإنما إشارة إلى الدور المتنامي لها في العروض المسرحية، ويقول سمبيج: “علينا ألا ننسى أيضاً أن المسرح بوصفه فناً مشهدياً قد استفاد كثيراً مما قدمته السينما بصرياً، كما أن المسرح فن حي عليه أن ينافس في المجال البصري أيضاً، وهو ما يمكن أن تحققه السينوغرافيا في هذه المنافسة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الفن المسرحي” .
الدكتور محمد يوسف الذي خاض تجربة طويلة في فني المسرح والتشكيل يرى أن العرض المسرحي يقوم على الترابط بين كل مكونات العرض، وأن كل عنصر في العرض له أهميته الخاصة، واستخدام السينوغرافيا بطريقة شكلانية من شأنه أن يؤذي العرض نفسه، و”هو ما نجده في بعض العروض التي لا يمتلك فيها المخرج رؤية متكاملة، ويتم التعويض عن ذلك باستخدام سينوغرافيا فيها الكثير من الإبهار، لكنها تمتلك القليل من الدلالات” .
ويتابع د . يوسف: “لقد أثرت الحداثة على الفنون برمتها، ومنها المسرح، ومن تأثيرات الحداثة دخول التكنولوجيا في العرض المسرحي، وهو ما يتجلى من خلال السينوغرافيا بشكل رئيس، لكن علينا الاعتراف بأننا نرى استحضار التكنولوجيا أحياناً بطريقة خاطئة، وبناء سينوغرافيا لا تنسجم مع بيئة العرض، وما يزيد الطين بلة أن بعض المخرجين تفلت من بين أيديهم الأمور في الربط بين السينوغرافيا والأداء، وهو ما يؤثر في مجمل العرض، كما بتنا نشاهد قوالب متشابهة في بعض العروض على مستوى السينوغرافيا، وهو ما ينم عن نقص في البحث من قبل المخرج، وعدم قدرة على وضع كل عناصر العرض في بوتقة واحدة، وهذا الأمر لا ينفي أن بعض المخرجين استفادوا بشكل كبير من السينوغرافيا، وأحيانأً ينطلقون في بناء العرض انطلاقاً منها، لكنهم يمتلكون الرؤية والقدرة على بناء عرض متكامل، وتوظيف عناصر العرض بالطريقة التي تخدم المناحي الفكرية والفنية والجمالية للعرض نفسه .

--------------------------------------------
المصدر : حسام ميرو - الخليج

الاثنين، 15 نوفمبر 2010

السينوغرافيا...وأشكالات التعريف والمعنى

مجلة الفنون المسرحية

السينوغرافيا...وأشكالات التعريف والمعنى 


د.فاضل خليل 

اختلف المهتمون في المسرح، حول معنى (السينوغرافيا) وحول تعريفها، فمنهم من اعتقد بأن المعنى فيها يقف عند حدود المنظر (الديكور)، والآخر في الضوء (الإنارة)، وغيرهم اعتبروها الزخرفة وغيرهم في المستلزمات البقية للتكوين الفني للصورة المسرحية وهكذا. ومثلما اختلف المعنى المحدد لها، تعددت التعاريف الكثيرة التي سترد في سياق البحث تباعا. لكني وجدت بعد المرور على أكثر من تعريف، بأن التعريف الأمثل لها هو أن ٍٍ" السينوغرافيا هي فن تنسيق الفضاء ، والتحكم في شكله بغرض تحقيق أهداف العرض المسرحي [.....] الذي يشكل إطاره الذي تجري فيه الأحداث "(1). وهو تعريف واف وشامل ولا يترك الفرصة لأن تنفرد واحدة من مكونات العرض بالمعنى وإنما كل ما يحقق الصورة المسرحية بكاملها أمام المتفرج، وبعكسه ستصبح السينوغرافيا ناقصة بغياب واحدة من مكوناتها. وعليه فأن السينوغرافيا هي "الفن الذي يرسم التصورات من اجل إضفاء معنى على الفضاء"(2) وإضفاء المعنى في وصول الفكرة لن يترك مكونا من المكونات التي تحقق تشكيل الفضاء وتنسيقه إلا استخدمتها. إذن هي العملية الأهم في عمل المخرج على إعداد العرض المسرحي من اجل الوصول إلى التكامل الفني في العرض المسرحي.وبدأ من تحديد المخرج لـنوع المسرح  joiner، الذي يؤهل بالشروع في وضع الخطة الأرضية plan ، وما يتبعها من مناظر وضوء وألوان وحركة وإكسسوارات، وكل ما من شأنه توضيح المعالم النهائية المعبرة عن صورة الشكل والتجسيد في الفضاء المسرحي [ ساحة الأحداث ] المفترضة لحياة المسرحية، أو المكان الذي يتم اختياره في استخداماتها في الفضاءآت المتنوعة: [ المدينة ، الملاعب ، الساحات العامة ، العمارات ، السطوح ، المزارع ، السواحل البحرية أو النهرية أو البحيرات ، الشارع ، المقهى ، المعمل ، السجن ... وغيرها من الأماكن المهيأ للفعاليات وأنواعها ]. ولو أن البعض يرى بأن [السينوغرافيا] فن لا يتجاوز فهمه عن حدود الديكور[المنظر]، منطلقين. مبررين ذلك من أن المصطلح الوارد في الدوريات المسرحية الصادرة باللغة الانجليزية، والمستخدمة غالبا في معاهد المسرح في أمريكا وانكلترا. وان الاستخدام الأقرب للسينوغرافيا يكمن في المصطلح [ scene design ] و[ seenichut ] و[ setting ] و[ scenic setting ] وكلها تصب في [فن المنظر](3). إن هذا الرأي وكل ما دار في فلكه من الآراء، لا يمت بصله لمفهوم السينوغرافيا مدار البحث إذا ما عدنا إلى التعريف السابق [ فن تنسيق الفضاء ]. لسبب هام هو أن {فن المنظر} لا يبتعد عن تصميم وتنفيذ وتركيب المنظر [الديكور]، بعيدا عن خدمته بما يجعل منه مضمونا وشكلا واضحين ومتحركا باللون والممثل وبقية مستلزمات من موسيقى ومؤثرات وغيرها . والذي اثار انتباهي في هذه الآراء هو انه اتكأ على آراء تؤيد سيادة استخدام المصطلح الحرفي في تسيد [ فن المنظر] ، وليس المعنى الآخر الذي يعني كما أسلفنا [ فن تنسيق الفضاء ] وفي الفضاءآت على اختلافها. لكن وعلى الرغم من الاقتراب الكبير بين المعنيين القديم لـ [ السينوغرافيا ]، والمعنى الحالي، وكلاهما يبقى بعيدا عن مفهوم [ الزخرفة] بالمعنى الذي نعرفه، إلا أنها قريبة من معنى [ الديكور] أو انه يشكل جزأ من تكوينها. على أن نعرف من أن العديد من مصممي الديكور يؤكدون من أن السينوغرافيا ، والديكور ، فنان مستقلان عن بعضهما ، وكل واحد منهما فن قائم بذاته، كما أنهما لا يلغي احدهما الآخر ، والذي يمارسهما يلمس الفرق بوضوح ويتأكد من الاختلاف بينهما.  
     [ السينوغرافيا stenographic ] باعتبارها مصطلحا – في البدء كان يونانيا - و" معناه كل مايتعلق بالرسوم المتواجدة على خشبة المسرح "(4). ورغم الاعتقاد السائد بقوة في أن المصطلح اليوناني هذا لم يكن يقتصر على المناظر وحسب، وإنما تعداه إلى حركتها – المناظر - مع بقية العناصر المكونة لشكل العرض المسرحي كاملا، بدءا" من [ المضمون، وما يتبعه من حركة الممثل، ومستلزمات التنسيق لصورة الفضاء المسرحي. والذي ينطبق على سينوغرافيا المسرح ينطبق على غيره من سينوغرافيا الفضاءآت الأخرى، مارة الذكر. صحيح أنها جميعا ولدت من رحم [فن الزخرفة]، وإنها اشتقت من الكلمة اليونانية skenegraphein والتي تعني: تجميل واجهة المسرح skein بألواح مرسومة، عندما كان المسرح [ خيمة ] أو [ كوخا من الخشب ]، ثم [ مبنى ](5). و- أنا – اتفق تماما مع هذا المعنى لسبب غاية في الوضوح، وهو أن التقنيات الحديثة - المستخدمة الآن - لم تكن معروفة بعد في الفترة الرومانية وما تبعها من حقب، وإنما تدرجت في التطور لتصل إلى ما تعارفنا عليه اليوم بـ [ فن الديكور ]. ومن خلاله ما حصل من تطورات لتصل إلى فنون [ السينوغرافيا ] بمفهومها الحالي والذي نعرفه: [ فن تنسيق الفضاء ]، - حسب معماريو عصر النهضة أيضا – أو كما أطلقوا عليه [فن المنظورات](6). وقد برزت موجة في فرنسا، نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، نزعة أخرى ثار أصحابها على كل المعاني القديمة فأطلقوا على حركتهم تسمية [ انفتاح السينوغرافيا ] ، وتعني " تطبيق ما يتصل بخشبة المسرح في مجالات أخرى غير العرض المسرحي. فبشروا بـ[ سينوغرافيا المعارض ] و [ سينوغرافيا الأحداث الهامة ] و[ سينوغرافيا المناسبات والاحتفالات ]"(7). والتي تهدف إلى "عمارة الفضاء. وخلق إطار معين وتحديد فراغ ما، وإضفاء طابع معين على مكان ما، من اجل شخوص معينة وحكاية ما، وصياغة وجهة نظر أو أكثر"(Cool. إن استخدام كل الوسائل والمستلزمات الواجب تحضيرها بما يحقق الصورة المثلى لتنسيق الفضاء في شكله ومضمونه قبل التحضيرات التركيبية لها، كي يعرف العاملون – من مصممين ومنفذين وفريق عمل - كيف يتصرف كل منهم في الحيز المخصص لواجبه وإبداعه ضمن مكانه المخصص له في السينوغرافيا ضمن مكانها المقرر المسرح أو أي مكان آخر كان. على أن نعرف بأن أهم المتحركين في كامل الفضاء المنوي تجسيده هو [ الإنسان ] في الفضاءآت خارج المسرح، أما الإنسان المقرر في فضاء المسرح فهو [الممثل] الممتلك لأدواته والعارف بنوع العلاقة التي تجمعه مع كل واحدة من تلك المستلزمات ومنها العلاقة مع الممثلين، وما يحيط به من الكتل الديكورية ومصادر الضوء وما يرافقها من ألوان تحدد نوع تصرفه في فعله وحركته ، وبضمنها المتفرج الذي يتلقى الخطاب المسرحي يدخل ضمن سينوغرافيا المسرح . بل وكل ما " يشير إلى تنسيق كافة العناصر الداخلة في الإنتاج المسرحي ضمن فراغ محدد هو المسرح "(9) وقاعة العرض وخارجها ، فهي جميعا تدخل ضمن الجو العام الذي يتحكم بالمزاج العام لكل ما يدور في فلك الفنون الدرامية. فلا يقتصر فعل السينوغرافيا على ما فوق خشبة المسرح وحسب ، وإنما يتعداه إلى ما هو خارجها أيضا ، بل وفي الفضاءآت المتعددة ومهما كان حجم فضاءها سواء كان ذلك الفضاء ضيقا حينا أو متسعا في أحايين  أخرى . حيث ينشط في استثمارها [ السينوغراف ]: الرجل الخبير بالرسم والتصوير والنحت والعمارة والمنظور، الذي يبتكر ويصمم وينفذ ما يتاح له من أشكال معمارية فنية وكل أنواع الديكور اللازمة للمسرح"(10) وغيره من الفضاءآت التي مر ذكرها . فهو – السينوغراف – أو – المخرج - الذي يمارس عمله على إيجاد الخطاب المناسب – وفق رؤيته – كي يبثه إلى المتلقي ، من خلال تلك الفضاءآت، ومن خلاله يلعب دوره الذي يريد . وبالتالي السينوغرافيا : كأي فضاء حي دائم التبدل والتنوع ، تماما كما الحياة الواقعية الدائمة الحيوية المتغيرة في تحولاتها المتعددة والمنطقية للأشياء ، بل وحتى اللامنطقية منها أحيانا. والمسرح الذي يخضع للتغير وفق التطورات الحتمية في الحياة ، وفي حركة الممثل المتنقل دوما بين الأجزاء والمحرك الديناميكي لفضاءآت العرض. وهذا لا يمكن له أن يحصل إلا في لحظات ثبات الرؤية الفنية في وحدة فنية وأسلوبية للصورة المكتملة وما يليها من الصور في سياقات التطورات الديناميكية الدراماتيكية للحياة والمسرح ، تماما مثل حركة [المتواليات المنطقية] والمحكومة بقوانين التطور الاجتماعية. وهنا حيث تتدخل ضمن عمليات التكوين ، في الهدم والبناء ، قوانين : [ الكتلة ، والحركة ، والزمن ] مع الاستخدام الأمثل : [ للضوء ، والظلام ، والمؤثرات الصوتية والصامتة ، وما يلحق بها من الملابس على اختلافها ، وما يتخللها من الالون ]، في الفسحة التي تمنحها مكونات فراغ الفضاء من : [ الارتفاع والعمق والعرض ] . وهي المستلزمات التي تساعد الإنسان - الممثل في المسرح ] إلى امتلاك الأجواء في إتقان فعله المسرحي، في تأثيراته العاطفية والنفسية والجمالية، والتي تحقق الإيقاع – نبض الحياة الطبيعية أو المصنوعة، التي توصل الخطاب المطلوب في أحسن صوره. إن في فهم تلك العناصر المكونة للعرض – مجتمعة - كفيلة بخلق صورة السينوغرافيا التي نريد في الحياة أو على خشبة المسرح . وعليه فان الحركة في المسرح وتحريك كامل أجزاء الفضاء ، هي : [ صورة التشكيل الحركي ] أو ما نطلق عليه اصطلاحا [ الميزانسين في حالة الفعل ] . 
    والسينوغرافيا فن مركب – كما أسلفنا - ويمتلك التعددية في المعنى أيضا . فهو الجامع لكل الفنون وهو احد تعريفات المسرح الذي نطلق عليه مصطلحا [ أب الفنون ]. أو هو  نتيجة حتمية لجمع شمل كل الفنون في تركيبة واحدة نطلق عليها [ العرض المسرحي ] ، في وحدة أسلوبية وفنية بقيادة [ السينوغراف ] أو [ المخرج ] – الرجل الأهم في المسرح – فهو المفكر ، والقائد ، والمنظم لكامل العميلية في تنسيق الفضاء ، والذي لن يستغني عن جهود المحرك لكل أجزاء السينوغرافيا ، ومكوناتها [ ألممثل ] ، في وحدة متجانسة ، وكل لا يتجزأ . والذي ينطبق على سينوغرافيا المسرح وتنسيق فضاءه ، ينطبق كذلك على الفضاءآت الأخرى – مارة الذكر - المراد تحريكها في السينوغرافيا. وعليه فإن أي تداخل بين عمل [السينوغراف] - إذا ما أفردنا له عملا في العرض المسرحي – يتعارض تماما مع عمل [ المخرج ] في المسرح وربما في مجالات العمل المرئية كافة – لن نخوض في نقاشها لأنها خارج موضوع بحثنا- . وبالتالي فان من يقترح وضع السينوغرافيا المسرحية هو [المخرج] حتما وليس الـ[ سينوغراف ] ، وذلك بعد دراسة علمية مستفيضة لكامل احتياجات شكل المضمون المراد تجسيده . والتي تعني في الإخراج: [علم المرئيات والمسموعات] للخطاب المبني على دراسة وافية التي تلبي حاجات المتلقي الاجتماعية وما يتبعها من إجابات لتساؤلاته وفي البحث عما يخلصه من مخاوفه في الحياة المحفوفة بالكثير من المخاطر.  ولكي لا ينشأ الخلط بين عمل الاثنين [المخرج والسينوغراف ] لابد لنا من الاستغناء عن واحدة منها وبالتأكيد هي  وظيفة – السينوغراف – للتخلص من التداخل في عمل الاثنين معا في المسرح . على أن نتفق على أن في التفريق بينهما ، لا يعني الاستغناء الكامل عن دور[ السينوغراف] في بقية الفضاءآت التي مر ذكرها حيث ستحقق هناك نجاحها الأكيد غالبا ، لكنها لن تستغني في النهاية عن مكملات المشاهدة بالاستعانة ببقية الفنانين – كما في المسرح - بإضفاء اللون والضوء وحركة الناس – من غير الممثلين - في الفضاءآت الأخرى البعيدة عن المسرح.معزولة عن وظيفة المخرج في المسرح، إذا ماتم الاتفاق عليها وممارستها – كدور معزول – له خصوصيته في صناعة العرض، ستعزز النقاش. 
     تتنوع السينوغرافيا في المسرح بتنوع الفضاء المسرحي الذي تقدم فيه العروض المسرحية من شكل الفضاء ونوعه ، فهناك الفضاءات المستوية والعلبة والمسارح المقوسة والدائرية ، وكذلك سعة الفضاء وضيقه ، كأن يكون ساحة عامة أو معمل أو مقهى .. وغيرها . كما في تجارب بروك واستخداماته لفضاءات بعيدة كل البعد عن مسرح العلبة الايطالية ولنا في تقديمه لأحد عروضه على ساحل البحر مثلا في مشاركته ألمعروفه في مهرجان شيراز في إيران . أو في تجربة ماكس راينهاردت ، حين قدم مسرحية ( حلم منتصف ليلة صيف - شكسبير ) التي قدمها على مسرح دوار. والبطل في اختيار الفضاء هو المخرج حين يقترح المكان الذي يعتقده مناسبا للمضمون الذي يشتغل عليه ، ويقوم بتدريباته فيه. وهي في كل الأحوال ليست من اختيارات الفنان التشكيلي أو المعماري أو [ السينوغراف ]. ولا نستبعد استعانة المخرج بهم لأغراض تحقيق الانسجام harmony في المنظور التشكيلي، وليس ابعد من ذلك. على أن نعرف بان السينوغرافيا لا تقدم أكثر مما يشاهده المتفرج من تلقاء نفسه حين تستهوية لحظة إبداع تتفق مع استقباله والتي تثير دهشته، للجزء المرئي من كامل السينوغرافيا وليس كلها – أحيانا – كما في الكاميرا التي تلتقط الجزء الهام من وجهة نظر الفوتوغرافي -. إذن [المثير] هو الذي يلعب الدور الهام في المشاهدة، سواء في الفضاء الواسع أو الضيق على حد سواء، وقد لا يثيره شيئا من ذلك الفضاء ، وهو ما نطلق عليه بـ [ موت السينوغرافيا ] أو فشلها. والسينوغرافيا المبدعة التي تحقق الدهشة، تأخذ بنظر الاعتبار ماتم عمله من قبل خوفا من السقوط في التكرار أو التقليد . والسينوغرافيا واحدة من ثلاث وسائل للرسم في البناء المعماري – مسرحي وغيره – وهي:
1) التخطيط الأفقي.
2) التخطيط العمودي.
3) السينوغرافيا، في بقية مكوناتها.
وهي هنا " تصوير لوجه من وجوه المبنى، والواجهات المتحركة التي تسمح بالحصول على تصور كامل عن مظهر المبنى النهائي عن طريق الحيل البصرية "(11). والحيل البصرية هنا هي ما يضفي على الواجهة من ضوء ولون ، وعليه فهي تأكيد كبير على إن السينوغرافيا هي ليست [ المنظر ] وحسب. والاختلاف في وجهات النظر حول مفهومها إنما تؤكده الممارسة لوحدها ، وهي الكفيلة التي تحسم الخلاف وفقا لتجربة كل فنان . فما جدوى من تأسيس الشكل المنظري المتكامل في ظلمة دامسة ، خالية من حياة الممثل التي تحركها؟ ومن بقية المستلزمان التي تحقق فيها المشاهدة الفنية ذات المتعة الحسية العالية. 
     وفي المحصلة نستنج بأن [ السينوغرافيا ] بالنسبة إلى المعماري: هي تصور المظهر التشكيلي الخاص بالحيز الذي يقام عليه العرض ساحة أم ملعبا أم واجهة لبناية ..وغيرها . تماما مثل [ خشبة المسرح حين يعمل على تنسيق فضاءها فنيا [ المخرج]. فـ [ السينوغراف ]: هو مقنن المهمات والمواد التقنية التي يحويها المكان. و [ السينوغرافيا ]: يجب أن تستوعب مكانا فيه: حكاية، وشخوصا، وصياغة. أو باختصار شديد هي: [ إضفاء معنى للفضاء الذي نختاره للعمل ]. وهي منذ المخرج الأول في المسرح الحديث [ ساكس ما يننغتن ] في[ ألمانيا - برلين في 1 مايو 1874 ] الذي دعى إلى" إخضاع المناظر والإضاءة والملابس والماكياج والملحقات الأخرى إلى جانب التمثيل والتخطيط الكامل ، وكلها تجتمع في إطار التأثير العام "(11). 

المصادر 
1. مارسيل فريد نون : فن السينوغرافيا ومجالات الخبرة ، كراس [ السينوغرافيا اليوم ]، ترجمة: إبراهيم حمادة وآخرون، وزارة الثقافة، منشورات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي 1993 القاهرة ، ج.م.ع. ص8.
2. نفس المصدر السابق، ص8.
3. سامي عبد الحميد: السينوغرافيا وفن المسرح، بحث قدم إلى مهرجان أيام عمان المسرحية، الدورة الثالثة من 27/3/1996 لغاية 8/4/1996.
4. زينو بيوس: السينوغرافيا، ملحق الثقافة الأجنبية، إصدارات وزارة الثقافة والإعلام، دائرة الشؤون الثقافية للطباعة والنشر، بغداد 1980، ص128.
5. مارسيل فريد فون: ص13 .
6. الياس أنطوان الياس: {القاموس العصري} المطبعة العصرية، ط1، ج.ع.م، 1956.
7. مارسيل فريد فون: ص8 .
8. مارسيل فريد فون: ص8 .
9. لوي دي جانيتي : كتاب ( فهم السينما ) ترجمة : جعفر علي ، دار الرشيد للنشر ، بغداد 1981 ، ص75 .
10. مارسيل فريد فون: ص8. 
11. مارسيل فريد فون: ص13.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption