أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات السينوغرافيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السينوغرافيا. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

من الرماد إلى السماء : سحر المنصة العائمة فى بريجنز Bregenz (الجزء الأول )

مجلة الفنون المسرحية 


من الرماد إلى السماء : سحر المنصة العائمة فى بريجنز Bregenz  (الجزء الأول  )

د.راندا طه

   تحت أمواج بحيرة كونستانس Lake Constance  الهادئة، تتراقص أسرار الجبال الألبية مع همسات الرياح، يقوم مهرجان بريجنز العائم للفنون المسرحية كفينيق ينهض من رماد الحرب، محولاً سطح الماء إلى لوحة حية تجمع بين هشاشة الخشب وقوة الطبيعة، لتصبح الـمنصة العائمة ليست مجرد منصة بل رمزاً للصمود الإنساني الذي يتحدى العواصف ليروي قصصاً تتجاوز الزمن، مما يجعل كل عرض حدثاً كونياً يجذب العالم إلى حضن النمسا الساحر. 

  في أعقاب رماد الحرب العالمية الثانية، حين كانت أوروبا تلهث لاستعادة نبضها الثقافي، أشرقت في عام 1946 م شرارة عبقرية على ضفاف بحيرة كونستانس، عندما أقيم أول عرض لمهرجان بريجنز للفنون المسرحية ، في ذلك الوقت، لم تكن مدينة بريجنز (وهي عاصمة ولاية فورآرلبرغ Vorarlberg، الولاية الاتحادية الواقعة في أقصى غرب النمسا) تمتلك مسرحاً واحداً، لكنها كانت تتميز بساحلٍ جميل على ضفاف بحيرة كونستانس، وقد قُدِّم العرض الافتتاحي، أوبرا موزارت "باستيان وباستيانه Bastien and Bastienne"، على بارجتين راسيتين – إحداهما كانت بمثابة خشبة المسرح، والأخرى حملت الأوركسترا  ، وهيكل خشبي بسيط لأوبرا "باستيان وباستيان" لموزارت Mozart  ، مما أسس لمنصة كرمز للنهوض الروحي الذي يتحدى العواصف الطبيعية والإنسانية على حد سواء  .

   يمتد التصميم على مساحة تقارب 20 متراً طولاً و10 أمتار عرضاً، مبنياً من خشب الصنوبر المعالج لمقاومة الرطوبة باستخدام حبال ومسامير حديدية بسيطة،  رسخت القوارب بسلاسل حديدية إلى قاع البحيرة بعمق 2 أمتار لمواجهة التيارات، مع إضاءة أساسية تعتمد على مصابيح كيروسين يدوية لإلقاء ظلال درامية تتفاعل مع انعكاسات القمر على الماء، بينما شكّلت البحيرة الخلابة خلفيةً طبيعية للمشهد، مما ولد توتراً بصرياً يجمع بين هشاشة الخشب والقوة الشعرية للطبيعة، وأبرز كيف تحولت الضرورة الهندسية إلى فن يتجاوز حدود المسرح التقليدي ليصبح حدثاً كونياً يعكس صمود الإنسانية. 

  بفضل الموقع الاستثنائي، والعرض المميز، والموسيقى التي قدّمتها أوركسترا فيينا السيمفونية، حقق مهرجان بريجنز نجاحاً فورياً بين عشّاق الأوبرا حول العالم ، ما بدأ كمهرجانٍ يمتد لعشرة أيام ويقدّم أوبرا واحدة، أصبح اليوم احتفالاً فنياً ضخمًا يمتد لشهرين في يوليو وأغسطس، ويضم مئات الفعاليات المختلفة شكل (1)     .
  
   مع اقتراب الخمسينيات، أحدث مصمم المسرح والتر فون هوسلين Walter von Hohenstein ثورة معمارية في عام 1955 م ، عندما أعاد تصميم المنصة لتدمج الخلفية الطبيعية لجبال الألب كعنصر سردي أساسي، محولاً الهيكل المؤقت إلى منصة دائمة مدعومة بـ119 عموداً من الخشب والصلب مدفونة عمقاً يصل إلى 6 أمتار في قاع البحيرة، مما سمح ببناء مناظر تتجاوز 30 متراً في الارتفاع وتحمل وزن 335 طن  .
  بُنيت المساحة الإجمالية للمنصة من خرسانة مسلحة مقاومة للماء مغطاة بطبقة من الخشب المعالج بالبوليسترين للعزل الحراري،  قامت الجرافات بزرع الأعمدة ثم تركيب الإطارات الفولاذية بمسامير هيدروليكية، مع إضاءة تعتمد على 50 مصباحاً مثبتاً على الأعمدة لإنشاء تأثيرات ظلالية تندمج مع غروب الشمس، وأدى هذا التطور، الذي زاد سعة الجمهور إلى نحو 7000 متفرج، إلى جعل الـمنصة العائمة أكبر مسرح عائم في العالم، معتمداً على مواد مرنة مثل الخرسانة المسلحة لمواجهة تقلبات الرياح والفيضانات، وأدى إلى تكامل التصميم مع الدورة الطبيعية للبحيرة، حين يصبح كل عنصر هيكلي جزءاً من الرواية الدرامية، محولاً التحديات البيئية إلى مصادر إلهام تعكس عمق الابتكار النمساوي في دمج الجماليات بالدقة التقنية. 

   بلغ التصميم ذروة التحول في السبعينيات والثمانينيات، مع إضافة أساس صلب وسقف واقٍ من العواصف في عام 1980 م ، عند بناء دار المهرجان في بريجنز Festspielhaus Bregenz ، مما مكن من إنتاج أوبرا "الناى السحريDie Zauberflöte " لموزارت في  1986م،للمخرج  جيروم سافارى Jérôme Savary، والمصمم المنظر مايكل ليبوا Michel Lebois ، أصبحت المنصة مقاومة للشتاء من خلال تقنيات الترسيخ المتقدمة التي تسمح بإعادة البناء كل عامين على مدى 215 يوماً، بما في ذلك تفكيك كامل لإعادة التدوير.
  تكون المنظر في "الناى السحري"  من ثلاثة عناصر نحتية فولاذية عملاقة بارتفاع 27 متراً وطول 15 متراً لكل واحدة وعرض 5 أمتار، مبنية من صفائح فولاذ مقاوم للصدأ مغطاة بطبقة طلاء مقاوم للأشعة فوق البنفسجية، البناء تم باستخدام رافعات عائمة لتركيب الهياكل على الأساس الخرساني ثم ربطها بكابلات هيدروليكية للحركة الديناميكية، مع إضاءة تعتمد على 120 مصباحاً هالوجينياً مثبتاً على الأعمدة لإنشاء ألوان متدرجة تتفاعل مع الضباب الاصطناعي، مما أدى إلى إحساس بالحركة الدائمة يعكس جوهر المسرح كفضاء حيوي، ويبرز كيف تحولت المنصة من هيكل عرضي إلى نظام بيئي متكامل يتحدى الزمن، مما ساهم في جذب 160,000 زائر سنوياً بحلول التسعينيات، محولاً بحيرة كونستانس إلى مسرح عالمي يجمع بين التراث والحداثة.  شكل ( 2)  
 
   أما في العقدين الأخيرين، فقد شهدت المنصة تطوراً هائلاً مع إنتاج "ريجوليتو" في 2019 م، أوبرا ريجوليتو، وهي تراجيديا من ثلاث فصول لجوزيبي فيردي تحكي قصة مهرّج مشوّه يحاول حماية ابنته من دوق فاسق ، يختلف عن كل المنصات السابقة المبهرة، إذ إن كل جزء تقريباً من هذه المنصة يتحرك ، يقول مخرج ومصمم المسرح فيليب شتولتسل Philipp Stölzl: " كان التحدي الحقيقي هو ابتكار شيء لم يُرَ هنا من قبل، مررنا بعملية طويلة؛ ألغينا فكرتنا الأولى وبدأنا من الصفر من جديد، وفي النهاية توصّلنا إلى تصميم يتيح الكثير من الحركة والتحوّل - وهو نهج جديد تماماً على مهرجان بريجنز، إذ كانت معظم العروض السابقة ثابتة إلى حدٍّ كبير، أقرب إلى المنحوتات.  

   صمم فيليب ستولزل رأس مهرج عملاق يبلغ 14 متراً ارتفاعاً و12 متراً عرضاً و8 أمتار عمقاً، مدعوماً بيدين هيدروليكيتين و إحداهما تمسك ببالون ،جميع أجزاء المنظر تتحرك باستثناء اليد الحاملة للبالون، ولتحمّل الوزن الهائل للرأس (قرابة 40 طناً وحده، ويصل إلى 150 طناً مع الآليات التي تحركه)، بُنيت المنصة على 119 عموداً من الخشب والفولاذ مغروسة بعمق نحو 20 قدماً في قاع البحيرة ،اليد اليسرى، التي تعمل بنظام هيدروليكي دوّار، تتحرك مثل اليد البشرية وتفتح حتى ارتفاع نحو 37 قدماً، أما طوق المهرج المحيط بعنقه فيبدو وكأنه يتحرك بفعل الرياح ، تتوزع مكبّرات الصوت داخل المنظر نفسه ، خمسة داخل الرأس واثنان في إصبع السبابة لليد اليمنى. 
   بُنى المنظر من مزيج من الخشب المعالج والفولاذ المقاوم للصدأ مغطى بقماش عالي الدقة للطباعة، بُنى على منصة دوارة قطرها 2.8 أمتار تدور 114 درجة باستخدام محركات هيدروليكية، مع إضاءة RGBW من ILS توفر إضاءة 360 درجة بـ200 مصباح LED لتأثيرات ليلية درامية تتفاعل مع حركة الرأس، ويعتمد على تقنيات خاصة للتصميم الهيكلي الدقيق،تم تصميم جميع مكونات المنصة لتحمّل رياح تتجاوز سرعتها 75 ميلاً في الساعة، ثم تُغطى بطبقات من الجص والطلاء المقاوم للماء لتصمد لعام كامل، مع صيانة دورية منتظمة.
  يستغرق بناء المنصة الواحدة نحو عام كامل بعد سنتين أو ثلاث من التخطيط، وتبلغ تكلفتها نحو 8 ملايين يورو ، مما يعكس كيف أصبحت المنصة منصة للرواية البصرية الضخمة، يندمج الرمز الدرامي مع التقنية ليخلق تجربة حسية تتجاوز الشاشة، محولاً كل عرض إلى حدث يجذب 270,000 زائر في عام  2018 م وحده،. شكل (3-4)  

   في حضرة الجبال الشاهدة والأمواج الراوية، يظل مسرح بريجنز العائم شهادة خالدة على قدرة الإنسان على نسج الخيال مع الواقع، حين تتحول المنصة من هيكل هش إلى قصيدة حية تتردد صداها عبر العصور، مدعوة كل زائر إلى أن يصبح جزءاً من هذا السحر الأبدي الذي يجمع بين السماء والأرض في رقصة لا تنتهي، محولاً كل غروب شمس إلى بداية قصة جديدة في تاريخ الفنون العالمي.
1-
https://www.theartsdesk.com/opera/theartsdesk-bregenz-floating-opera-festival?utm_source

2-
   https://lakeconstanceopera.solari.com/wp-contnt/uploads/2020/02/Lake-Constance-Hang-Brochure-2020.pdf?utm_source
3- 
   https://en.wikipedia.org/wiki/Begenz?utm_source
4-
 https://talktomeaboutaustria.wordpress.com/2013/08/17/what-a-skeleton-and-a-floating-stage-have-in-common/
5-
https://www.ethercat.org/download/documents/SEEBUEHNE_BREGENZ.pdf?utm_source

6-https://www.festspielhausbregenz.com/en/your-visit/festspielbuehne-bregenz/?utm_source

7-
  https://bregenzerfestspiele.com/en/node/865?utm_source
8-ف
   https://www.smithsonianmag.com/travel/theres-massive-jester-floating-austrias-lake-constance-180972309/?utm_source

9-   https://www.smithsonianmag.com/travel/theres-massive-jester-floating-austrias-lake-constance-180972309/?utm_source 


السبت، 25 أكتوبر 2025

مفهوم الحياة والنماء فى العرض الموسيقى Growing Up Live:

مجلة الفنون المسرحية


   مفهوم الحياة والنماء فى العرض الموسيقى Growing Up Live:

راندا طه 

    عرض "Growing Up Live" هو جولة موسيقية قام بها الفنان بيتر جابرييل في عامي 2002 و 2003 م ، وصمم العرض وأخرجه المخرج الكندي الشهير روبرت لوباج Robert lepage، العرض كان جزءًا من جولة لدعم ألبوم غابرييل "Up"، وتميز بتصميمات مسرحية مبتكرة وتجربة بصرية مذهلة. 
   روبرت لوباج هو مخرج ومصمم مسرحي كندي شهير، معروف بتصميماته المبتكرة والجريئة في الحفلات المسرحية، يتميز بقدرته على دمج التكنولوجيا الحديثة مع الفن المسرحي لخلق تجارب بصرية فريدة ومبتكرة، تصميماته دائمًا ما تكون جزءًا لا يتجزأ من العرض وتضيف قيمة فنية وجمالية للأداء. 
    صمم لوباج   كذلك جولة "The Secret World Tour" لبيتر جابرييل واستخدم لوباج منصة متحركة تتضمن جسرًا متحركًا يربط بين منصتين،عكست هذه التصميمات موضوعات الألبوم واضافت عمقًا بصريًا للأداء، كما ابتكر لوباج عرض "KA" لسيرك دو سوليه، والذي اعتبر من أكثر العروض تعقيدًا وإبداعًا في تاريخ السيرك، و تضمن العرض منصة متحركة ثلاثية الأبعاد وتقنيات إضاءة وصوت متقدمة، مما أضاف بعدًا جديدًا لتجربة السيرك التقليدية، استعان لوباج  بالتقنيات حديثة في الإضاءة والفيديو فى عرض "Totem" لسيرك دو سوليه واستخدمها في هذا العرض لخلق مشاهد بصرية مذهلة، وتضمن العرض شاشات ضخمة لعرض مقاطع فيديو ورسوم متحركة تفاعلت مع الأداء الحي.
  أخرج لوباج و صمم أوبرا "The Damnation of Faust" التي تميزت بتصميمات مسرحية مبتكرة واستخدام تقنيات حديثة في الإضاءة والفيديو، اعتبرت هذه الأوبرا تجربة بصرية مذهلة للجمهور، كما غاص لوباج في مسرحية" 887" في تجاويف الذاكرة من خلال تصميمات مسرحية تعكس تجاربه الشخصية،استخدم تقنيات حديثة في الإضاءة والفيديو لخلق مشاهد بصرية مذهلة .
  فكرة العرض   
   أقيم العرض على منصة مسرح حلقى Arena، و قسم العرض إلى مراحل تمثل السماء والأرض، مما عكس موضوعات الألبوم "Up"،  وأضاف التصميم العمودي عمقًا فلسفيًا للعرض، و ركز المخرج والمصمم على مفهوم الحركة الرأسية فى العناصر والمجسمات المنظرية المشكلة للحياة ،  فتصميم لوباج عبارة عن منصتين تعلو إحداهما الأخرى، والمنصة العلوية ترمز للسماء وتسمى "heaven stage" وتتعلق بها جمالونات أشبه بما تحوي السماء من أقمار وكواكب وشموس ومجرات، ومعلق بها شاشة إسقاط بطول 4.5م على هيئة شكل بيضى ، والمنصة السفلى لها مصنوعة من الألومنيوم بقطر 15 م  ولها سطح دوار، وتتكون من جزءين متحدين فى المركز أحدهما داخلى ثابت والآخر خارجى دوار يرمز للأرض. جسدت الحركة الرأسية الهابطة للمنصة الرئيسية والمسماة "heaven"" ، وحركة المنصة الدوارة للفريق الغنائى تغييراً وتفاعلاً بين المنصة والجمهوربعرض "Growing Up Live " ، والذى أقامه المغنى" بيتر جابرييل  Peter Gabriel" ، وطاف بعدد من البلدان كألمانيا وبريطانيا .
    اعتمد المفهوم الحركى للتصميم على مفهوم الحياة والنماء من خلال حركة العناصر المنظرية لعدد من الرموز كالأرض والسماء والبيضة وغيرها من رموز الحياة .
تصميم المنظر المسرحى:
   صمم لوباج المنصة بشكل دائري ويعلوها شكل بيضى معلق ، مما سمح للجمهور بمشاهدة العرض من جميع الزوايا،أضاف التصميم بعدًا ديناميكيًا للعرض وجعل التجربة أكثر تفاعلية.
   تبدأ البيضة أو الشاشة المعلقة أثناء العرض الموسيقى فى المنصة العلوية فى النزول والاقتراب من المنصة السفلى مغمورة بالإضاءات الزرقاء رمز الماء ، والشكل البيضى رمز البداية والحياة والنماء والميلاد، وتنفتح المنصة السفلى أثناء العرض لتظهر كرة ضخمة giant hamster ball متحركة بارتفاع 3م تُدعى " Zorb" ، وهى عبارة عن طبقات من سطح كروى شفاف "قابل للنفخinflatable  " يربط بينها عدد من الحبال ، ويتم الإسقاط على أسطحها وتبدأ فى الحركة فوق المنصة السفلى ، وتحوى فى داخلها "بيتر جابرييل" أثناء أدائه لأغنية ""Growing Up والتى تحرك فيها لليمين واليسار ولأعلى ولأسفل تبعاً لإيقاع الأغنية والتى تتحدث عن النمو والموت السريع، ورمزت حركة الكرة لحركة الجنين فى الرحم للكائنات الحية .
     ابتكر "لوباج" حركة نزول المنصة العلوية من أعلى أثناء العرض ، وقد تعلق "جابرييل" وإبنته بسقفها أثناء الغناء بوضع جسدى معكوس متدلى من على السطح السفلى للمنصة الممثلة للسماء فى خرق شديد لسيطرة الجاذبية الأرضية ، وشكلت الحركة بالوضع المعكوس مفهوم "لوباج" المستوحى من  الأغنية "Downside Up" والتى غناها جابرييل وابنته بالمشى بالوضع المعكوس على المنصة العلوية ، ثم تبدأ تلك المنصة العلوية فى النزول لأسفل فى شكل أقرب لانفصال السماء واقترابها من الأرض وبعدها ينزل عمود من الستار الدائرى من خشبة السماء عبارة عن شاشات ذات مشاهد مسقطة للتكوينات التى تمتد من السماء للأرض، وفى أغنية "Red Rain يرتفع العازفون من أسفل المنصة. 
    يقود "بيتر جابرييل" فى إحدى أغنيات العرض دراجة على منصة المسرح، ويتحرك فى نفس الوقت الذى تتحرك فيه المنصة الدوارة حركة معاكسة لحركة الدراجة ، بشكل أشبه بحركة الإنسان أو ثباته على الأرض التى تتحرك دون أن يشعر، واختار المصمم شكل المنصة الدوارة الأشبه بشكل الأرض الكروية الممتدة وحركتها التى لا تنتهى بحواجز أو أركان، وأثناء عزف أغنية" Mercy Street" تحرك قارب على سطح المنصة الدوارة للسطح الحلقى للمنصة الرئيسية، ورمزت حركة المنصة الدوارة المستمرة لحركة الأرض والبحار والمحيطات المستمرة .
 وأهم عنصر فى العرض هو المنصة الدوارة والتجهيزات الطائرة المسماة heaven stage""*. واستخدم أسفل المنصة الدوارة كمنطقة تخزين أساسية و لدخول وحركة العازفين وهى بعمق 1.8م .
الاضاءة المسرحية :
    قام مصمم الاضاءة " باتريك وودروف Patrick Woodruff "**بتصميم الإضاءة وهى عبارة عن دائرة جمالونية رئيسية بقطر 13م وينزل منها عدد من الجمالونات ، والتى عُلقت  فوقها أجهزة من ماسحات وكشافات سبوت ، كما علقت "أجهزة الإضاءة الوميضية strobe lights " لإعطاء مؤثرات خاصة ، وثُبتت شاشات الإسقاط أعلى المنصة الرئيسية، واستخدمت كشافات للتتبع قريبة من المنصة لتلافى حدوث تأثير سىء على الإسقاط ، وتبعد بشكل يسمح بتغطية العازفين دون الاقتراب من شاشة الإسقاط بيضية الشكل. كما استعمل بالعرض أجهزة سبوت ، وكشافات أشعة Studio PC Beams ، وكشافات فريزنيل  fresnels، كما استخدم فى العرض شاشات الفيديو وشرائح جوبو.
    بدأ العرض بأغنية "Here Comes the Flood " ، وبدأ الغناء فى الظلام مع استخدام كشافات للتتبع والتى تبدأ بالتدريج فى كشف المغنى ، واستخدم مصمم الإضاءة تأثيرات تتكون من اللون الأبيض والألوان لخلق عدد من التأثيرات المختلفة ، بتسليط جهاز"سكوب scoops" على الخشبة مع أجهزة إضاءة وميضية "Atomic 3000 strobes " أعلى الخشبة ، وأجهزة إضاءة وميضية strobe  باللون الأبيض ، واستخدمت أجهزة لإحداث الضباب، وكل ذلك يتم التحكم فيه بنظام خاص. وفى أغنية Solsbury Hill" "استخدم مصمم الإضاءة الألوان القوية فى التصميم من أخضر والأحمر "ماجينتا"magenta للتعبير عن الطاقة والشباب، وسطح المنصة ذو لون رمادى فاتح ليمكنه استقبال الإسقاطات والألوان المختلفة ، وبإضافة الإضاءات ومزجها يتحول لون أرضية المنصة إلى اللون الأبيض، واستخدم فى عدد من الأغانى الإضاءة أحادية اللون monochromatic نتيجة لاستخدام لون كالأخضر مع الأبيض (اللالونى) أوالكهرمان والأبيض(اللالونى)  ، واختار مصمم الإضاءة درجات الإضاءة تبعاً لكل أغنية على حدة.***
المؤثرات البصرية 
  استعان لوباج بتقنيات حديثة في الإضاءة والفيديو لخلق مشاهد بصرية مذهلة، تضمنت العرض شاشات ضخمة لعرض مقاطع فيديو ورسوم متحركة تفاعلت مع الأداء الحي.وشَكَّل الشكل البيضى شاشة للإسقاط ، بالإضافة لصور الفيديو المعروضة أثناء العرض الغنائى، واستخدم مصمم الإضاءة "أربعة كشافات Robert Juliat spots" كأجهزة لإسقاط الصور على البيضة الضخمة وأرضية الخشبة والجمهور و"الستار الدائرى  circular scrim" ، واستخدم نظاماً خاصاً للإسقاط"High End's Catalyst™ system" يسمح بعمل إسقاط على أشكال الشاشات المختلفة وبأوضاع مختلفة، وخلال عزف أغنية "The Barry Williams Show " استخدم "جابرييل" كاميرا الفيديو لتصوير الجمهور والعازفين ثم إعادة اسقاطه على الستار الدائرى المتخذ لشكل العمود والمعلق من الجمالون الرئيسى ، والإسقاط على الشكل البيضى ثلاثى الأبعاد. كما ثُبتت إضاءة ( miniaturized LEDs) **** ذات الطاقة المنخفضة بالجاكيت الذى ارتداه "جابرييل" أثناء العرض   . 
   أظهر عرض "Growing Up Live"  كيف يمكن لتصميم المناظر أن يكون جزءًا لا يتجزأ من تجربة الحفل الموسيقي معبراً عن مفاهيم فلسفيه عميقة كالحياه والنماء ، وأن يضيف قيمة فنية وجمالية للأداء

من لوس أنجلوس إلى الأهرامات: Quantum Genesys وسردية الإنسان الضوئية

مجلة الفنون المسرحية


من لوس أنجلوس إلى الأهرامات: Quantum Genesys وسردية الإنسان الضوئية

randa ismail taha

  منذ أن بدأ الفن الحديث بملاحقة الخيال العلمي، ظلت الحدود بين الإنسان والتكنولوجيا تتماهى، حتى ظهرت أعمال قادرة على اختراق تلك المنطقة الرمادية - تمامًا كما يفعل عرض Quantum Genesys، التجربة التي أطلقها الفنان الإيطالي أنيماAnyma ، الاسم الفني للمنتج البصري والموسيقي ماتّيو ميليّري  Matteo Milleri  أحد مؤسسي الثنائي الشهير Tale of Us. ، هذا العمل لا يُقدّم كمجرد حفلة موسيقية، بل يُستوعب كـ"طقس تكنولوجي"، أو ما يمكن تسميته بـ أوبرا بصرية من عصر ما بعد الإنسان، حين تنصهر الأصوات مع الضوء، ويولد الشكل من عمق اللاشكل. 
  لم تكن هذه التجربة الأولى لأنِيما في تقديم عروض تدمج التكنولوجيا بالفن؛ فقد سبق له أن أعاد تعريف مفهوم الأداء الإلكتروني من خلال إقامته السابقة في Sphere بلاس فيغاس، حيث قدّم عروضًا مرئية تفاعلية دمج فيها فنانين مثل Grimes، وEllie Goulding، وFKA Twigs في عوالم ثلاثية الأبعاد، ضمن قصص بصرية غنية بالمحتوى الدرامي والتقني.
أنيما Anyma : أيقونة فنية متجددة  
   ظهر مشروع Anyma كامتدادٍ بصري وفلسفي لفكرة Afterlife التي أسسها مع شريكه كارميلو كونتي، لكنّه سرعان ما انفصل بفكرته الخاصة في مشروع منفرد يحمل عنوان "Genesys"، الذي أصبح لاحقًا ثلاثية موسيقية فريدة (Genesys، Genesys II، ثم The End of Genesys – 2023–2025 ) ، في قلب هذه الثلاثية، تبرز الأسئلة الجوهرية مثل ما معنى أن نكون بشرًا في عالم تتحكم به الكيانات الرقمية؟ أين تنتهي الذات، وأين تبدأ الآلة؟
العروض البصرى: من قاعة Sphere إلى سفح الأهرامات
  انطلق العرض لأول مرة في لوس أنجلوس عام2023م، ثم قدم نسخة موسعة في قاعة Sphere في لاس فيغاس، في واحدة من أكثر العروض البصرية إثارة على الإطلاق، و الذي لا يُعد مجرد حدث موسيقي بصري عابر، بل هو تجربة متكاملة تجمع بين الفن، العلم، والتكنولوجيا في لوحة سينمائية تأسر الحواس وتغوص في أعماق المستقبل، يحمل اسم العرض دلالة عميقة، إذ يتألف من كلمتين متداخلتين؛ "Quantum" التي ترمز إلى عالم ميكانيكا الكم، حين تتفكك القواعد التقليدية وتفتح أبواب الاحتمالات غير المحدودة، و"Genesys" التي تعني بداية جديدة أو خلقًا جديدًا في سياق تكنولوجي متطور، بهذا، يشير العرض إلى ولادة متجددة في فضاء غير خطي، عندما يمتزج الواقع بالافتراض، ويُسرد المستقبل عبر مشاهد حية تنبض بالحياة والابتكار.
   جذب أنظار الجمهور بفضل تصميم منصته العملاقة التي تبلغ أبعادها 30 مترًا طولًا و25 مترًا عرضًا، مع ارتفاع يتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أمتار، مدعومة بهياكل معدنية عالية تصل إلى 18 مترًا  تحمل أنظمة الإضاءة والمؤثرات التقنية بأناقة ودقة، مستخدمة خامات متطورة من الفولاذ والألمنيوم والزجاج المقوى، مع أقمشة ذكية تعزز من جمالية المشهد، مع مراعاة السلامة التامة لكل المشاركين. 
   ولا يقتصر التميز على الخامات فحسب، بل يتجلى في نظام الإضاءة المتقدم الذي يُعتبر روح العرض النابضة، يعتمد على أنظمة LED متحركة تتفاعل حيًا مع إيقاعات الموسيقى الإلكترونية المعاصرة التي تشكل العمود الفقري لصوت العرض، تتسلل أشعة الليزر ثلاثية الأبعاد عبر الفضاء المحيط بالجمهور، محققة شعورًا غامرًا يتخطى حدود المسرح التقليدي، مكملة بتقنيات الإسقاط الضوئي على الهياكل الزجاجية التي تخلق عوالم بصرية تأسر المشاهد، بينما يغلف الضباب الخفيف المشهد ويضيف جوًا من الغموض والتشويق. 
   يرتكز التصميم الفلسفي على التفاعل الديناميكي بين الإنسان والتكنولوجيا، يُحوّل العرض الجمهور من متلقٍ سلبي إلى شريك حيّ في قصة فنية مستمرة، تعكس التوتر بين الحداثة والتاريخ، وبين الفضاء الفيزيائي والرقمي، تتحول كل وحدة من عناصر الصوت، الضوء، والفضاء إلى لغة سردية تعكس رحلة الإنسان في عوالم الكم والذكاء الاصطناعي، مجسدة مفهوم "الولادة الجديدة" التي يحملها اسم العرض
   تتنوع الخدع التقنية بين أنظمة صوت محيطي متقدمة تقيم الجمهور في قلب التجربة، ومؤثرات بصرية تنسجم بدقة مع المقطوعات الموسيقية، إلى جانب شاشات LED شفافة توحي باستخدام الهولوجرام دون الاعتماد الكامل عليه، ما يخلق وهمًا بصريًا ساحرًا يربط بين الواقع والخيال.
 انتقل العُرض بعد ذلك إلى طوكيوعام 2025م، عندما التقى الحدس البصري الشرقي بفلسفة الكتلة الرقمية،  لكن ذروة هذا المشروع تجلت حين قدم العرض عند سفح أهرامات الجيزة بمصر في أكتوبر 2025، لم يكن المكان اختيارًا عشوائيًا، بل توظيفًا عميقًا للرمز، أن تُقام تجربة تتحدث عن مستقبل الذكاء الصناعي على خلفية أعظم رمز للذكاء البشري القديم - هي معادلة تُلخص المشروع برمّته عن الحوار بين الأزل والاحتمال.  

مسرحان… عالمان: " Quantum Genesys " يتجلّى
للمرة الأولى، قدّم Anyma عرضًا مسائيًا  عند سفح الأهرامات من جزئين على مسرحين منفصلين:
الجزء الأول: مجموعة DJ كوانتوم، يؤدي مقطوعات تأملية وغامرة من مرحلة " Genesys "، تفيض بالمشاعر الإلكترونية العميقة.
الجزء الثاني: نهاية Genesys ، وهو عرض سمعي بصري كامل، يتمحور حول سرد بصري جريء، وإضاءة متزامنة، وتقنيات إنتاج متقدمة.
  يحول هذا الشكل الفريد التجربة من مجرد عرض موسيقي إلى سردٍ حسي شامل، تُضخمه الخلفية المعمارية المهيبة لأهرامات الجيزة، فيتحول العرض إلى لحظة روحية تتجاوز الحواس ،إن الرنين الطبيعي، والضخامة المعمارية، والهيبة التاريخية لهضبة الجيزة، يحولان الصوت والرؤية إلى تجربة شبه روحية. فسماء الصحراء، والهياكل الحجرية القديمة، والصمت المحيط، تخلق جميعها لوحة حسيّة يتردد فيها كل نغمة وكل نبضة ضوء، محمّلة بطاقة شعورية مضاعفة. 
  صُمم المسرح عند الأهرامات بعناية فائقة، بمواد تحترم البيئة الأثرية (أقمشة معتمة نصف شفافة، هياكل قابلة للتفكيك، ألياف ضوئية صديقة للبيئة)، بينما تم ضبط الإضاءة لتتفاعل مع التضاريس الصخرية لتبدو وكأنها تنبض بالحياة، في لحظات بعينها، بدا أن الهرم الأكبر ينزاح بصريًا ليكشف عن "بوابة زمنية" افتراضية - هو مجرّد إسقاط ثلاثي الأبعاد، لكنه حقيقي في الإحساس. 
فلسفة التصميم: الهروب من الزمان نحو الوعي البصري
   في عروض Anyma، لا يوجد "ديكور" تقليدي. كل عنصر - سواء شاشة، جسد رقمي، أو موجة صوتية - هو وحدة فلسفية تؤدي وظيفة سردية، إن التصميم المسرحي هنا يعمل ككود معماري لرؤية فكرية؛ ليس ليبهر، بل ليُحرّض، يظهر في العرض كائن افتراضي متكرر يدعى "Eva"، وهو روبوت أنثوي أشبه بأفاتار للوعي الجمعي، تظهر تارة كقائدة، وتارة كضحية، وتارة كامتداد للمتفرج نفسه.
   حتى الإضاءة تتحول من مجرد وسيلة بصرية إلى لغة تُعبّر عن التوترات بين الداخل والخارج، بين الضوء والظل، بين الحضور والغياب، لا وجود للهولوجرام المباشر، بل نظام إسقاطات ذكية شفافة تولد وهماً مقنعًا بالتجسيد، لكنه يظل غامضًا بما يكفي ليترك سؤالًا معلّقًاعن كون ما نراه حقيقة، أم أننا نتأمل أنفسنا داخل شاشة كبيرة.
الصوت كجسد: موسيقى تكتب سرديتها من الداخل
  تُصنّف موسيقى Anyma ضمن ما يُعرف بـ Melodic Techno، لكنها تتجاوز الحدود التقليدية للنوع، في حفلاته، تتحول الإيقاعات إلى نبض حيّ، والميلودي إلى نصٍ مفتوح يُكمل المشاهد قراءته بصريًا، الإيقاع ليس خلفية للرقص، بل بنية سردية تتصاعد كمقطوعة كلاسيكية، وتتفكك كموجة رقمية.
   كلمات الأغاني - حين ظهورها - لا تُستخدم كحشو صوتي، بل تأتي كبيانات مشفرة، تُلقي ظلالًا على مضمون فلسفي أعمق مثل "أنا لا أبحث عن الخلاص، بل عن اتصال"، "لستُ آلة، أنا الاحتمال"، "الذكريات ليست لي، لكنها تعرّفني"، مثل هذه الجمل تُعرض على الشاشات العملاقة خلف الموسيقى، وتتزامن بدقة مع لحظات ذروة بصرية، في انسجام تام بين النص والصورة والصوت، وهنا المتلقي ليس متفرجًا فقط، بل شريك في التجربة، مشارك في حلم مستقبلي يتجلى أمامه. 
  لا تستهدف عروض Anyma جمهور الحفلات الاعتيادية، بل جمهورًا يطلب المعنى مثلما يطلب الإثارة، جمهور من الفنانين، المفكرين، المبرمجين، أو حتى الباحثين عن "تجربة استثنائية" تفتح أسئلة أكثر مما تُقدّم أجوبة، فالمعروض لا يُقدّم ترفيهًا فحسب، بل طقسًا تأمليًا تكنولوجيًا يُخاطب الحواس الخمس - وربما السادسة.
   الهدف من الأغاني والعروض هو تحفيز وعي جديد ، وعي يُدرك أن التكنولوجيا ليست فقط أدوات، بل امتداد للإنسان، وعي يعيد التفكير في الذات، في علاقتها بالجسد، بالشبكة، بالزمن.  
ما بعد العرض: رؤية للمستقبل؟

  في ختام عرض Quantum Genesys عند الأهرامات، حين تسقط آخر موجة ضوء، وتنطفئ الشاشة على مشهد "Eva" تتفكك إلى ذرات رقمية، لا يصفق الجمهور فورًا، بل تسود لحظة من السكون الغريب، كأن العرض لم ينتهِ، بل بدأ لتوّه في داخل كل مشاهد.
 هنا، في هذه اللحظة بالضبط، يتجلى هدف العرض وهو أن نغادر ونحن أقل يقينًا، وأكثر انفتاحًا، أن نتساءل: من نحن؟ إلى أين نذهب؟ وهل تُكتب نفوسنا - كالموسيقى - من موجات وذكريات قابلة للتلاشى.  
   يقود هذا العرض الفني المتكامل المصمم والمخرج ماركو فالنتيني، إلى جانب مدير الإضاءة إميلي سانتوس، والفنانة المتخصصة في المؤثرات البصرية الرقمية ليان تشاو، الذين جمَعوا بين خبراتهم لتشكيل لوحة فنية حيّة تأسر العيون وتأسر الأرواح، مثبتين أن Quantum Genesys ليس مجرد عرض، بل تجربة متجددة تنبض بالحياة في كل موقع، وتعانق مستقبلًا لا متناهياً من الإمكانيات.  


مواقع رسمية ومجلات إلكترونية موسيقية:
EDMTunes. (2025). Anyma Reveals Quantum Genesys Performance at Egypt’s Great Pyramids. Retrieved October 12, 2025, from https://www.edmtunes.com
DJ Life Magazine. (2025). Anyma Pushes Boundaries of Melodic Techno with “Genesys” Project. Retrieved October 12, 2025, from https://www.djlifemag.com
Sweet n Sour Magazine. (2025). Anyma’s Quantum Genesys: Reimagining the Concert Experience in Egypt and Beyond. Retrieved October 12, 2025, from https://www.sweetnsourmagazine.com
TechnoZone.io. (2025). Anyma Performs Groundbreaking Two-Part Show at the Pyramids of Giza. Retrieved October 12, 2025, from https://technozone.io
مراجع موسوعية:
Wikipedia Contributors. (2025). Anyma (musician). In Wikipedia, The Free Encyclopedia. Retrieved October 12, 2025, from
https://en.wikipedia.org/wiki/Anyma_(musician)
Wikipedia Contributors. (2025). Genesys (album). In Wikipedia, The Free Encyclopedia. Retrieved October 12, 2025, from
https://en.wikipedia.org/wiki/Genesys_(album)
مراجع أكاديمية :
Ball, P. (2017). Quantum Mechanics and Its Implications. Oxford University Press.
Smith, R., & Johnson, M. (2023). Stage Engineering for Large-Scale Events. Event Engineering Journal, 6(2), 55–72.
Hassan, M. (2024). Integrating Historical Sites in Contemporary Performances: Quantum Genesys at Giza. Journal of Cultural Innovation, 12(1), 88–103.
Chen, Y. (2024). Visual Technologies in Live Shows: From Projection Mapping to AI Avatars. Journal of Digital Performance Arts, 15(1), 34–50.
Taylor, S. (2023). Soundscapes in Multimedia Performances. Audio Visual Review, 10(3), 22–45).


الخميس، 18 يوليو 2024

« العرض المسرحى الافتراضي التفاعلى توت عنخ امون »... رحلة مسرحية مصرية مفعمة بالسحروالغموض

مجلة الفنون المسرحية
لقطات مختلفة من العرض اللذى اقيم فى مصر وعدة دول أوربيية


« العرض المسرحى الافتراضي التفاعلى توت عنخ امون »... رحلة مسرحية مصرية مفعمة بالسحروالغموض 

راندا طه 

   وسط إبهار مسرحي كبير وإضاءة خافتة  ساحر، قدم المتحف المصري الجديد العرض المسرحى الافتراضى  التفاعلى"توت عنخ أمون" واللذى استغرق قرابة 30 دقيقة ، باللغتين الإنجليزية والعربية، وهوعرض تفاعلي مذهل بلغة القرن الواحد والعشرين ،يروي قصة الملك المصرى الصغير توت عنخ آمون ،ويأخذ المشاهدين  في رحلة عبر الزمن لأكثر من 3500 عامًا مضت(1). يحيط بالمشاهدين العرض البصري بزاوية 360 درجة، حيث يعيش حياة مصر القديمة ويستكشف المعابد والكنوز والأسرار المعاد إحياؤها باستخدام تقنيات"الذكاء الاصطناعي"(2)
    فلقد شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء. و أدى هذا التطور بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي ، والتطور الحادث  فى الإمكانيات والتجهيزات الحديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر،و يدرج بعض الباحثين المسرحيون ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث يندرج ضمن النوع المعقد من التقنيات ذي السرعة والإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة  (3).بالإضافه للتطور الحادث فى خشبة المسرح وظهور أنماط جديدة ومختلفة  منه كنتيجة للتوسع فى الاستعانه بتقنيات كالإسقاط الضخم والواقع الافتراضى وغيرها من التقنيات.
   ويعد العرض المسرحى "توت عنخ أمون" هو أحد العروض المسرحية للواقع الافتراضى والتى قدمت للمشاهدين باستخدام أحدث أجهزة العرض الرقمية، و هو ثمرة الشراكة بين المتحف ومؤسسة مدريد آرتيس ديجيتاليس الإسبانية ، فلقد قدم العرض سابقا فى شهر نوفمبر الماضى من عام 2023م وهو الشهر ذاته لاكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون قبل أكثر من مائة عام، والموعد ذاته من العرض الأول للمتحف في مدريد العام الماضي 2022.
   وبعد النجاح المُبهرللعرض بمدينة مدريد في يوليو 2023 بحضور أكثر من 300 ألف متفرج وبعد فوزه بثلاث جوائز، وفقًا للموقع الرسمي لشركة Madrid Artes Digitales، التي أطلقته في مدريد بإسبانيا في نوفمبر 2022؛ مما عزز مكانته كتجربة ثقافية جديرة بالمشاهدة. 
    وفي العرض يظهر الملك الشاب توت عنخ آمون في العرض، يتحدث إلى الحضور بملابسه الزاهية والفخمة، ويتميز العرض بموسيقى تصويرية رائعة. و تمثل التجربة الفريدة جزءًا من سلسلة العروض المسرحية المؤقتة التى سيستضيفها المتحف المصري الكبير واللذى يعد من أبرز المعالم الثقافية في مصر( 4)
    العرض تجربة افتراضية" مسرحيه متنقله تم عرضه في العديد من المدن الأوروبية قبل أن يصل إلى مصر، يستعرض كنوز مقبرة الملك توت عنخ آمون باستخدام تقنيات مثل الإسقاط الضخم والواقع الافتراضي والإضاءة وتأثيرات الصوت، لإنشاء تجربة غامرة.(5)  
  والعرض الشيق يحيط بالجمهور من 360 درجة  واستخدم فيه تقنيات الاسقاط الرقمى على اسطح الحوائط الاربعة بالإضافة لارضية العرض أسفل المشاهدين مقرونًا بموسيقى تصويرية استثنائية. وشهدت الساعات الأولى من العْرِض إقبالا كبيرا من وسائل الإعلام المختلفة لتغطية هذا الحدث المهم. ويكشف عن قصة الملك والأسطورة واللغز الدائم. وتمتد هذه الرحلة السمعية والبصرية المثيرة لألاف الاعوام من التاريخ، حيث يتعرف  المشاهد على المعابد والكنوز وأسرار مصر القديمة بدقة. ابتداءً من أساطير خلق هيليوبوليس، وصولًا إلى كنوز مقبرته. وبينما هم يستكشفون المعابد والكنوز والأسرار، المُعاد إحياؤها من مصر القديمة (بالذكاء الاصطناعي)، سيدخلون في معايشة جديدة مع العرض البصري ومقرون بموسيقى تصويرية ساحرة، تُعَزِّز من روعة التجربة.( 7)
     قُسم العرض إلى عدة  فصول، حيث يروي الفصل الأول قصة مدينة هيليوبوليس القديمة وكيف تم بناؤها. يركز العرض المسرحى بشكل خاص على هذه المدينة لكونها موطن ولادة توت عنخ آمون على يد خنوم، إله الخصوبة المصري القديم وفقاً للأساطير المصرية القديمة، يتناول الفصل الثاني رحلة افتراضية على نهر النيل حيث يشعر الزوار بحركة محاكاة كما لو كانوا على قارب في الواقع ومحاطين برؤية رقمية . تعد هذه التجربة الرقمية مثيرة وتأخذ مكانًا في غرفة مظلمة مع عدة بروجيكتورات تعرض صورًا متحركة على الجدران الأربعة والأرض، مع نظام صوتي مذهل يزيد من تجربة الغمر. خلال الرحلة الافتراضية، فبعد مرور قرن على اكتشاف عالم الآثار هوارد كارتر لمقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك، لا تزال الشائعات والجدل يدوران حول حياة الفرعون الشاب ووفاته وتراثه وما قد يكمن وراء المقبرة. ويروي توت عنخ آمون نفسه قصته، وبشكل رئيسي فترة حكمه لمدة 10 سنوات في مصر من عرشه بين عامي 1333 قبل الميلاد و1323 قبل الميلاد .(8)
    تقول مؤسسة مدريد ارتيس«Madrid Artes Digitales» الإسبانية تعقيباً على العرض "يعود العرض المسرحى الافتراضى توت عنخ أمون بالمشاهد وبالزمن إلى الالاف السنين ويأخذك لعالم ساحر للوراء لاستكشاف الحضارة الرائعة التي ازدهرت في مصر منذ آلاف السنين حيث عاش المصرى القديم على ضفاف نهر النيل ، ويحكى عن الحضارة القديمة بداية من قصص المصريين القدماء المروية باللغة المصرية الهيروغليفية والعجائب الهندسية المعمارية للأهرامات والمعابد، وصولاً إلى المجوهرات الرائعة والحرفية المعقدة. أكثر من 300 قطعة وعروض غامرة ونماذج مصغرة تعيد خلق العظمة المذهلة للمقابر والمدن والآثار المفقودة منذ زمن طويل، مما يوضح كيف كانت حياه المجتمع المصري القديم.»


Inside look at 'Beyond King Tut: The Immersive Experience' at Del Mar  Fairgrounds | cbs8.com


Special Report: Beyond King Tut Immersive Experience Opens | Ancient Egypt  Alive | Travel Tours | Online Learning | Online Courses | Networking Events

لقطات مختلفة من العرض اللذى اقيم فى مصر وعدة دول أوربيية





Beyond King Tut' invites visitors into an immersive world of the ancient  Egyptians | WBUR News


An Interactive King Tut Exhibit Is Coming to Connecticut – NBC Connecticut

لقطات مختلفة من العرض اللذى اقيم فى مصر وعدة دول أوربيية


لقطة  من العرض المقام فى المتحف المصرى



Grand Egyptian Museum - Booking Egypt cheap guided private Tours ...

صورة للمتحف المصرى الجديد  








 (1) 35 قرناً إلى الوراء.. رحلة عبر الزمن مع توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير. https://www.alarabiya.net/arab-and-world/egypt/2024/05/08/%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%AA%D9%88%D8%AA-%D8%B9%D9%86%D8%AE-%D8%A7%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1.
(2) معرض توت عنخ آمون التفاعلي - إكتشف الآثار المصرية – وزارة السياحة والآثار. https://bing.com/search?q=%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%b5%d9%8a%d9%84+%d8%b9%d8%b1%d8%b6+%d8%aa%d9%88%d8%aa+%d8%b9%d9%86%d8%ae+%d8%a7%d9%85%d9%88%d9%86+%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d9%81+%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%89+%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af.
(3)  https://elaph.com/Web/Culture/2009/3/417199.htm
(4) لأول مرة.. معرض تفاعلي "توت عنخ آمون" بالمتحف المصري الكبير. https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2023/9/18/2469682/%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D8%AA-%D8%B9%D9%86%D8%AE-%D8%A2%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1-.

 (5) "Tutankhamun – The Immersive Exhibition" Opens its Doors at the Grand .... https://www.egypttoday.com/Article/6/128656/Tutankhamun-%E2%80%93-The-Immersive-Exhibition-Opens-its-Doors-at-the.
(6) جريدة الشروق
 The Immersive Tutankhamun Exhibition - Discover Egypt's Monuments .... (7) https://egymonuments.gov.eg/en/events/the-immersive-tutankhamun-exhibition.
 (8) 
https://www.forbes.com/sites/natashagural/2022/11/01/gilded-vr-journey-reveals-secrets-at-beyond-king-tut-immersive-experience-in-new-york/


الأربعاء، 7 يوليو 2021

كاظم حيدر.. رائد السينوغرافيا يعتمد فلسفة المكان ميدانياً / كافي لازم

مجلة الفنون المسرحية


كاظم حيدر.. رائد السينوغرافيا يعتمد فلسفة المكان ميدانياً

زبون الأسواق التراثية يبحث عن رموز تعينه على إكمال الصورة

دأب نقاد المسرح ان يكتبوا دائما عن المخرج والممثل والنص دون الاكتراث لمكونات العرض الاخرى والتي تكاد ان تكون اساسية ولها فعلها القوي المؤثر في تجسيد الحالة الابداعية في العرض المسرحي وهذا ما اكده الفنان الراحل كاظم حيدر في معظم تصاميم اعماله فهو يصنع وجوده في النص. مما يضطر المخرج احيانا ان يتناغم مع ما ينجزه هذا الفنان وهي سابقة في تاريخ المسرح بمعنى اننا المتلقين لايمكن ان نتخيل العمل بدون بصمات هذا الرائد الكبير، والذي يتميز بالرصانة والهدوء والاريحية في التعامل مع الاخرين.

 رحل عنا هذا الفنان المتفرد بعد معاناة مع المرض عام 1985 بعمر 53 عاما. نحن المسرحيون والحركة الثقافية والفنية خسرت فنان قل نظيره فهو بالاضافة الى كونه رساما بارعا مستمدا مواضيع لوحاته من بيئة المجتمع العراقي الشعبي وايقوناته التاريخية متخذا الفولكلور الشعبي وخاماته المحلية منطلقا من الاساطير المتداولة بواقعية تعبيرية. صمم معظم ديكورات فرقة المسرح الفني الحديث حيث انتمى للفرقة في ستينات القرن الماضي .. ولي تجربة خاصة معه في عمل ديكور مسرحية (بغداد الازل)،اخراج الراحل قاسم محمد.

 يمتاز الفنان كاظم حيدر بسعة ثقافته المعرفية. فهو عندما يكلف بتصميم ديكور مسرحية ما.. يأخذ النص ويدرسه دراسة مستفيضة لكي تتكون لديه الصورة الكاملة بكل جوانبها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وكذلك التراثية والفولكلورية ثم يبحث ميدانيا لفلسفة المكان في مساحة العرض المسرحي بتشكيل هندسي دقيق يتناسب مع حجم العرض وطبيعته واحيانا يلجأ الى اقصى عمق المسرح بل ياخذ فضاء خشبة المسرح ولاابالغ حين اقول انه يأخذ حتى فضاء قاعة العرض كما فعل في مسرحية (هاملت عربيا) مماجعل المشاهدين وكأنهم جلسوا في خيمة كبيرة وسط الصحراء.. استغلال حتى ممرات القاعة لتشكيل لوحة تتناسب مع فكر وفلسفة العرض واهدافه. ربما هذا الذي فعله يتناسب مع بناية مسرح بغداد.. لكنه سيكون له حديثا اخر في مسرح اكبر وتقنيات اكثر حداثه…. وميزة اخرى لهذا الفنان الكبير بأنه متابع ذكي في العمل منذ تمارينه الاولى لاسيما بعد ان تتوضح له الخطوط الاساسة في العمل.. يبدل هنا ويغير هناك .خصوصا باستخدامه خامات مبتكره متنوعة من الخشب والحديد والفلين والقماش وحتى الجلود. كما انه يتدخل في شكل الاكسسوارات وتوزيع الاناره ودرجتها وحجمها. يعتبرها مكملا لما عمل في توزيع الكتل وتوازن اللوحة وهذا يسمى اليوم بالسينوغرافيا.

اكتمال الصورة

مهمة اخرى لديه وهي بيئة المكان فهو زبون دائم في اسواق بغداد التراثية للبحث عن رموز شعبية تعينه في اكتمال الصورة. خير دليل في ذلك مسرحية (الخان).

استخدم فقط مادة الجنفاص والتنك. وعندما نرى ديكور هذه المسرحية يوحي لنا بقدم المكان الى درجة ان المتلقي يشم رائحة رطوبة المكان… اما تجربته في مسرحية بغداد الازل فهي مختلفة نوعا لاسيما عندما عرضت في دولة الجزائر.. وقد عرضت المسرحية في اربعة مدن متباعده. حمل في الطائرة كل ادوات العمل مهما كبرت او صغرت من بغداد خوفا من ان يحتاج شيئا من السوق المحلية ولايجده.. فعندما وصلنا مدينة قسنطينه بساعة متاخرة من الليل تفاجئنا بجدول العرض غدا مساءا فقلت له :ماذا نعمل استاذ؟.. فأشار لي وقال (لايهم كافي غدا صباحا سنتصدى للعمل وننجزه حتما)… عندما ذهبنا الى المسرح فاجئنا مسؤول القاعة بمنعنا أن ندق مسمارا واحدا على الخشبة.. مع ذلك فالحل كان حاضرا عند كاظم حيدر.. فقال(لابأس لاتقلقوا سنعلق الديكور جميعه بالحبال).. وبدائنا العمل الكبير والمضني وساعة العرض تقترب.. يطلب مني لونا معينا وممزوجا بآخر وبدرجه معينة.. بدقائق اكون حاضرا.. وقال لي (ماهذا كافي هل انت تشكيلي ام مسرحي؟)، واقول له (انا رسام وممثل).

 وانجز العمل قبيل العرض بدقائق واذكر ان الستاره افتتحت والاصباغ لم تجف بعد وكان ديكورا مبهرا مختلفا حتى عن ديكور مسرح بغداد الاصلي.. وهكذا بقية عروض المحافظات الاخرى ديكورا مختلفا تماما بمعنى انه كان يرسم لوحات عملاقه تحكي عن بغداد التاريخ وسحر الشرق تتناغم مع ايقاع وفكر العرض. الى درجه ان اقول وبدون مبالغه هو ان شكل القمر ولونه في بغداد الازل يختلف في اربعة عروض لمسرحية واحدة… مؤسف رحيل هذا الفنان الكبير خسرناه مبكرا.. لروحه الطمأنية والسلام والذكر الطيب.

الثلاثاء، 8 يونيو 2021

جوهر السينوغرافيا / *أ.د حسين التكمه جي

مجلة الفنون المسرحية 


جوهر السينوغرافيا  / أ.د حسين التكمه جي 

لعل مصطلح السينوغرافيا أضحى يأخذ اتساعا واضحا وجليا في مجال الدراسات المسرحية فضلا عن العروض المسرحية , وبما أنه مصطلح حديث العهد لدى المسرحيين العرب , لذا شكل في هذه الآونة اختلافا ت وأراء متضاربة حول مفهوميته ,فقد طلب الكثير من المسرجين تديد السمكات المميزة لمفهوم السينوغرافيا . 
ولعل البعض لم يعد إلى جذره ومرجعياته العلمية , أو ربما سقطت بعض الآراء بالذاتية المفرطة , وربما اندرج بعضها في بث أراء مجردة ليس إلا , مما أفاض علينا بتحديدات تباينت كثيرا دون تحديد المصطلح بشكله العلمي الدقيق , ذلك  ما جعل المصطلح معوما نوعا ما , فعدم التحديد الإجرائي يضع الباحثين والدارسين في متاهة , لذا صار لزاما أن نبحث في تحديد ماهية المصطلح بعد أن نطرح كل الآراء التي جعلته عائما وكما يأتي : 

1 – الرأي الأول ينحصر من أن  السينوغرافيا هي الإخراج. 

2 – والرأي الثاني يرى أن  المصطلح يجمع بين العنصر السمعي والبصري  . 

3 –والرأي الثالث يرى أن  المصطلح يصب في الجانب التشكيلي بوصفه يستخدم نظام الكولاج . 

4 – والرأي الرابع يعتقد أن المصطلح   هو بصري بحت . 

نحن أمام أربعة أراء مختلفة ومتنوعة وقد يبدو للوهلة الأولى أن كل منها يصب في المسار الصحيح , غير أن عملية البحث والتقصي العلمية ربما تقودنا إلى الاستنتاج الصحيح وتحديد ماهية المصطلح , وعلى وفق ما تقدم ينبغي أن نناقش كل رأي على حده لبيان صحته من عدمها . 
بدءا ذي بدء نؤكد بأن مصطلح   (scenegraphic) هو مصطلح فرنسي ورد إلينا من السينما الفرنسية بوصفه ( منظر ) فهو مصطلح لا يعني الإخراج المسرحي , ذلك لكون الإخراج يعني في اللغة الانكليزية ( direction  )  كما أن كلمة مخرج تعني ( director ) في حين أن كلمة اسم مصمم السينوغرافيا تعني سينوغرفر
scenegrapher) )  ومن هنا يظهر أن المصطلح لا يعني الإخراج المسرحي كما يعتقد البعض . إذ أنهم يرون أن المخرج المسرحي هو من يرسم الفضاء الصوري .

أما بخصوص كونه سمعي فسنبين أدناه أن الأمر خطأ شائع يمكن مناقشته بكل روية لبيان صحته من عدمه . 
إن الفرق بين السمعي والبصري , هو أن الأول يسمع عن طريق الأذن ويتسلم الدماغ الذبذبات الصوتية السمعية ليحولها إلى عملية إدراك حسي أي فهم ويترجمها إلى دلالة أو صورة مجردة لا يمكن رؤيتها من قبل الآخرين ويمكن رؤيتها فقط من قبل الشخص الذي أصغى إلى السماع , وهذه الصورة الحسية في علم النفس مختلفة على مستوى التصور والتخيل لدى جميع الأشخاص أي أن الفرد الذي يجلس بالصالة بجواري سيسمع ما اسمعه أنا إلا انه سيتصور صورة غير الصورة التي أتصورها أنا ومختلفة كليا عن الصورة الذهنية المجردة التي يتصورها مجاوري في السماع ويأتي هذا وفقا للصور الذهنية التي يستحضرها الدماغ في ذاكرته والتي لا يمكن على الإطلاق تحديدها أو عدها أو تحديد نوعها وشكلها , وبهذا سيحول العنصر السمعي من (الأنغام والألحان والمؤثرات الصوتية ) إلى صور حسية مجردة في الدماغ , فصوت القطار مثلا سيجعلني أتخيل قسرا صور حسية لمحطة قطار أو شكل القطار القادم , إلا أن ما أتخيله أنا لا يتخيله غيري من المشاهدين في الصالة ,وهذا اختلاف بالضرورة العلمية لا يشكل رؤية ثابتة لدى كل الأفراد , أنما فقط يحدث نوعا من الإحالة التخيلية إلى مكان مفترض وليس مادي من الذاكرة ,لكن له جذور واقعية  وهو ليس حقيقيا بالمرة , ربما قد يورد عددا لا متناهي من التأويلات الصورية لذات المكان المقصود . 
كما هو الحال في الموسيقى أو المؤثرات الصوتية كصوت المطر أو البرق أو صرير الباب , كل ذلك يخضع لمفهوم مهم وأساسي هو ( الإحالة  - referral ) *    والإحالة هي تخيل حسي قسري ذلك لن التخيل قسري اما الخيال فهو ابداعيو فالتخيل  يفرض على الذات من الخارج إلى الداخل فهو شكل تحدده الذات الفاعلة لنفسها , فكل ما يورد إلى المخ من قصص أو موسيقى أو أصوات أو مؤثرات سمعية يحيلها المخ إلى صور مجردة , مما يعني أن الجانب السمعي  لا يشتغل إطلاقا على المستوى السينوغرافي , ذلك أن الفعل المعروض على خشبة المسرح فعل قصدي بصري ومادي يمكن للعين رؤيته دون تخيل مسبق , وليس اعتباطي فالمخرج والمصمم هنا  لا يضع الأشياء والمفردات إلا بشكل قصدي كونه يعالج فكرة أو ثيمة بعدة عناصر مجتمعة تصب في مجرى الكل لإيصال المعنى , وبهذا نكون قد أسقطنا الجانب السمعي من السينوغرافيا لكونها تخضع إلى الإحالة السمعية وليس إلى الصورة البصرية المادية فكلام الممثل وحديثه عن الطعام والقصص يحقق استجابة سمعية وفق النظام الإشاري الموجود في الدماغ فهي إحالة , فكل فرد يسمعه يضع في ذهنه نوع الطعام وأكيد هو ليس نوع الطعام الذي يتخيله الممثل البتة و المقصود أصلا .
سيما أن الموسيقى والمؤثرات الصوتية بحسب رأي ( شوبنهاور )  " تمثل عالم الزمان الخالص , وهي لا تعبر عن شيء في هذا العالم , أنما تعبر عن أعمق ما في القوة الباطنية لحركة الكل في الدماغ "  (1) . 

في حين يذهب ( جورج سانتيانا ) إلى أنها " عمليات لا شعورية مرتبطة بالتخيل واللذة لا تحددها قوانين عقلية وإنما غايتها في ذاتها " (1) . 
أما ( ستونليتز) فيرى أن الموسيقى والمؤثرات " تحفز المدرك على تذكر حادث سابق " (1) . أي أن تقوم مقام الإحالة في استذكار زمكانية متخيلة فوق الواقع لا شعورية مرتبطة بالتخيل أي قوة باطنية , فهي بهذا الوصف ليست صورة مرئية مادية تستقبلها العين بمفهوم ( الآن وهنا ) . 
في الجانب الأخر نناقش أهمية المصطلح من كونه ( تشكيلي ) . وذلك أمر مهم بوصفه يطرح عدة نقاط التقاء واختلاف , تتصدر نقاط الاتفاق بأن المصمم السينوغرافي ( السينوغرفر ) ينبغي أن يملك رؤية تشكيلة للصورة البصرية بوصفه شكل يؤدي إلى معنى أو محتوى كونه بصري بحت , والمسرح يستدعي على الدوام حضور المصممين التشكيلين في بناء المنظر المسرحي , غير أن الصورة البصرية للعرض المسرحي لا تستند فقط على التشكيليين , أنما هناك عناصر أخرى مهمة في بناء الصورة منها ما هو تقني أو ميكانيكي أو تكنولوجي او فيزيائي,أو فيزيقي كجسد الممثل مثلا , كونها متممات أساسية في بناء الصورة البصرية.
أن الصورة البصرية في العرض البصري التي يحددها مجال الرؤية في المسارح المغلقة أو المسارح المفتوحة هي في الحقيقة مجال رؤيتنا وخبرتنا الإدراكية لما يحتويه الفراغ أو الفضاء المسرحي بشقيه السلبي والايجابي , وأن ترابط هذه المفردات المنظورة داخل الصورة هو ما يحدده المخرج ومصمم السينوغرافيا معا , وقد يثار تساؤلا عن ما هي الأسباب التي أدت إلى بناء الصورة حصرا بين المخرج والسينوغرفر, والجواب ينحصر في أن المسرح التقليدي كان يتطلب عددا من المصممين والمنفذين من العاملين في المجال التقني من اللذين يمكن حصرهم كمصممين ( الإضاءة , المنظر المسرحي , الأزياء . الماكياج الموسيقى , المؤثرات الصوتية والحركة) هؤلاء جميعا هم من  يعتمد عليهم المخرج  في  بناء الصورة , وهم يشكلون أكثر من رأي وربما تكون رؤاهم الفنية متضاربة أحيانا مما يخلق مشكلات عديدة على مستوى الإيقاع البصري أو اللوني أو عدم التوازن أو توافر شكل مسرحي يغيب عنه المعنى الخ , مما تطلب وجود شخص واحد مهني وفني يقوم بكل هذه المهمات التصميمية والتنفيذية ضمن رؤية مشتركة واحدة  بمعية المخرج , دون وجود مشكلات تؤثر على سير العرض , وللسبب ذاته استبدل الكل بشخص واحد هو مصمم السينوغرافيا الذي أطلق عليه ( السسينوغرفر  stenographer) . عليه فإن المصطلح من الناحية العلمية ليس تشكيليا بحتا على الأعم الأغلب . 

إذن ما ذا يعني جوهر السينوغرافيا , أن هذا المصطلح ورد عن طريق السينما , وان أول من أورده هو ( لوي دي جانيتي ) في كتابه ( فهم السينما ) والسينما تعني الصورة المرئية , فالمصطلح يتكون من مقطعين  ( scene   ) وتعني المشهد , و
( graphic   ) وتعني ( التصوير ) فالمصطلح يعني ( تصوير المشهد ) (3)
ويمكن تعريفه من كونه : فن معالجة الفضاء المسرحي ألقصدي  بالأشكال المتعددة الأغراض والمعبرة عن الفكرة الدرامية , إذ أنه ينطوي على الاختيار الدقيق الواعي لخطوطه وألوانه وأضاءته ومساحاته وكتلته وعناصر التنوع والتوازن والتركيز والتنافر بين أجزائه , كما انه لا يخلو من إشارات ورموز ودلالات توحي بالمعنى  أو تشير إليه . 
وعلى وفق ما تقدم يتضح جليا أن السينوغرافيا تعني رسم المشهد أو صورة العرض البصرية , بمعنى أدق فأن جوهر السينوغرافيا (  بصري بحت ) فهو كل ما يسقط على شبكة العين من عناصر الصورة المرئية والتي تتكون من ( الممثل الزي الماكياج المنظر الأثاث الضوء واللون والظل والظلال والحركة ) أي كل ما هو مرئي على خشبة المسرح وليس كل ما هو متخيل عن طريق السمع .وبهذا يمكن القول إنه صورة العرض الإيجابية في الفراغ ,انه بصري بحت بكل معنى الكلمة , على الرغم من أن كل عنصر من عناصره يحتفظ بقيمته الفنية , وان اختلاف الصورة في المسرح عن الصورة التشكيلية يؤدي إلى وجود خصائص لكل منهما , الصورة التشكيلية أو اللوحة مبنية على سطح مستوي هو سطح القماش أو الكنفاز , كما إنها تعتمد على الوهم من خلال قواعد المنظور والظل والضوء والظلال وتدرجات اللون , فضلا إنها تفتقر إلى العمق الفراغي من كونها ليست ثلاثية الأبعاد إلا من خلال قدرة الرسام , أن الصورة البصرية في المسرح حقيقية وليست وهمية, و الشخصيات تسبح في فضاء العرض بلحمها ودمها , لها عمق فراغي حقيقي , بل أنها تنبض بالحياة , وهي ليست جامدة بل متحركة وسيالة على الدوام كونها تخضع لزمن معين ومكان معين وحضور جمالي متحول . 
نستنتج مما سبق أن جوهر السينوغرافي هو الجانب البصري الذي تشاهده العين . فهو إذن ليس سمعي وليس تشكيلي وليس إخراج مسرحي إنما هو  صورة بصرية مكتنزة بالمعنى والدلالة .
كما يمكن لنا أن نحدد العناصر المرئية ضمن مفهوم السينوغرافيا ( المنظر المسرحي , الفراغ المضاء من الخشبة , الممثل وأزياءه وماكياجه وأكسسواراته , الضوء واللون والظل والظلال , الشاشات بأنواعها "الداتشو " والسايكلوراما ,الأثاث بما فيها السجاد والموكيت , الصور المتحركة والثابتة , المعلقات في فضاء الخشبة ,الحركة المسرحية وتشمل الإيماءة والإشارة والجسد والرقص والبانتومايم والشغل المسرحي , الفراغ والعمق الفراغي , المصابيح الضوئية بأنواعها والايقاع البصري .

*جامعة بغداد / كلية الفنون الجميلة 

الأربعاء، 11 يوليو 2018

شروط ومواعيد المشاركة بالمعرض الرابع للسينوغرافيين

مجلة الفنون المسرحية

شروط ومواعيد المشاركة بالمعرض الرابع للسينوغرافيين

مسرحنا :


أعلن مصمم الديكور حازم شبل عن شروط ومواعيد المعرض الرابع للسينوجرافيين المصريين (مصممو الديكور والأزياء والإضاءة المسرحية) الذي يقام في الفترة من 19 إلى 31 يوليو 2018 بقاعة المعرض بمركز الهناجر للفنون.
قال مصمم الديكور حازم شبل: آخر موعد لتسجيل الاشتراك بالمعرض 30 يونيو 2018 ويقوم بتنظيم المعرض مجموعة المركز المصري للسينوجرافيين وتقنيي المسرح ESTTC الأعضاء في الهيئة العالمية للسينوجرافيين ومعماريي وتقنيي المسرح OISTAT.. وتحت رعاية قطاع شؤون الإنتاج الثقافي – وزارة الثقافة.. وتزامنا مع فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري.
وأوضح شبل أن المعرض قسمان: الأول قسم المصممين المحترفين وهو قسم مخصص لتصميمات مسرحية نفذت بالفعل وعرضت مسرحيا أمام جماهير.. في آخر أربع سنوات منذ يناير 2014، وقسم آخر يقام لأول مرة تحت اسم «التصميمات المسرحية للطلبة» (رسم – ماكيت – موديل أزياء – ريندر.. إلخ) ولا يشترط أن تكون نفذت على المسرح.. للطلبة من أقسام تصميم عناصر السينوجرافيا المسرحية من أكاديمية الفنون وجامعات ومعاهد مصر (للطلبة الحاليين أو خريجين جدد آخر سنتين من 2016)، مشيرا إلى أن مشاركات الطلبة خاضعة للتقييم المسبق من المنظمين، ومشاركات المحترفين خاضعة للمساحة وجودة صور العروض.
كما يستضيف المعرض معرض للأزياء المسرحية التاريخية لعروض المسرح القومي يشرف عليه الفنانة نعيمة عجمي.
وعن شروط التسجيل قال شبل: ترسل البيانات على الإيميل الآتي:  HYPERLINK «mailto:esttc2018@gmail.com» esttc2018@gmail.com، وعن البيانات المطلوبة اسم العارض وصفته (محترفا أو طالبا) مع ذكر اسم القسم والجامعة أو المعهد للطلبة، رقم تليفون للتواصل، صورة أو صورتان للتصميم (رسم – مجسم – رندر.. إلخ)، ما لا يقل عن أربع صور فوتوغرافية (عالية الجودة) من العرض المسرحي.. توضح فكرة التصميم وشكله منفذا، بيانات كاملة لأسماء: العرض – جهة الإنتاج – مكان العرض – المؤلف – المخرج – المعد – مصمم الديكور – مصمم الأزياء – مصمم الإضاءة – المصور الفوتوغرافي – تاريخ الإنتاج، بيان سيرة ذاتية للمشترك (كاملا) و(آخر مختصر بحد أقصى عشرة أسطر)، إضافة إلى صورة شخصية.
وعن الشروط العامة للمشاركة قال شبل: تصميمان فقط لمسرحيتين مختلفتين هو الحد الأقصى للمشاركة في حالة توفر مساحة، الالتزام بتسديد الحد الأدنى لتكلفة تجهيزات المعرض التي سوف تقسم على العارضين (200 جنيه تقريبا)، كل عارض مسئول عن إحضار معروضاته سواء لوحات أصلية أو مطبوعة أو صور أو موديل، إقرار بالموافقة على نشر الصور وكامل البيانات في أي من وسائل النشر بأنواعها المختلفة، التزام كل عارض بأن يسلم معروضاته بنفسه في قاعة المعرض بمركز الهناجر للفنون يوم 17 يوليو 2018.. وإلا سوف يعتبر منسحبا من العرض.. وسوف تعطى مساحة عرضه لعارض آخر، التزام كل عارض بأن يتسلم معروضاته بنفسه في نهاية يوم 31 يوليو 2018.. والمنظمون غير مسئولين عن المعروضات بعد ذلك.
وأضاف شبل أن آخر موعد للتسجيل منتصف ليلة 30 يونيو 2018 ولن يلتفت لأي تسجيل بعد هذا الموعد أو لأي صور غير عالية الجودة أو لا توضح تنفيذ التصميم أو لأي مشترك ببيانات غير كاملة.
جدير بالذكر أن هذا هو المعرض الرابع لمصممي سينوغرافيا المسرح المصريين.. الدورة الأولى كانت في مايو 2012 برعاية قطاع العلاقات الثقافية الخارجية.. والدورة الثانية كانت بالتزامن مع المهرجان القومي للمسرح 2014.. والثالثة بالتزامن مع مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر سبتمبر 2016.
أقيمت جميع الدورات السابق ذكرها بقاعة المعرض بمركز الهناجر للفنون.. بتنظيم من مجموعة المركز المصري للسينوغرافيين وتقنيي المسرح ESTTC الأعضاء في الهيئة العالمية للسينوغرافيين ومعماريي وتقنيي المسرح OISTAT.. وتحت رعاية قطاع شؤون الإنتاج الثقافي – وزارة الثقافة.


الاثنين، 28 أغسطس 2017

نظرية تشكيل الألوان وعملية الإدراك البصري لها في جهاز البديل الضوئي

مجلة الفنون المسرحية

نظرية تشكيل الألوان وعملية الإدراك البصري لها في جهاز البديل الضوئي

د.عماد هادي الخفاجي


إن طريقة تشكيل الألوان الأساسية, أو الأولية(RGB) في جهاز البديل الضوئي يعتمد بشكل أساسي على الضوء في طريقة عمله, ومن البديهي إن مرور الضوء الأبيض عن طريق موشور زجاجي سوف يعطينا أشعة ذات ألوان مختلفة تشكل ألوان الطيف الضوئي, والتي تبدأ باللون الأحمر, والبرتقالي, والأصفر والأزرق, والنيلي, والبنفسجي, وأنَّ هذه الألوان تظهر بشكل متداخل ومتدرج, ولكن وعلى الرغم من أنَّ اللون الأبيض وعن طريق تحليله يعطينا سبعة ألوان, إلاّ أنَّه يتكون عن طريق الألوان الأساسية الثلاثة الأحمر, والأخضر, والأزرق(RGB) والتي هي موجودة أصلاً بألوان الطيف الضوئي, وهذا يعني بأنَّه إذا تم مزج الألوان الأساسية الثلاثة بنسب متساوية سيتكون لنا اللون الأبيض, أما الألوان الثانوية المتبقية فتنتج من مزج الألوان الأساسية بنسب مختلفة فيما بينها أو التداخل الدقيق الذي يتم عن طريق الكمبيوتر المستعمل لإظهار الألوان الثانوية وهذه الألوان هي الأزرق المخضر, أو السيان, و الماجينتا, واللون الأصفر, وكما تم ذكره مسبقاً ومن خلال ذلك يمكننا فهم معظم نظريات تشكيل الألوان في أجهزة العرض الرقمية المتمثلة بجهاز عرض البيانات (الداته شو) والذي يعمل على مزج ثلاثة مصادر من الأشعة الضوئية من الألوان الثلاث الرئيسة الأحمر, والأخضر, والأزرق (RGB), وبنسب مختلفة لتتشكل الألوان, أما إذا مزجت هذه الأشعة بنسب متساوية فتعطينا اللون الأبيض أما “بالنسبة للون الأسود فيتم تشكيله بسبب عدم وجود الألوان الرئيسة, أو عدم وجود ضوء ساقط على المنطقة التي يظهر بها  , وهذا يعني بأنَّ الألوان تتشكل على شاشة الكمبيوتر الموصول بجهاز البديل الضوئي عن طريق تقابل مجاميع كبيرة من النقاط الضوئية الصغيرة جدا وهي مكونة من الألوان الرئيسة الأحمر, والأخضر, والأزرق, والتي تفصل بينها مسافة صغيرة بحيث لا يمكن للعين المجردة ملاحظتها وذلك لصغر حجمها, ولكن على عكس قدرة الكمبيوتر في تحسسها والعمل بموجبها, إذ يمكن إظهار اللون على شاشة الكمبيوتر, وأنَّ هذه النقاط الملونة تتوزع بصورة منظمة على كامل مساحة الشاشة, ويسمى كل ثلاث من هذه النقاط بـ البيكسل ((Pixel  حيث يتكون من نقطة خضراء ونقطة زرقاء ونقطة حمراء أي أن الألوان الأساسية الثلاث تُكون بيكسلاً واحداً ويستطيع الكمبيوتر مزج الألوان الثلاثة مع بعضها بأية نسبة لإظهار بكسل معين من البيكسلات بأي لون مهما كانت درجته”([1]). لذلك يرى الباحث بأنَّ الإضاءة المسرحية وعملية التصميم ناتجة من علم وفن كون مسألة التصميم الضوئي تشتمل على:
نواحي علمية تعتمد بشكل أساسي على البحوث والتجارب العلمية المتخصصة للوصول إلى النتائج المرجوة بالعمل.
نواحي فنية تعتمد على الخبرة والدراسة التي تبحث في العلاقات الشكلية للتوصل إلى أفضل النتائج التصميمية.
الموازنة بين الاثنين بوصف المصمم والتصميم الضوئي للعرض المسرحي يعتمد الموازنة بين العلم والفن للوصول إلى أفضل النتائج“([2]), لذلك فالإنغماس في التكنولوجيا والتماهي بها أصبح واقعاً, وهذا يعني بأنَّ الأساليب والعادات ستتغير وفق التكنولوجيا الجديدة, وبمعنى آخر إن ما يتم صنعه من قيم جمالية جديدة على مستوى الخطاب البصري والتلقي بإستعمال التكنولوجيا يجب أنْ يتم إستيعابه بشكل مثالي, إذ يجب علينا أنْ نرى ما يراه الكمبيوتر من عمليات معقدة وحسابات منطقية , إذ لا يتم إلاّ عن طريق تعلم, وإستعمال مهارات الكمبيوتر وتطوير مخيلتنا للعرض المسرحي لذلك فأنَّ فكرة إستعمال الأدوات والعناصر التكنولوجيا المتمثلة بالتقنيات الحديثة والمتعددة ليست بالأمر الصعب, ولكن مدى قربها وتوافقها من تطوير العرض المسرحي هو الأهم وعليه, فاستعمال جهاز البديل الضوئي كوسيلة تقنية حديثة وبديلة عن جهاز الإضاءة التقليدي تمثل التوحيد بين العلم والفن, لأنَّ العلم يستعين بالفن لتحسين المحيط هذا من جانب ومن جانب آخر الفن يهتم بدراسة العلاقة بين الإنسان والبيئة المحيطة,  وهذا الجانب  يحفز المصمم والمخرج على معادلة جهدهما مع التطور الحاصل من أجل تطوير النظرة الجمالية للعرض المسرحي بإضفاء قيم جديدة لعصر تقني جديد, ولهذا سيكون على المخرج والمصمم المسرحي خلق  فضاء مسرحي جديد مبني على التأمل والتناسق عن طريق تعميق فكرة التعامل مع التقنية الحديثة بشكل منطقي ومدروس, لأجل خلق عامل الإبهار(Glare) من أجل جذب المشاهد المسرحي إلى مناطق غير مألوفة له لتحقيق حالة الإنغماس, والتي تعد سمة مهمة من سمات العرض المسرحي في ظل هذه التقنية الحديثة والتي لطالما تم البحث عنها في كل عرض مسرحي.ويرى الباحث بأنَّ عملية تحقيق الإبهار تتم عن طريق الإضاءة البديلة عن طريق قدرتها على توحيد كل عناصر الخطاب المسرحي, لما ” تمتلكه من دلالة محددة بالمعنى الثقافي الجمعي ولامتلاكها معاني ودلالات محدده بالسياق العام لحركة الخطاب الفكري والاجتماعي والنفسي بوصفها لغة بصرية ذات محتوى تقني عالي تهدف إلى خلق جو معين لإيصال العلامات إلى المتلقي”([3]) ويتم ذلك عن طريق الإمكانية الكبيرة للجهاز في تشكيل اللون والضوء عن طريق الأشكال, وتباين الألوان, وتنوع العلاقات, وهي مجتمعة تؤثر بالمتلقي إيجاباً على خشبة المسرح, وكما أنَّ هذا التنوع البصري يمكن تسميته بالإثراء البصري, إذ يُعد من أهم الشروط الأساسية التي تعمل على لفت انتباه المتلقي وشده نحو أدراك ماهية العرض المسرحي”([4]) لخلق جو يضفي الحيوية ويبعد الرتابة والملل, ويحث على الجذب والاستمتاع لخلق صورة جمالية  للمتلقي لتدفعه نحو الإستجابة بكل أنواعها نفسية أو سلوكية أو بايلوجية, لذلك  فالضوء الخارج من الجهاز البديل يُعّد أحد العوامل الجمالية المهمة التي تسهم في خلق الفضاء المسرحي بوصفه “المكون الأكثر أهمية في تعريف الفضاء المسرحي وإظهار الشكل, إذ لا يوجد إدراك بصري للفضاء بدونه وعلى الرغم من توظيف الحواس الأخرى يبقى الإدراك البصري هو العامل المهيمن”([5]) وذلك لأنَّ العين البشرية تُعد من الحواس الأساسية للإنسان, لذا نرى المتلقي المسرحي يعتمد على الإدراك البصري بشكل مباشر في التحليل والاستنتاج من أجل بناء الصورة المرئية النهائية للعرض المسرحي, وبمعنى آخر إنَّ عملية نقل المعلومة للمتلقي لكي تُدرك تصله بصريا أولاُ بوصف الإحساس البصري المستوى الأول في مستويات الإدراك ويُعرف بأنه الاستجابة الأولية للإثارة التي تحدثها صورة معينة للمتلقي”([6]) إذ يمثل الإحساس البصري رد فعل ذهني(بايلوجي) تجاه الإضاءة المستعملة على خشبة المسرح ويكون الاتصال بصرياً بعد أن يدرك حسياُ عن طريق تنظيم التنبيهات الحسية على شكل صور ومعاني بالاعتماد على خبرة المتلقي وتجاربه السابقة, وعلى العموم  أنَّ الشعور  بفهم الأشياء يسمى إدراكاً حسيا والشعور المُبهم يُسمى إحساساً ويستدل من ذلك الاختلاف بين الإحساس والإدراك الحسي, فالأول هو مجرد التنبيه الذي يحدث عن كيفية الحسية مثل التنبيه الذي يحدث للعين بسبب اللون, أما الثاني إدراك الشيء الذي تؤثر كيفيته في الحس, ويتم بالإفادة  من الخبرة السابقة للمتلقي على أنْ لا نغفل بأنَّ الإحساس يتحول إلى إدراك بعد حصول الإنتباه, لأنَّه شرط الإدراك, ولأنَّ الإنتباه فعال في حالات عِده أولاً عند إستقبال المعلومات, ومن ثم عند تخزين وتفسير المعطيات الحسية, إذ يقرر إذا ما كان سوف يستجيب لها أو يتأهب للفعل, لأنَّ العين البشرية لا تقف عند محطة بصرية واحدة, أو تقوم بعملية مسح ضوئية(Scanning) أثناء حركة متواصلة إلا بعد أنْ تبقى لفترة قصيرة في موضع ومن ثم تقفز إلى موضع آخر لتبقى فيه مرة ثانية وهكذا… وتدعى الفترة التي تبقى فيها العين في موضع بفترة المكوث (Fixation) إما الحركة السريعة بين مكوثين, فتدعى بالقفزة(Saccade) وتدخل العديد من المؤشرات في تلك العملية للتعرف على مراحل عملية الإدراك التي ينشط بها الانتباه إذاً فالإثارة الحسية تمثل أولى مراحل الإدراك الحسي, وتوليد الفعل تجاهها, ومن ثم شد الانتباه, وأنْ طالت المدة, فالغرض هو إشتراك المتلقي بصرياً ومعرفياً, ولا يتحول المستلم أو الصورة المستلمة إلى إدراك إلا بوجود الانتباه“([7]) وهذا يعني بأنَّ هناك علاقة وثيقة بين الإنتباه والإدراك, لأنَّ الإدراك يمثل أنشطة معرفية متعددة تمكن المتلقي من أخذ القرار على ما ينتبه إليه,  ومن ثم تُنمي قدرته على إيجاد معاني للمعلومات التي يجمعها لربطها بالخبرة السابقة ضمن مدة زمنية تعتمد على وعي وثقافة المتلقي هذا من جانب ومن جانب آخر فاعلية التأثير المتمثل بالاتصال البصري للمتلقي, ومن ثم القدرة على إقناعه عن طريق إلتزام المصمم والمخرج للعرض المسرحي بترجمة وبناء إتجاهات وميول ورغبات المتلقي بظل التقنية الحديثة,  وهذا يحتاج إلى مهارة وخبرة عالية من أجل إيصال تلك الأفكار وفق آلية يتم فيها تجسيد ما هو متخيل من أفكار بما يضمن تحقيق وتجسيد تلك الفكرة, لكي ندركها بالواقع وهذا يحتاج بدوره إلى برمجيات تقع ضمن عناصر الوسائط المتعددة للوقوف على الإمكانيات التقنية وتطويرها بما يضمن تحقيقها, وبشكل أفضل على خشبة المسرح لذلك فقد أتاحت تقنيات الكمبيوتر وبرمجياته تقديم المواد بشكل مرئي ومسموع في آن واحد ومشاهدة صور قد تكون ثابتة, أو متحركة تضفي على النص المسرحي المزيد من التشويق وهذا هو سر جاذبية العروض المسرحية التي تدخل التقنية الرقمية بالعمل بها, فهي تعمل على مخاطبة المتلقي في جميع حواسه ومدركاته العقلية, لذلك فأعتماد تصميم الإضاءة رقمياً وبإستعمال جهاز بديل عن جهاز الإضاءة التقليدي قد فتح آفاق جديدة أمام مصممي الإضاءة المسرحية والمخرجين, للإرتقاء بالتصميم الضوئي للعرض المسرحي عن طريق توفير بيئة عمل إفتراضية ضمن الكمبيوتر إذ تكون مُدخلات العملية التصميمة جميعها مدخلات إفتراضية يتعامل معها المصمم والمخرج بمنتهى المرونة والدقة مما يضع أمامه خيارات هائلة في التنوع في أغناء التصميم الضوئي عن طريق التباين في الألوان والأشكال المتعددة  بغية الوصول إلى الشكل النهائي الأمثل, ومن دون تحديد الكلفة والوقت والجهد ، إذ تُعد جميع هذه التفاصيل منحسرة التأثير بالمقارنة بما كانت عليه عملية التصميم التقليدية, لذلك فقد أصبح أداء هذه العمليات في ظل ما توفره التقنية الرقمية والمتوافرة في أجهزة الكمبيوتر وبإستعمال مختلف البرامج التصميمية تمتلك إمكانيات سريعة وعالية الجودة وأصبح التقني والمخرج قادراً على انجاز تصاميم تتمتع بالثراء والتنوع والجاذبية لشد المتلقي للإستكشاف بما تحتويه من إثراء بصري لغرض لفت الإنتباه والإثارة ثم السرعة في فعل التلقي([8]).


المصادر:

([1])See:http://webcache.googleusercontent.com/search,previoussource,Accessdate,26/6/2017
(2) See: Gary, Steffy: Architectural Lighting Designs, Second edition,LC ,IEC, Fields, 2002 ,p2
(3) مؤنس,قاسم, تفكيك الخطاب البصري ودلالاته في العرض المسرحي,بغداد, دار مخطوطات,الطبعة الأولى,2012,ص68.
(4)See: Lynch, Kevin: Site planning, Second Edition. The Mit Press.IsA.1991,p184 .
(5)See: Kuritch ,Johan Garret  Eakin , Interior Architecture, previous resource,p179
(6)See: Lynch, Kevin and Gary Hack:Site Planning .Third Edition, Cambridge Massachusetts,2000,p220
(7) See:  Same Source,pp188,222
(8)See: Christopher Baugh,Theatre Performance and Technology(The Development of Scenography in the Twentieth Century), New York, first published,2005,pp94-98.

الجمعة، 28 أبريل 2017

الصّورة في المسرح – التشكيل السينوغرافي في المونودرام المسرحي “حمق سليم” لعبد القادر علّولة أنموذجاً

مجلة الفنون المسرحية


 الصّورة في المسرح – التشكيل السينوغرافي في المونودرام المسرحي “حمق سليم” لعبد القادر علّولة أنموذجاً 

د/ صورية غجاتي

مقدّمة:

تشتغل هذه الورقةُ النقدية على مفهوم الصّورة السينوغرافية في العرض المسرحي، بوصفها خطاباً بصرياً يقوم على مجموعة من العلامات المحمّلة بدلالات يستقبلها المتلقي ويقوم بفكّ شفراتها للوصول إلى فحوى خطابها الجزئي الذي يتضافر مع خطاب الممثّل لتحقيق الهدف العام من العرض المسرحي.وعلى هذا الأساس تشكّل مسار هذه الورقة من محطّتين اثنتين:إحداهما نظرية والأخرى إجرائية:

تحدّدت تضاريس المحطّة الأولى في النقاط الآتية:

أوّلاً: الصورة في المسرح:مقاربة نظرية.    

ثانياً: الصّورة السينوغرافية:

1/ السينوغرافيا: حدّ المصطلح وارتحالاته.                                                      

2/ مهام السينوغرافيا اليوم ورهانات المستقبل.

أما المحطة الثانية فقد كانت تحليلاً للتشكيل السينوغرافي في واحدٍ من العروض المونودرامية الجزائرية الشهيرة، وهي مونودرام ” حمق سليم ” للراحل عبد القادر علولة، وفق الخطوات التالية:    

ثالثاً: وسائل التشكيل السينوغرافي في مونودرام “حمق سليم”.        

1/ الأكسسوار/ Les Accessoires.  

2/ الملابس/Les Costumes.

 3/ الدّيكور- الإضاءة/ Le Décor-L’éclairage.

 أوّلاً/ الصورة في المسرح:مقاربة نظرية:

من المؤكّد أنّ العرض المسرحي لا يتكامل خطابه بالدلالة اللّغوية فقط، بل في تفاعله مع بقية العناصر المسرحية، وبين المتلقي الذي يتفاعل مع الحركية البصرية واللّغوية.وأيّ عمل مسرحي يحتاج إلى حركة مسرحية تنسجم وتتفاعل مع الألوان في تحليل الإبداعات التشكيلية وبناء الصّورة المرئية.فقواعد المنظور المسرحي تُعطى لتكوين الإيحاء بالمكان المتّسع داخل فراغ المسرح(2) وهو ما يشكّل “الصورة المسرحية” الكليّة.وإذا كانت الصّورة في مفهومها العام تمثيلٌ للواقع المرئي ذهنياً أوبصرياً، أو إدراكٌ مباشر للعالم الخارجي الموضوعي تجسيداً وحسّاً ورؤيةً(3).فإنّ الصورة المسرحية لا تخرج عن زاوية هذا المنظور؛ فهي «تقليصٌ لصورة الواقع على مستوى الحجم والمساحة واللّون والزاوية.ويعني هذا أنّ المسرح صورة مصغّرة للواقع أو الحياة، وتتداخل في هذه الصورة المكونات السمعية والمكونات البصرية غير اللفظية»(4).ووفْق هذا الطرح يُصبح «كلُّ شيء يُشكّل واقعاً على خشبة المسرح:نصّ الكاتب المسرحي، تمثيل الممثّل، والإضاءة المسرحية.كلّ هذه الأشياء، وفي جميع الحالات ترمز إلى أشياء أخرى.فيكون العرض المسرحي بهذا المعنى مجموعة إشارات»(5).وقد عبّر عن المعنى ذاته (O.zich/أوتكار زيش) في كتابه “علم جمال الفنّ الدرامي” بقوله:«هو فنّ الصور/images وهو كذلك من جميع النواحي على الإطلاق»(6).

تتكوّن الصورة المسرحية من مجموعة من الصور البصرية التخييلية المجسّمة وغير المجسّمة فوق خشبة الركح، منها:الصورة اللّغوية التي يمثّلها النصّ، وصورة الممثّل، والصورة الكوريغرافية، والصورة الأيقونية، والصورة الحركية، والصورة الضوئية، والصورة السينوغرافية، والصورة التشكيلية، والصورة اللونية، والصورة الفضائية، والصورة الموسيقية الإيقاعية، والصورة الرصدية(7).وفي هذا السياق أشار (T.kowzan/ تاديوز كاوزان) إلى وجود ثلاثة عشر شفرة، يُقلّص العالم الدرامي فيها وهي(8): “

“1- الكلمة،

2- النغمة(لهجة المتكلّم)،

3- الإيمائية(تعابير الوجه)،

4- الإيماءة،

5- الحركة،

6- الماكياج،

7- تسريح الشعر،

8- الملابس،

9- الإكسسوار،

10- الديكور،

11- الإضاءة،

12- الموسيقى،

13- الصّوت”.

وقد لاحظ (كاوزان) أنّ العلامات البصرية أكثر حضوراً في العرض المسرحي مقارنةً بالعلامات اللّسانية اللفظية؛ حيث قدّر عددها بتسع علامات من أصل ثلاثة عشر علامة.وتخضع هذه العلامات أو الشفرات إلى قانون التحوّل المستمر في العرض المسرحي، ومن ثمّ لا تُعدّ الصورة المسرحية هي الشكل البصري فحسب، بل هي تلك العلاقات والحوارية البصرية؛ العلاقات البصرية التي تجمع مكونات العرض الفنّي المسرحي ذاته، والحوارية البصرية بين هذه المكونات والممثلين والمتفرجين(9).

ونظراً لتعدّد الصور الفرعية التي يُشكّل تضافرها الصورة المسرحية الكلية، سوف نعمل من خلال هذه الورقة النقدية على التركيز على واحدة من أهم تلك الصور الفرعية التي عرفت إشكالات كثيرة على المستويين النظري والإجرائي وهي الصورة السينوغرافية.

ثانياً/ الصورة السينوغرافية.

   1-  السينوغرافيا :حدّ المصطلح وارتحالاته:

في البدء نُشير إلى أنّ قلّة البحوث والدراسات التي تُعنى بالسينوغرافيا على مستوى التداول والممارسة، سواء ما كان منها تأليفاً أو كان ترجمةً، قد فتح باب الالتباس والغموض والارتباك في فهم حدود هذا المصطلح، شأنه شأن غيره من المصطلحات الأدبية والفكرية والفنية الوافدة على ثقافتنا العربية.ولعلّ قلّة من المسرحيين في المغرب والجزائر وتونس قد أبانوا عن استيعابٍ واضح لهذا المفهوم نظرياً وإجرائياً لقربهم واحتكاكهم بالثقافة الغربية خاصّة الفرنسية.عدا هذا الاستثناء ظلّ مفهوم السينوغرافيا – عربياً- يفتقد إلى إضاءات عبر دراسات جادّة ترفع عنه اللّبس وضبابية الفهم، وتُصادر تلك المقالات المبتسرة الصادرة عن أقلامٍ غير متخصّصة في الصحافة الإلكترونية بالتحديد.

مصطلح السينوغرافيا من المصطلحات الحديثة في الخطاب المسرحي العربي بشقيه الإبداعي والنقدي؛ فقد بدأ تداوله من طرف المسرحيين العرب في ثمانينيات القرن الماضي.ولعلّ أوّل من استخدمه مسرحيو المغرب العربي بحكم اتّصالهم الوثيق بالثقافة الفرنسية.ثمّ بدأ استخدامه تدريجياً في أنحاء أخرى من العالم العربي(10).وقبل أن نقدّم إضاءة لهذا المصطلح ونقف عند حدود مفهومه.نحاول في البدء الكشف عن أصوله في المسرح وارتحالاته نحو مجالات أخرى عبر الأزمنة.

اشتُقّ مصطلح “سينوغرافيا” من الكلمة اليونانية”Skênographia” التي تمّ نحتها من كلمتين هما:” Skêne” وهي الخشبة، وكلمة”graphikos” وتعني تمثيل الشيء بخطوط وعلامات، ويُضاف في اللغة الإنجليزية إلى كلمة “سينوغرافيا” تعبير(Set Design) أي تصميم الخشبة(11). وفي العهد اليوناني اعتبَر(أرسطو/Aristote)(384- 322ق م) المناظر وتجهيزات الخشبة أحد المكوّنات الستّة للتراجيديا، وإن كانت أقلّها أهمية، حيث يقول في هذا الصدد: «صناعةُ المسرح هي أدخل في تهيئة المناظر من صناعة الشّعر(…) والمنظر، وإن كان ممّا يستهوي النفس فهو أقلّ الأجزاء صنعةً وأضعفها بالشّعر نسباً »(12).وفي القرن الخامس قبل الميلاد كانت هذه الكلمة تُحيل على معنى فنّ تزيين واجهة الجزء المخصّص للتمثيل بعوارض مرسومة تُمثّل مناظر طبيعية أو معمارية تدلّ على مكان الحدث(13).وفي عصر النهضة في إيطاليا صارت الكلمة مفردة من مفردات فنّ العمارة، ودلّت على “المنظور” وهو أحد الرسوم الثلاثة التي كانت تُقدّم للبنّاء قبل أن يشرع في البناء إلى جانب “المسقط” و”الواجهات”.وعندما أصبح تحقيق “المنظور” هو الأساس في تصميم الديكور المسرحي في عصر النهضة والقرن السابع عشر، انتقلت كلمة “سينوغرافيا” للدلالة على فنّ تحقيق المنظور بالرسم في ديكور المسرح واستُبدلت تدريجياً بكلمة “ديكور”(14).

توسّع مدلول الكلمة في العصر الحديث، وتجاوز دلالة مصطلح “الديكور”، فإذا كان مجال “الديكور” هو ما يوجد على الخشبة حصراً، فإنّ “السينوغرافيا” صارت تختصّ بالبحث في علاقة (الممثل والمتفرج) بالفضاء المسرحي، وعلاقة كلّ المفردات المسرحية ببعضها بما فيها الخشبة ومكان المتفرج(15).ومع منتصف القرن العشرين ظهر مفهوم “التجريب/Expérimentation” في مجال المسرح، و أفرز العديد من المفاهيم والأطروحات الجديدة حول تنظيم الفضاء المسرحي، قام بالتنظير لها مجدّدو القرن العشرين من أمثال (أدولف آبيا/A.Appia)(1862- 1928)، و(غوردن كريغ/ G.Craig)(1872- 1966)، ابتغاء إعداد الفضاء المسرحي وإعطائه مسحة تشكيلية.وهو ما غيّر النظرة إلى هذا المفهوم من مجرد عنصر مكمّل في العرض المسرحي إلى عنصر محرّك له، وحامل رئيس لدلالته.فتتوجّه السينوغرافيا – تبعاً لهذه الرؤية – من العناية بالتكوينات البصرية والعلاقات المكانية الناشئة في هذا الفضاء، والكُتل المتحركة فيه(الممثل، الضوء، اللّون، الديكور..)(16).

 وبهذا أصبح مصطلح “السينوغرافيا” يحيل على مفهوم « تنسيق الفضاء المسرحي والتحكّم في شكله، بهدف تحقيق أهداف العرض المسرحي الذي يُشكّل إطاره الذي تجري فيه الأحداث»(17).و هناك تحديد أكثر دقّة تمّ فيه مراعاة عنصر المتلقي في الدلالة المعاصرة لهذا المصطلح، وهو أنّ السينوغرافيا «عملية تشكيلٍ بصري/صوتي لساحة الأداء التي يُشارك المتلقي في تشكيلها بوجوده وخياله، فهي عملية إرسال مركّبة تُقابلها وتكمّلها عملية قراءة مركّبة يقوم بها المتلقي»(18).ويقوم مبدع هذه العملية (أي السينوغراف) باستثمار تقنيات الديكور، الإضاءة، الأزياء، اللّون، الفراغ، الحركة، الكتلة، الصوت،…ليُشكّل من معطياتها، وفق رؤية موحّدة، تكوينات بصرية- مشهدية تنطوي على علامات مكانية وزمانية ذات قدرة على التوليد الدلالي(19).

 يتّفق جلّ المهتمين بالمسرح على أنه يوجد مجالين للسينوغرافيا المسرحية هما(20):  

أ/ سينوغرافيا التقنيات:

ويتركّز اشتغالها في دراسة وتصميم واقتراح كلّ ماله علاقة بالمكان المسرحي.

ويمكن أن يكون السينوغراف في هذه الحالة مهندساً معمارياً ينصبّ عمله على:

- تحديد قياسات الخشبة وحجمها نسبةً إلى الصّالة انطلاقاً من نوعية العروض (مسرح، باليه، أوبرا…إلخ).

- تصميم العلاقة بين الصّالة والخشبة معمارياً وتقنياً بمراعاة بعض المعايير:كشروط الرؤية، وهندسة الصوت Acoustique، واختيار نوعية التجهيزات الصوتية والضوئية.

 - حساب قُدرة الصّالة على استيعاب عدد معيّن من المتفرّجين والقدرة على إخلاء الصّالة ضمن شروط السلامة.

 - تصميم أماكن الخدمة الملحقة بالمسرح والأماكن المخصّصة للممثلين والعاملين.

ب/ سينوغرافيا الديكور:

وهي أقرب إلى صلب العملية المسرحية، ويتركّز عملها على تصميم الديكور، وفي كثير من الأحيان تصميم الزيّ المسرحي والأكسسوار والأقنعة والمؤثرات الخاصة من إضاءة ومؤثرات سمعية.يعمل سينوغراف الديكور إلى جانب المخرج لكي يتحقق الانسجام في أسلوب العمل إجمالاً.وينصبّ عمله على معالجة الفضاء المسرحي بكلّ أبعاده (داخل/خارج) ومكوّناته (إضاءة وإكسسوار من جهة، والتكوين من خلال الخطوط والكُتل والفراغات والشكل واللّون والملمس من جهة أخرى.

2/ مهام السينوغرافيا اليوم ورهانات المستقبل:

إذا كانت الصورة السينوغرافية «ترتكز على تأثيث الفضاء سيميائياً وأيقونياً، وتحويله إلى تحفة تشكيلية بصرية لونية وجسدية وضوئية وإيقاعية.ومن هنا، فالصورة السينوغرافية هي صورة مشهدية كبرى تشمل على مجموعة من الصور المسرحية الفرعية كالصورة اللّونية(الأزياء، والماكياج، والتشكيل…).والصورة الضوئية(الإضاءة…).والصورة الإيقاعية الزمنية(الموسيقى…).والصورة الجسدية(الرّقص والكوريغرافيا، وحركات الجسد…).والصّورة الفضائية(تقسيم الخشبة وتوزيعها…)»(21).فإنّ وظيفتها الأساسية تنحصر في الوقت الراهن في «إعادة تشكيل الفضاء المسرحي، وإخفاء الحدود بين الركح والجمهور، ثمّ السعي إلى تأسيس علاقة مكانية وبصرية بين الدراما والمتلقي، والعمل على توسيع الصورة والمكان المسرحي التقليدي بالاتجاه نحو التراكيب والأشكال والأحجام المستقلة المتحركة التي تُسهم في التعبير الدرامي، فالتنوّع اللامحدود واللانهائي للعمل السينوغرافي انطلاقاً من الفراغ، هو تنويع صور الفراغ وتوسيع مجالات الحركة فيه، لأنّ كلّ شيء فيه يمكن هندسته وبناؤه»(22).

ووفقاً لهذا الطّرح تصبح الخطّة القبْلية التي كان يعمل وفقها الديكور قديماً مرفوضة بالنسبة للسينوغرافيا لأنها خطّة جاهزة تحيل على دلالة منتهية وتابعة لباقي الدلالات التي يعمل العرض المسرحي بكلّ مفرداته على خلقها وتوليدها ولا يُشرَكُ المتلقي في فعلها لأنه لم يكن حاضراً لحظة تصميمها؛ ذلك أنّ «البناء القبلي مرفوض، أما ما هو بعدي فهو فنون السينوغرافيا التي تصير بالنسبة للمتلقي إمكانات بصرية تخييلية ومتلفّظة تجعله يشتغل على ما يرى ويسمع ليملأ الفراغ بحيوية خياله»(23).هنا تتجلى الفروق الواضحة بين مفهوم”سينوغرافيا” ومفهوم “ديكور”؛ فإذا كان الديكور- في المسرح – في الماضي يقوم على استثمار إمكانيات الرّسم في تحقيق “الإيهام/Illution”.فإنّ فنّ السينوغرافيا اليوم يقوم على استثمار الفضاء المسرحي كفراغ من أجل إعطاء المسرح بُعداً شعرياً.وتطبيقاً لهذه الرؤية الجديدة، استثمر المخرج الروسي” ڤسيڤولود مييرخولد/V.Meyerhold”(1874- 1940) النظرية البنائية التي تقوم على استثمار تناغم الخطوط الأفقية والعمودية في فراغ الخشبة للتوصل إلى شكل عرض يقوم على رفض الإيهام.كما فتح الروسي “ألكسندر تايروڤ/A.Tairov”(1885- 1950) – بالتعاون مع الرسّامين في المسرح- الباب أمام توجّه جديد ظهر في ألمانيا وتجلى بأعمال مدرسة “الباوهاوس/Bauhaus”، التي عمل القسم المسرحي فيها على تطوير التجريب حول العلاقة بين الألوان والأشكال، وكان له الفضل في تطوير النظرة إلى سينوغرافيا المسرح(24).

 وفي السنوات الأخيرة اتّسع مجال السينوغرافيا عالمياً، فتجاوز نطاق المسرح إلى كلّ ما يدخل في إطار تصميم الفراغ وأساليب استثماره في المعارض والمتاحف والعروض المُبهرة والاحتفالات الجماهيرية مثل افتتاح الأولمبياد على سبيل المثال.أمّا في العالم العربي فمازالت السينوغرافيا كاختصاص مستقلّ معماري وتقني له علاقة بالمسرح، في خطواتها الأولى بل وتكاد تكون مجهولة(25).وليس من المبالغة في شيء أن نقول أنها مازالت في طور الحبو تحاول أن تتلمس طرق نهوضها في غمرة التنظيرات الغربية المتراكمة وما يعتورها من إشكالات.

تُراهن السينوغرافيا على «ترويج ثقافة بصرية لا كلامية، إنها رهاناتٌ مشروطة بـ “التحيين الإخراجي” وبإثراء الفضاء بتعدّد زوايا النظر والمشاهدة بعيداً عن “مادية النصّ”.إنها تريد أن تجعل العرض مسكوناً بالعديد من الإيحاءات التي تخترق فضاء الركح وجغرافيته باستحداث فضاءات أخرى داخل هذا الفضاء الهندسي وقد تراكبت فيه مجموعة من الأنظمة الإشارية»(26).

وسائل التشكيل السينوغرافي في مونودرام “حمق سليم”:

1- الإكسسوار/ Les Accessoires:

حدّد “باتريس بافيس/ Patrice Pavis” في معجمه المسرحي مصطلح “إكسسوار” بأنه مجموعة من أشياء ركحية يُحرّكها الممثلون أثناء العرض؛ بغض النظر عن الديكور والملابس(27).وفي كتاب “عالم المسرح/L’univers du Théâtre ” وضِع الإكسسوار في مرتبة وسطى بين الديكور والملابس، نظراً لمرونته وقابليته للتحوّل إلى حدّ الالتباس من خلال سياق اللّعب والاندماج في وضعية مغايرة لوضعيته الأصلية التي وضِع لها(28).

بقليل من التمعّن في هذا المونودرام نُدرك أنّ الإكسسوار قد حضر وبقوة كوسيلة استعانت بها السينوغرافيا في إيصال خطابها للمتلقي.فإذا كان “سليم” موظفاً إدارياً بسيطاً راح يُسجّل يومياته مع الوظيفة، والبيت، والشّارع.فإنّ (الجريدة، والسجّل، والقلم) كانت هي الإكسسوارات الضرورية المصاحبة لمثل هذا الدّور.وبما أنّ سليم الموظّف سيتحول لاحقاً إلى سليم الأوّل الملك صاحب الجلالة في نقلةٍ نوعية امتزجت فيها التراجيديا بالكوميديا، فإنّ هذه الإكسسوارات الثلاثة ستختفي وستظهر بدلاً منها قطعتان غريبتان، وتكمن غرابتهما في أنهما نُقلتا من وظيفةٍ إلى أخرى بعد إجراء بعض التعديلات عليها لتليقا بالدور الجديد.إنني أتحدّث هنا عن “حاملة الخبز” التي تحوّلت إلى ” تاج الملك”، و”البرنوس القديم” الذي صار رداءً ملكياً فاخراً يحمل خلفه رسمةَ تنّين كأيقونة دالّة على المُلك والإمبراطورية.

- هل كان سليم الذي وُصِف بالأحمق يطمح فعلاً في الحياة البرجوازية أو ما أسماه بـ “المرتبة العالية” ؟

- وما هي هذه المرتبة العالية إذا قرأناها في ضوء الإكسسوارات التي لحقت بالممثل لتدّل عليها:  (حاملة الخبز= التّاج)، (برنوس تقليدي= رداء ملَكي)؟

إنّ” المرتبة العالية ” التي كان سليم يطلُبها ليست سوى “الكرامة”، وهي مطلبٌ إنساني ليس هو الوحيد الذي كان ينشدها ولكنّ كثيرين سبقوه في طلبها وهم أولئك الذين وجدهم في استقباله في مستشفى المجانين !!                                                                      

ولتتحقّق كرامة الإنسان لدينا لا بدّ من توافر شرطان:                                      

الأوّل: هو الأمنُ الغذائي؛ أن لا نكونَ تابعينَ غذائياً فنكون عبيداً تابعين إيديولوجياً ثمّ إنسانياً، لذلكَ جعل سليم من “حاملة الخبز” تاجاً ملكياً ليقول لنا إنّ من يُحقّق كفايته وأمنه من الغذاء، فقد ملَك نفسه ولم يملكهُ غيرُه.                                                                    

الثاني: أن نتمسّك بمقوّمات أصالتنا دون أن نرفض الانفتاح والتطوّر، من هنا لم يجد سليم أفضل مُكمّلٍ لمُلكه وسيادته غير البرنوس القديم الذي كان بحاجةٍ إلى قليلٍ من التعديل ليكون مناسباً ولعلّ أهمّ تعديلٍ لحق به هو صورة التنّين التي رسمَها سليم على ظهره لتكتملَ فيه صفة “الملَكية/ الإمبراطورية”؛ فالأصالةُ ليست ضعفاً ولا انطواءً على الذات، بل هي قوّةُ الجمع بين الماضي والحاضر.

2- الملابس/Les Costumes:

لازمَ الممثّلَ لباسٌ واحدٌ تقريباً تميّز بالرّسمية وكان مناسباً لموظّف إداري، ولم يتغيّر إلا في المشاهد الأخيرة حين استُبدل بقميص المجانين.وقد شكّل “المعطف” قطعة لباسٍ مثيرة للانتباه؛ إذ كان بمثابة الرفيق الملازم للممثّل يتحرّك بتحرّكه ويستكين بسكونه، إلى الحدّ الذي جعلنا نعدّه تارةً لباساً ونراه تارةً أخرى قطعة إكسسوار نظراً لحمولته الدلالية وتميّزه بكثافة تعبيرية جعلتنا في كثيرٍ من الأحيان نعتبره ظلاً للممثّل أو مرافقاً له أو توأماً لصيقاً به.وهذه القدرة على “السميأة/ Sémiotisation” التي حظي بها المعطف، تشتغل بحضور الممثّل وبغيابه عندما يرتقي بوصفه شيئاً إلى مستوى الممثّل، في حين ينحدر هذا الأخير إلى درجة الصّفر من خلال محدودية الفعل وتكراره إلى حدّ التنميط كما ذهب إلى ذلك “يوري فيلتروسكي”(29).ويؤكّد في موضعٍ آخر من مقاله (الإنسان والموضوع في المسرح) بأنّ « الموضوع (الشيء) الذي لا حياة فيه يمكن أن يُدرَك كذاتٍ مؤديةٍ للفعل.كما يُمكن للكائن الحي أن يُدرَك كعنصرٍ معدوم للإرادة كليّاً»(30).وإن كنّا نعتقد بأنّ أداء “عبد القادر علّولة” لم يصل إلى درجة الصّفر، فإنّ المعطف قد اكتسب – في حضوره- طاقة إيحائية وقدرة على الارتقاء ليكون في درجة واحدة معه نظراً لقدرة علّولة البارعة في الاستحواذ على انتباهنا وشدّه نحو هذا المعطف.

شغَل هذا المعطف الأسود وضعيات عديدة متحركة وثابتة على مدار غالبية المَشَاهد؛ فتارةً يضعه سليم على كتفيه مرتدياً إيّاه ارتداءً كليّاً، وتارة أخرى يكتفي بإثباته على كتفيه دون أن يرتديه، وفي وضعيةٍ ثالثة يضعه على كتفه الأيمن، ورابعة على كتفه الأيسر، مرّةً يُمسك به بيديه الاثنتين، ومرةً يقبض عليه بيدٍ واحدة، ونادراً ما يُريحه برميه على كرسي مكتبه أو سرير غرفة نومه كجثّة هامدة تعبت من الحركة واستسلمت للراحة..وفي إحدى اللحظات الحاسمة والمضيئة في العرض المونودرامي وهي اللحظة التي تلمع فيها في ذهن سليم فكرة التمرّد على وضعه البسيط وطموحه في اعتلاء ما كان يُسميه ” المرتبة العالية “.يُقدِم على قلب هذا المعطف وارتدائه مقلوباً كترجمةٍ لرغبته في تحقيق فِعل انقلابي على مستوى ذاته التي تُمثّل كلّ ذاتٍ إنسانية متواضعة بسيطة، تعاني الفقر والقهر الاجتماعي والبيروقراطية القاتلة.هذا الانقلابُ الذي جاء رمزاً وجسّدَ فكرته سليم عبر المعطف، تحقّق مرةً أخرى على مستوى الحلم حين تحوّلت حاملةُ الخبز إلى تاجِ مُلْك، وظهر سليم ملكاً في لوحةٍ مستقبليةٍ انفتحت في تفاصيلها على دلالات المستحيل؛ حيث حُدّد تاريخ هذا الإنجاز في يومياته بــ 43 ديسمبر 2000.

هل كان حلماً مشروعاً رغم استحالة تحقيقه؟ أم كانَ لحظة جنون؟                                    

” نعم ” هي الإجابة المنطقية عن السؤالين معاً.لقد كان حلماً اعتمد على الخيال، وكان جنوناً تحرّر فيه العقلُ من قيود الواقع المؤسف والمخزي.ولعل إثبات هذا الجواب نجده في مقولة سليم:(النّاس تظنّ بلّي مُخّ الإنسان ساكن محبوس في الرّاس..هذا غلط..مخّ الإنسان رحّال جوّال مع الريّاح).   نعم إنها الحقيقة، يُمكن استعباد جسَد الإنسان لكنّ فكره يظلّ حرّاً مستعصياً عن التقييد.ولعلّ هذه الفكرة/ الحقيقة تتجلى أيضاً في كلام المجانين الذين سبقوا سليم إلى ” القصر الملَكي/ مستشفى المجانين”، فعندما جاء دوره استقبلوه بالترحيب هاتفين:(بَرْكانا..بَرْكانا من البَنان..حَلّوا البيبَان..خلّوا الصحّ يْبانْ)..هل كانوا فعلاً مجانين؟.فليكن لنأخذ الحكمةَ من أفواه المجانين.

3- الدّيكور- الإضاءة/ Le Décor-L’éclairage:

الدّيكور في مفهوم “باتريس بافيس” هو كلّ ما يوجد على الخشبة، ويُحدّد إطار الحركة بوسائل تصويرية بلاستيكية ومعمارية(31).ويعتقد هذا الناقد بأنّ مفهوم السينوغرافيا قد أصبح مفهوما بديلاً تمّ بواسطته تجاوز المعنى الضيّق للديكور الذي ارتبط عند العامة باللّوحة العُمق، أو المنظور/Perspective للإيهام بالواقعية كما هو الحال عند الطبيعية/Naturalisme(32).

تشكّلَ ديكور مونودرام “حمق سليم” من هندسةٍ غريبة وكان ثابتاً غير متغيّر طيلة مدّة العرض التي قاربت الثلاث ساعات؛ فقد حرص مصمّمه (بوخاري زروقي) على جعله في شكل غُرفٍ منفصلةٍ ومتجاورة، متباينة الحجم، بعضها وقع في اليمين والآخر في الشّمال، وارتبط الأعلى بالأسفل عبر سُلّمٍ كان رمزاً للطموح؛ حيث استعان به سليم في حركةٍ فاصلة لينتقل من الأسفل/ مرتبة موظّف بسيط، إلى الأعلى/ صاحب السموّ سليم الأوّل.وقد اتّسم هذا الديكور بالبدائية وكأننا قُبالة كهفٍ من كهوف العصر الحجري عملتْ يد الإنسان البدائي على تشكيل تفاصيله عبر حركةِ نحتٍ بسيطة، وهندسةٍ تقترب من الغرائبية؛ هذه الأخيرة التي عزّز حضورها إنطاقُ الحيوان، فقد تحوّلت الكلبة ” لُبانة ” إلى كائنٍ ناطق يُحبّ ويكتب رسائل، يُبدي رأيه ويُحلّل ويتساءل، ويتمتّع بحقوقٍ مفقودة عند البشر..كما زادت الموسيقى المصاحِبة من تعميق إحساسنا بالبدائية واستحضارنا للأجواء الغرائبية.

استُغِلَّ جزء من هذا الديكور كجدارية حملت كتابةً وصوراً، تمّ التركيز في كلّ مشهدٍ وعند الضرورة على واحدةٍ منها، ومن أمثلة هذه اللّوحات المصوّرة:(صورة الكلبة، قارورة العطر، عربة ملَكية بجياد، كرسي أثير…إلخ) وقد كانت رموزاً أحالت على الوسط البرجوازي الذي كانت تنتمي إليه رجاء.أما اللّوحات المكتوبة فقد حضر منها واحدة فقط كُتِب عليها بالفرنسية (Hopital Silence).وعلى العموم فقد تميّز ديكور العرض المونودرامي “حمق سليم” بالثبات الذي كان يوحي برتابة الحياة اليومية لموظّف مطحون اجتماعياً، ولم يأخذ هذا الديكور قيمته الإنتاجية الفاعلة إلا بتحرّكات الممثّل في إطاره، قائماً في كلّ مرّة بعملية تبئير لرقعةٍ مقصودةٍ منه.

أمّا الإضاءة فلم توظّف بدلالاتٍ جديدة غير وظيفتها الرئيسية في الفصل بين المَشاهد وتحديد تعاقب الزمن ( ليل – نهار).وقد كانت تُسند إليها في أحيانٍ قليلة وظيفة تبئير الممثّل في وضعٍ ما وفي مكان ما..ولعلّ المثال الوحيد الذي نسوقه في هذا المقام هو منظر تكبيل سليم في مستشفى الأمراض العقلية؛ حيث تعمل الإضاءة على تبئيره كشهيدٍ صُلب في سبيل كلمة الحقّ، ويسود الظلام كلّ ما يحيط به على فضاء الرّكح الذي لم يبق منه منفذاً للنور سوى نافذة صغيرة تُخفي خارجها نوراً أعاقهُ حجمها الصّغير وكثافة الظلام بالدّاخل من إضاءة الخشبة بصورة واضحة.  وبهذا الصّراع الصّامت بين بقعة الضوء المحدودة المساحة وسطوة كثافة الظلام، يتلقى المتفرّج إحساساً رهيباً بالوضع المؤسف الذي آل إليه سليم.وهو يردّد:(أمّي وْليدَك ضاعْ..رجاء لي بيه) طبعاً هي ليست رجاء علّولة زوجته الحقيقية في الواقع، ولا رجاء ابنة المدير في المونودراما، بل الأمل الذي كان ينشده ويرجوه في غدٍ و حياة أفضل.



الهوامش والإحالات:

(*) عبد القادر علّولة: حمق سليم (اقتباس حرّ وأداء وإخراج عبد القادر علولة).تسجيل تلفزيوني:بن براهم رشيد.

 Anne Ubersfeld :Lire le théâtre .paris ,édition sociales,1982,p37.(1)

(2) عامر موسى الربيعي: سينوغرافيا….تشكيل الصورة المسرحية.7/4/2007، جريدة الحوار المتمدّن.ع1878،.متاح على الموقع الإلكتروني//www.ahewar.org:httpm.

(3) قدور عبد الله ثاني: سيميائية الصورة.ط1، عمان- الأردن، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، 2007، ص24.

(4) جميل حمداوي: سيميوطيقا الصورة المسرحية، دراسات في المسرح. ، الرباط- المغرب، منشورات المعارف، 2013، ص93.

(5) مجموعة من المؤلفين: سيمياء براغ للمسرح، دراسات سيميائية.ترجمة وتقديم:أدمير كوريّة،  دمشق، منشورات وزارة الثقافة، 1997، ص97.

(6) المرجع نفسه.ص ن.

(7) جميل حمداوي: سيميوطيقا الصورة المسرحية.ص93.

(8) يُنظر مقالته الموسومة بـ ” ديناميكية الإشارة في المسرح” مترجماً ضمن كتاب: سيمياء براغ للمسرح، مرجع سابق، ص ص 97، 122.

(9) شاكر عبد الحميد:عصر الصورة.سلسلة عالم المعرفة، الكويت، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، ع311، يناير2005، ص306.

(10) عواد علي:غواية المتخيّل المسرحي، مقاربات لشعرية النصّ والعرض والنقد.ط1، بيروت-الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1997، ص87.

(11) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي، مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض.ط1، بيروت- لبنان، مكتبة لبنان ناشرون، 1997، ص265.

(12) يُنظر الفصل السادس من كتاب فنّ الشعر لأرسطو.

(13) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص265.

(14) م ن، ص ن.

(15) م ن، ص266.

(16) مارسيل فريدفون: السينوغرافيا اليوم السينوغرافيا معالم على الطريق.ترجمة:إبراهيم حمادة وآخرون.وزارة الثقافة- مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، ص14.

(17) م ن، ص8.

(18) عبد الرحمن دسوقي: الوسائط الحديثة في سينوغرافيا المسرح.القاهرة، سلسلة دفاتر أكاديمية الفنون، 2005، ص17.

(19) عواد علي: غواية المتخيّل المسرحي.ص88.

(20) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص266.

(21) جميل حمداوي:سيميوطيقا الصورة المسرحية.ص114.

(22) عبد الرحمن بن زيدان: التجريب في النقد والدراما.الرباط- المغرب، منشورات الزمن، ، 2001، ص104.

(23) م ن. ص ن.

(24) ماري إلياس، حنان قصاب حسن:المعجم المسرحي.ص266.

(25) م ن.ص267.

(26) عبد الرحمن بن زيدان:التجريب في النقد والدراما.ص101.

(27)Patrice Pavis :Dictionnaire Du Théâtre .Paris,Edition Sociales,1980    p :18.

(28) Girard Gilles/Oullet Réal/Rigault Cloude :L’univers du théâtre, Littératures modernes presses universitaires de France,edition 1978,

(29) عدد من المؤلفين: سيمياء براغ للمسرح.ص141.

(30) المرجع نفسه.ص139.

(31) Patrice Pavis :dictionnaire Du Théâtre .P :99

(32) Ibid.p :99

َ

َ(قُدّمت هذه الورقة النقدية كمداخلة في الملتقى الدولي “واقع الجماليات البصرية في الجزائر” المنعقد بكلية الفنون/جامعة مستغانم في 11/ 12 نوفمبر 2014)


------------------------------------------
المصدر : مجلة مسارب 
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption